رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع والعشرون
صُدمت شهد وإتسعت حدقة عيناها وهي ترى فتاة ذات وجه ابيض وشعر اصفر وجسد ممشوق ترتدى فستان أحمر قصير إلى حد الركبة وتضع مساحيق تجميل مبالغ فيها، تقترب من عمر بدرجة كبيرة وتلف يدها حول عنقه والإبتسامة الخبيثة على شفتيها، خرجت شهقة مكتومة من شهد ووضعت يدها على فاهها بصدمة وغضب معًا، كيف تتجرأ على لمسه والاقتراب منه لهذه الدرجة!، والاغرب كيف يسمح لها هو بهذا، هو زوجها هي فقط وحبيبها هي فقط، ودت في هذه اللحظة ان تقترب منها وتخنقها بيدها بغل، بينما أبعد عمر يد الفتاة ونظر لها بغضب ثم صاح فيها بحدة قائلاً..
اية دة يا أنسة چودى مينفعش كدة. عبست وقضبت حاجبيها بضيق ثم نظرت له نظرات ذات معني وهي تقول بخبث.. هو اية إلى مينفعش، انت نسيت احنا كنا ازاى يا عمورى ولا اية؟! لم تتحمل شهد أكثر من ذلك ودوت كلمة عمورى في اذنيها، تملك الغضب منها وأحمر وجهها على الفور، نزلت على السلم بسرعة وهي تنظر ل ( چودى ) بحقد بينما كان عمر يرمقها بنظرات جامدة خالية من اى مشاعر ثم أردف بصوت صلب قائلاً..
اه نسيت وياريت انتي كمان تنسي. كانت شهد تتابعهم بأعينها مثل الصقر منتظرة ان ترى ماذا سيفعل عمر، بينما وضعت چودى يدها في خصرها وهزت نفسها برفق قائلة بلوم ودلال.. نعم، نسيت اية اخص عليك يا عمورى.
ركضت شهد على السلم حتى كادت تقع ولكن نزلت بأعجوبة ثم أقتربت من عمر الذي صُدم من وجودها المفاجئ وشبكت اصابعها في اصابعه برفق ووجهت نظرها لچودى التي ظهر عليها الضيق، بينما كانت شهد تظهر في عيناها نيران الغضب كأنه بركان سينفجر في وجهها تلك حتمًا، إقتربت من عمر اكثر وهي تهتف بتساؤل يشوبه الدلال قائلة.. مين دى يا حبيبي؟! إبتسم عمر على تصرفها الحكيم ثم اجابها بهدوء حذر قائلاً.. دى صديقة قديمة يا شهدى.
قطبت چودى حاجبيها البُنيان ليتقابلوا سويًا بضيق واضح ثم قالت بنبرة غليظة.. وخطيبته كمان ولا اية يا عمورى. حك عمر ذقنه بطرف يده ثم نظر لشهد ليستشف رد فعلها ثم رسم الجمود على محياه وقال موجهًا نظره لچودى.. تؤ تؤ كانت هاتبقي خطيبتي. جزت شهد على اسنانها بغيظ ثم أردفت وهي تضغط على كل حرف.. امممم وانا بقا مراته يا أنسة چودى.
صُدمت چودى للغاية ونظرت لعمر بغضب كأنها تسأله ان كان الحديث صحيح ام لا لتجده ينظر لشهد بتسلية والإبتسامة على وجهه، ظهر الغضب والضيق جليًا على وجهها ثم زفرت ببطئ وهي تقول بهدوء يعكس ما بداخلها من عواصف غاضبة.. اية دة بجد، مبروك يا عمو، يا عمر. تبتت على حقيبتها في يدها وألقت نظرة اخيرة حانقة على شهد وعمر معًا ثم استدارت لتغادر دون اى كلمة اخرى وهي تتوعد لهم بداخلها اشد توعد..
هنا ابعدت شهد يدها عن يد عمر وقد بدى الغضب المكبوت بداخلها يظهر بوضوح ثم صاحت فيه بغضب وتساؤل قائلة.. اية دة بقا مين دى وازاى تيجي كدة!؟ إبتسم عمر وهو ينظر على جميع أنحاء المنزل وفجأة امسك شهد من خصرها وقربها له ثم غمز بطرف عيناه وهو يقول بإبتسامة لعوب.. بتغيرى عليا يا شهدى.
ضغطت على شفتيها السفلية بضيق وأحمرت وجنتاها من الخجل واصبحت مثل حبه الطماطم، أخفت توترها وخجلها بصعوبة وحاولت أن تبدو ثابتة وهي تقول ببعض الجدية.. طبعًا بأغير، وبعدين أنا عايزة أعرف بجد إية قصة البت دى شكلها مُش سهلة. أبعد عمر يده عن خصرها ببطئ وهو ينظر للأرضية بضيق وقد بدى وكأنه تذكر ما حاول إخفاؤه دومًا، شعرت شهد أنه بهذه الحركة يعبر عن تراجعه، نظرت له بتفحص ثم استطردت بتوجس..
عمر حبيبي مالك، اتضايقت لية؟! إبتلع عمر ريقه بإزدراء واغمض عيناه بحزن وهو يقول.. دى مديرة اعمال واحد كان لازم أتقرب منها عشان اعرف كل تحركاته عشان الريس كان عايز يخلص منه. تجلد جسدها بصدمة وثبات معًا، كانت على علم بأنه مُجرم ولكن لما شعرت بالصدمة!، هل لأنها لم تتخيل ان تكون كل حياته قتل وجرائم هكذا، ام لأنها لم تتخيل أن تتزوج بمجرم من الأصل..!
أفاقت من صدمتها وتظاهرت بالثبات رغم صدمتها ثم اقتربت منه ببطئ ووضعت يدها على كتفه وهي تقول بتساؤل وقلق.. عمر، انت مش ناوى تبطل الشغل دة؟! هز عمر رأسه نافيًا والحزن بادى على معالم وجهه بوضوح ثم أكمل بصوت قاتم قائلاً.. إلى بيشتغل الشغل دة مبيرجعش تاني ويبطله للأسف، كأنه ادمان. إتسعت مقلتاها بصدمة اخرى وإبتلعت ريقها بصعوبة واردفت بأقناع قائلة..
