رواية لمن يهوى القلب الجزء الثاني (بعنوان: مذاق الحب والألم) بقلم فاطمة حمدي الفصل العاشر
مرت نصف ساعة تقريبًا حيث وصل حــازم أخيرًا إلى القصر ودخل راكضًا إلى زوجته ..التي كانت تنتظره في بهو القصر وتقوم بالمشي ذهابًا وإيابًا .. اندفعت إليه ما أن رأته يقبل عليها،فعانقها بتلهف واشتياق شديدين وأخذ يربت على رأسها مرورًا بظهرها مع همسه الحنون: -حبيبتي.. متخافيش ..أنا معاكي أهو إن شاء الله خير متخافيش ..
كانت تبكي بألم لكنها اطمئنت ما إن بث داخلها هذه الكلمات ..أما هو فضمها بقوة إليه مرة ثانية ..ضمة أخبرتها بمدى اشتياقه لها ..بينما يقبل وجنتها عدة قبلات متتالية ويتنفس رائحتها التي اشتاق لها ..ثم يقول بصوته الأجش: -تعالي معايا .. سألته وهي تسير معه ببطء: -هنروح فين أنا مش قادرة اتحرك ..
-على أقرب مستشفى طبعا ..متخافيش أنا جنبك .. سارت معه باستسلام وسلام وهي تتأبط في ذراعه ويديها تتمسك به جيدًا ..خرج بها من القصر ووقف على قارعة الطريق فمرت سيارة أجرى كُتب عليها -تاكسي- ليشير لها على الفور ويدخل زوجته برفق ثم يجاورها وتنطلق بهما السيارة ..على أقرب مستشفى بالفعل .. وهناك أخبرهما الطبيب الذي قام بفحصها أنها بالفعل لحظة الولادة... ولابد من إجراء عملية قيصرية...
في منزل السيدة سميرة كان -علي- قد ارتدى ملابسه وأصبح جاهزًا للذهاب إلى عمله، لكنه التفت إلى زوجته وقال قبيل أن يتحرك: -هخلص شغل وبعدها هاجي أخدك ونروح للدكتور يا حبيبي تمام؟ أومأت برأسها في طاعة وقالت بخفوت: -تمام يا حبيبي ..
ابتسم لها وراح يمنحها عناقاً خاصا،ثم طبع قبلة حانية فوق جبينها وهو يقول باهتمام: -خدي بالك من نفسك ارتاحي في السرير متقوميش عشان الدوخةة.. -زهقت من السرير مش هفضل أكيد أفضل فيه طول اليوم يا علي .. علي وقد تابع بصبر: -لازم تتعبيني في كل كلمة؟, مافيش حاجة عندك إسمها حاضر ؟
ردت عليه متذمرة: -أنا بقولك حاضر على طول ..يا علي -فين دا؟ كل حاجة بتجادلي فيها وتناكفيني ! راحت تتعلق بعنقه مبتسمة: -بس في الآخر كلامك هو اللي بيمشي أعمل إيه بقى بحبك يا سيدي .. -طيب يا بكاشة ..يلا بقى هتأخريني .. -متتأخرش عليا يا علي .. هز رأسه موافقًا وقال وهو يبتعد عنها متوجهًا إلى الخارج: -حاضر ..
أعدّت "رغــدة" الفطار الخاص بذلك المدعو زوجها قبيل أن يذهب إلى مقر عمله ليقول سعيد بحدة كعادته: -الشاي بسرعة .. زفرت رغدة باختناق وذهبت لتعد الشاي كما أمر ...عادت له بعد قليل وهي تحمله بينما تقول بضيق: -اتفضل .. ثم جلست أمامه وقالت بجدية: -بس بقى يا سعيد أنا عاوزة أبعد عن الناس اللي هنا دي مراتاتك الاتنين وولادك خصوصا بنتك الحرباية سامية دول لما بيحبوا يضايقونكي بيجبوهالي تضايقني بجد قرفت..
وما كان من سعيد إلا أن قال بانزعاج: -لما تتكلمي عن بنتي تتكلمي عدل فاهمة ولا افهمك يابت؟ -بت ؟, أنا مراتك يا سعيد على فكرة ..! -أيوة بت وحتة بت متسواش كمان ..كل اللي همك فلوس أنا عاوزة عاوزة طماعة وتقرفي ...أنا اتجوزتك يا حلوة عشان تطعيني مش عشان كل شوية تعمليلي مشاكل مع مراتاتي وولادي أنتِ هنا زيك زيهم مش أعلى منهم ولا هما أعلى منك فاهمة؟
-بس ولادك ومراتاتك دول يا سعيد بيهنوني ! هتسكتلهم؟ قال بلا اكتراث: -اتعدلي معاهم يتعدلوا معاكي دا اللي عندي ! ثم نهض ما أن أنهى الكلام الجارح، فتساقطت دموعها واحدة تلو الأخرى وهي تقول بألم: -يارتني كنت سمعت كلامك يا حازم !
أخذ يسيــر حـازم ذهابا وإيابا في ممر المستشفى ينتظر خروج زوجته من غرفة العمليات بأعصاب تحترق من شدة القلق، يدعو الله كل ثانية ويتوسل ..يستغفر كثيرا .. أقبل عليه السيد فاخر وحرمه سهيـر حيث أنه قام بإخباره عبر الهاتف ووصف له عنوان المستشفى هذه ..راح يتساءل فاخر بقلق شديد: -طمني يا حازم ساندرا عاملة إيه؟ حازم وقد قال بهدوء رغم قلقه: -جوا لسة مش عارف حاجة.. -بقالها كتير جوا ؟
-ربع ساعة بس .. بينما قالت سهير باحتقان:: -ومين قالك تتحرك بيها من القصر وإحنا مش موجودين؟ نظر لها حازم بحدة مع قوله: -نعم؟! -أيوة بقى دي مستشفى بنتي تولد فيها؟, الرعاية فيها مش ممكن هتكون كويسة، إزاي ساندرا ماتصلتش علينا احنا عشان أكيد كنا هنوديها أغلى مستشفى عشان صحتها طبعا !
