رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع والأربعون
ظل محدق أمامه بصدمة جلية على محياه، ولم يستطع إكمال جملته كأن لسانه شُل عن الحركة من الصدمة، رمش بعيناه عدة مرات ثم هتف بأسف يشوبه الحزن.. مصطفى مات يا شهد شهَقت شهد هي الأخرى وسرعان ما تلقلقت الدموع في عيناها، منذ دقيقة كانت خائفة منه والان حزينة على موته، فمهما حدث يظل من دمها.. غمغمت بحزن موجهة نظرها لأخيها قائلة.. إنا لله وإنا إليه راجعون، ازاى يا محسن.
مط شفتيه بعدم رضا وهو يهز رأسه بحسرة ثم أجابها بشفقة.. اتصلوا بيا بتليفونه من المستشفى، وبيجولولي أنه كان عنده السرطان وف مرحلة متأخرة والمرض اتمكن منه، ومات النهاردة هزت رأسها بحزن ومن ثم تمتمت قائلة.. ربنا يغفرله ويرحمه يارب ردد محسن خلفها بهدوء: آميييين ثم وجه نظرة للسائق الذي يتنصت لهم، ثم جز على اسنانه بغيظ من تدخله وأردف بصوت قاتم قائلاً.. أرجع بينا على مستشفى (، ).
توقف الرجل عن السير وألتفت لهم ثم نظر لمحسن قائلاً بضجر.. يوووه ما كان من الاول، لازم كل اللف ده احنا قربنا نوصل للمطار ضاقت حدقتيه وقال حادًا وهو يضغط على كل حرف.. انت اية إلى دخلك يا راجل انت، هتاخد الفلوس إلى عاوزها، نجطنا بسكاتك الله لا يسيئك بجا تأفف الرجل بملل، وعاد لوضعيته مرة اخرى دون نطق كلمة أخرى، ثم مرر يديه على شعره قائلاً بضيق.. وماله بردو.
ثم مد يده و ضغط على الزر برفق ليفتح الأغاني على الراديو مرة اخرى ببرود، وهو يدندن معها، دون أن يأبه بمشاعرهم او النار الحزينة التي تشتعل بداخلهم الآن...
في المستشفى الملحقة بالسجن، تململت في فراشها بتثاقل وهي تشعر بالألم في جميع أنحاء جسدها من كثرة الضرب، وفتحت عيناها ببطئ ليشرق جفنيها المتورمان، وتظهر عيناها السوداء التي كساها الحزن مؤخرًا، ثم بدأت تتفحص المكان حولها ببطئ، لتجد رضوى تجلس على الكرسي امامها تضع رأسها بين كفيها بحزن، أخرجت الكلمات من بين شفتاها قائلة بوهن.. انا فيين؟ رفعت رضوى رأسها بسرعة وأمسكت يدها وسارعت في سؤالها بلهفة..
انتِ في المستشفى يا حبيبتي، الف سلامة عليكي كأن الضرب أو عدم ذكر ما حدث معها جعلها في وعيها إلى حدًا ما، وضعت يدها على بطنها وتحسستها وهي تتمتم بألم.. الجنين نزل صح؟ تنهدت رضوى تنهيدة حارة، وهزت رأسها بالإيجاب وأجابتها بأسف.. ايوة يا مها، بس الحمدلله انك بخير.
شرعت في البكاء وعَلي صوت شهاقتها ليدوى بدلاً من السكون، بينما رمقتها رضوى بنظرات مشفقة على حالها، خرجت من هذه الحرب خاسرة خسائر فادحة واولها من تحبهم..! ربتت رضوى على كتفها بحنان وتكاد تبكي بجوارها من الحزن، ثم تنهدت بقوة وقالت بهدوء حذر.. استغفرى ربنا يا مها واهدى، ربنا رحمه من إلى كان هيشوفه يا حبيبتي.
قطع جلستهم طرقات الباب السريعة، ليفتح احمد الباب ويدلف بخطوات واثقة، وبهيبته المعتاد، وخلفه مراد يركض خلفه يناديه برجاء قائلاً.. احمد، استني يا احمد ماتتسرعش صُعقت مها من تواجده، بينما ضربت رضوى بيدها على رأسها برفق و بحسرة ونظرت للأرضية بتوجس فتواجد احمد بهذا الوقت تحديدًا لن يفيد مها ابدًا.. تهتهت مها بخوف قائلة: أحمد!
وضع يداه في جيب بنطاله ونظر لهم بغرور غير معتاد منه، كأن من كان يحدث مها منذ قليل تبدل بشخصًا جامدًا.. ثم نظر لها مرددًا بصوت أجش يشوبه لهجة الأمر.. انا عايز أبني يا مها، هاتيه.
في منزل صديق عمر،.
دلف عمر بهدوء إلى الداخل، ليجد كل الأصدقاء الذي تعرف عليهم في هذا العمل الذي لم يجلب له الخير ابدًا، يجلسون وامامهم منضدة عليها الكثير من زجاجات الخمر وبعض المخدرات، وسجائر بكثرة، والمنزل بأكمله غير مرتب بالمرة، وقع ناظريه على الثلاث فتايات الذين يجلسن بجوارهم بدلال، يرتدون ملابس تفضح اكثر مما تخفي، يضعن مساحيق تجميل بكثرة غير مرغوب فيها، شعر بالتقزز من منظرهم هذا، وادار وجهه ليذهب ألا انه وجد يد بدر التي تدفعه للداخل قائلاً بمزاح..
