نوفيلا نوتفكيشن للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الحادي عشر
دخلت ريناد وكر الاصدقاء تضرب الارض بخطوات نارية غاضبة، متخذة القرار بإنهاء هذا الجنون بشكل كلي فهي لن تعرض نفسها للخطر من أجل تلك الحقيرة ونزوات صديقها. وقفت أمام رامي الجالس بعنجهية وسط المكان ثم ازاحت الفتاة الجالسة بين أحضانه في عنف هاتفه في وجهه: -طبعا، قاعد ولا على بالك ومش حاسس بالمصيبة. -في أيه يا ريناد أنتي اتجننتي! صاح رامي معترضًا على طريقتها المهينة فأصرت ريناد على موقفها هاتفه:.
-أيوه اتجننت ومن هنا ورايح أنا ماليش دعوة بموضوع ميرا ده نهائي. -اهدي الأول وفهميني أيه اللي حصل؟ تنفست من فمها على مهل تحاول تمالك غضبها قبل أن تخبره في هدوء وهمي: -البيه جوزها كان بيسجلنا صوت وصورة وهددني اننا لو قربنا منها تاني هيفضحنا وهيبعت الفيدوهات لأهالينا. نجحت كلماتها في جذب انتباه البقية فزمجر حازم مغتاظًا وغاضبًا على رامي:.
-شوفت قولتلك البنت دي مش زي الباقية مصدقتنيش، أديك هتودينا في داهيه كلنا بسبب تهورك. -استنى يا حازم يعني هيصورنا ازاي، أكيد بيكدب وبيضحك عليكي عشان يخوفنا. دافع رامي في استماته يحاول تجميع افكاره وتبرير تهديداته فقاطعته ريناد تخبره بشكل قطعي: -بيضحك أو لا، أنا قراري نهائي من انهارده أنا برا اللعبة شوفلك غيري.
راقبت كيف استقام حازم مع حبيبة طفولته للمغادرة وقد طفح به الكيل من رامي ونزواته المتهورة وكأنه كان ينتظر أي سبب يدفعه للمغادرة دون الظهور بمظهر الخائن المتخلي عن أصدقاء طفولته. تجاهلت ما يحدث وتوجهت نحو رائف النائم فوق الأريكة تهزه وتحاول إخراجه من حالة اللاوعي التي تلبسها بسبب المخدرات: -رائف فوق عشان نروح، رائف، رائف... انتبهت حواسها لسكونه التام فجأة ومالت عليه تهزه بشكل أكثر عنفًا:.
- رائف أنت مش بترد ليه؟ سيطر الهلع عليها عندما لم يأتها أي استجابة منه فصرخت باسمه دون توقف تضرب صدره بعنف حتى دفعها حازم أكثرهم وعيًا وهو يضع أصبعيه فوق عنقه يستكشف نبضاته الخافتة والتي بالكاد يشعر بها فهتف لهم: -لازم يروح المستشفى بسرعة. -لا رائف فوق عشان خاطري. -مش وقته يا ريناد اسندي معايا. التف رامي والجميع من الشباب والفتيات الشبة مغيبين حولهما يحاولون حمل رائف إلى الأسفل تحت قياده حازم.
لا يدركوا كيف وصلوا لأقرب مشفى لكنهم فعلوا ووقفوا يتابعون كيف دب الهرج والمرج بين الدكاترة والممرضين وتأهبهم في حالة من الاستنفار لمحاول انقاذ رائف الذي أسرف في تناول المخدر وأصبح بين الحياة والموت. جلست ريناد أرضًا خارج الغرفة بينما تسقط عبراتها من عيناها دون وعي أو سيطرة منها لا تصدق الحالة التي أصبحت عليها والذعر والحرقة اللذان تملكا قلبها، أهكذا هو مذاق القهر؟ أهذا هو معنى الضياع؟
فكرت في آسى كيف انقلب حالها من متحجرة عديمة القلب إلى أخرى محطمة القلب، ابتسمت في حزن ساخر، وكأن الدِيْن جاءها أسرع مما ينبغي! نظرت جوارها إلى ما تسمى حلقة الأصدقاء المتناثرون حولها، والتي تحاوطهم حالة من الرعب تراها بوضوح تستوطن قلوبهم وقد نجحت الصدمة في إفاقتهم من حالة التغيب الذهني.
نظرت لكلًا منهم على حدى وراقبت كيف تفوح رائحة الذعر وتُخيم فوق رؤوسهم فمنهم من بدأ يستفيق من غفوته ويتجلى الخوف في نظراتهم المتبادلة ك حازم و روان المذعوران وكأنهم يرون احتمالية قبوع أحدهم مكان رائف ويتساءلون عن مقدرتهم في إكمال الحياة دون أحدهم الاخر. ومنهم من رأى جسده مطروحًا مكانه بين الحياة والموت، ك ليلو التي جلست كالحجر الأصم شاحبة كالموتى.
وللأسف منهم من سرقه الشيطان وابتلع روحه هذا غارق بلعنته إلى الأبد و يا ويل هؤلاء من شر العقاب وحدته..
بعد ساعات طويلة عاد رامي من المشفى إلى منزله المخيم بالضباب الأسود لما وقع. تنفس في راحة فقد نجح الأطباء من إنقاذ حياة رائف ولكنه يزال في حالة حرجه وقيد المراقبة واضطروا للاتصال بذويه لمتابعة حالته. ضرب الطاولة امامه بساقه في غل وحقد على ما آلت إليه الأمور، ورأى فتاة نائمة فوق أريكته فصرخ فيها أمرًا وهو يدفعها للوقوف: -غوري من وشي اطلعي برا.
ارتمى فوق مقعده ما ان أغلق الباب خلفها يشرب من قنينة الخمر أمامه دون توقف، يشعر بدمائه تفور ويشعر بالغضب والحقد يثور داخله، فكل ما حدث بسبب زيدان و...! - ميرا. غمغم بحروف أسمها في خفوت ثم جز على أسنانه فبعد أن تكبد كل هذا العناء للحصول على ميرا وارضاء الصياد داخله والحصول على رضا والده، مطلوب منه الانسحاب والتراجع! لمعت عيناه في غضب أسود وكلمة واحدة تصدح في جوانب عقله. مستحيل...
في هدوء الليل وبعد مرور فترة زمنية ليست كبيرة ولكنها كانت كافية لتعود الحياة نوعًا ما إلى ما كانت عليه وبدأت تتخذ مسارًا طبيعيًا هادئًا في حياة زيدان وميرا، ابتسم زيدان على مزحة اطلقها والده سعيدًا بصوت ضحكات ميرا ووالدتها التي زينت أرجاء المطعم الذي كان بمثابة منزل ثاني تجتمع فيه العائلتين.
فقد تعمد زيدان جمع والده مع ميرا ووالدتها على الغذاء بشكل شبة يومي، بحيث يندمج كل الأطراف أكثر خاصةً وقد أقترب الوقت الذي يحرك فيه بيدقه نحو الخطوة التالية، كما انه لم يقطع اجتماعات ميرا مع سيدات أصدقاءه وحرص على تجميعهم كثيرًا تحت مرمى عيناه الثاقبة. التقت عيناه بميرا في لمحة خاطفة سرقت فيها أنفاسه بابتسامتها الخلابة، ثم خرج من شروده في جمالها على كلمات والده الصادمة:.