كتف حازم كلتا يديه خلف ظهره ..ثم قال وهو ينظر لها من عليائه: -آه ! ..لأ بصي حضرتك انتي فاهمة غلط خالص والله ..مراتي دي تخصني وأنا اللي مسؤول عنها دلوقتي.. المستشفى دي مقدرتي ..وفيها رعاية وفيه رعاية أعلى من المستشفى بكتير يا هانم ..رعاية ربنا اللي أكبر من أي طبيب واي ممرضة تمام ! نظر السيد فاخـر إلى زوجته بضيق، ثم عاد يتكلم مع حازم بجدية: -معاك حق وكل حاجة يا حازم، بس يابني إحنا ربنا موسعها علينا هنضيقها على بنتنا ليه بس!
أردف حـازم بجمود: -أنا عارف إن ربنا موسعها عليك يا فاخر بيه، وأنا فعلا فقير بس اقدر أكفي مراتي وأقدم لها كل احتياجاتها،بعد إذن حضرتك مراتي أنا هتكفل بيها وبكل مصاريفها ومش هقبل جنيه واحد من أي حد ! أنهى حـازم كلامه واتجه إلى آخر الممر مبتعدًا عنهما، بينما قالت سهير ساخرة: -هيتكفل بيها ! ليقول فاخر محتدًا: -حطي لسانك دا جوا بؤك واخرسي خالص !
-ماهر ..يا ماهر ! هكذا نطقت چنا وهي تنادي على زوجها الذي لبى ندائها على الفور واتجه إليها قائلا: -نعم يا چنا ؟ أغلقت باب الغرفة ومن ثم سألته بضجرٍ: -إيه يا ماهر هي مامتك مش هتروح ولا إيه؟ تغضن جبينه بينما يقول باستغراب: -بتسألي ليه؟, وليه بتتكلمي بالأسلوب دا ؟!
-عشان عاوزة أخرج يا ماهر أروح أزور ماما ومش عارفه أنزل إزاي من والدتك ! ماهر بضيق شديد: -يعني خلاص سبتي الأيام كلها وجاية تروحي عند ماما النهاردة؟ في اليوم اللي أمي موجودة فيه ! چنا بضيق مماثل: -يا سيدي وحشتني أعمل إيه يعني ؟!
صر على أسنانه مقتربًا منها وقد قال بعنف: -تحترمي نفسك ..وتوطي صوتك يا هانم لأمي تسمع وتزعل ..إيه دا اللي عمالة تخرفي بيه اتجننتي في عقلك ؟! -اتجننت عشان عاوزة أزور أمي ؟ -لأ عشان قليلة الأدب وأنا ملاحظ من بدري إنك متضايقة منها بس كنت بكدب نفسي واقول أكيد احساسي غلط !, إيه رأيك مافيش نزول ؟, وكمان أنا مسكت فيها تبات معانا !
چنا بصدمة: -هتبات ! -آه ولو مرحبتيش بيها وشلتيها على راسك والله العظيم هزعلك جدًا ..وهتشوفي وش عمرك ما شوفتيه في حياتك كلها !
كانت ملك تمشي في حديقة القصر ..تتجول فيها بضجر شديد ..هذا القصر الآن يمثل لها سجن حقيقي ..لم تحبه يوما ..تشعر دائمًا فيه بالغربة ..ولكن أين المفر ؟! وهو قد وضع حراسة مشددة لأجل ابقائها بالداخل ..لكنها تجد الحياة هنا من المستحيل مازالت عند قرارها ..ستخرج من حياته حتمًا. ها هو يعود من عمله ..يتجه نحوها بتمهل ..فأخذت تبعد تلقائياً وهي تحدث نفسها: -هو رجع ليه من الشغل ؟!
اقترب منها وراح يجذبها إليه بحركة فجائية مع قوله الصارم: -بتبعدي ليه، كل ما أقرب ؟! مش كفاية بقى ذل فيا يا لوكا ؟! لم تنظر إلى عينيه المحاصرتين لها ..وقالت بحدة بالغة: -ذل ؟! ضحكتني والله ..الذل دا إحنا نتعلمه منك ! -قلبك أسود على فكرة ..طب أعمل أيه ؟, بتمنى رضاكي وجتلك مسلم أعمل إيه قوليلي ..وياريت تقولي أي حاجة غير الانفصال ..
زفرت وحاولت الابتعاد لكنه لم يمهلها لحظة ..وقال بإصرار: -مش هسيبك .. أنتِ عارفة؟, أنا سبت شغلي عشان أنتِ مسيطرة على تفكيري قلت مبدهاش بقى أروح البيت وأخدها حضن مطارات .. ابتسم وهو يراها ترتبك ويغزوها الخجل منه ..لكنها قالت بعتاب صريح: -على أساس إيه ؟!, أنت طلقتني ورمتني يا أدهم ..رمتني ! أنا مش قادرة أنسالك اللي عملته فيا ! أدهم بنفاد صبر؛
-كنت حمار ..أنا غلطان وحمار كمان مرة ..سامحيني بقى .. ! كتمت ضحكة كادت تخونها وتنطلق منها ..فضحك وهو يضمها إليه مع همسه: -آسف والله ..صدقيني كانت لحظة غضب ومستحيل أقررها روحي تطلع الأول قبل ما أسيبك تاني .. فما كان منها إلا أن استسلمت لعناقه الحنون ذاك ...
أستاذ حازم ...أستاذ حـازم ! كان هذا نداء الممرضة التي خرجت لتوها من غرفة العمليات وهي تحمل طفلته الصغيرة بين ذراعيها، سار حازم نحوها يتلهف وهو يزدرد ريقه بصعوبة ..اقتربت منه الممرضة وناولته المولودة بابتسامة عريضة مع قولها: -بنوتك نورت الدنيا يا استاذ اتفضل ..