اية ياعم مالك كدة، هو دخول الحمام زى خروجه، دى السهرة لسة هتبدا أبعد عمر يده بقوة، ورمقه بنظرات حادة وهو يقول بغيظ.. بدر انت عارف إني بطلت الحاجات دى، انا قرفان وجيت اقعد معاكوا شوية بس طلع عندكوا قرف اكتر هز بدر رأسه نافيًا وقال ببرود.. تؤتؤتؤ بلاش غلط يا عمر ثم وضع يده على أكتافه وقربه منه بخبث وهو يتشدق ب.. ياعم تعالي اقعد واشرب بس، متعملش حاجة تاني.
نظر له عمر بطرف عينيه، وظَل الشيطان يُحلي هذه الجلسة في عيناه، عض على شفته السفلي بتفكير، لن يحدث شيئ، سيجلس فقط ليلهي نفسه عن التفكير والحزن على شهد.. اومأ برأسه موافقًا، دون أن يفكر مرة اخرة في عواقب ما سيفعله، ثم جلس بجوراهم على الأريكة الكبيرة، ليضع عبده يده على خصر احدى الفتايات الشقراء، ويهمس في اذنها بشيئ ما، لتضحك الفتاة ضحكة خليعة ثم تقول بإيماءه.. طبعااا امرك يا بيه.
وبعد قليل بدأ مفعولهم الساخط يؤثر على عمر، وتحول شربه للسجائر فقط لشرب الخمر وبكثرة، حتى اصبح يترنج مكانه وهب واقفًا بخطوات متزبزبة، يرى كل من امامه اكثر من واحد، وكزه بدر في ذراعه قائلة بلثم.. انت شكلك تقلت اووى ف الشرب اومأ موافقًا وأمسك رأسه بألم، واصبح يهذى بكلمات غير مفهومة، نهضت الفتاة الشقراء، واقتربت منه بشدة حتى اصبحت ملاصقة له تمامًا، ثم أمسكت بذراعه قائلة بخبث..
تعالي اوديك الاوضة تفرد جسمك عشان تفوق.
أستسلم عمر لها، لأنه لم يكن بحالة تسمح له بالأعتراض من الأساس، وضعت الفتاة يدها على ظهره، وظهرت الإبتسامة الخبيثة أعلي ثغرها، فقد نجحت فيما ارادته، دلفوا إلى احدى الغرف وسط ضحكات الجميع الساخرة، جعلت عمر يجلس على الفراش ويحاول أن لا يفقد وعيه بقدر الإمكان، ثم عادت متجهة للباب لتغلقه، بدأت قدمها العارية تتحرك امامه ببطئ متعمدة إثارته، ثم أغلقت الباب وعادت له مرة اخرى، ومن ثم جلست بجواره ملاصقه له، ومدت يدها ووضعتها على فخذه ثم اقتربت منه لأقصي حد لتلصق جسدها به وتتحسس ظهره بطريقة ما لتثير غرائزه اكثر، ولفحت أنفاسها الحارقة وجهه، إبتلع عمر ريقه بإزدراء، ويحاول السيطرة على نفسه، نظرت الفتاه لشفتاه راغبة بها، ليفقد الاخر السيطرة على نفسه، وينقض على شفتاه يلتهمها بشهوة، بادلته القبلات وسيطر عليها شعور الانتصار، ثم بدأت بفك ازرار قميصه، وعمر لم يكن عقله بحمله ليدرك نفسَه قبل حدوث ما كان يخشاه، حتى لا يعيش باقي عمره نادمًا...!
في منزل رضوى،.
دلفت إلى المنزل وملامح وجهها لا يبدو منها الخير، أغلقت الباب بهدوء، ثم اكملت سيرها متجهة للداخل وعيناها قد بدى عليها الإرهاق الشديد، وجدت والدتها تجلس على الكرسي امام التلفاز تضع قدم فوق الاخرى وتحركها بسرعة، كحركة تعبر بها عن غضبها، جلست رضوى بجوارها بهدوء، عقلها اصبح غير قادرًا على هذا الكم من المشاكل التي تلاحقها مؤخرًا، كلما تذكرت عبدالرحمن وما حدث معه قلبها ينبض بسرعة رهيبة، وضعت يدها على صدرها لتنظم أنفاسها اللاهثة، ثم نظرت لوالدتها بتفحص متعجبة من صمتها، لتجد عيناه اصبحت حمراء، ابتلعت ريقها بخوف وقد علمت أن هناك شيئ مريب في الأمر، فجأة نهضت والدتها ووقفت امامها وسألتها بحدة قائلة..
كنتي فيين يا رضوى هانم؟ نظرت لها رضوى بتعجب، واصبحت تعض على شفتاها بخوف تفكر فيما ستقوله لها، فأصبحت في مأزق الان، غير قادرة على القول انها كانت مع عبدالرحمن، او إخبارها بما اصبحت فيه مها.. أخرجت الكلمات من فاهها قائلة بأرتباك.. آآ انا ك كنت عند، آآ قاطعتها والدتها وهي تصيح فيها ممسكة بيدها وتضغط عليها بقوة قائلة بغضب.. كنتي مع عبدالرحمن يابت صح.
