logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 3 من 17 < 1 2 3 4 5 6 7 8 17 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية حلم السندريلا
  28-03-2022 08:33 مساءً   [13]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الرابع عشر

تعبث بهاتفها في طريقها للخروج للذهاب للجامعه و لكنها على مدخل المنزل توقفت و عينها تتابع ما يحدث امامها، شذى، فارس و سلمى يتحادثون، يمزحون و يضحكون سويا.
ربما كانت ابتسامه شقيقتها نقيه لا تحمل من مشاعرها شئ و لكن ما رأته حنين غير هذا، نظره صافيه، ضحكه واسعه و مراقبه مستمتعه.

نيران تأكلها، شعور بالغيره اضنى قلبها و الاسوء ضميرها الذى يؤنبها و هى تشعر بنفسها المخطئه، تشعر بنفسها تقف بطريق سعاده لشقيقتها و ربما ان غابت هى كان طريق سعاده له ايضا.
تناغمت ضحكاتهم سويا، تعليقاتهم المتماثله، حديثهم المفعم بالود بينما هى تساقطت دموعا حسره على نفسها.
كم هو مؤلم التفكير، و بالاخص كم هو مؤلم تفكيرها.

ترقرقت الدموع بعينها فأغلقت عينها و عقلها يجن جنونه لدرجه اوشكت على الصراخ بوجهه ليتركها، لم تكن تدرك ان قوه تحملها قليله لهذا الحد، لم تكن تدرك انها ستخسر راحه بالها و هدوءها بمجرد دخوله حياتها، فهكذا تكون بعض الاشياء رؤيتها عن بعد افضل بكثير من امتلاكها، بينما هو كان له رأى اخر،.

رفع يده يمسح على وجنتها بخفه فانتفضت مكانها لتفتح عينها بصدمه لتكن اول ما تراه نظرات سلمى الحانيه و التى فسرتها خطأ تماما ثم عين فارس المتلهفه، عادت ببصرها لسلمى التى ابتسمت بهدوء لتتدخل متجاوزه اياهم و عينها تتعلق بالارض و لكن رأت حنين في موقفها انكسار ارجف جسدها، ألم قلبها و اغضب عقلها فانتفضت بحركه مفاجئه مبتعده عن فارس تدفع يده بعيدا عنها و بدت كأنها لا تدرك ما يحدث حولها فقط عينها مركزه على سلمى التى عقدت حاجبيها متعجبه موقفها و صرخت بوجه فارس: انت بتعمل ايه هنا! مقولتش انك جاى!

زم شفتيه قليلا مع عقد ما بين حاجبيه بتعجب و هو يطالعها باستغراب و خاصه مع نظراتها التى تهرب منه و تمتم موضحا بهدوء: في ايه يا حنين؟ قلقتينى عليكِ قولت اجى اطمن.
لمعت عينها بقسوه كانت من اغرب ما يكون على جميع الواقفين و هتفت بحده: انا ماطلبتش منك تقلق و شكرا مش عاوزه حد يطمن عليا.
لمعت عينه بغضب من صوتها، انفعالها و كلامها الغير منطقى و لا تبرير واضح لها عنده و هدر بذهول: حنييييييين!

و كأن صراخه اعادها للواقع فنقلت بصرها بينهم بتشتت و سرعان ما لمعت عينها بالدموع مجددا مما دفع بقلبه للهاويه، هى تعانى من امر ما و لا تخبره، هى تتألم و هو لا يستطيع مساعدتها، ماذا يحدث معها لا يعرف و هذا جعله يجن، تحركت سلمى و هى تدفع بشذى - التى كانت في اقصى حالتها تعجب من افعال حنين الغير مبرره اليوم - للداخل، بينما اقترب فارس منها فأخفضت بصرها ارضا و هى تكاد تموت خجلا و ندما على ما فعلت و تفوهت به للتو، شعرت به يُمسك يدها و يضع الاخرى اسفل ذقنها يحاول رؤيه ملامحها او ربما قراءه عينها ليفهم و لو قليلا مما بها و همس بعتاب و هو يردد تلك الكلمات التى تقولها له دائما: انت نصى التانى، انت حته منى، انت كنزى الغالى، انت ابنى.

خرجت منها شهقه قصيره كتمتها بيدها الحره فأكمل عتابه لعلها تخبره عما يؤلم قلبها: مش دا كلامك ليا! ليه كده يا حنين؟ ليه بتوجعي قلبي عليكي؟ ليه مش عاوزه تريحيني و تريحي نفسك و تقولى لى مالك؟ ليه مش عايزه تفهميني ايه حصل لكل ده؟

رفعت اهدابها المبلله بعدما امتزجت رماديه عينها بوميض الدموع لترسل ايه اسهم فضيه اخترقت قلبه فرفع يده مسرعا مزيلا دموعها هاتفا بنفاذ صبر و هو يحترق حرقا بحالتها الغريبه تلك: بالله عليكِ ماتعيطيش،
ثم زفر بقوه و هو يستسلم: خلاص مش عاوز اعرف بس متزعليش، قولي لي اعمل ايه؟ لو مضايقه من وجودي فأنا اسف همشي بس بطلي عياط.

كتمت فمها بيدها و دموعها تزداد هطولا مما دفعه للجنون و هى تصرخ تلوم نفسها و تتهمها: متعملش كده انا مستهلش كل ده، انا بوجعك يا فارس، انا بأذي كل اللي بحبهم، انا مستهلش حاجه،
ثم نظرت لعينه برجاء شل عقله عن التفكير و تسائلت بحيره و ضياع تريد منه اجابه رغم انه لا يعرف حتى ما هو السؤال: انا مش عارفه اعمل ايه؟ اختار مين؟ ارتاح ازاي؟ قلبى واجعنى قوى و مش قادره و لا عارفه اتصرف! اعمل ايه؟

ضغط نفسى، تفكير مضنى، ارهاق جسد و قله نوم دفع بها لشبه انهيار الان و دوار قاسى يلفها و لكن قبل ان يتهاوى جسدها استكانت على نبضات قلبه التى تهدر اسفل رأسها و يده تحتضن خصرها و اخرى تمسد ظهرها بحنان، لم يسعها سوى الشكوى لقلبه، دفنت وجهها بصدره تخبره بكل شهقه منها عن صعوبه موقفها، تعتذر بكل دمعه تزرفها عن قلق تكويه به، تبثه بكل شده من يدها على قميصه عن شده احتياجها اليه، رفع رأسه لاعلى يحاول التحكم بانفعاله الان التى جمع ما بين قلق و توتر لاجلها، غضب و ضيق منها، و حيره و تشتت لنفسه، امامه الان ثلاثه اختيارات الاول يتركها و يرحل حتى تهدأ و تقرر مهاتفته و بالطبع لن يفعل، الثانى ان يُبعدها عنه الان ليصرخ بوجهها لتخبره عما اثقل قلبها و اهلك قلبه بالتبعيه و لكنه لن يقدر، الثالث ان ينسى انها حزينه و يتبع خطوات شقيقه في مثل هذه الامور و يمزح و يمرح حتى يفوز بضحكتها و ربما يحين وقت ما و تخبره كل شئ و هذا ما فعله تحديدا عندما ابعدها عنه هاتفا بمرح مستنكر و هو يشوب كلماته بعتاب وطنى: كفايه كفايه انتِ بتجيبي الدموع دي كلها منين يا مفتريه، وفرى علشان مصر يا حجه مش معقول مبذره قوى قوى.

