رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السابع عشر
اضعف ما قد تواجه المرأه القويه هو الحب فيه تنسى قوتها و تسير خلف دروب احساسها الذى دائما ما يمنحها سعاده حقيقه مختلفه عن كل ما اسعدتها به قوتها. و هى ليست فقط قويه تحب بل هى عاشقه حد النخاع و اميرها كان المنتظر، احساسها الان يعادل احساس السندريلا بالامير بعد ما اصابها من يأس. تسير بجواره، تختار ما تريده في بيتها معه، تحدثه، تضحك، تتحمس و هو يشاركها بوجوده و ان كان لا يفعل شيئا.
تعرف انه لم يحبها بعد، لم تصل لقلبه مثلما هو بقلبها، لم تصبح اهم و اغلى من بحياته و لكن يكفى انه يعاملها كما لو كانت ماسه غاليه، يعاملها كما تُعامل الملكات بل اكثر، عيناه تائهه، حديثه مبعثر و لكن يكفيها انه بجوارها. و بينما هى تسير بسعاده ترسم بقيه احلامها التى ستتحقق خلال يومين، كان هو يطالع كل ما به تاء تأنيث من حولهم. خصلات هذه، صوت الاخرى، ضحكات تلك، و جسد الاخيره.
رصدت عينه كل حركه لبنات حواء، يمنح ابتسامه طفيفه فيحصل على مثلها. غمزه خفيه فينال ضحكه واسعه، قبله سريعه فيحصل على المقابل فورا و هو يدرك جيدا لمن و متى يرسل عبثه و هو متيقن الاستجابه.
شدت هبه على يده هاتفه و هى تشير لاحدى المحلات تخبره بأمر اعجبها فجاء محمود ركضا من خلفها يصرخ بنفاذ صبر بينما معتز يقف بدون اهتمام: لا كفايه، كفايه يا هبه الله يكرمك انا عندى ميعاد مع المهندس اكرم مينفعش اتأخر، كفايه النهارده. و هنا توقفت هبه تزفر بضيق: الفرح بعد بكره يا محمود و لسه في حاجات كتير ناقصه.
تقدم منها معتز ممسكا يدها بابتسامته التى تمحى من قلبها كل قلق متمتما بغمزه مشاغبه: هنكمل اللى ناقص بعد الفرح يا فلتى متقلقيش، اللى انتِ عاوزاه هنعمله، ثم نظر لمحمود ضاحكا: بس الغلبان عنده مقابله شغل لازم يلحق الميعاد. ابتسمت موافقه و لكنها رفعت اصبعها هاتفه: بس مش هنمشى قبل ما اروح اقيس الفستان و استلمه، و بعدين هروح مع محمود الشركه معايا بطاقات لسه هوزعها على زمايلى.
و بحماس تحركت بالفعل لتستلم فستانها الذى ليس مجرد فستان فقط و لكنه حلم اوشك على التحقق، حلم منذ ان كانت مراهقه، و ها هى سترتديه لتحقق حلمها بأميرها الذى طال انتظارها له.. امسك محمود يدها متمتما و هو يراها تُسرع لتدلف تاركه اياهم بالخارج: بتجرى كده ليه؟ اصبرى هندخل سوا. و هنا عقدت حاجبيها زاجره بحده مصطنعه: لا طبعا انتوا استنونى هنا و انا هجيبه و اجى. و باستنكار اجابها: ليه ان شاء الله؟
و قبل ان تجيب، استند معتز على السياره هامسا بلا مبالاه: هى حره يا محمود. و استداره من كلاهما اليه بتعجب صاحبه نظره غاضبه من محمود و مستاءه من هبه و هى ترى بوضوح لامبالاته و ان لم تمنحها اهميه كبيره و هى تتحرك للداخل و لكن محمود لم يفعل بل تابع ابتعادها عنهم ثم استدار لمعتز هاتفا بحده: انت واعى للى بتعملوا يا معتز باشا و لا مش واخد بالك؟!
حدق به معتز قليلا فهو ابعد ما يكون عن اى نقاش الان و بسخريه خفيه اجابه: و انا بعمل ايه يا محمود! ضرب محمود بيده على السياره هاتفا بغيظ: معتز بلاش استعباط. ثم اضاف محذرا و قوه خوفه على شقيقته تظهر واضحه لصديقه: انت عارف كويس ان لولا موافقه هبه انا عمرى ما كنت هسمح بالجوازه دى، بس اقسم بالله يا معتز ما هرحمك لو كنت السبب في يوم ان دمعه تنزل من عينها، و وقتها لا هتبقى صاحبى و لا اعرفك، فاهمنى طبعا.
و هنا احتدت عين معتز هو الاخر و قد مل تكرار هذا الامر و تكرار التحدث فيه و عنه و صاح به: اقولك مش فاهم يمكن تبطل تكرر الموضوع ده، اصل تقريبا فاهم بتخليك تكرره اكتر،.
اغلق عينه لحظه يرتب ما يريد قوله ثم وضع يده على كتف محمود متحدثا بهدوء: اسمعنى يا محمود، هبه بقت مراتى، كمان يومين هتبقى في بيتى، حياتها بقت معايا و علشانى و انا كذلك، هبه غاليه عليا جدا فا ياريت تبطل توصينى على مراتى لانى عارف ازاى احافظ عليها كويس قوى... نظر اليه محمود قليلا متسائلا بتوضيح لسبب قلقه: حبيتها يا معتز؟، اتعلقت بيها و متقدرش تستغنى عنها؟، قلبك مبقاش فيه غيرها و مبتفكرش غير فيها؟
و كانت الاجابه صمت و هروب من نظراته فدفع محمود يد معتز عن كتفه ضاربا صدره موضع قلبه هاتفا بجديه: لما دا يدق علشانها، وقتها بس هبطل اوصيك على... و ضغط احرف كلمته موضحا انه و ان كان زوجها فهناك علاقه تربطه بها اقوى: على اختى يا معتز. و قطع المشاداه بينهم خروجها و بيدها فستانها و بعينها نظره عاشقه شملته بها، وابتسامه صافيه تزين ثغرها مع هدر امواجها بمدى سعادتها و حبها له.
و تقبل هو هيئتها، نظرتها، ابتسامتها و ما تقوله عينها رغم صمتها بتخبط ربما لانه لم يعتاد ان يرى مثل هذا الصدق و يا ليته يستطيع الشعور به ايضا.
انتهت مقابله محمود بقبوله للعمل تحت التدريب لفتره مؤقته و ان اثبت جدارته فهنيئا له بالعمل، بينما كانت هبه تتحرك بكل ما بداخلها من قوه و حماس، تدعو هذا و تمازح تلك و تعطى البطاقات لهذا و ذاك حتى انتهى بها الامر امام مكتب اكرم تمنحه البطاقه و تلقاها هو بابتسامه واسعه ثم اتجهت لغرفه مازن، تعجب قدومها و بمثل هذا اليوم الذى يسبق زفافها بيومين فقط. ماذا تريد منه و لماذا طلبت مقابلته؟
ألن ينتهى من هذا الكابوس ابدا! ألن يكف عن انتظارها لتعود عن زواجها و وقتها لن يفعل شيئا سوى ان سيُمسك بحلمه بكل قوته! اخذ نفسا عميقا مغلقا عينه منتظرا دخولها و بمجرد ان فُتح الباب، ازدرد ريقه ببطء و هو يفتح عينيه لتقع على ثغرها المبتسم بسعاده لتنتقل ابتسامتها له لااراديا. كانت و مازالت و يبدو انها ستظل دائما ألمع النجوم بسماء حياته.
عينها التى تنافس البحر في زرقته، انفها المستقيم بشموخ اشبه بشموخ شخصيتها، بساطه ملامحها، و سكر ابتسامتها. هو مفتون بها شاء أم أبى، وافق او انكر فلا حكم له على ما يشعر به. حمحمت بعدما لاحظت صمته و شروده ملقيه السلام مجددا فأجابها و نبضاته تخونه لترتفع صارخه برغبته الكامله في هذا الحلم الذى يتجسد امامه فيها، و لكنه ادرك ان الاحلام خُلقت لتظل احلاما فقط.
انتزعت هى ابتسامته و رغبته و كل نبضاته بهدوء شديد و برود اجادته رغم انها لم تقصد ابدا فسبحان من جعل مكنونات المرء مخفيه. رفعت يدها بالدعوه امامه متمتمه بفرحه شملت نظراتها، نبرتها و ابتسامتها: اتفضل يا بشمهندس دعوه فرحي، ياريت حضرتك تشرفني. و بتلقائيه نقل بصره ليدها يحدق بالبطاقه قليلا. ورقه مطويه. فقط ورقه مطويه، و لكنها جمدت الدماء بعروقه.
مجرد ورقه، تخبره بكل بساطه ان حلمه سيُزف لغيره، ان امله سيفوز به غيره، ان سعادته سيشعر بها غيره. مجرد ورقه، افصحت بوضوح نهائى هذه المره عن نهايه القصه رغم انها لم تبدأ. مجرد ورقه، سرقت بها كل شئ منه، صبره، حلمه، انتظاره، و الاهم قلبه.
و لم يبقى منه سوى قليل من عقله لينهض مبتسما متجها اليها بخطوات لا يعرف كيف جعلها متزنه رغم ما يجتاح دواخله من براكين كادت بل بالفعل احرقته، مد يده التى لم يستطع منع ارتجافتها و لاحظت هى ذلك و لكنها تجاهلت الامر و هى تراه مبتسما بجمود يخالف ضحكته الواسعه غالبا: الف مبروك يا مدام هبه ربنا يسعدكوا دائما.
و بابتسامه اكبر اجابت تهنئته ثم استئذنت و ذهبت و مع اغلاق الباب اغلق هو عينه و يده تضغط البطاقه بقوه وجع قلبه. عاده ما تكون النهايات سعيده ولكن نهايه قصته كانت قبل ان تبدأ فمن اين له سعاده!
نظر للبطاقه و هو يفتحها و عينه تخدعه لتعلن تمردها و حزنها باحمرار حارق و انفاس غير منتظمه ليرى اسمها و بجواره اسم زوجها، عض باطن شفته ثم ابتسم، فابتسامه اوسع ثم اوسع حتى انطلقت ضحكاته تملأ المكان قبل ان يدفع بالبطاقه بعيدا هامسا: مبروك عليكِ الفرح يا هبه.
يقولون ان البيوت اوطان صغيره، الغياب عنها غربه و العوده اليها حياه. و هذا كان شعورها و هى تضع قدمها داخل المنزل مره اخرى. حزينه!، ربما. فهى تعود لهنا ليست كمربيه للصغيره و لكن كفرد من العائله، كزوجه اخ، كزوجه ابن و كزوجته، و ما اسوء هذا؟ خائفه!، بالتأكيد. خوفها يصل الان لعنان السماء، حبها، رغبتها و تعلقها بهذا المكان و اهله اخافها بل ملك الرعب منها.
لم تعتاد على احد الا و فارقها، فهى تدلف للمنزل الان و متيقنه تماما ان هناك سئ قادم. و لكن مع كل ما يتملكها من اضطراب، قلق، حزن و خوف، هناك سعاده دبت الفرحه بقلبها، لهفه و اشتياق لترى من صاروا عائلتها. تشتاق لمراوغه شذى، تمرد سلمى و دفء حديث حنين. تشتاق لاهتمام ليلى، حرص عز و حنان ام على. تشتاق لغرفتها، فراشها و شرفتها التى تمنحها اطلاله رائعه لشروق الشمس.
تشتاق لراحتها ها هنا وسط هذه العائله، لسكونها و هنائها بنومها. تشتاق لنفسها و التى لا تستطيع انكار انها وجدتها هنا، و هنا فقط. و كان الاستقبال حار، صراخ سلمى و عاتبها الصارم، بكاء حنين و عاتبها الحانى، حضن ليلى و التى كادت تختنق من قوته، ابتسامه عز الوديه و قبله هادئه على جبينها و خصام قاسى من شذى كلفها الف اعتذار و اعتذار حتى نالت مسامحتها.
تفاجئ عاصم بوجود فارس فأخر ما يعرفه انه بالخارج في صفقه عمل، حوار سريع بينهم، اطمئنان على العمل، و حديث ودى. قاطعت حنين كل هذا عندما وقفت هاتفه بغموض و هى تنظر لعاصم بشغف مدركه انه سيكون في قمه سعادته الان: احم احم، attention please، انتبه الجميع اليها فتناقلت النظرات بينهم بابتسامه عدا عاصم الذى حدق لنظراتها له قليلا منتظرا ما ستقول فأكلمت و هى توضح: في مفاجأه هتفرحك جدا يا عاصم...
عقد ما بين حاجبيه يفكر و لكنها قطعت عليه الامر و هى تشير بعينها للدرج فاستدار ينظر و سرعان ما هب واقفا و اتسعت عينه بسعاده حقيقيه قبل ان يندفع مسرعا ليقف امام تلك الحوريه لحظه ثم حاوط خصرها ضاما اياها بقوه يدور بها عده مرات. بينما استدارت جنه لتتسع عينها بذهول و هى ترى ما فعل و شعور تختبره لاول مره يصيب قلبها الذى تسارعت نبضاته ثائره.
غضب تملك منها و لا تدرى السبب، عقلها يفكر بجنون و قلبها تتواثب نبضاته بتشتت و عينها تكاد تحرق كلاهما، يده تُزيل دموع تلك الفاتنه، يده الاخرى تمسح بخفه على حجابها، قبله على جبينها و ضمه اخرى تعلق فيها كلاهما بالاخر بقوه. ابتعد عاصم يضم وجهها بين كفيه هاتفا بقوته المعهوده و ان حملت من الحنين و العتاب الكثير: ينفع الغيبه دى كلها، 7 سنين يا مها، 7 سنين.
امالت رأسها باعتذار تقبله هو بضمه اخرى تعبر عن مدى اشتياقه الذى جعل جنه تتلوى غيظا و الاسوء انها لا تدرى سببه. نظر اليها يسألها مجددا: جيتِ امتى؟ و ليه مكلمتنيش اول ما جيتِ؟! و اجابته باشاراتها التى جعلت جنه تدرك على فور كونها بكماء استنيت لما ترجع انت و مراتك علشان تبقى مفاجأه . ثم ابتسمت مشيره لجنه بعينها محركه يدها بالاشاره بحماس عرفنى عليها بقى.
امسك كفها و تحرك باتجاه جنه التى ظلت تحدق بأصابعه التى تحاوط اصابعها حتى افاقت على صوته يقول: اعرفك يا مها دى جنه... و صمت، في اختبار صغير منه اليها و جاءت النتيجه فوريه عندما رفعت جنه عينها تحدق به بغيظ و هى على وشك قتله لاخباره تلك الفاتنه باسمها فقط دون ان يشرح علاقته بها فابتسم بخبث مردفا و قد نال ما أراد: مراتى.
اشاحت جنه بعينها عنه بينما اتسعت ابتسامته و هو يضم مها لصدره متعمدا و قد راقه ما يرى من اندفاع الدماء لوجه صاحبه ابريق العسل و تمتم بنبره يدرك مدى تأثيرها على جنه: و دى بقى يا ستى مها... صمت قليلا ليرى رد الفعل ايضا فاستدارت جنه له بحده عاقده ذراعيها امام صدرها منتظره ان يُردف حتى فعل: بنت عمتى.
اختفى الغضب، الضيق و الغيره و حل محلها الوجع و هى تتذكر تلك الصفعه التى قلبت موازيين حياتها كلها رأسا على عقب و تمتمت بشرود: عمتك اللى انا قابلتها قبل كده؟! ونظرت اليه تنتظر الرد و لكنه رغم ملاحظته لتغير تعابير وجهها لم يبالى مانحا اياها موافقه برأسه.
اقتربت منها مها تمد يدها مصافحه فنظرت اليها جنه قليلا قبل ان تنظر ليدها التى كانت بالتأكيد الان تحمل عبق رائحته، فعاودها غضبها و هى تصافحها، فأشارت لها مهاا برأسها مرحبه فابتسمت جنه بتكلف مجيبه الاشاره باشاره مثلها ثم اشاحت بوجهها في ضيق. جذب عاصم مها لصدره مره اخرى يستند بيده على كتفها و ابتسامته لا تفارقه حتى هتفت شذى منهيه هذه الفرحه: لسه في مفاجأه كمان يا ابيه.
و قبل ان يستفسر عاصم عن الامر جاءت الاجابه من عمته هاتفه بنفور: حمدلله على السلامه يا عريس.
تساقط ذراعه عن كتف مها و استدار ببطء لعمته التى جلست على مقعد جانبى ترمقهم باستهزاء، سرعان ما تجهمت ملامح وجهه و ضغط يده بقوه حتى برزت عروقه و نظره جانبيه لجنه التى بتلقائيه خائفه رفعت يدها تحاوط وجنتها التى مازالت تحمل خدش صغير كان ظفر عمته السبب به، فتحرك بغضب اعمى ليقف امام جنه لتُسرع هى تختفى خلف ظهره لا يظهر منها سوى عينها التى لمعت بدموعها خائفه.
ابتسمت نجلاء مستمتعه بخوف جنه و اختبائها بل و زادها حرص عاصم على اخفائها سعاده، فركزت انظارها على مقلتى تلك الخائفه متمتمه باستهزاء جن له جنون عاصم: في عروسه عاقله تهرب من جوزها كده؟ و بمجرد ان انهت سؤالها كانت يد جنه تتسلل ببطء لتتمسك بملابسه بقوه علها تشعر ببعض الامان و هذا زاد جنونه و لكنه عندما هم بالتحدث سبقه عز ناظرا لشقيقته بتحذير هاتفا بصرامه: خذ مراتك و اطلع على اوضتك يا عاصم.
نظر عاصم اليه بغضب ضاغطا اسنانه بقوه ممسكا بيد جنه و قبل ان يصعد قدم اعتذار سريع لفارس تقبله الاخر بتفهم. و هم فارس بالرحيل عندما اوقفه عز هاتفا: لا تمشى فين؟ اقعد معانا شويه و لا هى مراتك اللى ليك عندنا. ضحك فارس مصافحا اياه هاتفا بود متبادل: لا ازاى يا عمى، دا انت الخير و البركه، بس حضرتك عارف لسه جاى من السفر و في اشد الحاجه للنوم و الله.
هم عز بالتحدث و لكن قاطعته نجلاء بسماجه: مسسسم، و هو كان حد ضربك على ايدك علشان تيجى على هنا جرى، كأن يعنى حد هياكل مراتك لو مشفتهاش. كاد يصرخ عز بها و لكن فارس ضغط كفه الذى مازال ممسكا بها و ابتسم بهدوء مجيبا اياها بنفس نبرتها تقريبا: عذرا يا مدام نجلاء بس يمكن حضرتك مجربتيش احساس ان يبقى حد ملهوف يشوفك، فا معتقدش هتقدرى تفهمى احساسى. ثم بابتسامه ودوده القى السلام غامزا حنين و رحل.
لتتابعه عين نجلاء بغضب و طبيعتها التى تكره السعاده للاخرين تحلق حولها متوعده ان فرحته و ثقته تلك ستكسرها حتما مهما كلفها الامر و هذا البائس بحديثه هذا اضاف نفسه لقائمه اعدائها. ادخلها غرفتها و دلف خلفها مغلقا الباب مصدرا اوامره بتحذير واضح: ابعدى عن عمتى تماما، و حاولى تتجنبى اى احتكاك بيها، فاهمه؟
اومأت جنه بصمت، ادرك هو منه خوفها فكز اسنانه بغضب و هو يُمسك يدها بخفه متمتما: خدى دش كده و فوقى و اجهزى علشان عندنا مشوار مهم. رفعت عينها اليه بتعجب متسائله: مشوار ايه؟! ترك يدها متحركا باتجاه الباب و هو يجيبها بدون توضيح: هتعرفى بعدين.
لحظات و كان واقفا امام والده في غرفته يتسائل عن سبب وجود عمته هنا او ربما يطمئن انها زياره عاديه فقط، و لكن فاجأه والده عندما اخبره انها ستسكن معهم.