ظهر الذعر في أعين رضوى، واصبحت ترتجف بخوف بسبب تعنف والدتها معها مؤخرًا بشكل كبير، تذكرت تمسك عبدالرحمن بها ورفضه الإبتعاد عنها، كأن عقلها ذكرها بهذا الموقف ليعطيها قوة للمواجهة، فأبعدت يد والدتها برفق ونهضت قائلة بقوة.. ايوة كنت مع عبدالرحمن وسبته زى ما انتي عايزة، سيبيني في حالي بقا.
تلقت صفعة من والدتها ردًا على كلامها، أحمرت وجنتاها من الألم، وامتلأت عيناها بالدموع بينما ظلت والدتها تضربها بقسوة وهي تصيح بهيستريا قائلة.. بعد اييييية، بعد ما وسختي شرفنا يا كلبة يا محترمة.
وبعد فترة، منذ وصول شهد ومحسن إلى المستشفى التي كام بها مصطفى تم الإنتهاء من جميع الاجراءات الخاصة بجثمانه، وأستلم محسن الاشياء التي كانت معه وبما فيها امواله، ثم اتجه إلى الادارة ودفع المصاريف، واستلم تصريح الدفن، وجثه مصطفى بسيارة من المستشفى ليتجهوا إلى المقابر لدفنه، كان محسن حزين على موته ولكن ليس بنفس الدرجة التي كانت بها شهد، فقد كانت تبكي بلا توقف ولا تستطيع السيطرة على نفسها، ومحسن يحاول ان يهدأ من روعها ولكن بلا جدوى، كأن الفرصة سنحت لها لتبكي وتهطل دموعها التي منعتها لمدة بغزارة، يصعب عليها مجرد التخيل أن شخص من عائلتها مات ولم يكفر عن الذنوب التي ارتكبها، ولم يموت هكذا بل مات بأبشع الامراض، في ريعان شبابه، تم دفن مصطفى بجوار أبيها ووالدتها، ورحل الجميع إلا شهد ومحسن الذين كانوا يدعون له بالرحمة والمغفرة برغم كل ما فعله معهم مسبقًا، جلست شهد امام القبر وهي تبكي وتدعو له ومحسن يقف بجواره وقد تذكر نفس جلستهم يوم وفاة والدهم، فتلقلقت الدموع في عينه على الفور..
قطع نحيبها صوت رسالة من هاتفها الذي اعطاه عمر لها منذ أيام، لتفتح حقيبتها وتخرج الهاتف منها، فتحت الرسالة، وإتسعت حدقتيها من صدمة ما رأت، ظلت تقرأ الرسالة عدة مرات كأنها غير مصدقة لما تراه الان، ودموعها تهطل، قلق محسن اكثر من مظهرها، ليمسك بهاتفها ليقرأ ما في الرسالة بلهفة ليصعق هو الاخر عندما يحد محتوى الرسالة..
شكل جوزك مابيرتاحش غير معايا وانتي قرفاه اووى، بس كانت اجمل ليلة في حياتي، ابعدى عنه بقا لانه طهق منك، ولو عاوزة تتأكدى تعالي ع العنوان ده (، ) مستنياكي يا، يا مدام شهد وصورة لعمر مع احدى الفتايات في وضع خليع لا يسر الناظرين.. نهضت شهد فجأة بسرعة وركضت مهرولة للخارج بسرعة رهيبة كأنها تفر هاربة من وحش ما دون ان تأبه بركض محسن خلفها ومناداته لها و...
رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والأربعون
ظل محسن يركض خلفها بخوف، وشهد تركض أسرع دون ان تأبه بالسيارات التي حولها، في عقلها هذه الرسالة وصورته وهو في أحضان غيرها فقط، شعرها يتطاير على وجهها وعلى عينيها، فحجب عنها الرؤية لدقيقة، فتوقفت ولكن دموعها لم تتوقف ولو للحظة، امسكها محسن بسرعة، ثم صاح فيها بحدة وهو يلهث.. حرام عليكي، عمال انادى عليكي، اقفي استني لما نفهم نزعت يدها بقوة ثم قالت من بين شهقاتها بكسرة..
افهم اية، ده بالدليل، ده انسان حقير عمره ما هيتغير، ماصدق اني ابعد عنه كانت ممسكة برأسها بقوة، واصبحت الرؤية امامها مشوشة، ثم اصبحت تترنج امامه بتعب وفجأة سقطت مغشيًا عليها، حملها محسن بسرعة، ثم اوقف احدى سيارات الاجرة ووضع شهد في الخلف بلهفة وخوف، ظل السائق ينظر لهم بتفحص وقلق، فهم محسن ما يدور بعقله الان، وركب بجواره ثم أردف بجدية..
