رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والثلاثون
رمقه حاتم بنظرات حادة، فهو في الأول والأخير لا يريد أن يخسر عمر للأبد، بينما كان فارس ينظر له بحنق وغيظ، من يوم معرفته بعمر وهو يمقته بشدة ومع هذا الموقف ازداد الكره بينهم.. تقوس فم حاتم بسخرية وأردف بتهكم واضح قائلاً.. ايوة، انت عارف دة معناه اية انه يفكر ان هند كانت عايشة وانها كانت بتضحك عليه ومعانا، دة معناه دماره النفسي!
اومأ فارس وهو يفكر بخبث، كان على علم ان عمر كان كالذى يتنفس هند، وأنه حتمًا سينتهي إن اعتقد هذا، ولكن ما لم يكن بالحسبان أن تحل اى فتاة محل هند في قلب عمر وهذا ما اكتشفوه مؤخرًا.. تابع بهمس اشبه لفحيح الأفعي قائلاً.. اه عارف، وهو دة إلى انا عايزة بس للأسف لسة محصلش لحد دلوقت مط حاتم شفتيه بعدم رضا على إصرار فارس العجيب على تدمير عمر، سار متجهًا للداخل ثم استدار لأخر مرة ونظر لفارس بتحذير قائلاً..
متهيألي كفاية عليك كدة، عشان انت عارف كويس ان عمر مش هايسكت اومأ فارس وأبتسم ابتسامة ساخرة ثم أردف ببرود قائلاً.. عاارف يا ريس ثم أخفض صوته ليُسمع بصعوبة واكمل بتوعد شرس قائلاً.. بس والله ما هاسيبك يا استاذ عمر...! تنهد حاتم ثم استطرد ببرود قائلاً.. طب كويس انك عارف عشان ماترجعش تندم بعد كدة ثم نظر لرجاله وصاح بصوت آمر قائلاً.. يلاااا شدوا حيلكم يا رجالة.
ثم ألقي نظرة اخيرة على فارس الذي كان يقف بصمت ثم دلف بخطوات واثقة وهو ينفث سيجاره.. بينما مسح فارس طرف انفه بأصبعه ونظر للرجال بتحدى ولكنه يتضح انه يتخيل لو انه عمر، أخذ يفكر ويدبر لما سيفعله مع عمر ولكن هذه المرة يجب ان يفعل ما ينهيه تمامًا...!
في منزل عبدالرحمن، منذ وصولهم إلى منزلهم دلف عبدالرحمن إلى غرفته ولم يخرج منها ابدًا، لم يتفوه بكلمة قط، ولم يسمع منهم اى كلمة ايضًا، اغلق باب غرفته عليه ومدد جسده على الفراش بأريحية وغط في نومًا عميق دون ان يشعر..
بعد ساعة تقريبًا دلف والده إلى غرفته اذ انه اعتقد انه ينفرد بمفرده ويتذكر ما حدث ولكن رأى عكس ما توقع تمامًا، ظهر الغضب على ملامح وجهه جليًا واقترب من عبدالرحمن ووكزه في كتفه ليوقظه، فأستيقظ عبدالرحمن بفزع ونظر لوالده بتساؤل، بينما ظل يرمقه والده بنظرات غاضبة ثم هتف بحنق قائلاً.. قووم، انت ليك نفس تنام.
لم يفهم عبدالرحمن ما يقوله والده وكان ينظر له بإذبهلال ثم أردف بتساؤل ودهشة وهو فاغرًا شفتيه بصدمة قائلاً.. في اية يا بابا مالك! جز والده على أسنانه بغيظ شديد في البداية ثم أدرك أن عبدالرحمن لا يتذكر ما فعله، اقترب منه اكثر وتحولت النظرات الغاضبة في عيناه لنظرات مشفقة وحزينة على حاله الذي يثير الشفقة، لوهلة شعر بمدى معاناة عبدالرحمن في حياته، معاناته التي لم يشعروا بها يومًا..
فأستدرك نفسه سريعًا وتابع بصوت أجش قائلاً.. مفيش يا عبدالرحمن، آآ قوم كلم رضوى واعتذر لها أغمض عبدالرحمن عيناه وهو يفكر بخوف، واصبح قلبه يخفق بسرعة وقوة، اخذ يتساءل، ماذا فعل معها ليعتذر لها!، ماذا حدث، هل قام بشيئ احمق يندم عليه طوال حياته! نظر لوالده وإبتلع ريقه بصعوبة ثم سأله بقلق واضح قائلاً.. ليه يا بابا هو انا عملت لها اية؟
هز والده رأسه نافيًا بأعتراض شديد ونظر لولده الوحيد بأسي على ما اصبح عليه ثم استطرد بهدوء حذر قائلاً.. مفيش انت بس شديت معاها شوية نظر له بقلق وتنهد تنهيدة طويلة حارة ثم هتف بتوجس قائلاً.. متأكد يا بابا، طب قولي انا عملت اية بالظبط، انا اخر حاجة فاكرها اننا كنا قاعدين بنحدد كل حاجة.
