نوفيلا إلا طلاق المعتوه للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الخامسبعد مرور ساعتين، نجح طارق أخيرًا في إقناع فتاته بالخلود للنوم، توجه بها نحو غرفة الأطفال وتعجب عندما لم يجد أنس نائمًا في فراشه المخصص له، وضع أيتن في فراشها ووجد نفسه يتجه في تلقائية إلى الغرفة التي تنام فيها زوجته، وتأكد حدسه عندما وجد الصغير يغط في النوم بجانبها.نظر طارق حول الغرفة يستعيد مشاعر جامه ودفء غاب عنه طويلًا ثم نقل أنظاره فوق زوجته النائمة في عمق، ابتلع لعابه في توتر لما يجول من جنون في رأسه لكنه حسم أمره واتجه يحمل أنس في هدوء وتروي وما ان دثره بجوار شقيقته حتى اغلق الباب عليهما متجهًا في خطوات ثابتة مُصره نحو غرفة زوجته.سند برأسه فوق إطار الباب يراقب قوامها الصغير وملامحها الملائكية ثم التقط شفتيه بين أسنانه يحاول السيطرة على ضربات قلبه المضطرب، دلف ثم التفت يغلق الباب في خفة وإحكام وبدء في نزع ملابسه عنه، تحرك طارق في خفة وتروي خالفا أنفاسه العالية ما بين الترقب والخوف!ترقب بأنه على وشك الاستكانة في احضانها لأول مرة منذ شهور وخوف من رد فعلها أن استيقظت ووجدته جوارها.تبًا لها ولحياته!فكر في ثورة عليها وعلى حياته قبل أن يزحف فوق الفراش مستقرًا جوارها، لحظة واحدة وكان يلصق أنفه في خصلاتها من الخلف سامحًا ليده بالالتفات حولها وجذبها نحوه مغطيًا ظهرها بصدره في عناق قوي، أغمض جفونه في شوق مطالبًا حقه في استنشاق عطرها والشعور بقربها.شعرت خديجة بجذع قوي يلتفت حولها وانفاس حارة تجذبها من ثباتها الذي لم يمض عليه الكثير، وكادت تتجاهل الأمر والاستسلام للنوم في راحة وسلام ولكن قبله صغيرة أعلى كتفها توازي نعومة مداعبات زهرة لبشرتها جعلت عيناها تتسع في دهشة وذهول.استدارت بين ذراعيه وهي تحارب أثار نومها فكادت تصرخ في وجه الوقح خلفها، لكنه أسرع بوضع يده فوق فمها يتوسل إليها في حنو ونبرة خافته:-عشان خاطري، سبيني أحضنك عشر دقايق وهقوم!دفعت يده عنها وهي تستدير تواجهه لا تصدق جنونه، محاولة دفعه عنها دون جدوى ثم استنكرت في غضب من بين أسنانها:-اسمه أيه اللي بيحصل ده!-أسمه حب، أسمه عذاب،مش مهم سميه اللي تسميه لكن سبيني أضمك ليا قلبي تعب في غيابك.كالعادة سرق أنفاسها بكلماته فتوقفت عن المقاومة ورفعت عيناها نحو عيناه تطالعه عاجزة وقد زادت كلماته من ارتباك نبضاتها.رفع طارق يده يمرر أنامله في خفه فوق صفحة وجها الأحمر بينما عدستيه تتراقصان فوق ملامحها متصيد كل شعور يقفز على وجهها، يقرأ التيه والحب وذلك الخوف والخجل، لا يدري ما الذي تلبسه وجعله بهذه الطلاقة واللطافة لكنه وجد نفسه يعترف في حزن مطلق:-أنا أسف على كل اللي حصل، أنا مستعد أدفع عمري كله عشان أرجع اللي فات وخد القرار الصح في الوقت الصح،أنا عمري ما فكرت اني هأذيكي ومستحيل كنت هخونك مع اي حد في الدنيا!أسبلت جفونها تبعد نظراتها الحزينة عنه وقد مست كلماته قلبها ولكنه رفع ذقنها يجبرها على الإمساك بنظره مستكملًا:-انا كنت ساكت عشان خايف مش بس اني أخسر شغلي لا، كنت خايف عليكي وعلى عيالنا، خايف أفشل وتضيع فرصتي في شغل هيوفر كل احتياجاتنا.خرج زفيره متقطعًا محملًا باضطرابات قلبه الخائف المرتعد ثم استطرد في صدق:-أنا مش حاسس اني عايش في غيابك عني، عشان خاطري سامحيني وارجعيلي وأنا هعملك كل اللي نفسك فيه.ارتعشت شفتي خديجة وللمرة الثالثة على التوالي في هذا اليوم تنهمر في بكاءها، رتب طارق على وجهها في ريبة متسائلًا:-بتعيطي ليه؟-بعيط عشان، عشان، صعبان عليا نفسي، أنا مقهورة يا طارق ومحدش حاسس بيا!رفع كفها يقبله في رقة هامسًا بكل الأسف الذي يمتلكه:-بعد الشر عليكي من القهره يا عيوني، أنا أسف من كل قلبي على كل اللي حصل.استمر في إبعاد خصلاتها عن وجهها المبلل ثم ضم رأسها لصدره هامسًا أسفه وحبه لها، خاطفًا قبلات حانية رقيقه متنقلًا في توازي بين وجنتها وباطن كفها.أغمضت جفونها تحاول الغرق في الشعور بلمساته وهمساته الحانية تحاول أن تروي بهما جفاف قلبها ثم رفعت يدها تحيط عنقه في قوة تشعر بالضعف والقوة في آن واحد.فرغم كل محاولاتها للتمرد والثورة إلا أنها تنسى حتى اسمها فوق صدره وبين أحضانه وكأنه يسحبها بسحرً ما ويسلبها إرادتها ويخطف كل أفكارها.-بحبك...همست في غباء غير قادرة على تمالك مشاعرها وكبتها أكتر، فرفع رأسها سريعًا يطالعها في غبطه وسعادة فاستمرت في عتاب:-بحبك وتعبت منك وبسبب حبك أوي،أنا حاسه بالتوهان مبقتش عارفة حياتي ماشية ازاي، أو أنا صح ولا غلط.خرجت منها شهقة بكاء، قائلة في نبرة متقطعة:.-مش عارفة ايه اللي المفروض يحصل معايا وهينجح ولا لا، عايشة في دوامة من أسئلة ما بتخلصش.-عاتبيني ولوميني على قد ما تقدري وسيبي قلبك يرتاح.اخبرها وهو يعدل جسدها كي يجلس كلاهما جاثيًا في قبالة الأخر، استمر في مسح جفونها في رقة قبل يقبلها قبلة قوية متملكة يبثها فيه أسفة وأشواقه لكنه ابتعد عنها مثبتًا أنظاره فوق عيونها الباكية مؤكدًا:.-بيقولوا العتاب على قد المحبة وأنا راضي باللي ترميه محبتك عليا يا خديحة!ارتمت عليه تعلق المساحة بينهما، تعانقه في قوة وشوق تخفي وجهها داخل عنقه، بينما شد هو ذراعيه حول جسدها يحاول احتواءها قدر الإمكان، وظلا هكذا حتى استلقيا سويًا مستمتعين بالصمت من حولهما طويلًا لكنه كان صمتًا رائعًا مريحًا لا يشعران فيه إلا بخفقان قلب الآخر.-أحسن؟همس طارق قاطعًا الصمت أخيرًا وأصابعه لا تكف عن العبث بخصلات رأسها المستقر فوق صدره، فابتسمت تخبره في هدوء:-الحمدلله، أحسن فعلًا.-أحسن ان شاء الله، زي ما حياتنا هترجع أحسن من الأول يا خديجة، مش هخلي حاجة تتعبك تاني،هنرجع زي ما كنا أنا وأنتي والولاد سوا ده غير انك تقدري تسيبي شغلك وترتاحي.انعقد حاجبي خديجة في عدم فهم قبل ان تعتدل جواره مؤكدة:-بس أنا مرتاحه في الشغل!اعتدل هو الآخر بينما يسرد عليها تعجبه:-يعني أيه مرتاحه، بس احنا هنرجع لبعض وساعتها مش هتحتاجي لشغل، أنا هكفيكي وزيادة.-بس أنا مش بشتغل عشان الفلوس وبس يا طارق، ثم أنا مش هسيب الشغل ابدا.