دى اختي وفجأة وجعت اغمي عليها، وهوديها المستشفى، ممكن ترجع بينا للمجابر عشان اجيب الشنطة إلى سبناها هناك كان رجل يبدو عليه كبر السن، عقد حاجبيه بعدم فهم، وراوده الشك حول أمر محسن، ولكن امأ برأسه موافقًا وعاد للمقابر مرة اخرى، ووقفوا امام الحقيبة الخاصة بشهد، فمد محسن يده وحملها ليحرك السائق المقود متجهًا لاحدى المستشفيات القريبة ومحسن يلقي نظرات لشهد بحسرة على حالها الذي اصبح مثير للشفقة..
في منزل عبدو بدأ عمر يستعيد وعيه تدريجيًا، فتح عيناه بتثاقل لتظهر عيناه السوداء، مد يده يتحسس الفراش بجواره ليجد تلك الفتاة الشقراء تنام على صدره وهي عارية، وملابسهم مُلقاه على الأرض بأهمال، نهض وجلس على الفراش بفزع وهو ينظر حوله، أمسك ببنطاله ثم ارتداه سريعًا، ونظراته الغليظة مسلطة على تلك البغيضة، اقترب منها ثم وكزها بقوة وهو يصيح فيها بغضب قائلاً.. انتي يابت قومي، اصحي انجزى.
فتحت عيناها ببرود، وهي تدعك جفنيها، ثم نظرت لعمر نظرات ذات مغزى وقالت بدلال وخبث.. مالك يا عمورى، حد يصحي حبيبته كدة بردو في يوم زى ده صُعق من جملتها ثم جز على أسنانه كاملة بغيظ شديد، فأقترب منها اكثر وجذبها من شعرها بعنف ثم بصق في وجهها قائلاً بقسوة.. قومي يا زبالة، حبك برص، غورى مش عايز اشوف وشك يا قذرة.
صرخت بتآوه وحاولت إفلات خصلات شعرها من بين يديه ليتركها عمر، ومسح على شعره ببطئ، واصبح قلبه يدق وقد اشتعلت النيران بداخله، كلمتها حبيبته جعلته يدرك الخطأ الفادح الذي ارتكبه، لقد خان حبيبته، إن علمت ستتركه حتمًا، لا لا لن تعلم، ولكن ضميره يؤنبه كثيرًا، كيف أستطاع ان يمسس حواء غيرها، ولكنه كان ليس في وعيه..
فجأة ظل يصرخ بصوت عالي، وضرب المرآة بيده بقوة حتى انكسرت، نظر لصورته المكسورة في المرآة بخزى من فعلته، فهي سترى صورته هكذا من الان وصاعدًا، وسيطرت عليه حالة هيستيريا وهو يحاول أن يتذكر ما حدث، ولكن دون جدوى، لا يتذكر سوى جلستهم على هذا الفراش اللعين فقط..!
ركضت الفتاة للخارج بسرعة بعدما ارتدت ملابسها خوفًا من حالة عمر، ثم اغلقت الباب خلفها، بينما هوى عمر على الفراش، واصبح يبكي بحدة، ولأول مرة منذ وفاة والدته وهند يسمح لدموعه بالهطول.. همس بألم وكسرة قائلاً وهو يضع كفيه على رأسه.. انا اسف يا شهدى، سامحيني.
في منزل رضوى شهقت بصدمة مما قالته والدتها، أهي تعي ما قالته حقًا! كأنها لم تعد تشعر بالألم في جسدها بسبب ضرب والدتها المستمر، ولكن ما تشعر به الان هو آلمها النفسي، والوخزة المؤلمة في قلبها، أغلقت جفنيها لتلاحقها صورة عبدالرحمن الحانية وهو يرجوها أن لا تبتعد عنه، فجأة جذبتها والدتها من حجابها ثم طرحتها ارضًا وهي تسبها بأبشع الألفاظ.. حاولت رضوى أن تفهم اتهامها اللعين، فسألتها مستفسرة بألم..
طب حتى فهميني انا عملت اية؟ رمقتها بنظرات حادة، ثم أجابتها وهي تضغط على كل حرف بدقة.. يعني انتِ مش عارفة، اية إلى كان بينك وبين الواد إلى اسمه عبدالرحمن يابت هزت رضوى رأسها نافية بسرعة، ثم سارعت في الرد بقلة حيلة.. لا والله معرفش، مفيش حاجة بيني وبينه الا زى ما انتِ عارفة.
أمسكت بخصلات شعرها لتتخل بين اصابعها السمراء بقسوة قد اعتادت عليها رضوى مؤخرًا، ثم سارت متجهة للمكتبة وهي تجر رضوى خلفها، حتى امسكت ببعض الصور الموضوعة على المكتبة وألقتها على وجه رضوى ومن ثم أردفت بجمود قائلة.. امال ايييية دول يا محترمة هاا.
أمسكت الصور بلهفة وظلت تنظر لهم بدهشة متسعة الحدقتين، كانت صور تجمعها مع عبدالرحمن في أوضاع مخلة، وقعوا من يدها ودموعها تنهمر كالشلالات على وجنتيها بصمت، كيف هذا وهي حتى لا تسمح له ان يمسس يدها، لماذا يجعلها الله في هذه الامتحانات الصعبة! ... امسكت بالصور مرة اخرى وبدأت تقطعها اربًا اربًا علها تطفئ غليلها، ثم نظرت لوالدتها بأعين قد ارهقها البكاء، ثم قالت برجاء حار..