أطلق والده زافرة قوية وقد علم أنه لا مفر من إخباره كل ما حدث وليكن ما يكن، نظر له مرة اخرى وبدأ يقص عليه كل ما قاله وما فعله إلى ان وصلوا إلى منزلهم، صُعق عبدالرحمن من حديث والده، وتذكر أن حبيبته السابقة قالت نفس الجملة، خشي رد فعل رضوى عندما يتحدث معها، ولكن لابد ان يتحدث معها ولابد من هذه المواجهة، نهض والده وهو يربت على كتفه برفق تاركًا اياه ليفكر بمفرده ثم خرج واغلق الباب، فمسح عبدالرحمن على شعره ببطئ وبقوة و تحسس جيب بنطاله ليخرج هاتفه ثم أتصل برضوى ووضع الهاتف على أذنه منتظرًا الرد ليأتيه صوت رضوى الباكي قائلة بتشنج..
السلام عليكم وعليكم السلام، مالك يا رضوى م آآ مفيش حاجة امال بتعيطي ليه احكي لي؟ مليش مابعيطش، خير اتصلت ليه؟ أتصلت عشان اعتذر لك، آآ اعتذر لك على إلى حصل يعني ولا يهمك يا عبدالرحمن انا عارفة انه غصب عنك بجد مش عارف اقول لك اية، بس اكيد ربنا بيحبني عشان كدة رزقني بيكي متقولش حاجة طيب ممكن اشوفك لو سمحتي؟ مش هاينفع الخروجات الكتير دى، احنا لسة ف حكم المخطوبين بس.
اولاً احنا مابنخرجش اصلاً، ثانيًا انا عايز اشوفك ضرورى عشان اقول لك حاجة طيب هأشوف حاضر تمام، منتظر ردك ماشي، مع السلامة سلام اغلقت رضوى الهاتف ووضعته بجانب قلبها ثم أخذت نفسًا عميقًا وزفرته ببطئ، لم تدرى لماذا لم تخبره بما قالته لها والدتها، لماذا لم ترفض هذه المقابلة، ولكن قلبها هو من تحكم بها في هذه اللحظة، هو من يريد أن يظل مقتربًا منه وبشدة ولكنها ستخبره مؤكدًا إن استطاعت ان تراه مرة اخرى...!
دُهشت شهد من نزول عمر المفاجئ من السيارة وركضه، فكت حزام الأمان بسرعة واغلقت الباب وركضت خلفه، وجدته يقترب من فتاة يبدو انها في نفس سن عمر، ترتدى جيب شورت وتيشرت أصفر وبه بعض الألون وطرحة صغيرة من اللون الأصفر، و كانت تقف بمفردها وتدون بعض الاشياء في نوته صغيرة، وقف امامها عمر ينظر لها بهدوء ويتأملها بنظرات أشتياق واضحة، وكانت عيناه تلمعان ببريق لامع، وشهد تتابعهم بمسافة ليست صغيرة ولكنها ليست كبيرة لترى ما سيفعله عمر، فجأة وجدت عمر يقترب منها اكثر ويحتضنها بحب شديد، خرجت من شهد شهقة مكتومة وظلت تهز رأسها نافيًا بصدمة جلية على محياها، والذي ادهشها اكثر أن الفتاة لم تعترض او تبتعد او توبخه بل استسلمت وشددت على احتضانه، تلقلقت الدموع في عيناها على الفور، وارادت ان تقترب منهم ولكن شعرت ان قدميها شُلت تمامًا عن الحركة، واصبحت كأنها مسلوبة الإرادة تتجه وتعود للخلف مرة اخرى بإتجاه السيارة بسرعة دون ان تجعلهم يرونها..!
ركبت السيارة وربطت حزام الأمان ومسحت دموعها ثم عضت على شفتاها السفلية بحزن وهي تتذكر كيف احتضنها عمر، ثم نظرت امامها بأصرار غريب ظهر في عيناها وكأنها اقسمت الان ان لا تجعل الدموع تعرف طريقها لعيناها مرة اخرى إلا في الكوارث فقط...! بعد خمس دقائق تقريبًا عاد عمر والإبتسامة تعلو وجهه، زاد تألم وحزن شهد الضعف على والدها، شعرت أنها اصبحت وحيدة، ولكن من هي يا ترى، من اين يعرفها، هل يحبها!
أفاقت من شرودها على صوت عمر الحاني وهو يقول بصوت عالي.. شهدى، سرحتي في اية يا حبيبتي أغمضت شهد عيناها وارتسمت ابتسامة ساخرة على ثغرها، هل انا حقًا حبيبته، هل يحبني، ولكن لما يفعل ذلك إن كنت حبيبته، نظرت له بهدوء وتمالكت نفسها بصعوبة ثم اجابته بخفوت قائلة.. مفيش، يلا نمشي انا تعبانة بس اومأ موافقًا وأدار المقود متجهًا للمنزل وهو ينظر لها واردف بحنان قائلاً.. حاضر يا حبيبتي.
شعرت ان كلمة حبيبتي التي كانت كالموسيقي الجميلة الهادئة تترد في اذنها، اصبحت الان كالسوط الذي يقطعها دون رحمة، ولكنها لمست في نبرته الرجولية الحنان والحب والأهم، الصدق! هل كذبها احساسها، مؤكد لا، سيقص عليها كل شيئ حتمًا، هَزت رأسها كأنها تؤكد على ما اقنعت به نفسها...!
