رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس والخمسون
جحظ نادى بصدمة جلية على ملامحه، وبدت ملامحه شاردة، واهنة، كمن سقط عليه دلو من الثلج، كان عمر ينظر له بغضب، لم يعرف سر غضبه الغير متناهي، ولكن ما هو متأكد منه انه وان كانت بينهم مجرد علاقة غرامية ويريدها زوجته حقًا، فهو لن يسمح لهم أن يستخدموه ك احدى الكبارى ليصلوا لبعضهم، بينما أخذ خالهم يتفحصهم بعيناه قبل أن يسأل عمر بحدة: في اية يا عمر، نفهم اية!؟
نقل ناظريه لنادى، الذي كان وكأنه يقف امام احدى اختبارات الكذب، يخشي الإجابة بشيئ خاطئ يفسد ويعكر صفو كل ما مهد له في أخر ايام، ثم هتف بسخرية واضحة: هتقول لأبوك انت ولا اقوله انا يا نادى ظل نادى يفرك أصابعه بتوتر، يخشي وبشدة معرفة والده، تمالك نفسه بصعوبة ثم نظر لعمر بثبات مزيف وهو يقول بجدية مصطنعه: تجول اية يا عمر، مفيش حاجة تتجال ابوى ميعرفهاش اصلاً.
جز عمر على أسنانه كاملة بغيظ لدرجة كادت تنكسر، ثم أردف بنبرة أشبه لفحيح الأفعي قائلاً: يعني ابوك عارف بقا يا نادى تأفف خالهم بضيق بدأ في الظهور عليه، كأشارة لعداد الصبر لديه، ثم صاح فيهم بنفاذ صبر: يووه، ماتفهموني اية إلى بيجرى بجا مسح عمر على شعره ببطئ، كمحاولة لتهدأة نفسه والتصرف بحكمة، ثم تابع بجدية موجهًا نظره لخالهم:.
انت عارف يا خال، ان ابنك بيكلم اختي مريم في الموبايل والله اعلم بيستعبطونى من امتي! تجمد والده مكانه، لا يشيح ببصره عن نادى الذي كان يغلق عيناه، تفجرت القنبلة وحدث ما كان يخشاه، لن ينقذه الان من هذا الإعصار الذي سيهب عليه يدمره حتمًا اى شيئ، إبتلع ريقه بصعوبة، بينما هز عمر رأسه وهو يقول متهكمًا: تؤ تؤ شكل ابوك مكنش يعرف إن ابنه واطي ميعرفش الاصول.
هنا صدح صوت والده العالي، وهو يشير بيده لعمر أن ينتظر ثم قال متساءلاً لنادى بحدة بالغة: الكلام ده صح يا نادى؟ تلعثم نادى وهو يومأ برأسه مؤيدًا، وسرعان ما راح يبرر بتوتر: بس والله يابوى ما تكلمنا الا كام مرة عشان نعرفوا كيف هنجنعك انت وعمر اتاهم صوت محسن متساءلاً بحيرة: بس كيف عرفت عمر من جبل ما تعرف انه جوز شهد؟ نظر له بهدوء ومن ثم أردف بجدية:.
لما روحت القاهرة مرة، شوفتها هناك، وهي شافتني والكلام جاب بعضه و، وآآ كنت عايز اتجدملها، بس جالت ان اخوها رجعت تعيش معاه، ومش سهل تجنعه بسرعة كدة تقوس فم عمر بأبتسامة ساخرة، ثم قاطعه متهكمًا: قوم انت تكلمها من ورايا اسهل من اقناعي يعني! هز رأسه نافيًا بسرعة وهو يقول مبررًا: لا صدقني الاول مكنتش اعرف انها اختك غير من كام يوم فيما قال والده بأسف واضح:.
يا خسارة تربيتي فيك، هي دى الاصول، تكلم البنية من ورة خيها إكدة أطرق رأسه بخزى، لم يطرقها بحياته يومًا، ولكن الان هو مجبر، وإلا سيتلقي تلك الموجه العنيفة التي يخشي قدومها نظر له عمر بأشمئزاز بدى في عينيه السوداء، بينما أستطرد خالهم جادًا: أني بعتذرلك يا ولدى نيابة عن نادى، وبأطلب يد خيتك منك اليوم جبل بكرة أغمض عمر عيناه متنهدًا تنهيدة طويلة حارة ثم قال مفكرًا:.
معلش يا خال سيبني أفكر، محتاج اقعد مع نفسي شوية اومأ الاخر، ثم نظر للجميع قائلاً بصوت آمر: كل واحد يشوف حاله خلاص ثم عاد ينظر لعمر مرة اخرى، وقد إرتسمت البشاشة على وجهه المجعد، وأردف بهدوء حذر: وانت يا ولدى خد راحتك ف التفكير وانا مستني ردك.
بينما كان نادى يقف مدهوشًا، متسع الحدقتان، يحملق بهم بصدمة، لم يتخيل أن الأمر بهذه البساطة، أم انه فتاة يخشي والده أن يفضح أمره، ولكن ما أيقنه ان والده فعل ذلك من اجله رغم غضب اللانهائي منه..
لا يعرف ما الذي جعله يتهور وينطق بهذه الجملة، وكأنه مواطن يطالب العودة وبقوة لأرضه التي احتلها المحتل لفترة أفقدته دفئ وحب هذه الأرض، كم شعر أنه مراهق في هذه اللحظات، لم يكن بحياته يومًا متهور كالآن، يطالب بسرعة كتب الكتاب دون الرجوع لأى شخص، ولكن من المؤكد أن من يتحكم به هو قلبن وليس عقله، وما اصعب ذاك التحكم الذي يجعلك تفعل بعض الاشياء كأنها ليست رغبتك، نظرت كلاً من رضوى ووالدتها لعبدالرحمن بصدمة جلية على ملامحهم، بينما عبدالرحمن يقف هادئًا منتظرًا الرد على هذا التهور، حتى قطعت نبيلة هذا الصمت الذي دوى للحظات متساءلة بصدمة:.
انت واعى للي انت بتقوله؟ اومأ عبدالرحمن مؤكدًا بأبتسامة هادئة، ثم أجابها ببلاهة: ايوة طبعًا واعي ولية لأ هزت رأسها نافية بسرعة، ثم ضربت كف بكف وهي تقول بحسرة مصطنعة: لا لا ياعيني خلاص الواد اتجنن، بقي في حد بيطلب يكتب الكتاب بكرة، وكأنك هاتكتب ورقتين عرفي، وحتى انت ماقولتش لأهلك إرتسمت الجدية على ملامحه في ثوانٍ ببراعة، ثم أردف مهدئًا:.
استني بس يا حماتي، اهلي مش هيقولوا اى حاجة، وبالنسبة لكتب الكتاب احنا هانعمل حاجة صغيرة كدة، والفرح بعد شهر مثلاً شهقت بصدمة اخرى، ووضعت يدها على فاهها بحركة مباغتة، لا تعرف من اين اتي له هذا الأصرار الذي رأته في عينيه للتو، اما كان يكفيها معرفة رضوى بكل شيئ، تنحنحت قائلة بتفكير مصطنع: طب سيبني افكر شوية هز رأسه نافيًا ثم عاد يقول بأقناع:.