صدقيني مش انا إلى ف الصور، معرفش ازاى اصلا الصور دى، عبدالرحمن عمره ما قرب مني بالطريقة دى ابدا ولا غيرها حتى والله لوت شفتيها بأعتراض شديد وعدم تصديق، ثم أكملت بصرامة لاذعة: مش هاتخرجي من البيت ده ولا هتشوفي الشارع تاني ابدًا، لحد ماتلاقي واحد يكون امه داعيه عليه ويتجنزك يا زبالة ونخلص منك.
ظلت محدقة بها ووجهها خالي من اى مشاعر كأنها اصبحت جثة هامدة، ودوت اخر جملة قالتها والدتها في اذنيها كالرعد، وخاصة أنها لن ترى حبيبها مرة اخرى..! ومن دون مقدمات سقطت مغشيًا عليها، ليرتطم جسدها بالأرض بقوة...!
في المستشفى مازال عقلها لا يستوعب ما قاله لها احمد، كانت مسطحة على الفراش وعيناها تكاد تغمض، نظرت للأعلي وثبتت ناظريها كأنها تتابع شيئ ما، لتجد دموعها تنهمر من عيناها بصمت، واخذت تتذكر ما قاله لها احمد، وقلبها يكاد يحترق، ولو له رائحة لشمت رائحة الحريق حتمًا.. فلاش باك..
عيناها تنتقل بينه وبين مراد بخوف الذي يقف يدارى وجهه بيده بخيبة على تسرع احمد، بينما احمد يرمقها بنظرات حادة، سادت الصدمة وألجمت لسان الجميع، وكأن مها ادركت ما قاله لها الان فأجابته بتهكم قائلة.. ولسة فاكر إن انت كنت مخلف دلوقتي جز على أسنانه بغيظ ولكن كبت غيظه بصعوبة وأردف ببرود قائلاً.. لا بس للأسف كنت مفكرة هيبقي احسن له لو اتربي مع امه، لكن طلعت غلطان.
إبتلعت ريقها بإزدراء ونظرت له بطرف عينيها متسائلة بجدية.. واية إلى خلاك عايزه دلوقتي؟ اخذ نفسًا عميقًا ثم زفره على مهل، ووضع يداه في جيب بنطاله البني مرة اخرى وتابع بجمود قائلاً.. لأني اكتشفت أن امه لازم تربي نفسها الاول حتى تربي ابنها كويس حاولت أن تتجاهل ما قد وصل لها من طريقة حديثه وتهديده الواضح، وسألته بتوجس قائلة.. قصدك اية يا احمد؟ رفع حاجبه الأيسر بسخرية، وضغط على كل حرف وهو يقول بحدة..
كل ده مفهمتيش، بس ماشي، عايز ابني اربيه انا يا مها خرجت القطة الشرسة التي تسكن بداخلها، وضعه لهذا القناع البارد الساخط اخرجها عن شعورها وعن قناع القطة الضعيف، لتصيح فيها بجدية وحدة قائلة.. ابني مش هايبعد عني، فااااهم قطب جبينه بضيق بدى عليه بوضوح، ثم هز رأسه موافقًا واستطرد بتوعد.. تمام، يبقي هنتقابل ف المحكمة يا مها وهاخد ابني بردو.
في احدى المستشفيات الخاصة يسير ذهابًا وإيابًا امام غرفة الكشف للطوارئ، التي دلفت اليها شهد منذ قليل، يفرك اصابعه بتوتر وخوف، يخشي فقدانها مثل ما فقد والده الحبيب، ولكنه لن يصمد حينها وسينهار بالتأكيد، فهو قد بني هذا الحائط بداخله لتستند عليه شهد، ولكن إن حدث لها اى شيئ سيُهدم ولن يبنيه مرة اخرى ابدًا..
خرج الطبيب ليقطع افكاره السيئة وهو يخلع النظاره الطبية الخاصة به، فأقترب منه محسن بلهفة وسارع بسؤاله بتوجس قائلاً.. خير يا دكتور طمني؟ أشار له الطبيب ثم قال مهدئًا من روعه: اهدى، انت جوزها؟ هز رأسه نافيًا ليتابع بجدية: لا اخوها اومأ الطبيب رأسه، وعَلت الإبتسامة الهادئة ثغره، ليمد يده ويربت على كتف محسن قائلاً بطمأنينة.. متقلقش هي بخير، والاغماء كان بسبب انها حامل بس.
رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس والأربعون
لحظات من الصمت سادت في الاجواء، ومحسن يحدق بالطبيب غير مصدق، فوجئ من رغبة القدر بجمعهم مرة اخرى، يفكر فيما ستفعله شهد، عقله اصبح مشتت وتضاربه الكثير من الأفكار، فهو من اصبح بيده الأمر الان، أفاق على صوت الطبيب وهو يناديه بجدية قائلاً: معايا يا استاذ؟ اومأ محسن موافقًا ثم أجابه مسرعًا بأمتنان: اه شكرًا يا دكتور تعبناك معانا اومأ الطبيب ثم أكمل بدبلوماسية قائلاً:.