وصلوا إلى المنزل وترجلت شهد من السيارة دون نطق اى حرف وحتى لم تنتظر عمر كالعادة، لم يعلق عمر وصمت ثم اغلق السيارة وإتجه للداخل خلفها بخطوات هادئة، فتح الباب ودلفوا سويًا، جلست شهد على الأريكة بهمدان ووضعت رأسها بين راحتي كفها واصبحت تهز قدمها بقوة، وهذه حركتها عندما تتوتر، كانت كالمجنونة لا تصدق ما رأته، هي يمكن ان تصدق أنها رأت خطأ ولكنها يستحيل ان تصدق ان عمر، يخونها..!
دلف عمر وجلس بجوارها ثم اقترب منها بهدوء وأحتضنها بحب، كأن كهرباء لمست جسَدها، ابتعدت عنه على الفور وهبت واقفة بفزع، مما أدهش عمر وبشدة، فأتسعت مقلتاه بصدمة، هي من كانت تستكين بأحضانه وتهدأ فقط، كان حضن كادرع الأمان والحصن من اى عدو لها، والان هي من تنفر وبشدة منه!
حاول عمر اقناع نفسه انها اصبحت حالتها النفسية سيئة للغاية بسبب موت والدها، بينما اتجهت شهد للأعلي دون ان تتفوه بكلمة كأنها تشعل النيران بداخله عن قصد...!
في منزل حسن،.
وجدت حسن ينام على الأريكة الخشبية بأهمال و بملابسه التي يخرج بها ومن حوله على منضدة صغيرة السجائر وزجاجات وأنواع خمور كثيرة والمنزل لم يكن مرتب بالمرة، من يرته هكذا يعتقد ان كانت هنا حرب قامت، قطبت جبينها بتعجب من هيئته تلك ولكنها لا يهمها، كل ما يهمها هو ان تنفذ ما عزمت على إتمامه، الانتقام فقط، وها قد حالفها الحظ لتكون مهمتها أسهل مما توقعت، بدأت تقترب منه ببطئ وهي تسير على اطراف اصابعها حتى لا توقظه، ثم إتجهت للداخل لتتأكد من عدم تواجد اى شخص اخر بالمنزل، تفحصت المنزل وبالفعل لم تجد اى شخص فأبتسمت بخبث ثم اخرجت الجوانتي وأرتدته بسرعة والمعطف الأبيض وامسكت السكين ثم خرجت على أطراف اصابعها بخطوات هادئة كما دلفت لتجده مازال نائم، تنهدت بأرتياح واقتربت منه اكثر حتى اصبحت امامه، ظلت تدقق بملامحه للحظات، ليمر امامها شريط حياتها معه ويزداد حقدها عليه وفجأة ومن دون تردد، ضربته بالسكين عند قلبه تمامًا، واخرجت السكين وظلت تضربه عدة مرات متتالية، امتلأت يدها والسكين بدمائه وظلت الدماء تسيل منه، هنا تهللت اسريرها وظلت تضحك بهيستريا، وقد شعرت انها شفت غليلها منه، الان فقط انطفأت شعلة ولهيب الحقد والأنتقام بداخلها وكأنها الان انتصرت في حرب دامية كبيرة..!
إستدارت بسرعة وخرجت من المنزل وهي تخلع الجوانتي من يدها ومن ثم وضعته في حقيبتها مرة اخرى والسكين، ثم غطت رأسها جيدًا بالمعطف بقدر ما استطاعت، ظلت تركض بسرعة وهي تتجه للخارج، مما أدهش الحارس من سرعتها الزائدة ولكنه لم يعلق على ذلك، اصبحت تركض في الشوراع وهي تضحك بسعادة وهيستيريا مرددة بهمس.. قتلته، خلاص قتلته، قتلته...!
رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس والثلاثون
سيطرت على مها حالة هيستيريا شديدة، وكانت الإبتسامة تعلو ثغرها وهي تردد كلمة قتلته فقط، ثم اصبحت تركض اسرع وتضحك بسخرية، ولا تأبه بالسيارات التي من حولها او بالأفراد واندهاش بعضهم من مظهرها، اصطدمت بأحد الاشخاص الذي عقد حاجبيه بدهشة واضحة ثم سألها بجدية قائلاً.. مالك يا مدام، محتاجة مساعدة؟
لم تكن بحالة تسمح لها بالرد نهائيًا، كانت فقط تضحك بسخرية واستمرت بالركض، ربما تضحك على الحال الذي اصبحت فيه، ربما تضحك بسخرية لأنها نفذت انتقامها ولكنها رمت بنفسها وطفلها القادم في بئر عميييق لا تستطيع الهرب منه، ولكن هذه النهاية المؤكدة والمحتومة لكل عاصي يبتعد عن الله ليبحث عن متائع الدنيا فقط...!
وقفت امام احدى سيارات الأجرة، استطاع السائق إيقاف السيارة في اخر لحظة، كان رجل كبير في العمر إلى حدًا ما ويظهر ذلك خصلات شعره البيضاء التي تظهر تحت الطاقيه البيضاء، ترجل من سيارته وهو يلوح لها بيده ويوبخها، لم ترد على ما قاله وكانت فقط تردد جملة جديدة قتلته قتلته عايزة اهرب عايزة اهرب بسرعة.
تعجب الرجل وبشدة ورادوه الشك في أمرها ولكنه شعر انها تحتاج إلى المساعدة، اقترب منها قليلاً ليتحدث معها بصوت منخفض ولكن وجد حالة من الفزع سيطرت عليها واصبحت تعود للخلف بخوف، هز رأسه بأعتراض وأسي على حالتها المرزية مرددًا بشفقة.. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، طب تعالي اوصلك ماطرح ما انتي عايزة.