خفقة عنيفة ضربت قلبه فبعثرت مشاعره الأبوية وهو يحملها برفق وخوف شديدين ..يبتسم لا إراديًا وتدمع عيناه بلا وعي منه ..ذاك شعور لا يوصف ... لا يعرف ما الذي أصابه مع النظر إلى إبنته ..وكأنه يرى نورًا يضئ له كل عتمة في حياته .. أسرعا فاخر وزوجته ينظران إلى الطفلة بابتسامة متسعة ..ويرفعها حازم إلى فمه مقبلا إياها بشغف وهو يتأوه بلهفة ..ثم يُكبر في آذنيها بصوت هادئ مهزوز يغالبه البكاء..
بعد قليل حملها منه الجد فاخـر ومسح حازم دمعة يتيمة هبطت على وجنته لا إراديًا ثم ولج إلى غرفة زوجته ليطمئن عليها ..انحنى عليها ما إن دخل الغرفة وقال بنبرة عاشق: -ألف مليون سلامة يا حبيبتي .. ابتسمت له ساندرا ..وقالت بخفوت وإرهاق: -الله يسلمك يا حازم ..إومال فين البنت ؟ مسح على جبينها المتعرق ..وأخبرها بلطف: -مع جدها برا ..
نظرت إلى عمق عينيه اللتين اشتاقتهما بشدة ..لتسأله ببساطة: -شكلها إيه يا حازم .. حازم بابتسامة مشرقة: -نور ...وشها منور جدا ..ربنا يحميها .. ساندرا باسمةٍ: -الله .. حازم مبادلا إياها الابتسامة: -هسميها نــور
رواية لمن يهوى القلب الجزء الثاني (بعنوان: مذاق الحب والألم) بقلم فاطمة حمدي الفصل الحادي عشر
ظل ممسكًا بيدها وهو يجاورها على سرير المستشفى ..يتأملها بنظرات والهة تحمل الشوق بداخه ..وكأنه يخشى أن تبتعد عنه مرة ثانية ..ويخشى مواجهتها .. لكنها الآن تواجهه بندائها وهي تتابع تعابير وجهه المتألم: -حازم ! التقت عيناه بعينيها وهو يعلم سؤالها الذي صاحب ندائها... لكنه قال: -نعم يا ساندرا .. وكما توقع ..سألته بقلق: -وصلت لحد فين ؟..
بماذا يجيبها الآن ..سيخذلها مؤكدًا ..سيحطم أملها الضعيف .. وهي قد علمت الرد دون أن تنطق شفتاه .. لكنها راحت تسأل مجددًا بألم: -إيه يا حازم ؟, مش بترد ليه؟ لسة بتاخد السموم دي ؟
ازدرد ريقه وهو يهرب بنظراته من نظراتها ...لتقول ببكاء: -معقول يا حازم ..حتى محاولتش عشان خاطري! استسلمت للسموم دي وسبتني أتفلق ...! -لأ ! هكذا رد بعصبية ..وتابع: -لأ يا ساندرا حاولت كتير ..كنت بموت عشانك وعشان مش قادر أبطل ..صدقيني حاولت .. -وفشلت؟! فشلت يا حازم ؟!, وهتسكت بقى على كدا !
حرك رأسه نافيًا وقال بإصرار وصدق: -لأ ..مش هسكت ..أوعدك يا ساندرا -والمفروض أصدقك ؟, إزاي طيب إيه الضمان يا حازم ! تابع وقد نظر إلى إبنته النائمة جوار أمها: -بنتي ...بنتنا يا ساندرا ..هكون لها أب تقتدي بيه مش هخليها تطلع تلاقيني كدا ..أوعدك ودا آخر وعد ولو فشلت المرادي يا ساندرا أنا بنفسي اللي هاجي أقولك إبعدي عني وعيشي حياتك في سلام ..
تنهدت بصبر وهي تطيل النظر إلى عينيه الصادقتين ..ولأول مرة تستشف الصدق منهما ...في كل مرة كان يوعدها كانت تعلم أنه كلام ..مجرد كلام وسيتبخر مع مرور الأيام .. لكن الآن ! تشعر بصدقه وأن لإبنته بالفعل تأثير قوي عليه ..أو ربما كان غيابها سبب ! لا تدري لكنها ترى اليقين على التوبة في ملامحه وعينيه ! .. -بس ممكن أطلب منك طلب؟! قال ذلك بتوسل ..لترد بارهاق: -أيوة يا حازم ..
-ماتبعديش عني ..بلاش تعاقبيني ببعدك إرجعي معايا ... هزت رأسها موافقة وهي تمنحه ابتسامة صافية توحي عن سلامها الداخلي تجاه الآن .. مال عليها يُقبل جبينها بعمق وامتنان ..ثم انتقل إلى صغيرته يتمعن النظر إلى ملامحها التي تشبه ملامح زوجته إلى حد كبير ..ليتفوه بأملٍ: -نور ..
بعد مرور الوقت وصلت تمـارا ما إن أخبرتها والدتها بولادة شقيقتها إلى المستشفى.. وهناك قال فاخرا ضاجرًا: -أهلا يا تمارا إيه اللي جابك الساعة دي ! -في إيه يا بابي مالك ..مش لازم اكون جنب ساندرا في الوقت دا ! -آه لازم بس أنا عارف هتفضلي أنتي وامك تسموا في بدنها وبدن جوزها بكلامكم وهي أكيد مش ناقصة دلوقتي!
زفرت تمـارا بضيق كما تأففت سهيـر مستاءة من حديث زوجها ..لينهض قائلا بنفاد صبر: -أنا رايح الشركة أريح ..ابقوا طمنوني على ساندرا ..سلام .. تركهما وبرح المكان فورًا،لتقول سهيـر بغضب: -نفسي أعرف إزاي وافقت أتجوز واحد زي فاخـر متخلف وراجعي كدا ! حركت تمارا كتفيها معا مع قولها: -مش عارفة! تعالي ندخل لساندرا بقى ! -أوكى ..