يعني اية حرام يا عمر، ربنا عمره ما هيباركلنا طول ما انت بتقتل، دى من الكبائر، عشان خاطرى لو بتحبني فعلاً سيب الشغل دة واشتغل اى حاجة حتى لو عامل نظافة وانا معاك لكن قتل، لا لا مستحيييل. ألتفت عمر لها فجأة ونظر لها بغضب وهو يجز على أسنانه بقوة وامسكها من ذراعيها وضغط عليهم بقوة وهو يقول بغضب.. انتي مفكراني حابب الشغلانة دى، لا، انا هأنتقم منهم وادمرهم وبعدين ابعد.
تلقلقت الدموع في اعينها من تعنفه وغضبه معها، كانت هي كالأم التي تنصح طفلها لمصلحته وهو كالطفل العاق.. أخذ نفسًا عميقًا وزفره ببطئ وتركها واستدار وهو يمسح على جبينه بطرف يده ثم هتف بصوت أجش... صدقيني غصب عني مش بمزاجي. ألتفت لها مرة اخرى وأمسك بوجهها بين راحتي يده وهو يقول بصوت حانِ.. أنا اسف يا شهدى، متزعليش مني، اوعدك اول ما انفذ انتقامي منهم هابعد ومش هارجع لهم تاني ابدًا.
اومأت موافقة على مضض، علمت أنه لا مجال للنقاش معه في هذا الأمر، كانت مجبرة على الموافقة، شعرت كأنه سجين يخيروه بين الماء والحرية..!
في منزل عبدالرحمن، طُرق باب المنزل وفُتح ودلف عبدالرحمن إلى المنزل والإبتسامة تعلو ثغره وتظهر السعادة على ملامحه الجذابة، كانت والدته تجلس على الأريكة امام الباب ودُهشت للغاية من هذه السعادة، كانت تعتقد أن رضوى سترفض وسيأتي حزين وتجلس هي وتواسيه، قطبت حاجبيها لتظهر رقم سبعة وهي تهتف بتساؤل وأبتسامة قائلة.. عبدالرحمن، دايمًا يا حبيبي السعادة ليك بس قولي حصل اية خلاك كدة؟
أقترب منها بهدوء وجلس بجوراها ثم تنحنح وهو يقول بسعادة واضحة.. وافقت يا أمي، وافقت ووعدتها إني هأروح لدكتور نفسي وهأتعالج، انا مبسوط جدًا. مطت والدته شفتيها بعدم رضا ثم اجابته قائلة بأمتغاض.. يعني رضوى ف شهر عملت إلى كلنا عجزنا نعمله ف سنتين واكتر.
رمقها عبدالرحمن بنظرات متعجبة، لوهلة اعتقد انها ستأخذه بالأحضان وتسعد سعادة ابدية، ستدعوا له ولرضوى بالسعادة في حياتهم المستقبلية، ستفخر بأن رضوى اختيارها هي، ولكن، لم تفعل تقوس فمه بأبتسامة صفراء وهو يقول بهدوء حذر.. أيوة يا أمي، ما دى اختيارك انتي. نظرت والدته في أنحاء المنزل هروبًا من نظراته، حاولت رسم الإبتسامة ولكن فشلت، نهضت من الأريكة وهي تقول بصوت قاتم..
مبروك يا حبيبي، روح للدكتور واما تيجي ابقي طمني. تنهد بضيق وإبتلع غصة مريرة في حلقه، وحاول أن يتجاهل الامر، ولكن يبدو أنه لن يمر مرور الكرام، مسح على شعره بحنق وبعد ثوانٍ معدودة، أخرج هاتفه من جيب بنطاله وأتصل بأحد اصدقائه، اتاه صوت صديقه قائلاً.. ألوو ازيك يا عبدالرحمن الحمدلله، ازيك انت يا أدهم بخير الحمدلله عايز منك خدمة معلش يا أدهم قول طبعًا يا صديق.
عايز رقم الدكتور النفسي وعنوانه إلى انت قولتلي عليه قبل كدة اية دة بجد قررت تتعالج؟ اه يا ادهم تمام بص هأقفل وهأبعتهم لك في رسالة تمام، شكرًا جدًا العفوا ع اية، احنا ف الخدمة تسلم، مع السلامة مع السلامة يا صاحبي. أغلق الهاتف وهو يتنهد بأرتياح، لأول مرة يشعر أن مرضه هذا شيئ عادى يحدث، ليس بمرض يستعر ويخشي علم الناس به.
في وقت لاحق ( منزل رضوى )، كانت رضوى تجلس بجانب والدته تقص عليها ما حدث وتعطيها الدواء الخاص بها، كانت والدتها تكتفي بأيمائه بسيطة برأسها، وكان يظهر عليها التعب والهلاك، جسدها نحيف، مثل التي اصبحت على فراش، الموت كأنها اصبحت جسد بلا روح..
رن هاتف رضوى بالداخل لتنهض بسرعة متجهه لغرفتها حتى لا تيقظ والدتها، امسكت بهاتفها لتجد المتصل عبدالرحمن، دق قلبها بقوة مع رن هاتفها، تنهدت وهي تضع يدها على قلبها لتهدأ من دقاته ثم ضغطت على الزر لتسمع صوته الهادئ وهو يقول.. السلام عليكم يا رضوى ازيك؟ الحمدلله يا عبدالرحمن، ازيك انت؟ بخير الحمدلله رضوى، احم يعني لو ممكن تيجي معايا للدكتور النفسي بعد صمت لثوانٍ ردت بعزم.. تمام يا عبدالرحمن، امتي بالظبط؟
انا اتصلت وحجزت، على بكرة الصبح اتفقنا تمام كويس جدا، هأتصل بيكي بكرة تمام، سلام مع السلامة أغلق الهاتف وهو يقربه بجوار قلبه ليجس نبضاته السريعة عندما يحدثها او يكون قريب منها، يبدو أنه سيدلف للقفص بقدميه هو، تنهد بشرود وهو يقول بصوت هامس.. شكلك هتوقعيني على جدور رقبتي.