غضب، تعجب، قلق اتبعه بضيق معاتبا والده على الموافقه، و عتاب صريح من والده فأولا و اخيرا هذه المرأه عمته، كلمه هنا و كلمه هناك حتى هتف عاصم بصراحه عما يشعر به: عمتى وجودها في البيت هيجيب خراب يا بابا، انا عارف انى مليش حق اتكلم عنها كده بس حضرتك عارف عمتى كويس مش هتسيب حد من العيله في حاله.
و هنا اجابت والدته و هى مدركه تماما ان ولدها على حق و لكن واجبها كزوجه يحتم عليها ان تقف خلف كلمه زوجها: الموضوع منتهى يا عاصم، عمتك و مها هيعيشوا معانا و خصوصا ان معتز فرحه بعد بكره و مينفعش هما الاتنين يعيشوا في شقه لوحدهم، و لا ايه يا سياده النقيب؟ ضغط اسنانه بقوه كابحا كل ما يعتل بصدره من غضب الان، فكل ما يصدر من عمته امر و صفعها لجنه امر اخر، لا يتحمله و لن يتحملها و لكن سيفعل مجبرا لاجل مها.
اخذ نفسا عميقا و اضاف بصرامه واضحه: بس يا بابا لو صدر منها اى تصرف يأذى مراتى، قاطعه والده منيها الحوار: وقتها انا اللى هتصرف يا عاصم، ثم هى مش هتتجرأ تقرب من جنه تانى، الموضوع ده انتهى و اتقفل خلاص.
الجميع على طاوله الطعام، ضحكات الفتيات على مشاغبه شذى، حوار بين مها و عاصم، صمت جنه تتابع ما يحدث و رغم انها فرد من العائله الا انها تشعر بنفسها غريبه، و بينما هى تأكل بشرود استمعت لصوت نجلاء تخاطبها بسخريه: ايه ده، اومال فين دبلتك يا عروسه؟ هو عريسك نسى يلبسهالك و لا انتِ اللى استغنيتِ عنها؟!
ارتجفت عنها يمينا و يسارا عاجزه عن المواجهه بل و حتى الرد لا تستطيع النطق به، و سرعان ما تذكرت تحذير عاصم لها بعدم نزعها من اصبعها، ثم تذكرت يوم تركتها هنا مع ورقه بها اعتذار لرحيلها، فازدردت ريقها بارتباك ادى لسقوط ملعقتها، فانتبه الجميع لها بينما عاصم يضم قبضته بغضب من تدخل عمته في مثل هذا الامر و قبل ان ينطق اكملت نجلاء و هى تحرك الطعام بلامبالاه امامها: انا اعرف ان البنات مابتحبش تقلع الدبله من ايديها ابدا الا اذا كانت بتكره عريسها او متجوزه غصب،.
و تلك المسكينه تحاول بشده كبت دموعها و التى فور ان لمحها عاصم استدار بغضب لعمته بينما تسللت يده تُمسك بيد جنه التى كانت تحركها بتوتر بالغ و احتراما لوالده، ضغط اسنانه بقوه موجها حديثه لشذى بينما نظراته تكاد تحرق عمته: عارفه يا شذى، في مثل حلو قوى بيقول من تدخل فيما لا يعنيه سمع مالا يرضيه.
اختفت ضحكه نجلاء تدريجيا بينما حاول عز كتم ضحكته و هو يتابع كيف سيحتوى ولده الامر بعقلانيه قليلا ما يتصرف بها فيما تراقب الفتيات الامر باستمتاع، بينما رفعت جنه عينها اليه تتعجب ما يقول بل و كيف يقوله بمثل هذا الهدوء، بينما بابتسامه جانبيه خفيفه اضاف و هو يرمق عمته بسخط: و في كمان حديث عن الرسول،.
و صمت فردد الجميع الصلاه عليه بمتابعه لما سيقول حتى اردف: بيقول مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيه ِ ... ثم اخيرا اطلق سراح عمته من نظراته ناظرا لشذى غامزا: فاهمه حاجه يا شذى! فأومأت موافقه و ضحكه خبيثه تتراقص على شفتيها: طبعااا يا ابيه.
و هنا عاد بنظره جانبيه لجنه ثم ترك يدها مرددا بالحمد ناهضا عن الطاوله، و سرعان ما لحقت به جنه، و بعد قليل كانت بجواره في سيارته، صمتت قليلا ثم همست بامتنان صادق ربما يكون هو سببه لاول مره: شكرا. و لحظات لم يجيبها ثم تمتم بعدم اكتراث و كأن الامر لا يعنيه: على ايه؟ اعتدلت ناظره اليه مجيبه: على اللى انت عملته دلوقت علشانى، رغم انى فعلا، اقصد يعنى الدبله، يعنى...
بعقده حاجب مستنكره و دون النظر اليها اجابها بتعجرف خلق من اجله: علشانك! و ليه شفاه ساخطه مردفا: ماتفكريش كتير يا بنت الالفى، انا اللى عملته كان علشان عمتى تعرف ان مش انا اللى هسمح لحد يتدخل في حياتى، و انتِ دلوقتى تخصينى و اللى يمسك يمسنى و انا بقى مبحبش حد يقرب من اى حاجه تخصنى، فاهمه؟
ثم رمقها بنظره حاده جعلتها تحدق به في ترقب عندما اضاف: انا لبستك الدبله مره، دلوقتى لا هقولك البسيها و لا هلبسهالك، و سواء لبستيها او لا فمش فارقه خالص يعنى، و لكلماته الحاده اثر الخوف على قلبها فآثرت الصمت و قد كان حتى توقف بالسياره امام مبنى كبير نسبيا و اشار لها بالترجل متمتما: يلا وصلنا. و ترجل دون كلمه اخرى و هى خلفه و قبل ان تسأله عن اين جاء بها، تحرك للداخل فتبعته بفضول و ترقب وجل،.
لحظات و كان تقف امام اكرم الذى انتفض يضمها بقوه تعبر عن غضبه منها، قلقه عليها، اشتياقه لها و الكثير الكثير من ندمه و اعتذاره، و بادلته هى حضنه لتدرك انه و ان كانت حزينه بسبب اخفاءه الامر لكنها ابدا لن تشعر بمثل شعورها و هى بين يديه، كأنها بحضن ابيها، ابتسمت تبتعد عنه، حوار سريع، عتاب يقابله اعتذار، قلق يقابله اطمئنان و اشتياق يقابله مثله و اكثر.
دقائق قليله ثم هتف عاصم بجديه: انا قولت اطمنك عليها علشان متقلقش بس هنمشى دلوقت و لينا قاعده وقت تانى. تعجب من جنه، اعتراض من اكرم و لكن امام اصرار عاصم وجديته تقبل كلاهما الامر و تحركت معه، تستفسر عن وجهتهم و لكن لم يجيبها، مره و مره اخرى و مع صمته صمتت مجبره.
الكثير من الوقت بعدها حتى توقف مره اخرى بالسياره، فاستدارت تنظر للمكان من حولها فتجمدت الدماء بعروقها و هى ترى ذلك الفندق الذى اُهينت و ذُلت فيه، فرفعت يدها تضم وجنتها لااراديا و هي تتذكر صدي تلك الصفعه، الصفعه التى كانت السبب في تغيير مجرى حياتها كلها، الصفعه التي بالرغم من قوتها كانت السبب في افاقتها من خضوعها،.
اغلقت عينها تضغطها بقوه و هى تضع يدها على صدرها و احداث ذلك اليوم تتابعها باستماته و لكن يد عاصم التى امسكت بمعصمها لتجذبها خارج السياره اعادتها لارض الواقع امامها فصرخت بعنف خائف: انا مش هدخل هنا، انا عاوزه امشى. و حاولت جذب معصمها منه و لكنه شدد قبضته عليه يجذبها خلفه هاتفا بصرامه: مش قبل ما نخلص اللي جايين علشانه.
تساقطت دموعها ضعفا و عجزا و وجعا لا تدرى اهو قديم ام مازال حديثا و همست بصوت مختنق و هى تبتعد عنه للخلف فاشله: بالله عليك انا عاوزه امشى. توقف و يده تترك معصمها ليمسك يدها بقوه عله يطمئنها انه معها و صاح بقوه: لازم تدخلى، و لازم تواجهى.
و لم يسمح لها بكلمه اخرى رغم توسلاتها العديده و جذبها ببعض القوه للداخل حتى توقف بها في منتصف تلك القاعه لتنظر جنه حولها بتوجس و قلبها ينبض هلعا حتى رأت امرأه ما تقترب منهم و بمجرد ان رأتها اتسعت عينها بصدمه و هى تعود خطوه للخلف متمتمه بتقطع: ك، كو، كو، ثر، كوثر هانم!
الاراده و الاصرار هما سلاحا النجاح. تقف امام باب الغرفه بثبات مصره على التحدث في الامر مره، اثنان، ثلاثه و ربما مائه حتى تصل لمرادها، طرقات خفيفه على الباب ثم امالت رأسها تنظر لوالدها بابتسامه متمتمه برسميه مازحه يدرك منها عز رغبتها في امرا ما: ممكن ادخل يا عز باشا؟ نظره سريعه، ابتسامه بسيطه، اجابه حاسمه اخبرتها بأنه ادرك جيدا لماذا اتت: ادخلى يا سلمى.
لحظات و كان امامه تستعد لمشاداه جديده بينهم و قبل ان تبدأ الحوار اردف هو بلهجه محذره: خير يا سلمى، في حاجه! تراقصت نظراتها من اقصى يمين الغرفه لاقصى يسارها قبل ان تتحدث ببعض التحدى الذى لا تتخلى عنه: بصراحه يا بابا انا عاوزه اتكلم في موضوع الشغل.
استند بمرفقيه على المكتب امامه يطالعها بدقه يبحث عن تردد، قلق، ارتباك او ربما توجس الرفض و لكنه لم يجد سوى اصرار، ثقه و عزيمه قويه للتحدث، التناقش، التحايل و ربما الشجار، فابتسم.
تلك المتمرده التى لم تطلب شيئا من صغرها الا و نالته، لم تتعلم ابدا ان تتنازل عن امرا ارادته، لم تتقن فن تقبل الهزيمه او التخلى عن حلم من احلامها، و ان كان سيكلفها ذلك صبر ليالٍ، و حوار ساعات، و تحايل ربما يصل لاشهر فهى مقتنعه تماما ان العامل المهم ليس الوقت الذى تحصل فيه على ما تريد و لكن الاهم هو حصولها عليه.
و مع ابتسامته ابتسمت هى الاخرى مدركه ان مجرى الحوار هذا المره سيختلف، ليس هناك تذمر، عقده الحاجب المستنكره، النظره الغاضبه و ال لا التى ينتهى بها الامر. فكر هو مره و اثنان و ثلاث و في كل مناقشه بينهما يقضى ليلته يفكر هل رفضه صحيح و هو الحل حقا ام هى تستحق ان تنال فرصتها؟
و توصل بالنهايه لنتيجه ان سلمى لا تعرف معنى التقيد، لا ترضى بالمعتاد و دائما ما تعشق الجديد مهما كانت قوته او ربما صعوبته و هو يفهم جيدا ان طفلته قويه، و تملك عزيمه جباره للنجاح فيما ترغب و لذلك قرر اعطاءها الفرصه.
تحدث اخيرا و قد راقه انها احترمت صمته و لم تتحدث ناظرا لعينها بجديه يخالطها حنان ابوى: بصي يا سلمى، لما خالفتِ توقع الكل ايام ثانوى و اخترتِ علم رياضه، انا فكرت كتير و كنت متردد لان رياضه مش سهله، و بعدين قولت ليه لا؟! تبقي مهندسه قد الدنيا، تنجحي و تحققي طموحك، رغم ان والدتك اعترضت و كانت تتمنى تبقي دكتوره بس انا وافقتك لانك لما تتعبى في حاجه بتحبيها و اخترتيها احسن ما تتعبى في حاجه مكنتيش عاوزاها و كنت واثق انك هتنجحى.
تابعت حديثه بهدوء و هى تحاول تخمين ما يريد الوصول اليه بحديثه هذا و لكنه لم يمنحها الكثير و قال: انا موافق على الشغل يا سلمى، بس لازم توعدينى انك تثبتِ نفسك و تنجحى بجدراه و تخلينى دائما فخور بيكِ.
اتسعت عينها بسعاده و هى تحصل اخيرا بعد طول انتظار على رخصه قياده احلامها و هتفت بثبات و ثقتها بنفسها تتجسد بوضوح في حديثها: اوعدك يا بابا، و انا متأكده انى هرفع راسك لانى مش متعوده اخد خطوه الا و انا متأكده انى قدها.
رفع سبابته في وجهها مردفا بتحذير صريح عبر عن شروط موافقته: انا عارف كويس انك ماتعرفيش كتير عن عادات الصعايده لكن انا اتربيت و عشت وسطهم و هفضل لحد ما اموت صعيدى، علشان كده في التزامات لازم تعمليها و الا انسى الشغل نهائى.
عقدت حاجبيها منتظره توضيح اكثر عن شروطه فأكمل بنفس النبره الجاده: تأخير مش مسموح، تعامل مع شباب في غير حدود شغلك مش مسموح، سفر و تنطيط مش مسموح، شغل مديري بيكلمنى و زميلى بينصحنى مش مسموح، الشغل يأثر على جوانب تانيه من حياتك مش مسموح، الخروج و الدخول بميعاد، و لو حصل و عارضتي حاجه واحده من دول او في مره تعاندى و تخالفى اللى قولت عليه يبقى وقتها مفيش و الموضوع مش هيتفتح تانى، كلامى مفهوم يا سلمى.
ابتسمت باطمئنان فهى تدرك جيدا ما يجب عليها فعله و اخبرته ذلك عندما تمتمت بلهجه صعيديه مانحه اياه طمأنينه هو يمتلكها بالفعل و لكن واجبه كأب يحتم عليه تحجيم جموحها: انا صحيح متربتش في الصعيد، لكن ابويا صعيدى صوح و عرف يربى بناته زين، متجلجش يا ابوى وراك رجاله. اتسعت ابتسامته مع نهايه كلامها و صاح مانحا اياها تفكير جديد بمزاح قائلا: عاصم عرف عن موضوع شغلك؟
ضحكت ناظره اليه و هى تحرك رأسها نافيه فابتسم بالمقابل فقبلت اياه و غادرت الغرفه مدركه انها لم تعد بحاجه لاقناع عاصم فهى فازت بما ارادت و انتهى الامر.
بمجرد ان وضعت قدمها على الدرج تفاجأت بعاصم يدلف للمنزل و هو ممسك بيد جنه بعنف جاذبا اياها خلفه باكيه و يبدو على وجهها ملامح الخوف الشديد بينما هو يصرخ وجهه بغضبه الاسود، لم يعر سلمى انتباها و هو يركض متجاوزا الدرج بسرعه مهوله كادت تُسقط جنه خلفه و هى تحاول اللحاق به، راقبت نجلاء التى كانت تهبط الدرج ما يحدث بتعجب و لكنها ما لبثت ان صاحت بسخريه: ايه يا عرسان اي...
قاطعها عاصم صارخا بنبره قاسيه غير آبه بأى شئ: مش عايز حد يكلمني نص كلمه. و تحرك دون كلمه اخرى دالفا لغرفه جنه و دفعها بقوه للداخل حتى كادت تسقط و وقف خلفها و صرخ بها: انا مبقتش عارف انتِ عاوزه ايه! و لا بتعملى ايه! انتِ عاوزه توصلى لايه فهميني؟
انتفضت جنه و هى تهرب بعينها منه و صراخه يزلزل جسدها خوفا منه، و دموعها تتساقط رغما عنها و هى تشعر ان جسدها على وشك الاستسلام، و مع صمتها صاح بأقصى ما يملك من صوت بها مجددا: انطقى يا جنه، ايه اللي انتي عملتيه ده و ليه، انطقى؟
جاهدت لتتحدث، داخلها الكثير لتقوله، لديه من المبررات ما يكفى، تود ان تصرخ مثله و اكثر، تود التعبير عما اشعرها به بفعتله و لكن لم تجد صوتا، تود الصراخ بأقصى ما تملك من صوت و لكن لم يخرج سوى بحه مكتومه بدموعها: انا م...
و رغم انه طالبها باجابه لم يمنحها فرصه الرد هاتفا بغضب مجددا يعنفها، يعاتبها بل يكاد يعاقبها و يجلدها بكلامته: انتِ ايه ها؟! انتِ كسرتِ كلمتي و هربتِ، هربتِ من مواجهه كانت المفروض تحصل و من زمان، انتِ مسمعتيش الكلام و نفذتِ اللي في دماغك، انتِ صغرتينى و صغرتِ نفسك قدام واحده متسواش، انتِ شايفه اللي عملتيه صح؟ شايفه ان خوفك و هروبك صح؟
صمتت مجددا و دموعها من تجيبه كاتمه كل صوت جاهد ليخرج، و مع صمتها صمت هو الاخر و هو يتذكر بعصبيه مفرطه ما صار. كوثر هانم و بأقصى ما يكون تدافع ما حدث طوال العشر سنوات الماضيه بحياتها امام عينها جعلها تقف بعدم اتزان و ذكرى الصفعه التى نالتها في هذا المكان يتردد بأذنها. بينما اتقربت كوثر منها و هى تهتف بسخريه مستهزئه: يا اهلا يا اهلا، جنه ماجد الالفى بنفسها جايه تشوفنى، معقول وحشتك قوى كده؟
و بارتجافه ضعف رفعت جنه عينها اليها، ليهولها مقدار ما تحمل كوثر لها من كره اسكنته بعينها، تراجعت خطوه للخلف و كل ما اعتقدت انها جمعته من قوه تهاوى. جدران قلعتها التى حصنت نفسها بداخلها من الخوف و التردد و التراجع تهدمت دفعه واحده. امامها الماضى بكل ما حمله من شروخ و ندوب بروحها لن تلتئم، و خلفها الحاضر بكل جبروته و سطوته عليها و هى ها هنا تقف في مواجهه اسوء ما يكون عليها.
فرغما عنها و بحركه لااراديه تراجعت خطوه اخرى للخلف كأنها تبتعد بل هى بالفعل تهرب و لكنها لم تستطع و خاصه بعدما رفعت عينها لعاصم ليوترها ما تحمله عينه من غضب و توعد فازدردت ريقها ببطء و هى تعجز ان تحمل ضغط كهذا، اشاح عاصم بعينه عنها ناظرا لكوثر متمتما بذاك الهدوء الذي يسبق العاصفه: انا قولتلك قبل كده ان حقها هيرجع و كامل، بس اعتقد انك كنتِ فاكره انى اقصد شركه و فلوس بس،.
ثم ابتسم بغضب و عينه توضح بصراحه عن مدى اشتعال روحه غضبا: في حق مهم يا كوثر لازم يترد، دلوقتى، و هنا. سرعان ما تلاعبت الافكار بعقلها لتتفق جميعها على نتيجه واحده جعلت عينها تتسع بتوجس و هى تقول بحذر: تقصد ايه؟، و بعدين ليه هنا؟ اتسعت ابتسامته مدركا انها فهمت جيدا مقصده و اشار اليها من اعلى لاسفل بنفس نظرات السخريه التى شملت بها جنته منذ لحظات بل اشد و اسوء: هو اللى انتِ فهمتيه بالظبط،.
ثم اضاف باستهزاء واضح: عاصم الحصرى متعودش يسيب حق له ابدا و انتِ جيتِ على حق و كبير قوى كمان. و بينما يستعرض كلا منهما قوته او ربما رغبته و محتمل ما ينوى عليه، كانت تلك تقف كالتائهه خلفه، ترغب في الاختباء منهم و كم رغبت ان تختبئ به و لكنها لم تجده. هو عن اى حق يتحدث! ماذا يحدث و لمَ! تود الصراخ بأن ما تريده ليس حق، هى فقط تريد نفسها.