تفكرى ف اية بس يا حماتي، مش محتاجة تفكير، احنا هانكتب الكتاب بس وضعت إصبعها على فكها كحركة تعبر بها عن التفكير العميق، ثم تابعت بأمتعاض: اممم، طب قول لأهلك يا عبدالرحمن والي فيه الخير يقدمه ربنا سألها بلهفة غير مصدق: يعني انت موافقة صح موافقة؟ اومأت موافقة، وملامح وجهها تقل شيئً غير هذا تمامًا، لم تشعر انها مجبرة مثل هذا اليوم الذي لن تنساه ابدًا..
اما عنه فظهرت الإبتسامة السعيدة على وجهه بسرعة، حتى ظهرت أسنانه البيضاء، لتزين ثغره الأسمر، وجهه نظراته لرضوى التي كانت تقف وقد تبلد جسدها اثر الصدمة، وكأنها تشاهد احد الأفلام التي اثارت دهشتها للغاية، من يراها وهي تقف تشاهدهم فقط لا يقل أنها العروس، بل شخصًا مار مندهش من لهفة الحبيبين للأجتماع سويًا.. هتفت أخيرًا بهمس مصدوم: هو مين ده إلى كتب كتابه بكرة!
رفع عبدالرحمن كتفيه ببساطة، ثم أجابها ببراءة: احنا طبعا، هايكون مين يعني لو مامتك متجوزة ومخلفة بنوته زيك كدة ضحكت بسخرية مريرة، ثم راحت تتخيل الفكرة في رأسها لدقيقتان، في الغد ستتوج امام الجميع ملكة لعرش قلبه، الخبر الصادم وكأنه اوقف عقلها عن التفكير، كادت تتفوه بشيئً اخر، حتى قاطعها عبدالرحمن مشيرًا بيده بمعني كفي، ثم استطرد بعزم:.
غمز لرضوى بطرف عيناه ليذكرها بما اتفقوا عليه لتبتسم هي بخجل ثم استدار وغادر على عقبيه في لحظات تاركًا نبيلة تلعن ذاك اليوم الذي اجبرت رضوى على الزواج فيه، وتلعن ذاك الذي يدعي عبدالرحمن الذي كان كالحشرة الصغيرة التي دخلت بين بناءها الذي بنته منذ سنوات ليدمره في وقت قياسي، بينما استطاعت اخيرًا رضوى الخروج من صدمتها بصعوبة، لتقول بجدية:.
بصي بقا يا طنط نبيلة، انا مش واطية للدرجة عشان اقولك ده ورثي وبيتي والشغل ده هز رأسها نافية ثم اكملت بسخرية: انا مش هاتكلم ف الموضوع ده تاني بما انك امي التانية يعني وعادت للجدية وبعض الحدة مرة اخرى قائلة: بس مش هاسمح لحد يهني ويذلني كل شوية زى الاول رفعت نبيلة حاجبها الأيسر بغيظ، ثم اردفت بنبرة متهكمة: لا كتر خيرك بصراحة يعني.
مطت شفتيها بسخرية ثم نظرت لها بطرف عينيها، تشفي غليل كل الذي فعلته بها سابقًا، ترمم الحصون بداخلها وتستعيد قوتها، ومن اجل شيئ واحد، المواجهة.
للحظات شعرت أنها تتخيل، او ربما من كثرة فرحتها تهيأت انه يطلب منها الزواج وبسرعة، كانت تنظر له ببلاهة، كالطفل الصغير الذي إندهش من احدى الهدايا الثمينة التي جلبها له والده، وكان احمد يتمعن النظر لها ليستشف رد فعلها، والذي كان متأكد منه بشتي الطرق، نطقت اخيرًا لتقطع الصمت قائلة بخفوت: نتجوز، من غير ما يعرفوا يا احمد! اومأ احمد مؤكدًا بهدوء، ثم قال بجدية مقنعة:.
ايوة يا مها نتجوز، انتِ متأكدة ان رد فعل والدتك مش هايعجبك بس بتكابرى شردت قليلاً في اخر صورة لوالدتها لها، ثم تنهدت بقوة، وكانت هذه اجابتها التي حثته على الكلام اكثر، ليكمل بهدوء: مها احنا كدة كدة لازم نرجع لبعض عشان ابننا قبل اى حاجة، بس الفرق إلى هايحصل ان هيبقي عادى تبقي قاعدة في بيتي لحد ما والدتك تسامحك، وحتى لو رفضت رجوعك يبقي ليكي ملجأ.
أغمضت عينيها بقوة لتغطي تلك الصورة التي ظهرت في مخيلتها لكل ما مر سابقًا في حياتها مع والدتها، ثم همست بحيرة: بس موقفي هيبقي اصعب كدة يا احمد، لما تعرف اني اتجوزت من غير ما ارجع لها هز رأسه نافيًا، ثم اجابها مسرعًا: لا خالص، احنا هانقنعها، لكن تقدرى تقوليلي لو طردتك مثلاً هتعملي اية.
عادت بظهرها للخلف بتنهيدة قوية، كل مرة تشعر ان الحمل يزداد عليها، كانت تجهل أنها تحصد الان ما جنته سابقًا، اومأت بشرود وهي تتشدق ب: ماشي يا احمد، خليني وراك عشان انا واثقة فيك جدًا يعني اومأ بأبتسامة هادئة زينت ثغره، ثم إلتقط كفيها بين كفيه، واستطرد بثقة: واوعدك انك مش هاتندمى ابدًا يا ام سيف.
ابتسمت مها ابتسامة حزينة لذكر ذاك الجزء الذي تفتقده بداخله، تشعر ان بناء حياتها ينقصَه جزء واهم جزء، ابعدت يدها برفق وقد شعرت بالحرج قليلاً وكأنه شخص لأول وهلة تتعامل معه، ليبتسم احمد ليدارى حرجه، ثم قال حازمًا: طب يلا قومي نروح للمأذون الوقتي إندهشت قليلاً، ولكن تداركت نفسها سريعًا، وكأنها اعتادت منه على المفاجأت، لتقول متساءلة بجدية: نروح دلوقت يا احمد ازاى! رفع اكتافه بهدوء ثم قال ببساطة:.
عادى زى اى اتنين بيتجوزوا ابتسمت بهدوء ولأول مرة تشعر انها سعيدة بهذا الاجبار الذي فرضه عليها، نهض ثم امسك بيدها متجهًا للخارج دون كلمة اخرى وكأنها استنفذت كل محاولات الصبر لديه، واغلق الباب خلفهم، ثم ركبوا السيارة الخاصة به متجهين للمأذون، للمفتاح الخاص بجنتهم فقط!