أنطلقت مها من عند الطبيبة إلى منزل حسن على الفور، كانت شاردة، تائه تفكر بسعادة وخوف، سعادة بمولودها الجديد وخوف من رد فعل حسن، كانت كالطفل التائه وسط أناس ومكان لا يعرفه، هي من وضعت نفسها في هذا الموقف، هي من ابتعدت عن زوجها وحرمت طفلها من حنان الأب، هي من إتجهت للزنا..! ولكنها، حب حسن يسيطر عليها كأنه وباء او مرض يصعب الشفاء منه كادت تصطدم اكثر من مرة بأحدى السيارات من شرودها..
أوقفت احدى سيارات الأجرة وركبتها وأخبرته بعنوان حسن، بعد نصف ساعة تقريبًا وصلت امام البناية التي يقطن بها حسن وترجلت من السيارة بهدوء وأعطت للسائق اجرته لينطلق هو إلى حيث اراد وإتجهت هي إلى البناية.. صعدت بخطوات متوترة ومترددة، وصلت امام شقته وحسمت امرها ثم طرقت الباب بهدوء، بعد ثواني فتح لها حسن، نظرت له نظرات مختلفة عن كل مرة بينما نظر هو لها بتعجب من قدومها المفاجئ، ثم تنحنح بحرج قائلاً..
مها!، اية إلى جابك احم قصدى اتفضلي بس اتفاجئت لم تعلق مها على حديثه وإنما كانت تنظر له فقط، كأنها تشبع رغبتها في التطلع فيه، شعرت أنها ربما تكون اخر مرة تتطلع بوجهه كما ارادت، ثم دلفت بهدوء إلى الداخل وهي توزع انظارها في جميع أنحاء المنزل ثم هتفت بصوت أجش قائلة.. ازيك يا حسن، عامل اية؟ أجابها حسن على الفور بفتور.. الحمدلله كويس، انتي عاملة اية؟
بخير طول ما انت بخير، مش وحشتك يعني ولا سألت عليا بقالك فترة تقوس فمه بأبتسامة خبيثة وقد فهم مقصدها المعتاد ثم أقترب منها ببطئ وأحتضنها من الخلف وهو يستنشق عبيرها بمتعة وهو يقول بخبث.. لأ طبعًا وحشتيني يا حبيبتي.
أبعدت مها يده عنها بعنف وأستدارت ولأول مرة في حياتهما معًا رمقته بنظرات حادة كالصقر، وعيناها يشع منها الغضب، كأنها تشتعل بداخلها وهو يقف امامها بكل برود، دُهش حسن للغاية، ف بعمره لم يرى تلك النظرات في عيناها ابدًا، كان دائمًا يرى نظرات هادئة، حانية، راغبة نظر لها بتفحص بينما زمجرت هي فيه بغضب وهي تلوح بيدها في وجهه قائلة.. انت اية، مابوحشكش ومابتحبنيش غير شهوة وبس، آله بتسلي بيها وقتك!
صُدم للغاية وإتسعت مقلتاه، ظل مكانه وهو فاغرًا شفتيه بصدمة جلية، بينما أغمضت مها عيناها وهي تشعر بمشاعر مختلطة، الخوف، الغضب، وأهمها، الندم..! أكملت بحنق بعد صمت وهدوء دوى لدقيقة او دقيقتان قائلة.. أنا حامل يا حسن، وفي ابنك طبعًا خرج من صدمته على هذه الجملة ليدخل في صدمة اكبر ثم هز رأسه نافيًا وهو يضحك بسخرية قائلاً.. لأ مستحيل يكون ابني، إطلعي برة وشوفي هتقرطسي مين ف الواد دة..!
في منزل عمر، يجلس كلاً من عمر وشهد في الأسفل امام التلفاز على الأريكة الخشبية وعمر يحاوط شهد بذراعه، ليشاهدوا احد الأفلام الرومانسية بأستمتاع، كانت تشعر بالأمان والدفئ وتنظر له بحنان وحب، كأنها تشاهده هو وليس الفيلم.. نظر لها بطرف عيناه ليجدها سارحة في ملامحه وكل تفصيله فيه.. نظر لها فجأة، فنظرت للأسفل بخجل وإبتلعت ريقها بإزدراء وقد أحمرت وجنتاها كعادتها من الخجل..
أطلق عمر صفيرًا بتسلية وهو ينظر للأعلي ثم أقترب منها وطبع قبلة صغيرة على وجنتيها، شعر بسخونة وجهها الأبيض، أبتسم بخبث وهو يقول.. للدرجة دى بتتكسفي مني يا شهدى، وبعدين ماتقعديش تبصي لي كدة عشان مراتي بتغير عليا. ضحكت شهد بخفة على جملته ثم ضربته برفق بقبضة يدها ثم استطردت بحب قائلة.. حقها تغير، عشان مرض الغيرة عشق ولو بطلته يبقي حبها راح.
احتضنها عمر بقوة والإبتسامة الحالمة تعلو ثغره، كأنها دلفت لقلبه وتمكنت منه ومن ثم اغلقت على نفسها بمفتاح متين وألقت به في البحر، والآن تؤكد بهذه الجملة على ملكيتها لقلبه لها فقط..! غيرت مجرى الحديث في لحظات بمهارة وهي تقول بتسَاؤل.. عمر، انا عايزة اعرف كل حاجة، لية انت غامض اوى كدة ولية كانوا عايزين يقتلوك لما كنت ف المستشفي ومين هما؟
لم تعلم أنها بتغير مجرى حديثها غيرت مزاجه الجيد وفتحت الماضي المؤلم الذي لطالما حاول اغلقائه للأبد واخفاؤه من حياته، إبتلع غصة مريرة مؤلمة في حلقه وأبتعد عنها برفق وحدج بالفراغ وهو يتذكر ليجيبها قائلاً..