-طيب تعرفي ان من عادة زيدان ابني وهو صغير انه يحيي الضيوف وهو قالع زي ما ولدته أمه. دوت الضحكات حول الطاولة بينما شعر زيدان بالطنين في أذنه الحمراء من كثرة الإحراج فتدخل مستنكرا: -أيه يا حاج الكلام الماسخ ده، أنت بتفضحني؟ وأيه يا اختي خدي نفسك ولا عجبتك أوي! وجه جملته الأخيرة نحو ميرا التي تكاد تسقط من فوق مقعدها بسبب الضحك: -اه هموت من الضحك.
اعترفت من بين أنفاسها المتقطعة فوقف زيدان متذمرًا يخبرهم في حزم وحنق طفولي: -لا بقولكم أيه شغل استفزاز وربي أقوم أقلع هنا وافضحكم فعلًا! دوت الضحكات حول الطاولة من جديد وكاد يحكي والده شيء محرجً من جديد عن مغامراته الطفولية، فقرر زيدان الانسحاب بميرا قائلًا في انزعاج: -لا لحد هنا وكفاية أوي، متشكرين لأفضالك يا بابا، بعد أذنك يا طنط أنا هاخد ميرا نتمشى ونسيب بابا يستعيد ذكرياته معاكي!
-ماشي يا حبيبي بس ما تبعدوش عشان الوقت اتأخر وهنروح بعد شوية. -متقلقيش يا طنط هنلف حوالين المطعم. غمز لميرا ممازحا فاستقامت ترافقه في صمت، لمعت عيناها عندنا لاحظت نظراته الخاطفة نحوها والتي لم تتوقف طيلة اللقاء وابتسمت لنفسها. راقبت كيف اقترب منها زيدان عندما مر أحد الشباب من جوارها وكيف غامت عيناه عندما لمحه يتفحصها من بعيد، ثم ابتسمت حين رمقها في غيظ متمتمًا في حدة: -امشي عدل أنتي كمان.
-الله أنا أتكلمت. رددت متعجبة من هجومه فأسكتها بعصبية مشيرًا لها لملازمته: -أمشي هنا وأنتي ساكته مش طايق أشوف حلاوة ملامحك قدامي، أنتي حلوة كده ليه؟ -المفروض أزعل ولا اتبسط مش فاهمة؟ سألت ضاحكة متعجبة من كلماته لكنها سعيدة لرؤية الغيرة تفوح من عيناه المضيئة بلون العسل المحترق، تحرك في صمت دون إجابه فلازمت الصمت هي الأخرى مقررة التمتع بالأجواء الساحرة من حولهم.
رفعت رأسها شاردة في الليل الهادئ من حولها كهذه الليلة في حياتهم بعد عواصف رعدية مرعبة عديدة مرت عليهم، وكم كانت عاصفتها الأشد، صحيح ان ما مرت به ترك أثرًا عميقًا داخلها وعلامة لن تمحى أبدًا لأنها كانت المذنبة في حق نفسها إلا إنها استطاعت تحويل كل تصرفاتها ومشاعرها السلبية إلى حافز قوي بدلت به حياتها.
فجاء التغيير السريع كرد حق وسد دين تدفعه بنفسها لنفسها وروحها الضائعة التي تحملت معها الكثير، فبعد كثير من جلد الذات وما تبعه من ألام ومحاولات للتأقلم مع الذات نجحت في الهروب من سقوط حتمي في دوامة الاكتئاب.
ولن تنكر إنها أكثر البشر ضعفًا وهشاشة لكنها تعلقت بكلمات ألقاها عليها زيدان مرة ولم ينتبه لقيمتها لكنها ظلت محفورة داخل رأسها حين حثها على الإقدام والمحاربة مؤكدًا ماضيك ليس قفصًا تحتمي فيه من التغيير، فقد كان مجرد درسًا قاسيًا تتخطاه وليس عاهة أبدية تلازمك بقية حياتك.
حانت منها نظرة مسروقة نحوه، فبفضل هذا الشخص المتعجرف والحنون في مزيج فريد من نوعه نجحت في تخطي مصائبها بشكل غير متوقع ولن تنسى فضل والدتها الأكبر التي احتوتها تحت جناحها بشكل جنوني لم تتصوره ودون أي استفسارات حتى صارت كلتاهما في وقت قياسي صديقتان مقربتان وليس مجرد أم وأبنه، ولن تنسى الجلسات النفسية مع صديقة والدتها والتي أصرت أماني على خوضها معًا مبررة أن هدفها إنقاذ وتطوير العلاقة بينهما كي تزداد صلابة.
وبالطبع انتهى بها الحال معترفة لوالدتها بكل شيء بالإضافة إلى اعترافها بحبها ل زيدان المسكون داخل ضلوعها وخوفها من تمسكه بالانطباع السيء عنها والذي قد يظل محفورًا في صدره، لكنها تمسكت بكلمات والدتها المؤكدة بأن هذا الشعور متبادل رغم أنها أخبرت والدتها مرات عديدة عن مخاوفها لأنه لم يعترف بحبها لها ولو لمرة واحدة. انقطعت أفكارها حين تحدث زيدان عما لم تتوقع سماعه منه:.
-بما أن الفترة الصعبة في حياتنا عدت، تقريبًا كده أنتي ليكي في ذمتي مبرر واعتراف! -بخصوص؟ سألت والترقب يشع من عينيها فقال في جدية محت أي أثار للعبث من على وجهه: -بخصوص ليلو والموقف اللي حصل في المطبخ، أنا فرغت الكاميرا وجبت المقطع عشان تتأكدي بنفسك، أن سبب سكوتي لما اتكلمت عنك عشان أوصل للحقي... رفعت كفها توقف جملته قبل أن تكافئه بابتسامة صادقة مؤكدة: -مصدقاك من غير ما أشوف حاجة.
ارتفع حاجبه متعجبًا من السماحة المحيطة بتفاصيل وجهها الرائع فسأل زيادة تأكيد لا يصدق أن الفضول لم يتغلب عليها: -يعني مش عايزة تشوفي وتسمعي بنفسك عشان تتأكدي؟ حركت رأسها بالنفي واستمرت في المشي، فجاورها وهو يضيق عينيه الناعسة للفراغ في مكر مستكملًا بنبرته المراوغة: -ولا عايزة تسمعي كنت هعمل فيها أيه لو ما رفعتش ايدها عني لو اتكلمت عنك تاني؟
توقفت متعجبة من إصراره ثم عقدت ذراعيها أمامها منتظرة انتهاءه من سخافته لكنه استكمل في لا مبالاة ناظرًا جواره: -ولا حتى لما باستني... -أيه! صرخت في وجهه فاتسعت عيناه في صدمة من نبرتها العالية فقال وهو ينظر للمارة من حوله مؤكدًا: -والله العظيم ما باستني، أنا بجر شكلك مش أكتر، محصلش حاجة بيني وبينها!
تأففت وهي تلقيه بنظرها الحاد من أسفله لأعلاه لا تخفي غيظها من مزاحه السمج ثم استمرت في المشي مبتعدة عنه، سامحه له بالتحرك جوارها بعد فترة لكنها من اوقفته هذه المرة وهي تسأل في فضول: -زيدان أنت كنت بتسجلهم ليه؟ بلل شفتيه في حرج لكنه أجابها في صراحة دون مراوغة: -الصراحة في الأول لما بدأت اتجمع معاكم حسيت بالاختلاف بينكم، وشكيت ان ممكن يكون حد فيهم ماسك عليكي ذلة او بيهددك.