و في خضم ما يحدث حملقت به بتعجب فهذا ليس هو، و لكن تعبيرات وجهه، كلماته و نبرته المستهجنه جعلتها تبتسم بهدوء و تحفظ فرفع يده يمحى دموعها و هو يردف بغمزه مشاغبه: انا اه بقول وفري بس في الدموع مش في الضحكه، اضحكِ اضحكِ محدش واخد منها حاجه.

ثم مال عليها قليلا فنظرت اليه ببلاهه و على غفله منها و غير توقع تماما رفعها حاملا اياها لتتمسك هى بعنقه بقوه كادت تخنقه و هى تصرخ بفزع: نزلني يا فارس، نزلنى هنقع يا مجنون.
تحرك بها فارس بلامبالاه بحديثها و بثقه تامه نظر لعينها هاتفا بثبات: طول ما انتِ معايا عاوزك تبقي مطمنه خا..

للاسف كان للاصيص الصغير رأى اخر و تعمد ان يعلق بطرف بنطاله لتتعثر قدمه به ليسقط و حنين فوقه، نظرت حنين لوجهه المتألم اثر سقوطه و انفجرت ضاحكه حتى دمعت عينها و هى تهتف بصوت شامت: حسبي الله و نعم الوكيل، قال ابقي مطمنه قال.
انفجر ضاحكا هو الاخر و هى تعتدل جالسه ليتبعها هو الاخر ليقول متعجبا: ايه اللى حص...
و قبل ان يُكمل جملته قطع حديثه صارخا بصدمه و عيناه مركزه على شيئا ما: يا نهاااار مش فااايت.

التفتت تنظر على ما ينظر اليه لتشهق ضاحكه و عينها تتسع بدهشه ثم انطلقت ضحكاتها و هى ترى بنطاله الذى علق بالاصيص ليشقه نصفين من اسفل فظهرت ساقه حتى ركبتيه من اسفله و من فرط ضحكاتها اخذت تضرب على فخذها بقوه غير قادره على تمالك نفسها فدفعها بكتفها بغيظ هاتفا بحسره ضاربا كفا بالاخر: اضحكِ اضحكِ، ياعيني عليك يا فارس و الله كان بنطلون ابن ناس و لسه جديد.

حاولت حنين تمالك ضحكاتها و هى تمتم باستهجان: علشان تبقي تشيل قوى، شيل يا حبيبى شيل.
ثم انفجرت ضاحكه فتعلقت عينه بضحكتها قليلا و اضاف بجديه و هو يعنى كل كلمه يقولها: لو كل مره هشيلك هنقع و هتضحكِ كده هتعمد اشيلك و أقع بيكِ علشان اشوف ضحكتك.
و لكنها للاسف رغم امتنانها لكلماته التى لامست قلبها لم تستطع تمالك ضحكاتها و هى تسأله بسخريه: و على كده بقي عندك كام بنطلون علشان نعمل حسابنا نشتري احتياطى.

ارتفعت ضحكاته هو الاخر مجيبا اياها: ليه هو كل مره ببنطلون! بعد كده هلبس برمودا.
نهض و ساعدها على النهوض و الضحكه لا تفارق وجه كلا منهما ثم مال للخلف قليلا واضعا يده على اسفل ظهره متألما و هو يقول: اه يانا يا أما، يلا يا ست هانم هوصلك و بعدين ارجع اغير و اروح الشركه،
غمزته بمشاغبه: طيب ما تروح كده حتى موضه و شكلك حلو.
زمجر بغيظ لاق به مما دفع بضحكاتها لتزداد: عيب تتريقي على جوزك على فكره،.

ثم أدار دفه الحوار عليها و هو يميل عليها بمكر: و بعدين انا مش مشكله، احمدي ربنا ان مش جيبتك اللي جت نصين، بصراحه كنت هبقي مبسوط قوى.
غمزه و دفعه بكتفه لكتفها جعلت الدماء تتصاعد لوجنتها بحياء ألجم لسانها فدفعها امامه حتى لا يستغل الفرصه مردفا بمرح: يلا يلا مش وقت كسوف و خصوصا و انا بالمنظر ده لو حد شافنا هيقولوا انك كنتِ بتتحرشي بيا و انا بخاف على سمعتى.

انطلقت ضحكاتها مجددا، دفعٍ منه، خطوات سريعه باتجاه البوابه الرئيسيه، الصعود لسيارته ثم الرحيل و قد تبدل الحال لحال اخر تماما.
بينما في الاعلي كانت سلمى تتابع الموقف من بدايه رحيلها حتى رحيلهم، ابتسامه على شفتيها و دمعه تغرق عينها، قلبها يرقص فرحا لشقيقتها و نصفه الاخر يبكى حزنا لانها ليست بمحلها.

نظرات فارس، احتواءه، هدوءه، حبه، رومانسيته، مشاغبته و مرحه، فارس هو فارس حقا، فارس الاحلام لكل فتاه و الامير المنتظر لكل سندريلا، و لكن ليست كل سندريلا بمحظوظه و لقد اختار الامير سندريلته منذ زمن.

و لكن ما حيلتها في قلبها و حالها، رفضت الجميع لاجله، شيدت قصور من احلام هو ساكنها الوحيد، فكرت و فكرت و وصل بها الامر ان تختار اسماء لاطفالها منه، تتخيل نفسها معه، تحدثه، يضحك لها، يخصها بمدح، يغازلها، يحتضنها و تجاوزت الامر ليقبلها ايضا.
و الان و بكل بساطه بطلب منه و موافقه من شقيقتها و عقد زواج و بصمتين صارت كل احلامها لشقيقتها فما الذى من الممكن ان يكون اشد قسوه من هذا.

ضمت نفسها بذراعيها، فالامر ليس بسيطا كما توقعت فكل قوتها تتلاشى فور رؤيته و لكنها ابدا لن تسمح بأن تكون عقبه بطريق سعاده شقيقتها و ستفعل كل ما بيدها لتمنع هذا.

ثمه اشياء صعب سرقتها كملابسك مثلا و لكن استغرب كيف يسرقون القلب و هو خلف قضبان الضلوع...!
اقتباس.

مط ذراعيه بتكاسل و هو ينهض عن الفراش، كان جسده منهكا و القلق على تلك الحمقاء اذاقه الامرين، انتعش سريعا و ادى فريضته ثم خرج من الغرفه ليجد المنزل هادئ و الاضواء خافته و لا حركه تُذكر، عقد حاجبيه يبحث بعينه عنها حتى وجدها تجلس على ارجوحتها القديمه شبه الباليه غير آبه باحتمال سقوطهاا، رافعه رأسها لاعلى مطبقه جفينها سامحه للهواء بمداعبه حجابها الذى لا تتخلى عنه طوال فتره وجوده و صدقا يمنحها هو بعض الحق فبين ليله و ضحاها صار زوجها فمن اين لها بتعود سريع عليه، اقترب منها بهدوء ليقف خلفها ثم بدأ بدفع الارجوحه بقوه نسبيه، انتفضت و هى تعتدل بخضه و استدارت تنظر له بتعجب فازداد في دفع الارجوحه دون اى حديث يُذكر مانعا اياها من الهروب كعادتها.