تود الهرب من فقاعه الماضى التى تخاف الخروج منها و اُهلكت من البقاء بها. ترغب في النسيان، الهروب من الالم و التفكير المتلاحق بما صار و بما سيصير. لماذا يصر هو على فتح مجلدات روحها المنهكه و العبث بأوراق تسعى لاحراقها عل كوابيسها و خوفها يحترق معها. عقدت حاجبيها بتألم و يده تضغط على ذراعها بعنف لتنظر اليه هاتفا باصرار و قد جن جنونه و انفرط عرقه الاسود غضبا: خدى حقك.
و مع دفع يده لها تقدمت خطوتين اتسعت لهم عينها وانفاسها تتلاحق بتشتت لتقول و قد خرج صوتها اخيرا و ان كان مهزوزا معبرا بوضوح عن خوفها: حق ايه؟ انا، انا.. جذبت يدها منه و تنحت بعيدا عنه تتطالعه بنفى جَسَدَ تبعثرها: انا مش عاوزه حاجه انا عاوزه امشى من هنا. و بصبر حاول استدعائه بشتى الطرق غير منتبها انه يضغط عليها: لازم تواجهي، لازم تاخدى حقك.
تنظر اليه باستغراب و رهبه ما الذى يريده، هى حقا لا تفهم ما يريده و مع الضغط الذى حاوطها نفسيا و خارجيا ارتجفت عينها لامعه بالدموع ممسكه بيده متوسله: لا، انا بس عاوزه امشى.
و تحركت مبتعده عنه باتجاه باب القاعه و لكنه قبل ان تفعل كانت يده تُمسك بذراعها تكاد اصابعه تخترق لحمها لتتأوه و ملامحها تنكمش بوجع و صاح بها بغضب ابن الحصرى الذى لا يستطيع احد اثناءه عن امر قرر المضى فيه: لا كفايه هروب لحد كده، دلوقت هنرجع الحقوق لاصحابها.
حركها رغما عنها موقفا اياها امام كوثر التى تراجعت نصف خطوه للخلف تتابع ما يحدث بترقب حتى هتف عاصم بجنه كأنه يأمر احدى العاملين تحت طوعه: ردى القلم. استنكرت كوثر الامر بشهقه معترضه و هى تتطالعه بغضب بينما رفعت جنه عينها اليه ببطء صاعق من كيفيه تفكيره، و مع ما لون عينه من اصرار هتفت رافضه و هى تحرك رأسها يمينا و يسارا: انا لا يمكن اعمل كده، مش ممكن.
و هنا اعاد هو غرس نفس الخنجر مذكرا اياها بما صار: لا ممكن، افتكرى احساسك وقتها بس، احساسك و انتِ بتتهان كرامتك قدام كل الحضور، بدون سبب و من مرأه ابوكِ المبجله اللي المفروض في مقام والدتك، فاكره احساسك يا جنه؟! و كأنه بحاجه لتذكيرها، و يا ليته يعلم انها بحاجه للنسيان ربما لانها تريد حياه هادئه. اغلقت عينها لتنهمر دموعها عاجزه و تهدلت اكتافها هامسه بعجز: فاكره، بس مقدرش اعمل كده، مقدرش.
و هنا صرخ بها و غضبه لاجلها يتحول عليها: ليه؟ ليه و لحد امتى؟ و كأن صرخته فجرت ما بها فصرخت و رغم قوه صراخها ظهر ضعفها و قله حيلتها واضحه: لحد اخر يوم في عمرى، لحد ما اموت مش هقدر امد ايدى على الست اللى ربتنى.
صمت، صمت، صمت و كان هذا الهدوء الذي سبق العاصفه التي هبت عندما دوى صوت صفعه قاسيه على وجه كوثر دفعتها ارضا مع القليل من الدماء يغطى جانب شفتيها، ليعيد الزمن نفسه فكما طبعت اصابع كوثر اثارها على وجه جنه، طبعت اصابع عاصم اثارها على وجه كوثر و لكن شتان بين الصفعتين.
و مع صرخت جنه الفزعه حدق بها عاصم بأقصى ما يملك من غضب متمتما ليمنحها صوره مبسطه عن مدى ما قد يصل اليه قلبه من قسوه: انا بقى اقدر اخذ حقى كويس و دلوقتى بس رديت لمراتى حقها كامل. حدقت به جنه بصدمه، هو لم يأبه لفارق العمر بينهما، لم يهتم لانه رجلا و هى امرأه، بل لم يشغله اى شئ سوى ان يرد ما يقول عنه حق و يشهد الله انها لا تريده.
وجه نظره لتلك الملقاه على الارض لا تصدق ما صار لها و حدثها بغضب مستحقر: انا عمري ما ايدى اترفعت على واحده ست، بس اللي زيك مينفعش يتعملوا كبني ادمين انتِ مايمشيش معاكِ غير معامله الحيوانات... ثم اشار بسبابته اليها محركا اياه من اعلي لاسفل بازدراء: و مش انتِ اللي تغلطي في مراتي، و مش انا اللي اسكت عن غلطك.
و كيف تخرج من هنا مذلوله، مضروبه و خاسره فكما اشعل نيران غضبها فأصرت هى على حمله للجنون هاتفه بحده و هى تنهض تمسح جانب شفتيها ببعض القوه متهكمه: مراتك!
ثم اشارت لجنه باحتقار مماثل لاحتقاره تماما: مراتك دي اجبن مما تتخيل، و اذا كنت فاكر انك في ضهرها مره فصدقني مش هتبقي جنبها كل مره، و اللي حصل هنا ابسط مثال انها عمرها ما هتبقي كيان او شخصيه، مراتك دى كانت و مازالت و هتفضل مجرد واحده رخيصه عاشت كده و هتموت كده.
لتنال الجهه الاخري صفعه اشد و اقصى و قد نجحت في احراق ما بقى من تعقله و هو يزمجر بغضب عاصف: من هنا و رايح اسمها مدام عاصم الحصري و ان كنتِ شايفه نفسك تقدري تقفي قدامي و ريني تقدري تعملي ايه؟ و لا يدرى ما صار بعد ذلك و لا يعرف كيف جذبها بكل هذا العنف خلفه راحلا و ها هى تقف اامامه الان يفرغ بها ما بقى من غضبه. back.
راقبت صمته و هى مدركه تماما انه يسترجع ما حدث من لمعه عينه التى ازدادت غضبا فتمتمت بصوت متهدج حزنا: ايوه، اللى انا عملته صح، انا، انا، مغلطش. و بمجرد سماعه لاجابتها عقد حاجبيه مذهولا مرددا خلفها: مغلطيش؟! ثم صرخ بجنون: هروب، جبن و خوف غير مبرر و مغلطيش، لما ده مش غلط يبقى ايه يا جنه؟ ردى. الله ما براحه يا عريس عروستك لسه متفهمش بسرعه كده فهمها براحه.
نظر عاصم لمصدر الصوت و التى لم تكن سوى نجلاء التى وقفت منذ البدايه تتابع الحوار ليدرك انه لم يغلق باب الغرفه بعدما دلف، فتحرك باتجاهها قائلا بحده من بين اسنانه: انا مش قولت مش عاوز جنس مخلوق يتدخل، و اظن الناس المحترمه لما يلاقوا راجل و مراته بيتكلموا يخدوا بعضهم و يمشوا و لا الدم انعدم، يا عمتى. و مع الخطأ الصريح بحقها صرخت تعنفه: عاااصم ان..
و لكنه قاطعها مشيحا بوجهه عنها هاتفا: بلا عاصم بلا زفت، انا مش عاوز اشوف وش حد. اغلق الباب بعنف مستديرا لتلك التى تقف كالتلميذه المخطئه و صاح بنفاذ صبر موضحا لها كيف يراها: بصي بقي انا جبت اخري معاكِ، زهقت من ضعفك، مليت من هروبك و لازم تفهمي حاجه واحده انك هتتعلمي تواجهي يعني هتتعلمي حتى لو غصب عنك، حرم عاصم الحصرى لازم تعرف تاخد حقها كويس، فاهمه يا بنت الالفى!
و استدار ليغادر ليصله صوتها الخافت كأنها تحدث نفسها: انا اه بخاف بس النهارده انا ماهربتش. استدار لها مره اخرى ينتظر بقيه ما بدأته و قد منحته اياه بمدى طفوليه روحها عندما نظرت اليه ببراءه غريبه على فتاه في عمرها: انا بحافظ على نفسي، بحافظ على اللي بابا زرعه جوايا، بحافظ على مبادئي و ديني، بنفذ اللى ربنا قال عليه و اللى ابويا ربانى عليه.
منحته نظره ليرى هو مدى حيرتها و تخبطها و اردفت هى بشرود متذكره عاده جلوسها في حضن والدها يحدثها و يبثها ما يريد ان تحمل من قيم: بابا كان دائما يقولى اوعى يا جنه تغلطي في حد، اوعي تزعلي حد منك، اعملى دايما صح و متفكريش مرتين.
صمتت و الذكرى تؤذيها و تترك ندبه اخرى بروحها و هى تشعر للمره المائه انها بلا ظهر او سند، انها و بوفاه والدها كُسرت تماما، تقطع صوتها بأنينها الهادئ و هى تجاهد لتكتمه مردفه: الست دي ربتني، واحده غيرها كانت طردتني من البيت، اه عاملتني وحش، اه غلطت في حقي، و اه جات على كرامتي كتير، بس هتفضل مراه ابويا، هتفضل الست اللي اخترها ابويا علشان تبقي ام لينا بعد ماما الله يرحمها، الست دي اكبر مني و واجب عليا احترمها، عارف ليه؟
اختنق صوتها بدموعها و هى تتذكر الايه التى حفظتها عن ظهر قلب من تكرار والدها لها: لان بابا علمنى ان ربنا قال في كتابه وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، لان بابا حفظنى ان الرسول قال لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا .
صمتت لحظات ثم بأقسى ملامح التردد و الضعف رفعت عينها اليه و هى تسقط جالسه على طرف الفراش متسائله: يبقى انا كده غلطت؟ لما احاول احافظ على اللى بابا علمه ليا ابقى غلطانه؟ ليه بتطلب مني اعمل حاجه لا هترجع حقي و لا هترجع كرامتي و لا حتى هترجع ايامي اللي اتسرقت مني بالعكس دي هتخلي مفيش فرق بيني و بينها و زي ما هي غلطت انا هغلط! بتعاتبنى ليه؟
و مع تذكرها لتلك الطفله – التى لعبت، ركضت، فرحت، تمردت، تدللت – و بنهايه كُسرت حتى لم تعد تجد بنفسها نفسها القديمه، ارتجف جسدها بكاءا رثاءا لحالها بينما هو يقف يتابع انتفاضتها بقلب رق لحالها، لحديثها، و طفوليه روحها الذى يدرك انها لم تعد مناسبه لواقع كالان، محقه هى في كل ما قالته، محقه في ترددها و تراجعها بل كيف واتته فكره ان تهين هى تلك السيده.
لم يتعلم كيف يخضع لاحد او ينخفض له و لكن لها فعل، انحنى مرتكزا على ركبته امامها رافعا رأسها اليها لتشملها عينه بنظرات حانيه كانت في امس الحاجه لها، لتقابله عينها التائهه و انفاسها المتلاحقه بتلاحق دموعها و شفتيها ترتجف و هى تردف مجددا: مكنتش هقدر اواجه نفسى لو اهنتها، مكنتش هقدر اواجه بابا لو زارنى في احلامى، مكنتش هقدر. امالت رأسها و هى ترجوه النفى لسؤالها: هو انا كده غلط يا عاصم؟
و لاول مره تشاركه تفكيرها، تشاركه حزنها. لاول مره تتطالعه بلجوء اليه لا اختباء منه. لاول مره تجرد علاقتهم من اول الحواجز و تناديه باسمه. لا فارق ان كان يراها مخطئه، لا فارق ان كان يعدها خائفه، لا فارق ان كان يرفض ضعفها، بل لا يفرق اى شئ فليذهب كل شئ للجحيم فقط فلتكن هى بخير.
رفع يده مزيلا دموعها ليحتضن وجنتها بدفء بعدها لتمرغها هى براحه كفه ملتمسه هذا الاحتواء هامسا بنبره هادئه مطمئنه: انتِ عملتِ الصح و اتعودي طالما مقتنعه باللي عملتيه اوعي تندمي عليه ابدا.
حدقت بحصونه السوداء تاركه اياه يُشبع ابريقها العسلى بفيض حنانه الذى نادرا ما تجده به و بدون ان تدرى لم؟ كيف؟ و لماذا طاوعت نفسها؟ حاوطت عنقه بذراعيها تُخفى وجهها به لتسمح لشهقاتها بالتحرر و يدها تجذبه اليها بقوه، لتترك دموعها اثارها على عنقه و كتفه. و ما اسوء شعوره الان بين حب و قسوه، لم يعنيه جسدها بقدر ما اوجعه نبضاتها الثائره، لم يعنيه قربها بقدر ما ارهقه دفء دموعها،.
لم يعنيه انتظاره لها بقدر ما اشقاه تطلب حضنها، لم يعنيه اى شعور اصابه الان بقدر ما افقده عقله شعوره بالارتباك، فلاول مره يشعر بمثل هذا التخبط الذى سببته تلك الحمقاء بحضنها المفاجئ هذا. و لكنه تجاهل كل هذا و احتوى جسدها بقوه مانحا اياها ما تحتاج من دعم.
دقائق مرت عليه دهر - ربما لانه منذ ان رأها بحضن اخيها يتمنى ان تحتويها ذراعيه، ربما لانه كلما رأها تبكى نازع نفسه ليمتنع عن ازاله دموعها، ربما لانه فقط و فقط يريدها،.
هدأت شهقاتها قليلا و رويدا رويدا ابتعدت عنه بارتباك واضح، فأعد نفسه لكلمات لاذعه تهرب بها من فعلتها كما حدث من قبل، فنهض مسرعا و لكن خانته ركبتيه التى تألمت لجلسته فتأوه رغما عنه منحنيا قليلا يمسدها بغيظ، و لكن سرعان ما تجاوز الامر ناظرا اليها منتظرا ما ستصرخ به و لكنها خالفت توقعه هامسه بخجل: انا اسفه.
حمره خجل او ربما اثر بكاءها، مع حركه طفوليه باصابعها الصغيره لعينها تُمحى ما علق من دموع، و اخيرا صوتها المختنق و همستها الخافته، جعلته يرفع احدى حاجبيه متعجبا: على ايه؟!
و بنظره سريعه لركبتيه و باشاره اعتذار اخرى اوصلت مقصدها، فازداد انعقاد حاجبيه مع ابتسامه جانبيه زينت شفتيه ليجيبها على اعتذارها بشغب يتلذذ به معها: انا مشتكتش على فكره، ثم اضاف و قد راقه مخالفتها لتوقعه: ثم انا اتوقعت انك هتضايقى مش تعتذرى! اخفضت بصرها عنه مدركه ما يرمى اليه و لكنه يجد في مشاغبتها متعه لا تضاهيها اخرى فأضاف بخبث: تضايقى انى مانفذتش وعدى مثلا!
و بتذكرها لوعده، لحظه سقوطها و احترامه لهذا الوعد، تابعه تذكرها لمها بين ذراعيه و التى لا تعلم حتى الان كيف فعلها، تذكرها لمشاغبته لشقيقاته و حركاته الماكره جعلها تندفع قائله دون تفكير كأنها تجد ان لها مثل ما لهن من حقوق بل اكثر فهى زوجته: انا اصلا مطلبتش منك توعدنى و اان..
لحظه صمت تبعها ابتعادها عده خطوات للخلف صاحبه ارتباك مفرط عندما لاحظت ما تفوهت به، و بغض الطرف عن ندمها لانه سمعها تقول هذا، الندم الاكبر كان من نصيبها عندما ادركت ما تفكر، تغضب و تشعر به و خاصه تجاهه هو، لا تدرى كيف طاوعها عقلها لتضمه اولا ثم الان تلك الحماقات التى فكرت بها بل و عبرت عنها في جمله صغيره سيستغلها هو الان و قد كان عندما شملت عينه نظره استمتاع واضحه مع مداعبته لجانب فمه بمكر: افهم من كده..
اقترب باتجاهها خطوه مستمتعا اشد الاستمتاع بالتوتر الظاهر على ملامحها و اردف: انك اصلا مش عاوزانى... و خطوه اخرى بكلمه اخرى بنفس النبره المشاغبه: انفذ وعدى ليكِ!
و خطوه اخيره و كان امامها مباشره فاشاحت بنظراتها عنه قاصده تجاهله و لكن كيف لابن الحصرى ان يترك فرصه كهذه ليرى من خجلها ما يروى القليل من ظمأ رجولته، فما احب على قلب رجلا من حمره خجل تزين وجه محبوبته و خاصه عندما يكون هو السبب بها: سكتِ ليه يا جنه؟
تحاول تجاوز الامر مسرعه فما كان منها الا ان تذكرت ما قال فرفعت عينها اليه متسائله بدهشه و هى تتجاهل كل ما سألها اياه الان: انت قولت ان حقى رجع كامل، انت كنت تقصد ايه؟ و بلحظات كما دفعت اليه بروح المشاغبه جذبته بعنف خارجها مما جعله يغضب اشد الغضب لتجاهلها المتعمد و الذى يرى انه لم يكن عليها ان تتجرأ و تفعله فاحتدت عيناه و هو يجيبها: حقك يا هانم اللى اتنازلتِ عنه.
عقدت ما بين حاجبيها باستغراب عبرت عنه مباشره و بدا كأنها تستجوبه: ازاى و امتى؟ و اقتربت خطوه تحدق به بتفحص: انت عملت ايه بالظبط؟ و مع غضبه الذى تجاوز الحد باعتقاده انها تستجوبه و هو امر لم يعتاد عليه سوى من قادته في العمل صرخ بها و هو يقبض يدها بعنف: انا محدش يسألنى عملت ايه و ليه انتِ سامعه؟ و قولتها ليكِ مره و هقولها ليكِ تانى مش انا اللى بفرط في حقى و انتِ تخصينى و حقك حقى فاهمه!
و دون كلمه اخرى دفع يدها مغادرا الغرفه بأكلمها تاركا اياها تتخبط مجددا في مواقفه الغير متزنه و التى تدفعها من اقصى اليمين لاقصى اليسار.
منوره يا دكتوره. هتفت بها نهال و هى تُمسك بيد حنين التى تجلس معهم على طاوله الطعام بعدما اصر فارس على والدها ليسمح لها بتناول الافطار معه و عائلته ابتسمت حنين مجيبه بخجل: البيت منور بأهله يا طنط... ثم اضافت بمرح تخفى خلفه توترها: و بعدين ايه دكتوره دى بلاش منها. و هنا تعمد فارس اخجالها اكثر ملاحقا اياها بكلماته: ازاى بلاش بقى، دا انتِ احلى دكتوره كمان.
نظرت امامها تكاد تنهض راكضه رغم معرفتها بعائلته من قبل، رغم تعاملها المعتاد معهم، و لكنها الان تشعر بنفسها في اكثر الاوقات احراجا. ضرب مازن بملعقته مازحا بعبوس مصطنع: جرى ايه يا عم الحبيب! راعى ان في عُزاب قاعدين. و مع كلمات مازن ازداد خجلها و لكن لم تستطع منع ابتسامه واسعه وجدت طريقها لشفتيها و فارس يجيبه بلكزه قويه نسبيا راميا اليه بتلميحا مستترا: طيب ما تتجوز يا حبيبى حد منعك.