أنتبهت لجملته الأخيرة ونظرت له بحيرة وشك، كانت كالطفل الذي يخشي وحش امامه، ولكن ربما يكون الوحش الكاسر الذي تراه ليس هذا الرجل بشخصه وإنما تكونت لها صورة وحش كاسر عن الجنس الأخر جميعه..! اقتربت ببطئ وركبت السيارة ليركب هو الأخر، نظر لها بهدوء ثم هتف بصوت أجش قائلاً.. قوليلي يا بنتي انتي عايزة تروحي فين وماتخافيش انا زى ابوكي أخيرًا استطاعت الخروج من حالتها تلك ولو لدقيقة ثم ردت عليه بخفوت قائلة..
انا عايزة اروح العنوان (، ) أملته عنوان منزلهم ليحرك الرجل المقود متجهًا للمنزل، بينما مها ظلت تضحك بسخرية وتجسد امامها مشهد قتلها لحسن، الرجل الوحيد الذي يفترض انها احبته واحبها وتحمل منه طفل...!
في منزل عمر، صعد عمر إلى الأعلي ليعرف ماذا اصاب شهد، كانت منذ دقائق عندما تركها طبيعية إلى حدا ما وتتشبس به وكأنها تخاف من الاخرين وتحتمي في حضنه هو فقط، ولكن الان ما الذي حدث، لماذا يرى في عيناها نظرات لأول مرة يراها، لم يعد يرى لمعة الحب والحنان في عيناها البنية التي عشقها، حل محلها الجفاء وبريق خافت واضح ولكنه، قاسي،.
وصل امام غرفتها ومد يده على المقبض ولكنه كان في حيرة شديدة من امره، يتركها لتقرر ما تريد أن تفعله ام يدلف ويواجهها ويسألها عن سبب تغيرها المفاجئ والغير مقنع بالمرة، تنهد تنهيدة طويلة وعميقة تحمل الكثير في طياتها ثم عزم أمره وفتح الباب ودلف بخطوات هادئة، بينما كانت شهد تمدد جسدها على الفراش وتنظر للأعلي بشرود وهي تفكر فيما رأته، كانت تنتظره، وبداخلها تتمني أن يأتي ويقص لها ما حدث او حتى يعتذر لها، ولكنها بحركة مباغته اغلقت عيناها لتمثل أنها نائمة، زفر عمر بضيق لأنه يعمل عن ظهر قلب أنها مستيقظة، اقترب منها وجلس على ركبتيه ليصبح في مستواها ثم تمعن النظر لتفاصيلها التي يعشقها ثم نظر لشفتاها بحب، رغبة، اشتياق، فجأة اقترب منها وقبلها برقة وحب وحنان ليبث لها مدى عشقه واشتياقه لها، رمشت عدة مرات واصبح قلبها يخفق بقوة لدرجة انها شعرت انه يسمعها، كأن قلبها يقول لها بفرحة، ها رأيتي قد جاء ليقص لكي كل شيئ، بينما عمر كان ينظر لها بهدوء، لا يعرف لما فعل ذلك ولكن ربما فعل ذلك ليثبت لها انها لن تستطيع ان تبتعد عنه مهما فعلت..!
لم تستطيع شهد أن تمثل النوم اكثر من ذلك، نهضت ونظرت امامها وظلت عابسة ثم هتفت بصوت قاتم قائلاً.. اية يا عمر في حاجة؟ اومأ عمر ونهض ليجلس بجوارها ثم نظر في عيناها ليرى انعكاس صورته فيها، لعيناها التي مثل البحر يغرق فيها، ثم أردف بصوت حاني قائلاً.. اه في، في انك اتغيرتي فجأة، مالك يا شهدى في اية؟
نظرت شهد له بحدة، لأول مرة منذ ان رأت عمر تنظر له بحدة وغضب شديد ثم استطردت بنبرة غليظة وهي تضغط على كل حرف قائلة.. لأ مفيش خالص، هو في حاجة حصلت النهاردة عشان يبقي في، لا مفيش.
تغاضي عمر حدة نبرتها ونظراتها وأقترب منها ببطئ ليثبت لقلبه انها حزينة على والدها الراحل لا اكثر وانه لم يتغير اى شيئ في علاقتهم، اقترب اكثر ولم يعد بينهم اى مسافة، لفحت انفاسه بشرتها البيضاء وأغمضت عيناها واصبحت انفاسها مضطربة من قربه، ولم تريد ان تستسلم بهذه السهولة ثم فجأة دفعته بقوة ونهضت وهي تقول بسخرية.. اه قول كدة، انت بتقرب مني شهوة، اهي اى واحدة وخلاص، صح.
جحظت عيناه بصدمة بالغة، ثم نهض واقترب منها ببطئ، تلقي اكبر صدمة الان، فكيف لها ان تظن به هكذا، لا مستحيل مؤكد انها مغيبة الان لا تعرف ما تقوله، حدق بها بصدمة جلية على ملامحه الصارمة وهو يتشدق ب: انا يا شهد، انا عايزك شهوة بس! انا عمر، فوووقي انا عمر حبيبك عادت بخطواتها للخلف وجزت على أسنانها بغيظ وهي تتذكر مشهد احتضانه للفتاة ثم صاحت فيه بغيظ قائلة..