دول حاجة زى منظمة كدة، ليها اهدافها اى حد بيقف قصادها بتخلص منه، وطبعًا كانت بتحتاج ناس تخلص منهم وتكون ايدهم اليمين، البوص شافني ف موقف واعجب بيا وقرر اني اكون معاهم، عرف كل حاجة عن حياتي حتى اني بروح فين وبأعمل اية وبحب مين، عرض عليا إني اشتغل معاهم لكن انا رفضت، قولت ازاى هابقي قاتل دة مستحيل حتى لو بكنوز الدنيا كلها، لكن قرروا يضغطوا عليا..
قتلوا حبيبتي، هند عشان يرحعوني، منا خلاص دخلت دماغه وهانفعه، اتجننت بعد موت هند وموت امي، بقا كل همي في الحياة إني انتقم وبس، وافقت على الشغل معاهم بس عشان انتقم، بقيت قاسي، مجرم، القتل خلاني معنديش اى مشاعر، لحد ما دخلتي حياتي، وانا بقيت بقالي فترة مابنفذش الطلبات، عرفوا إنك بقيتي ف حياتي، حبوا انك تدخلي الدايرة دى وتشتغلي معانا، فتاة ليل، عشان تنفعيهم، وانتي هاتعملي كدة دلوقتي يا شهد...!
رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثلاثون
ما لبث إن انتهي من جملته حتى نهضت شهد بصدمة وشهقت وهي فاغرةً شفتيها، كأنه سكب عليها كوبًا من الثلج، كانت تحدقه بنظرات مصدومة للغاية غير مصدقة لما سمعته أذنيها، ظهر في عيناها البنية بريق لامع خافت وحاد، ثم صاحت فيه بغضب قائلة.. انت عايزنى انفذ إلى هما عايزينه، عايزنى اشتغل فتاة ليل يا عمر انت مجنون ولا اييية!
جز عمر على أسنانه بغيظ مكبوت ثم أمسكها من ذراعها وجذبها لتجلس بجانبه ثم نظر لها بحدة وهو يقول بجدية.. دة على جثتي إن حد يجي جمبك، سيبيلي فرصة اكمل كلامي للأخر. تأففت بضيق ونظرت للأمام وعقدت ساعديها ولم ترد، فهم عمر أن حركتها بمعني هيا أكمل، زفر بضيق هو الأخر وأستطرد حديثه بتفكير قائلاً..
بس في اختلاف، مش هاتشتغلي فتاة ليل، انتي هاتروحي لهم ع اساس إني ماعرفش وإنك هاتشتغلي معاهم وهاتسلميني ليهم، بس انتي هاتعملي العكس هاتسلميهم ليا. هزت رأسها بأعتراض شديد، كانت كمن يخبروها أنها يجب أن تتخلي عن طفلها، كيف ستفعل ذلك!، ماذا إن كشفوها، بالطبع سينتقموا منه هو..! نظرت له بهدوء أتقنته ليرى هو في عيناها الرفض والنفور الشديد مما قاله.. هتفت بأعتراض واضح يشوبه الخوف قائلة..
مستحيل يا عمر، انا كدة هابقي بسلمك ليهم فعلاً، افرض اتكشفت انت هتروح هدر يا عمر، مأقدرش خالص. أمسك عمر كفيها بين يديه ليشعر ببرودة يدها، نظر لوجهها وجد وجهها شاحب بعض الشيئ، تمعن النظر في تفاصيل وجهها الرقيق ثم قال بهمس.. شهدى انتي خايفة لية، صدقيني انا مش هيجرالي حاجة ولا هيجرالك، بس عمرى ما هاعيش مرتاح إلا لما أنتقم. صمت لبرهه ومازال مثبت ناظريه في عيناها البنية يتمعقها وهو يتشدق ب..
ولا انتي مش عايزاني اعيش مرتاح يا شهدى هزت رأسها نافية ولمعت الدموع في عيناها وكادت تنهمر، شعر عمر بمدى خوفها وحزنها فهي تعتبر نصفه الثاني، تنهد تنهيدة حارة تحمل بطياتها الكثير ثم أقترب منها واحتضنها بحب وأخذ يربت على شعرها الذهبي الطويل وتابع بحنان قائلاً.. خلاص يا شهدى انتي مش هاتدخلي الدايرة دى ابدًا، انا هأنفذ انتقامي لوحدى من غير مساعدة اى شخص.
رفعت رأسها لتقابل عيناه السوداء وقد بدى فيها الغموض اكثر حتى هذه اللحظة، كادت تتفوه بشيئ ما ولكن عارضها لسانها وتحدتها الحروف ولم تنطق بأى شيئ، فقط كانت تنظر له وتتأمله، لقد تمثل لها في حياتها بالأب والأخ والزوج والأبن الذين افتقدتهم، لم تشعر بحنان اى شخص لها سوى والدتها التي توفيت..
في منزل حسن، حدقت به مها بنظرات مصدومة، ولكن ليس لعدم تقبله الطفل بل لأنه يتهمها أنه ابن رجل اخر، كيف هذا وهو يعلم بمدى عشقها له، كيف وهي تركت زوجها من أجله فقط، كيف وهي سلمته نفسها من دون ان يتزوجوا حتى..!
اطلقت ضحكة طويلة وعالية ساخرة وهي تخبط كف بكف، سيطرت عليها حالة جنون، كانت تضحك بسخرية فقط، تعجب حسن من حالتها تلك، توقع أنها حتى يمكن ان يغشي عليها اثر الصدمة، كأنها استوعبت الان ما قاله، اقتربت منه بسرعة وأمسكت به من لياقة قميصه الأبيض وهي تزمجر فيه بغضب قائلة.. انت مجنووون صح يعني ايية الكلام دة أبعد يدها عنه بكل برود وتقزز كأنها وباء ثم تقدمها بخطوات واثقة وهو يقول بنبرة غليظة..