طرقت الباب ثم ولجت منه تتبعها سهير ..راحت تمارا تهتف بابتسامة: -وأخيرًا بقيتي مامي يا بيبي .. اكتفت سانـدرا بابتسامة صافية، بينما تابعت تمارا: -هتخرجي امتى يا ساسو ؟ فردت عليها: -الدكتور قال بليل .. إن شاء الله.. تدخلت سهيـر آنذاك في الحوار الدائر لتقول بجدية: -أنا اتصلت هناك على الخدم وقلت لهم يجهزوا الأوضة كويس ويجهزوا كمان سرير للبيبي ..
أضافت ساندرا بهدوء: -أنا هروح على بيتي يا ماما معلش .. تمارا بصدمة: -إيه ؟, بيتك إزاي ! يابنتي والرعاية إزاي هتلاقيها سوري يعني هناك ..؟ لم يتكلم حـازم ..لم يهتم من الأصل حيث كان منشغلا مع فتاته الصغيرة يحملها برفق ويهدهدها .. أما سهير فتابعت بحنق: -بتعملي في نفسك كدا ليه؟, طب استني لما تبقي كويسة وبعدين إبقي روحي يابنت ! -معلش يا ماما سبيني على راحتي ..
-راحتك ؟! راحتك هناك معقول ! -أيوة يا ماما .. لتقول تمارا بحدة: -تمام يا مامي سبيها بقى على راحتها ..يلا بينا إحنا اظن ملناش لازمة هنا ! ساندرا بعصبية شديدة: -مالكوش لزمة عشان هروح بيتي؟ أنا نفسي أهم أنتِ اللي ليه بتعملي معايا كدا ! لم تهتم تمـارا بحديث شقيقتها كثيراً واصطحبت والدتها معها إلى الخارج ..
انسابت العبرات من عيني سانــدرا في صمت لتمتد أنـامل حـازم على الفور برفق تمسحهم وهو يقول بهدوء: -أنا اللي عملت الفجوة دي بينك وبين أهلك يا ساندرا ..ماكنتش أقصد بجد ..بس أنا حبيتك .. -الفجوة موجودة من زمان يا حازم ..! -بس زادت بسببي ..مظبوط ؟ أنهى جملته بقبلة على وجنتها، بينما تابعت هي بألم: -مافيش حاجة هتنسيني كل اللي أنا فيه غير إنك تتعافى من المخدرات ..ساعتها هحس إني سعيدة جدا .. -ما أنا وعدتك يا حبيبي ووعد الحر دين عليه ..
لاحقًا .. عندما تقابلت تمـارا مع شـادي في مكان عام ..لبى شادي الطلب في استغراب شديد وفضول .. ليسألها ما إن جلس على المقعد: -مش عادتك يعني يا تيمو تقعدي في مكان غير الديسكو ! -لاني عاوزاك في موضوع مهم ! شادي متسائلا: -موضوع إيه ؟!
تمارا ناظرة إليه بخبث: -اللي كان نفسك فيه يا بيبي نسيت ولا إيه ؟, المليون! تهلل وجه شـادي بينما راح يقول: -بجد؟! -طبعا ..بس طبعا هحتاج منك مقابل ..خدمة كدا صغيرة وأنا عارفة إنك قدها ! رفع شادي حاجبيه متسائلا مرة أخرى: -خير! خدمة إيه؟ اقترب تمارا منه ..وبالقرب من أذنه همست: -عاوزاك تقتل حد !
-نعم ياختي ؟! أقتل .. أنتِ اتجننتي ولا إيه؟! -هتبقى مجنون لو رفضت لأن المليون هيبقوا اتنين وتلاتة معاك لحد خمسة مليون في سبيل تعمل اللي هقولك عليه .. لمعت عيني شـادي وهو يسمع منها هذا المبلغ الضخم ..فليسمع ما ستقوله ربما تعجبه الخطة ! -قولي ؟! ضاقت عينيها ..بينما تخبره بهمس شيطاني: -واحدة إسمها ملك ! هقولك كل التفاصيل عنها وعاوزة اشوف شطارتك ...
خرجت ملك من حمام غرفتها وهي تلف نفسها بمنشفة كبيرة وشعرها المبتل يُقطر ماءً ..لكنها شهقت بصوت عالي عندما رأت أدهم جالسًا على الفراش بصمت ..وعيناه تفترسانها افتراس .. احمر وجهها خجلاً وهي تهتف به بضيق: -ليه جيت هنا وازاي تدخل كدا بدون إذني ؟ رفع حاجبه بدهشة ومن ثم وثب قائمًا متقدمًا منها قائلاً: -إيه يا حبيبي بس ..مش خلاص رضيتي عني ؟!
ابتعدت عنه بمسافة كبيرة وهي تتابع بعصبية: -أنا موعدتكش بحاجة يا أدهم .. راح يمسك بالوسادة الموضوع على السرير وقذفها بوجهها بعنف هاتفًا بغيظ: -إيه التخلف دا ؟, بقولك إيه أنا لصبري حدود هو مش حضرتك حضنتيني تحت ولا كانت العفريتة بتاعتك دي ولا إيه ؟, بصي جنان والجو دا أنا مجنون عادي هتستعبطي هستعبط أنا كمان تمام؟! نظرت له بحنق وحاولت الهرب منه بقدر الإمكان بحيث لا يلمسها كما عاهدت نفسها حتى يوضع حلا جذريًا لوضعهما هذا ... -أدهم من فضلك أخرج دلوقتي...
اقترب منها بتمهل ومكر بينما يهتف غاضبا: -أنتِ مراتي على فكرة ! وأنا سايبك بمزاجي بس هتسوقي فيها ..ماتلوميش إلا نفسك ! ازدردت ريقها بصعوبة وهي تراه يعتقل خصرها بمنتهى المهارة ويضمها إليه غامزًا مع قوله الواثق: -عرفتي بقى إنه بمزاجي؟ تنهدت بصبر وهي تحاول جاهدة ألا تنظر إلى عينيه الآن ..وإلا أصبحت قوتها هباءً منثورا ! -عندي شروط عشان أسيبك دلوقتي ...