بس لازم تخلي بالها من أكلها وتاخد الأدوية دى وتقلل الضغط شوية ثم مد يده وأعطاه الورقة، و أستدار ورحل على عقبيه، في حين ظل محسن يجوب بنظره في المكان، وسيطرت عليه حالة من الوجوم ثم حك ذقنه بطرف إصبعه وقال بهمس: شكلك مكتوبلك تقضلي معاه للأبد يابت ابوى.
أستدار وإتجه للغرفة التي تقطن بها شهد، ليجدها مسطحة على الفراش وقد بدى عليها الإرهاق الشديد، وتنظر للأعلي دون ظهور اى تعبير على ملامح وجهها، مط شفتيه بحزن على حالها، فمن المفترض أن تكون في أسعد حالاتها اليوم، ولكن الحظ يعاندها مرة اخرى.. لمحته بطرف عينيها فألتفتت بسرعة وسألته بتوجس قائلة: في اية يا محسن، انا فيا اية؟
قرب احدى الكراسي من الفراش، ثم جلس عليه بهدوء، ونظر لها نظرات لم تفهمها بعد ثم تابع بهدوء حذر: مفيش حاجة متقلقيش ياخيتي ثم جاهد في رسم البسمة السعيدة على ثغره ليخفف عنها قليلاً واستطرد بحماس مصطنع قائلاً: ده انا هبقي خالوو قريب تحول لون وجهها الابيض إلى الاصفر على الفور من التوتر من شكها، ولم تفهم مقصده، او لم تريد أن تفهم، فتابعت مستفسرة بعدم فهم مصطنع: مش فاهمة، ازاى يامحسن؟
تنهد محسن بضيق على عدم رغبتها في الفهم، فهذا سيصعب مهمته أكثر، باغتها بحركة مفاجئة وهو يضع يده بجوار بطنها، وتحولت ملامح وجهه للجدية قائلاً: يعني هنا في طفل، وبعد 9 شهور هينور الدنيا ان شاء الله جحظت عيناها بصدمة، كيف يحدث هذا، كيف من اللاشيئ يظهر طفل يربطها بهذا الذي يدعي عمر بسلاسل حديدية للأبد، هزت رأسها نافية بشدة ومن ثم بدأت تصيح بأهتياج قائلة: لا لا مستحيل، حرااام اتربط بواحد خاين للأبد حرااام.
بدأت تضرب محسن بقبضتها الصغيرة على صدره وتزمجر بحدة أكثر: وانت فرحان، فرحان عشان هتبقي خال طب وانا، انا ابني يبقي ابوه خان امه ليييية، لا لا انا مش عايزه الطفل ده أمسك محسن يدها يرفق ولانت ملامحه شيئًا فشيئ، ونظر لها بحنان ثم هتف مهدئا: مينفعش إلى بتعمليه ده يا شهد، ده ابنك، حرام عليكي إلى بتجوليه ده، ثم انك لسة متأكدتيش ان عمر بيخونك بالفعل.
رفعت رأسها للأعلي وقد عادت صورته في أحضان تلك الفتاة تطاردها مرة اخرى، انهمرت دموعها على وجنتيها، وهي تبكي بحرقة وبصمت، بل كان من يبكي هو قلبها ندمًا على ضياع آثره.. مد يده يتحسس خصلات شعرها الناعمة التي تساقطت على عينيها وقال بوجوم: انا رايح اجيبلك حاجة تاكليها عشان الدكتور وصاني اومأت بلامبالاة ولم تنظر له، في حين تأفف محسن بضيق شديد، ولكنه أردف بمزاح قائلاً:.
انا عايز الواد يطلع لخاله ياكل التيران، مايطلعش لأمه الخايبة دى أبتسمت ابتسامة صفراء، لينهض هو متجهًا للخارج بخطوات مترددة، ثم خرج بهدوء، بينما ظلت شهد تتحسس بطنها بأبتسامة حالمة.. خرج محسن واستدار ليذهب للكافتيريا، ثم عاود النظر على الغرفة وقال بخفوت حازم: لازم افهم كل حاجة من عمر النهاردة جبل بكره كمان.
في منزل رضوى خرجت من والدتها شهقة مكتومة من هول المفاجأة وهي تضع يدها على فاهها لتمنع صوتها من العلو، ثم نزلت لمستواها بسرعة، ثم بدأت تضربها على وجنتاها برفق قائلة بخوف: رضوى قومي، انتي يابت قومي ولكن من دون جدوى، بدأت الخوف يتسلل لقلبها رويدًا رويدًا، ثم نهضت وهي تسير ذهابًا وإيابًا بتوتر، وتفرك اصابعها بقلق قائلة بهلع: يالهوى اعمل اية اعمل اية.
وكأن عقلها بدأ يعمل الان، ركضت للداخل بسرعة متجهة لغرفة رضوى وأمسك بزجاجة العطر الخاصة بها ونزلت لمستواها مرة اخرى ورشت العطر بقرب فاهها، ولكن من دون جدوى، هنا صاحت بصوت عالي وخوف قائلة: يالهووووى، دى مابتفوقش.