يعني انا ايش عرفني إنه فعلاً ابني، وبعدين انا مش بتاع جواز وأطفال، انا عايز اعيش حياتي بالطول والعرض وبكل حرية بس. شعرت كأنها تسمع مزحة للمرة الثانية، أستمرت بالضحك بصوت عالي، ثم أشارت له بأصبعها واردفت بتوجس.. انت بتهزر صح، قول يلا إنك بتهزر وانا هاعدي لك المقلب التقيل دة. عاود النظر لها مرة اخرى ووضع يده في جيب بنطاله ثم أكمل حديثه الثقيل لتستمع له مها وهي تبتلع غصة في حلقها بمرارة..
لأ مابهزرش ع فكرة، ويلا بقا بعد اذنك عشان انا مش فاضي لك خالص.
أصبحت مها في حالة لا تُحسد عليها، تجسد امامها كل ذكرياتها مع هذا الذي يدعي حسن، كل الأوقات التي ابتعدت فيها عن طفلها من اجله، إنفصالها عن زوجها وهذا ايضًا من أجله، تذكرت كل عبارات الحب المزيفة التي كان يخبرها بها، كيف أصبحت زانية من اجله، أجهشت بالبكاء الحاد واصبحت تصرخ بعلو صوتها وتردد كلمة لأ لأ بهيستريا، كان حسن يتابعها بنظراته وقد إنتابه القلق مما يحدث، إن ظلت على حالتها تلك وفي منزله ستتسبب له بالكثير من المشاكل، اقترب منها ببطئ ليهتف بشيئ ما ولكنه وجدها فجأة تبتعد عنه وقد اصبحت عيناها حمراء وتشع بالغضب مثل جمرة النار التي تخشي أن تمسها، تابعت بتوعد شرس قائلة..
أقسم بالله هاوديك ف داهية يا حسن، وهاعرفك إن الله حق، وهاثبت إن إلى ف بطني ابنك انت مش ابن حد تاني. ما إن انتهت من جملتها حتى حملت حقيبتها ومسحت عبراتها والكحل الذي ساح تحت عيناها وإتجهت للخارج، فتحت الباب وألقت نظرة اخيرة على حسن الذي كان يقف كما هو ببرود وينظر لها وهو يستمع حديثها اللاذع بلامبالاة ثم خرجت وأغلقت الباب خلفها بقوة...
في احدى عيادات الطبيب النفسي،.
في عيادة واسعة وأنيقة ونظيفة، يبدو أنها لأحد الأطباء المعروفين، يجلس عبدالرحمن على المقاعد وبجواره رضوى في العيادة الخاصة بالطبيب الذي اخبره به صديقه المقرب أدهم، كان التوتر سيد الموقف، وكان عبدالرحمن يهز رجله بسرعة وقوة ليخرج التوتر الذي يكمن بداخله من تلك المقابلة، كان يشعر أنه مثل الأرجوز وكل من بالعيادة ينظر له كأنه مجرم او ما شابه ذلك، تنحنحت رضوى لتخفف من توتره بأى شيئ قائلة..
حاسس بأية دلوقتي؟! اخذ نفسًا عميقًا وطويلاً ثم زفره ببطئ وفرك اصابعه وهو يجيب بقلق قائلاً.. حاسس إن انا متوتر جدًا وإن الناس كلها بتبص عليا انا، يلا نمشي احسن إتسعت حدقة عيناها بصدمة وهي محدقة به، هزت رأسها نافية بشدة ولمعت عيناها بأصرار غريب ثم اردفت بعزم قائلة.. ابدًا، مش هانمشي وهاتكمل مع الدكتور دة، وبعدين محدش بيبص لك خالص، دة انت إلى حاسس كدة بسبب توترك بس.
علم أنه لا مفر ويجب أن يواجه ذاك الشخص الذي كره كل النساء الوحشي بداخله، تنهد بقوة وأرجع رأسه للخلف ببطئ، تابعته أعين رضوى بهدوء وهي تشعر تمامًا بما يعانيه، فهي كانت حالتها مثله تمامًا عندما تركها شهاب..
لاحظت نظرات بعض الفتايات يجلسون بجانبهم وينظرون بإتجاه عبدالرحمن، سمعت همهماتهم وعباراتهم الخافتة بالغزل في عبدالرحمن، أجبرتها أعينها على النظر لهم لتجدهم ثلاث فتايات، يرتدون ملابس خليعة مثل ضحكاتهم ويضعون مساحيق تجميل مبالغ فيها بشدة، شعرت رضوى بالغضب الشديد ونظرت لهم بحدة، ثم نظرت لعبدالرحمن وهمست بحنق ومازال نظرها معلق بهم.. يلا نمشي صح يلا نمشي قوم.
نظر لها عبدالرحمن بتعجب ورفع حاجبه الأيسر، لوهلة شعر أنها هي من تعاني من إنفصام شخصية ايضًا، ثم نظر لما تنظر له ليجد هؤلاء الفتايات، فهم ما ترمي إليه وظهرت أبتسامة خبيثة على ثغره ورد ب.. لا والله، اشمعنا دلوقتي! تداركت نفسها على الفور ونظرت للأرضية بخجل عندما رأته ينظر لهم ومؤكد انه فهم كل شيئ، ثم هتفت بخفوت وإرتباك قائلة.. آآ قصدى آآ قوم نمشي نجيب مياة عشان انا عطشت فجأة.
أبتسم عبدالرحمن وشعر بسعادة داخلية تغمره مما حدث، هذا يعني أنها تغار، حقًا إنها تغار، أصبح ينظر لها والفرحة أنارت وجهه وقد اختفي التوتر ليحل محله السعادة، هذا يعني أنه تمكن من قلبها ووصل إليه بعد فترة وجيزة..! أفاق من شروده على صوت السكرتيرة وهي تنادى بصوت أجش قائلة.. أستاذ عبدالرحمن اتفضل.
تنهد عبدالرحمن ونهض ورضوى معه تنظر لها بتشجيع كأنه تحسه على الإقدام وإبعاد القلق عنه بنظراتها، إبتسم لها بهدوء وإتجه للداخل وهو يقدم قدم ويؤخر الأخرى، لتجلس رضوى مكانها مرة اخرى في إنتظاره بأمل في الغد...!
يعني ايييية الكلام دة يا دكتور!