و فهم مازن مقصده و لكنه تجاوزه ناظرا لحنين بابتسامه و غمزه سريعه مردفا باستمتاع لاغاظه شقيقه: لو عندك عروسه زي دكتوره حنين كده انا موافق جدا. دفعه فارس بغضب فقهقه مازن مبتعدا عنه قليلا بينما تجاهلتم نهال ناظره لحنين بحنان تتميز به وورثه اطفالها عنها كاملا: سيبك منهم يا حنين و طمنينى اخبار كليتك ايه؟
و حديث مرح توضح فيه مدى ما تعانيه في كليتها دفع الجميع للضحك على ما تقوله حتى هتف فارس بنزق: المهم هتخلصى امتى؟ عاوزين نتجوز بقى.. تلعثمت حنين بحديثها مما دفع الجميع للضحك مجددا حتى كادت تختفى من فرط خجلها عندما نكزه مازن بخبث متمتما: مستعجله على ايه يا بطه! و قبل ان يجيب فارس ضحك محمد مأزرا ولده قائلا بجديه مصطنعه: انشف يا ابنى شويه مش كده.
عبس وجه فارس مدعيا حزنه متمتما بخيبه امل: بتقف معاه ضدى، كده برده يا حاج. صاحت نهال بهم لاسكاتهم ثم امسكت بيد حنين توصيها على صغيرها و الذى مهما بلغ من طول و مهما ارتفع شأنه سيظل صغيرا تخاف لاجله: عارفه يا حنين، انتِ معاكِ روح البيت ده، فارس كان اول فرحتي، ابني الكبير و راجلي التاني، هو اغلي ما عندي، اول فرحه يا بنتي بتفرق قوي، و مش مكسوفه او خايفه اقولها لان محمد و مازن عارفين ده كويس..
استند مازن بمرفقه على الطاوله واضعا يده على وجنته هامسا بحسره دراميه: عارف، عارف و كاتم في نفسى و ساكت. و فعل المثل والده و هو يضيف بحزن و حسره مماثله: شاهده يا حنين يا بنتى، بتحبه اكثر منى حتى.
صاحت نهال بهم مجددا فحمحم محمد ثم اضاف بجديه و بروح الاب الذى يرى في اولاده ظهرا له: نهال معاها حق، فارس فعلا روح البيت، عارفه يا بنتى عمره ما كسر لي كلمه الا لما قرر يخطبك، و وقتها عرفت ان ابني كبر وبقي راجل اقدر اتسند عليه، راجل البيت من بعدي و هبقي مطمن لما اموت انه هياخد باله من امه و اخوه.
اسرع فارس يُمسك بيده مقبلا اياها بينما منعا للدراما الحزينه التى لا تتناسب مع شخصيه ذلك المزوح باستمرار نهض غاضبا صارخا بهم: هو انا محدش هيمدح فيا و لا ايه؟ انا ابنكم برده يا خلق. ثم اعتدل واقفا و ضرب صدره بيده بشهقه مصدومه و هو يتابع بنبره متردده: يا خراااابي هو انا مش ابنكم و انتم لقيتوني جنب صندوق القمامه؟
اخفت نهال وجهها مستعوضه ربها في عقل صغيرها بينما نهض فارس يدفعه بكتفه باستخفاف ساخرا: صندوق قمامه ايه يا ابنى! دول كانوا بيشحتوا بيك على باب السيده.
اسرع مازن باتجاهه و وجهه يوضح انه على وشك تعنيفه فركض فارس ليلحق به مازن ضاحكا بينما تتابعهم اعين الجالسين بضحكه واسعه حتى مالت نهال على حنين قليلا تُكمل ما بدأته: حافظي عليه يا حنين، انا عارفه تربيه ليلي كويس و عارفه ان فارس اختار صح بس دا ابني يا بنتي و لازم اوصيكِ عليه.
ضغطت حنين يدها متجاهله خجلها لتطمئن قلب تلك الام امامها: مش محتاجه توصينى يا ماما، فارس كان حلم عمرى، و هيفضل في قلبى دائما و هعمل كل اللى اقدر عليه علشان اقدر اسعده. ربت محمد على رأسها هاتفا بجديه: اللى هيقابلكوا مش سهل يا بنتى.
ابتسمت بارتباك فلن تنكر انها خائفه بل و بشده و لكنها تثق به، تثق بتمسكه بها فاستدارت ناظره لمحمد متمتمه بنبره واثقه: كل شئ متاح في الحب و الحرب يا بابا و انا حبى حرب و الحرب دى علشان فارس، و انا مش هتحمل خساره فارس لان وقتها هخسر نفسى. ما شاء الله، ما شاء الله، ربنا يباركلك فيها يا عم. ابتسم فارس و قلبه تتواثب دقاته و هو يستمع لحوارها مع والديه ثم تمتم بحب: يارب يا مازن، يارب.
ثم استدار ناظرا اليه متسائلا بقلق: و انت يا مازن! عقد مازن حاجبيه مدعيا عدم الفهم رغم انه يدرك مقصده جيدا فأردف فارس موضحا: انت هتكمل حياتك امتى؟ و هتفضل واقف عندها لحد امتى؟ و ادرك مازن انه لا مفر من الهروب فاعتدل متمتما بضيق: انت كنت هتقدر تكمل حياتك ببساطه و عادى لو الدكتوره حنين اتجوزت واحد تانى لا و من صحابك و هتحضر فرحها كمان!
ابتسم فارس عائدا بنظره لحنين: كنت هكمل حياتى يا مازن علشان دى سنه الحياه، في حاجه اسمها قسمه و نصيب، في حاجه اسمها قدر، و مش كل حاجه بنتمناها سهل تتحقق، ثم ان انا وضعى مع حنين يختلف عن وضعك مع هبه.
استند بيده على كتف مازن يربت عليه بقوه نسبيه مردفا: حنين كانت معايا من و احنا عيال، كبرنا سوا، اتربينا سوا، عارفها و عارف طبعها و اخلاقها و حياتها و نظامها و تقريبا عارف كل حاجه عنها، اهلها اهلى و حياتها بالنسبه ليا كانت كتاب مفتوح، لكن انت تعرف ايه عن هبه غير انها لبقه في الكلام و حلوه شكلا؟
اشاح مازن بوجهه هاربا رغم استماعه الجيد لما يقوله شقيقه فأكمل فارس: تعرف اهلها نظامهم ايه و هل هتتحملهم و يتحملوك و لا لا! تعرف هى على ايه و حياتها بره الجامعه ازاى! تعرف علاقتها حدودها ايه و هل تتناسب معاك و لا لا! تعرف عنها ايه علشان تقول بتحبها يا مازن؟ ثم ابتسم ضاربا موضع قلب شقيقه: قلبك لسه محبش يا مازن، ممكن نقول اعجاب ممكن نقول انبهار لكن حب لا. اخذ مازن نفسا عميقا مجيبا اياه: يمكن معاك حق،.
ثم ابتسم ناظرا اليه بفخر: عارف يا فارس انا نفسى اعيش اللى بتعيشه دلوقت، ابقى عارف و متأكد ان مراتى بتحبنى و هتفضل دائما جنبى، ثم اضاف مازحا: ربنا يوعدنا يا عم، المهم فرحتك انت يا محبوب الجماهير. آمن فارس على دعائه مردفا: ربنا يرزقك واحده زى حنين كده تطلع عينك الاول و بعدين.. قاطعه مازن دافعا اياه بغيظ: تطلع عينى ليه هو انا ناقص. فضحك فارس مردفا: قول يارب بس و متقلقش.
امام مدخل جامعتها توقف بالسياره ممسكا يدها طابعا فوقها قبله ممتنه متسائلا بنبره متلاعبه: هو انا قولتلك النهارده انى بحبك. عبست بوجهها بطفوليه محببه لنفسه و هى تحرك رأسها نافيه فاتسعت ابتسامته لتشملها بحب فتح ورود خجلها و همس بنبره دغدغت مشاعرها: بحبك جدا يا حنين، بحبك و بحمد ربنا كل يوم على وجودك في حياتى.
ابتسمت بخجل يعشقه ثم اضاف مازحا و هو يتعمد احراجها اكثر: مش هتقوليها تانى بقى و لا لازم نتخانق! رفعت رأسها بعناد تعلمت التمسك به من شقيقتها و تمتمت: مش دلوقتى، يوم الفرح. و راقه عنادها و لكنه لن يمرره ببساطه فغمزها مشاغبا موافقا بشرط: ماشى يا حنين، ان ما خليتك تصرخى و تقوليها قدام الناس كلها مبقاش انا. فأعادت غمزته اليه بأخرى منها و هى تجيبه: لو قدرت تعملها اوعدك هقولها.
و بتحدى اشعلته هى و ان كانت لا تعرف كيف فعلت رفع يده امامها: وعد يا مدام! فصافحته مجيبه بضحكه: وعد يا قلب المدام..
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثامن عشر
ومع بدايه كل يوم جديد، تتجدد الروح و تتنازع الدواخل من اجل يوم اسعد، اجمل و ربما الافضل على الاطلاق. سهر الليل، هواء الفجر، سجود طويل، شروق الشمس، ابتسامه جديده تستقبل بها يومها الجديد، ساعه و الاخرى، طعام الافطار و لكن لاول مره بدونه. غادر لعمله في الصباح لم يخبرها و هى مدركه تماما انه ابدا لن يهتم، هى لا تشغل اى حيز من اهتمامه هى فقط احدى ممتلكاته الذى يحب الحفاظ عليها جيدا.
تتابع اللقيمات لفمها و لكنها لا تتذوقها، ما مرت به امس لم يكن يسيرا فلقد كان اشبه بفتح جرح كان على وشك الالتئام و ربما هذا ما كانت تظنه و لكنه اكتشفت انها لم تعرف معنى ان تكون قويه و بدا لها انها ابدا لن تعرف.
رفعت عينها لتتفاجئ بمها تحاول ايصال رساله ما لها و لكنها للاسف لم تكن تفهم اشارات يدها و لا حركه شفتيها، انتبه الجميع لهم و قبل ان تحاول سلمى شرح الموقف تمتمت نجلاء بسخريه: قولتلك مليون مره بلاش شغل البكم ده و اكتبى في ورق. و بهدوء و قبل ان تلمع عينها بالدموع تركت ملعقتها مردده الحمد ناهضه، تاركه الغرفه مسرعه. نظرت جنه لنجلاء بتعجب، أى أم هذه التى تتعامل من طفلتها بهذا الشكل؟
و بضيق نهضت هى الاخرى لتنال نجلاء فيما بعد عتاب قاسى من شقيقها و زوجته و ان كان هذا العتاب يمنحها سعاده اكبر، فهى تعشق رؤيه من حولها يتألمون و عتابهم يزيد من فرحتها. اسرعت مها للحديقه الخلفيه بينما لحق بها كلا من سلمى و جنه، ملاطفه، حوار حاولت سلمى جعله مضحكا، طرافات ممتعه حتى لمعت عين مها الفيروزيه بضحكتها. ثم تسائلت جنه بحيره و هى تعمل انها ستعجز عن فهمها: كنتِ عاوزه تقولي لي ايه؟
اشارت مها بيدها بحماس بينما رمقت جنه سلمى بنظره رجاء ترجوها المساعده فتابعت سلمى ما تشير به مها ثم ابتسمت موضحه: بتقولك، ان عاصم راح الشغل و طلب منها تطمنك عليه. اختفت ابتسامه جنه تدريجيا، و قبل ان تتراجع تسائلت بحذر: مها، انتِ مخطوبه؟
ابتسمت مها متجاهله ما يصيبها اثر الحديث في مثل هذه الامور و اشارت برأسها نافيه فعقدت جنه حاجبيها اكثر و شعور بالغيره يؤذى قلبها و ان كانت لا تفهمه و لكن لم تغفل عين مها عن تجهم وجهها فابتسمت و نظرت لسلمى مشيره لها ان تخبر جنه عن علاقتها بعاصم فابتسمت سلمى و اعتدلت بحماس فهى كانت دائما ما تغار من تقرب شقيقها و مها و لكنها لا تعد: عارفه يا جنه عاصم و مها بينهم سنه واحده و دائما كانوا يتخانقوا و هما صغيرين...
و قبل ان تردف اشاحت جنه بعينها جانبا مع ليه شفاه غاضبه و هى تتسائل بغيظ واضح: و ليه بقى واضح يعنى انهم بيحبوا بعض قوى! ضيقت سلمى عينها تتابع قليلا ملامح جنه العابسه و سرعان ما انطلقت ضاحكه متمتمه بخبث: هو عاصم مقالكيش مها تبقى بالنسبه له ايه؟ و تراقصت الشياطين امامها الان فور ان انهت سلمى سؤالها فزمجرت بغيظ: تقصدى ايه؟
عادت ضحكاتها ترتفع حتى لكزتها مها ببعض العنف لتقول و تنهى الامر فتوقفت سلمى و اردفت: عاصم و مها اخوات في الرضاعه. اتسعت عينها فور سماعها، ابتسامه ساذجه، و هى تمتمت غير منتبهه لسبب راحتها: اخوات بجد؟!
ارتفعت ضحكات سلمى مجددا و هذه المره شاركتها مها و شاركتهم جنه و لكنها تجهمت فجأه فور ان تحدثت سلمى مجددا قائله بحماس اصاب جنه في مقتل و ان كانت لا تدرى بعد السبب: المهم بقى يا مها، انتِ اللى هتقنعى عاصم معايا بما انك الاقرب لقلبه، اتفقنا؟ ألا يحق ان تكون زوجته الاقرب! لحظه، زوجته! الزوجه هى السكن لزوجها، اما هى، غربته. الزوجه هى دفء المنزل، اما هى، صقيعه.
الزوجه هى نصف الجسد، نصف القلب و نصف الروح، و اما هى، كل الوجع و كل البعد. الزوجه هى الحقيقه، بينما هى مجرد زيف. زواج بصفقه، تقرب مزيف، و رغبه امتلاك. هى و هو ابعد ما يكون عن صحيح الزواج. صرخه عاااااليه، انتفاضه جسد و انكماش ملامح بألم مضنى،.
انتبهت سلمى و مها بفزغ لصرختها لتتسع عين كلا منهما بصدمه مع شقهه دهشه و استنكار، بينما تلك نجلاء تقف بملامح مستمتعه و هى تستمع لصراخ المسكينه امامها بعدما القيت على قدمها مجرد زيت مغلى ، متمتمه باعتذار واهى: اووووه، انا اسفه مكنتش اقصد.
تساقطت دموع جنه من شده وجعها، لا تتحمل ما تشعر به من الم، حركه سريعه، اسعاف اولى، ركض، توتر و قلق فالامر واضح وضوح الشمس انه عمدا و عاصم ان ادرك هذا لن يمرر الامر بسلام. بعد قليل كنت جنه بغرفتها تحاول النوم رغم كميه الالم التى مازالت تشعر بها رغم ما تناولته من مسكن. نظرت مها لسلمى بقلق و اتفقت كلتاهما على اخفاء الامر عن عاصم تماما فالامر ما هو الا حادث عن طريق الخطأ.
الشخص المهم في حياتك، ليس الشخص الذى تشعر بوجوده، و لكنه الشخص الذى تشعر بغيابه. ابراهيم الفقى اوراق كثيره من حوله، امضاء هنا، و مراجعه هناك، متابعه صفقه و البدء بأخرى و بين انشغاله هذا ارتفع رنين هاتف المكتب فأجاب بنفاذ صبر ليصله صوت سكرتيرته: في واحده عاوزه تقابل حضرتك، يا استاذ فارس. و بضيق تمتم: مين! و جائته الاجابه بعمليه: الاستاذه كاميليا ممدوح شاهين،.
ترك ما بيده من اوراق و تمتم بتذكر متحمس: ممتاز، دخليها بسرعه. لحظات و كانت امامه امرأه كامله الانوثه، الوجه الابيض المستدير، عينان بلون الليل العاتم، و خصلات ناريه تظهر من اسفل حجابها المتحضر كما يقال عنه - ان كان يعد حجابا -، بنطال باللون الاسود يعلوه قميص باللون الاحمر القانى، و بالطبع حذاء كعب يصل 10 سنتيمترات يجعل من لم ينتبه لها ينتبه و بقوه،.
لن ينكر انه للحظه تفاجأ و لكنه تجاوز الامر عندما جلست امامه واضعه قدم فوق الاخرى بأرستقراطيه عاليه معرفه عن نفسها بفخر معلله سبب حضورها هى لا والدها: بابا بيمر بظروف صحيه منعته يكمل الصفقه فأنا هبقى هنا مكانه لحد ما نتفق. فأجابها فارس بتذكر: اه، انا فعلا لما سافرت عرفت انه محجوز في المستشفى تقريبا، للاسف مقدرتش اتعرف عليه، ربنا يطمنك عليه.
عقده حاجب مثيره مع زمه شفاه راقيه و ابتسامه هادئه تبعتها بتسائل و هى تشير اليه بسبابتها: انا شوفتك قبل كده، انت اللى اتقابلنا في فندق شرم، مظبوط؟ نظر اليها لحظه ثم ابتسم بالمقابل متذكرا حادث السياره الذى تعرض له و اجابها بمرح: ايوه انا اللى عربيتك سلمت عليه. و بملامح جذابه اضافت بصوت رخيم و ما زالت محتفظه برقه ابتسامتها: اوووه، I m sorry، كانت غلطه غير مقصوده خالص.
و مع كم الضغط الذى تسببه هى بكامل رقيها و انوثتها، اغلق عينه لحظه يلعب بمحبس زواجه ليفتح عينه بهدوء متمتما بوضوح عملى: حاليا عاصم مش هيبقى فاضى يومين مثلا، فا ممكن نتقابل بعدها و هبقى ابلغ حضرتك بالميعاد.
و اجابتها لم تتأخر: مفيش مشكله، انا اساسا محتاجه راحه يومين قبل ما نبدأ شغل، ثم نهضت واقفه و بابتسامتها الواثقه تمتمت: اتمنى الشغل يمشى تمام، ثم ضغطت برقه على حروف كلمتها الاخرى: و يعجبنى. نهض فارس بالمقابل و بابتسامه عمليه مصطنعه اجابها: باذن الله و انا متأكد ان الامور هتبقى تمام.
مررت نظرها عليه من اعلى لاسفل بابتسامه خبيره معجبه و مدت يدها لمصافحته: اكيد مش محتاجه اقول انا قد ايه سعيده بالتعامل معاك. استند بكفه الايسر على المكتب ليحرك الايمن متلقيا مصافحتها و لكن رؤيته لمحبسه جعلته يتذكر يوم عقد قرانه عندما جاءت احدى صديقات زوجته لتهنئتها و مدت يدها له مصافحه فأسرعت حنين تلتقط كفها هاتفه بمرح: جوزى مبيسلمش على حريم يا دكتوره. فابتسم متذكرا رد صديقتها: حققتِ شرطك يا مفتريه!
فعقبت حنين بابتسامه و غمزه: هو الاقتضاء بالرسول افترى. و تعانقت كلتاهما و كانت تلك رساله واضحه له عن رغبتها في هذا الامر منه، لم يدرك ان يده بقيت عالقه في الهواء، و لم يدرك ان الشريكه الجديده مازالت بانتظاره، و لم يدرك انه اخذ وقتا ليتذكر حتى ضمت كاميليا اصابع يدها مبتسمه بضيق مردده: بعد اذنك. و خرجت قبل ان تمنحه فرصه الرد.
جلس على مكتبه يتنفس براحه فهو يعشق زوجته لا محاله و لكن ان تكون امامه كل تلك الانوثه لهو امرا صعبا حتى على القلب التقى. لن يتحمل حتى يرويه صوتها، رنين، رنين ثم اجابه و قبل ان تتحدث تمتم بقوه حبه لها: انا، بحبك و الله العظيم. ضحكه قصيره ثم مشاغبه من تلك الصغيره: طيب ما انا عارفه. ضحك باستمتاع و هو يستمع لضحكتها: انا اللى عملت كده في نفسى، سلمت ورقى كله بس اعمل ايه بقى حكم القوى..
ضحكتها مره اخرى ثم همس خافت بينما يحاوطها هدوء تام بعدما كانت الخلفيه مزعجه: فارس انا لازم اقفل المعيد دخل. وافق مسرعا و تمنى لها يوما جيدا و اغلق و لكن قبل ان يفعل ناداها بلهفه: حنين. همهمت مخبره اياه انها تسمعه فهمس بعاطفه دغدغت مشاعرها: بحبك. ضحكه قصيره ثم اغلاق الخط لتتركه يبتسم فمنذ ان دخلت حياته حقا و هى سر سعادته.