أخبرته في حدة وهي تستشعر بالخطر من كلماته ورغبته المستمرة في سحب نجاحها من أسفلها، فأجابها في نفس الحدة:-يعني أيه مش هتسيبي الشغل ابدًا، وانا والعيال هنروح فين؟!-لما ابقى أأقصر معاكم ابقى اتكلم يا طارق لكن شغل مش سايبه انا.زمجرت مدافعة عن كيانها وما وصلت إليه فهي لن تقع في الفخ ثانية، انتفض طارق واقفًا جوار الفراش هاتفًا في غضب:-وأنا مش موافق ان مراتي تشتغل!رفعت رأسها في شموخ قبل ان تعكس إصراره مؤكدة:-حلو أوي واحنا لسه على البر!-تقصدي ايه؟انتي بتختاري شغلك عليا؟!سألها في لهجة يشوبها الصدمة، تعكس لها مدى ذهوله من اجابتها، فقالت في هدوء:.-انت اللي حاطط نفسك في المقانة دي يا طارق.-وأنا مش هرجعلك وانتي بتشتغلي.-وأنا مش عايزة أرجعلك أصلًا.علت أنفاسه الغاضبة ولكنه انتقل حول المكان يلملم ثيابه في عنف لارتدائها ثم صرح في نبرة قاسية:-وأنا مش هطلب انك ترجعيلي تاني!-شيء متوقع من انسان اناني رجعي عايز يكبت نفسي، الحياة معاه مستحيلة!خرجت منه ضحكة ساخرة بينما يرتدي سرواله، قائلًا في تهكم:-والمنفتح كريم مش كده!-ايه جاب سيرة كريم، عشان تعرف أنك انسان مريض فعلًا، فاكر كل الناس خاينة شبهك!رفع طارق سبابته في وجهه مزمجرًا في استنكار:-بلاش اسطوانه الخيانة عشان بوخت اوي، انتي عارفة اني معملتش حاجة،اعترفي انك اتلككي ومازلتي بتتلككي عشان تشتغلي وتمشي ورا الكلام الخايب بتاع كيان وما كيان ده!-انزل من وشي وإياك تطلع عندي تاني!صرخت في وجهة غير قادرة على الصمود أمام غباءه وعدم إدراكه لأهمية ما تفعله، فعكس صراخها مؤكدًا:-انا اللي مش طايق اشوفك!وبذلك اندفع إلى خارج الغرفة، لكنه تجمد لحظة عندما لمح أنس يقف بأعين متسعة خائفًا أمام غرفته، زفر طارق واتجه لطفله يخرج طرف ملابسه من فمه في لطف، عادة يفعلها دوما وقت الخوف من العقاب.-متخافش يا حبيبي، أنا كنت بقول حاجة لماما ونازل، أدخل نام عشان المدرسة.حرك أنس رأسه في صمت واتجه في بطء نحو فراشه، اقترب منه طارق يقبل رأسه مدثرًا له في حنو قبل أن يتجه إلى خارج المنزل نهائيًا برأس يكاد ينفجر من الغضب والحقد.في الصباح الباكر من اليوم التالي، تلقى طارق خلاله ساعتان فقط من النوم بعد عناء طويل مع الغضب داخله قبل أن يستيقظ على اتصال من المدرسة الخاصة بطفله يستدعونه هو والدته لأن هاتفها مغلق، فما كان منه ألا أن انتفض متجهًا في غل نحو مكان عملها دون الإجابة على تساؤلات والدته المتعجبة من خروجه باكرًا.دخل المكتب في خطوات ثابتة يتطلع للمكان من حوله في غرور وغضب وكأنه خطف أحد أطفاله لكنه توقف في أدراجه عندما وجد خديجة وزميلتها يتشاركان القهوة مع رجلان، وكأنهم في موعد غرامي مزدوج!مشهد لطيف جدًا لدرجة أنها يكاد يقتلع عيناها في لطف يوازيه من فرط الغيرة، لكنه تحكم في ذاته متجهًا نحوها سعيدًا بالصدمة التي ارتسمت على محياها ما أن لمحته قبل أن يفتح فمه:-أسف لو كنت جيت في الوقت المناسب جدًا،.بس ابنك عنده استدعاء ولي أمر والمدرسة مستنيانا يا، يا أم أنس.نظرت خديجة في إحراج شديد إلى زملاءها في المكتب والصامتون في الغالب لأنهم لا يجدون رد على ما يحدث بينها وبين هذا الغريب بالنسبة لهم، لكنها وقفت سريعًا تحاول ابعاده عنهم للخارج قائلة في حرج:-أنا أسفة أوي هضطر امشي، نهال لو سمحتى بلغي أستاذ كريم لما يوصل أنه حصلي ظرف مفاجئ!-مفاجئ أكتر من كده!قال طارق في استخفاف متعمدًا إظهار سخريته وهو يشير بيديه حول المكان، فدفعته دفعًا نحو الخارج بينما ترسل لزملائها ابتسامه ضيقة تكاد تموت حرجًا كلما فتح فمه وما أن خرجت بالكامل حتى قالت في خفوت مشتعل:-انت اتجننك، ايه الطريقة المتخلفة دي!-متخلفة؟!المرة الجاية اللي الاقي فيها مراتي بتشرب قهوة مع رجالة مش هبقى متخلف حاضر!أردف في تهكم وهو يمسك أعلى ذراعها يدفعها للهبوط على الدرج أمامه، لكنا استمرت في حديثها حانقة ومعترضة:-احترم نفسك يا بني آدم أنت، دول زمايلي وده كان وقت البريك!-ابنك عنده استدعاء ولي أمر يا هانم!قال محاولًا تغيير الموضوع ودفع الوضع في وجهها فنظرت له في غضب هامسة وهو يوقف سيارة اجرة:-انت بتكلمني كده ليه وكأني السبب!اغلق الباب خلفه ما أن ركبا السيارة سويًا، ثم أجابها في اعتياديه وكانه يخبرها عن حالة الطقس:-كأنك؟لا ما هو أنتي السبب فعلًا عشان ست مهملة، مش عارفة تحدد اولوياتها.-أنا مش هدخل نفسي في نقاش مالوش لازمه مع واحد زيك ناسي ان هو كمان الأب.قالت غاضبة على طريقته المتهكمة في الحديث معها فاستمر يدهشها بردود أفعاله الباردة:-برافو.عقدت ذراعيها لا تدري كيف استطاعت التزام الصمت أو عدم الاستلام لرغبتها في صفع وجهه طوال أربعين دقيقة مرت عليهما في الطريق حتى وصلا للمدرسة.-والد ووالدة أنس طارق، اتفضوا المديرة منتظراكم.قالت السيدة في الاستقبال مشيرة لأحد المكاتب قبل أن يدخل كلاهما فيجدان المديرة جالسة مع امرأة تقاربهم في العمر لكنها حادة الملامح وغاضبة، كثيرًا..نظرت خديجة إلى طارق في تساءل مريب فهو ما أن أعلن عن هويتهما حتى صرخت ملامح المرأة بالغضب والنفور.وقفت المديرة تطالبهم بالجلوس قبل ان تخبرهم:-ابن حضرتك عمل تصرف مش مقبول في الكلاس و...قاطعت حديثها المرأة التي هتفت في حدة جعلتهم ينتفضا في ذهول:-مش مقبول وبس، ده تصرف مرعب ومش منطقي!-إهدي يا مدام جاينا، سبيني اشرح الوضع.شعرت خديجة بقلبها يدق رعبًا مما هي على وشك سماعه وتلقائيًا رفعت كفها تقبض على يد طارق كمسانده، أدار طارق يده كي يغطي يدها في قوة وكأنه يهدئها في صمت، قبل أن يصرخ في وجه الامرأتين:-هي فزورة ولا أيه، ما تخلصونا وفهمونا أيه المصيبة اللي حصلت؟!زفرت المديرة وتبدلت ملامحها للانزعاج قبل أن تخبره في نبرة جدية مستنكرة ردة فعله الغير مقبولة:-ابنك باس زميلته في الكلاس!اتسعت عيون خديجة في عدم تصديق وهي تهرب بعيونها المحرجة نحوه تستغيث له لإنقاذها من أمر ما هي نفسها لا تعلمه، شعر بصدره يحترق في دفاعيه كارهًا رؤيتها في هذا الوضع ورغم فداحة فعل طفله إلا أنه كشر عن ملامحه معلنًا في فسوق:-أيه، باس بنت؟!