مرت دقائق يلفهم الصمت فلم يتحدث هو و لم تبدأ هى و لكن مع صمته و سرعه حركته للارجوحه اصابها التوتر فتسائلت بتوجس: هتفضل ساكت كده!
تمتم: عاوزاني اقول ايه؟
ازدردت ريقها بصعوبه و هو تحاول استيعاب انها هنا معه بمفردهم، كزوجها و ابن عمتها، ببساطه خريطه حياتها تبدلت تماما و لكنها تمالكت خوفها محاوله التغلب عليه و حقا كم كان الامر صعبا عندما تمتمت بحيره: انت ليه بتعمل كده؟ و بجد ايه اللي جابك هنا؟

شرد بفكره قليلا متنفسا بعمق ليهمس بهدوء و هو يعبر عن القليل من مكنونات صدره و التى كانت تدور حولها: عارفه احساس انك تبقى خايفه تخسرى حاجه بتحبيها، عارفه اما تبقي حاسه انك قلقانه على حد لدرجه انك حاسه ان القلق ده بيقتلك بالبطئ، اما تبقي نفسك تقولي كلام كتير جواكِ بس مش عارفه و حتى كمان مينفعش تقوليه، عارفه احساس انك تلاقي اقرب الناس لقلبك اكتر ناس بتكرهك، اما تحسي ان الشيطان بيحاول يبقى ملاك بس مش عارف، اما تحسي ان الجنه غاليه قوي قوي بس في احساس اكبر بيقول انك مش هتدخليها،.

تنهد بقوه مردفا و نبره الحزن تغلف صوته: عارفه احساس انك تحاربي نفسك، تبقي نفسك بتحارب نفسها علشان تتغير بس مش عارفه، احساس انك متعوده على النصر و الفوز دائما فأي معركه لكن اهم و اكبر و اعظم معركه في حياتك تخسريها،.

صمت لحظات لينظر لظهرها الساكن و ابتسم بسخط و نبره الحزن بصوته تزداد: عارفه اما تبقي بتتمني حاجه بس حاسه انها بعيده جدا عنك يبقى كل همك انك تفوزى بيها بس مش عارفه تعملى ايه، و الاسوء ان الحاجه دى اصلا ملكك.
حمحم ليحمل صوته بعضا من الجديه: عارف انك مش فاهمه انا بقول ايه و انا مش هفهمك بس اتمني تفهمي قبل فوات الاوان.

ثم احتدت عيناه لتعود قوته و سيطرته لصوته و هو يجيب على سؤالها: جيت هنا يا مدام لانك مراتي و اذا كنتِ انتِ نسيتِ ده و خرجتِ من البيت بدون ما تعملي اى اعتبار ليا انا مش هنسي انك لازم تبقي تحت نظري و تحركاتك معايا دائما، فهمتِ!

ترك الارجوحه بعدما دفعها بعنف و تحرك باتجاه الداخل و لكنه تجمد مكانه عندما وصله همسها الرقيق و هى تجيبه على حيرته السابقه و قد شوشها نبرته المتألمه و منحها هدوءه بعض الثقه: اللي بيحب الجنه بيتعب علشانها، اللي بيتمني حاجه بيعافر علشان يوصلها، اللي اتعود على النصر مينفعش يقبل بالخساره، و اللي نفسه يتغير بيحاول مره و اتنين و كل اما يقع يقوم لكن مينفعش يستسلم.

ثم نهضت من مكانها لتقف خلفه مباشره ليستدير لها و من عينه المتأمله بها اكتسبت قوه غريبه بثها بها سكونه و صمته و هى تجيبه على اجابته الاخيره بثبات أدهشه و أيقنه انها تخفى قوه ربما هى نفسها لا تعرف بوجودها داخلها: فهمت طبعا يا سياده النقيب بس مش كل زوجه ست امينه و لازم تشوف جوزها سي السيد.

فاض ابريقها العسلى بنظرات تحدي ثائره وصلت كامله لحصونه السوداء متأملا قوتها الغير معهوده بابتسامه جانبيه معجبه و لكن سرعان ما اعد اسهمه المتحديه هو الاخر لتهاجمها من كل اتجاه مما جعل جسدها يرتجف من نظرته القويه و التى بعثرت قوتها تماما فتراجعت خطوه للخلف و لمعه عينها المتحديه تختفى تماما فابتسم بزفر و صمت قليلا يطالعها من علوٍ بفارق الطول بينهم ثم هتف بشغب: تيجي نسمع فيلم.

رفعت رأسها اليه بذهول لتفرغ فاها متعجبه مردده خلفه باستنكار: فيلم!
فاتسعت ابتسامته الجانبيه و هو يشملها بنظره عابثه و اجابها ببساطه تبعها بشرطه: اه فيلم، انتِ جهزى الفشار على ما اختار انا الفيلم.
تركها دالفا للداخل بينما هى تتابع ظهره المنصرف بدهشه.
سيصيبها بالجنون المبكر لا شك.
مواقفه تصيبها بالعجز، اوقات تجده مسالما و اوقات يشعل الحرب معها بعينيه فقط.

حينا يغضب و حينا يمزح، يقسو احيانا و يحنو احيانا اخرى.
سألت نفسها من يكون و للاسف لا اجابه فهو شخص يحمل كل لحظه شخصيه مختلفه، مختلف في ردود افعاله، و غريب في تصرفاته.
زفرت بقوه و تبعته للداخل، دقائق تتلوها دقائق، اختار هو ما يريد و في نيته قليلا من العبث، استكان امام التلفاز منتظرا اياها حتى جاءت، صمت، ضوء مغلق، يبدأ الفيلم فتنتفض هى معتدله لتهتف: رعب!

رمقها بطرف عينه مجيبا ببرود: اه اصل انا بحب الرعب.
ثم نظر اليها عاقدا حاجبيه متسائلا: ايه بتخافي؟
تخاف؟
مطلقا، هى فقط تموت رعبا.
عاندت من قبل و شاهدت احدي هذه الافلام مع والدها لتندم بعدها اشد الندم، فليلتها لم تستطع النوم، هواجس تهاجمها، صور تداهم احلامها، وشوش ممزقه، دماء، روؤس مقطعه و اجساد مشوهه.
كانت ليله سيئه بكل ما تحمله الكلمه من معنى.
لم تهدأ الا عندما استكانت بحضن والدها.

تابعها عاصم بابتسامه لعوب و هى تفكر و رأى بها روح العناد و قد كان بالفعل عندما اعتدلت بمقعدها و اخذت قرارها بألا تظهر خوفها امامه ايا كان السبب.

اندمجت مع الاحداث و على حين غفله خرجت احدى الوشوش لاحد الاشرار بالفيلم من خلف الطفله فانتفضت جنه صارخه بملأ صوتها قاذفه بوعاء الفشار لتتناثر حباته ارضا بينما انطلقت ضحكات عاصم تغطى على صرختها فنهضت بغضب و انفاسها مضطربه و انارت الضوء، اوقف الفيلم ناظرا اليها بتعجب لامبالى متمتما بنزق مصطنع: في ايه؟

اقتربت منه و همت بجذب جهاز التحكم من جواره و لكنه امسكه رافعا احدى حاجبيه باستنكار: ايه ده انتِ خايفه و لا ايه!
عقدت ذراعيها امام صدرها بنزق حقيقى و عبست ملامحها بطفوليه متناسيه خوفها المعتاد منه و ربما هدوءه و مرحه هو من انساها اياه و تمتمت: مش عاوزه اكمله.
غمزها معتدلا بسرعه فانتفضت هى خطوه للخلف و تسائل و هو متيقن بالاجابه: بذمتك معندكيش فضول تعرفى النهايه!

زمت شفتيها بغيظ فهى في الحقيقه يقتلها الفضول و لكنه يستمتع بخوفها و هى حقا تخاف فنظرت اليه و قبل ان تجيب اشار لها على الاريكه الجالس فوقها و قال بخبث لم تفهمه: لو خايفه ممكن تقعدى جنبى يمكن تطمنى شويه.