كان عمر ممدد على الفراش الوتير الناعم الخاص بهم، يستريح على بطنه، جسده ممدد بجوار شهد ولكن عقله منشغل بالتفكير، ويضع يداه اسفل ذقنه وينظر امامه ليطالع الخشب البني، من يراه يعتقد انه يتأمل ذاك الخشب، وشهد تجلس بجواره تعض شفتها السفلية بضيق وغيظ مكبوت، فضولها يقتلها، كالآفات التي تنتشر في النباتات تكاد تبيدها، تنظر له كل دقيقة منتظرة منه ان يلتفت ويخبرها بكل ما يشغل تفكيره ويسيطر عليه هكذا، هتفت بنفاذ صبر وهي تهزه:.
يووه يا عمر مش ناوى تقولي بقا نظر لها بطرف عينه وسألها بعدم فهم مصطنع: اقولك اية يا شهدى؟ جزت على اسنانها بغيظ لتيقنها انه يفهم مقصدها جيدًا، ولكنه يلعب على اوتارها الحساسه بمزاج رائق على الرغم من شعور الضيق الشديد الذي يجتاحه، عادت تسأله مرة اخرى بغيظ: مش ناوى تقولي ع إلى شاغل عقلك، والي مخلتنيش انزل اسمعه تحت إلتفت لها عمر اخيرًا بكامل جسده، لتشهق من هيئته العريضة والتفاتته فجأة، ثم قال بهدوء غامض:.
انا قلقان يا شهدى قطبت جبينها بعدم فهم، ثم سألته بفضول: قلقان من اية يا عمر؟ اجابها بصوت قاتم فور سؤالها: بصراحة مش حاسس ان إلى بينهم مجرد علاقة غرامية، عشان كدة قصدت اقول ادام الكل عشان اشوف رد فعله لوهلة لم تفهم ما يقوله، وكأنه يضع امامها الكثير من العقبات عن عمد حتى لا تصل لما هو فيه الان، سمع صوت انفاسها فقط، ليكمل بتوضيح: حاسس إن مش بعيد نادى يكون مع فارس وحاتم.
شهقت شهد بصدمة، ووضعت يدها على فاهها لتمنع صدور الصوت العالي، فك الالغاز امامها جعلها تُصعق من الحقيقة، لم تتخيل يومًا ما يقوله، ولكنها اعتادت مؤخرًا على كثرة الصدمات، استطاعت فك عقدة لسانها وهي تهمس بدهشة: ازاى يا عمر، ازاى مستحيييل رفع اكتافه بلامبالاة مصطنعة، استطاع بمهارة رسم البرود بالرغم من الفتيل الذي اشتعل بداخله، لسمعه اخته اولاً ثم خداعه، فتابع ببرود ظاهرى:.
معرفش بقا ازاى، بس إلى اعرفه انهم مايقدروش يعملوا لي حاجة اصلاً تنهدت بقوة ثم راحت تستفسر بحيرة: هاتعمل اية يعني يا عمر نهض فجأة ليجذبها له جعلها تتسطح على الفراش وهي تشهق من حركته الفجائية، ثم نظر لعيناها البنية التي تذيب جليده في دقائق معدودة، عيناها التي تعد كالمقر يستمد منها قوته، لفحت انفاسه بشرتها البيضاء، سمع بدقة صوت انفاسها المضطربة، اقترب اكثر حتى سند جبينه على جبينها، ثم اردف بخبث قائلاً:.
تعالي اشرحلك هاعمل اية بالتفصيل الممل يا حبيبتي توردت وجنتاها كالوردة الحمراء من الخجل، وارغمتها عيناها المشتاقة على النظر لعيناه السوداء العميقة التي تجذبها كل مرة اكثر من قبل لتكتشف فيها اكثر، وكأنها العالمة في بحر عينيه العميقتين، إلتفهم شفتاها ينل منهم الشهد، وعبثت يداه لا اراديًا بقيمصها الوردى، ليثبت لها في عالمهم مدى عشقه الذي يزداد مع كل ثانية تزداد من عمرهم.
كان الغيظ والغضب يتطاير من عيناه الحقودة كالهواء من حوله، وكأنه اصبح جزء اساسي من حياته لا يستطيع التعايش من دونه، يقف بهيئته المعتادة، وملابسه الرزينة وأنفه المرفوعة، وسيجارة الفاخرة بين اصابعه السمراء، يدخن بشراهة وهو يحملق بالرجل مفتول العضلات الذي يقف امامه يمسك بأحدى الأسلحة، على ما يبدو من هيئته انه قناص ، لا يكل ولا يمل من محاولات قتل عمر، وكأنه كلما استنفذ الفرص انتظر مرة اخرى حتى يحصل على فرص اخرى، حقده الغير متناهي على عمر يزداد اكثر.
هتف بنبرة تشبه فحيح الافعي: عايزك تنفذ في اقرب وقت وانا كتبتلك العنوان في ورقة هتاخدها وانت طالع اومأ الرجل بهدوء، ثم قال بخبث: بس يعني دى هتبقي جريمة قتل يا باشا نظر له بحدة، ثم ابعد السيجارة عن فمه ونفخ في وجهه وهو يقول بضيق: ما انت هتاخد الفلوس إلى هتعوضك، ده لو اتمسكت يعني نظر له بغموض ثم سأله بفضول يقتله: بس ليه يعني عايزها ف القلب، يعني عايز تموته ليه يا باشا.
اشار بيده في وجهه محذرًا، ثم اردف بوعيد وشراسة: ملكش دعوة، انت اخرس واعمي واطرش، بتنفذ إلى اقول عليه بس اومأ الاخر بهدوء ثم مط شفتيه بعدم رضا، ثم قال بأمتعاض: حاضر يا باشا حاضر بس اهدى انت كدة عاد يدخن وهو ينظر امامه، ثم نظر له مرة اخرى بطرف عينه وهو يستطرد بسخرية: ولا مش هتعرف انت كمان وهضيع وقت وفرص على الفاضي هز رأسه نافيًا، ثم رفع رأسه بغرور وهو يجيبه بثقة زائدة: عيب عليك إلى بتقوله ده يا فارس بيه.
رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع والخمسون
كانت مسطحة على الفراش بجواره، تضع رأسها على صدره تستمع لدقات قلبه العالية كالطبول التي تعلن بدأ الحرب، تكبل خصره بيدها وكأنها تتأكد انه لن يهرب من بين يديها، ويضع هو ذقنه على اعلي رأسها، يستنشق من عبير شعرها الذهبي بإستمتاع، ومازال عقله منشغل بالتفكير، كأنه قد عاهد نفسه أن لا يتركه من دون أن يشغله بتلك الأفكار، تنهد عمر تنهيدة حارة طويلة وعميقة، قبل أن يهمس بحروف تعشق مخارجها منه: شهدى.
رفعت رأسها قليلاً لتقابل عيناه السوداء، تلك الغابة خاصتها الغامضة، ثم أجابته بهمهمة: امممم، اية يا حبيبي ظل يتمعق النظر لتلك العينان التي يعشقها، ثم قال متساءلاً بتوجس: هو انتِ ممكن تبعدى عني ف يوم؟ إتسعت حدقتا عيناها بصدمة، وصمتت لثوانٍ تستوعب سبب قوله المفاجئ، واخيرًا إستطاعت الرد بدهشة قائلة: لا طبعا يا عمر، ليه بتقول كدة فجأة هز رأسه نافيًا وإرتسم على ثغره ابتسامة مزيفة، ثم تابع بخفوت:.