هي دي المصيبة اللي مشحططني أنا وامه عليها، انه باس بنت، ما يبوسها حضرتك أيه المشكلة مش فاهم؟!علت شهقات جاينا و خديجة في نفس الوقت قبل أن تنفجر المرأة به هاتفة:.-أنت بتقول أيه حضرتك، دي بنتي اللي بتتكلم عنها،يعني أيه ابنك يبوسها ويسرق منها ال“First kiss” بالطريقة دي ومش بس كده البنت رجعتلي منهارة لأنه كسر قلبها ضربها أخر اليوم!نظر لها طارق وكأنها بعشر رؤوس قائلًا في لهجة تتأرجح بين السخرية والاستهجان:-انتي ليه محسساني أنه سرق كليتها دي بوسه ودول اطفال مش بيفهموا بدليل انه ضربها،صدقيني لما أبوس واحدة الصبح ضربها مش هو اللي هعمله في اخر اليوم!وضعت خديجة كفها فوق فمها لا تصدق وقاحته فوقفت تلكزه تحاول وقف ثورته العارمة ثم اعتذرت في خجل:-أنا بعتذر يا مدام جاينا ومتفهمه جدا موقفك...-متفهمه ايه وكلام فارغ ايه دول بيهرجوا!نظرت له محذرة في مشاحنة صامته بين أعينهم قبل أن يزفر في حدة عاقدًا ذراعه في استلام تاركًا لها الحديث:-بعتذر لحضرتك مرة تانية وبأكدلك ان ده مش هيتكرر تاني، انا هتكلم مع أنس بنفسي!-أتمنى لأن لو سبتيه كده، الموضوع هينتهي بشكل فاضح!-الفضيحة مش لينا أكيد!قال طارق في خفوت فجحظت خديجة عيونها هامسة في نفاذ صبر:-ممكن تسكت لو سمحت، فضحتنا!نظرت لهما المديرة نظرات غريبة وعاد الجميع لحل الوضع في هدوء وعند نهاية المقابلة وذهاب جاينا، خصتهم المديرة بنظرة ذات مغزي قائلة:.-أنا اسفة على التدخل بس ال “tension” واضح أوي ما بينكم ومتأكدة ان ده سبب رئيسي للاضطراب اللي بيمر بيه سلوك الطفل،لان بعيدًا عن كل اللي حاصل، أنس طول عمره طفل مهذب وشاطر ومكنش عنده اي خلل سلوكي فياربت تحاولوا تحلوا مشاكلكم بشكل صحي قريب.عجزت خديجة عن الرد وشعرت بحلقها يضيق من مشاعرها إلا أن زوجها الجلف تسرع كالعادة مجيبًا:.-ياريت تركزوا في تعليمه نص تركيزكم في حياتنا هتبقوا مشكورين جدًا والله.هزت رأسها فاقدة الأمل من نضوجه وتحركت للخارج في صمت لا تتحمل البقاء معه، لحق بها طارق عندما وصلت للطريق إلا انها تجاهلته وظلت تمشي في خطوات سريعة دون انتباه:-انتي ماشية غلط على فكرة!-مش أنت هتمشي من الناحية التانية؟سالت دون أن تتوقف لحظه فرد سريعًا:-أيوة ده مش طريق البيت!-يبقى أنا ماشية صح!مد ذراعه يوقف تقدمها متحدثًا في جدية:.-ممكن أفهم بتعملي ليه كده؟-أنا اللي بعمل ليه كده، أنت اكيد بتهرج،أنت مش حاسس بالفضيحة اللي عاملها؟سألت محركة ذراعيها على وسعيهما، فقال مغتاظًا:-فضيحة مرة واحدة!فكر في غضب فما فعله كان من اجل إنقاذ ماء وجهها الصغير الرائع وخوفًا على شعورها وهكذا ترد إليه المعروف؟ بالغضب عليه، ناكرة الجميل!-طارق حقيقي، أنا مش هتكلم معاك قبل ما تنضج شوية!صرحت قبل أن تتحرك مبتعدة عنه، لكنه اتبعها بخطوات مسرعة معترضًا:-أيه انضج دي، انتي بتكلمي ثمرة مانجا!رفعت أصابعها تضغط على جانبي جبينها وقد اتتها اجابته الساخرة كالعادة، قائلة:-لا مستحيل الكلام معاك، بقولك أيه طلقني أنا تعبت!-ده أنتي حقيقي بجحة يعني انتي اللي غلطانه ومهملة وأنتي اللي بتطلبي الطلاق،صحيح اللي اختشوا ماتوا!رفعت حقيبتها تخبطه في منتصف صدره في عنف غير مبالية بوجودهما في منتصف الطريق هاتفه:-يخربيتك بوظت أعصابي، أبعد عني يا اخي متجننيش!ابعد حقيبتها عنه في اعتراض وغضب هاتفًا:-إياكي تعملي كده تاني، أنا بحذرك!-طيب اهوه اهوه، وريني هتعمل ايه!هتفت من بين ضرباتها المتتالية له بالحقيبة متجاهلة عيون المارة المتسائلة، فجذب منها الحقيبة هاتفًا في تحذير:-يا بنتي هخنفك، احسرك على شبابك ما تستفزنيش!ضحكت ساخرة وهي تندفع بعيدًا عنه مؤكدة:-شبابي اتحسرت عليه من يوم ما اتحوزتك والحمدلله!رد عليها متعمدًا استفزازها:-ضيعي على الموضوع الأساسي ضيعي!-لا بجد أيه الموضوع الأساسي يا طارق!سألته بينما تعقد ذراعيها أمام صدرها منتظره إجابته في جدية تامة:-انك أهملتي واجباتك كأم وانك بقيتي مجنونه بالمنظره وحقوق المرأة.-حقوق مرأة لو شافوني هيدوني بالشبشب على خياراتي العرة!بقولك ايه طلقني بلاش كلام كتير!لكنه اجابها متهكمًا وهو يفرك وجهه في غضب:-ايوة صح كل ما تغلطي معندكيش مفر غير طلقني!-أغلط؟صح أنا فعلًا غلطت في حقي لما فضلت عايشة على ذمة واحد زيك وفي نفس البيت، لكن اكيد بالنسبة ليك دي مش تضحية.قالت قبل أن تستدير لإكمال خطواتها فقاطعها في حدة:-لا مش تضحية لو أنتي فضلتي معايا وأنتي كرهاني أوي كده، تبقى قلة كرامة مش تضحية!تجمدت في مكانها متوقفة عن تقدمها واستدارت نحوه مصدومة بأنه قد اخرج من فمه ما خرج للتو، أما طارق فقد نظر بعيدًا عن نظرة الألم السابحة في عيناها، يلعن تسرعه وغضبه الذي يجعله يلقي بأسوأ الأمور، فسمعها تقول في نبرة هادئة مناقضة لما تشعر به بالفعل:-فعلًا أنت صح أنا معنديش كرامة، بس أنت مش مكاني عشان تعرف أنك ممكن تضحي بأغلى حاجة عندك عشان ولادك،أرمي عليا اليمين حالًا يا طارق.فرك رأسه وعقله يدور ويدور غير قادر على حسن التصرف لكنه هتف صارخًا عندما اعادت طلبها:-أنتي فكراني هتحايل عليكي عشان تفضلي معايا، أنا كمان مستحمل عشان ولادي!-حلو أوي، المبدأ موجود.-أوي أوي استني بقى لما نلاقي مأذون!نظرت له بملامح جامدة حادة قبل ان تشير للفراغ خلفه مردفه في ضعف:-القدر عارف الانسب لينا!استدار يتابع ما تشير إليه وكادت تخرج عيناه من مقلتيهما عندما لمح لافته مكتب لمأذون شرعي، عجز عن إيجاد كلمات تعبر عن سوء حظة اللامتناهي واخترق صدمته صوتها الصارم:-اتفضل قدامي، أنا مستحيل أفضل على ذمتك دقيقة تانية!تحركت امامه لكنها توقفت تنظر إليه متعجبة عدم لحاقه بها فزمجرت:-خليك راجل قد كلمتك!ابتلع ريقه في قوة وشعر برجولته تفور، قبل أن يؤكد في صوت كان يجب أن يكون قويًا لكنه خرج مرتعش:.-أنا مش هتذللك، عايزة تطلقي، براحتك.اتجه خلفها في خطوات صارخة بالغضب لا يصدق أنها تدفعه دفعًا لتطليقها وكأنها تتحايل على الفرص للتخلص منه، وقفت امام المبني مشيرة إليه في غضب تكاد تخونها مشاعرها وفضح حزنها:-اتفضل اطلع!-أنتي بتزعقي ليه، طيب مش طالع!اخبرها في حدة وتوتر مثبتًا قدميه امام الدرج رافضًا التحرك، فصرخت به حانقة:-أيه لعب العيال ده، متجننيش!-الله أنا حر مش طالع الأول، اطلعي أنتي!حركت رأسها تكاد تجن من تصرفاته المجنونة ومن سهولة تخليه عنها قبل أن تصعد في خطوات تقتل الأرض من قوتها بينما يتبعها هو محاولًا الفرار من هذا الكابوس بطريقة لا تظهره معتوهٍ بها وبحبها اللعين!