تفكير، قلق، خوف ثم قرار و جلوس على بعد، نهض، اطفأ الانوار مجددا، جلوس و ابتسامه ماكره منه و هو يعتدل بأريحيه في جلسته واضعا يده على طرف الاريكه مستمتعا بنجاح خطته العابثه فتلك التى تهرب، تخاف و تتجنب ما هى الا طفله بحاجه لبعض الامان الذى لم يكن يفهم سابقا كيف يمنحها اياه.

ظلت تشدد على ملابسها بقوه من شده خوفها و مع كل انتفاضه يكتم هو ضحكته حتى لا تتذمر بينما تقترب هى منه دون وعى، و باندماج مع الاحداث تحرك صاحب الوجه المشوه باتجاه الطفله و على غفله قام بدفع خنجره اليها فدفعتها والدتها بعيدا ليصيب الخنجر عنقها ليتدحرج رأسها امام الاب حتى اصطدمت بقدمه الذى ظل يحملق به بلا وعى، بينما صاحب الوجه المشوه يقترب بخطوات متزنه من البطل الذى تاه كليا عن الواقع مركزا انظاره على رأس حبيبته الملقى اسفل قدمه و جسدها المسجى على بعد امتار منه بشئ من الذهول و الضياع و قبل ان يصل اليه صرخت الطفله به فركض باتجاهها و هو يصرخ ألما على موت زوجته ثم صعد بصغيرته لسيارته محاولا الهرب بها و لكن لحق بهم ذلك الرجل دافعا بخنجره لعجله السياره ليحتضن الاب طفلته قبل ان تدور السياره عده مرات محدثه صريرا عاليا ليصيب زجاجها وجه الاب و ظهره بينما تصرخ الصغيره بين يديه حتى اقترب صاحب الوجه المشوه منهم طاعنا ظهر الاب الذى جاهد ليحمى ابنته و لكنه فشل.

اقتربت جنه من عاصم و هى تتوه في اللاوعى هى الاخرى لاحداث مشابه، موت والدتها بسببها، ذهاب والدها لقبر والدتها كل ليله، بكاءه، صراخه باسمها، نظراته المقتوله، روحه المهلكه، تذكرت عدم شعوره بمن حوله عندما يحتضن صورتها بين يديه، ليضرب عقلها صوت صراخه باسمها يوم الحادث، جسده الذى ضمها اليه لحمايتها، صرير عجلات السياره الذى اصم اذنها، تأوهات والدها، اصابته، دماءه، وجهه المهلك و اخيرا ابتسامته الهادئه ثم فقدانها الوعى لتستيقظ على واقع فقدانه، بسببها.

فصرخت و هو بعالم غير الحالى: لا اصحى، متسبنيش، انا مش عاوزه افضل لوحدى، فتح عينك يا بابا،.

نظر اليها عاقدا ما بين حاجبيه بحده و هو يشعر بارتجافه جسدها إثر التصاقها به فأخفض ذراعه من على حرف الاريكه ليحاوط كتفها و بمجرد ان لمس كتفها رفعت هي يدها بسرعه ممسكه يده لتجذبها عليها بشكل اكبر كأنها تحتمي به و يدها الاخري وضعتها على فخذه لتضرب عليه بخفه لتعاود صراخها و انفاسها متلاحقه بشكل اقلقه: بابا، انا محتاجه لك جنبى، متسبنيش يا بابا.

انتفض معتدلا ليحاوطها بقوه و هو يتذكر يوم ان غابت عن الوعى بسيارته فحاول الضغط على جسدها بألم ليجذبها من براثن الماضى الذى لا يعرف ماذا اوصلها اليه الان، ليته لم يعبث، لماذا كلما يحاول حل الامور يعقدها، ألم اماكن متفرقه من جسدها حتى اصدرت تأوهات و بدأت انفاسها تهدأ رويدا و ان كانت لم تهدأ تماما فظل يمسد ظهرها و هى تمرغ وجهها في ملابسه حتى شعر بدموعها تلهب صدره رغم برودتها فهمس بجوار اذنها بحنان و ندم: اهدي يا جنه خلاص انا طفيت التليفزيون، اهدى.

ضغط يده على جسدها و إيلامه لاماكن متفرقه منه انقذها حقا من الدخول في خضم وجع لم تكن لتخرج منه بسهوله، شعرت بشفتاه تستقر على جبهتها و يده تمسد ظهرها بنعومه و يده الاخري تحتضن كفها الموضوع على فخذه.
نبضات قلب، صدر يعلو و يهبط، صوت حشرجه الانفاس و ذقنه القصيره تداعب جبهتها.
لحظه، تركيز، تفكير، استيعاب، دهشه و وصول لحقيقه الوضع الحالى هى بحضنه.

وصلها همسه القلق مره اخري ليأكد احساسها: جنه خلاص اهدي محصلش حاجه.
بينما اشتدت قبضته على يدها و وصلت يده لخصرها صاعده للاعلي مجددا مرات متتاليه.

لتنتفض مبتعده عنه كمن لدغتها افعى و لم تكتفى بهذا فقط بل نهضت واقفه و هى تلومه بنظراتها لانه تسبب في اعادتها لاسوء كوابيسها و صرخت بعصبيه غير مبرره متناسيه وضعها، خوفها او حتى انها تفعل اسوء ما يُطلق مارد ابن الحصرى المجنون: انت ازاي تسمح لنفسك تلمسني كده، انت اتجننت، ا..

اشتعلت عيناه بالجحيم ناهضا بسرعه منقضا على ذراعها بقوه فانقطعت كلماتها و عينها تنبض بخوفها متسعه برعب من هيئته التى تحولت من حال الى حال تماما و قال بصوت يشبه الرعد في قوته زلزل كيانها لترتجف بين ذراعيه: انتِ اللى اتجننتِ و نسيتِ نفسك، نسيتِ انك مجرد واحده في بيتي و تحت طوعي و على اسمى،.

ضغط ذراعها حتى كادت اظافره تخترق لحم جسدها فانكمش وجهها بألم و لمعت عينها بالدموع و لكن ها هنا لم يرى و لم يعرف سوى ان صوتها ارتفع بل و اهانته تقريبا فصرخ بتحذير و تهديد صريح ارعبها: و عندى مفيش مخلوق صوته يعلى قدامى ابدا و ان اتكررت تاني ماتلوميش غير نفسك لانى وقتها هقطعلك لسانك،.

ثم نظر لجسدها من اعلى لاسفل بنظره كادت توقف قلبها من مدى جرأتها التى وصلت حد الوقاحه و الذى اتبعها بحديث اكثر جرأه: اما بالنسبه لاني المسك، فا دا حقى يا قطه و لو عاوز اخده هخده برضاكِ او غصب عنك و محدش يقدر يلومني لا انتِ و لا اهلك كلهم، لكن انا صابر عليكِ بمزاجي، فا فكري ميت مره قبل ما تقفي في وشي تاني لاني و ربي ان اتجننت عليكِ ما هرحمك و وقتها هتشوفي مني وش مش بس هتكرهيه او تكرهينى لا انت هتكرهي نفسك قبلها،.

ثم انهى حديثه بأخر كلماته قوه و تحذير صارم: و انا صبري عليكِ بدأ ينفذ، اتقِ شرى يا بنت الالفى و بلاش تخليني اقلب عليكِ احسنلك.
دفع ذراعها بقوه جعلتها تسقط على الاريكه خلفها و جسدها كله ينتفض خوفا.
هذا هو ابن الحصرى الذى تعرفه، مغرور متعجرف و قاسى القلب.
ألم يشعر للحظه انها فجرت خوفها بغضبها!
ألم يتبين انها كانت بحاجه لحضنه حقا و لكنها كابرت فهو السبب بما وصلت اليه!