يوم عمل طويل و شاق، عوده و استقبال من شقيقاته، حوار سريع، سؤال عن بقيه العائله ثم سؤال مباشر عن جنته: فين جنه مش قاعده معاكوا ليه؟ ارتكبت مها ناظره لسلمى لتتماسك الاخرى محاوله التفكير سريعا في كذبه ما لكن قبل ان تنطق كلتاهما خرجت ام على من المطبخ خلفها شذى فأوقفها متعجبا ما تحمله من طعام و تسائل: الاكل دا لمين يا ام على؟ فأجابت شذى بحزن طفولى: لجنه يا ابيه، اصل مأكلتش حاجه من ساعه الفطار.
عقد حاجبيه متعجبا مشككا في ان هذا ليس كل الامر و عبر عن ذلك بأمر: طيب ما تناديها و نتغدى كلنا هنا. فأجابت ام على هذه المره بعد زمه شفاه متحسره على ما صار بقدم تلك المسكينه: مش هتقدر تنزل يا بنى، خليها فوق ترتاح. و هنا ثارت اعصابه ليصرخ بهم: يعنى ايه مش هقدر؟ هو في ايه بالظبط!
و مع صمت الجميع و القلق الواضح على وجه شقيقاته، تحرك هو مسرعا للاعلى باتجاه غرفتها، دلف دون استئذان ليجدها نائمه على فراشها تحتضن ركبتيها لصدرها و تتساقط دموعها بشكل متتالى، اقترب خطوتين لينتبه بعدها لقدمها الذى شوهه الحريق نسبيا، جلس بجوارها فنهضت بهدوء فور ان احست به جالسه تمحى ما علق بأجفانها من دموع، اخفى بجداره مشاعر قلقه و تسائل بهدوء ينافى حزنه لاجلها: ايه اللى حصل؟
اشاحت بوجهها عنه فمؤكد انها لن تستطيع الكذب ناظره لعينيه، تلعثمت قليلا و لكنها لن تسمح بحدوث مشكله ما بسببها فابتسمت هامسه: كنت بعمل شاى و وقع على رجلى. رفع احدى حاجبيه ناظرا لقدمها قليلا قبل ان يعود بنظره اليها يحاول سبر اغوار عقلها ثم بنفس الهدوء و قد بدأ بالتأكد بان امرا سئ قد حدث: دا حرق مايه مغليه؟!
ازدردت ريقها ببطء و اومأت برأسها موافقه، فأخذ نفسا عميقا و تجاوز الامر مؤقتا و تحدث قائلا: عرفت انك مأكلتيش من الصبح، ام على هطلع ليكِ الاكل، اتغدى و بعدين نتكلم في الموضوع ده.
و بحركه مرتبكه لملمت خصلاتها التى يراها هو للمره الاولى، فتابع حركه يدها بابتسامه جانبيه، ابريق العسل يتحاشى النظر اليه، مع بندقيه خصلاتها و حمره خجلها جعلت حصونه تحاصرها باستماته و استمتاع، بينما همست هى متجنبه وجوده بجوارها: انا مش جعانه هبقى أكل بعدين.
و كعادته يستغل كل الفرص بجدراه مال عليها قليلا مع استدعاء اقصى ما يملك من ملامح بريئه رغم بُعدها الكامل عن ملامحه الرجوليه: طيب انا لسه راجع مع الشغل، و جعان جدا مش هتاكلى معايا! ثم بخبث اضاف و مازال معتقدا انها لم تعرف حقيقه علاقته بمها: و لا انزل اكل مع مها مثلا!،.
و رغم وضوح رغبته في اثاره غيرتها لم تستطع الا ان تعبر عن ضيقها لاخفاؤه الامر و ايضا لتماديه معها دون التوضيح لها، فصاحت بتهكم موضحه له ما ضايقها: اه طبعا، تجرى تحضنها اول ما تشوفها، تقولها هى الصبح انك ماشى، و كمان سلمى تقول انها الاقرب لقلبك، اما انا فمجرد زوجه بعقد صفقه و على الورق، صح!
و عندما دفعت بتهكمها جانبا رأت من ملامح الاستمتاع على وجهه ما جعلها تلعن لسانها الارعن هذا الذى دائما ما يتحدث بما يضعها في مواقف لا تحسد عليها. اشاحت بوجهها بعيدا عنه لعله يتجاوز الامر و لكن ابن الحصرى لن يفعل و قد كان عندما اقترب في مجلسه منها ناظرا اليها بتفحص متسائلا بمكر: و ايه اللى ضايقك في كل ده بالظبط! بللت شفتيها بتوتر واضافت: انا مش مضايقه.
اقترب اكثر مع اتساع ابتسامته الخبيثه شيئا فشيئا مرددا ما قالته: انى حضنتها، و لا انها اللى شافتنى الصبح و انتِ لا، و لا انك عرفتِ انها الاقرب لقلبى، و مال برأسه قليلا يلتقط ابريقها العسلى ليلقى بسهامه عليه منهيا تعداده: و لا انك مجرد زوجه احتياطيه و على الورق! يمزح، فهى بالنسبه اليه جنته و يا ليتها تدرك و لكنها لا تدرك، , تعلقت عينها به تنظر لمكانتها بالنسبه اليه من وجهه نظره و حقا بئست.
ابتسمت بحزن خالط عسل عينها و تمتمت بنبره لامست قلبه: انا فعلا مجرد زوجه احتياطيه فا مليش حق اتضايق اصلا يا كابتن.
و ابتعدت بجسدها عنه قليلا في اشاره منها ان يبتعد و لكنه تملك ذقنها محاوطا اياها بحصونه السوداء ليجعلها عاجزه عن الهرب رافعه رايه الاستسلام له و تحدث بحزم: مبدأيا، مها اختى يا جنه، غايبه عنى سنين طبيعى اول ما اشوفها احضنها، و مها فعلا الاقرب لقلبى، يمكن ظروفها كانت السبب و يمكن لانها اكتر واحده بتفهمنى،.
رفع يده يلتقط كفها ليضمه بيده الاخرى مبتسما بهدوء موضحا لها حقا ما هى مكانتها عنده: اما انتِ، اذا كنتِ شايفه ان جوازنا صفقه، و انك مجرد زوجه على الورق او احتياطيه زى ما بتقولى فأنا بقى شايف جوازنا ده اصح حاجه عملتها و افضل قرار اخدته في حياتى، فا بغض النظر عن الظروف اللى اتجوزنا فيها او سببها فانتِ بقيتِ مراتى و شيلتِ اسمى و بقيتِ جزء منى و من العليه و انا مش هسمح ليكِ بعد كده تقللى من نفسك لاى سبب كان، مفهوم!
و بينما كان هو يعبر بوضوح لا يخجل منه عن مكنونات قلبه كانت هى تتعجب اشد العجب ان الجالس امامها يحادثها الان و بكل هذا الهدوء هو سياده النقيب عاصم الحصرى! من كانت تخشى مجرد ذكر اسمه، الان تجلس امامه بهذا الاطمئنان! من كانت تكره مجرد فكره وجوده بجوارها، الان تعاتبه لاقترابه من اخرى على حسابها! من كان دائما السبب في بكائها، الان يحنو عليها و يحدثها بلطف! اى انفصام في الشخصيه هذا!
و العيب منه ام منها ام كلاهما معيب! بينما هو توقفت الكلمه الحقيقيه التى يود الافصاح عنها على طرف شفتيه تتراجع، هو يعلم انها لم تحبه بعد و لكنها بالتأكيد تعلقت به، يعلم انه لم يمتلك قلبها كاملا و لكنه شغل حيز كبير من عقلها، يعلم انه لم يصبح كل حياتها و لكنه حصل بالفعل على جزء منها، أمن الصحيح ان يبادر هو و الان باحساسه الحقيقى تجاهها ام يتريث!
و مع صمته و صمتها، عينها تتحدث و عينه تلتقط كلماتها، اقتراب، تيه اكبر، و فقدان سيطره على قلب او عقل فقط جسديهما من يتحدث الان، تركت يديه كفها لتحتضن وجنتها لتزدرد هى ريقها ببطء و مشاعرها تتداخل ما بين رغبه و نفور، رضا و سخط و الاسوء بين حب و كره. طرقات سريعه على الباب انتفض على اثرها كلاهما قبل ان تدخل حنين التى ركضت باتجاه جنه تجلس بجوار قدمها قبل ان تشهق بصدمه: يا الله، ايه اللى حصل؟
رجفه عين و تلعثم و همس خافت فارق شفتيها و مازالت تحاول استيعاب من كان سيصير قبل قليل: انا كويسه متقلقيش، الشاى وقع عليها. و بنفس رفعه الحاجب المستنكره كررت عباره عاصم: دا حرق مايه مغليه! و قبل ان تجيبها جنه دلفت كلا من سلمى و مها فاعتدل عاصم ناظرا اليهما متسائلا بجديه: ايه اللى حصل يا سلمى؟ صمتت لحظه ثم اسرعت بالاجابه: كانت بتحمر بطاطس و الزيت وقع غصب عنها.
اغلقت جنه عينها بعدما منحت سلمى نظره تخبرها انها كذبت كذبه اخرى قبل قليل و عباره صريحه روحنا في داهيه ، نظرت لعاصم فنهض واقفا لينظر لثلاثتهم بغضب متسائلا بسخريه: و انتِ ايه رأيك يا مها! و مع صمتهم ازداد غضبه ليخرج من الغرفه مسرعا بعد ان قال: حسابنا بعدين. هبط الدرج مسرعا و صوته يعلو بالنداء على ام على التى ركضت مهروله ليسألها مباشره: جنه دخلت المطبخ النهارده!
فصمتت لحظه تتذكر ثم اجابت بثقه: لا يا بنى، محدش من البنات دخل خالص. داعب جانب فمه بغضب و هو يخمن من الفاعل و لكن لابد ان يتأكد: حد تانى دخل ياخد حاجه مغليه او يعمل حاجه سخنه! لحظه اخرى ثم اضافت: اه الست نجلاء دخلت بس معرف... اغلق عينه لحظه يتمالك اعصابه و قاطعها متسائلا و نبرته القويه تجعل ام على امامه تتوتر: كانت بتعمل ايه؟ اجابته بقلق هذه المره: معرفش و الله يا بنى، هى لما دخلت قالت لى اخرجى.
و بزمجره عاليه ارتفع صوته مجددا بالنداء على عمته التى ابتسمت بخبث في غرفتها مدركه انها اشعلت فتيل غضبه الذى يجعله يتصرف دون تفكير و ماذا تريد هى غير هذا و بهدوء خرجت اليه صائحه بلامبالاه: خير يا عاصم بتزعق ليه كده! انا ساكنه في نفس البيت مش في الشارع التانى. مسح على فمه قبل ان يقترب منها و بحده ساخره تحدث: بما انك ساكنه في نفس البيت اكيد عارفه اللى حصل لمراتى!
شهقه حزن و عقده حاجب نادمه ثم هتفت مسرعه مستدعيه اقصى ملامح الاعتذار الذى لا تكن منه مقدار الواحد بالمائه: انا مكنتش اقصد، غصب عنى يا عاصم صدقنى، اتكعبلت فوقع من ايدى عليها، حتى اسأل البنات كانوا قاعدين و شايفين.
و لانه يسألها فالطبع لم تخبره الفتيات و لذلك اضافت للنار بنزيناً و نجحت بالفعل خاصه عندما استدار عاصم ناظرا اعلى الدرج التى تقف امامه الفتيات مانحا اياهم نظره توعد طويله قبل ان يتسائل و هو يعود بنظره لعمته: و هو ايه اللى وقع يا عمتى؟ و اجابه حزينه: الزيت. و سؤال سريع عقب به: و انتِ كنتِ هتعملى ايه بالزيت! و اجابه اسرع كان مخطط لها: ما انت عارف ان رجلى بتوجعنى و الدكتور اللى قالى ادهنها بالزيت.
عض باطن شفتيه محاصرا اياها بسؤال اخر: و الدكتور قالك تدهنى رجلك بزيت مغلى؟ و تلعثم منها فهى اعتقدت انها ستتجاوز الامر ببساطه و لكنها تمالكت و اجابته بمراوغه: قالى اغليه و بعدين اسيبه يبرد. و خطوه اخرى اليها محاصرا اياها تماما بسؤاله التالى: و هو اللى قالك كمان تستخدمى زيت الطبخ علشان وجعك؟
ارتجفت عينها و هى تعجز عن الرد، ربما تناست انه ابدا لن يمرر الامر بهذا البساطه، و لكن فليكن، سببت الاذى و انتهى الامر و الباقى يسير. ايه اللى بيحصل هنا؟ كان صوت عز الذى دلف للمنزل في هذه اللحظه لتبتسم نجلاء بخبث و هى تترنح مكانها لتلتقطها ذراعى اخيها قبل ان يساعدها للدخول لغرفتها و ابتسامه انتصار تجد الطريق لشفتيها.
تابع عاصم اختفائها من امامه بارهاقها المزعوم و غضبه يصل حد السماء فتحرك مسرعا باتجاه الدرج قاصدا غرفه تلك الحمقاء التى اعتقدت انها ستخفى الامر عنه، و لم تغفل عينه عن هرب شقيقاته كلا منهما لغرفتها، دلف للغرفه ليجدها جالسه على طرف الفراش بقلق و بمجرد ان اغلق الباب نهضت واقفه لتتألم قليلا قبل ان تجلس مجددا ليصلها سؤاله الحاد: كدبتِ ليه؟
هربت باغلاق عينها عله يتركها و لكنها كانت متأكده انها منفذ غضبه الان و قبل ان ترفع رأسها صرخ بها: ارفعى راسك و ردى عليا يا جنه، كدبتِ ليه؟ و مع صرخته انتفضت هى و رفعت راسها لتجيبه فان كان يسأل فاليعرف الاجابه اذن: كنت خايفه، صمتت لحظه ثم اضافت بهمس: منك. ارتفع حاجبيه ثم سرعان ما انعقدا مرددا خلفها باستنكار: منى! خايفه منى ليه؟
و بنبره طفوليه يخالطها غضب لعدم ادراكه للامر: علشان اللى حصل دلوقت، اول ما عرفت، فكان افضل حل انى اخبى عليك. ليهاجمها بغضب: انتِ مخبتيش، انتِ كدبتِ. لتدافع عن نفسها بضعف: انا مكنش قصدى اكدب ا.. قاطعها مجددا بحزم: بس كدبتِ، ثم اضاف بحسم: و ان اتكررت تانى و كدبتِ عليا و قتها يحق ليكِ تخافى منى فعلا،.
و اردف بأمر لابد من اتباعه: و اللى يحصل معاكِ اعرفه اول بأول و الا اللى هيحصل منى مش هيعجبك، آمين يا بنت الناس؟ اومأت موافقه بضيق من اوامره المتكرره لها فانهى هو حديثه بصرامه: هقول لام على تسخن الاكل تانى، كلى و نامى.
و تركها قبل ان تجيبه حتى و خرج من الغرفه و الشياطين كلها ترقص امام وجهه و بخطوات سريعه اتجه لغرفه عمته، ليجدها تجلس امام المرآه تبتسم بخبث فأغلق الباب خلفه مقتربا منها، نهضت تنظر اليه بترقب، ثم سرعان ما ادعت الامر مجددا و ترنحت عله يتركها و لكنه كان لها بالمرصاد ملتقطا ذراعيها بيديه الاثنتين موقفا اياها امامه بلا مهرب و هو يتمتم بسخريه: قديمه قوى الحركات دى..
شدد قبضته على ذراعيها لينكمش وجهها بذهول مما يفعله و لكنه لم يأبه و اردف بنبره تهديد واضحه: انا المره دي عامل حساب لابويا... ثم ضغط على ذراعيها بقوه اكبر فأطلقت تأوه مكتوم و لكنه ايضا لم يأبه و اضاف: بس قسما عظما تقربى ناحيتها تاني مش بس هنسى انك عمتى، انا هنسى انك ست اصلا و هندمك على الساعه اللي فكرتى فيها تأذي مراتى.
حاولت جذب ذراعيها منه و لكنها عجزت من قوه قبضته فتحدثت بمدى ما يحمله قلبها من غل بطبيعتها الساديه: بتعمل علشانها كل ده ليه و انت عارف و متأكد انها مابتحبكش!
مال بوجهه عليها اكثر يضغط كلماته علها تفهم: هى تحبنى، ماتحبنيش، حاجه ماتخصكيش لا من قريب و لا من بعيد، انا بحاول على قد ما اقدر احترم انك عمتى و احترم فرق السن بينا بس مراتى خط احمر، و رب الكعبه لو عرفت انك اذتيها تانى او بس فكرتِ هتزعلى منى جامد يا، يا عمتى. ثم دفعها و تحرك تاركا اياها و لكنها اعتقدت انها ستلامس اضعف نقاطه بسؤالها: دا انت بتحبها بقى!
توقعت نفى، ثوران و غضب و اه لو تدرك انها لامست اول و افضل نقاط قوته ليستدير و بابتسامه جانبيه يجيبها بصدق غاضب مخالفا توقعها: اه بحبها و جدا كمان، ثم عاد اليها بعدما رأى اكبر علامات التعجب على وجهها فما كانت تعتقد ابدا ان يصرح عن الامر بهذه البساطه، وقف امامها مباشره ملقيا اخر كلماته: اهلى و جنه اغلى ما في الارض على قلبى، و انا مبحبش حد يغلط في حاجه تخصنى،.
ثم ربت على كتفها بهدوء مرددا بنبره لن تنكر انها اخافتها: اتقى شرى يا عمتى، اتقى شرى. و بمجرد ان اغلق الباب تجهم وجهها بغضب لا يقل عن غضبه و لكنها عادت تبتسم بحقد دفين لا مصدر له سوى انها لا تعرف معنى ان تحب احد سواء زوج، اولاد او عائله، و تحدثت ببطء: و الله لوجع قلبك على العيله كلها يا ابن الحصرى، من اول حد فيها لاخر حد و انا و انت و الزمن طويل يا عاصم.
اتاني هَواها قبل أن أعرف الهَوى ولم أَدر ما يشكي المحبُّ من الضَنا دَهاني ولم يطرق فؤاديَ طارقٌ فصادفَ قلباً خالياً فتمكّنا. الطويراني نهض عن فراشه، يشعر بارهاق شديد، لم تعرف اجفانه النوم ليلا، كيف ينام و هو يشعر بتأنيب ضميره لعجزه عن حمايه زوجته و ان كان لا ذنب له، دلف للمرحاض اغتسل سريعا ثم وقف ينظر لوجهه في المرآه التى غطاها بخار الماء، يحدثها او ربما يحدث نفسه. من هذا!
أ كل هذا لاجل فتاه كُتب اسمها على اسمه! أ كل هذا لاجل فتاه هو متيقن انها لا تحبه بل تتخيله مجرد مخيف، متملك و مغرور! أ كل هذا لاجل فتاه يعتقد انها تتمني كل يوم اكثر من سابقه الابتعاد عنه! رفع يده ماسحا الزجاج امامه من بخار الماء الذي جعل صورته مهزوزه و عاد يحدث نفسه. ما ذنبه ان كانت تلك الفتاه سكنت قلبه؟ ما خطأه في انه شعر بل و تأكد انها جزء منه؟
ما تهمته في رغبته بها و ما حيلته في عدم قدرته على جفائها؟ ما ذنبه في ان يعرف لاول مره معنى ان يحب بل هو عاشق لكل تفاصيلها؟ ماذا يفعل بنفسه، روحه، جسده و قلبه بعدما اتفق جميعهم انه خلق و رجولته لاجلها؟ اعاد شعره المبلل للخلف زافرا لو كان يعرف ان هذا هو الحب فوالله ما كان احب يوما و كأن الامر بيده ليمنعه، اذا لمتى؟ لمتى ستظل اقرب من يكون لقلبه و ابعد من يكون عنه! لمتى سيظل يحارب مشاعره لاجله و لاجلها!