نوفيلا إلا طلاق المعتوه للكاتبة دينا ابراهيم الفصل السادساتبعها طارق في صمت يحاول إيجاد سبب أو حل لتلك المعضلة حتى وجد نفسه داخل مكتب المأذون يقف أمامه عاجزًا عن الفرار وكل ما يرغب به هو حملها واجبارها على تحمل حياتها معه ولكنه لن يكسر كبريائه ورجولته أمامها أكثر من ذلك ويشعرها بنشوة الانتصار، يكفي أنها تجره جرًا للتخلص منه.تجاهلت خديجة نظراته القاتلة نحوها وحاولت تمالك الخوف الذي يتملكها لا تصدق أنها على وشك الانفصال عنه نهائيًا لكنها امتهنت الشجاعة فبعد كلماته القاتلة في الأسفل ترفض أن تحط من شأنه من جديد، فقائلة في حدة بينما تجلس أمام المأذون:-السلام عليكم يا شيخ، لو سمحت عايزين نتطلق!-انتي ليه محسساني انك بتطلبي شاورما!اندفع طارق المغتاظ في تهكم فتجاهلته كما تتجاهل عنفوان المشاعر المختلطة داخل صدرها وهي تثبت انظارها فوق المأذون الصغير نسبيًا في السن وهزت رأسها في تهذيب عندما رد السلام قبل ان ينقل نظراته بينهما في ريبة مضيفًا:-طلاق مرة واحدة، طيب أقعدي نتفاهم واطلبلك حاجة تهديكي عشان نفكر من غير تسرع، انتوا عارفين أن الطلاق...قاطعته خديجة مؤكدة:- عارفين عارفين وواخدين القرار معلش طلقنا على طول!مرر المأذون بصره فوق طارق الصامت والذي يستند بكفه فوق وجنته مبعدًا أنظاره عنهم فسأله يحاول خطف الحديث من فمه:-وأنت أيه رأيك يا استاذ!لم يجيبه طارق وظل يطالع الفراغ في صمت، فأعاد المأذون نظره إليها في توجس وقبل أن يترجم سؤاله هتفت متذمرة في زوجها:-متأسفة هو بني آدم قليل الذوق مش أكتر، طلقنا احنا متفقين خلاص!تعجب الرجل وهو يحاول سرقه الكلمات من طارق، حتى مل من الموقف الذي لم يوضع فيه من قبل، فهب قائلًا:-إذا كان كده براحتكم، معاكم البطايق والشهود؟هنا تحرك طارق ناظرًا إلى المأذون بفم مفتوح متهمًا الرجل في تهكم:-أنت ما صدقت ولا أيه يا شيخنا، لو مزنوق في قرشين قولي!كاد يجيبه الرجل المنزعج من وقاحته الفجة، فقاطعته خديجة أسفة تحاول ردم ذلك الشعور الأحمق بالأمل المتولد داخلها من أفعاله:.-أنا بعتذرلك بس ارجوك كمل الاجراءات،هو بيعمل ده كله عشان يتهرب من الموقف وميعترفش بغلطته!تعمدت زمجرتها في قوة إلا أن صدرها كان يأن بتوسل له للاعتراف بخطئه والاعتذار أو افضل أن يعترف برغبته في التمسك بها وحبه لها ولكن الأرعن الغاضب تمسك بعناده هاتفًا في تعنت:-انا مغلطش، الدور والباقي عليكي اللي مش عارفة نفسك موديانا على فين...ثم أخذ يرمق المأذون الشاب في حقد قبل أن يتهم في اعتراض:.-وبعدين ده مأذون صغير في السن يعني كده الطلاق لا يجوز على أيده!هنا تدخل المأذون الغاضب من إهانته الغير مبرر لها، متعمدًا الرد على استفزازاته:-لا تقلق يا سيدي، هنا الطلاق جائز...إلا طلاق المعتوه!كاد ينفجر فيه طارق متعمدًا الشجار معه ولكنها تدخلت فيما بينهم هاتفة في نفاذ صبر:-اقعد مكانك لو سمحت كفاية،اتفضل البطاقة يا شيخ بس مش معايا شهود.-خلاص نمشي ونبقى نجيب شهود يوم تاني!قال طارق وهو يستقيم من مكانه فتحركت تعكس حركته قائلة من بين اسنانها:-لا انزل جيب شهود من الشارع، اي حد معدي!عقد ذراعيه لا يجد مفر امامه سوى العناد فرفض متذمرًا:-انا مالي انتي اللي عايزة تطلقي، انزلي هاتيهم أنتي!اتعست عيناها في غضب وذهول من أفعاله، تحاول التشبث بالعقلانية متجاهلة قلبها القافز بين ضلوعها والذي يرى تعنته نابع من رفضه لفكرة تطليقها وانه يتمسك بها بطريقة غير مباشرة لكنها أصرت على استكمال الأمر في عناد:-تصدق وتأمن بالله أنا هنزل اجيب شهود فعلًا.أوقفها صوت المأذون المساند لها وهو يخبرها في طلاقة:.-متتعبيش نفسك عندك البقاله اللي تحت هتلاقي شابين غلابه قوللهم الشيخ باعتني، وابقي راضيهم بأي حاجة بعدين!تحرك رأس طارق نحوه في سرعة وذهول، متعجب من هذا المأذون الذي لا يؤدي مهام الشريعة ومحاولة الصلح بل على العكس يبدو له سعيدًا للغاية إنه على وشك تطليقها منه.ضاقت عيناه في تهديد عندما التقى بعيون الشاب المتحدية ثم أبعد أنظاره يتابع جسد زوجته المبتعدة لخارج المكتب في خطوات متعبة، استقام متجهًا خلفها نحو الباب يتأكد من اختفاءها للأسفل ثم استدار نحو الشاب بعيون لامعة قائلًا في نبرة خافتة تنذر بالشر:-قولتلي بقى يا شيخ، الطلاق جائز إلا طلاق أيه؟-إلا طلاق المعتوه!قال المأذون شاعرًا بالتوجس خاصة عندما أغلق طارق الباب ثم انفرجت ملامحه عندما سمعه يخبره وهو يشمر عن ساعديه:-حلو، وأنا في العته معنديش يامى أرحميني!بعد دقائق قليله صعدت خديجة على الدرج بقلب يدق في رعب دون توقف، متسائلة هل جازفت أكثر من اللازم، هل انتهى حبها في قلبه للدرجة التي تجعله يوافق على التخلي عنها، حركت رأسها تنفض تلك الأفكار القبيحة فماذا تريد منه أكثر بعد أن وصفها بعدم الكرامة؟جزت على أسنانها في عناد، هو يراها عديمة القيمة والكرامة وأن كان طلاقها سيثبت له مقامها وقوتها هي لن تتنازل حتى تحصل عليه!التفتت نحو الشابان هامسة في امتنان:-أنا بجد بشكركم جدًا انكم وافقتم تساعدوني وأنا ان شاء الله هر...قطع حديثها صوت خبطات وصراخ على الدرج، فركض الجميع للأعلى ليقابلهم المأذون الشاب في حالة لا يحسد عليها يحاول تخطيهم للهروب فحاولت خديجة ايقافه متسائلة في ذهول:-حضرتك رايح فين، والطلاق!-لا يجوز، لا يجوز...!كادت تصرخ من شدة الانفعال والجنون لكنها صعدت في خطوات ثابتة لتقابل زوجها الخارج من المكتب حاملًا العمامة الخاصة بالمأذون، قبل أن يرميها سريعًا من يده مدعيًا البراءة، لكنها هتفت في وجهه متهمة إياه:-أنت عملت أيه!حرك كتفيه في استسلام مؤكدًا:-انا مالي، هو اللي شكله مجنون لقيته قام يجري على تحت لوحده.