هتف محسن بتلك الجملة بحدة وتساؤل برعب وهو يقف بجانب الطبيب الذي كان يفحص والده المسطح على الفراش بهمدان، وجهه ذابل وجسده ضعيف ويبدو عليه التعب الشديد، كان محسن ولأول مرة يشعر بالخوف، الخوف من فقدان والده، كيف سيواجه تلك الحياة القاسية بمفرده، لقد كان والده في ظهره دائما وسند له ويكملوا بعضهم البعض، كان والده يضع يده على قلبه والألم بادى بوضوح على محياه، أغلق الطبيب حقيبته الجلدية السوداء وخلع نظارته الطبية ثم نظر لمحسن وهتف بجدية قائلاً..
يعني والدك عنده القلب وفي حالة متأخرة جدًا، اكيد كان بيحس ف وجع ف قلبه ومش بيقول لحد ما الموضوع زاد إبتلع محسن ريقه بخوف وهز رأسه نافيًا بسرعة وهو يقول بتوجس.. طب مفيش علاج يعني يا دكتور اومأ الطبيب إيجابيًا وأكمل برسمية.. طبعًا في، احنا هانعمله عملية بس ماكذبش عليك نسبة نجاحها مش مضمونة وتكاد تكون معدومة.
ضم قبضة يده وضغط عليها بقوة وهو يحملق بالطبيب بصدمة والرعب يدب اوصاله ويزداد الخوف بداخله اكثر واكثر، محسن الذي لا يهاب شيئ ومستهتر ولا يؤثر به اى شيئ، الان يرتعب من فقدان والده، فمهما كان هذا والده الحنون، كانت لديه رغبة شديدة في البكاء ليخفف مما يشعر به، مد الطبيب يده بورقة وهو يكمل بتفاؤل قائلاً..
هات الأدوية المكتوبة ف الروشتة دى وتعالي لي في المستشفي (، ) يوم، عشان نحدد ميعاد العملية لأنها ممكن تكون ف القاهرة مش هنا لأن امكانيات المستشفي هنا على ادها اومأ محسن برأسه موافقًا واخذها منه هو يفكر في شيئ اخر، بينما إتجه الطبيب للخارج وغادر المنزل، اخذ محسن يفكر ب، شهد، يجب ان يراها والدها وتراه، لا يجب ان يحدث له اى شيئ وهي بعيدة عنه، هو يعلم مدى حب والده لشهد.
هز رأسه بإيجاب وقد عزم على تنفيذ ما في رأسه وعاجلاً...!
في منزل عمر،.
كان عمر يقف في الحديقة الخاصة بمنزله، وفي هذا الوقت كانت شهد تنام في الاعلي، كان هو شارد ويخطط لما سيفعله مع هذا الذي يسمي حاتم ، يجب أن يسدد له الضربة القاضية التي تمحيه من الوجود، ولكن ايضًا هذا ليس بالهين، هو على علم بما يمكن ان يفعله حاتم وبنفوذه وقوته، تنهد وهو يتذكر مشهد موت حبيبته الأولي هند ، كأن هذا المشهد جرعة لتزيد من نيران غضبه ولهيب إنتقامه وقد بدى الإصرار القوى في عيناه السوداوتين، قطع شروده صوت هاتفه معلنًا عن إتصال من، فارس.
زفر بضيق وهو يتذكر فارس ثم ضغط على الزر وهتف بحنق قائلاً.. امممم نعم ارغي يا فارس في اية كدة اهدى عليا يا عم انجز يا فارس انا مش فاضيلك طب بص بقا انا عايزك تيجي الفيلا بتاعت البوص عشان في مفاجأة ليك مفاجأة ايية دى يا فارس بقولك مفاجأة، يلا تعالي وانت هاتعرف اوف، ماشي جاى لك اشطاات، سلام سلام.
أغلق الهاتف وهو يفكر ويحاول التوقع بما يعده له فارس، أبتسم بسخرية وهو يتذكر ما حدث، ومن هذا اليوم وهو منتظر ما سيحاول فارس ان يفعله ردًا لكرامته، ولكن ما علاقة حاتم بهذا الموضوع، إذا لنذهب ونرى.. حدث عمر نفسه هكذا قبل ان يسير متجهًا للخارج وركب سيارته بهدوء وإتجه لمنزل حاتم ولم يتوقف عن التفكير..
وصل بعد ربع ساعة تقريبًا وصل امام الڤيلا وترجل من سيارته وإتجه للداخل بخطوات واثقة، بالطبع لم يتحدث معه الحرس فهم معتادون على مجيئه.. دلف ووزع انظاره في المكان ليجد فارس وحاتم وشيئًا لم يتوقعه ابدًا و...
رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والثلاثون
صُدم عمر للغاية عندما رأى بجانبهم، هند، ترتدى بلوزة نصف كم من اللون الأحمر وجيبة قصيرة إلى الركبة من اللون الأسود، وشعرها الأسود اصبح أصفر، لم يصدق عمر عيناه وشعر أنه مؤكد يحلم، نعم هي ماتت وهو دفنها معهم، كيف يمكن ذلك!، فرك عمر عيناه لعله يستفيق من هذا الحلم الصادم، تقدم منهم بخطوات بطيئة، كأنه قدميه شُلت عن الحركة، اصبح يحركها بصعوبة وهو يسير، كانت يتمني أن يقع ويستيقظ من ذاك الحلم، كان وجهه شاحب وحدقه عيناه متسعة وحلقه جف، أصبح امامهم تمامًا ليرى أبتسامتها الباردة وفارس ينظر له بتشفي وحاتم يشاهدهم بتسلية كمن يشاهد احد الأفلام، حاول عمر أن يتفوه بشيئ ما ولكن لُجم لسانه، أستطاع بصعوبة أخراج الكلمات قائلاً بصدمة جلية..