لأ مفيش حبيت اسألك ظلت تنظر له لثوانٍ اخرى دون ظهور اى رد فعل، ثم قابلته بنفس السؤال قائلة: انت إلى مش هاتبعد عني صح؟ هز رأسه نافيًا ثم قال مسرعًا: مستحيل يبعدني عنك غير حاجة واحدة إبتلعت ريقها بإزدراء وهي تسأله بخوف: حاجة اية دى يا عمر؟ أحتضنها بقوة متشبثًا بها، وكأنه يثبت لها بالفعل ايضًا، ووضع وجهها بجوار رقبتها، يأخذ الأكسجين من عبيرها، ثم غمغم بصوت قاتم: الموت بس.
صدرت منها شهقة مكتومة بصدمة، وبحركة مباغته وضعت يدها على فاهه تمنعه من إكمال جملته وهي تقول بحزن: بعيد الشر، انا مش متخيلة الحياة من غيرك يا عمر، انت حبيبي وصاحبي واخويا وجوزى وابو ابني شعرت بالإبتسامة تتسلل لثغره تحت يدها، لتبعد يدها برفق وقد تلقلقت الدموع في عينيها البنية، لتعطيها ملمع الماسة الجديدة الغالية، ولما لا! فهي ماسته هو، خاصته هو، أستطرد بأبتسامة هادئة: محدش يقدر يقف في وش القدر يا شهدى.
قطبت جبينها بضيق، ليعطيها مظهر طفولي جذاب، وكأنه جعلها تفقد سيطرتها وتحكمها في نفسها بجملته الغامضة، لتكمل ببعض الحدة قائلة: عمر، انت ليه النهاردة بتتكلم بالطريقة دى، بتضايقني على فكرة مسح على خصلاتها التي تناثرت على جبينها اثر إنفعالها، وكأنه يروض القطة الشرسة التي ظهرت لدقيقة، ثم اردف بهدوء حذر بجوار اذنها: انا اسف يا حبيبتي، بس فعلاً الموت ده حق، ومحدش يقدر يهرب منه.
لم تبدى اى رد فعل، دوى صوت أنفاسها المختنقة فقط، وبدأ الحزن يتسلل بين احباله الصوتيه ليتمعق نبرته الرجولية، ليكمل قائلاً: حتى لو جرالي حاجة يا شهدى، هافضل معاكِ دايمًا، بس هنا قال اخر كلماته وهو يشير بإصبعه لقلبها الذي بدأ يدق بصخب، يبدى اعتراضه على كلمات حاكمة الهادئة، ولكنها تقع عليه جامدة قاسية، نهرته شهد بحنق: بعيد الشر، اسكت بقا والله انا هيجرالي حاجة لو انت جرالك حاجة.
كاد يتفوه بشيئً اخر، حتى قاطعته وهي تضع يدها على فاهه قائلة بجدية لا تقبل النقاش يشوبها الأمر: خلاص، بإذن الله هانربي ابننا سوا، وهانفضل مع بعض لحد اخر نفس مع بعض بردو.
اومأ بهدوء ولم يعترض، ولكن بداخله يجهل معرفة سبب هذا الكلام الان، ولأول مرة يشعر أنه يخشي الموت بهذه الدرجة، لم يكن هذا عمر الذي كان كالجثمان الهامد بلا روح، لا يشعر، لا يخاف، لا يحزن، ولكنها بثت فيه الروح، والان يخشي الموت، يخشي تركها وطفله وحيدة بين براثن الذئاب التي تنتظر هذه اللحظة منذ آمد بعيد، أفاق من شروده على صوت شهد المتساءل بحيرة: لكن قولي بقا يا عمر رفع حاجبه الأيسر، وهتف مشاكسًا:.
وانا اقولك يا عمر ليه، انتِ اسمك شهد ضحكت شهد بخفة على جملته التي استشفت منها انه يحاول تلطيف الاجواء التي عكرها منذ دقائق، لتسأله مرة اخرى: بجد بجد، انت هتقول اية لخالو؟ صمت بجدية مفكرًا، هو نفسه لا يعرف ٱجابة حتى الان لسؤالها، ولكنه قال وقد عاوده ذاك الغموض: مش عارف، بس اعتقد كدة اه.
أبتسمت شهد ولم تعقب، اكتفت بإحتضانه بقوة، لتثبت لنفسها أن كل ما قاله ما هو إلا تهيئات نفسية فقط، ها هو بين يديها الان ولن يحدث اى شيئ.
دخل بهدوء إلى المنزل، يرى كل الأجواء امامه سعيدة هادئة، تتطاير امامه عصافير الحب لتخبره أن يسرع ويسرع ليركض لمعشوقته الوحيدة، كانت الإبتسامة الحالمة تزين ثغره، لتعطيه مظهر رجولي جذاب، جسده في المنزل ولكن قلبه تركه لديها يستمتع بقربها، وجد والدته تجلس على الأريكة، ملامحها لا تبشر بالخير ابدًا، تضع وجهها بين راحتيها، تدب على السجاد الكبير المفروش على الأرضية بقوة، وكأنه صُنع ليتحمل غضبها فقط!
أقترب منها ليجلس بجوارها بهدوء، ثم تنحنح قائلاً: اية يا حبيبتي عاملة اية؟ رفعت رأسها ببطئ لتقابله عيناها الغاضبة، تصنع عدم الفهم وهو يقول: مالك يا أمي في اية؟ كان وجهها خالي التعبير وهي تجيبه بصوت قاتم: معرفش، انت شايف اية!؟ رفع أكتافه بعدم فهم مصطنع، لتقول هي بتساؤل حاد: كنت فين يا عبدالرحمن؟ عقد حاجبيه بضيق، ثم قال متعجبًا إلى حدًا ما: اول مرة تسأليني السؤال ده يا امي يعني، في اية؟
جزت على اسنانها بغيظ، ثم استطردت ببعض الحدة: رد على سؤالي، كنت فين يا عبدالرحمن لم تعطيه الفرصة للرد، وتابعت بغيظ: كنت عندها صح، كنت عند إلى ماتتسمي حتى بعد إلى حكيته لى عن اختها زفر عبدالرحمن بضيق وهو يغرز اصابعه السمراء في شعره الأسود حتى كاد يقتلعه من شدة الغيظ، ثم أجابها ببرود: ايوة كنت عندها، ولو سمحتي ماتخلنيش اندم انى حكيت ليكِ هزت رأسها وقالت بسخرية:.