اغلق عينه محركا راسه يمينا و يسارا باستهجان و سخريه. أهناك داعٍ للسخريه اكثر من ان ابن الحصرى يقف الان امام مرآته ينعى نفسه و يواسيها! اهناك داعٍ للتعجب اكثر من انها اضعف من يكون لكنها اقدر، اقوى و اصعب ما واجهه يوما! أهناك داعٍ للدهشه اكثر من انه اتخذ اعقد الفتيات ملكه له و مليكه لقلبه! هه، يا لا سخريه القدر! و استسلم ابن الحصرى، فهى منذ ان دخلت حياته لا يعرف طعم السكون، هدوء النفس او راحه البال.
هى تفننت في جعله يقلق، يغضب، يحنو و يقسو في الوقت ذاته. متمكنه حقا بل و، متملكه. امتلكت اصعب و اكثر ما يملك تعقيدا، تجاهله هو كثيرا لكى لا يتعقد معه و لكنها امتلكته بجدراه لتغرق فيه و تُغرقه معها. امتلكته بتقدير امتياز مع مرتبه الشرف، قلبه...
انتهى من ارتداء ملابسه، و اتجه مباشره لغرفتها ليطمئن، دلف بهدوء ليجدها تتوسط الفراش و الغطاء ينحسر على جسدها مظهرا قدمها من اسفله، ابتسامه بسيطه زينت ملامحه و هو يقترب منها جاذبا مقعد صغير ليجلس امام الفراش يتأملها.
خصلات مشعثه قليلا، اهدابها الطويله التى تعانق عينها بنعومه، وجنتها الحمراء دلاله على دفئها تتحداه بثبات ان يصمد امامها، شفتاها التى شحب لونها قليلا تناشده لمنحها رونقها، و تلك الشامات الصغيره التى تمتد من وجنتها على طول عنقها تخبره انها مخبأ جيد لانفاسه، يد اسفل وجنتها و اليد الاخرى تعانق خصرها.
ارتكز على ركبتيه بمرفقيه يروى عطش عينيه منها، و يمنح لقلبه حريه الخفقان بحبها، لا رقابه على انفاسه و لا مانع لنبضاته الثائره الان. أى هلاك هذا! كيف تكون بكل هذا الرقه و بالوقت ذاته تستطيع اذتيه بكل هذه القوه، لم تكن فائقه الجمال و لكنها بعينه اجمل، ارقى و اغلى نساء الارض.
ليتها له وحده، ليت انفاسها لانفاسه تنتمى، ليت جسدها بين ذراعيه يرتخى، ليت قلبها يثور كما ثار قلبه لاجلها، ليتها هى، هى وحدها بعالمه. استسلمت جفونه لاحساسه و تقابلت للحظات ببطء تعنفه من الاسترسال في تأملها اكثر و لكن من اين له على قلبه بسلطان!
فكل هذا الاغواء لا يسعه تحمله، امتدت يده ببطء تداعب وجنتها قبل ان تطاوعه شفتيه لتحل محل يده لثوانى ليهمس بعدها بهدوء مصرحا عن احساسه الذى تجاوز مجرد كلمه من اربعه احرف: عاوزه ايه من قلبى يا جنتى!
و ابتسامه بسيطه شملها بها لينهض بعدها مغادرا لتعقد هى حاجبيها بضيق تستيقظ لتنظر حولها بابتسامه معتقده ان ما شعرت به منذ قليل حلم، و لكن المقعد بجوارها و الذى لم يكن هناك بالامس، رائحته التى تملئ الهواء من حولها، صوت سيارته تحتك بالارض، و باب غرفتها المفتوح قليلا، جعلها تحدق باللاشئ قليلا قبل ان تتسع عينها مدركه لحقيقه ان ما صار لم يكن مجرد حلما بل واقع يحمل فيه هو لها مشاعر ك الحب .
اعتدلت بفزع، و متلازمه خوفها تصيبها من جديد، اعترافه جعل نبضاتها تتواثب بقلق فلا مجال للفرحه بمثل تلك المشاعر. لتتداخل افكارها مجددا، كانت تكرهه، تنفره، تبتعد عنه دائما، تخشاه، تعبس لرؤيته، تغضب لوجوده حولها و لكن كل هذا، كان! و الان تعلقت هى الاخرى، تنتظر قدومه، تفرح لرؤيته، تطمئن لوجوده، و حقا تخشى ابتعاده، ما السبب لا تعرف!
ما حقيقه مشاعرها لا تعرف! و لكن كل ما تعرفه جيدا الان انها في قمه خوفها عليه و لاجله و لاجل قلبها الذى لن يتحمل صدمه بُعد مره اخرى، و لن يتعايش مع فكره فقد من جديد.
سيئه هى الحيره في مشاعرنا، ما بين فرحه و حزن، ما بين رغبه و فتور. ما بين ماضٍ لم يفارقه بعد و بين حاضر سيبدأ اليوم. سيئه هى الحيره قى قرارتنا، ما بين التوقف و الاستسلام للذكريات و بين استكمال حياته الجديده. ما بين العوده لقلب كان يمتعه و بين قلب هو ساكنه. هبه كانت التحدى الاكبر بحياته، منذ ان رأها تعهد ان يمتلكها و ها هو اليوم يفعل رسميا.
ربما لجمالها الذى لا بأس به و خاصه زرقه عينها التى تشبه البحر في نقائه و التى تهدر امواجه دائما بحبها له، ربما لشخصيتها القويه، الثابته، و الجذابه التى دفعت بروح السيطره اليه، ربما لتناسق جسدها و الذى يشتهيه لن ينكر، و ربما لانه شعر انه يريدها فحسب.
و اليوم ها هنا في هذه الغرفه سيتناول ثمار شجرته واحده واحده بأقصى ما يملك من استمتاع، تلك الغرفه المزينه تماما لاستقبال عروسته، تلك الغرفه التى طالما شهدت مكالماته الغراميه و رسائله العاطفيه، طالما شهدت كذباته على هذه و استغلاله للاخرى.
و لكنه لن يبخث هبه حقها ف لن ينكر انه بحضره عينها يجهل التصرف احيانا، لن ينكر انه يتلعثم فور رؤيته لحبها مسطرا بوضوح بأمواجها، و لن ينكر انه يشعر بشئ من الراحه و وفره من الاهتمام بمجرد ملامسه يدها لكفه لتحتضنه كل خليه بها. و لكن هو لا يحب، بل لا يعرف معنى ان يحب. هو يعرف كيف يغازل، يشاكس و يجعل الفتيات تهوى ساقطات امام قدميه، يعرف كيف يدعى الحب و كيف يجعل اكثر الفتيات تعنتا لقمه سائغه.
لكن ان يدق قلبه حقا للحب لم يحدث سوى مره و كان اجبن من الاسترسال بها. تلك التى كانت سبب ضحكته، منبع متعته، و الاقرب لقلبه. تلك التى كان ينسى معها جفاء والدته، و يعيش معها ما يريد استهتارا. تلك التى فور ان حدثته عن جديه وضعها تناساها و رحل. اجل لم يتجاوز الحدود الحمراء و لكنه مشاعرا تجاوز كل الحدود المسموح بها.
زفر بقوه مكملا ارتداء ملابسه، سيعيش تجربه كأى واحده و لكن هذه المره لن ينكر انها كلفته الجديه، الالتزام و للاسف الزواج و لكن لا بأس فالرهان هذه المره على من تستحق. و على الجانب الاخر كانت هبه تعيش بخيالها اسعد ليالى حياتها، ليله تشعر فيها بشعور اشبه بشعور سندريلا بمقابلتها الامير، ليله اجمل من اى حلم و اغلى من اى واقع.
اليوم ستتوج اميره قلبه و ملكه بيته، تعرف انه لم يمنحها قلبه كاملا بعد و لكن لا بأس ستنجح، راهنت قلبها عليه و ستنجح. تمايل جسدها فرحا بين صديقاتها و ابتهج وجهها بضحكتها ليرى الاعمى بملامحها و بهجتها سعاده لا توصف.
ثمه مشاعر يعجز الزمن عن تسكينها. اندريه موروا مر اليوم بطيئا عليها، تعجز عن منح قلبها الاطمئنان، كلما ارتفع رنين الهاتف ارتفعت معه نبضاتها خوفا، سيطر عليها وسواسها بأن ستستمع اليوم لخبر سئ عنه، تأخر على غير عادته، و تهاتفه لا يجيب. لم تستطع الا ان تدعو له، تدعو و تدعو، فقط ان تراه مجددا.
استعد الجميع للذهاب لحفل الزفاف بانتظار عوده عاصم، دلف للمنزل، توضيح سريع ثم غادرت العائله على وعد باللحاق بهم هو وزوجته المصون الذى اخبرته شقيقته ان هناك امرا ما بها. دقائق و طرق باب غرفتها و عندما لم يجد رد دلف ليجدها جالسه ارضا امام الفراش تبكى و بيدها كتاب الله تتلو اياته بصوت متقطع مكتوم.
مناداه صغيره باسمها و لم يستوعب ما صار بعدها، لحظات حتى صارت بين ذراعيه تضمه بقوه لتزداد دموعها انهمارا مع ترديدها بالحمد بشكل متواصل. وفور ان فكر ان عمته لها يد، كز اسنانه غضبا قبل ان يبعدها عنه يتفحصها متسائلا: مالك يا جنه! لتنظر اليه مسرعه تمرر عينها عليه من اعلى لاسفل قبل ان تلاحقه بسؤالها: انت كويس؟ ليعقد حاجبيه متعجبا قبل ان يُمسك يدها يضغطها بخفه ليردف: انا كويس، انتِ مالك؟ ايه اللى حصل؟
لترفع يدها الاخرى تزيل دموعها قبل ان تهمس بوجل: كنت خايفه قوى. ليردف مسرعا و اعصابه تهلك غضبا فحتما لم تهدأ عمته: من ايه؟ و مع نبرته العاليه استعادت تماسكها لتبتعد عنه جاذبه يدها بتوتر، فلابد ان تبتعد، ما عاد يفيد قربا فلقد انزلقت قدمها مجددا و هى لن تسمح بالاكثر: مفيش.. طالعها قليلا قبل ان يضغط شفتيه بغيظ و هو يلتفت خارجا من الغرفه قائلا: اجهزى يا جنه علشان نروح الفرح. لتعترض بضيق: مش عاوزه اروح.
ليلاحقها بحده: بسرعه. و تركها و خرج و لكنها من خلفه ابتسمت ربما لانها ستتحمل اوامره، غضبه و حدته و لكنها ابدا لن تتحمل ابتعاده.
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل التاسع عشر
بالقاعه اجتمع الناس، صوت الموسيقي يملأ المكان، ضحكات هنا، حديث هناك و لكن العروس لم تصل بعد. اجتمعت العائلات على طاولات متجاوره، و بينما الجميع مندمج في حواره كانت سلمى تحاول بشتى الطرق اشغال تفكيرها عن اختها و زوجها الذى تصدع ضحكاتهم بين الحين و الاخر، اما مازن فكان يراقب مدخل القاعه بانتظار قاسٍ على قلبه، لا يدرى لم أتى؟ و لا يدرى كيف سيستقبل هذا الواقع؟
و لكنه يدرى انها ان كانت لن ترتدى الابيض له فعلى الاقل يراها به. لم تغفل عينه عن نظرات شقيقه المشفقه و لكنه كان يعلم جيدا انه سيراها و لم يهتم. صدع صوت الموسيقي تُعلن عن قدوم العروس و كعاده العائله تقف استقبالا لهم بينما هو لازم مقعده عينه تنظر للمدخل حتى دلفت. توقفت انفاسه للحظه ومعها نبض قلبه بعنف، و مع كل خطوه تخطوها هي بلمعانها الاخاذ تلمع عينه بوميض الدموع.
يدها بيد زوجها، عينها الخجوله يحاصرها هو بعينه الضاحكه، خطواتها الهادئه و بيدها باقه الورود البيضاء، حجابها التي اضفي جمالا على جمالها و ابتسامتها الرائعه التي سرقت قلبه من قبل لتعلن ملكيتها له.. أي وجع هذا الذي يشعر به؟ أي وجع هذا؟ فهو الان لا يتألم فحسب بل شعوره اصعب و اكثر تعقيدا من مجرد الشعور بالالم. كانت تلك النهايه لمشاعره نحوها و لكن هل من اليسير محوها بسهوله هكذا!
هل يسهل ازالتها بممحاه او كشطها بقلم كأنها بضعه كلمات على ورقه بيضاء! حتى الورقه التي تحاول الممحاه ازاله الكلمات من فوقها قد تتمزق، فالكلمات تُمحي و الاثر لا يُمحي، فما بال انسان يشعر و يتألم! انسان يحب ليجد حبه يصدر الحكم بقتله بل و ينفذه ايضا..
فاذا وقفت امام حسنك صامتا ف الصمت في حرم الجمال جمالٌ كلماتنا في الحب تقتل حبنا ان الحروف تموت حين تُقال حسبى و حسبك ان تظلى دائما سرا يمزقنى و ليس يُقال. نزار قبانى انتهى عاصم من ارتداء ملابسه و خرج ينتظر انتهائها هى الاخرى و بعد عده دقائق خرجت.
ترتدى فستان باللون الارجوانى الداكن يزينه لألئ لامعه باللون الاسود بتمويجه بسيطه على طول الفستان، و حجابها بنفس اللون الذى منحها رونق انيق، ساحر و بسيط في الوقت ذاته. تابعها بعينيه من اعلى لاسفل بابتسامه هادئه و نظره عابثه، لاى من يراها ليس بها ما هو مميز و لكنها بعينه فاقت الجمال جمالا. و من يسأله عن مكنون نفسه الان فهو فقط يريد ان يجلس و يُجلسها امامه و لا يلومه احد على طول تأمله بها.
لاحظت نظراته فحمحمت خجلا متمتمه: انا جاهزه. و ثوانى استعاد بها عنفوانه و طبيعته القاسيه و اشار لها ان تسير امامه، خطوه، اثنتين، ثلاث و مع اول الدرجات اطلقت تأوها بسيطا متوقفه اثر تألم قدمها و لاسيما مع انغلاق حذائها عليه،.
وقبل ان تستدير له كانت بين ذراعيه يهبط بها الدرج مسرعا، يجاهد نفسه الا ينظر اليها و لكن قلبه لم يسمع و اجبر حصونه السوداء بمحاوطتها ليتفاجئ بحمره خجلها الباديه بوضوح على وجهها و هو تحاول ابعاد جسدها بقدر ما تستطيع عنه و لكن مع حركتها قربها هو اكثر فنظرت اليه بتعجب لتفاجئها نظرته المتفحصه تنبأها بأمور لا قبل لها بها.
فازدردت ريقها ببطء فأغلق هو عينه زافرا بقوه لتنفر عروق وجهه و رقبته صارخا بها: لفي وشك الناحيه التانيه لحد ما نركب ام العربيه و نتنيل نروح ام الفرح و نخلص من ام الليله اللي مش راضيه تعدي دى. و رغما عنها استدارت و فارقت شفتيها ابتسامه صغيره ارتسم مثلها بغضب على شفتيه، وعد بالتماسك، قرر ترك الامور قليلا حتى تعتاده و لكنه بالنهايه رجل بل و عاشق فكثير عليه ما يصير.
مر بعض الوقت و ها هما بداخل القاعه، مزاح بينهم و حوار ودى بينها و شقيقها حتى انطفئت الانوار فجأه ليخرج محمود و يصاحبه ضوء مسلط عليه ليُمسك بيد هبه يجذبها لمنتصف القاعه و يفى بوعده لها و يبدأ بالغناء. الفرحه اللي انا حاسس بيها لا انا قادر اقولها ولا احكيها اختي حبيبتي و ضي عيوني لعريسها بايدي هوديها من يوم ما وعينا على الدنيا مفرقناش بعضنا لو ثانيه على عيني انك تبعدي عني دمعتي مش قادر اخبيها.
كانت تبتسم و كأنها اسعد من على الارض الان، مع لمعه عينها بالدموع، ففراق الاخوه ليس بهين فكيف بتوأمها! الفرحه اللي انا حاسس بيها لا انا اقادر اقولها ولا احكيها اختي حبيبتي وضي عيوني لعريسها بايدي هوديها من يوم ما وعينا على الدنيا مفرقناش بعضنا لو ثانيه على عيني انك تبعدي عني دمعتي مش قادر اخبيها.
اختنق صوته بدموعه رغما عنه فصمت فاقتربت هي منه محتضنه اياه، مرت دقائق حتى ابتعد يزيل دموعها التى تساقطت رغم محاولتها مجابهتها، و اردف، اوعي تنسي ان انا حضنك سرك اخوكي سندك ضهرك واوعي تخافي من اي حاجه وهجيبلك حقك لو ضايقك الفرحه اللي انا حاسس بيها لا انا قادر اقولها ولا احكيها اختي حبيبتي وضي عيوني لعريسها بايدي هوديها من يوم ما وعينا على الدنيا مفرقناش بعضنا لو ثانيه على عيني انك تبعدي عني.
دمعتي مش قادر اخبيها. ومع صمته الاخير احتضنته هبه و دموعها تغلبها ليرفعها يدور بها عده مرات وسط تصفيق حار. ولعدم قدرته على الصمود و منع دموعه اكثر تركها مسرعا و اثناء ابتعاده اصطدم بفتاه ما نظرت اليه بدهشه و لكنه حملق بها ببلاهه قبل ان يتمتم: ما شاء الله. عقدت حاجبيها مبتعده عنه بينما يراقبها ليجدها تجلس على طاوله عائله معتز فابتسم بخبث و خرج.
بينما مازن كان يقف في الخارج بجوار سيارته ينظر لسياره العروس المزينه مبتسما و بداخله افكار تحطم به، يتذكر ابتسامتها، سعادتها و لمعه الفرح و الحب في عينها. زواجها كان عود ثقاب اشعل النار في بقايا مشاعره، كان خط النهايه للسباق الذي خسره و بجداره، كان خساره الملك لتعلن هى فوزها في لعبه حياته.
عاد للمنزل و دلف لتلك الغرفه اسفل الدرج، غرفته السريه و التى لا يسمح لاحد بدخولها، ينظفها هو، يعتنى بها، و يمنع اى تطأ قدم احدهم بها و ان كانت والدته. نظر للذكريات التى جمعها، هنا بعض اوراقها، هنا القلم الذي رسمت به ذلك التصميم، هنا بعض التعليقات التي تركتها على الورق، هنا عده اطارات تحمل صور الفرقه كلها و لكنه احتفظ بها لاجلها هى، هنا صوره لها و هي تقدم احدى مشاريعها، هنا، هنا و هنا.
مجرد ذكريات لا واقع لها، مجرد حلم انتهي قبل بدايته. اخذ نفس عميق و بدأت انفاسه تتسارع ثم دفع بيده كل الاوراق امامه دفعه واحده، امسك بكل الاطارات و القي بها ارضا ليتهشم زجاجها ليشوه شكل الصوره، اخذ يدفع كل ما يصل ليده، يقذف هذا، يكسر ذاك، يقطع تلك و يكرمش هذه. حتى اصبح المكان من حوله اشبه بمقلب نفايات، جلس ينظر للارض بصمت تاركا لعينيه حق التعبير عما تحمله من دموع رثاءا لحلم كاان يوما و اليوم انتهى.