احمرت وجنته لسذاجة أفكاره حينها لكنه أكمل دون توقف: -مش عارف هو تفكير أوفر بس وقتها قررت ان لازم يكون في ايدي حاجة ضدهم أقدر أساومهم بيها لما اكتشف الحقيقة، ومحمد في الفترة دي كان مشتري القلم كنوع من الشبحنه واحنا بنشتري سيستم مراقبة المطعم وهكذا.
حرك كتفه دون حاجة لمزيد من الشرح، فرمشت ميرا تحاول استيعاب مبرره وبدلًا من الضحك على وسواسه القهري والبوليسي أحست بالدفء يستكين بين ضلوعها فهدفه دائمًا هو حمايتها. مطت شفتيها وهي تراقب توتره وكأنه ينظر منها السخرية والضحك لكنها اكتفت بقولها الرقيق ممتنه له: -شكرًا.
كسر حاجز المفاجأة المرتسمة على وجهه بعد ثوان ثم هز رأسه في إجابه صامته وعادا للتحرك نحو الأمام، ظلا يتحركان في الطريق دون حديث فقط الصمت المريح للقلب والممتع من حولهما. لكنها ارتبكت لبرهه عندما توقف حاملًا حجارة يرميها نحو طرف الطريق ولم ترد على سؤاله السابح في عينيه عن سبب توقفها فهي لن تخبره بأنها تحشى الإقدام في أي اتجاه هو ليس بجوارها فيه، فقد صار منبع للراحة والاطمئنان بالنسبة لها.
قرر زيدان قطع الصمت أخيرًا فقال في نبرة مشاغبة وقد حسم أمره: -ميرا، ميرا.. -نعم. همست في خفوت وابتسامه رائعة فرد مستكملًا مشاكسته: -جميل الليل، أنا بحب الليل. كادت تنطق يا بخته ولكنها توقفت على أخر لحظة فاقدة الأمل في أن تسمع كلمة بحبك موجهه منه إليها ابدًا، لا تدري لما انزعجت لكنها صمتت ولم تجيب متعمدة اخذ خطوات مبتعدة عنه لكنه أوقفها من جديد قائلًا بطريقته الاستفزازية: -ميرا، ميرا...!
-نعم، عايز أيه يا زيدان؟ توقفت عاقدة ذراعيها أمام صدرها في حنق طفولي فضحك مردفًا: -جميل السحاب، أنا بحب السحاب. قرصت فوق أنفها تحاول تمالك كلمة بذيئة تناقض حياءها كأنثى وكادت تصفعه بقوة حين ظهرت ابتسامه سمجة فوق فمه الرائع لكنه تابع دون اهتمام بنفس النمط رغم أنها لم تتحرك من أمامه: -ميرا، ميرا..! -نعم؟! -جميل أسمك، أنا بحب ميرا. -أيوه ايوه جميل عدي علينا...
صمتت فجأة بعد سيل من الكلمات الساخرة وقد أدركت ما وقع على مسامعها للتو فرمشت عدة مرات في تروي هامسة: -بتقول أيه؟ -بقول أني بحب... صمت يدعي الارتباك ثم أعاد من جديد متعمد ملاعبتها: -بحب، آآ... -هاه قول بتحب أيه؟! هتفت في نفاذ صبر وودت لو تستطيع رجه كي يستجمع حروفه كشريط الكاسيت المشروخ، فضحك بقوة ممازحًا في مشاغبة: -الله ما قولتلك بحب الليل والسحا، استني يا مجنونة!
هتف جملته عندما ضربت كلتا قبضتيها في صدره قبل المغادرة وقد طفح بها الكيل من ملاعباته السمجة فركض خلفها يوقفها قائلًا في جدية وصدق: -يا مجنونة بحبك، والله العظيم بحبك. أغمضت جفونها جاذبة نفسًا عميقًا تستمع في نشوة إلى حروف تلك الكلمة التي هرمت مسامعها من أجل سماعها من بين شفتيه كثيرًا.
أدارها زيدان في بطء كي ينظر إلى عينيها مبتسمًا وتلقائيًا عكست ابتسامته وغرق كلاهما في اعتراف ضمني تكفلت به لغة العيون ولكن عندما زاد الصمت عن حده، ارتفع حاجب زيدان في تعجب قبل أن يقطع اللحظة بتذمره الطفولي: -أيه يا حبيبتي بقولك بحبك، ولا انتي بقيتي طرشة ومش بتسمعي دلوقتي، قوليلي وأنا كمان حبك! لمعت عيناها في تحدي وكادت تذيقه مرارة أفعاله ولكنه رفع سبابته في الهواء محذرًا:.
-يمين بالله لو الكلمة اللي هتطلع من بؤك دي مش بحبك، لهوريكي المعنى الحرفي لواجب الضيافة عندي واعملي حسابك أنا مش لابس حاجة تحت القميص. ضحكت ميرا في قوة حتى تأوهت بسبب تشنج معدتها بينما ظل هو واقفًا مكانه دون أي إشارة للمرح أو التسلية على وجهه، طالعت كيف يشاهدها في وجوم وغضب فعادت للغرق في ضحكاتها قائلة في صوت متقطع: -بحبك ممكن تفرد بوزك ده!
رمقها بنظرة حقيرة من أعلاها لأسفلها وتحرك نظره نحو البعيد لثانية قبل أن يعيده نحوها يثبته عليها محافظًا على وجومه حتى كسرها بابتسامته التي انفرجت في بطء حتى ابتلعت جام وجهه ليخبرها مؤكدًا: -ما تحاوليش تلاعبيني تاني، عشان أنا في اللعب ما عنديش يا اما ارحميني!
أنهى جملته وهو يلتقط اناملها الرقيقة ويطبع قبله خفيفة فوقها، رفض إفلات أصابعها ومد أصابعه يلتقط يدها الأخرى لتتشابك أياديهم بين جسديهما، أحمرت وجنتي ميرا من تلك اللمسة الحميمة وأثرها على قلبها العذري، وظل الأثنان واقفان كالحمقى في مقابلة أحدهما الأخر غارقان في سحر العيون، وحائرين في حرب فك شفراتها.
لكن التعويذة انفكت سريعًا عندما أحس زيدان بعدة أشخاص من حولهم، فارتفع حاجبه في ذهول لا يزال محافظًا على ابتسامته وعيناه تتنقل بين رأس على يمينه تكاد تلامس كتفه ورأس أخر من ناحية يساره يكاد ينتهي حرفيًا بين ذراعيهما المتشابكان فوجد نفسه يهمس لميرا التي تتنقل عيناها في خضه بين الاحمقين: -أنا حاسس بانتهاك في الخصوصية سيكا. -أنا حاسة انها اتفرتكت.
أخبرته بصوت خافت وعيون مرتعبة من هذا التصرف الغريب، فخرج من حالته المزاحية فورًا ليطالع بشكل جدي الرجلان المستحوذان على مساحتهما الشخصية متسائلًا: -في حاجة حضرتك؟ -أنت زيدان مش كده. سأل الأصلع على يمينه، فأجابه في ملل: -أيوة أنا، مين حضرتك؟ -أنت مطلوب معانا، هات أنسة ميرا أنت. أشار الرجل الأصلع للمعتوه الأخر بإحضار ميرا فجذبها زيدان نحوه يحمي قامتها الصغيرة خلفه محذرًا:.