في نفس اللحظة أمام الباب الخاص بمنزلهم، يقف هو واضعًا يداه في جيب بنطاله الأسود، وقد بدى مهندمًا نفسه بمزاج، وعيناه الحادة موجهة على الباب، ويظهر بها بريق لامع حالم، منتظرًا من اعماقه تلك الصيحة، ليظهر هو البطل في الصورة فقط!
نعم، إنه شهاب ، الذئب الذي اختبئ في مخبأه يخطط ويفكر بخبث، ليخرج من مكانه في الوقت المناسب وينفذ مخططه الدنيئ، إندفع نحو الباب ورسم على وجهه تعابير القلق بمهارة، وبدأ يقرع الباب قائلاً بتوجس مصطنع: في اية يا ست ام مها، افتحيلي الباب طب في اية مالكوا؟ ضربت والدة رضوى على وجنتها بخوف والرعب يتملكها اكثر، جاهدت في أن تبدو ثابتة وهي تسأل بصوت متهدج: ميييين انت؟
تسللت الإبتسامة الخبيثة على ثغره ومن ثم أجابها بجدية مصطنعة: انا جاركم شهاب، اقدر اساعدكم في حاجة يا حجة؟ نهضت موجهة نظرها على الباب بتردد، لم يكن امامها سوى ان تجعله يساعدهم، فأتجهت للباب بسرعة وفتحت الباب وهي تقول برجاء وخوف: تعال ساعدني انقلها عشان اجيب الدكتور يا شهاب معلش اقترب منهم بعينين متفحصتين، ثم سألها بهدوء حذر قائلاً: هي اية إلى حصلها حاولت أن تبدو ثابتة وهي تجيبه بتوتر لم يلحظه سوى شهاب:.
ك كنا بنتكلم وفجأة لاقيتها وقعت من طولها كدة لوحدها اومأ بخبث دفين موافقًا وقد تأكد من نجاح خطته حينما رأى الصور الممزقة مُلقاه على الأرض، فأبتسم وقد اجتاحه شعور بالأنتصار.. بينما إتجهت هي للداخل لتتصل بطبيب العائلة، ولم تعرف أنها سمحت للذئب بتخطي كل الحصون، وتركته مع فريسته يخطط كيفية التهامها...
في مكتب أحمد مراد يجلس على الكرسي امام المكتب الخشبي الكبير، ينظر لأحمد بحسرة وندم، بينما كان احمد يدب بقدمه على السجادة الصغيرة المفروشة على الأرضية، والغضب يسيطر على ملامح وجهه الصارمة ليزيدها خشونة وصرامة، بينما مط مراد شفتيه بعدم رضا وقال بأمتغاض: ليه كدة يا احمد، قولت لك ماتتسرعش، استني يمكن يكون إلى فهمناه غلط أشتعلت حدقتيه كجمرتين من نار، ثم دب بكل قوته على المكتب قائلاً بنزق:.
اية إلى فهمناه غلط، انها كانت مش متجوزة وكانت حامل، واتطلقت مني عشان تمشي على حل شعرها تنهد مراد بضيق ثم أردف محاولاً اقناعه: بس دى شكلها ندمانة اوى يا احمد، وغير كدة انت لسة بتحبها أقترب احمد بكرسيه قليلاً، وقال بقسوة لاذعة: مش دى إلى انت كنت رافضها نهائى لما قولتلك اني لسة عايزها سارع مراد مبررًا موقفه بهدوء حذر:.
ايوة بس قبل ما اشوف حالتها، انت ماشوفتش وشها اتقلب الوان لما قولت لها انك هتاخد سيف منها ازاى دب على المكتب بيده برفق بحركة دائرية، وتقوس فمه بأبتسامة ساخرة، واخذ يتذكر مظهرها الذي زاده قوة وتصميم، ثم تابع بأصرار غريب قائلاً: وهو ده إلى هيحصل بالفعل، انا مستحيل اسيب ابني يتربي مع مجرمة عض مراد على شفاه السفلية بحسرة على غباؤه وتسرعة، ومن ثم قال بصوت قاتم:.
المتهم بريئ حتى تثبت ادانته يا حضرت الظابط ولا نسيت، يعني مها لسة ما اتثبتش عليها حاجة تأفف احمد بضيق، ثم نظر له بطرف عينيه متسائلاً بملل: يعني انت عايز اية يا مراد من الاخر جز على اسنانه بقوة وبغيظ من بروده حتى كادت تنكسر، ثم أجابه بنبرة غليظة: مش عايز حاجة، عايزك تفوق للي انت بتعمله قبل ما تندم يا صاحبي، سلام.
ثم أستدار ليغادر بخطوات واثقة من اثر كلماته على احمد، هو يعرف احمد عن ظهر قلب، اكثر شخص يقتنع بكلامه هو مراد.
خرج من الغرفة بوجه غاضب واجم، بعدما انتهي من ارتداء جميع ملابسه بسرعة شديدة، عيناه حمراء كالدماء، ويده تنزف بكثرة، ولكنه لا يشعر بها، يسير متجهًا للخارج دون ان يأبه بقطرات الدماء خلفه، خرج ليجد بدر يتسطح على الأريكة وبدأ يتأثب بكسل، فتح عيناه بتثاقل ليجد عمر امامه بهذا المظهر، فزع ثم هب واقفًا ونظر لعمر بتفحص، ثم وضع يده على قلبه قائلاً بهلع: سلام قولا من رب رحيم، مالك يا عمر واية الدم ده.