حتى افرغ شحنه الغضب بداخله، احساس الخساره و مذاق الهزيمه. ثم بقرار حاسم اتخذه نهض مغلقا باب الغرفه خلفه مجددا. عادت عائلته للمنزل و بمجرد ان رأته نهال عبرت عن دهشتها بتسائل: انت روحت فين يا مازن، و مشيت من الفرح ليه؟ اجابها بهدوء نادرا ما يصيبه: عادى زهقت، ثم نظر لوالده و لها مفصحا باقرار: انا هسافر تانى. شهقت نهال بدهشه بينما عقد محمد ما بين حاجبيه متسائلا بحده: يعنى ايه هتسافر تانى؟
و قبل ان يجيب اقتربت نهال منه متحدثه بقلب ام تقلق على صغيرها و تخاف فكره ابتعاده عنها مره اخرى: ليه يا مازن؟ انا ما صدقت انك رجعت! و مازال يحتفظ هو بهدوءه الذى يدرك فارس سببه جيدا و كالعاده الصغير لم يتحمل فكره الخساره و سيهرب و لكن بحجه مقبوله كالتى وضحها: فرص الشغل هناك احسن كتير و انا شايف انى هحقق بره حاجه مش هقدر احققها هنا..
نهض محمد واقفا قبالته متعجبا التغير الذى حدث بين ليله و ضحاها: الكلام دا جديد، ثم ان انت مبسوط من شغلك مع اكرم و قولت ان الشغل ممتاز، ايه اللى غير رأيك؟ و اجابه سريعه: الشغل ممتاز بس برده مفيش مقارنه بين هنا و بره، ثم اضاف و قد بدأ يتلبسه حاله مع انعدام اتزان مع ضيق و رغبه في عدم التبرير: و بعدين انا لما يبقى طموحي اكبر من اني ابقي مجرد شريك في شركه مبتدأه ابقي غلطان؟
و هنا بدأ غضب والده يتصاعد معبرا عنه صائحا: و انت فاكر انك بره هتبقى مدير شركه او اتنين مثلا ما انت هتبدأ من الصفر لحد ما توصل لمنصب محترم. و اضاف بحزم: انت هنا وسط اهلك و اصحابك و معارفك، احسن من الغربه و البهدله، اعقل يا مازن و مش عاوز كلام في الموضوع دا تانى. و عاجلته والدته لتستدعى رأفته: بلاش يا حبيبى تتعب قلبى و تقلقنى عليك، خليك وسطنا يا مازن.
ثارت ثورته و هو يصيح دون انتباه: انا حر في حياتى و من حقى اختار طريقى براحتى، انا مابقتش عيل صغير هسمع الكلام و اقول حاضر. احتدت عين محمد و هم بالصراخ يعنفه و لكن يد فارس على صدره تمنعه جعلته يصرخ: شوف اخوك يا فارس شكله اتجنن. ليحاول فارس تهدئه الامور فمازن سيندم على انفعاله هذا: بابا ارجوك خلينا نأجل الكلام للصبح.
و لكن مازن لم يدع الامر ينتهى عندما صرح عن امر جعل الجميع يدرك ان عناده تجاوز الحد: انا حجزت التذكره و هسافر بكره العصر. ضربت نهال صدرها بعنف و بدأت دموعها تتساقط لوعه، بينما هدر محمد: افندم! حجزت ايه! انت فاكر نفسك كبرت و قراراتك بقت تخصك لوحدك، فاكر ان ملكش عيله تاخد رأيها و تحترمه، برافو يا بشمهندس، برافو يا سند مال قبل ما اتسند عليه.
ربت فارس على كتفه متمتما بتوسل: ارجوك يا بابا بلاش كلام دلوقتى و صدقنى الموضوع هيتحل، ارجوك.
تركهم محمد و دلف لغرفته و همت نهال بالتحدث و لكن فارس اوقفها برجاء بصرى جعلها تلملم خيبتها و لوعتها لابتعاد صغيرها مجددا و تدلف لغرفتها بصمت بينما اقترب فارس من مازن واضعا يده على كتفه و قبل ان ينطق صاح مازن به: ها، عندك محاضره انت كمان! و لا هتدور على كام كلمه تواسيني بيهم؟ و لا هتقطم فيا و تحاول تحسسني اني غلطت؟ و لا هتفضل تديني نصايح بحكم انك الكبير؟ بس انا هوفر عليك انا مش عايز اسمع حاجه و لا عاوز حد يقولي حاجه و انا مش هعمل غير اللى في دماغى يا فارس و دى حياتى و انا حر.
عقد فارس ذراعيه امام صدره بابتسامه هادئه و تحدث ببرود كأنه غير مبالى: لا انا مش هقولك غير اتوضي و صلي و ادعي ربنا يا مازن، و اعتقد انك كبير بما فيه الكفايه علشان تقرر عايز حياتك ازاي! و انا عارف و متأكد ان محدش هيفرض رأيه عليك و لا حد هيتدخل في شكل حياتك هيبقى ازاى،.
ثم اختفت ابتسامته تدريجيا يضغط على اكثر ما يضعف شقيقه بجداره: بس لو قرارك انك تسافر امر واقع، بلاش بكره يا مازن استني ليوم فرحي، اظن من حقى اخويا الوحيد يبقى معايا و واقف جنبى و في ظهرى، بلاش تحسسنى انى لوحدى يا مازن. صمت ثواني و الحزن يلون صوته حقيقه و ليس ادعاءا: مش امر و لا فرض رأى، اعتبره رجاء او طلب، تصبح على خير.
و تركه دون كلمه اخرى ليتدلى كتفى مازن بحزن قبل ان يتحرك بآليه لغرفته فهو ليس بحاجه الان سوى لسجده يفرغ بها هم قلبه.
اوعى كده ماتمسكش ايديها. شاكس بها محمود عندما ساعد معتز هبه على الترجل من السياره فور وصولهم لمنزلهم، فابتسم معتز دافعا اياه بخشونه مجيبا اياه بسخط: بس يا بابا، دلوقتى انت اللى هتمسك ايدها باستئذان.
ابتسمت هبه بخجل لتتحرك معه و نوع من التوتر يصيبها، استقبلتهم مها التى كانت بانتظار وصولهم فعقد محمود حاجبيه دهشه و سرعان ما ادرك ان تلك الفاتنه شقيقه معتز التى دائما ما يتحدث عنها، بينما لاحظت مها نظرته المتفحصه مجددا فغضت بصرها و تجاهلت الامر.
جلست العائلتين معهم قليلا و اخذت امينه والده هبه تعطيها من النصائح ما تراها ثمينه و ما هى الا خبره جدة جدة جدة جدة جدة جدتها لامها عن تجارها الخاصه و التى لا تمت لهذا الواقع بأى صله. حتى صاح معتز بغيظ: ايه يا جماعه انتم ناويين تقضوا الليله معانا و لا ايه؟ انا خللت في البدله.
ابتمست امينه موافقه اياه ناهضه بينما اصدرت نجلاء صوتا متهكما يعبر عن سخطها، فيما مازح محمود بابتسامه: انا بقول ناخد هبه معانا. ليدفعه معتز حتى كاد يدفعه خارج المنزل مرددا: يلا يا بابا، يلا يا شاطر من هنا.
تابعهم الجميع بضحكه، ثم طقوس الوداع المعتاده، احضان و بكاء ثم غادر الجميع عدا نجلاء التى وقفت امام هبه تمتم باستحقار: مبروك يا عروسه، و لو انى مش عارفه ابنى عاجبه فيكِ ايه! رغم ان في بنات كتير من عائلات تشرف.
و هبه بالعاده لا تسمح لاحد بمس كرامتها و لكن ام زوجها و لابد ان تتحمل و هذه كانت احدى النصائح الذهبيه - الحمقاء -، و لكن هنا و معتز من لم يسمح لوالدته بالتمادى و اجابها باستفزاز فهى اخر من تتحدث عن الجيد و السئ و خاصه له: و الله يا امى لو دورت في الكون كله مش هلاقى زى هبه.
و اغضبها بالرد الغير مبالى و كأنها لم تتعمد احراجها فأردفت بتوعد و ساديتها تشمل ولدها و زوجته و لا بأس ان طالت القائمه: ربنا يهنى سعيد بسعيده. و تركتهم و خرجت بينما لمعت عين هبه بالدموع فبدلا من احتواء حزنها للبعد عن عائلتها تجد هذا بالمقابل و لكن يده التى ضمت كفتها اليه لتستند برأسها على صدره طمئنتها قليلا و خاصه عندما تحدث بصدق: متشغليش بالك بحد يا هبه، انا محظوظ بيكِ و الله.
ابتسمت تمحى دموعها ثم ابتعدت عنه بحرج و لكنه امسك يدها جالسا و جذبها لتجلس بجواره يحاول التصرف بعقلانيه لاول مره بحياته و قد كان يظن انه يحاول تطبيقها بكلماته و لكنه للاسف كان صدقا يقصد كل حرف منها: بصى بقى، من النهارده هنبدأ صفحه جديده سوا، كل اللى فات من حياتى و حياتك حاجه و اللى جاى حاجه تانيه تماما، عاوزك دائما جنبى و انا دائما هبقى في ظهرك، عاوز نبنى حياتنا صح يا هبه، اتفقنا!
ضغطت يده التى تضم كفها بيدها الاخرى دلاله على موافقتها قبل ان تمنحها له شفويا: اوعدك انى دائما هفضل معاك و مهما حصل مش هسيبك ابدا، حتى لو انت طلبت. و وقع مثل هذا الوعد على نفسه كان كبيرا، قال كثيرا مثل هذه الوعود من قبل و لكنه مدرك انه كان يقولها كذبا و لكنه يدرك الان معنى ان يقول احدهم هذا و خاصه ان كان حبا.
لاحظت شروده فبهدوء و عذوبه نادت اسمه ليلتفت اليها، ليتعجب شعور طغى قلبه ربما يشعر به لاول مره، كان لذيذا، خفيفا و لكنه ترك به اثرا كالجبال.
و ليتجنب الامر اقترب منها بحركه مفاجئه ليضمها مسرعا لصدره مختطفا عذريه شفتيها التى منعتها عنه لرغبتها في ان تكون المره الاولى بمنزلهم، اتسعت عينها بصدمه في بادئ الامر قبل ان تستسلم رويدا رويدا، لتتوه هى كليا في احساسها بعشقه التى لم تكن تعرف انه بهذا العمق، و يتوه هو عن احساسه الغريب و ينغمس في رغبته متناسيا اى شعور تُشوش نفسه به.
ابتعد لتلتقط انفاسها الهاربه ليبتسم هو بشغف هامسا ببحه مغويه: انا جعان. و رغم خجلها لم تستطع منع ابتسامتها من الظهور و هى تتحاشى النظر لوجهه، و حاولت البحث عن صوتها قائله: اكيد مأكلتش من الصبح، الاكل كتير هقوم اغير و اجهز لك الاكل و بعدين.. قاطعها بخبث: ايووه، و بعدين ايه؟ و مع نبرته الخبيثه عضت باطن وجنتها و لكن لا بأس من العبث قليلا فنظرت اليه متجاهله احساسها بالحرج و هتفت: هنروق المطبخ يا معتز.
قهقه ناهضا ليوقفها امامه مقبلا وجنتها بسرعه هاتفا بمرح و قد راقه عبثها: شكلك غلباويه و هتتعبينى معاكِ، يلا يلا. دلف هو لغرفتهم بينما دلفت هى للمرحاض و بعد قليل خرجت اليه باسدالها لتقول بابتسامه: انا بقول نصلى الاول و بعدين ناكل.
اومأ موافقا، تعجب نفسه و وضعه قليلا بل كثيرا و هو يأُمها في الصلاه، لم يكن يوما يحافظ عليها، و ان اخبره احدهم انه سيأتى يوما و يصلى بزوجته لقال عنه مجنونا، و لكنه ها هو يقرأ القراءن فيخطئ فتصوب له و لغرابته كان يشعر براحه لا يعرف مصدرها، سجد و اذ يسمعها تدعو و نبرتها مع دعائها رويدا تختنق، ليشعر برغبه عارمه بتقليدها و بالفعل حاول، لا يعرف من اين بدأ و لا كيف انتهى و لكنه ظل طويلا، و لاول مره يشعر بنفسه ساكنا، لا مشاعر متخبطه تربكه، و لا افكار متداخله تزعجه فقط سكون غريب اصاب قلبه و مع انتهائه ابتسامه رضا زينت ملامحه مدركا انه معها سيعرف حقيقه العديد من الامور و حتما ستكون بدايه لكل جديد.
وجدها تقترب منه لترفع يده مقبله باطنها و بعينها نظره ممتنه لا يعرف لماذا و لكنه لم يسأل، لم يغضب و لم يرغب حتى في اى شئ سوى النظر لامواج عينها - التى هدرت بحبه لتلامس قلبه بغرابه - و ابتسم. نهضت و هتفت و هى تبتعد عنه خطوتين: هحضر الاكل. و لكنه كان اسبق و اغلق الباب حاملا اياها يصيح بمكر: بقولك جعان تقولي لي ناكل! هو انا بتكلم انجليزى.
عادت مها للمنزل لتجد عاصم جالسا بالحديقه الخلفيه في مكانه المفضل كلما يرغب في ان يبقى بمفرده مع افكاره، فغرفته لا تسعه و لا يجد ملاذا سوى الفراغ. جلست بجواره بهدوء واضعه رأسها على كتفه لتشير بيدها مالك ، نظر لاشارتها و ابتسم فمن ذا الذى يفهمه افضل منها و لكنه تجاوز الامر و تمتم: كويس.
فاعتدلت ناظره اليه تضيق عينها الفيروزيه كأنها تخبره انها تعرف انه كاذب فاتسعت ابتسامته لتشير مجددا طيب، سهران ليه؟ تذكر حديث والده عن عمل شقيقته و النقاش الذى صار بينهم ما بين رفضه و بين قرار والده ليقبل الامر بالنهايه مرغما و لكنه صدقا لا يجد في نفسه اعتراضا كاملا و خاصه لسلمى لانه مدرك ان عنفوانها و تمردها سيدفعها دفعا للنجاح. احترمت صمته ثم عادت تشير بتفكر في ايه بقى، سمعاك.
ثم القت برأسها على كتفه مجددا ليأخذ هو نفسا عميقا متحدثا بهدوء يستنكر: كل اما افتح باب يتقفل عشره، احساس انك بتحاربي علشان توصلي لحاجه هي ملكك اصلا متعب، تحسي كده انك بتدوري في حلقه مفرغه، مش عارفه بدايتها فين و لا نهايتها ايه!، بتدوري حوالين نفسك وبس، لحد ما دوختي و معدش فيكي حيل، فا لا منك فضلتي مكانك و لا منك وصلتي للنهايه؟ ابتسم ناظرا لمها مردفا بابتسامه واسعه: فهمتِ حاجه؟
ابتسمت هى الاخرى فتلك هي عادتهم منذ الصغر، يجلسون سويا بعيدا عن الجميع، ليحكي لها كل ما يجيش بصدره و كالعاده يتحدث بطلاسم لا تفهمها و لكنها فقط تستمع. اعتدلت ناظره لعينه بقوه و اشارت لو الحاجه ملكك فعلا اكيد هترجع ليك و يمكن انت متعبتش كفايه علشانها صمتت وصمت لحظات ثم اعتدل قائلا: يلا نقوم عندى شغل بدرى. زمت شفتيها بغضب ثم اشارت بعنف انا عاوزه اتفسح و اقضى يوم معاك، هو مفيش اجازه بقى!
ابتسم و اجابها بعدما قبل وجنتها و احتضنها بود: بعد بكره كله بتاعك، مرضيه يا ستى! غمزته بخبث و اشارت طيب و جنه؟ تنهد ناهضا وصرح بمرح: هتطلع روحى، و ادينى صابر.
جلست تعبث بالطعام امامها دون شهيه، فمن عانى من الامر مره لن يتحمل معاناته مره اخرى، غاب عنها صغيرها فتره لا بأس بها، قلقت، طاردتها الكوابيس دائما خوفا عليه، تألم قلبها كلما اشتكى لها سوء حاله هناك، تمزقت روحها كلما مرض و لم تكن بجواره و الان يطلب منها ان تعيش الامر برمته مجددا، لن تتحمل و لن تسمح له.
راقبها محمد بحزن، مقررا ان مازن لن يخرج من المنزل و انتهى الامر و سيضغط عليه بكل الطرق الممكنه و اللاممكنه ايضا. القى مازن الصباح بوجه اخبر والدته انه لم ينم ليلته جيدا بل لم تعرف اجفانه النوم ابدا، و ما لبث ان جلس على الطاوله تحدث بهدوء مفصحا عن قراره الاخير: بابا، انا قررت ان... قاطعه محمد بعصبيه: و هتقولى على قرارك ليه! حياتك يا بشمهندس و انت حر فيها و انا مش من حقى اتدخل في حاجه تخصك.
نظره رجاء من زوجته مع همسه تهدئه من ولده الاكبر جعلته يبتلع عصبيته قسرا بينما تحدث مازن بهدوء و هو يشعر بالندم لما هذى به ليله امس و لكنه لن يتراجع عن قراره فهو بحاجه للابتعاد ليس فقط عن كل من يعرفه و لكن ربما عن نفسه ايضا، ليس حزنا عن فقدان حبيبه تمناها بقدر ما هو رفضا شنيعا لتقبل خسارته لاحد احلامه و التى سعى لاجلها كثيرا: انا هسافر يا بابا،.
عقد محمد ما بين حاجبيه بينما انتفض قلب نهال فزعا و لكن قبل ان ينطق اى منهما اكمل هو بنفس الهدوء: بس مش دلوقتِ، هستنى لفرح فارس و بعدين هسافر و مش ناوى اغير قرارى. تنهدت نهال براحه متمتمه بابتسامه: من هنا لوقتها يحلها حلال ان شاء الله تغير رأيك. اجابها بلامبالاه: مش هغيره يا ماما و ياريت تحاولوا تتقبلوا الموضوع بسرعه علشان انا هسافر يعنى هسافر.
لمعت عين والدته بالدموع و قلبها يؤلمها لاجله و لا تدرى ما به فتسائلت بحنان شملته به: مالك يا مازن، ايه اللى حصل و غير حالك كده، فين ابنى يا مازن؟ ابتسم مقتربا منها و قبل يدها راغبا في اعتذار طويل و لكنه لم يستطع رغم انه في اقصى حاجته لضمه منها هى تحديدا ينسى بها كل ما يفكر فيه: انا زى الفل يا امى، بس محتاج افكر في مستقبلى صح.
و هنا صاح محمد بنفاذ صبر و لم يروقه وضع ولده: و مستقبلك دا متعرفش تبنيه هنا، متعرفش تنجح و تبقى راجل و تثبت نفسك في بلدك وسط اهلك، ثم وقف عن الطاوله و اشار اليه بسبابته بصرامه: مفيش سفر يا مازن، و دا اخر كلام عندى. نهض واقفا قبالته و تمتم لاول مره معارضا: انا هسافر يا بابا، و دا اخر كلام عندى.
هاج و ماج و اقترب منه بخطوات سريعه جعلت نهال تنهض بلهفه عن مقعدها و فارس يترقب القادم فيبدو انه نال صفعه من قبل و الان حان دور الصغير، هدر به محمد: هتكسر كلمتى يا مازن، طيب انا و انت اهه و هشوف مين اللى كلامه هيمشى على التانى، يا راجل يا محترم. وقف فارس امامه مهدئا اياه و بمجرد ان فتح مازن فمه للتحدث صاح به فارس هذه المره بحده نسبيه: و لا كلمه زياده يا مازن و اتفضل حالا على شغلك.