-حيلك حيلك، محدش يلمسها فهموني كده انتوا مين وعايزين أيه؟ -تعالى معانا من غير شوشرة شريف باشا مستنيك أنت والانسة ميرا، ولو مجتش معانا بالذوق هنعرف نجيبك بالعافية. أشار لعدد من الرجال يقفون حولهم من بعيد وكاد ينفجر زيدان في وجهه معترضًا على طريقته ولكنه توقف صامتًا في صدمة ما أن سمع شهقة ميرا المتبوعة بصوتها المذعور: -وبابا باعتكم عايز مننا أيه؟
نوفيلا نوتفكيشن للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثاني عشر والأخير
دخل زيدان من باب فيلا الشريف الموجودة في أرقى مناطق محافظة القاهرة أو ربما قصرً هو غير متأكد، لكن بالطبع فهنا يستقر عُلِّيَّة القوم وصفوتهم ولولا ذلك الشعور الصلب في معدته وكأنه ابتلع حجرًا لوقف منبهرًا بتلك المناظر الخلابة فقد بدا وكأنه انتقل إلى مكان خارج حدود مصر.
كانت أصابع يده يسيطر عليها الصقيع بسبب أنامل تلك الصغيرة الشبة متجمدة داخل كفه الكبير، سارت ميرا إلى جواره في خطوات مرتعشة وكأنها تحتمي به من القادم.
تحرك جسده للأمام خطوة قاطعًا شروده في حالتها عندما قام الأصلع بدفعه نحو الردهة، فحدقه زيدان بنظرات قاتلة وكاد يلتفت ويلكمه على وجهه حتى لا يتجرأ على لمسه مجددًا، لكنه انتبه في اللحظة التالية إلى وجود رجل بملامح عابسة متوسط القامة مكتنز قليلًا يتوسط الردهة. ومن تصلب جسد ميرا جواره يستطيع القول بأن هذا الرجل هو والدها!
جذب شهيقًا عميقًا كي يستعد للمواجهة الكبرى، فتلك الشرارة المتقاذفة من عينيه الجاحظة لا تبشر بالخير. دون تفكير توجه شريف نحو ابنته المتعلقة في صفاقه بذراع المتسكع الحقير جوارها، ووقف أمامها يرمقها بنظرات تعكس خيبة الأمل فيها قبل أن يصفع وجهها. كاد ينقض زيدان عليه في غضب لولا كف ميرا الصغير الذي أوقفه في مكانه. -مبسوطة بالطين اللي حطتينا فيه! -بابا أنت فاهم غلط.
أسرعت تخبره في تلعثم متجاهله آلم وجهها الذي يخرج نارًا فآلم النفس كان أقوى، لكنه قاطعها مبتسمًا في ابتسامه مقززة معلنًا: -لا ما تخافيش رامي صاحبك الغالي قالي كل حاجة وحكى على عملتك السودة مع الكلب ده، بتتجوزي عرفي يا ميرا؟ عايزة تفضحيني وتدمريني بعد تعبي للسنين طويلة عشان أوصل لمكاني، وقدام مين قدام رامي وأبوه الجيار اللي بيدور على خرم إبره يدمرني بيه!
هربت عبراتها الحارة دون توقف، تشعر بنفسها تعود طفلة صغيرة يملئها الضعف غير قادرة على اللحاق بهذا الصوت الصادح داخلها والذي يحثها على الحديث والمدافعة عن نفسها وتفجير كل المشاعر السلبية المكتومة داخل قلبها.
أما زيدان فوقف مذهولًا من منحنيات تفكير هذا الرجل متحجر القلب والذي يجب حرمانه من لقب الأب، فمنذ وقفا بين يديه وهو لا ينفك عن الإشارة إلي الاضرار الواقعة عليه متناسيًا الصورة الأكبر والأضرار الأهم التي تمسها هي كأبنته. استمر شريف في نوبة الخذلان وهو يغرس أصابعه في أعلى ذراعها يهزها في عنف:.
-هي دي تربية أمك ليكي، ولا التربية مكنش ليها مكان في وقتها اللي بتقضيه كله في الشغل والسفر وسيباكي كده على حل شعرك. أشعلت كلماته الساخرة من والدتها حفيظتها وفجرت غضب كاسح أحرق صدرها، فطفحت نيرانه على لسانها رغم ارتعاش فمها والطنين في أذنها: -ما بلاش ترمي باللوم على ماما في تربيتي وأنت كنت فين؟ قول وفهمني طول العمر ده مخلي للظروف هي اللي تربيني ودلوقتي جاي تلومني على التربية!
لاحظت كيف تحرك رجال والدها إلى آخر الغرفة وكأنهم شعروا بالكلل لما يدور أمامهم، ثار والدها هاتفًا: -اخرسي أنتي ليكي عين تتكلمي، مش كفاية عملتك الهباب مع الهلفوت ده! أشار نحو زيدان الذي كان يضغط على قبضتيه يقف عاجزًا ويمنع نفسه من التهور في التعامل مع هذا الشخص الكامن أمامه فهو للأسف لا يزال حاملًا للقب والدها.
لكنه لم يتحمل عدم التدخل أكثر وهو يراه يذويها عن قصد محاولًا ترهيبها حتى تعود لضعفها وسكوتها خاصة عندما جذب خصلات شعرها صارخًا: -ده أنا عايز أشرب من دمك قبل دمه! تدخل زيدان في هذه المرحلة بان دفع والدها مجبرًا إياه على التراجع خطوة ليترك شعرها وقبل أن يصرخ اعتراضه كانت ميرا تهجم كالمحارب المقدام واضعه جسدها بينه وبين والدته، تفجر قنبلة أوقفت عقله عن العمل لبضع ثوان:.
-لو زيدان حصله أي حاجة الصبح الورقتين العرفي هيكونوا لفوا على الإعلام المصري كله! كان صوتها يتحلى بالعزيمة والثقة وكأنها لم تكن غارقة في البكاء لتوها، اتسعت أعين والدها في صدمة قبل أن يعتصر ذراعيها بين كفيه متسائلًا في ذهول: -تقصدي أيه! -أقصد أن زيدان أو أنا لو جرالنا حاجة صاحبنا هيوصل الورقتين للصحافة وأنت راجل مش بتاع شوشرة ومش عايز تهز منصبك ولا أيه؟ -اه يا بنت ال...
رفع كفه يصفعها إلا أن زيدان تدخل ممسكًا كفه قبل أن يلمسها ثم جذبها خلفه في دفاعيه، وقد فهم لعبتها ثم أردف مهددًا من بين أسنانه: -ما قالتلك لو حصلها حاجة الدنيا هتخرب، أنا عديت أول قلم عشان حقك، لكن التاني مش هقبله على مراتي. دوت ضحكات شريف المستهجنة والساخرة المكان قبل ان ينكمش وجهه في اشمئزاز يرمقه من أسفله إلى أعلاه باصقًا سخريته: -لا راجل أوي ياااض،.
اومال لو مش واحد حقير داير على حته عيله صغيرة ومتجوزها عرفي من ورا أهلها كنت عملت أيه! عاد للخلف على مهل وعيناه الثعلبية تطالع ميرا باستخفاف مشيرًا بأصبعه نحو زيدان متهكمًا: -اوعي تكوني مصدقه جو البطولة اللي هو بيعمله ده، ده واحد طمع في فلوسك وفي أبوكي يا غبية! -صدقني لولا ميرا تبقى بنتك ما كنت اتمنى أشوفك حتى! صفق شريف مرتين وهو يلوي شفتيه للأسفل في سخرية جليه ثم قال في قساوة:.