جز عمر على أسنانه بغيظ، فهو يتمثل عدم المعرفة، ولكن عمر تيقن الان فقط غرض بدر من جلبه لهذا المكان، امسكه من لياقه قميصه وصاح فيه بحدة: بقا يا ابن الكلب تخليني اعمل حاجة غصب عني وانت عارف اني توبت ابعد يد عمر عنه بقوة، ثم اولاه ظهره وتنهد تنهيدة طويلة حارة ثم قال ببرود: غصبتك اية، كله كان بمزاجك يا برنس، الظاهر انك مقدرتش تمسك نفسك ادام البت لوزة، حاكم انا عارفها اية، تلين الحديد وحياتك.
لم يتحمل اكثر من ذلك، كلامه يشعر بالتقزز من نفسه، يشعره بالإهانة لكونه اصبح كما قالت له مسبقًا إنسان ضعيف شهواني، وكأن كلامه كالسكاين البارد تقطع فيه.. لكمه بكل قوته، لتكن هذه اللكمة رده على كلامه، بينما صرخ بدر متألمًا، وهوى على الاريكة من قوة لكمة عمر، ثم نظر له ببرود اكثر ولم تهتز له شعره ثم أردف بصوته الأجش: مقبولة منك دى يا صاحبي.
أستدار متجهًا للخارج دون كلمة اخرى حتى لا يرتكب جريمة إن فقد اعصابه، فتح باب المنزل ثم ألتفت لاخر مرة وبصق في وجه بدر قائلاً بتوعد شرس: وحياة امي ماهسيبك يا بدر الكلب حسابك تقل اووى.
ثم خرج بوجه واجم وخطوات متثاقلة وركب سيارته ثم اصبح يسير في الشوارع بلا هدف، يتخبط بأفكاره ويشعر أن الدقائق تمر وكأنها زمن، قلبه اشتعلت النيران فيه، وكان في حيرة من امره، يخبرها بما حدث ويخسرها للأبد ام يظل هكذا وشعوره بالندم يقتله ببطئ، ود لو يصرخ بأعلي صوت وينادى عليها لتركض عنده ويحتضنها ليخبأها بين ضلوعه، وعيناه السوداويتين تملؤوها نظرات الندم، ولكن هل يجدى الندم شيئ الان!
بتر شروده صوت هاتفه بأحدى الرنات معلنًا عن إتصال من محسن تهللت أساريره، وتحولت نظراته للفرح في لحظة، وتراقص قلبه على هذه النغمات، معلنًا حالة السعادة التي غمرته، اجابه قائلاً بلهفة: ايوة يا محسن ازيك؟ بخير الحمدلله وشهد، شهد عاملة اية يا محسن؟ تمام، ما انا بأكلمك عشانها خير اتفضل لا لازم اشوفك في اجرب وجت طبعا طبعا، حدد المكان والزمان وهتلاقيني عندك النهاردة بليل جمب مستشفى ، تمام تحت امرك تسلم، مع السلامة.
سلام أغلق الهاتف ونظر له بشرود وقد ازدادت حيرته اكثر، ترى ماذا يريد محسن بموضوع خاص بشهد..!
بجد بجد اذهلتني يا عبدو هتفت چودى بهذه الجملة وهي تقف امام الشرفة تنفث سيكارتها بغرور وسعادة شديد تغمر كيانها، ترتدى فستان قصير يصل إلى الفخذين، يبرز معالم جسدها، وشعرها البني منسدل على ظهرها ليغطي بعضه، وتضع مساحيق تجميل لتبرز ملامحها الهادئة الخبيثة، بينما اقترب عبدو منها ووضع يده على كتفها ونظراته تعبر عن رغبته المستميتة فيها، ثم أردف بفخر: عيب عليكي، ده انا عبدو بردو.
ثم رفع حاجبيه ونظر للشرفة وهو يتذكر كل ما حدث، وتابع بتعجب قائلاً: بس الواد عمر ده فاجئني، طلع مش عايز يشرب ولا عايز يلين مع ان البت تلين الحجر وحياتك أطلقت زافرة قوية بضيق شديد، ومن ثم مطت شفتاها قائلة بتهكم: قال اية بيحب البت المفعوصة بتاعته مد يده يتحسس ظهرها بشهوة، ثم اجابها واعصابه المرهفة ترهق صوته: اصل الحب غلااااب ضحكت برقة أذابت جليده على الفور، لتهمس هي بجوار أذنه بنعومه لتثيره اكثر قائلة:.
انت بس اعمل الكام خطوة الباقين وانا اديك عنياا يا بودى بالفعل اثرت فيه وبشدة، فضغط على شفتاه ليستطع التماسك ثم استطرد كأنه مغيب يفعل ما تريد فقط: انتي اؤمرى يا قمر ثم امسك برأسه وهو يفكر بتعجب من امر عمر، واكمل بحيرة: بس إلى مش قادر افهمه لحد الوقتي ازاى قدر يمسك نفسه وماجاش جمب البت لوزة خاالص...!