ايوة قولتلي امبارح، والموضوع قرب يكمل اسبوعين! شعر انها تستنفذ كل فرص صبره عن عمد، لتستطع فعل ما تريده، دون أن تضطر لمواجهة ذاك القناع البارد الذي يرتديه وقت ما يشاء، اردف منهيًا الحوار: معلش هبقي احكى ليكِ دايمًا اول بأول بعد كدة يا حبيبتي نهضت وهي تشير له متابعة بصوت آمر: خليك عارف إني مستحيل أناسب واحدة زى دى يا عبدالرحمن بالفعل نفذ صبره، نهض هو الاخر، ليصيح بغضب هادر قائلاً:.
يووه، وهي ماقالتش كدة ليه وهي عارفة إنها هاتتجوز واحد عنده مرض نفسي، ولا حلال لينا وحرام ليهم عقدت ساعديها بلامبالاة من حديثه الذي لم يهز شعره واحدة لديها، لتقول ببرود: مليش فيه، انت مش مجرم لكن اختها مجرمة صرخ فيها بنفاذ صبر: قولتلك برييييئة بريييئة يا امي افهمي إحتقن وجهها بغضب، وإتسعت عيناها بصدمة وغضب معًا، سارت متجهة لغرفتها وهي تتشدق ب: انت مش عارف حاجة، انا عارفة مصلحتك فين انا امك.
سار متجهًا للخارج وهو يتمتم بغضب: خليكِ عارفة إني بكرة هاخد بابا واروح اكتب على رضوى، انا كبير كفاية انى احدد انا عايز اكمل حياتى مع مين ثبتت اقدامها بالأرض بصدمة باتت واضحة على ملامحها الصارمة، لم تتخيل أن ولدها الوحيد سيفعل ما يرغب به وإن كان ضد رغبتها! ما إن افاقت من صدمتها حتى ادركت أنه خرج من المنزل تاركًا اياها تتخبط بأفكارها وتنصب خيوطها اينما ارادت كالعنكبوت لتوقع الفريسة في شباكها.
خرجوا من مكتب المأذون، فرحين مهللين، وقد أتموا زواجهم للمرة الثانية، ولكن هذه المرة بمشاعر مختلفة متبادلة من الطرفين، ووعود مختلفة، بعقد قد عاهدوا انفسهم أن يكون هو القفص الذي سيحمي عصافير الحب، الذي سيمنعهم من ان ينفرد كلاً منهم بحاله يومًا ما، ايديهم متشابكة بقوة، كعلامة على اتحادهم، اتحاد حبهم لأنفسهم ولطفلهم، اتحادهم الأبدى..! قطعت مها الصمت قائلة بسعادة:.
اول مرة أحس إني مبسوطة اوى كدة يا احمد بجد أبتسم احمد بسعادة مماثلة، كومة سعادتها الحالمة لا تقل شبرًا واحدًا عن سعادته بأستعادة زوجته التي فرقها الزمن عنه، أجابه والفرح يشع من عيناه: مش اكتر منى، ربنا يخليكِ ليا يا حبيبتي تنهدت بهدوء، وراحت تفكر في البذرة التي تجمع زهورهم سويًا، طفلهم الوحيد، ذاك الذي يذكرها أنه خُلق ليجمع بينهم دائمًا سيف ، كم اشتاقت له حقًا، عادت تسأله بهدوء حذر:.
هانروح نجيب سيف دلوقتي؟ صمت لثوانٍ يفكر، ثم قال بصوت أجش: اكيد، مش هانسيبه بعيد عننا لحظة اومأت بتأكيد، قبل أن يسألها هو هذه المرة بنصف عين: لكن انتِ هتواجهي والدتك ايًا كان رد فعلها يا مها؟ اومأت مؤكدة وهي تقول بنبرات كساها الحزن والندم: ايوة لازم، أمي عاملة زى، موجه جت علينا انا وهي، خلتنا مابقناش عارفين احنا بنعمل اية، ولا مدركين احنا اد اية بنأذى ناس احنا ممكن نكون بنحبهم اوى.
صمتت لبرهه، لتتابع بنفس النبرة وبحزم: ماما محتاجة حاجة تفوقها من إلى هي فيه، زى ما السجن فوقني، وكأن ربنا قرر يعفوا عني ويديني فرصة تانية واخيرًا من دون قصد اكدت له مرة اخرى انها تغيرت للأفضل، تغيرت ولن تعاود ذاك الطريق ابدًا.. قطعت شروده وهي تقول بحماس: طب مد بقاا عشان بصراحة جعانة نروح ناكل، ونروح عشان نشوف سيف اومأ مؤيدًا بأبتسامة، ثم غمغم بحب: حبيبتي تؤمر وانا أنفذ.
بعد دقائق وصلوا امام السيارة الخاصة بأحمد، وركبوا بهدوء، متجهين للمنزل.
كانت مريم في غرفتها في منزل عمر، تسير في غرفتها ذهَابًا وايابًا، تفرك اصابعها بتوتر، عقلها منشغل في التفكير بالكثير من الأفكار السيئة، واولهم أن عمر من سابع المستحيلات كما يقولون أن يوافق على ارتباطها، هزت رأسها نافية وهي تحاول اقناع نفسها أن عمر يحبها اكثر من شقيقة، فهذا يعد من المستحيل أن يدمر سعادتها بكل بساطة، هزت رأسها تقنع نفسها وهي تهتف بصوت ظنته في خواطرها فقط:.
ايوة عمر مش هايعمل فيا كدة رن هاتفها معلنًا عن إتصال، أقتربت بسرعة والتقطته من الفراش، ثم اجابت بلهفة قائلة: الووو نادى ايوة يا مريم، كيفك وكيف الدنيا عنديكي؟ تمام تمام، انت إلى قولي اخبار الدنيا عندك لحد دلوجيتي ماعرفشي حاجة، بس انا مستبشر خير وعمر، عمر عامل اية يا نادى؟ تمام، جال لأبوى انه عايفكر في طلب يده للجواز منيكي ياارب يوافق يا نادى يارب يا جلب نادى بالرغم من إني مكنتش عايزة عمر يعرف بالطريقة دى.
امال كيف كنتِ عايزة يا مريم؟ كنت اتمنى انى انا احكى له، وميكتشفش هو فجأة من شك، لكن القدر دايمًا بيعاندنى كدة معلشي يا حبيبتي تمام، لو حصلت حاجة تاني عرفني حاضر يا مريم باى مع السلامة، خلي بالك من نفسك أغلقت وهي تتنهد بضيق اجتاحها وبشدة، فهي حقًا لم ترغب بذلك التطور السيئ، ولكن ما باليد حيلة.
كانت رضوى مسطحة على فراشها بجوار سيف تحتضنه بحنان وهي تربت على شعره الكثيف، تغمره بحنانها وهي تجهل السبب، ولكن ربما لأنها ارادت ان تجد ذلك الحنان يومًا، وها هي وجدته، اخيرًا ابتسم لها القدر وقرر أن يوهبها بعض السعادة لتتذوق طعمها الذي اطال غيابه عن مذاقها، تنهدت تنهيدة حارة وهي تتذكر اختها، لم تستطع زيارتها منذ اخر مرة، لا تعرف عنها اى شيئ، تشعر بالذنب تجاهها، ولكن الحياة شغلتها عن تلك الزيارات، ولكنها ستزورها بالتأكيد..!