أنتي، ه هند! ضحكت هند ضحكة خليعة ثم جلست بجوار حاتم وأحتضنت يده بذراعيها بدلال ثم أجابته بسخرية قائلة.. ايوة هند ولا هاكون عفريتها يعني هز عمر رأسه نافيًا بصدمة، لم يصدق حتى بعدما اعترفت له بنفسها او بمعني اوضح لم يريد أن يصدق، أخذ يتساءل كيف خدعته هكذا!، كيف كانت تختبئ خلف هذا الوجه الملائكي..! اقترب منها أكثر حتى اصبح امامها ثم امسك بذراعيها بقوة مرددًا بغضب..
ازااااى، انا بنفسي دفنتك، ازاى لسة عايشة ثم صمت لبرهه وهو ينظر لها بحدة وعيناه تكاد تنفجر من شدة الغيظ والغضب، بينما كانت تقف هي تنظر له برعب وهي تتمني أن تنشق الأرض وتبتلعها كما يقولون، أستأنف حديثه بصراخ حاد قائلاً.. طب لو عايشة ليه خدعتيني، لييييه عملتي كدة، دة انا عيشت طول عمرى متألم وحزين ومفكر أنك ميتة، تطلعي عايشة ومتهنية طب وانااااا، ردى عليا وانا اييية كنت وسيلة بس.
أبعدت هند يده عنها وحاولت أن تظهر الثبات والحدة ثم صاحت وهي تلوح بيدها في وجهه قائلة.. يوووه، ابعد ايدك دى عني، ايوة كنت وسيلة، وبعدين آآ اه انا عايشة ومتهنية وماصدقت خلصت منك خالص غزى الألم قلبه، شعر انه ربما يفقد وعيه من هول المفاجأة، هي من اضاعت اكثر من ثلاث سنوات من عمره هدر، كان يعيش من اجل انتقامه لأجلها فقط، والان اكتشف أنه كان يسير خلف سراب...!
نظر لحاتم ليجده يدخن سيجاره الفاخرة بكل برود كأن شيئًا لم يكن، ظهرت عروق عمر في رقبته ويده، ولكنه ليس بمتهور ليهجم عليه في وسط منزله وامام حراسه، وجه نظره لفارس الذي كان يجلس ببرود هو الاخر ويضع قدم فوق الاخرى ويتابع ما يحدث بغيظ، شعر عمر بالضيق والغضب والغيظ ولأول مرة، الضعف.
كأنه اصبح وسط حيوانات مفترسة في غابة، مسح على شعره ببطئ ثم فجأة هجم على فارس وظل يلكمه عدة لكمات متتالية ولم يعطيه الفرصة ليرد اللكمة، لم ينجد فارس سوى إشارة من حاتم جعلتهم يسمعوا صوت طلق نارى، ابتعد عمر عن فارس ونظر ليجد هند سقطت ارضًا وقد اصيبت في قلبها ، ركض عمر بإتجاهها ونزل لمستواها وقد شعر بالرهبة لوهلة، أخذت تلتقط أنفاسها الأخيرة وامسكت بيد عمر وهي تحاول ان تتفوه بشيئ ما قائلة..
اسم آآ اس اسمعني، أنا مش... قاطعها عمر وهو يقول بلهفة: اهدى، اهدى ارجوكي يا هند عشان ماتتعبيش اكتر، مش هاتروحي تاني نظر لهم ثم صاح بعلو صوته قائلاً: اسعااااف حد يطلب الاسعاااف نظرت له تتأمله بحسرة وندم وحاولت ان تكمل حديثها ولكن عارضها القدر وخانها لسانها وقلبها، لتنتهي حياتها هنا الآن وبين يديه لتصبح جسد بلا روح، تاركة له نفس الذكرى المؤلمة وتصبح هي في الماضي لكن ماضي مؤلم يصعب نسيانه.
اصبح يهزها بقوة وقد تلقلقت الدموع في عينه قائلاً بصراخ.. لااااا حرااام لاااا اغمض عيناه وهو يتذكرها، بالرغم من حبه الذي نمي بداخله لشهد إلا انه لن يستطيع ألا يحزن عليها، فهي تعتبر شقيقته عاشت معه منذ الصغر، وعاش فترة طفولته وذكرياته الجميلة معها هي..
مسح على وجهها بيده برفق وتنهد ثم نهض وهو ينظر لحاتم بتوعد وكره شديد وفارس الذي كان يمسك نفسه ويحاول ان يهدأ نفسه بصعوبة وبالطبع بأوامر من حاتم، استدار ليغادر ثم ألقي نظرة اخيرة على هند الملقاه على الأرض غارقة في دمائها جثة هامدة، شعر بغصه تؤلمه ولكنه تحامل على نفسه وإتجه للخارج بخطوات ثابته مما أثار دهشة كلا من حاتم وفارس للغاية، كانوا يعتقدوا أنه سيدمر أن ماتت امامه وخاصة بنفس المشهد بأختلاف بعض الاشياء، لم يكونوا يعلموا أن عمر اكتشف الان أن حبه لهند كان حب تعود فقط..!
ذهب عمر من امامهم وكلا منهم يحمل بداخله الكره والحقد والأفكار السامة للأخر...!
في الصعيد،.
طلب محسن من زوجته أن تعد له حقيبته وحجز طيارة خاصة للسفر للقاهرة، أعدت له حقيبته واستعد للسفر في نفس اليوم، كان ينزل من غرفته حاملاً حقيبته للأسفل، ترك حقيبته الجلد السوداء وإتجه لغرفة والده، كان والده مسطح على فراشه لم يتغير حاله عن ما تركه الطبيب، كان ينظر للأعلي بشرود وفي عينيه لمعه خافته حزينة، دلف محسن واقترب منه بهدوء ثم قرب الكرسي الخشبي وجلس عليه بجوار فراش والده ثم امسك بيده بين كفي يده ونظر له بحزن بادى على محياه ثم هتف بصوته الأجش قائلاً..
انا مسافر عشان اجيبلك شهد يابوى بمجرد ذكر اسمها ظهرت شبح الابتسامة على وجهه الذابل واردف بصعوبة وخفوت قائلاً.. لا يا ولدى ماتجبرهاش على حاجة، انا ماعايزش منها غير انها تسامحني على اني اجبرتها على واحد زى مصطفى وانا عارف اخلاجه ( اخلاقه )، بس جولت ( قولت ) اكيد الجواز هايغيره، وخليها تسامحني على جسوتي ( قسوتي ) معاها.