-انت مكنتش تتمنى تشوفني في أحلامك لولا بنتي اللي رخصت نفسها وسلمتها لواحد خسيس زيك، هو لو فيه ذرة شرف وحس انك غالية كان على الأقل طلبك مني ودخل البيت من بابه! وجه نهاية كلماته السامة إلى ميرا الصامتة ولكن الإجابة جاءته من خلفهما: -خسيس؟ مش ملاحظ أن الكلمة دي كبيرة شوية انها تطلع منك! يا سيدي يمكن لو لقى باب الأول أو رقيب يطلبها منه كان طلبها، لكن هو لقاها زي اليتامى بتدور على سقف يحميها من الدنيا.
استدارت أعين الجميع نحو أماني التي وقف عند الباب المفتوح، والتي تنفست الصعداء وهي تتفحص ابنتها وزيدان تتأكد من عدم لحاق أي سوء بهما، ثم ثبتت أنظارها الحادة فوق زوجها السابق وحمدت الله ان ابنتها شغلت عقلها وفكرت في إرسال رسالة تخبرها بما حدث وبانهما في طريقهما مع الحيوانات الضالة التي أرسلها والدها لجرهما كالمجرمين! -الحمد لله.
همست ميرا وهي تمسك بذراع زيدان وقد شعرت بالدماء تعود جسدها الضعيف، فهي واثقة من قدرة والدتها على حمايتهما، سعيدة بأنها امتلكت من العقل ما يكفي لمراسلتها وسعيدة ان والدتها تدارك الأمر سريعًا وأرسلت لها تحذرها انه في حاله الشعور بالخطر يجب عليها التمسك بكذبة زواجها السري وترهيب والدها بالفضائح التي قد تثيرها هذه الورقة، حتى تصل إليهما وتنقذهما من براثنه.
توجهت أماني للداخل تحت مرأهم، تحاول لجم ارتعاش جسدها الذي كان ينتفض منذ تحججت لوالد زيدان بضرورة ذهابها واصطحاب الولدين معها، وحمدت الله انها لم تستلم لضعفها وتنهار طالبه منه مرافقتها، فأخر ما ترغب به هو رؤيته للوجه الحقيقي لوالد ميرا. وتابعت كيف رمقها شزرًا واحتقارًا كما اعتادت منه لسنوات عديدة عاشتها معها، لينعش ذاكرتها بالأسباب التي جعلتها تصر على الابتعاد عنه وعدم التواصل تحت أي ظرف من الظروف.
-أنتي كمان ليكي عين تقفي قدامي وتدافعي عنه، بعد ما أنتي وبنتك حطيتوا راسي في الوحل! - أنت عمال تزعق وتوجه الاتهامات لينا ليه؟ الوحل ده يا شريف بيه، أنت اللي حطيتنا فيه من زمان أوي. علا صوت أماني في حزم دون مهابه مصره على انهاء صفحة سوداء طال طيها كثيرًا دون تمزيق، لكن شريف عكس صراخها معلنًا في وقاحه: -الله، ده انتوا متفقين عليا،.
وانا اللي كنت فاهم حوار ان الجربوع ده قريبك صدفه، لكن لا واضح انكم طبخينها عشان توقعوني وتنتقمي مني! انكمشت ملامح أماني في ذهول وعدم تصديق من جراءته العالية فقالت من بين أسنانها مستنكره: -هتفضل طول عمرك عايش في نظرية المؤامرة وعايش عشان نفسك وبس! -متحاوليش تجيبي تقصيرك وان بنتك بتلف على حل شعرها عليا! هتف في وجهها وهو يشير نحو ميرا قاصدًا بها هذا التقصير، فاندفعت والدتها كقطة متوحشة تزمجر فيه:.
-أنت تعرف أيه عن بنتي، ولا تعرف أيه عن اللي مرت بيه، انت لازم تحمد ربك ألف مرة انها وقعت في أيد زيدان مش تبجح فيه! -بجاحه هو لسه شاف مني بجاحه ده أنا عايز أشرب من دمه ودمها، اسمع ياااض... توجه مقتربًا من زيدان الذي وقف شامخًا في صمت أمام ميرا وكادت تخرج عيناه من مقلتيه حين أخبره شريف: -أنت هتتجوزها حالًا ورجلك فوق رقبتك! -أنت اتجننت يا شريف!
صرخت أماني تحاول وقف هذا الجنون وحماية مصير الأثنان من قراراته الهوجاء، لكنه زجر في جنون كبير وجسده ينتفض من الغضب: -ايوة اتجننت يا ست أماني، ما اللي ايده ف المايه مش زي اللي ايده في النار، ومش هسمح أبدًا ان انتي وبنتك تغلطوا وأنا اللي ادفع التمن واخسر منصبي! -منصبك هو ده اللي هامك؟ تمتمت ميرا في صوت مهتز ضعيف فحدقها والدها بنظراته الغاضبة باصقًا: -أيه عايزه تلومي عليا؟
وانتي كنتي فكرتي فيا قبل ما تتجوزي عرفي عشان أفكر فيكي، هاه قوليلي كام مرة قولت بلاش رامي واللي معاه وابعدي عن ابن الجيار لكن لا لازم تخالفي كلامي وتحطي رقبتي تحت سكينه ابوه من غير ما تفكري انه أول منافس ليا على الطريق واللي عايش حياته كلها عشان يوقعني وكل ده امتى قبل التعيينات الجديدة بأسبوع! اندفعت أماني ترفع أصبعها في وجه منذرة في حده:.
-أبعد عن بنتي ومستقبلها يا شريف، أنا مش هسمحلك تجبر حد منهم هما الاتنين على حاجة! -أبعدي أنتي وسبيني أنقذ ما يمكن انقاذه يا أماني أحسنلك! حذرها شريف في صوت غليظ مختنق من الغضب والقلق على منصبه بالتأكيد، فكر زيدان ساخرًا ثم قرر أن الوقت قد حان كي يتولى زمام الأمور: -اسمحيلي يا طنط اقاطعك، بس الموضوع مش محتاج جدال أنا كده كده كنت هطلب ميرا للجواز،.
مش لأن انت طلبت، لا لأني مش هقدر أنام مرتاح وأنا عارف ان ليك حكم عليها أكتر من كده! -طيب يا شاطر، جلال ابعت هات مأذون! -مأذون؟ تمتم زيدان بعدم فهم، ضحك والدها ضحكة جافه مزعجة وهو يخبره ساخرًا: -لحقت تغير رأيك ده معداش عشر ثواني على خطاب الشهامة! -أنت عايزني أتجوزها حالًا وأقول لأهلي أيه؟ -يتحرقوا أهلك. قرص زيدان فوق أنفه كي لا يمطره بوابل من الشتائم احترامًا للسيدتين جواره لكنه استكمل متحديًا:.
-مفكرتش شكل بنتك هيبقى أيه لو دخلت بيها على أهلنا وقولتلهم كتبنا الكتاب؟ على الأقل اديني أسبوع أمهد الموضوع ليهم. -تمهد الموضوع ولا تخلع منه! نظر زيدان نحو أماني وكأنه يتساءل مما هو مصنوع هذا الرجل، لكنه زفر يحاول إخراج شحناته السلبية قائلًا في هدوء: -بص يا أستاذ شريف، اديني أسبوع... -الموضوع مفهوش نقاش، مش بعيد واحنا بنتكلم دلوقتي يكون الجيار وابنه مسربين الخبر،.