تململ سيف في الفراش، ورفع ناظريه لرضوى متساءلاً بحزن طفولي: خالتوو رضوى، هي فين ماما؟ أصاب سهم كلماته البسيطة مقتل، شعرت بوغزة مؤلمة في قلبها، هي تقدر شعوره الان، ابتعادها عن والدتها كان فوق احتمالها هي، ما ادراك شعور ذاك الطفل! رسمت على ثغرها ابتسامة مزيفة، ثم اجابته بهدوء: ماما مسافرة وزمانها جاية يا حبيبي همس بإختناق وهو يزم شفتيه بعدم رضا: ماما مش بتحبني يا خالتو صح؟
شهقت بصوت مكتوم وهي تهز رأسها نافية، ثم قالت مسرعة: لا لا يا حبيبي، بتحبك جدًا، زمانها جاية اومَأ سيف بحزن طفولي واستند بأكمله على ذراع رضوى، وراح في سبات عميق، بينما كانت رضوى تتخيل حياتها مع عبدالرحمن، مؤكد ستكون اسعد انسانة، ولما لا، فهي ستصبح زوجته، ملكته، لن يستطع اى شخص ابعادهم عن بعض.
سمعت طرقات هادئة على الباب، علمت انها والدتها فأذنت لها بالدخول، دلفت والدتها والضيق بادى على محياها، نهضت رضوى بهدوء، بينما اقتربت منها والدتها قائلة بحنق: عملتي إلى ف دماغك، لكن انا سيباكِ بمزاجى انا هاا اومأت رضوى بلامبالاة وهي تنظر للجهة الاخرى، في حين اكملت نبيلة بغيظ: لكن انا لو مش عايزاكم تتجوزا محدش هايمنعني خالص مطت رضوى شفتيها بأعتراض، ثم تمتمت بأمتعاض: كتر خيرك بصراحة.
استدارت واولتها ظهرها لتتجه للخارج، وهي تقول بتوعد شرس: بس مترجعيش تندمي بقااا توجست رضوى، وسألتها بقلق: قصدك اية يعني؟ رفعت اكتافها بلامبالاة، ثم ابتسمت ابتسامة خبيثة وهي تقول: معرفش، انا بأحذرك بس.
كان عمر بالأسفل، يقف بهدوء، بهيئته الرجولية الثابته، وقد ارتدى ملابسه استعدادًا للخروج، والتي كانت عبارة عن قميص من اللون الأخضر الغامق، وبنطلون بني جينز، ويضع العطر المفضل، زادته ملامحه الهادئة جذب ووسامة، فيما كانت شهد متأبطة ذراعه والإبتسامة على ثغرها الأبيض، ترتدى فستان أحمر ذو اكمام طويل، مطرز عند منطقة الصدر، رقيق وهادئ بشكل يجذب الانظار، وتصفف شعرها الذهبي تاركة اياه ينسدل على ظهرها، ليصل اخر ظهرها، كانوا كالزوجين الذين يقضون شهر عسلهم، من يراهم ربما يحسدهم دون قصد، كانوا بأنتظار قدوم اى شخص ليخبروه، أتي خالهم بخطواته الواثقة، لترتسم الابتسامة على ثغره ويهتف بتساؤل:.
رايحين فين يا عرسان إكدة؟ اجابه عمر بأبتسامة و بهدوء: رايحين ناكل برة يا خال اومأ خالهم موافقًا، ثم قال بحنان: ربنا يهنيكم يا ولادى ردد كلاً منهم بسعادة آمييييين استداروا متجهين للخارج، بخطي هادئة، حتى وصلوا امام سيارة عمر، لتركب شهد بهدوء وعمر امامها حتى يتأكد من عدم تكرار ما حدث، اغلق الباب واستدار ليركب من الجهة المعاكسة، ولكن فجأة، دوى صوت الطلق النارى، واخترقت الرصاصة جسده دون رحمة و...
رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والخمسون
تقف كالصنم تمامًا محدقة بعمر الذي سقط ارضًا يتأوه من الألم، حدقتيها متسعتين بصدمة وفاغرةً شفتيها التب ترتجف بخوف، وتبلد جسدها، عيناها توحى ببشاعة الصدمة التي رأتها، وكأن الزمن توقف عند هذه النقطة، سارت سفينة ايامهم السعيدة عكس رياح السعادة لتُدمر وتغرق فجأةً!
صمت، صدمة، سكون، وأطلقت صرخة مدوية خرجت من أعماقها المتألمة، تحول سكونها لهيستريا مرتجفة وهي تركض نحوه ثم جثت على ركبتيها تضرب وجنته بخفة وهي تقول بشهقات متتالية: لا عمر لا اوعّ اوعى تسيبني، عمر ق قوم هبطت دموعها من عينيها اللؤلؤية، ليشعر بسخونتها على بشرته، اخذ يتمعن النظر لبحر عينيها العميق، يتنفس بصعوبة شديدة، ملابسه مغطاه بدماؤوه، وخاصةً عند منطقة القلب ، هتف بوهن وهو يكاد يغلق عينيه:.
ش شهدى، انا آآ بأحبك اوى هزت رأسها نافية بهيستريا، وهي ترى عيناه الحمراوتين تغلقان، هزته كأنه تنهره على شيئ ما بصراخ: لا لا انت مش هاتسيبني، يااااااارب في نفس اللحظات كان الجميع من حولها، ألجمت الصدمة لسان الجميع واولهم خالها الذي صُعق من مظهر عمر، وافاق من صدمته سريعًا قائلاً لمحسن بصوت آمر: اطلب الاسعاف بسررررعة شهقت زوجة خالهم بصدمة وحزن مرددة بجزع: يا حبيبي يابني، ربنا يقومك بالسلامة.
ركض محسن مهرولاً للداخل، بينما كانت شهد محتضناه وتبكي بقوة ونواح، جزء من داخلها يكاد يهرب من بين يديها للأبد، لم تراه ضعيف هكذا من قبل، وكأن لسانها يردد دون إرادة منها بتصميم: لأ انت هاتعيش وهانربي ابننا سوا جاء محسن بسرعة وهو يلهث ثم قال: اتصلت وخبرتهم، بس رأيى انهم ممكن يتأخروا، احنا ممكن ناخده بالعربية على اجرب مستشفى احسن.
اتكئ بجزعه قليلاً للأسفل ووضع يده بجوار رقبة عمر ليستشف إن كان على قيد الحياة ام لا، ثم نظر لهم قائلاً ببعض من الأرتياح: لسة عايش الحمدلله بس النبض ضعيف اومأ الخال، ثم اقترب كلاً من محسن ونادى وحملوا عمر برفق ثم وضعوه في الكرسي الخلفي للسيارة، وشهد خلفهم ركبت لتضع رأس عمر على فخذيها، وركبوا هم وانطلق محسن لأقرب مستشفى، يتبعهم خالهم في السيارة الاخرى على عجلة من امرهم.