ألم يكن يستطيع تحمل عصبيتها ليمنحها أمان ستفقده طوال الليل من شده خوفها!
كتمت فمها بيدها و هى تعتدل جالسه على الاريكه ترفع ركبتيها لصدرها لتحاوط نفسها بذارعيها و تدفن وجهها بين ركبتيها تبكى عجزها، خوفها و يتمها.
لمن تلجأ الان، من يتحملها و يحمل من قلبها عجزه، من يساندها و يزيل عن صدرها ثقله، من يفهمها و يفهم انها تخشى كوابيس ليلها، و بعد ما صار، ما فعلت و ما قال كيف تثق به و تلجأ اليه!

ازداد كتمها لدموعها بين ثنايا ثيابها و عقلها يستعيد ما رأته الان و ما عاشته في الماضى، و هى تعترف ان اقصى ما تحتاجه الان هو تنازله عن غروره قليلا لتحتمى بصدره أفلا يمكنه فعل هذا و لو لمره واحده من اجلها!
نظرت لغرفته برؤيه مشوشه، خوف قتلها، عجز اضعفها و هى تدرك انه ابدا لن يفعل.

وقف يأخذ انفاسه بقوه، صدره يعلو و يهبط بعنف شديد، عيناه بها نيران تكفي لحرق الجميع و لكنها لا تحرق غيره، كلماتها اللاذعه تجعله يجن، يفقد عقله.
هو لا يرغب في اظهار شيطانه امامها و لكنها تجعله يُظهره عليها،
فمهما حاول هي لا تتركه يصبح ملاكا ليفوز بجنتها.
بماذا ترغب هي؟
أجُنت لتقول ما قالت!
انتفض قلبه لاجلها، حاول بثها الامان، فقط ساعدها و هذا ما يحصل عليه!
فالتذهب و حبه للجحيم.

لجأت اليه فماذا يجب ان يفعل لينال رضا الاميره!
يرفع يده عنها لاعلي كطفل معاقب لانه لا يجب ان يمسها!
هى كنز و جوهره غاليه و مدنس مثله لا يليق به لمس سموها!
فقط فالتذهب للجحيم فلم تخلق بعد من تُضعفه، لم تخلق بعد من تهينه و ان فعلت لن تنال سوى قسوته و غضبه، اخافها هذا، احزنها او دفع بقلبها لكرهه لا فارق.
فقط سحقا لها، سحقا لمشاعره و سحقا لكل شئ.

من اين يأتيه النوم و هو يستمع لصوت أنينها المكتوم!
من أين يعرف راحه البال و هو مدرك تماما انها خائفه الان!
اقترب اذان الفجر و هى مازالت مستيقظه، ضوء المنزل كله مضاء و كأنها تخشى الظلام.
مازالت كلماتها تحرقه، نظراتها النافره تضرب صفحه غروره بعنف لتشتعل براكين صدره غضبا سيحرقها.

و رغم ذلك هو السبب فيما صار، اراد اقترابها منه برغبتها فاستعد للعبث قليلا و لكن نتيجه عبثه سيئه اشد السوء عليها و عليه ايضا.
خرج من الغرفه يتابعها من باب غرفتها المفتوح، تحتضن نفسها بجزع و دموعها تشاركها خوف قلبها، تتلفت يمينا و يسارا خشيه ان يفاجأها شيئا ما، ابسط الاصوات بالخارج تنفض جسدها نفضا مزقه.

استند برأسه على الحائط ضربا اياه بقبضته عده مرات حتى كادت عظام يده تتكسر و هو يعجز عن بثها الامان، لا تسمح له كرامته بالدخول اليها و ضمها مجددا و ان كان هذا هو الحل الامثل، و لا تسمح له رجولته بتركها تعانى بمفردها طوال الليل و ان كانت بعدما قالت له تستحق، و لا يسمح له حبه بالتفكير فقط يريد ضحكتها الان و ليحترق اى شئ اخر حتى ان كان هو.

استكان لحظات ثم تحرك عائدا لغرفته و قد قرر ما يجب عليه فعله دون ان يجرح كرامته، دون ان يتجاهل رجولته و دون ان يظلم حبه.
تداهمها هواجسها، لا يفارق عينها ما رأته و لا يغادر قلبها ما تشعر به مما عاشته، دموعها لا تتوقف، تحتاجه و تخشاه، تود الركض اليه للاحتماء به و تود الهرب بعيدا، بعيدا جدا عنه، خائفه و نادمه.
ربما تمادت قليلا، هو لم يخطئ بحقها و لكنها فرغت خوفها به.

عاندت لتخفى عنه خوفها و كانت هذه نتيجه عنادها.
ماذا فعل سوى انه حاول تهدئتها و بالفعل نجح.
اطمئنت عندما اقتربت منه، احتضانه لها، رائحته الرجوليه، نبضاته المتسارعه، صوته القلق، همساته المطمئنه و احتواء صدره لها.
و بماذا كافأته، صراخ، غضب و اهانه.
ازداد انهمار دموعها و هى تعتذر و لكنها حقا رغما عنها فعلت.

فشعور انها تحتمى بأكثر من تكرهه قاسى، شعور ان تلجأ لاكثر من أذاها قاسى و شعور ان تطمئن لمن أذلها من قبل قاسى.
فما اسوء من شعوره شعورها و اقسى من حزنه حزنها و لكنه لا يفهم و لا يريد ان يفهم و لن يستطيع ابدا فهمها.

ضمت نفسها بقوه اكبر حتى تسلل ذلك الصوت إلى اذنها لتسري رعشه في جسدها و تنهض بخطوات بطيئه و هي تنظر حولها بتوجس حتى خرجت من غرفتها لتجد باب غرفته مفتوح قليلا جالس على الارض و بيده كتاب الله يقرأ منه بذلك الصوت الخاشع و الوجل و نغمه صوته تسرى بجسدها ليمنحها سكينه مهوله و راحه قلب لم تألفها من قبل.

جلست أرضا هى الاخرى مستنده بظهرها على الحائط الفاصل بين الغرفتين و ضمت ركبتيها لصدرها و أراحت رأسها على الجدار تاركه لجفنيها العنان ليلتقيا و هى تستمع لصوته بتلك الايات.
بسم الله الرحمن الرحيم.

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ .

صدق الله العظيم
انهى قراءته بعدما تأكد من اختفاء صوت بكاءها، نهض متحركا بهدوء باتجاه الباب و فتحه ببطء ليُفاجئ بها ارضا، ابتسم بحنان منحنيا امامها ينظر اليها باعتذار حملته عيناه و قلبه و صرخ به حبه لها.
يدها تضم ركبتيها لصدرها بقوه، رأسها على الحائط مائله قليلا، اثار الدموع ظاهره على وجهها بوضوح و انفاسها المنتظمه دلاله على انها نائمه.

رفع يده راغبا بملامسه وجنتها لازاله ما علق بها من الدموع، يرغب بالتعطر بنعومه بشرتها، و لكن صدي صوته و هو يعدها بعدم الاقتراب منها دون رغبتها جعله يقبض يده في الهواء قبل ان تلمسها.
جلس امامها يتابع حركه انفاسها و صدرها الذي يعلو و يهبط بهدوء.
رقيقه جدا لكنها اكثر النساء شراسه بحياته.
ناعمه جدا لكنها الاكثر تمرداً بتاريخه كله.
هادئه للغايه و لكنها اكثر الصاخبين و اكبر العابثين به.