تغضن جبينها وقالت متسائلة: -شروط إيه؟ -أول شرط تحني عليا وبلاش الوش الخشب دا .. كادت تتكلم فقاطعها آمرا؛ -تاني شرط ..تخليني أنام هنا في الأوضة إن شالله حتى على الكنبة اليتيمة دي ..بس أكون هنا مع ريحتك الحلوة دي وكدا يعني ! كادت تتكلم مرة ثانية باعتراض فأوقفها صارما بقوله: -التالت ...طلباتي بقى البسيطة المش متعبة خالص أنتي اللي هتقومي بيها ..عشان بكون مرتاح وأنا باكل وبشرب من إيدك ..وبلبس على ذوقك ..
هي وقد امتعض وجهها قائلة: -نعم؟, مش عاوزني أبقى خدامة عند جنابك بالمرة؟ -لأ هو لو تراعي أحمد يبقى كتر الف خيرك والله .. لتقول بقوة: -أنت هتعمل فيها سي السيد؟, بقولك إيه طلقني يا أدهم .. تركها دافعًا إياها فاصطدمت بالجدار من خلفها فراح يقول بعنف: -على موتي ...خلصانة!
أجرت أتصال عليه وانتظرت قليلا إلى أن رد عليها متعجلا كعادته: -أيوة يا ميرال .. فأردفت بتذمر: -ليه ماجتش لحد دلوقتي؟, أنا مستنياك عشان الدكتور .. -مشغول جدا يا ريمو بجد ..ممكن نخليها بكرة؟ -براحتك أصلا ..أنت اللي عاوز مش أنا .. علي وقد قال بصبر: -يا الله عليكِ يا ريمو وقت رغيك دا؟ قبل ما أقفل على فكرة أنا كلمت الدكتور اللي بيتابع حالتك !
دق قلبها بصورة عنيفة ..بينما قالت بلهفة: -بجد؟ وساكت ليه، قول يا علي قالك إيه .. -قالي مافيش خوف شديد إن شاء الله... بس لازم متابعة جيدة ونظام جامد لو لغبطتي فيه يبقى متلوميش إلا نفسك بقى تمام! قفز قلبها بفرحة عارمة وهي تقول بعدم تصديق: -بتتكلم بجد يا علي ؟ يعني أنا مش هنزله؟!
-هو لازم يشوفك وبعدين يقرر بس مبدئيا قال مش هيكون خطر لو السكر اتظبط مستواه في الدم الرك كله عليكي ! -مش هلغبط صدقني يا علي صدقني .. -طب لما هشوف يا ريمو .. -بحبك أوي يا علي اوي .. ضحك بخفوت مع قوله: -بموت فيكي يا قلب علي .. يلا خلي بالك من نفسك .. -حاضر ..
أغلقت الخط على ذلك ..ونهضت تهتف وتنادي على السيدة سميرة وهي تقول بفرحة: -طنط سميرة ..طنط ..أنا هينفع أبقى أم .. -يا قلبي ..إزاي قوليلي ؟ -علي كلم الدكتور وقال ينفع بس أتابع كويس معاه .. فقالت سميرة بابتهاج: -حبيبتي يارب يكملك على خير يارب -اااامين يارب ..
بعد قليل .. رن جرس الباب..فتوجهت ميرال لتفتح وتجد الطارق چنا .. تلك التي راحت ترمقها بعدائية وهي تمر إلى الداخل وكأنها جاءت فقط لتُفسد فرحتها !
رواية لمن يهوى القلب الجزء الثاني (بعنوان: مذاق الحب والألم) بقلم فاطمة حمدي الفصل الثاني عشر
صافحت چنا والدتها ما إن مرت عبر الباب المفتوح، ولم تصافح ميـرال التي جلست بحزن ..فلم تفهم لمَ كل هذا الجفاء في معاملتها لها ! حاولت ميـرال أن تكبح غضبها فهي اليوم في أشد لحظاتها سعادة .. فقالت الأم سميـرة بدورها: -مسلمتيش ليه على ميرال يا چنا ؟!
نظرت چنا إلى ميرال بتهكم وتابعت بقولها: -أسلم عليها ليه بقى وهي عاوزة توقع بيني وبين أخويا اللي ماليش غيره ! نظرت لها ميرال بصدمة: -أنا ! أنا عاوزة أوقع بينك وبين علي ! -طبعا أومال رحتي تشتكيله مني ليه؟! فوقي بقى من الدور اللي أنتي عايشة فيه دا وإوعي تفتكري إن أنا أقل منك في حاجة ..يا حبيبتي دا إحنا واخدينك على عيبك يعني تحمدي ربنا أوي !
صُدمت ميـرال مما تفوهت ..كما جُرحت أيضاً.. بينما صاحت بها والدتها بغضب شديد: -چنا ! أنتِ إتجننتي ؟ عيب عليكي يابنتي عيب ! -هو أنا قلت إيه غلط ؟! مش دي الحقيقة ...يا حبيبتي علي بيعاملك كدا بس عشان مرضك فمتفتكريش إنك حاجة !
انسابت دموع ميرال على خديها بألم ونهضت متجهة إلى الغرفة دون أن ترد عليها ..وكان الرد من نصيب الام سميرة حيث عنفتها بقسوة: -أنتِ مش ممكن تكوني بنتي أبداً ! أنتي واحدة أنا معرفهاش أنا عمري ما ربيتك على البجاحة وقلة الذوق دي،إيه مبتحسيش ؟دا أنتِ كدا اللي مبتحبيش أخوكي مش هي اللي بتوقع بينكم ! اخص عليكي يا چنا إخص !
كانت چنا تسمع لها ودماءها تغلي من فرط غضبها ..لتهتف بحنق: -حرام عليكي يا ماما أنا هلاقيها منك ولا من ماهر ! بجد حرام عليكي.. تابعت سميرة بغضب: -ماهر؟ حصل إيه ؟ أوعي تكوني زعلتيه هو كمان ! -البيه قعد يزعقلي ويتشرط عليا بسبب مامته .. -إحكيلي حصل إيه انطقي !