وسط اربعة جدران، سجن قديم هش، يجلس هو على الأرضية، يضم ركبتيه إلى صدره، شارد الذهن، ووجهه واجم، طال شعره الكثيف الأسود، وظهرت ذقنه لتعطيه شكل مثير للشفقة، عيناه محدقة بالفراغ، وعقله يذكره بكل ما فعله في حياته، صورته وهو يكذب على الفتيات ويخدعهن ويأخذ منهم كل ما يملكن تجسدت امامه صور شربه للخمر، الزنا، النصب، واخيرًا، اغتصاب شقيقته وقتله لمحمود، كأن عقله تعمد أن يُذكره ليثبت له ان كل ما هو فيه ليس إلا جزاؤوه، يعقاب على كل ما فعله، حتى حبيبته الوحيدة رضوى التي احبها لم يستطيع التعبير لها عن حبه الأنانى بصورة طبيعية، حياته كلها مُدمرة تمامًا، شعر بالدوار من كثرة التفكير، عيناه السوداء الهائمة تجعلك تشعر كأنه على حافة الموت، ولما لا؟!
بالفعل تم الحكم على شهاب بالأعدام، أبتسم بسخرية مريرة، ثم خفض رأسه لينظر على بدلة الأعدام الحمراء، اصبح يمقت اللون الاحمر في اخر ايامه، بالرغم من كل ذلك الا انه يشعر ببعض الراحة، ربما لأنه سيتلقي عقابه في الدنيا، ليخفف عنه الله في الاخرة، تنهد بقوة وهو يحدث نفسه بتهكم: وانت كنت مستنى اية بعد ده كله صمت برهه ثم أكمل:.
كنت مفكر انك بعد ده كله هاتعيش حياتك عادى وهاتتجوز الطاهرة العفيفة وتخلف قطاقيط حلوين! ضحك بسخرية ولكن بصوت اعلي هذه المرة، ثم مدد جسده على الأرضية الباردة، واغلق جفنيه عله يمنع تلك الصور التي تتجسد امامه من ملاحقته، ثم همس وهو يجبر عيناه على النوم الذي لم يعرف طعمه منذ ايام: سامحني يااارب سامحني.
كانت رضوى تقف امام المرآة الخاصة بها في غرفتها، وشعرها البني منسدل على ظهرها، تضع بعض من الملع على شفتيها المنتكزتين، وكحلت عينيها السوداء ليعطيها مظهر جذاب، بمنامنتها الحمراء التي كانت عبارة عن بنطال ضيق إلى حدًا ما والتيشرت النصف كم، تطالع نفسها في المرآة وعينيها تلمعان بسعادة شديدة، تهندم نفسها كالعروس لزوجها، وما المانع إن كان بالفعل ستصبح زوجته غدًا، غدًا، تتمنى أن تنام وتستيقظ لتجد نفسها في الغد، لأول مرة تتمنى ان يمر الوقت سريعًا، تشعر بقلبها يدق صخبًا كأحدى الحفلات السعيدة تقييم به، بالفعل تشعر انها تحتفل ويحتفل هو بأنتصاره الأبدى، تسللت ابتسامة حالمة لتزين ثغرها لتعطيها جاذبية اكثر، استدارت وإتجهت للخارج بخطى هادئة، حتى وجدت نبيلة تجلس على الأريكة بهدوء تشاهد التلفاز، تنهدت رضوى بقوة قبل تهتف بهدوء حذر:.
طنط نبيلة نظرت لها بطرف عينيها ثم اجابتها بنزق: اممممم احكى يا حبيبة طنط اقتربت منها رضوى حتى اصبحت امامها تمامًا، لتتفحصها نبيلة بعينيها كالصقر، لمحت رضوى السخرية في عينيها، وكادت تتفوه بشيئً ما حتى قاطعتها نبيلة بتهكم واضح: اية إلى انتِ عاملاه ف نفسك ده، للدرجة دى فرحانة كدة!
قالت جملتها وهي تشير لها من اعلاها إلى امحص قدماها، ربما كانت تخفي غيظها الذي ان خرج يكاد يأكل اى شخص امامه خلف هذا القناع الساخر، بينما رمقتها رضوى بغيظ قبل ان تعقد ساعديها وهي تقول ببرود ظاهرى: عاجبني انا يا طنط، واه مبسوطة جدًا رفعت نبيلة كتفيها بلامبالاة ثم قالت بصوت أجش: مش موضوعنا، انتِ كنتِ عايزة اية؟
اقتربت رضوى تجلس بجوارها، ثم مدت يدها لتتناول من اللُب الذي كان موضوع على المنضدة، ثم وضعته في فاهها قائلة وهي تنظر لنبيلة: اه صحيح يا حبيبتي، كنت عايزة اسألك انتِ اتصلتي بكل قرايبنا تعزميهم ولا لا؟ جزت نبيلة على أسنانها بغيظ، كلما تذكرت أن سفينتها التي جعلتها ترسو على شاطئ الحياة بعد عناء، تحركت لتغرق بسهولة هكذا تشعر بالشياطين تتقافز امامها، أفاقت من شرودها وهي تقول بغيظ: اه اتصلت بيهم.
أبعدت رضوى خصلات شعرها عن عينيها ثم نظرت لها وقالت متساءلة بتأكيد: وقولتى لخالو مسعد؟ اومأت نبيلة بهدوء وهي تسخر بداخلها: خالو مين ان كان انا مش امك عادت تسألها رضوى مرة اخرى: وشهد؟، قولتى لشهد ومحسن ولا قولتى لخالو مسعد بس مطت نبيلة شفتيها بعدم رضا، ثم قالت بلامبالاة: قولت لمسعد وهو اكيد هيقولهم تأففت رضوى بضيق، ثم قالت بحنق:.
طب ما تقوليله يجيبهم معاه، ولا دول مش ولاد اختك يعني ولا عشان امهم ماتت، وإن كان، دول زى ولاده هو على الاقل!
كانت شهد تجلس على احدى المقاعد امام غرفة العمليات، تقدم جسدها للأمام وتضع وجهها بين راحتي يدها، ولم تستطع منع صوت شهقاتها من الصدور، شعرها الذي كام مهندم منذ دقائق اصبح متناثر على وجهها الأبيض الذي ازداد احمرار من كثرة البكاء، وجسدها ينتفض بقوة كلما تذكرت استكانته بين يديها، وكان محسن يقف بجوارها يتبعه مسعد ونادى، التوتر والصدمة الجامحة يشوبان المكان، الاجواء محملة بالخوف وسط بكاء شهد الذي يقطع نياط القلب، اقترب محسن منها يربت على كتفها برفق، ثم هتف بخفوت:.
شهد اهدى مينفعشى كدة يا حبيبتي ابعدت يدها ونظرت له، فوجئ بوجهها الشاحب، وعينيها الحمراء المبللة بالدموع، وشفتيها الزرقاء المرتجفتين من الخوف، خفق قلبه بحزن على زهرته التي كانت متفتحة مسبقًا، لتزمجر هي فيه: عايزنى اهدى ازاى يا محسن وجوزى بين الحياة والموت جوة اطرق رأسه بأسي، قبل ان يكمل برجاء: طب على الاجل عشان خاطر إلى في بطنك دِه ملهوشي ذنب.