لا تفعل شئ و رغم ذلك تفعل به ما لم يجرأ احد عليه من قبل.
و رغم عدم ادراكها تقلب كيانه رأساً على عقب، فماذا ان ادركت؟!
و بدون قصدٍ تأثر بكل سكناته قبل حركاته، فكيف ان كان عن قصد؟!
هى مهلكه اُرسلت اليه لتهلكه، عابثه هدفها هو تشتيته، هى امرأه خُلقت لتسكنه.
فبئس قلبه الذى اختار حب إمرأه لا تتفنن سوي في تحطيمه.
و لكن هل له على قلبه من سلطه!

قلبه خُلق ليتوه بين حبه لها و عذابه بها، و عقله خُلق ليعيش صراع هو أسوء كوابيسه!

انهت صلاتها و نهضت و قد قررت ان تقلد جنه في امر متابعتها لشروق الشمس كل يوم عقب الصلاه، وقفت خلف زجاج نافذتها تنظر لذلك الخيط الابيض الذى اقتحم سواد الليل معلنا عن بدايه يوما جديدا، بأمل جديد، و فرص جديده.
ربما سيأتى يوما ليشرق نهار حياتها بعد ما اقحمت نفسها به بعتمه تفكيرها، سواد غيرتها و ليل حزنها.

ارتفع رنين هاتفها فعقدت حاجبيها متعجبه فمن ذا الذى يهاتفها بمثل هذا الوقت من الصباح و بمجرد ان رأت اسمه على شاشه هاتفها فتحت الاتصال مسرعه ليصلها صوته يلهث و هو يلتقط انفاسه بصعوبه ممتزجه بضحكه و نبره مشرقه: السلام عليكم، صباح الهنا يا قمرى.
ازداد تعجبها و لكنها ابتسمت مجيبه اياه و توالت أسألتها على رأسه كحبات أرز متتاليه: و عليكم السلام، خير يا فارس؟ و مال صوتك؟ انت بتنهج كده ليه؟

ضحك مقاطعا اياها: طيب اهدى عليا شويه، طيب واحده واحده مابلاش كل ده يجى مره واحده هتجنن كده.
ارتفعت ضحكاتها فأردف بتوضيح مرح: خير يا فارس؟ فهو خير متقلقيش، مال صوتي؟ كنت بجرى علشان الحق، بنهج ليه؟ لاني جاى لكِ جرى، افتحي الباب بقى.
اتسعت عينها بدهشه هاتفه بحده: باب ايه يا مجنون! و جاي فين؟ انت عارف الساعه كام!

بنفس النبره المتلاعبه اجابها: باب ايه؟ باب بيتكم يا عنيا، جاي فين؟ جاي عندكم، الساعه كام؟ فا احنا الفجر، و اخلصي افتحي الباب قبل ما نتمسك.
تأكدت بتعجب مترقب: انت قدام الباب بجد؟!
بصراخ مصطنع: افتحى الباب يا حنيييييين.

خرجت حنين من الغرفه مسرعه تهبط درجات السلم درجتين درجتين غير منتبهه انها بمنامتها و شعرها الاسود يلاحقها، فتحت الباب بهدوء ليطالعها وجهه الضاحك و نظراته المشاغبه التى تجمدت عليها فور رؤيتها بينما تهمس هى بغضب مصطنع: ايه اللي جابك دلوقتى يا مجنون؟

شملتها نظراته من اعلى لاسفل و عيناه تستكشف كل انش من جسدها باستمتاع و رغبه، زوجته آيه من الجمال ربما ليست جميله الجميلات و لكن بعينيه هى اجمل نساء الارض، شعر حالك كسواد الليل، عيناها الرماديه التى لمعت بابتسامه فور رؤيته، ملامحها الدقيقه، جسدها الصغير الذى احتضنته منامتها الحريريه باللون الابيض بنعومه، جعلته يهمس بهيام تائه تماما في عينيها و تفاصيلها الذى زلزلت رجولته رغما عنه: دا انا هاجى كل يوم، دا انا مش همشى من هنا اصلا.

لم تنتبه هى لكل هذا فدفعته بكتفه ليخرج هامسه بغيظ: بابا زمانه جاى يا فارس مينفعش يشوفك هنا دلوقتى.
امسك يدها التى تدفعه دافعا هو اياها للداخل ليدلف خلفها متمتما بخبث: انا جوزك على فكره و حتى لو باباكِ شافني مش مشكله خالص.
جذبت يدها منه و لكنه لم يتركها و هى تنظر حولها بتوجس كأنها ترتكب جنايه: مينفعش يا فارس امشي و بلاش تحرجني قدام بابا الله يخليك، امشي بقى.

اطلق صفيرا معجبا متجاهلا حديثها و هو يعود للخلف قليلا دافعا اياها للخلف هى الاخرى و ما زال ممسكا بيدها غامزا اياها باغراء: حلو الابيض ده!
حنين ببلاهه تسائلت: ابيض ايه؟
فأشار لها بعينه على منامتها رافعا حاجبيه لاعلى بمكر فنظرت لنفسها ثم شهقت مستوعبه حالها: يا نهاااااار ابيض...
فصاح بمرح: ابيض قووووووووى، يا بركه دعاكِ يا اما.

جذبت يدها منه بعنف و حاولت الركض من امامه و لكنه امسك يدها ضاحكا قائلا: تعالي بس هقولك.
توردت و جنتها بحياء و همت بنهره مجددا فأضاف منهيا ارتباكها هذا بغمزه مشاغبه: خلاص همشي بس اخد بوسه الاول.

اتسعت عينها بصدمه من جرأته ثم اخفت وجهها خجلا بيدها فانطلقت ضحكاته و لكنها ابعدت يدها عن وجهها هاتفه بجزع و هى تستمع لاغلاق البوابه الخارجيه دلاله على حضور والدها فهتف و هى تضرب كتفه بغيظ: بابا جه يا فارس بابا جه.
ضحك بصوت عالى هاتفا: انا جوزك و ربنا يا هبله.
ضربت كتفه مره اخرى و هى تهمس: هششششش، مش عاوزاه يشوفك، لازم تستخبى.

اخذت تنظر يمينا ويسارا لا تدري اين تخبئه و فارس يحاول اقناعها انه ليس لصا بل زوجها و لكنها لم تستمع اليه و اتجهت به للمطبخ و اخذت تبحث بعينها عن مكان مناسب حتى استقرت اخيرا فاتحه باب الثلاجه جاعله اياها يجلس خلفه و هى واقفه امامه و الهواء البارد يلفحها و يلفحه،.

دلف عز وجد الباب مفتوحا ثم استمع لحركه بالمطبخ فاتجه اليه وجد حنين تقف امام الثلاجه فاتحه بابها و لمح حذاء فارس من اسفله فحاول تمالك ضحكته: صباح الخير يا حنين، بتعملى ايه؟
بارتباك اجابته: صباح النور يا بابا،
ثم تلعثمت مرتبكه و فارس يلتقط كفها يقبله فخرجت كلماتها مفككه: انا، بعمل، قصدى، بجيب، سيب، لا اقصد، ايدى، قصدي يعني، بشر، بشرب..

زفرت بقوه و انفاسها تتسارع توترا مردده بحسره و فارس يتابع تقبيل كفها: عاوزه اشرب.
جاهد عز ليُمسك ضحكته و كذلك فارس الذي كادت ضحكاته تهرب منه و لكنه لم يكف عما يفعل مستمتعا بارتباكها حتى تسائل عز مجددا: طيب هتفضلي فاتحه الثلاجه كده؟

هربت الدماء من وجهها و انفاسها تتوقف مع حركه اصابع فارس على اصابع قدمها صعودا لركبتها و كرر الامر عده مرات فتيبس جسدها كله و هى تضغط بكفها على باب الثلاجه مجيبه والدها بصوت بالكاد يخرج و الغيظ يفتك بها: هقتله.
ضحك عز مرددا بتعجب: هو مين ده؟
هزت حنين رأسها بقوه و هى تحاول سحب قدمها من اسفل يده ذلك الاحمق الذى يستمتع بتلعثمها و صححت لوالدها مسرعه: اقصد هقفله، هقفله.