-كنت بكلمه ويسأله مامته هتمشي امتى لأنها جات من وقت الفطار ..وزعقلي وصوتنا علي شوية ولما خرجنا من الأوضة لقيناها مشيت وزعلت ..فماهر اتحمق عشانها وضربني بالقلم وحلفت أسيبله البيت ..بس ! -أكيد غلطتي فيه وليه تسأليه هتمشي امتى ؟ أي راجل في الدنيا بيحب مراته تحب أهله ولو حبيتي أهله هتاخدي عنيه .. أنتِ بقى غاوية مشاكل؟ -هو كل حاجة عندك يا ماما غاوية مشاكل ؟, لأ أنا مش غاوية مشاكل ولا حاجة.. !
ثم بكت بضعف وهي تنظر لها بضيق مع قولها: -وبعدين كفاية إني محملتش لحد دلوقتي وبيقول الحمل في سن التلاتين صعب وأنا هموت من الخوف ... -لا إله إلا الله ..يابنتي دا نصيب هو أنتِ بقالك سنين؟! ثم واصلت الأم بصبر: -شوفي ميرال قعدت قد إيه وفي الآخر ربنا كرمها .. -إيه ؟, هي ميرال حامل ! هكذا قالت بدهشة شديدة بينما تتابع بغيظ: -إزاي حامل هو الحمل مش غلط عليها ؟ -ربك لما يريد يابنتي ! ثقي في الله .. -ونعم بالله ..
قالت جملتها وشردت بحزن، بينما داخل الغرفة كانت ميرال تنظر من الشرفة وهي تشعر بالاختناق الشديد، التقطت هاتفها وأجرت اتصالا على علي لكن وجدت الهاتف مغلق، كانت تريد الذهاب من هذا المنزل المتواجد فيه چنا بسرعة كبيرة.. لا تريد أن يجمعهما مكان واحد ... لذا توجهت إلى الدولاب كي ترتدي ملابسها لكنها توقفت حينما تذكرت تحذيرات "علي" المتتالية بأن لا تخرج دون علمه مهما حصل ... فتراجعت على مضض كما كانت إلى الشرفة ...
مساءا .. كان قد وصل حازم بصُحبة زوجته سانـدرا إلى منزلهما ..الذي سيجعهما من جديد ولكن هذه المرة ستشاركهما الصغيـرة نـور ..تلك التي أنارت عتمة أيامه السابقة .. كانت ساندرا تتكئ على ذراعه ورأسه يستند على كتفه ..في إرهاق بينما ذراعه اليمنى تحمل الصغيرة نور ..فتحت والدته الباب وقابلتهم على درج البناية وهي تبتسم باتساع لهم ..وأسرعت تقول بدهشة: -ساندرا ! حازم !
نظرت إلى الطفلة التي يحملها على ذراعه بدهشة كبيرة وهي لا تعلم متى وأين تمت الولادة ! ليقول حازم وهو يناولها الطفلة برفق: -ساندرا ولدت النهاردة يا أمي .. حملت السيدة فوزية المولودة بسعادة وراحت تقول بعتاب: -ليه مقولتليش يا حازم كنت أبقى جنب ساندرا على الأقل ؟!
-ماكنتش مرتب والله دا الموضوع جه على سهوا كدا ... -ألف بركة يا حبيبي تتربى في عزك وحمدلله على سلامتك يا بنتي تتربى في خيرك وعزك يارب .. لترد سانـدرا بارهاق شديد: -الله يسلمك يا طنط ..
نظر لها حـازم بتمعن ثم قام بحمل زوجته برفق حيث أن قدماها لم تعد تحملاناها ..تألمت أكثر ما إن حملها فأطلقت صرخة خافتة وهي تتمسك بكتفيه بألم ..فصعد بها برفق إلى الشقة وصعدت معهما الام فوزية ..التي راحت تفتح الباب ويمُر حازم بزوجته إلى الداخل وإلى غرفة النوم واضعًا إياها على الفراش ومن ثم قبّل جبينها مبتسمًا ...بينما وضعت والدته الطفلة جوارها على الفراش وقالت بحماس: -أنا بقى هولعلك على فرخاية بلدي حلوة كدا وأعملك شوية حلبة بالعسل عشان تقويكي وتقدري تقومي على حيلك يا حبيبتي ..
فقالت ساندرا: -متتعبيش نفسك يا طنط أنا مش هقدر آكل حاجة. ضحكت فوزية وتابعت: -مش هتقدري تاكلي حاجة إزاي يابنتي دا لازم على رأي كريمة مختار في فيلم الحفيد العيل ينزل من هنا ونحط مكانه فرخة من هنا .. ختمت جملتها بضحكة عالية وبرحت الغرفة متجهة إلى المطبخ لتلج وتجمع مكونات الدجاجة وتُعدها بودّ ..
بينما يبتسم حازم وهو يمسح على شعرها قائلا: -نورتي بيتك يا ساندرا .. دلوقتي حاسس إن دا بيت فعلا ...في غيابك كنت حاسس إنه صحرا مافهوش روح ولا دفى ..مكنتش أعرف إنك غالية كدا يا ساسو .. ابتسمت له ساندرا بحب وقالت: -وأنا النهاردة يا حازم حسيت إنك سندي بجد ..حسيت إنك ممكن تغنيني عن أي حد وأقدر أعتمد عليك في كل حاجة..
-طب أنا هنزل الجامع العشا قربت وعاوز أصلي ركعتين شكر لله على رزقه ليا النهاردة ..عشان النهاردة أسعد أيام حياتي ..ربنا رزقني بنور وبرجوعك ليا .. نهض ناهيًا الكلام تاركًا إياها تبتسم بأملٍ وتدعي الله أن يرزقهما حياة هادئة ويمِن على زوجها بالمعافاة...
سجد وجسده بالكامل يرتجف بينما راح الدمع يتدفقُ بغزارة ليُبلل سجاد الصلاة ..لا يعلم أهو يشعر بالخجل من الله أم يبكي من شدة سعادته اليوم .. فرغم المعصية الله يرزقه من وسع ..يمن عليه بالعطاء الوفير ..يمنحه لحظة أخرى من لحظات عديدة للهداية .. فهل سيقف بظهره للحظة الهداية هذه المرة أيضًا ؟! أم سيتمسك بها بكل ما يحمل من قوة مهما شعر بالآلآم ..؟!