اه انت، انت مش فارق معاك مين، المهم اى واحدة وخلاص، المهم رغباتك وبس تعدت كل الخطوط الحمراء، وتملك الغضب من عمر واحمر وجهه وهو ينظر لها بغضب، كأنها اشعلت نيران بداخله يصعب إطفاؤوها، لدرجة انها خافت من نظراته وندمت على ما قالته، أمسكها من ذراعها بقوة وضغط عليهم بقوة ألمتها ولكن لم تظهر ثم زمجر فيها بغضب هادر قائلاً..
لأ، انا مش شهواني يا مدام، ولو عايز منك حاجة هاخدها غصب عنك او بمزاجك لان دة حقي، فاهمة حقي، ووعد مش هأقرب منك تاني يا شهد غير لما توعي للي انتي بتقوليه ثم تركها واستدار ليغادر تاركًا اياها مغمضة عيناها وكل كلمة قالها تترد بأذنيها وقلبها يدق بقوة شديدة كأنه يعترض وبشدة على ما قالته ويحذرها من العواقب الوخيمة، توقف عمر عند الباب بعدما فتحه وقال وهو يجز على اسنانه قائلاً بتوعد..
انا هأسيبك بس دلوقتي لأني بأحاول اقنع نفسي انك نفسيتك تعبانة عشان موت والدك، لكن الكلام إلى قولتيه دة عمرى ما هنساه يا مدام شهد.
في منزل رضوى،.
عزمت رضوى على مواجهة والدتها ورفضها لتحكمها في حياتها لهذه الدرجة، وقد ظهر بريق الإصرار في عيناها، ربما كان مصدر قوتها هو عبدالرحمن وبالإخص بعد مكالمته، شعرت بالمسؤلية تجاهه اكثر، ثم نهضت و مسحت دموعها بيدها ونظرت على الباب ثم إتجهت للخارج لتجد والدتهت تجلس على الأريكة بكل برود ولكن يبدو انها تفكر في شيئ ما ورضوى كانت تغلي بالداخل ودموعها لم تجف، اقتربت من والدتها وتوقعت انها تفكر في نفس الموضوع فأبتسمت بسخرية وهي تحدث نفسها بتهكم..
يا ترى هاتقرر اية تاني في حياتي تنحنحت بهدوء وهي تجلس بجوار والدتها قائلة بهدوء حذر.. ماما عايزة اتكلم معاكي نظرت والدتها لها بطرف عينيها ثم هزت رأسها موافقة، فكادت رضوى تتفوه بشيئ ما ولكن قاطعتها والدتها وهي تشير بيدها ثم هتفت بجدية يشوبها التهكم قائلة.. اكيد جاية تتكلمي معايا ف نفس الموضوع، اية مابتزهقيش هزت رضوى رأسها نافيًة ولأول مرة تعارض والدتها وردت بجدية مماثلة بل أكثر قائلة..
لا مازهقتش ومش هأزهق غير لما توافقي فعلاً زفرت والدتها وتعجبت من إصرار رضوى الواضح، لم تكن هذه من اعترضت على الزواج من أساسه، هي من اجبرتها والان هي من تصمم على إكمال هذه الزيجة، إتسعت مقلتاها بصدمة وقد اردكت سبب هذا الاصرار الان ثم اردفت بصدمة قائلة.. انتي حبتيه يا بت ولا اية!
نظرت رضوى للأرضية بخجل ولكن تذكرت ان والدتها يمكن ان تفهم هذا الخجل كما ارادت، نظرت لها مرة اخرى بنفس الاصرار، ثم ردت بخفوت قائلة.. اه يا ماما حبيته، فيها اية لما أحب واحد هايكون جوزى بعد شهر او اقل، المفروض دة يفرحك مش يزعلك خالص لأ يزعلني اما يكون إلى حبتيه دة مجنون بقاا.
نظرت لها رضوى بغضب كأنها ضغطت على الجرح من جديد، ولكنها لن تسمح لدموعها بالطهول او تسمح لنفسها بالضعف ابدًا، تنهدت لتهدأ نفسها ثم اردفت ببرود أتقنته قائلة.. للمرة المليون يا أمي بأقولك عبدالرحمن مش مجنون يا امي افهمي بقاا.
لم تنظر لها والدتها وظلت تحدق بالأرضية بصمت، يأست رضوى من محاولتها وظهر الحزن على محياها، وصارت تقنع نفسها ان الحزن كُتب عليها للأبد، نهضت وإتجهت لغرفتها ببطئ لعلي والدتها ترضي وتناديها وفتحت الباب لتدلف ولكن وجدت والدتها تقول بصوت حاني غير معتاد منها.. انا موافقة يا رضوى، بس اتحملي نتيجة اختيارك بقا.
في منزل عمر، كانت شهد تجلس على فراشها في غرفتها وتفكر في الكلام الذي قاله لها عمر، حاولت إقناع نفسها انه قال لها هذا الكلام ليؤثر عليها فقط، وانها يستحيل أن تكذب عيناها وتصدق حبه ليها، ولكنها في كل مرة تلمس الحب والحنان في نظراته ونبرة صوته، كيف كل هذا كذب!
تنهدت بضيق وهي تمسح على شعرها، كل ما تتذكر هذه الدقائق التي مرت تجد قلبها يدق بسرعة وبقوة كأنه يحن لهذه الاوقات، اما كان يكفيها حزنها على والدها ليزيدها هذا وجعًا وألمًا..