تابع عز و فارس حركاتها البهلوانيه لتهرب من مرمى يده فاكتفى عز بهذا الحد و تركها قائلا بخبث: طيب اشربي بسرعه و اقفلي باب الثلاجه في ناس هتتعب كده.
ثم خرج و هو يضحك بينما انفجر فارس ضاحكا فيما جلست هى ارضا تكاد تمووت خجلا، فردد بشغب: دا انتِ خفيفه قوى.
اغلق باب الثلاجه و جلس بجوارها متمتما و قد عاد لطبعه الهادئ: انتِ عارفه اني بحبك، صح!

اومأت برأسها موافقه و وجنتها تخبره بوضوح عن كسوفها فاحتضنتها عيناه البنيه بنظرات حانيه و هو يردف: انا قبل ما اجى كنت بصلي مع عمي عز و استأذنته اني اجي اشوفك لاني مسافر حالا و لو كنت استنيت للصبح مكنتش هلحق اشوفك قبل ما اسافر و انا مش عارف لسه هرجع امتي، فقولت اجى خطف كده اشوفك و امشى.
حدقت به بحزن فأمسك يدها مردفا: انا عمرى ما هعمل حاجه تقلل منك او غلط في حقك، عاوزك تبقى متأكده من كده.

و حزنها كان لسببا اخر وضحته و عينها تلمع باشتياقها من الان: هتسافر!
احتضن وجنتيها بكفيه موافقا برأسه مردفا: عارف انك هتزعلي مني علشان مقولتش ليكِ بدري بس انتِ بقالك يومين مش مظبوطه و انا محبتش ازعلك، متزعليش منى.

ازدادت دموعها لتتساقط على مرآي منه فرفع اصبعه يزيلها و بعينه نظره عتاب لمعرفتها مدى كرهه لرؤيه دموعها و خاصه ان كان هو السبب بها: متعيطيش يا حنين، و الله مش هتأخر هخلص شغلي قوام قوام و هرجع و هكلمك كل يوم و مش هتحسي بغيابي خالص اتفقنا.
رفع يده ليضم كتفها لصدره لتسند رأسها على كتفه قائله ببكاء محذره: ان نسيت تكلمني هزعل منك و مش هكلمك تاني و لو اتأخرت عليا يا فارس مش هتشوفني لما ترجع.

زاد من ضمه لها مشاغبا: متأكده انك كده هتبقي بتعاقبيني انا!
رفعت يدها لتشد على قميصه و دموعها تزداد فهو معه حق..
ان لم يهاتفها ستهاتفه هي، ان تأخر عليها بمجرد عودته ستهرع اليه.
فعاشقها يدري مكانته بقلبها جيدا.
تحركت معه للخارج تودعه امام باب منزلهم فضمها مجددا طابعا قبله على جبهتها متمتما بمرح: الفتره اللي قعدتها في الثلاجه جددت صلاحيتى، ألحق اروح و اجى بسرعه قبل ما تنتهى الصلاحيه بقى.

ضحكت و هى تلكزه بكتفه خجلا فاتسعت ابتسامته مودعا اياها و رحل.
راقب عز ركضها فرحا للاعلى و قلبه يدعو لها بالسعاده الدائمه، و لكن رغما عنه يشعر بالقلق يسيطر عليه.
رؤيته لتعلق ابنته بزوجها و تعلق زوجها بها يزيده قلقا، ادراكه لحب ابنته لزوجها و حب زوجها لها يزيده خوفا، معرفته ان وجود كلا منهما في حياه الاخر يقابله حياتهم يزيده رعبا.

ابنته ضعيفه و لن تتحمل و فارس شاب جموحه يحركه و ما يُخبأه القدر ربما يكون اقسى و اقوى و اصعب بكثير مما يتوقعا او حتى يتوقع هو.
فالعبره لم تكن ابدا بالبدايات بل دائما بالنهايات.
و ما هى نهايتهم فقط لا يدرى!

ايه الاخبار عندك؟
هتف بها عبد الحميد و هو يتحدث مع ذلك الذى وكله بمراقبه بيت عائله الحصرى بالقاهره، و الذى بدأ بسرد تفاصيل ما حدث في الايام القليله السابقه، خروج جنه، القلق الذى اصاب الجميع يومها، خروج عاصم خلفها، عدم عوده كلا منهما حتى الان ثم اضاف ما اثار غضب عبد الحميد و هو دخول و خروج فارس المتتالى لمنزل الحصرى و معرفته بعدها بزواجه من الابنه الصغيره.

هرج، مرج، صراخ و توعد لابنته و زوجها متوجسا مما سيقدم عليه كلا من كبير عائله الحصرى و كبير عائله الشرقاوى، فالعداء الحقيقى بينهم و ما اسوءه من عداء سيُعيد فتح دفاتر الماضى و التى قد تحرق كل ما يصير بالحاضر و ربما تسرق المستقبل.

تنظر للمبنى بتوتر يراه بها لاول مره، تلك القويه التى تدهشه حقا بثباتها ها هى تتوتر، ابتسم يتابع زرقه عينها الشارده متمتا: نفسى افهم ليه قلقانه كده!
استدارت هبه مسرعه ليغرق في بحر عينيها التائه قليلا قبل ان تتحدث بارتباك كان محببا لنفسه: انت مش شايف ان مقابله والدتك لاول مره و احنا بقالنا شعور مكتوب كتابنا حاجه تقلق!

اختفت ابتسامته متذكرا سؤالها المعتاد عن والدته التى تجاهلت حفل خطبته و حفل عقد قرانه و أتت فقط عندما عرفت عن وجود أولاد ماجد الالفى فأى أم هذه بحق الله، تجاهل كل هذا مجيبا اياها بلامبالاه: متقلقيش يا فلتى، ثم يعنى فين هبه القويه اللى محدش يقدر عليها، ماما مبتحبش الناس المهزوزه على فكره.

اخذت نفس عميق ثم دقائق بعدها و كانت تقف معه امام شقه والدته و التى تبعد مسافه كبيره عن عش الزوجيه المستقبلى، طرقات على الباب، لحظات انتظار ثم انفتاح الباب و صدمه.

فتاه في ريعان شبابها تتميز بجمال صارخ، عينان باللون الفيروزي الصافى، بشره بيضاء بحمره طبيعيه غزت وجنتيها، ملامح صغيره و رقيقه، شعر أشقر، جسد ممشوق مع قامه طويله، ترتدى ملابس بيتيه باللون السكرى اضفت على نضارتها نضاره و ابتسامتها الرائعه تزين ثغرها، باختصار تحفه فنيه جعلت هبه تكاد تقبل الارض من فرط صدمتها و اعجابها.

تجمد معتز لثانيه و في التاليه كانت تلك الحوريه بين يديه يحملها ليدور بها عده مرات و لاول مره ترى هبه ضحكته الواسعه و التى لا تزين شفتيه فقط بل استقرت بعينه معلنه عن مدى حبه، تعلقه و سعادته لرؤيتها و التى ادركت هويتها عندما صرخ معتز باسمها بلهفه: مهااااااا
حسنا تعرف هويتها، سعيده لسعادته و لكنها تموت غيظا و شعور بالغيره يقتلها لان غيرها تعد اكبر اسباب سعادته.