-وأنا المفروض أصدقك مش كده.استطردت من بين أسنانها فعقد ملامحه في انزعاج وملل مردفًا:.-بقولك أيه أنا اتقفلت ومبقتش في المود لطلاق، حد أنا عندي شغل،روحي البيت وأنا هبقى أطلقك غيابي بعدين!وبذلك تركها متحركًا للأسفل يشكر الله انه استطاع النفاذ من بين براثن رغباتها الجامحة، أما هي فوقفت عاجزة عن التعبير ما بين الصراخ في جنون وتقطيع ملابسها أربًا، لاعنه اليوم الذي اوقعها حظها فيه وفي شخصيته الجنونية!بعد مرور أسبوعان مرا كالدهر على الجميع، وانقلب فيهما المنزل رأسًا على عقب بسبب تصرفاتهما حيث تعمد فيها الطرفان قتل بعضهما الأخر والتراشق بالكلمات بالإضافة إلى ثبات خديجة على موقفها بضرورة الطلاق إلا أن هروب طارق المستمر منها تحت أي ظرف خشية أن تطالبه بالطلاق من جديد يلعب على أعصابها وقد وصلها تصور خاطئ إنه يهملها لأنها بلا قيمة أو كرامة في نظره وبالتالي يستبيح رغباتها.كالعادة وصلت من العمل على امل الالتقاء به كي تطالبه بالإسراع في خطوات الانفصال، فكبريائها لم يبرد منذ القى بكلماته الحارقة على مسامعها واتهامه لها بانعدام الكرامة، استقبلتها مرام فسألتها ما أن ألقت السلام:-أخوكي هنا؟سمحت لها مرام بأن تحمل صغيرتها منها إلى احضانها قبل أن تخبرها في ملل:-يا بنتي وحدي الله، ما الحياة كانت ماشية!أخبرتها شقيقته واتجه كلتاهن للجلوس، وما ان استقرت خديجة قبالتها حتى أجابتها في نبرة يشوبها الحزن:-لا يا مرام من هنا ورايح مش هقبل أن الحياة تمشيني وخلاص،هي ماما مش هنا ولا أيه؟سألت تحاول تغيير الموضوع وهي تلتفت حول المكان بحثًا عن المرأة.-دخلت تاخد شاور عشان لسه مخلصه الأكل.ردت مرام في تعاسه واضحة تنبثق من عيناها غير راضيه على ما تأول إليه الأحداث في حياة شقيقها وزوجته.أما في الداخل كان طارق يعض على لسانه من شدة الغضب على الذات وتمنى لو يستطيع صفع وجه بنفسه لأنه سمح للنوم بأن يسرقه ولم ينتبه للمنبه الذي يحرص على تفعيله كي يستطيع الهروب كعادته قبل مجيئها.أخذ شهيق طويل متبعة بزفير أطول يحاول المحافظة على رباطه جأشه والتفكير في هدوء ثم اتجه بعد لحظات يرتدي حذائه متمتمً:-أنا هعتمد على الوش الخشب، اخوفها قبل ما تنطق وأهرب!حرك رأسه في خيبة أمل لا يريد البدء في جلد الذات عن كونه السبب الأساسي الذي جعلها تتمسك بالطلاق بعد كلماته الحقيرة ولكنه شخص اندفاعي يميل للترهات وقت الغضب!جذب أنفاسًا متتاليه وهو يرسم خطة هروبه في عقله قبل أن يلبس قناع البرود فوق وجهه ويتجه للخروج متعمدًا تجاهلها وعدم النظر إليها خاصة عندما استقامت صائحة في محاولة لإيقافه، فأجابها في لا مبالاة من خلف ظهره دون ان يتوقف:-لما أرجع عندي شغل!نظرت إلى مرام في غل من تصرفات شقيقها قبل أن تندفع نحوه قاطعة طريقه بينه وبين الباب المغلق مزمجره:-شاطر أنت كده وأنت مش مدي قراراتي اهتمام، فخور بنفسك.-يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم،بقولك أيه أنا مش فايقلك على الصبح انتي والنقص اللي عندك ده!-نقص!، يعني مش بس شايفني عديمة الكرامة أنت كمان شايف ان عندي نقص!حاول إمساك لسانه مقررًا عدم الحديث فكلما فتح فاهه معه يقع في مصيبة أكبر وينتقل من سيء إلى أسوأ بلا أي جهدًا يذكر، يحاول تخطيها لكنها زادت من تعنتها واستندت فوق الباب وهي تثبت صغيرتها فوق صدرها، هاتفه في اصرار:-طلقني يا اما هترجع مش هتلاقيني!-أيه هنرجع لاسطوانة أنا راجعة لأهلي من تاني؟قال في نبرة جامدة يحاول السيطرة على غضبه لكنها ابتسمت في تحدي مؤكدة:-أروح لأهلي ليه وأنا مشلوله؟!أنا لقيت شقة مناسبة جنب الشغل بتاعي وقررت أني هاخد عيالي وهمشي من هنا وانهارده.جذبها نحوه من مرفقها في عنف متجاهلًا إنها تحمل أيتن الصغيرة التي بدء تشعر بالتوتر الزائد بين والديها فزادت من خفض رأسها في عنق والدتها، إلا أن طارق صرح في حفيف منخفض:-أنا ساكت على جنانك من زمان بس لحد هنا وخلاص،عيالي مش هيطلعوا من بيتي ولا هيروحوا على أي مكان، عايزة تمشي من بيتي يبقى تمشي لوحدك!ضاقت انفاسها في صدرها وقد أستقر تهديده القاسي داخل صدرها لكنها حاربت في إقدام وإصرار:-عيالي هيروحوا معايا المكان اللي هروح فيه ولو فاكر انك هتمنعني عنهم يبقى بتحلم!دفعته عنها ثم التفتت إلى أنس الذي يوشك على البكاء والمختبئ في صمت خلف ساق عمته، خطت نحوه تجذبه نحوها وكأنه سيتبخر ان تركته بعد تصريحات زوجها.حاولت الخروج من المنزل إلا أن طارق اوقفها ممسكًا بذراع أنس غير سامحًا لها بجر طفله هاتفًا في غضب حقيقي:-سيبي الولد قولتلك عايزة تمشي، تمشي من غير عيالي!صرخت به خديجة تحاول إبعاده عنها في جنون وقلب الأم يدق ناقوس الخطر، فصاح بها يوازي جنونها غير منتبهين لصراخ أنس الذي يبكي في هستيريا ويشعر بأن الأرض تنشق من أسفله بمشاهدة والديه في هذه الحالة.زاد جنونهما حتى انها تجرأت على ضرب يد طارق الممسكة بطفلها تكاد تمزقها بأظافرها:-سيب أبني، دول عيالي أنا!زادت في هجومها وكانت كالمغيبة لا تنتبه إلى صراخ أنس او أيتن الذي هالها جنون الوضع في أسرتها وانهيار أخيها فشاركته تلقائيًا البكاء.-كفاية اسكتوا كفاية!جلجل صوت سهيلة المكان ما ان خرجت من الحمام مرتدية ملابسها فوق جسدها المبلل، لا تصدق جنونهما الذي وصل إلى أقصاه، ركضت نحو حفيدها الصغير تحتضنه في صدرها هاتفة فيهما باتهام:-خلاص بقيتوا معدومين الأحساس، حيوانات عايزة تاكل في بعض ومش حاسسين باللي حواليكم!بس يا بابا أهدى يا حبيب تيتا مفيش حاجة هتحصل!وجهت جملتها الأخيرة لأنس الذي تتقطع انفاسه من كثرة البكاء، فرك طارق فوق جبينه يشعر بأن غضبه يسوقه نحو الفشل لأنه كان السبب في انهيار طفله، فقال يشعر بتأنيب الضمير:-أهدى يا أنس يا حبيبي، أنت مش هتمشي من هنا متعيطش!-متخافش يا حبيبي أنت هتفضل عايش معايا.حاولت خديجة الاقتراب فلكزتها سهيلة تبعدها عن حفيدها قبل ان تنظر لهما شزرًا، باصقة كلماتها في خيبة أمل:.-أنتوا حقيقي فاكرين ابنكم منهار عشان عايز يعيش مع حد فيكم مش مع التاني؟