أغمضت عينيها بألم واطبقت على جفنيها بقوة، وآآه من طفلها الذي لم يُولد، جملته لم تصيب المكان الصحيح، جعلتها تشعر انها تفتقده وبشدة كلما تذكرت ذاك الطفل الذي كان ينتظره بفارغ الصبر، أصابها بمقتل شعورها ان طفلها سيولد دون أب! لا لا سيصبح بخير تمامًا..
قالت لنفسها هكذا بأصرار وهي تنهض لتقف امام الغرفة، ثم نظرت من خلف الزجاج لتجده جثة هامدة تمامًا، والأطباء يحيطون به من كل الجهات، لم ترى سوى وجهه الذي هرب الدماء منه، ملست على هذا الزجاج اللعين الذي يمنعها عن زوجها وحبيبها بإشتياق، ولاحت نظرة الحزن والضعف الأفق في عينيها البنية، لم تراه ضعيف ومتهالك هكذا من قبل، ولا تريد أن تراه ابدًا، حتى وإن كان يمارس قوته عليها، اقترب منها خالها هذه المرة يحاوطها بذراعيه قائلاً بصوت اجش:.
حبيبتي انتِ مؤمنة بجضاء ربنا صح اومأت شهد ونظرها معلق بعمر، ليتابع هو بهدوء قائلاً: يبجي تدعي له وتهدى إكدة عشان اكيد لو كان معانا دلوجيتي كان هيزعل على حالك دِه حاولت التمالك قدر المستطاع وهي تومئ موافقة، ليقول خالها بتمني: خليكِ واثجة ف ربنا وهو مش هايخيبك ابدًا غمغمت هي بألم يتملكها مرة اخرى: كان قلبه حاسس، كان بيتكلم بغرابة الصبح.
صمتت لثوانٍ تتذكر لتنهمر الدموع من لؤلؤتيها مرة اخرى، لتستطرد بلوم لنفسها: كنت مستغربة كلامه بس دلوقتي فهمت، انا إلى غبية عشان مخلتهوش جمبي هز رأسه نافيًا ثم قال مسرعًا بوهن: ده جضاء ربنا يا بنيتي.
وفي الهدوء، كانوا في احدى المطاعم الشهيرة الفاخمة، مكان كبير نظيف على منضدة متوسطة، تحاوطهم الشموع ويغطيه الضوء الخافت، مزينة بشكل مُبهر، تجلس مها التي لم تختفي الابتسامة من على ثغرها وهي تضع يدها اسفل ذقنها، تنظر لأحمد نظرات سعيدة، حالمة، وكان احمد يبادلها النظرات العاشقة، ولكن يشوبها نظرات متأسفة إلى حدًا ما، تجهل هي سببها.. قطع احمد حديث الأعين وهو يتنحنح قائلاً بهدوء حذر:.
اية يا مها كُلي يلا بقا عشان نمشي قال ذلك وهو يشير للطعام الموضوع امامهم بتنظيم، لتومئ هي بأبتسامة: منا باكل، كل انت كمان أمسكت بالملعقة لتضع الطعام في فاهها علها تدارى احراجها، سمعت احمد يقول بغموض لأول مرة تلحظه في نبرته: مها هو انتِ لو لاقيتي حاجة ف حياتي متعرفيهاش، هاتفضلي موافقة صح؟ رفعت رأسها لتقابل عينيه السوداء، ثم سألته بأستفسار: ع حسب اية هي الحاجة دى؟
تنهد بقوة قبل أن يترك الملعقة ويقول بصوت قاتم: حاجة كنت هأعملها بس انتِ ظهرتى تاني فجأة ف حياتي دق قلبها بخوف، وهددت حصونها بالأنهيار، لتردف بتوجس: ما تقول يا احمد اية دى، ليه كل الألغاز دى ف كلامك!؟ هز رأسه نافيًا، ثم قال بصوت حازم: كل حاجة بأوانها احسن.
عقدت حاجبيها بضيق، ما لبث أن مرت بضع ثوانٍ لتجد فتاة في العقد الثاني من عمرها، ترتدى بنطال جينز وتيشرت احمر نصف كم، تصفف شعرها الأسود بشكل منظم، وتضع بعض مساحيق التجميل، تقف امامهم وهي تنظر لأحمد هاتفة بدهشة: اييية ده احمد انت هنا حدقت بها مها بقوة، وهمست فاغرةً شفتيها: انتِ مييين انتِ؟ لم تعطيها الفتاة اى اهتمام، بل ظلت ناظرة لأحمد الذي بدأ الارتباك يهز كيانه، لتكمل بنزق:.
طب ماقولتليش ليه كنت جيت معاك هب احمد واقفًا بثبات مزيف، ثم إبتلع احمد ريقه بإزدراء، ثم همس بقلق: معلش يا رودينا مرة تانية، روحى انتِ دلوقتي وهانبقي نتكلم اومأت رودينا موافقة على مضض، ثم عانقته بأبتسامة قائلة بصوت مسموع: Ok , see you soon babe، Love you so much. ( أراك قريبًا حبيبي، احبك جدًا ) غلي الدم في عروق مها، ثم نهضت وهي تصيح بها بحدة: انتِ مين يا مجنونة انتِ.
ابتعدت رودينا قليلاً عن احمد، لتنظر لمها شرزًا، ثم قالت بحنق: No no, this you, I will be his future wife. ( انا اكون زوجته المستقبلية ).
استمر الوضع كما هو عليه، شهد تنتظر بالخارج، تنتظر خبر بقاءها هي على قيد الحياة ام موتها، نعم، فموت عمر لن يهز كيانها فقط بل ليس من المستحيل أن تنتحر بعده، لم تتخيل الحياة من دونه يومًا، قلبها ليس بحمله بل معه بالداخل، واعدًا اياه ان لا يتركه اينما ذهب، والجميع من حولها يحاولون مواستها، وهم بالأصل خائفون وبشدة، واخيرًا خرج الطبيب بعد ساعتان تقريبًا من غرفة العمليات، كان طبيب يبدو عليه كبر السن، ركضوا يقفوا امامه بسرعة وامامهم شهد، ليبعد الطبيب الكمامة عن وجهه وقد بدى عليه الإرهاق، لتهتف شهد بلهفة:.
طمنى يا دكتور اغمض عينيه بقوة، ثم قال مهدئًا اياه: انتِ تقربي له اية؟ اجابته شهد مسرعة: انا مراته، هو عامل اية دلوقتي؟ تابع مسعد متساءلاً بجدية: خير يا داكتور اية إلى حُصل نظر الطبيب لشهد بهدوء، ثم قال بغموض: اهدى يا مدام، وكونى قوية وارضي بقضاء ربنا دايمًا نظرت له بطرف عينيها، وهرب الدم من وجهها، وبدأت تتراجع للخلف بخوف رهيب، ثم عادت تسأله بهلع: عمر حصله اية يا دكتور؟