بينما في الأسفل عمر يسير ذهابًا وإيابًا وهو يتذكر إتهامها، كيف لها ان تشك في حبه لها وتفسر اشتياقه وحنانه كشهوة فقط، أيعقل ان ثقتها به انتهت، ام ان هذا بسبب قلة نومها وصدمتها في موت والدتها، ولكن على اى حال هو لا يقبل ان يمس اى شخص كرامته في اى حال من الاحوال ولن يسمح لها بهذا حتى وإن كانت حبيبته وزوجته..!
قطع تفكيره وشروده صوت طرق الباب، تأفف بضيق وإتجه الباب وفتحه، ليحدق فاغرًا شفتيه بصدمة تامة ثم هتف قائلاً.. مصطفي...!
رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع والثلاثون
احيانًا نعتقد أن كل شيئ مر بسهولة وفتور ونحّزن على ما حدث، ولكن الله يعقاب كل خاطئ سواء في الدنيا او الاخره، ولربما لذلك نتوكل على الله دائمًا ونرضي بقضاؤه.. صُعق من تواجده الان تحديدًا، حاول أن يبدو ثابتًا حتى لا يعطيه الفرصة ونظر له بحدة ممزوجة بالغضب ثم هتف بغضب قائلاً.. خير جاى ليه يا مصطفى، مش قولتلك اوعي اشوف وشك هنا تاني.
أبتسم مصطفى ابتسامة مكسورة بسخرية، ولفت أنتابه عمر الهالات التي تكونت تحت عيناه ووجهه الذي اصبح شاحب، وجسده الرياضي الذي اصبح نحيف مؤخرًا، نظر له مصطفى بضعف ثم أجابه بألم.. متجلجش، انا مش جاى عشان حاجة، انا جاى عايز أشوف شهد واجولها كلمتين بس.
جز عمر على أسنانه بغيظ، وقد زاد مصطفى ألتهاب النيران التي اشعلتها شهد بداخله، قد جاء لقدره فكيف يجرؤ على طلب زوجته وفي منزله، أقترب منه كثيرًا ثم أمسكه من لياقه قميصه وهو ينظر له بحدة ثم تابع بتوعد شرس قائلاً.. انت مجنون ولا اية، عايزنى انادي لك مراتي تتكلموا مع بعض واطلع انا يعني.
هز رأسه نافيًا ولم يبعد يد عمر حتى عنه، وكان مسالم تمامًا، مما أثار دهشة عمر، لم يكن هذا الوحش الثائر الذي يريد شهد ويرغب في الأنتقام فقط، لقد تبدل حاله تمامًا، ولكن ماذا حدث يا ترى..! في نفس اللحظات كانت شهد تستمع لحديثهم، رق قلبها على مظهر مصطفى، فالدماء لا تصبح مياه مها حدث، ولكنها اعتادت مؤخرًا أن لا تكون متسرعة.. انا هنا، خير يابن عمي جاى تشمت في موت ابويا ولا اية.
لم تعرف من اين اتت لها هذه القوة التي جعلتها تندفع وتتجه لهم، ولكن ربما فعلت ذلك لأنها تيقنت انه الان ضعيف، وكان عمر ينظر لها بغضب شديد، او لنقل ان النيران كانت مشتعلة في عيناه، لم تعرف انها تخطت كل الحواجز التي تفصلها بين الجحيم عند عمر.. تنهد مصطفى وابعد يد عمر عنه ثم أردف بأنكسار وحزن..
لا خالص يابت عمي، ربي إلى يعلم كد اية كنت بعز عمي الله يرحمه، انا جاى بس عشان اجولك أن ربنا اخد لك حجك وانتجم مني قطبت شهد جبينها بتعجب ولم تفهم ما أراد قوله، بينما عقد عمر ساعديه وهو ينظر له ببرود ولكن مصطنع، أكمل مصطفى حديثه بتهكم قائلاً.. يعني بعد ما جوزك ضربني هناك وأغمي عليا في ناس نجلوني المستشفي وهناك بعد ما كشفوا عليا فلاش باك.
كان مسطح على الفراش بالمستشفي كالجثه الهامدة بعدما تركوه من كان معهم عند بوابة المستشفي، ودلف به رجل وتكلف بعلاجه حتى يستعيد وعيه، ظهر الإعياء على وجهه، بعد ساعات استعاد وعيه وظل ينظر حوله بغضب، ثم صاح بصوت عالٍ قائلاً.. انا فييين، واية إلى جابني هنا في نفس اللحظات دلف الطبيب بخطوات هادئة ثم اقترب منه وهتف بجدية.. اهدى، انت هنا في مستشفي (، ) في واحد جابك وتقريبًا راح يشترى حاجة.
إبتلع غصة مريرة في حلقه وقد تذكر ما حدث منذ ساعات، ثم نظر للطبيب بهدوء واستطرد بتوجس قائلاً.. طب انا ليه كدة يا دكتور، انا تقريبًا مش حاسس بجسمي كله، وهمدان ومش جادر خالص؟ زفر الطبيب على مهل ثم نظر في الأشعة التي في يده واجابه بأسف قائلاً..
يؤسفني اقول لك أنك عندك سرطان في المخ، احدى الضربات كانت في المخ ودة إلى خلانا نكتشف المرض، وفي حالة متأخرة جدا، انا مش عارف انت ازاى ماكشفتش قبل كدة، لكن باقي جسمدك كدمات بسيطة وجروح سطحية.