أنا لازم أسبقهم وأعلن جوازكم مش هقعد استنى الفضيحة! أصر والدها فوقف زيدان يحك رأسه بتفكير يحاول ايجاد منفذ لقلب هذا الرجل الفولاذي قبل أن تلمع عيناه بفكرة فنطق سريعًا في تحفز: -طيب واللي يديك حاجة تخليك تحط رامي وابوه في جيبك؟ -ازاي مش فاهم. -عندك كومبيوتر؟
لمعت عيناه في مكر مبتسمًا ابتسامته الواثقة وهو يرفع ذاكرة تخزين الكترونية صغيرة متدلاه من ميدالية مفاتيحه.
في مكان آخر ليس بعيدًا عن مقر ال شريف، دخل الجيار والشرر يتطاير من عينيه إلى غرفة ابنه رامي البائس والغارق في النوم لاهيًا عن المصائب الذي أوقعه بها بأفعاله قبل أن يدفع جسده في عنف زاجرًا إياه حتى يستفيق: -قوم يا بغل شوف المصيبة اللي وقعتنا فيها. -في أيه، حصل أيه؟
سأل رامي وعقله الغافي يحاول استيعاب ما يخرج من فمه والده إلا أن الصفعة التي باغته بها والده أفاقته بشكل كامل فجلس مشدوهًا واضعًا كفه فوق وجهه الملسوع بينما يستكمل والده نوبة غضبه: -أنت عملت أيه في شريف راضي وبنته؟ -أنا مش فاهم هو بيكلمك ويشتكي مني وسايب بنته اللي مرافقه واحد في السر عادي.
ضرب والده فوق رأسه مرتين يكاد ينفجر من شدة الغضب والخيبة لكنه رفع هاتفه مشغلًا مقطع مسجل صغير مثبتًا إياه أمام وجه أبنه، وراقب كيف شحب رامي وانسحبت الدماء من وجهه بشكل تراجيدي وهو يشاهد نفسه يتوسط الشاشة ويميل لاستنشاق بعض السموم البيضاء تلاها بجرعتين من زجاجة الخمر التي فارقت أصابعه فقط لتحتضنها شفتا المرأة المحتلة أحضانه وتجلس في صفاقة بين ساقيه.
حانت منه نظره خاطفة نحو والده ذو الملامح الغائمة بعدم الرضا، لا يستطيع فتح فمه بكلمه أو التبرير يعلم مدى وقع تسريب فيديو كهذا وتأثيره على مكانة والده لكنه همس في صوت محشرج: -وهنعمل أيه؟ -احكي انت حصل ايه بينك وبين بنت شريف؟
ارتبك رامي أمام والده فكيف يخبره انه سعى لضم ميرا تحت أجنحته كي يشبع رغبة داخليه صورت له ان امتلاكها سيزيده نشوة وسلطه وهي ابنه أكبر المنافسين أمام أبيه، إلا انه وجد نفسه يغرق وينساق وراء شهوة امتلاك براءتها المُجسدة لكل ما حُرم عليه. وهذا هو سبب صبره عليها شهورًا طويلًا قبل أن يطلق عليها ريناد لتوسوس في عقلها ضرورة الارتباط وتجربة شعور الانتماء لرجل.
ضم شفتيه في غضب فقد جن جنونه وقتها حين علم انها كانت ترفض تلميحاته متعمدة فتلك الخبيثة مدعية البراءة انتهت بتفضيل شخص أخر وتسليمه مقاليد ما اشتهاه شهور كثيرة له، وحين فقد الأمل في الحصول عليها بعد تدخل زيدان وتهديداته التي فرقت جمع الأصدقاء وتركته وحيدًا، فقرر الانتقام منها بفضح أمرها أمام والدها الأحمق الذي قلب الطاولة عليه! -انطق أنا معنديش وقت!
أردف متلعثمًا يحاول إخفاء توتره عن والده الذي قد يقتله في سبيل الحفاظ على منصبه: -مفيش حاجة بنته متعوده تتجمع معانا وبعدين عرفنا انها اتجوزت واحد عرفي وأنا روحت نبهته! -ولما أنت عارف انها بنته بتدخلها وسطكم ليه، اهي غفلتكم وصورتكم يا غبي!
أخفض رامي بصره يشعر بالغليان فالخداع كان بفعل زيدان الأحمق الذي دخل حياتهم وقلبها رأسًا على عقب في البداية سرق ميرا منه ثم اتبعها حادثة رائف وتفرق الأصدقاء كلًا إلى حياة بعيدة عن أحدهم الأخر. أخرجه من مرارة مشاعره فجأة وهو يلقي ببضعة أوراق في وجه معلنًا: -دي تذكرتك لأمريكا قدامك ساعتين زمن تلم فيهم اللي محتاجه وتطلع على المطار،.
وإياك يا رامي شيطانك يوزك ترجع هنا قبل ما أشوف حل للمصيبة دي وأشوف شريف ناوي على أيه! لملم رامي الأوراق عنه ثم قال: -هعمل ايه هناك؟ -هتلاقي واحد مستنيك هناك هيظبطلك كل حاجه وخلال أسبوع هبعتلك أمك، أتفضل أتحرك من مكانك.
خرج والده كالإعصار، تاركًا رامي ينظر نحو تذكرة الطيران في غموض ومشاعر كثير سلبية كبيسة بدأت تتراكم وتستقر فوق قلبه القاتم ربما هو يطالبه بالانتقام ولكن أين اوصله الانتقام الآن؟ ازدرد ريقه في صعوبة ربما عليه التروي في الأمر والتمهل في مخططاته أو ربما هو في حاجة أكبر للابتعاد عن الساحة وترتيب حياته بشكل حقيقي واعي كما فعل كل الأصدقاء.
وضع رأسه بين كفيه يتذوق قباحة حياته ووحدته المريرة لكنه تحرك بعد دقائق طويلة مرت عليه كالساعات حتى يلملم أذيال هزيمته مقررًا اتباع أوامر والده لعله يجد في الابتعاد الصحوة والنجاة.
وبالعودة إلى داخل فيلا ال شريف، وبعد أن هدأ الوضع أغلق شريف هاتفه في قناعة محتفظًا بابتسامه صغيرة فوق فمه، فنظر إليه زيدان مقررًا قطع احتفاله الصغير بالنصر مردفًا: -اعتقد كده مفيش خوف من الفضايح. -لحد دلوقتي مفيش خوف، لحد ما التعلب يشغل دماغه من جديد. -جميل وبكده أقدر أتفق مع حضرتك زي الناس الطبيعية وأطلب أن كتب الكتاب والفرح يبقوا في يوم واحد، لكن بعد أسبوعين. -احنا ما اتفقناش على أسبوعين!
انفعل شريف قائلًا بملامح متحجرة فاندفعت أماني تخبره في حسم: -كفاية اعتراض وخلاص، أنا واثقة من قرارات زيدان، ثم أن أسبوعين يعتبر أقل مده أقدر أجهز فيها البنت للجواز.
-وبعدين معاكي يا أماني، هو عناد معايا وخلاص. -شريف ممكن لمرة واحدة تعترف بغلطك وان دي أقل حاجة ممكن نقدمها لبنتنا، الفرح بعد أسبوعين يا زيدان احنا موافقين وبكده نقدر نمشي كلنا ونخلص من اللي بيحصل هنا! نظرت إلى ميرا الناظرة للأسفل تحدق في الأرض وقد طال صمتها طويلًا دون أن تنتطق بحرفٍ واحد، إلا أن والدها تابع في صوته القاسي: -أسمعني كويس، أنا مش واثق فيك ومش هثق فيك،.