سلّم مرة عن يمينه ومن ثم عن يساره وانتهت صلاته بعد أن أودع دعائه في السجود وشكره لله .. وأسند ظهره على الحائط مغمضًا عيناه يستريح قليلًا ..فوجد من يجلس جواره ويقول برفق: -تقبل الله يا حازم يابني .. فتح عينيه وطالع المتحدث والذي كان الشيخ محمود إمام المسجد.. فصافحه حـازم بحرارة واحترام شديد وهو يقول بهدوء: -الحمدلله يا شيخ محمود بخير ..
ابتسم الشيخ العجوز ورمقه بتمعن مع قوله: -قولي يا سيدي مالك مهموم كدا بقالك فترة ؟, أنا آسف طبعا إني بتدخل بس يمكن أقدر أساعدك. بادله حازم الابتسامة تلك وهو يقول: -آسف إزاي ..أنت عارف يا شيخ محمود إني بحبك وبحب كلامك وأي حاجة بتقولها ..وبعدين يا شيخ محمود أنا النهاردة سعيد جدا جدا .. -ربنا يصلح حالك ودائما سعيد يا حازم خير إن شاء الله -ربنا رزقني ببنتي نور النهاردة الحمدلله والشكر ..
-اللهم بارك يا أبو نور ربنا ينبتها نبات حسن يابني . -اللهم ءامين ..وكمان يا شيخ محمود مراتي نورت البيت تاني أصلها كانت زعلانة مني وأنا وعدتها إني هتغير ..بس حاسس إنّي تايه وحاسس إني خايف أنا عمري ما خفت من حاجة بس أنا مش عارف أبدأ منين وخايف أخذلها ! فقال الشيخ بهدوء: -إحكيلي يمكن أقدر أساعدك ..
تنهد حـازم واعتدل في جلسته قائلا بهدوء: -أنا مُدمن مخدرات يا شيخ محمود عارف إني هنزل من نظرك بس مش قادر تعبت نفسي أنضف ... وعلى عكس توقعه قال الشيخ مبتسما: -كلنا يابني معرضين لأي معصية والشيطان مافيش أشطر منه وأنت مش هتنزل من نظري عشان بتعصي ربنا لأ أنت لا مش كويس من جواك مش هتقعد هنا ولا هتصلي الفرض بفرضه دا أنت من أوائل الناس اللي بتدخل الجامع في صلاة الفجر ...أنت مش مسألة إنك هتنزل من نظري المسألة إني مستغرب لأن أفعالك وترددك على المسجد متقولش أبدا إنك بتتعاطى حاجة ..
أغمض حازم عينيه ووضع يديه فوق رأسه بخزي مع قوله: -حاسس إني منافق يا شيخ -إوعى تجلد نفسك أنت هتوب وأنا عارف إنك قدها يا حازم لأن الندم والدموع اللي في عينيك دي متطلعش إلا من مؤمن صادق بجد.. ليتابع بلهجة حانية: من ذا الذي ما ساء قط ؟ومن له الحسنى فقط؟!
نظر له حازم باستفهام،ليوضح له: -يعني مين في الدنيا ما أخطأش ؟ومين مُحسن لا يذنب ؟ طبعا كلنا بنغلط وخير الخطائين التوابون ! وربنا سبحانه وتعالى قال بسم الله الرحمن الرحيم {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}
-ارجع لربنا بكل ضعف هيأتيك بكل قوة وهيعينك ويرشدك للطريق اللي يغيرك صدقني ربنا مافيش أكرم منه ..ربنا يقويك يا بطل ...
عاد "علي" من عمله مُتأخرًا فقد قاربت الساعة على الثانية صباحًا ! دخل البيت بعد أن فتح بالمفتاح ولاحظ السكون التام فعلم أن والدته بالطبع نائمة وربما زوجته أيضًا .. توجه إلى الغرفة بخطوات متمهلة وهو يمسح على جبينه الندي بإرهاق ..فوجد زوجته ميـرال نائمة كما توقع لكن يبدو أنها كانت تنتظره ..حيث النافذة المُطلة على الطريق مفتوحة ونومها وهي جالسة على الفراش يدل على ذلك ..
راح يغلق النافذة ويعود إليها مجاورًا إياها برفق، فاستيقظت على الفور ما إن شعرت بحركة جوارها، نظرت له وتنفست الصعداء بارتياح شديد، ثم اندفعت نحوه وعانقته بشدة وهي تسأله بقلق: -علي اتأخرت ليه أنا كنت هموت من القلق عليك وتلفونك مقفول ليه؟ ربت على ظهرها بحنو وأخبرها بانهاكٍ: -معلش يا ريمو ...كان عندي شغل كتير جدا وموبايلي كان فاصل ومافيش مكان أشحنه فيه ..