انتم أهل أنتم، انتم مسئولين انتم، لا مستحيل أنتم حتى مش حاسيين بالنعمة اللي ربنا كرمكم بيها ومبهدلين العيال معاكم.صمت كلًا من الزوجين عاجزان على الرد وكلماتها تضربهم كأبوين في مقتل لكنها لم تكتفي ورفعت ذقن حفيدها تتساءل في حنو بالغ:-أنس يا حبيبي، أنت بتعيط عشان عايز تعيش مع ماما ولا مع بابا!هربت من عيناها قطرات متتالية يشعر بالخوف من أن يلتقط انظار ابويه فيشعر بخيبة املهم من اجابته، فرغبته مختلفة مكروهة بالنسبة لهم لكنه همس في خفوت طفولي:-عايز أعيش معاهم الاتنين سوا، مش عايز أبعد عن أي حد منهم أنا بحبهم الاتنين أوي.انهى جملته ثم انهمر في البكاء يختبئ في صدر جدته التي تحارب ذرف دموعها قبل ان تحول سوداوية نظراتها إلي طارق تليه خديجة قائلة في حرقة:.-انت لا تعيش مع بابا ولا تعيش مع ماما، أنت تفضل في حضني انا دول ما يستحقوش دمعه من عينك او انك تقولهم بابا وماما،دول همج ورعاع لايقين على بعض!رفعت حفيدها بين ذراعيها رغم ثقل وزنه قبل أن تصرخ في أبنتها آمره:-هاتي البنت من أيدها ودخلهالي جوا!اتجهت مرام تحمل الصغيرة منها وقد سهل مهمتها التيه المسيطر على خديجة التي وقفت بينهم مهتزة غير مدركة لما يدور حولها.-وانتوا اتفضلوا...قالت سهيلة وهي تدفع ابنها وزوجته في آن واحد نحو الباب هاتفة:-برا، كملوا خناق برا مش في بيتي ومش قدام أحفادي، برا...تحرك كلاهما مع دفعاتها دون أي مقاومة حتى أغلقت الباب في وجهيهما، وقف الاثنان يطالعان الباب كالمغيبين وقد نجحت كلماتها وما حدث في جمع هموم العالم وألقائه في قسوة فوق اكتافهم.تحرك اولًا واتجه نحو الدرج في خطوات بطيئة يجلس فوق أحد درجاته، بينما ظلت هي تنظر للباب وكأن ما حدث كان كابوس وسينتهي في أي لحظة، زفر طارق واخرجها صوت استغفاره من ثباتها فوجدت نفسها تلتفت حول نفسها ثم تحركت في بطء شديد نحو الدرج مستقرة في هدوء بالغ إلى جواره.كان الاثنان ينظران للأرض في خجل تلميذ ألقى عليه القبض مذنبًا وترك وحيدًا كي ينال العقاب، ساد الصمت طويلًا قبل أن يدير طارق رأسه نحوها متسائلًا في نبرة منخفضة خجلة:-بوخنا أوي مش كده؟هزت رأسها للأعلى والأسفل لا تزال تنظر للأرض وكأنها تحفرها مستخرجة الذهب الأسود، مرت ثوان قليلة قبل أن يشق الهدوء من حولهم صوت بكاءها، رفعت كفيها تخفي وجهها وتركت قلبها الممزق يفرغ شحنته فقد شهدت للتو فشلها ونتائج قراراتها الأنانية.-أنت عندك حق، أنا أم مهملة وفاشلة، أنا السبب في اللي بيحصل لولادي ده.أغمض طارق جفونه في حزن وذنب قبل أن يرفع كفه يربت فوق ظهرها في حنان واهتمام حقيقي مؤكدًا لها:.-الغلط مش عندك، أنتي عملتي اللي عليكي وزيادة، انا السبب في كل اللي بيحصل ده،لو اعترفت بغلطتي زي الخلق من الأول مكناش وصلنا لكل ده!مالت في بطء وسط بكاءها تستند برأسها فوق كتفه هامسة في إرهاق حقيقي وأنفاس متقطعة:-وأنا اللي فضلت اعاند واولوياتي اتهزت مع اول مطب.-صدقيني يا خديجة، أنتي احسن ام وزوجة ممكن انسان يتمناها.صمت لوهلة يحاول ترتيب افكاره قبل أن يحيط بذراعه حول كتفيها يثبت رأسها في صدره معترفًا بما يجول في نفسه:-أنا بعتذر على الكلام اللي قولته، أنا عارف اني جرحتك بس انا مجنون بيكي واللي حصل مني ده كان رد فعلي تلقائي لما حسيت انك هتفلتي من إيدي،مكنتش عايز أضعف أنا الأول واتراجع وفاكر اني هضعفك لو جيت عليكي وبينت اني مبقتش بحبك،كنت فاكر أنك بالطريقة دي مش هتقوي عليا وهترضي ترجعيلي.-وأنت زعلان عشان يوم ما لقيت قوتي خدتها من حبك ليا!رفعت رأسها تخبره في نبرة حزينة مليئة بالعتاب، فزفر من جديد في خجل من التخبط الذي تملك أفعاله السابقة مؤكدًا في صوت أجش تغلب عليه مشاعره:-أنا عارف أنك كنتي رامية الدنيا وكل حاجة بتحصل بينا في ملعبي عشان متأكدة اني بحبك ومستحيل اتخلى عنك،كنت حاسس بغيرة وحقد وضعف انك مرتاحة البال وانا بس اللي النار بتنهش في قلبي ليل ونهار.حرك أنامله في بطء يطبق على كفها في خجل قبل أن يرفعه ويطبع فمه عليه في قبلة حانية مشبعة بتأثره هامسًا:-أنا أسف على كل حاجة خليتك تمري بيها!ارتعشت شفتيها تشعر بأن الحياة تدب من جديد في أوردتها مستشعره كلماته وهمساته واعترافاته داخل وجدانه ثم همست في تلقائية صادقة:-أنا كمان أسفة أكتر مما تتخيل.تعلقت نظراتهم الحزينة ببعضهما طويلًا فقد تمادى كلاهما في العناد متناسيين أن العنيد هو أول الخاسرين، انقطع الوصال بينهما عندما انفتح باب شقة والدته، فجذب كلًا منهما يده بجواره بأعين متسعة كالمذنبين، كلاهما يشعر بالخجل من ذويه بعد ما حدث في الداخل.-ماما مستنياكم جوه وبتقولكم اللي صوته هيعلى هتطلع روحه بإيدها هي ما صدقت تهدي العيال.أخبرتهم مرام وهي ترمقهم بنظرات غاضبة، فاستقام طارق أولًا وهو ينظف حلقه قبل أن ينظر إلى خديجة المضطربة ويمد كفه نحوها، تنهدت خديجة مخرجة انفاسها المهتزة ثم بثقه عالية مدت ذراعه تاركه له جذبها حتى تستقيم!
نوفيلا إلا طلاق المعتوه للكاتبة دينا ابراهيم الفصل السابع والأخيروقفت خديجة تقلب الطعام داخل الأواني الموضوعة على نار الموقد وكل عقلها وتفكيرها منصب على كلمات سهيلة والدة طارق لهما منذ يومين، فقد اعطتهم مهلة سبعة أيام متوقعة أن يترك فيها كلاهما العناد والكبرياء، مرتبين فيها الأمور في عقولهم على أمل اتخاذ قرار نهائي وحاسم بشأن وضعهما السخيف الذى طال، تنفست في حرارة وهي تتذكر كلماتها الأخيرة المتهمة:.-واعملوا حسابكم مش هقبل بأي قرار يمس حياة احفادي، ومش هسمح ليكم تدمروهم،ولو وصلت أني أخدهم وأنا اللي اربيهم ويبقى عليه العوض في أبوهم وأمهم.نظرت إلى طفلتها التي تلعب بالأواني على باب المطبخ في آسى وندم ثم ضغطت على رأسها تحاول عدم الغرق في التفكير أكثر فقد غرقت اليومان الماضين في تفكير لا نهائي تختص فيها حياتها ومصائبها، حتى أنها لم تذهب العمل من وقتها طالبة بضعة أيام راحة.