وأعمل حسابك في واحد من رجلتي هيفضل معاك لحد يوم الفرح! فتحت والده ميرا فمها للصراخ في وجهه ولكن زيدان قرر التدخل محاولًا إنهاء حدة الوضع وتحجيم شكوك والدها المجنون اعتبارًا على إنها أقل خسائر قد يفعلها رجل تزوجته ابنته سرًا أو هكذا يعتقد، فتنهد قائلًا: -وأنا موافق، مفيش مشكلة وهنيمه في أوضتي كمان على أساس إنه صاحبي اللي قرر يلازمني لحد يوم الفرح.
حدقت أماني ب شريف تغدقه بنظرات محتقره قبل أن تتجاهله موجهه حديثها لابنتها الصامتة بشكل أكثر من اللازم: -يلا يا حبيبتي عشان نروح... إلا أن هذا الرجل ذو القلب البشع قرر فتح فمه مقاطعًا لها بلهجته الحاده المزمجرة: -لا ميرا مش هتطلع من هنا لحد الفرح! تحركت أماني لتقف أمام شخص شريف مباشرةً ثم هتفت به في شراسة دون خوف أو رهبه:.
-لحد هنا والزم حدودك، بنتي رجليها على رجلي وهتطلع عروسة من بيت أمها وإلا يمين بالله لهعرفك معنى الفضيحة اللي بحق وحقيقي! وقف زيدان مشدوهًا لا يصدق القوة المنبثقة من فم والده ميرا، ثم رمق ميرا يتابع صدمتها هي الأخرى التي توازي صدمته ولولا خطورة الموقف لاندفع يمدحها هاتفًا عظمة على عظمة يا ست. ولم تنتظر والدتها أن يتعافى والدها المتسمر مكانه من صدمته وقالت بأنف مرفوع بابتسامه منتصرة واسعة:.
-يالا يا ولاد من هنا، ورانا فرحة كبيرة!
كان ليلهم في طريقه للهروب تاركًا الأجواء تسيطر عليها الهدوء إلا من تخبطات القلوب، استقام زيدان ساحبًا معه سجادة الصلاة ينهي صلاته ببعض الدعاوي الصادقة لنفسه ولزوجته ميرا المتربعة فوق رقعة صلاتها تتلوى دعوات دون توقف. تراجع للجلوس على مقعد الصالون معطيها مساحة لإفراغ رغبات قلبها في حديثها السري بينها وبين الله.
رفض وجهه العودة لطبيعته والتخلي عن ابتسامته المبتهجة فاليوم يوم زفافهم الذي انتهى بكل خير، ولا يزال يأبى تصديق ان الأسبوعان المضيان مرا بسلاسة دون صعاب.
خاصة أنه لم يثق بوالدها ونوبات جنونه الفجائية لحظة وكان متوقعًا الأسوأ، بالإضافة إلى تخوفه من رد فعل والده والذي على غير المتوقع رحب بحفاوة ما أن أخبره برغبته في الزواج من ميرا صحيح أنه اعترض في البداية على التعجل في إتمام الزفاف طالبًا منه منح نفسه ومنحها فرصه للتأقلم مع الفكرة قبلًا ليقرر زيدان اختلاق قصة كاذبة بأنهما يعيشان قصة حب خرافية وانه لن يشقى ويواجه عقبات في التجهيزات بسبب قراره بالزواج في المنزل مع والده رافضًا التخلي عنه في هذا السن.
كاد يبتسم متذكرًا نظرات والده المصدومة عندما أضاف بأنه صار رجلًا يخشى إغضاب ربه بالركض خلف شهواته، ليتأفف والده في النهاية قائلًا في اشمئزاز: -تفاصيل زيادة عن اللزوم، أتنيل أتجوز يا سيدي بكره تقعد جنب الحيط و...
ترك جملته مفتوحة وراقب الفرحة تقفز من عيون طفله، فرك زيدان أسفل عنقه في خجل ربما هي ليست كذبة بشكل كامل لأنه غارق في غرامها بالفعل كما انها وهي في طريقها في لاستعادتها لذاتها زادت نضارتها وتوهجها مع كل يوم جديد مما أشعل مشاعر ولهَهُ بها فكانت تتغذى ببطء على خلايا تفكيره وتهيئها أمام عيونه الناعسة في صورة فاكهة وصلت أوج نضوجها منتظرة منه اقتطفاها والتذوق.
لعق فمه متحفزًا ثم نظر إلى الساعة المعلقة فوق الحائط في تعجل وترقب، عاد بنظرة إلى جسدها الصغير الساجد في خشوع، يتمنى لو تنتهي قبل أن يُحرقه الانتظار شوقًا ويتحول إلى رمادًا في سبيل عشقها. سيطرت عليه ذبذبات السعادة متحمسً لبدء أولى لحظات حياتهما الزوجية معًا بينما يطرق أطراف أنامله فوق فخده في نفاذ صبر منتظرًا إياها، لكنه استسلم لمكنونات صدره المشتعلة متذمرًا:.
-لا يا حبيبتي انتي مش قدام الكعبة، احنا في صالون بيتنا عادي تقدري تكملي دعاوي بعدين. اعتدلت من سجودها ترمقه في انزعاج قبل ان تزم شفتيها مستنكره: -سيبني في حالي يا زيدان أنا فيا اللي مكفيني. -أنا عملتلك ايه ان شاء الله عشان يبقى فيكي اللي مكفيكي؟ ده احنا لسه بنقول يا هادي، طيب أستني أنكد عليكي الأول.
هتف مغتاظًا معترضًا على حديثها ففي الوقت الذي يتراقص فيه هو فرحًا لانه يجمعهم سقف واحد، تجلس هي بوجه متجهم وشفاه ممطوطه تنافس الحزن الثقيل المنبعث من عيناها السوداء الواسعة، طائر البومة، أجل هذا هو لقبها الزوجي الجديد، لقد تزوج بومةً متنقلة! -مش منك طبعًا، أنا مبسوطة وسعيدة اننا اتجوزنا. رفع ذراعيه أمامه يوقف استكمالها الحديث متهكمًا: -بس بس أصل أنا دمعتي قريبه، وقصتك السعيدة دي غلط على صحتي،.
يا شيخة حرام عليكي أومال لو زعلانه هتعملي فيا أيه! -يا زيدان أنا بتكلم بجد. زجرت منزعجة بينما تربع ذراعيها امامها وساقيها فوق الأرض، فتنهد مستسلمًا وأقترب يجاورها قبل أن يهمس متسائلًا: -فهميني مالك يا ست الحسن والجمال، مين مزعلك؟ -بابا. قالت في نبرتها الخافتة فمال فمه لليسار مؤكدًا: -حقك الصراحة، أبوكي راجل مريب أوي يا ميرا، المهم زعلك في أيه؟ -زعلني عشان كان نفسي يرفض اننا نتجوز!