ظل يضحك بسخرية مريرة وبصوت عالي، واندهش الطبيب ولكن استدار وغادر، ايقن مصطفى الان ان الله لا يضيع حق مظلوم، ويستجيب لدعاؤه، لقد انتقم الله لشهد اشد الانتقام، نهض بسرعة من الفراش ولم يكن في مخيلته سوى كل محاولاته وهو يعتدى على شهد وتوسلاتها ودعاؤها عليه المستمر رن هاتفه معلنًا عن إتصال من والده، تحامل على نفسه وجلب الهاتف ثم اجاب والده قائلاً بألم دفين.. الووو ايوة يابوى.
مصطفى انت فين دة كله، لازم تيجي فورًا، شهد هنااا كفاااااية بقا خلاص، سيبها في حالها وتتهني مع جوزها زى منا هاعمل، ربنا انتجم مني، وحرمت، والله اعلم هاعيش ولا هاموت كيف يا ولدى، اية الكلام إلى بتجوله دة بجولك اني عندى سرطان في المخ يا بوى، ارتاح اغلق الهاتف في وجهه وهو يزفر، لأول مرة في حياته يبكي، وليس بكاء عادى وإنما بكاء حاد من يراه يشفق عليه..
خرج من المستشفى وهو يركض وتحمل بصعوبة، بعد ان اخذ نقوده وركب احدى سيارات الاجرة متجهًا لمنزل عمر، وصل امام المنزل ثم اخرج بعض النقود وعطاها للسائق، الذي كان ينظر له بشفقة وعطف، النظرات التي كان دائمًا يكرهها ويراها ضغف وعار للرجل..! باك.
كانت شهد تحدج به وغير مصدقة ابدًا ما تسمعه الان، وقد تلقلقت الدموع في عيناها، برغم كل شيئ فهي لا تنسي بعض الذكريات وطفولتهم معًا، بينما كان يرمقه عمر بنظرات حائرة، لم يعرف يصدقه من مظهره وحديثه ام يكذبه لأنه مثل الحربائه يتلون بعدة الوان..! بتر تفكيرهم وكأنه يعلم ما يفكرون به الان، قائلاً بتوسل..
انا عارف انكم ممكن تكونوا مش مصدجين، بس انا عايزك تسامحيني يا شهد، على كل حاجة، انا كان حبي التملك فيكي عاميني، ويمكن ربنا بيسامح في حجه لكن ما بيسامحش في حج عبده امأت شهد وهي تقول بشفقه وحزن، لم تكن تتوقع انها ستحزن عليه على الرغم من ان كلما تتذكر ما فعله معها وفي كل صلاة تدعو الله ان ينتقم منه، ولربما لأنها كان في عقلها أن مصطفى هو السبب الرئيسي في إبتعادها عن والدها الراحل.. سامحتك يابن عمي.
هتفت بها شهد، كأن لسانها تصرف كما يريد قلبها، على عكس عقلها تمامًا، في حين أبتسم مصطفى برضا وحزن معًا ثم استأنف حديثه قائلاً بوهن.. انا كدة ماعايزش حاجة غير إن ربنا يسامحني بس أقترب من عمر ببطئ ثم وضع يده على كتفه وربت عليه برفق قائلاً بهدوء حذر.. خلي بالك منها، باين عليها بتحبك جدًا.
لم يرد عمر عليه على الرغم من أنه كان يكن له الكره والغيظ الشديد منذ دقائق، ولكن نظرات مصطفى وكلامه ومظهره يجعلوا اى شخص يعطف عليه، استدار وغادر وسط نظراتهم الحزينة وإتجه للمستشفي مرة اخرى، كانها عاصفة هبت عليهم ولكنها الان عاصفة هادئة ولقد رحلت وربما للأبد...!
في منزل رضوى، بعض الاشياء تحدث ك مكافأة وجزاء من الله مثلها مثل العقاب، واخيرًا أتت الرياح بما تشتهي السفن، لتَدق العقارب والأجراس معلنة عن بدأ سعادة البعض لتعوضهم عن كل شيئ مؤلم مروا به مسبقًا في حياتهم..
تهللت اساريرها بمجرد سماعها لجملة والدتها لدرجة انها شعرت انها تحلم، ركضت بإتجاه والدتها بسرعة وأحتضنتها بحب دفين، ربما لها شهور او سنوات لم تحتضن والدتها ولم تشعر بحنانها، شددت والدتها على احتضانها، لم تتخيل أن رضوى ستصبح بهذه السعادة إن وافقت على الزيجة التي كانت تفرضها عليها هي، ولكن هذه، اقدار نهضت رضوى وابتعدت قليلاً وهي تتمتم بخجل قائلة.. انا هأروح اقول لعبدالرحمن بقا.
ثم نهضت وركضت متجهه للداخل بسرعة كأنها تخشي تغيير رأى والدتها في اى لحظة، إتجهت للداخل واغلقت الباب ثم امسكت هاتفها بسعادة داخلية وظاهرية ثم اتصلت بعبدالرحمن الذي كان ينتظر اتصالها بلهفة قائلاً.. الوو رضوى ايوة يا عبدالرحمن، موافقة بجد يا حبيبتي، طب انا هأقوم البس ... اسف طلعت مني الكلمة تلقائية لا عادى بس بفضل هاتبقي اجمل اما تبقي حلال اكيد تمام هأقوم البس وهاجي اخدك من تحت البيت مستنياك.