نظر اليه مازن قليلا ثم جمع اغراضه و خرج من المنزل دون حرف اخر فجلست نهال على مقعدها تبكى ما يصير بمنزلها بينما تركهم محمد و دلف لغرفته يتمالك اعصابه متناولا قرص دواء ليخفف من حده الم صدره، اخوك في ايه يا فارس؟ تمتمت بها و هى تضم يد فارس بيدها الاثنتين فقبل يدها مطمئنا اياها: مازن زى الفل، بس خسر حاجه مهمه و كعادته دائما مش بيواجه و بيهرب. لحقته بلهفه: خسر ايه؟ و انا هجيبه لحد عنده؟
ابتسم بوجهها مردفا: اولا اللى خسره ماينفعش يرجع، ثانيا مازن بقى راجل يا ماما، راجل فاهم و عارف و يقدر يتصرف و يتحكم في حياته، مازن لازم يتعود يتحمل نتيجه افعاله و يتقبل الخساره زى المكسب، لازم يعافر علشان اى حاجه عاوزها و يتعلم مايستناش تيجى لحد عنده، مازن مش متغير او متضايق علشان الحاجه اللى خسرها لا هو متضايق علشان مبدأ الخساره اصلا. نظرت لعينه بترجى: طيب قولى بس ايه هى؟
ابتسم لفضولها و ربما رغبتها في احتواء تذبذب ولدها و اجاب بمرح: ابقى اسأليه و انا متأكد انه هيقولك عالطول. ضربه خفيفه، حضن طويل و دمعه سقطت على كتفه تخبره انه مهما بلغ من العمر هو وشقيقه سيبقى كلاهما طفلا بعين والدته تخاف عليهما، تقلق لاجلهما و تفزع اشد الفزع لتألم قلبيهما. يارب يا ساتر. قالها الحاج مدحت فور ان وطأت قدمه المنزل لتعتدل نهال ناهضه بينما يقف فارس بهدوء مدركا سبب الزياره.
ترحيب حار، استقبال مميز ثم جلسه صارمه بدأها كبير عائله الشرقاوى: جوم انت يا فارس، ساعه زمن و الاجى ورجه طلاج بنت الحصرى جدامى إهنه، الحرمه دى متفضلش على ذمتك دجيجه واحده، جوم يا ولدى، جوم. ظل فارس مكانه ساكنا ثم تسائل بهدوء محترما تقاليد العائله و ان كان زواجه يعد كسر لكل القواعد: لا قدر الله يا حاج، مين قال انى هطلق ربنا يبعد الشر عننا.
ضرب مدحت بعصاه الارض بقوه صارخا بغضب: أني بجول يا فارس، هتكسر كلمتى و لا ايه؟ و اجاب فارس بهدوء و مازال محتفظا بابتسامته: لا عاش و لا كان اللى يكسر كلمتك يا حاج، انت على راسى من فوق بس حنين مراتى و انا مش هتخلى عنها من غير سبب.
اضطراب انفاس، غضب و يواجه مدحت لاول مره ان يكون في جدال و هدر معنفا اياه: باااه، انت اتجننت عاد و لا ايه؟ سبب اييه؟ انت عارف زين إنى مجاطع عيله الحصرى تجوم انت تجع في شباكهم و تتجوز بنتهم!
نهض فارس احتراما لجده و عقد ذراعيه امام صدره متحدثا بهدوء يُحسد عليه: حضرتك مقاطعهم لكن انا لا، و انا اللى طلبت بنتهم، دكتوره، محترمه و متربيه احسن تربيه و بحبها و بتمناها ومستنى اليوم اللى تنور فيه بيتنا، يبقى ايه المشكله يا جدى؟
كان محمد على وشك التحدث و لكن رمقه مدحت بنظره حاده ليظل خارج الامر و عاد بنظرته لفارس الدى تمسك باتزانه بشكل ادهشهم و اردف بصياح متخذا من خدوهم بالصوت ليغلبوكم مبدأ له: حب ايه و هباب ايه؟ بجى انت يا راجل يا محترم حرمه اكلت عجلك اكيل و جدرت تضحك عليك و لا ايه عاد؟
و هنا بدأ غضبه يظهر رويدا عندما تحدث ببعض الحده رغما عنه: اسمها حنين، مراتى و هتفضل مراتى لحد ما اموت، و لانى راجل و محترم و من عيله الشرقاوى مستحيل اتخلى عن مراتى يا حاج مدحت. احتدت عين مدحت تتطالعه بغضب اسود ليدفعه بكتفه بعصاه العاجيه و رغم ألمها تماسك فارس رغم ارتداده للخلف اثر الدفعه و هو يصيح: لااه، انت عجلك طار باينه، اني جولت هطلجها يا فارس، يبجى هطلجها حتى لو بالغصب،.
شمله بنظره واثقه قبل ان يردف: امين هيجول لبنت الحصرى على الطلاج و هتوافج هى كُمان و رجليها فوج رجبتها. صمت فارس يستوعب الامر قبل ان يدرك ان كبير عائله الحصرى الان يجبر زوجته فتمتم باسمها قلقا قبل ان يركض خارجا من المنزل رغم نداء الجميع باسمه من خلفه.
انا اتكلمت مع مازن و عرفت التفاصيل عن ظروف الشركه و طبيعه الشغل، من بكره هتبدأى شغلك يا سلمى، وكمان مها هتنزل معاكِ. قالها عز لسلمى الجالسه بحماس امامه فشهقت بفرحه متمتمه: وااااو، و مها كمان معايا، ربنا يخليك لينا يا بابا. بينما تحمست مها اضعاف مضاعفه ثم تجهم وجه الاثنتان و نظرت كل منهما للاخرى ثم لعز الذى ابتسم مدركا ما جال بعقل كلتاهما و تمتم: عاصم عرف.
تراقص حاجب سلمى بخبث و غمزت لمها بسعاده فضحك عز عليهما ثم نظر لحنين التى كانت تفكر في رفض فارس القاطع لعملها، فعلى ما يبدو ان حلمها بهذا لن يتحقق و لكن سؤال والدها اخرجها من شرودها: فارس كلمنى و عاوز نحدد ميعاد الفرح، يناسبك امتى! استدات حنين ناظره لسلمى بهدوء و لكن سلمى فاجئتها بابتسامه مشجعه رغم غصه حلقها التى ابتلعتها بهدوء فيما قالت جنه بعدما لاحظت الوضع ناظره لسلمى و مها: ساعدونى اطلع فوق.
فاعترضت سلمى بغيظ فزوجه اخيها تتدلل و بشده: انت مش بقيتِ كويسه و تقدرى تمشى عادى، نساعدك ليه يا هانم؟ فضحكت جنه بدلال هى الاخرى مجيبه باستفزاز: الله يا سلمى، اعتبرينى مراه اخوكِ. ضحكت كلتاهما لتدفعها سلمى ببعض العنف للاعلى و لحقت بهم مها لتشكر لها حنين صنيعها لتعود بنظرها لوالدها: احنا اتفقنا بعد الامتحانات يا بابا، و لسه بدرى.
ابتسم ممسكا بكفها الذى يضم خاتم زواجها: عارف يا حبيبتى بس كلها كام شهر و انتِ عارفه في حجز قاعه و تجهيزات و حاجات كتير. ابتسمت بخجل مجيبه: خلاص يا بابا، انا... متتعبش نفسك يا ولدى الفرح ده مش هيتم. قالها امين و هو يدلف من باب المنزل لينهض عز مستقبلا اياه مسرعا بينما اضطرب قلب حنين و كلمته الحاسمه تترد بأذنها،.
رحبت به و كادت تركض للاعلى و لكنه امسك بيدها جاعلا اياها تجلس جانبه و تحدث بهدوء اولى: اسمعى زين يا حنين، المحروس اللى اسمه فارس ده، هيوجع النهارده على ورجه طلاجك، و هيجيبها إهنه هتوجعى عليها انتِ كُمان بدون كلام كتير، مفهوم كلامى؟ ارتجفت عينها و تمتمت بخوف اصاب قلبها: لا، لا يمكن.. قاطعها امين و قد ظهر غضبه واضحا: اجفلى خشمك عاد، انا جولت كلمتى و مش عاوز كلام كتير.
لمعت عينها و تساقطت دموعها تتوسله عل قلبه يرق لها: بالله عليك يا جدو بلاش، انا مقدرش اعيش من غي... و قبل ان تردف كانت صفعته اجابه على توسلها و من قوتها سقطت عن الاريكه ارضا لينساب خط رفيع من الدماء على جانب شفتيها مع طنين بأذنها الجم لسانها مع صراخه: باااااه، حرمه جليله الربايه.
انتفض عز يساعدها ضاما اياها لصدره متحدثا بأقصى نبراته هدوءا فهذا والده و لكنها صغيرته التى لم تلمسها يده من قبل: اهدى يا حاج الكلام اخد و عطى. و صرخ به هو الاخر ليجعل حنين تتمسك بوالدها اكثر: كلام ايه يا عز بيه، انا ليا حساب معاك تجيل جوى، ثم جذب يد حنين ليجذبها من بين ذراعى والدها بعنف مردفا: لكن الاول لازم نخلص من الموضوع ده و مايتفتحش تانى واصل، هتوجعى على ورجه طلاجك يا حنين حتى لو...
مش هيحصل الا على جثتى. صرخ بها فارس مقاطعا امين التى التفت لمدخل المنزل ليقابله الغضب الذى تسطر بوضوح بعين فارس قبل ان تتسع عينه دهشه و غضب عندما تملصت حنين من بين ذراعيه لتركض مسرعه تختبئ بحضن فارس ليهدر امين و قد جن جنونه: ايه جله الحيا دى؟ ثم نظر لفارس مردفا: انت مين سمح لك تدخل إهنه، ثم اضاف بتهديد صريح و واضح: ارجع دارك يا بن الشرجاوى بدل ماهترجعوش واصل!
شهقت حنين متمسكه به بينما اجابه مدحت الذى لحق بفارس فور خروجه: بااه، بتهددنا في دارك يا امين! ضرب أمين عصاه و دخول مدحت منزله يثير غضبه بعدما كان يثير سعادته من قبل: و مش بس اهدده لا انا هجتله بصحيح لو مطلجش حفيدتى.
و هنا صرخ فارس بالكل مصرحا عن قراره الاخير و قد تبعثر هدوءه فور رؤيته اثار الصفعه على وجه حنين: قتل ايه و طلاق ايه! انا مش هطلق حتى لو فيها قتلى يا حاج امين، حنين مراتى و هتفضل مراتى طول ما انا عايش، و الخلاف بينكم دا لا مشكلتى و لا مشكله مراتى، تقدروا تحلوها بينكم زى ما انتم حابين، لكن اللى هيقرب منى او من مراتى تانى و ربى ما هرحمه، اظن كلامى واضح يا كُباره العيله.
ثم همس لحنين بهدوء: اطلعى البسى حجابك بسرعه. و نظر لعز الذى ابتسم فخرا بتصرف زوج ابنته و الذى طمأنه انه لن يقف معها فقط و لكنه سيحميها من كل ما يواجههم و اذن له بعينه، بينما اقترب مدحت بغضب من فارس و هم بالصراخ و لكن فارس قاطعه: انا جدى عملنى من و انا صغير انى ماينفعش اتنازل عن حقى مهما كانت الاسباب و المفروض ابقى اسد في وش اى حد يجى عليا او على حقوقى، صح يا حاج مدحت؟
للوهله الاولى عجز مدحت عن الرد و اثار اعجاب امين بجرأته و في لحظتها ركضت حنين باتجاهه مسرعه فأمسك يدها متمتما بأخر ما يملكه لهم: و انا لو حتى هحارب علشان حقى، هحارب يا جدى. و تركهم و خرج من المنزل يضم يدها بقوه، دفعها للسياره و تحرك بها ليصدع صوت احتكاكها بالارض ليخبرهم جيدا ان زمن الخنوع و الخضوع التام لهم انتهي و الان اصبح للصغار رأي و كلمه و رغما عن الكل ستُسمع بقوه بل و ستُنفذ ايضا.
و خلف باب غرفتها تقف تستمع لكل ما قيل بابتسامه خبيثه و ها قد جاءتها الورقه الرابحه بل كل الاوراق و الان وجدت قضيتها الحاسمه التى ستنهى تلك العلاقات تماما بل و ستمحى سحابه الفرحه و تجعلها تمطر حزنا و هما فقط، فمرحبا كبيره للتسليه القادمه.
اه لو تعرف يا حبيب قلبى و انت معايا بحس بايه خلى شويه لبكره يا قلبى، الحب ده مقدرش عليه بص في قلبى يا عيون قلبى شوف كام حاجه بتتمناك فرحه و شوق و امانى كبيره و ليالى حب بتستناك بحبك حب خلانى بخاف من فرحتى جنبك يشوفها حد يحسدها و يحسدنى على حبك و بحبك حب يا ويلى يا ويلى يا ويلى منه مسهرنى، محيرنى و روحى فيه و بحبك حب يا ويلى يا ويلى ويلى يا ويلى ويلى يا ويلى مدوبنى و حبيته و اخدت عليه آه لو تعرف.
اه لو تعرف يا حبيب قلبى و انت معايا بحس بايه خلى شويه لبكره يا قلبى، لبكره يا قلبى.. الحب ده مقدرش عليه. بانسجام شديد تدندن مع كلمات الاغنيه، بينما يتابعها هو بعدما استيقظ متكاسلا، قميص قصير باللون الازرق، خصلاتها القصيره التى بالكاد تلامس عنقها تتحرك معها بانسيابيه، يدها المنهمكه في اعداد الفطور، جسدها يتمايل بهدوء مع النغمه و ضحكتها الصافيه تلون وجهها.
ابتسامه اعجاب زينت شفتيه و هو يتابع حركتها و شعوره الغريب بها يداعب قلبه مجددا، اى سحر تلقى عليه، لا يعرف! أى قوه تدفعه تجاهها، ايضا لا يعرف! اقترب بهدوء محاوطا اياها من الخلف مما جعلها تتصلب وافقه بثبات بين ذراعيه ليستند برأسه على كتفها هامسا بجوار اذنها مبتسما بصدق: انتِ لو استمريتِ على كده انا اكيد هيجرالى حاجه.
ابتسمت بهدوء تاركه ما بيدها و استدرات مستنده بجسدها على رخام المطبخ خلفها لتضع يدها حول عنقه متعجبه باستنكار ماكر: استمريت على ايه؟ ثم رفعت كتفها بغنج ونظره خبيثه تشمل عينها مع ابتسامه اشد خبثا: هو انا عملت حاجه؟
اومأ موافقا برأسه و هو في قمه اندهاشه من حديثها، تغنجها، و جرأتها و التى لم يكن يتوقع ابدا ان يراها في هبه تحديدا بعدما اهلكت قلبه، فكره و رجولته طوال فتره خطوبتهما و لكنه تدارك الامر مستمتعا اشد الاستمتاع: دا انتِ عملتِ و عملتِ و عملتِ. ضحكت دافعه اياه عنه مردفه: يلا خد دوش على ما احضر الفطار انت مأكلتش من امبارح و اكيد جعان.
و اهتمامها زاد استمتاعه فقبله سريعه ثم غادرها لتبتسم بسعاده متذكره ما اخبرها شقيقها به قبل يوم من زفافها. Flashback جالسه بغرفتها تلملم باقيه اغراضها، طرقات على الباب ثم دلف محمود جالسا بجوارها، حوار سريع، مشاكسه و مزاح ثم امسك يدها متمتما: في كلمتين لازم اقولك عليهم. و انصتت بتركيز و خاصه ان الحوار يخص زوجها: انا دلوقتى هتكلم معاكِ بصفتى صديق لمعتز مش اخوكِ.
وافقته متأهبه لما سيقول و تحديدا لان ملامحه اخبرتها ان الامر جديا: لو بصيتِ على معتز و حياته من بره هتحكمى عليه غلط، معتز اتبهدل كتير جدا و تعب كتير جدا مش ماديا لكن معنويا، والدته مش حنونه و سابته في شقه لوحده و هو عنده 15 سنه، سافرت الصعيد لاهلها و بتزوره مره كل سنه دا ان زارته، والده سافر بره البلد قبل ما هو يتولد اصلا و مايعرفش شكله غير من الصور، اخته سافرت و هو صغير لباباها و لما حب يسافر معاها لانه كان متعلق بيها جدا والدته رفضت بس اللي هو عرفه بعد كده ان والده هو اللي رفض يستقبله مع اخته، كل الظروف حواليه خلته يقتنع انه وجوده مايلزمش حد، علشان كده عاش يفكر في نفسه و بس، و اقتنع تماما ان طالما معاه فلوس يبقى المفروض يبقى فرحان و واخد الدنيا بطيش.
صمت لحظه مع انعقاد حاجبيها ثم ابتسم يردف: بس على قد ما هو طايش لو حسستيه ان هو الوحيد اللي يقدر يساعدك هتلاقيه ارجل من اي راجل عرفتيه، معتز عنده عقده من عدم الاهتمام، فا ابسط مراعاه منك هتفرحه و هتحسى بتغير كبير جدا فيه، معتز طفل هيحتاج بيت و حضن وسط المسئوليه و الضغط اللي هو مش متعود عليهم بس لازم تبقى جنبه و سوا تتعودوا على المسئوليه دى.
ثم رفع سبابته محذرا اياها: بسس خدى بالك كويس ان معتز مستهتر جدا، بيتجاوز احيانا كل الخطوط الحمراء، و للاسف بعيد عن ربنا، بس انا متأكد انه هيتغير بس هيحتاج ليكِ قوى يا هبه. ثم انهى حديثه بقبله على جبينها قائلا: انا عمرى ما كنت اتمنى معتز زوج ليكِ كأخ، بس طول عمرى بتمنى زوجه زيك له كصديق، هتتعبى معاه جدا، و هتيجى على نفسك اوقات بس لازم تصبرى و انا متأكد ان كل حاجه مع الوقت هتبقى افضل. Back.
تنهيده حاره فارقت شفتيها، زوجها لا يحتاج زوجه تهتم به، لا يحتاج امرأه تشبع غزيزته، و لا يحتاج ام لاطفاله. هو يحتاج ام له بحنانها المعهود لاطفالها و خوفها الدائم عليهم، يحتاج انثي تشعره برجولته التي لطالما شتتها عقله بسبب تصرفات من حوله، يحتاج زوجه تشاركه حياته التي جعلتها ظروفه مرمي لطابات الالم و الخذلان، يحتاج لسند و عون طالما بحث عنهم و لم يجدهم في المقربين اليه.
لذا هرب بنفسه و بحياته، و لكن كفى. كفي ضعف و عجز، كفي كبتا يختبئ خلف اقنعة عدة من الاستهتار و اللامبالاه، كفي احساسا بالتيه و اللجوء للاستسلام. واجبها الان يحتم عليها انتزاعه من وحل دفن نفسه به طواعيه هروبا من صلابه صخور واقعه. هي من الان امه التي يستطيع اللجوء لحضنها متي شاء، زوجته التي ستشاركه ادق تفاصيل حياته، انثاه المغويه التي يحتاجها كرجل، هي زوجه اقسمت ان تكون العالم بأكمله لزوجها،.
اقسمت ان تنقذه من براثن شيطانه الذي يجذبه للظلام اكثر و اكثر، اقسمت ان تطفو بزوجها خارج براكينه الثائره بسبب متاهه مشاعره التي دائما ما تجتاحه. و رغم علمها بكل هذا و لو علمت مثله اكثر و اكثر لن يمنعها ذلك من رؤيته اكمل الرجال بعينها، لن يمنعها الغرق ببحر حبه و الاستمتاع بأمواج عشقه مهما تلاطمت، لن يمنعها القبض على الجمرات من اجله، لن يمنعها اغداقه بحبها كل يوم بل كل دقيقه.
و حتى ان لم يقل احبك حتى مماتها يكفي ان تكون جواره و بقربه، تروضه كطفل، تعانقه كأم، تحبه كزوجه و تسعده كعشيقه. فاقت على صوته يناديها، حملت الطعام و خرجت اليه، ضحك و نقاش، يعاندها قليلا و يستمتع بغيظها، تمزح و تستمتع بضحكته ثم حديث هادئ و جدى، ليجن هو. تلك المرأه مزيج عجيب بين الطفوليه و العقلانيه، الحنان و القوه، مزيج يجعله مشتتا، غير واعٍ لكل ما حوله سواها،.
مزيج يجعله يتسائل ما هذا الذى كان يعيشه سابقا، و الذى كان على النقيض تماما مما يجتاحه الان، و صدقا هو مستعد ليضحى بكل شئ ليحصل على حضن دافئ و بين ذراعيها هى، لماذا، صدقا لا يعرف؟