شعرت بدوار طفيف وهي تتنقل في أرجاء المطبخ لكنها تجاهلته كالعادة، فعقلها مشغول بأمور أهم كالندم، والأسف، وترتيب الأولويات ، هاجمها من جديد ألم في الرأس أجبرها على التنفس خلاله على أمل الخروج من شدته، حاربت رغبة جفونها المثقلة من أجل الانغلاق ولكنها أحست بالدنيا تدور بها روحها تسحب من أنفاسها ولم تشعر سوى بانزلاق جسدها مصطدمًا بالأرض قبل أن يتملكا السواد والصمت الحياة من حولها.خرج طارق من المرحاض بعد أن أخذ حمامًا ساخنًا، ووقف يرتدي أفضل ملابسه مقررًا إنه لن ينتظر حتى نهاية الأسبوع وأنه سيصعد لزوجته اليوم، عاكفًا على استرضاءها رافضًا أي رفض منها، حتى إنه قرر التنازل عن حقه في الاعتراض بشأن عملها، مقررًا اعطاءها مساحتها الخاصة فان كان العمل ما سيرضيها كي تعود له، سيتركه لها كي تشعر بالانتصار الذي لا يوازي شيء بجوار انتصاره بحيازة عائلته الصغيرة من جديد بين أحضانه وتحت رعايته.ابتسم رغمًا عنه فهو متأكد انها ستعود إليه وانها تعشقه كما يعشقها، فقد كان عتابهم على الدرج كافيًا وصريحًا ومرضيًا للطرفين، نظر إلى الساعة سعيد أنه نجح في الحصول على أجازه استثنائية لليوم وقد حرص على طلبها ما أن علم من شقيقته ان خديجة استطاعت الحصول على عطلة لمدة أسبوع كامل، مقررًا استغلال الوقت في صالحهما.دندن ألحان أحد الأغاني بينما يعدل خصلاته بعنايه أمام مرآته إلى أن انتبه أخيرًا لصوت صرخات طفله صغيرة، توقف عن الدندنة عاقدًا حاجبيه في تركيز قبل أن تنفرج مقلتاه في ذعر عندما ميز صوت صرخات أيتن الصغيرة.لم يتردد ثانية وهرع راكضًا دون اهتمام للأثاث المعترض لطريقه أو بالطاولة التي انزاحت من قوة اصطدامه بها أو حتى صوت الزجاج المحطم الذي دوى المكان من خلفه، فتح الباب وصعد سريعًا وهو يحارب للوصول لأعلى وصرخات صغيرته تقترب وتقترب.طرق فوق الباب فورًا بجنون هاتفًا في صوتًا عالي:-خديجة، افتحي الباب، خديجة!وضع أذنه فوق الباب يستمع لصرخات طفلته المستغيثة التي لم يسمعها تخرج مثلها من قبل واتسعت عيناه في رعب حقيقي عندنا سمعها تنادي ماما وسط بكاءها الطفولي المذعور، حاول التصرف وبدء في تقدير المسافة التي تبعد فيها طفلته عن الباب فصوتها يخبره انها بعيدة ولكنه صرخ محذرًا على أي حال:-أيتن ابعدي عن الباب عشان متتخبطيش، انا جايلك بسرعه متخافيش!انهال على الباب بخبطات متتالية وهو يلعن غباءه الذي جعله ينصاع لها ويعطيها المفاتيح الخاصة بمنزله كي تشعر بالخصوصية، ضربة اخيرة وانفتح على مصرعه رغم محاولته في الإمساك به خوفًا من أن يطيح بطفلته ان اقتربت، ركض بعدها مذعورًا يتتبع بكاء طفلته في المطبخ وكاد يتوقف قلبه عن الخفقان وهو يرى زوجته الشاحبة ملقيه على الأرض دون حراك.ركض يجثو جوارها يهزها في جنون ثم استقر برأسه فوق صدرها متنفسًا الصعداء عندما وصلته نغمات قلبها الخافت في ضعف.-خديجة، فوقي، انتي سمعاني.وقف يحاول تطويق طفلته يبعدها عنها لكنها تمسكت في عناد وخوف كبير بطرف ثوب والدتها رافضة الحراك بعيدًا عنها فقال في توتر بالغ:-اهدي يا ايتن ما تخافيش ماما كويسه.انهى جملته لكن كل انتباهها كام مصوب فوق والدتها التي ترفض فتح عيناها ولا تفيق، جذب قنينة ماء من البراد وعاد جوار زوجته يرش الماء في وجهها.رمشت خديجة عدة مرات تحاول إدراك أين هي وماذا يحدث من حولها فكل ما يصل أذنها هو صوت أنين طفلتها الهستيري، حاولت فتح جفونها لكنها شعرت بالضعف وبذراع قوي يرفع جذعها العلوي في حنو قبل أن يصلها صوت تعشقه يهمس جوارها:-اشربي يا حبيبتي.شعرت بالماء على شفتيها فأخذت تتجرع في بطء ثم هزت رأسها مبتعدة عند الاكتفاء ثم رفعت كفيها تضم طفلتها إلى صدرها هامسة في ضعف تحاول طمئنت قلبها:-متخافيش يا ايتن، انا كويس.-بس يا حبيبة بابا، بصي ماما بقت كويسة ازاي، دي كانت نايمه بس.قال طارق في رقة بالغة بعد أن استقر بجسده خلف جسد زوجته يجبرها على الاعتدال والاستناد فوق صدره، أخذ يربت على ظهر صغيرته التي توقفت عن البكاء تدريجيًا وبدئت تلتقط أنفاسها، ثم ترك لخديجة مهمة طمأنتها وزاد من ضم زوجته نحوه هامسًا في قلق:-أيه اللي حصل ده!هزت رأسها تمحض قلقه وتمتمت في ضعف:-تقريبًا ضغطي وطي عشان بقالي يومين مش بنام.-ومش بتنامي ليه يا عيوني؟سألت معاتبًا في خفة وهو يلامس وجنتها في رقة، فأجابت في استسلام:-كنت بفكر فيك وفينا...استقر بأنفه بين خصلاتها يستنشق عطرها الذي صار كالإدمان بالنسبة له قبل أن يصرح في حب وصدق بالغ:-أنتي عارفة انك صفيتي دمي واني عايز أخد مكان أيتن بس مش قادر، مش كده؟مالت رأسها للخلف تطالع مشاعر حبه المنبثقة من عينيه ثم رفعت كفها الأخر للخلف تلامس وجنته وذقنه النامية هامسة:.-وأنت عارف أن أنا بحبك ومش قادرة أكمل من غيرك، مش كده؟ملئ صدره بنفس عميق محمل بعطر أنفاسها في رضا ثم مال يقبل أعلى رأسها متوسلًا في استسلام:-عشان خاطري يلا نرجع زي ما كنا أنا وانتي وولادنا، ونرجع نعمر بيتنا من تاني،ولو على الشغل أنا مش هطلب منك تسبيه، وكل اللي هتطلبيه مني مجاب بس بلاش بُعاد من تاني!غمرتها سعادة قوية قبل أن تبتسم راضية بكلماته ثم هزت رأسها في موافقة هامسة:.-احنا رجعنا لبعض أصلًا، أنا مش هسيبك تطلع من هنا.سند طارق برأسه فوق جبينها قبل أن يقبل جبينها مرات متتالية لا يستطيع التعبير عن الرضا والسلام الداخلي الذي غمره مع موافقتها وكلماتها وقد شعر بأن روحه التي انتزعت منه تعود إليه من جديد، اقترب يستقر بشفتيه فوق شفتيها الجافة الصغيرة لكنه انتفض عندما سمع صوت والدته المرتعدة وخطواتها المبعثرة حتى ظهرت أمامهم تطالعهم في ذعر متهمة إياه:-أنت هببت أيه تاني!حرك طارق رأسه في خيبة أمل واعتراض من هجومها الدائم عليه قبل أن يخبرها في نبرة مغتاظة:-ليه دايمًا أنا السبب مش فاهم!-عشان أنت جلاب المصايب!هتفت في غيظ من سخافته وهي تلقي بأكياس البقالة في وجهه قبل ان تجثو جوار خديجة متسائلة في قلق جلي:-مالك يا بنتي، عملك أيه قوليلي!ضحكت خديجة مجيبة في خفوت:-معمليش يا ماما، أنا دوخت شوية ومحستش بنفسي!-لا ازاي زودي شويه ساسبينس عشان ترتاح!تدخل طارق في تهكم مغتاظًا من تصرفات والدته فقالت في غضب:-أعملك أيه، نزلت أشتري حاجة من السوق رجعت لقيت باب الشقة مفتوح على وسعه والفازة متفرفته مية حته،طلعت اجري على فوق لقيت باب الشقة مكسور وخديجة مرمية على الارض...