رفعت رأسها إليه بصمت وقالت بحزن دفين: -شكلك فعلا مُرهق أوي يا علي .. ابتسم لكنه قال باهتمام وهو يمسح على وجنتها: -مالك؟, شكلك زعلان وعينك زي ما تكون معيطة في حاجة حصلت؟
لم تكن تريد المزايدة عليه ..فهو حقًا يبدو متعبًا للغاية، لذا حركت رأسها سلبًا وقالت بابتسامة حزينة: -لأ يا حبيبي مافيش حاجة، دا بس من قلقي عليك أنت متعرفش أصلا إنت إيه بالنسبالي يا علي .. لم يقتنع علي بما قالت فهو يفهمها جيدا ..يعلم إن كانت بخير أم تتألم من شئ! فقال بجدية: -مالك يا ميرال ..؟
ابتلعت ريقها بتوتر ولم تستطع السيطرة على عبراتها الحارقة الآن ..لتقول له من بين بكائها: -أنا عاوزة أمشي من هنا حالا يا علي عاوزة نرجع بيتنا .. -ماما زعلتك ولا إيه؟ في إيه انطقي؟ أجابته: -چنا هنا نايمة جوا مع مامتك . -حصل إيه؟
أخبرته وهي تقترب منه بعفوية: -مش عارفة هي ليه بتكرهني الكره دا كله، وكأنها جاية النهاردة مخصوص عشان تزعقلي وتبهدلني ! علي بجدية: -چنا زعقتلك وبهدلتك ؟ -أيوة ..وقالتلي إنك واخدني على عيبي وبتعاملني كويس بس عشان أنا مريضة وكلام كتير وجعني .. أنهت جملتها وانهارت باكية بينما تدفت وجهها بين راحتي يديها ..عانقها على الفور وهو يقول بهدوء صارم: -وأنتِ إزاي تتأثري بالكلام الأهبل دا ؟
فقالت من بين بكائها: -عشان كلامها صح يا علي ..أنا فعلا مريضة وبلاء ليك ! نهرها بشدة: -أنتِ كمان شكلك بتخرفي صح؟! في إيه هو أنتي مش واثقة فيا ! ظلت صامته وهي تنظر له بضعف ..بينما تابع علي بغضب: -فعلا چنا زودتها أوي ..طيب يا چنا الصبح أنا لازم أخليها تحترمك وتحترم نفسها ..
فقالت سريعا: -لأ يا علي أنا مش عاوزة أكون سبب مشكلة بينك وبينها أنا عاوزة أرجع بيتنا بس ..لو سمحت يا علي .. -هنرجع بس الصبح مش دلوقتي ودلوقتي نامي ومتفكريش في حاجة خالص ..ومتزعليش طول ما أنا موجود سامعة؟ أومأت برأسها موافقة على قوله ومنحته قبلة رقيقة على كف يده وهي تقول بامتنان: -أنت أحلى حاجة في دنيتي ..
قبلها أيضاً برفق وقال بمرح: -وأنتِ أحلى حاجة في الدنيا كلها أصلا .. ثم تابع: -أقولك على حاجة كمان ..؟ -أيوة .. قال ضاحكاً: -هموت من الجوع أنا يا ريمو تعالي معايا المطبخ وإعمليلي أي حاجة لحسن واقع ..
-يا حبيبي يا علي لأ خليك مرتاح أنا هقوم أعملك لوحدي .. -لأ عشان أساعدك أنا مش قادر أشيلك بصراحة لو رجعتي السعادي .. ضحك خاتما جملته فشاركته ضحكته وهي تنهض معه قائلة بتذمر: -ماشي يا علي .. ورغم ذلك حملها بخفة متوجها بها إلى المطبخ قائلا بغزل: -ريشة ياخواتي ريشة ..
صباح يومٍ جديد .. نزلت "ملك" الدرج واتجهت إلى طاولة الطعام فقد قررت اليوم أن تشارك السيدة چيهان وأدهم الطعام .. لكنها وجدت السيدة چيهان بمفردها هذا اليوم ولم يكن أدهم متواجد،فجلست باستغراب وهي تقول بهدوء: -صباح الخير.. -صباح النور يا ملك .. -هو أدهم راح الشغل ؟!
خرجت ملك على مهل وراحت تتجه نحوه بخجل ..كان يجلس يدخن لفافة تبغ ويبدو أنه شارد ! اقتربت منه وجلست جواره مباشرة بدون كلام ..فنظر لها بنظرة لا معنى لها وهو يسألها بحدة: -خير؟ ابتلعت ريقها وأردفت في توتر: -أنت اللي خير ؟, مفطرتش ليه وبتشرب سجاير إزاي على الريق كدا ؟
تهكم في قوله: -وأنتي مالك أصلا ..شيء ميخصكيش خالص ! تنحنحت بحرج ورمقته بغيظ فيما تقول: -ولما أنا مالي ليه محتفظ بيا هنا في القصر؟ قال دون أن ينظر إليها: -عشان أصلح اللي اتكسر بس للأسف أنتِ مش راضية تساعديني خلاص مبقتش عارف أرضيكي إزاي قلتلك هطلق تمارا هنمشي من القصر هعملك كل حاجة مش راضية ...إيه؟ هو أنا مش بشر بيغلط وارد إني أعمل غلط ولما أجي أطلب السماح منك ألاقي كل القسوة دي ؟ ليه؟
نظرت إلى الأرض بلا رد ..لا تعلم ماذا تقول ..لكنها قالت: -أنا مش هاين عليا إبنك يعيش من غير أم لو طلقت تمارا يا أدهم وفي نفس الوقت أنت صعبان عليا تعيش مع تمارا وبرضوه أنا مش هقدر أعيش معاك وهي على ذمتك يا أدهم أعذرني أنا برضوه في حيرة !
-مالكيش دعوة بإبني ومتحطهوش في حساباتك،أنا أطلقها ويتربى بعيد عنها أحسن ما يتربى معاها وتعلمه القرف اللي بتعمله ..ساعديني وكفاية قسوة اعتذار واعتذرت أعمل إيه قوليلي أيا كان اللي هيرضيكي هعمله بس الأسلوب المميت بتاعك دا صعب أوي عليا عشان أنتي واثقة إني بحبك وعمري ما حبيت غيرك وأي حد دخل حياتي كان بالغلط ويوم ما لمستها كنت غلطااااان وعاوز أضرب نفسي ميت جزمة مش جزمة واحدة !
ربتت على كف يده ..لمسة كانت كفيلة لتخبره أنها مازالت تحمل له نفس المشاعر ..رفعت يده إلى حضنها وابتسمت بصفاء قائلة: -بحبك يا أدهم والله مش هعذب نفسي وأعذبك أكتر من كدا عشان أنا فعلا بحبك وأنا كمان عمري ما هقدر أعيش من غيرك حتى لو رخم كدا ! ضحك وهو يجذبها إليه معانقًا إياها بمحبة خالصة بينما يقول بلهفة: -ياااه حمدلله على السلامة أخيرااااا...