مع السلامة يا زوجتي المستقبلية مع السلامة.
اغلقت وظلت تقفز عدة مرات متتالية من فرط سعادتها، لم تشعر بسعادة تغمرها مثل الان، فجأة وجدت والدتها تصرخ، خرجت بسرعة لتجد مها تقف على الباب بترنج، وبحالة هيستريا، وبجانبها رجل كبير في العمر، شهقت وركضت بإتجاه مها ووالدتها حتى انها لم تلاحظ انها لم ترتدى حجابها، اسندت مها التي كانت لا تتوقف عن الضحك بسخرية، شكروا الرجل واعطوه بعض الاموال ليغادر هو، اغلقت رضوى الباب واقتربت من مها واصبحت تضربها على وجنتاها برفق قائلة بخوف ولهفة حقيقية..
مها، مها مالك يا حبيبتي اهدى وارجعي لوعيك في اية! مها بضحك عالي و ساخر: قتلته، ههههه قتلته يا رضوى.
جحظت عيناها بصدمة بالغة وحدقت بها فاغرةً شفتيها، وحال والدتها لا يختلف عن حالها كثيرًا، فجأة لم تعطيهم مها الفرصة ليسألوها وسقطت مغشية عليها، فصرخت رضوى بأسمها وساندوها سويًا حتى جعلوها تمدد جسدها على الأريكة الوتيرة وعقلهم لا يريد استيعاب ما قالته الان، حاولوا ان يجعلوها تستعيد وعيها ولكنها لا تستجيب، اتجهت رضوى للداخل بسرعة واتصلت بطبيب العائلة، لتخبره ان يأتي وبسرعة، كانت كالتي تتصرف بتلقائية ودون تفكير، مرت من امام المرآة لتندهش انها لم ترتدى حجابها، فدلفت لغرفتها بسرعة وجلبت الاسدال الخاص به وارتدته على عجلة..
بعد نصف ساعة وصل الطبيب، واخبرته رضوى عن حالة مها وبالطبع لم تخبره بما قالته، ليترك هو حقيبته ويبدأ بفحص مها، بعد دقائق نظر لرضوى ووالدتها بهدوء ثم هتف بجدية قائلاً.. مفيش حاجة تقلق، كل الحكاية إن المدام حامل...!
في منزل حسن، قد يكون العقاب قاسٍ وبشدة لبعض الاشخاص، ولكنه يمكن ان يكون العقاب الامثل والجيد لما فعلوه من اشياء بشعة وكبائر، وخطأ في حق الله ثم البشر.. وديتوا الجثة للمشرحة يابني!
هتف بها الضابط الذي كان يقف في البناية التي كان يقطن بها حسن، يقف بجدية وقد بدى على وجهه الصرامة والخشونة، اخبرته الجارة المجاورة لمنزل حسن بعد ان اشتمت رائحة غريبة تخرج من منزله واتجهت لمنزل بتوجس لتجده جثة هامدة غارق في دماؤه.. اومأ الشرطى مؤكدًا: ايوة يا باشا، والتقرير هايوصل على مكتب حضرتك نظر الضابط للجارة مرة اخرى ثم سألها بجدية قائلاً.. انتي إلى بلغتي مش كدة يا حجة؟
كانت يسيطر عليها الهلع والخوف، كما كانت ترتجف كلما تتذكر مظهره وهو كذلك، اومأت بتأكيد، ثم هتفت بصعوبة بوهن قائلة.. ايوة يا باشا، انا، كالعادة بسمع هرج ومرج في شقته لأنه آآ يعني نظر لها بطرف عينيه ثم سألها بجدية بالغة.. لانه اية، قولي كل إلى تعرفيه إبتلعت ريقها بإزدراء ثم اكملت بهدوء حذر قائلة.. لأنه يعني كان بيته مشبوه والعياذ بالله وبيجيب بنات يعني وكدة يا باشا.
اومأ الطبيب وهو يفكر وهو محدج بتلك السيدة ويدور بعقله الكثير من الاسئلة، بتر تفكيره صوت احدى الشباب العالي وقد صعد وتفقد المنزل بنظره ثم اصبح يصيح بصدمة قائلاً.. ازاااااى، مات ازاى، مين إلى عمل فيك كدة يا صاحبي، والله ما هأسيبه نظر له الضابط بحدة ليصمت واردف بجدية وصرامة واضحة قائلاً.. انت يابني انت، وطي صوتك وبتتكلم عن مين! صاحبي إلى مات دة يا باشا.
ثم صمت لبرهه وهو يسترجع ذكرياته وحديثه مع حسن ليستطرد بتوعد قائلاً.. اكيد هي، والله لأوديها ورة الشمس سأله الضابط بتفكير: هي مين دى! لا يعلم أنه اوقع نفسه في حفرة عميقة دون قصد منه، ارتبك على الفور واصبح يمسح على شعره ليفكر ماذا يجيبه ثم تابع بتوتر قائلاً.. الست آآ الست إلى كانت بتيجي له يا باشا الضابط بتساؤل: ست مين انطق؟ تابع بخوف من هيئة الضابط بأرتباك نجح في اخفاؤه إلى حدًا ما قائلاً..
ع آآ عشقيته يعني يا باشا، آآ تقريبٌا كانت آآ كانت اسمها، مها!