شعر محسن بالألم من أجل والده، هو على علم تام أنه صحيح في هذه النقاط، هو كان قاسٍ بعض الشيئ في معاملته معها ولكنه رأى ان ذلك في مصلحتها، ربت على يده برفق وهو يقول بأصرار.. هاتعيش يابوى، بأذن الله هاتعيش وشهد هاتيجي وهاتشوفها اكييد أبتسم والده ابتسامة هادئة واكمل بوهن قائلاً.. شكلي خلاص مابجاش ليا كتير يا ولدى، ادعولي وماتنسونيش ابدًا وسامحونى على اى حاجة.
لم يتحمل محسن اكثر من ذلك، كان كلام والده وربما الاخير كالسكاكين الباردة التي تقطع قلبه، نهض بسرعة وهو يمسح الدمعه الهاربة التي فرت رغمًا عنه وإتجه للخارج ثم فتح الباب وألقي نظرة أخيرة على والده وهو يقول بصوت قاتم.. عمرنا ما هننساك ابدًا يا والدى.
رضوى وعبدالرحمن يسيران في الشارع متجهين لمنزل رضوى وها قد مرت اول جلسة لعلاج عبدالرحمن، بعدما اخبره الطبيب انه من السهل علاج الحالات التي مثل حالته تلك، عاد له الأمل في تلك الحياة التي كانت بائسة بالنسبة له وظهرت الابتسامة على وجهه البشوش من جديد، كانت رضوى تسير بجانبه بخطوات هادئة وهي تشعر بالسعادة لسعادته، تنحنح عبدالرحمن قائلاً بأمتنان..
رضوى بجد مش عارف اشكرك ازاى، انتي السبب في كل السعادة إلى انا فيها دى، بجد شكرًا أبتسمت رضوى بهدوء لتظهر غمازاتها التي تعطيها مظهر جذاب اكثر، لأول مرة تشعر انها اثرت في حياة شخص بالإيجاب، فعلت شيئ صحيح تفخر به، نجحت في ان تخرجه من حالته تلك، ربما فعلت ذلك لأنها لم تجد من يمد يده لها بالعون عندما كانت بحاجة لأى شخص يساعدها ثم تابعت بنبرات سعيدة قائلة..
لا يا عبدالرحمن، انت إلى من جواك نقي ونقي اوى كمان وكنت بس محتاج حد يمد ايده ليك عشان يخرجك وانت تكمل طريقك بنفسك بس تنهد عبدالرحمن بقوة وهو ينظر لها وقد ود في هذه اللحظة أن يحتضن والدته ويشكرها على اختيار فتاة مثل رضوى له، استطرد بحماس قائلاً.. طب احنا مش هانحدد ميعاد الخطوبة ولا اية بقا؟! توردت وجنتاها بخجل شديد ونظرت للأرض وفركت اصابعها وهي تقول بخجل.. الكلام دة مع ماما وعمو مش معايا.
أبتسم وقد دب اوصاله الحماس للغد اكثر، وضع يده في جيب بنطاله وظل ينظر لها بشرود وسعادة لم تختفي من ملامحه ولا نبرة صوته بينما رضوى تشكر الله على رزقه لها برجل مثل عبدالرحمن.. ولكن، ماذا عن شهاب..!
في منزل عمر،.
استيقظت شهد من نومها وفتحت جفنيها بتثاقل لتظهر عيناها البنية، تحسست الفراش بجوارها لتجده فارغ، تعجبت من خروج عمر وعدم اخبارها، ولكن لم تهتم، نهضت ببطئ وهي تفرك عينيها بكسل ثم إتجهت للمرحاض الملحق بالغرفة لتغتسل، انتهت ثم خرجت وهي تجفف وجهها، ثم إتجهت للأسفل بعدما اغلقت الأنوار والباب، جلست على الاريكة امام التلفاز وفتحته، ثم امسكت الريموت لتبحث عن اى شيئ تشاهده ولكن لم تجد، تأفتت بملل ثم اغلقت التلفاز ونهضت ثم عادت للأعلي مرة اخرى، تذكرت حديث عمر معها وخاصًا جملة وقتلوا حبيبتي هند.
اذا تدعي هند، ولكن لماذا لم يخبرني عنها، كان يعاملني بجفاء من اجلها، ولكن اين هي!؟، وهل هي من رأيت صورتها بالأعلي..!
العديد من التساؤلات دارت بعقل شهد وقد تملك منها الفضول حول حياة عمر الغامضة، لم تفهم لما كل هذا الغموض ولكن ربما ليحصن نفسه من اى دخيل، دلفت إلى غرفته واغلقت الباب خلفها ثم إتجهت للدولاب الخاص بعمر وفتحته ببطئ، لفت نظرها الدرج المغلق، اتكأت بجذعها قليلاً وقد تملكتها الرغبة في معرفة كل شيئ عنه، فتحت الدرج لتجد دفتر مذكرات عمر، اخرجته وظلت تتفحصه بعيناها لثوانٍ ثم عادت للفراش وجلست عليه وفتحت الدفتر لتجد اول صفحة بعنوان هند.
اثار فضولها اكثر عمن تملكت زوجها الحبيب لهذه الدرجة حتى بعد ان اختفت من حياته، ظلت تقرأ بفضول لمدة... لم تشعر كم من الوقت جلست هكذا، ثواني، دقائق، او ربما ساعات.. وجدت الباب يدق، لملمت خصلات شعرها الذهبي التي تناثرت ثم تأففت بضيق من انتهاء خلوتها بحياة عمر كاملة، نهضت بسرعة ثم وضعت الدفتر في الدرج كما كان وإتجهت للأسفل بسرعة وهي تقول بصوت عالٍ.. جاية اهووو يا عمر.
وصلت امام الباب ثم فتحته وهي ترسم ابتسامة حانية هادئة على ثغرها ولكن سرعان ما اختفت وهي ترى...