قاطعها مستكملًا في سخرية السيناريو المحتمل في رأسها:-فأنتي قولتي بقى اني فشفشت الفازة تحت على دماغ خديجة، وطلعت كسرت بيها الشقة وكملت عليها في المطبخ!علت ضحكات زوجته رغم الوهن الذي يتملكها بينما لكزته والدته في غضب مزمجره من بين أسنانها:-إنسان سخيف مستفز، وأنت سايب البنت على الأرض كده ليه ما تتنيل تهز طولك وتدخلها الأوضة!قالت وهي تستقيم وتتجه لحمل أيتن ألا ان الصغيرة تأوهت في رفض رافضة ترك والدتها فضمتها خديجة لها أكثر مطالبة:-سبيها يا ماما معلش هي خايفة!استقام في خفة ثم رفعها بسهولة هي وطفلتها متجهًا بها للغرفة حيث وضعها ببطء ورقة فوق الفراش، حاولت والدته من جديد استماله الطفلة ولكن أوقفتها خديجة في إصرار:-سيبيها يا ماما أنا محتجاها في حضني!نظرت إلى طفلتها الممسكة بها وزادت من عناقها تستشعر مدى الارهاق العاطفي والنفسي التي مرت به بسبب ما حدث.-طيب حاولي تنامي وترتاحي يا حبيبتي وأنا هستنى أنس لما يجي.التفت إلى أبنها متعجبة من وقوفه جوارهم حتى الآن، فأشارت له في صمت كي يتبعها لكنه أبى حتى لكزته في الخفاء تحاول إجباره على التحرك كي لا يزيد من تعب وارهاق خديجة بوجوده لكنه همس متوجعًا:-أه يا ماما بتقرصيني ليه؟انا هفضل معاها وهاخد بالي منها.كادت تصفعه على وجهه من شدة الغيظ ولكن أوقفها صوت خديجة الناعم تخبرها:-احنا اسفين على كل اللي خليناكم تمروا بيه بسببنا يا ماما بجد متأسفين من كل قلبنا،.وحبينا نقولك اننا قررنا نرجع لبعض خلاص!انفرجت أساريرها وهبت تزغرد في قلب الغرفة دون توقف قبل أن تلتفت وتلكم أبنها في صدره مزمجره في حقد:-وأنت كنت مستخسر تقولي وتطمن قلبي يا بوز الأخص!-لا ماما كده كتير، أنتي تنزلي عشان أنا تعبت.قال وهو يدفعها ممازحًا للخارج ولكنه لم يستطع كبت ابتسامه سعيدة راضية وقد وصلته صوت نغمات ضحكة أهم امرأتين في حياته.تململت خديجة في الفراش وقد استيقظت بعد ساعات قليلة ولكنها كانت كافية لإشعارها بالراحة وكأنها حصلت على مئة عام من النوم، فتحت عيناها ببطء متوقعه الالتقاء بجسد صغيرتها ولكنها التفت بعيون زوجها البنية المشعة بالحب حيث يستلقى جوارها وجهًا لوجه.هبطت نظراتها نحو أنامله المشبوكة في قوة مع أناملها ثم سألت في نبرة مخلوطة بأثار النوم:-أومال أيتن فين؟-مع أنس وماما تحت، صحيت من شوية ومرضتش اخليها تصحيكي فنزلتها.رد في بحته الهادئة رغم خشونتها فاكتفت بتحريك رأسها وقد شعرت بالخجل يطغي على وجنتيها وكامل وجهها، ضحك في خفة قبل أن يشاكسها في ندم:-مكسوفة ليه؟كان على عيني والله بس امي قالتلي اديكي أجازة انهارده.كادت تخرج عيناها من مقلتيها في ذهول لا تصدق أنه قد يتحدث مع والدته في هذا الأمر ولكنه أنفجر ضاحًا مؤكدًا:-تعبير مجازي يا ماما متقلقيش،.أنا بس اللي عندي دم ونظر شوية شويتين تلاته كده،لكن بكره لن أرحم أحد!أكد جملته بملامح ما بين الجدية واللعب، فعضت شفتيها في خجل قائلة في لهجتها المشاكسة التي تثير جنونه:-مجنون بس بحبك!-وأنا حبيتك وبحبك ومش هبطل أحبك.-أنا مش هكمل شغل على فكرة، وقبل ما ترد لا مش هقعد من غير شغل ابدًا،مبدأ الشغل موجود وهدور على حاجة انسب ليا لكن حاليًا أنا محتاجة شهور أسترجع فيها نفسي وبيتي.انهت جملتها واثقة من قرارها وهي تمسك بنظراته المتعجبة من التحول في قراراتها فسأل في توجس:-لو بتعملي كده عشان فاكرة انك هتراضيني...قاطعته وهي تضع كفها فوق فمه تُسكته، مردفه في جدية:-لا خالص أنا مستحيل أتخلى عن الشغل لاني محتاجة أحس بنفسي وبصمتي وبوجودي،المشكلة كلها فيا، موضوع الشغل جديد عليا، شوكتي طرية من الأخر ومجهودي مش كافي،من الأخر انا هشتغل لكن لما ألاقي الشغل المناسب ليا.انهت جملتها دون تعمق في هواجس سابقة كانت كوقود لعنادها وغباء قراراتها فطوال الوقت السابق كانت تظن أن رغبتها في العمل نابعة من وسواسها القهري من رئيسته السابقة ميري لكنها اكتشفت انها سعيدة وتحب تجربتها العملية فهي تفتح لها آفاقًا جديدة في نفسها.لكنها بغبائها جعلت في ميري رمزًا ومحركًا تخط به حياتها الجديدة حتى إنها في وقتً ما استمدت أسلوبها في مواجهة الحياة وغيرت من شكل ملابسها محاكاةً لها وكأنها ستصبح بشكل ما أقوى ومرغوبة، لكنها دون ان تدري كانت تضعف نفسها أكثر وأكثر، ففي النهاية كانت قوتها الحقيقة مستمده ونابعه من حبه لها.تابع طارق في صمت تقلب المشاعر داخل عينيها حتى استقرت بنظرتها المحبة نحوه، فلم يسأل مكتفيًا بحركة من رأسه في موافقة على رغبتها السابقة راضيًا انه لم يتسبب في أي ضغط نفسي من نوع ما عليها، حتى انه عرض عليها في حماسه وقد تذكر امرًا ما للتو:-أنتي ممكن تبدئي شغل من البيت، أعرف زميلي مراته بتشتغل كده،أنا ممكن أخليكم تتواصلوا يمكن يجي معاكي سكة.كانت تطالعه في حب وشوق وتلقيه بابتسامتها الواسعة وكأنها تتسأل كيف استطاعت امتلاك ذلك القلب الأبيض، أبعدت انظارها عنه قبل أن تتنهد وتقترب منه مستقرة في أحضانه بشكل كامل، هامسة في شوق حارق:-وحشني حضنك!-آآه، أبوس إيدك كفاية، أنتي معندكيش أخوات رجالة، حسي بيا، يحس بيكي ربنا.علت ضحكاتها وهي تزيد من الاختباء في أحضانه مستنكرة:-كنت عارفة انه لا على فكرة!-ده بعينك على فكرة...طبع قبلة طويلة فوق ثغرها المرحب بأشواقه العارمة وحبه الأهوج لكنه ابتعد عنها تسيطر عليه رغبه أكبر في الغرق داخل عينيها فظل ينظر إليها في حب كبير قبل أن يقطع الصمت من حولهما متسائلًا في مشاغبة:-عارفة أيه أكتر حاجة مجنناني ومزولاني دلوقتي؟نظرت في تساؤل بينما تحرك رأسها بالنفي فاستكمل بعيون ضيقة:-هموت وأعرف ابنك لما باس البنت ضربها بالقلم ليه!ما أن انهى جملته حتى خطفهما الضحك دون توقف، كانا يضحكان ويضحكان كالمعاتيه بل وكأنهما امتلكا جميع الجاه والأنعام في العالم، كان يكفي أن ينظر أحدهم إلى عيون الآخر كي يجد سببًا للسعادة المنبثقة من قلوبهم ومبررًا للضحكات الهاربة من شفاههم.تمتنهاية الروايةأرجوا أن تكون نالت إعجابكم