أطبق جفونه في غصة ورفع كفه في غيظ يكتم أنفاسها متمنيًا اقتلاع روحها قائلًا في حدة: -زعلانه عشان وافق تتجوزيني، بعد المرار اللي أنا عيشته ده كله عشانك زعلانه يا كائن النكد الأزلي يا بومه حياتي عشان اتجوزتيني! دفعت يده عنها موبخه تسرعه: -يا ابني افهمني بقى ما تجننيش! -أنا اللي هجننك، أنتي معندكيش أخوات عرسان! وبعدين يا ستي لو مش موافقة تتجوزيني اتجوزتيني ليه؟
صاح في حنق طفولي وهو يدفعها للوقوف أمامه جاذبًا خصلاتها، فضربت ساعده متألمة من نوبات اعتراضاته ثم هتفت مستنكرة: -أفهم يا بني أدم، أنا كان نفسي يرفض مش عشان أنا مش موافقة بيك، أنا كان نفسي يرفض عشان مهتم بيا وخايف عليا أنا ميرا مش مكانته ومنصبه، كان نفسي يرفض عشان ميعرفش مين زيدان وميعرفش هيعيشني أو يعاملني ازاي، كان نفسي يرفض ويحسسني أنه أب خايف على بنته وبيحبها،.
ليه يا زيدان هو مش بيحبني زي الأبهات ما بتحب عيالها؟ أنهت سؤالها بصوت متقطع حزين فزفر زيدان في شدة وقد انتقل حزنها كالسهم مستقرًا داخل صدره ثم اقترب يجذبها نحوه يحتويها بين ذراعيه في قوة هامسًا: -ربنا مش بيدي كل حاجة للإنسان، هتلاقي في اللي عنده أب بس قلبه مش نقي زيك أو ربنا مش معوضه بفلوس تريح باله.
-أنا مش عايزة فلوس، عارف أنا بسيطة جدا لدرجة ان لو هو ابتسّم قُدامي بفرح، لو قال كلمة حلوة بفرح رغم ان عمره ما حاول يخليني أفرح. رمت جملتها وهي تخفي رأسها في صدره وتضغط بذراعيها كالأطفال حول خصره تستمد منه السكينة وراحة القلب، فمال يطبع قبله فوق رأسها في حنان وحب مؤكدًا بحروفه:.
-ربنا قادر يفرح كل واحد مننا وعارف احنا محتاجين أيه، وممكن الانسان ما يكونش بيتمنى الحاجة دي بس ربنا دايما عارف الأنسب لينا، والصراحة كده أنتي مش عايزة أب أنتي محتاجة راجل يحتويكي ويربيكي قصد يهديكي! ابتعدت عنه ورفعت عيناها ترمقه في تحذير من مشاكستها ثم سألت في تحدي: -قصدك أيه؟ قرص أنفها في مشاكسه هامسًا في أذنها متعمدًا إثارة الشغب في مشاعرها الفتيه:.
-قصدي، ان كل انسان محتاج معجزة، وأنا المعجزة اللي في حياتك يا روحي! -يا بارد! تأففت متذمرة من الغرور المتسرب من بين حروفه السخيفة فتحركت متمردة للابتعاد عن احضانه، وزاد من حنقها صوت ضحكاته العالية قبل أن يخبرها المشاغب: -تستاهلي عشان تبطلي تنكدي عليا يوم فرحي! -ده على أساس اننا هنعمل فرح كل يوم! -قولي لنفسك يا لمضه، واتفضلي أقعلي الأسدال ده كده!
ردد وهو يجبر القماش على الانسلال من فوق ذراعيها ورأسها وسط اعتراضاتها الخجلة فهتفت به في حرج: -زيدان مينفعش كده أنا بتحرج! -طيب بصي تعالي ندخل ونقلع، أقصد ندردش كلنا عشان الإحراج يروح! -لا أنت بتضحك عليا أنت مش عايز تدردش، أنت عايز حاجة تانية! تأوهت في خفه حين صفعها خلف رقبتها متهكمًا: -الله ما أنتي حلوة أهوه اومال تعباني معاكي من الصبح ليه؟ -زيدان إيدك تقيله بطل غتاته!
قالت في دلال وهي تضربه برفق فوق صدره فارتبكت في صدمة حين اختفى المرح عن وجهه وفاجأها بنبرته الخشنة: -أنتي بتمدي إيدك عليا؟ -أنا لا والله! اتسعت عيناها في ذعر نافيه بحركات رأسها السريعة: -قصدك اني كداب! -يا دي النيلة أنت بتتلكك! -أيه بتلكك دي يا هانم، أمشي انجري قدامي، اتفضلي!
أشار اصبعه نحو الغرفة في صرامة متعمدًا الحفاظ على وجوم ملامحه المبهمة وتابع كيف هرعت للداخل في طاعة وتوتر، ابتسم لنفسه وهو يتحرك خلفها وبعد أن أغلق الباب، التفت لها قائلًا: -خدي تعالي هنا.
تحركت نحوه سريعًا خوفًا من اغضابه، ثم عضت شفتيها وهي تخفض بصرها عن وجهه الغاضب تشعر بالخوف والذنب لأنها أغضبته دون قصد في ليلة زفافهم إلا انها شهقت مصدومة عندما أحاط ذراعيه حول خصرها يضمها إليه متمتمًا في صوت منخفض عميق: -بحبك. ارتعشت ابتسامتها لتعادل ارتعاشه قلبها الصغير بعد أن كاد المشاغب أن يصيبها بذبحة صدرية بسبب أفعاله الصبيانية ثم سندت فوق صدره بجبينها هامسة في نبرة كلها محبة وهيام:.
-وأنا كمان. -وأنتي كمان أيه؟ حثها أكثر وهو يبعد وجهها عنه كي يشاهد ملامحها المضطربة ويمرر أصابعه فوق وجهها الرقيق متعمدًا إقصاء خصلاتها الرائعة للخلف وابتسم حين راقب حمرة الخجل والترقب تغمر وجهها وهي تهمس: -بحبك.
مال يداعب أنفها بأنفه ممسكًا بذقنها الصغير قبل أن يضع ثغره فوق ثغرها على مهل وتروي كبير، جعل النبض يدوي في طبول أذنيهما، ثقلت أنفاسهم سريعًا وتقطعت بلهفة العشاق، فغرقا بين ألحان الأحبة التي أخذت تزيد وتعلو من حولهما، دون اهتمام بالانصهار الحامي في صدورهم بين سحر اللمسات والهمسات المشتاقة. وان كان الاشتياق كالمحرقة في صدره، فقد كان النصيب الأعظم من الاشتياق لها..
فهي مشتاقة له ولمشاعره، ومشتاقة لان تغرق في كنف رجلًا يعشقها ويعزها كما تعشقه. ارتاحت لوعتها بعد قساوة الشوق وما أدراك بالقساوة عندما تشتاق الروح لأرض تنتمي لها وهي بين بقاعها، تتخبط وتتمرد في كل المعالم والدلالات من حولها، وهذا الشعور الثقيل بأنك دومًا مع الأشخاص الخطأ أو في المكان الخطأ، يجعلك تشعر أن الروح تختنق ببقائها مع من يفترض أن يكونوا بؤرة الأمان والاستقرار.
تعلقت ميرا في عنقه بكل قوتها تتمنى لو يبتلعها ويحفظها داخل صدره الصلب بجوار هذا القلب النابض بحبها، التي تستمد القوة من قربه، فقد تعلمت درسًا خرجت منه بالكثير من الوعود ستحققها لذاتها وله مهما كان الثمن وها هي من الآن متأهبة لخوض حروبًا ضاريةً من أجل انبات حياة مستقرة بينهما مزينة بورود العشق وبسالة جذورها المتعمقة في أراضي حبهما اليافعة. تمت نهاية الرواية أرجوا أن تكون نالت إعجابكم