ضربت مها كتف معتز عده مرات ليتوقف و ابتسامتها تتسع بشكل منحها جمالا فائقا، أنزلها معتز محتضنا اياها مجددا و لكن بهدوء معبرا عن مدى اشتياقه فلقد مر على اخر مره رأها بها ما يقارب سبع سنوات ثم ابتعد ناظرا اليها و قبل ان يتحدث اشارت مها بعينها لهبه بعتاب فاستدار مسرعا مبتسما بفرحه عارمه مشيرا على مها قائلا بفخر ملأ روحه قبل صوته: دى بقى يا فله مها، اختى الكبيره و امى التانيه و سبب سعادتى في الدنيا كلها.

تجاهلت هبه الغصه التى اصابت قلبها اثر وصفه لمها موضحا لها انها لم تصل بعد لان تكون احد اهم الاشخاص بحياته، و استعادت ثباتها و قوتها هاتفه بمرح: انتِ اخته بجد!
و واضح و ضوح الشمس مزاحها و لكن جاءت الاجابه من الداخل بصوت قاسى مشبع بضيق خفى: بتشككِ في الموضوع و لا حاجه؟

اغلق معتز عينه يتمالك اعصابه فهو يدرك ان هذه المقابله لن تمر بسلام و لكن لن يسمح لوالدته التى لم تأبه حتى بمشاركته فرحته ان تُحزن من اختارها شريكه لعمره الباقى، استدار الجميع ناظرا لها بينما اجابتها هبه بابتسامه واثقه و هى تتقدم باتجاهها: لا طبعا يا طنط انا بهزر.

عادت نجلاء خطوه للخلف في اشاره منها لعدم رغبتها باقتراب هبه منها فتوقفت هبه و هى تلاحظ الامر و الذى امتد لان تشملها نجلاء بنظرات استحقار من اعلى لاسفل مع ليه شفاه مستهزأه و هى تردد بسخريه: مبحبش الهزار.
و تركتهم متحركه للداخل فاقترب معتز من هبه ممسكا يدها في اشاره منه انه يساندها و لكنها فاجأته بابتسامه واثقه و هزه رأس بسيطه تخبره انها ستتولى الامر.

جلس الجميع، حديث سريع ثم تعريف مفصل من معتز يخص شقيقته: مها بقى نسخه طبق الاصل من جده والدى، كانت امريكيه، كانوا عايشين في امريكا لحد ما والدى كان جاى مصر في فوج سياحى و حصل بينه و بين والدتى كذا موقف و من هنا الصناره غمزت، جات مها محتفظه بالعرق الامريكى و انا مصرى اصيل.
ابتسمت هبه بينما اصدرت نجلاء صوت ساخر جذب انتباه الجميع لها و هى تهتف بنزق: هنفضل نتكلم عن الحلوه و ابوها كتير.

طئطئت مها رأسها حزنا فإن كانت نجلاء تكره العالم اجمع فكرهها لمها يختلف تماما، فليس هناك من أمٍ تكره ابنائها و لكنها بحق بحق لا تحبها اطلاقا، ربما لان مها تمسكت بالبقاء مع والدها و ربما لاسباب اخرى حقا لا تعرف،
نظرت هبه لمها ممسكه بيدها و ابتسامتها تتسع متحدثه بود حقيقى: عندك حق تفضلى في امريكا انتِ هنا خطر على المصريين.

ثم اضافت بمرح و هى تشير على نفسها: و انا اللى كنت بقول على نفسى حلوه بعنيا الزرقا دى، اثبتِ لى انى تقليد يا مها.
اتسعت ابتسامه مها و هى تشعر بود متبادل تجاهها بينما قهقه معتز مضيفا: طيب انا لا عندى عين زرقا و لا عرق امريكى انتحر و اخلص و لا اعمل ايه بالظبط!
قهقهت هبه ومها التى طالعتها هبه بتعجب من ضحكتها المكتومه ثم نهضت مسرعه مشيره اليه بيدها و اختفت من امامهم بالداخل.

فنظر معتز لنجلاء بضيق يلومها قائلا: ليه كده يا ماما، ليه بتتعمدى تضايقيها؟
اشاحت نجلاء بيدها بلامبالاه ساخره: خليها عايشه معاه بكره يرميها زى ما عمل معاك.
اضطربت انفاسه و هو يضم قبضته بقوه هاتفا بغضب: ماماااا من فضلك، بلاش تفتحى الموضوع دا تانى.
اشاحت نجلاء بوجهها عنه ثم نظرت شذرا لهبه التى تتابع الموقف بتعجب، هى تربت في منزل شبه مفكك.

الام تعد الطعام، تهتم بالمنزل، تلبى احتياجاتهم كأى زوجه مصريه و ربه منزل عاديه، دون تفكير في كيف تمنح عاطفتها السخيه لاطفالها، الاب يعمل طوال اليوم ليجنى المال، يُصدر الحكم الاول و الاخير، يمنع، يطلب، يأمر و يصرخ و في الليل جلسه راحه مع اصدقاءه ثم النوم، هى و شقيقها توأم متحد، يحبها و تحبه، يخاف عليها و تخاف عليه، تهتم به و يهتم بها، هو لها الاب و الاخ، و هى له الام و الاخت.

اجل كانت اسره عاديه و لكن ابدا لم تكن والدتها بمثل هذا الجفاء، لم يكن والدها بمثل هذه اللامبالاه، كلما سألت معتز عن والده و سبب عدم وجوده تحجج بسفره، وكلما تسائلت عن والدته يتهرب من الاجابه.
و رغم تحفظ والديها على هذين الامرين عند تقدمه لزواجها إلا انه امام مكانته، امواله، هيئيته أى اب سيجد به عريس لقطه و فرصه لا تُعوض و كم كان هذا الامر لصالحها.

و لكنها لم تكن تدرك ابدا ان للامر ابعاد اخرى، اعمق بكثير مما تتوقع.
اعادها للواقع خطوات مها تقترب و هى تحمل بيدها صندوق صغير يحمل ماركه محلا ما على ما يبدو محل حلويات فصرخ معتز بسعاده بمجرد ان رأه: معقول منستيش؟
هزت رأسها نفيا فالتقط يدها مقبلا اياها بحب و جذبها لتجلس بجواره و هو يبدأ في حل ربطه الصندوق ل يلتهم بعدها الحلويات باستمتاع واضح.

راقبت هبه سعادته، علاقتهم قويه و مشاعرهم صادقه، معتز ما هو إلا انسان مشتت ضل عن طريقه و بحاجه ليدها لينهض مجددا، معتز هو الشخص الذى تراه الان، يمزح، يضحك، يشاكسها و يشاكس مها، يغطى على اى حوار لوالدته مما دفعها للنهوض تاركه اياهم و كأنها لا تتحمل ضحكاتهم، جنونه، حديثه و روحه التى تشعر انها تتعرف عليها لاول مره.
معتز شخصا مزيف مع الجميع و مها وحدها من تملك حقيقته.

بالبدايه تعجبت صمت مها، اشاراتها الغريبه التى لا تفهمها، و لكنها بالنهايه ادركت شيئا هام صدمها و هو ان مها، بكماااء.

وُلدت بضعف في الاحبال الصوتيه على الرغم من سلامه السمع، جاهد والدها ليعالجها و لكن مع تقدم العمر بها فقدت قدرتها على النطق تماما، لا يعيبها هذا الامر بل منحها ميزه خاصه بها، فا فقط و فقط من يحبها سيتعامل معها، من يرغب بقربها سيتعلم لغتها الصامته و اشاراتها السريعه و هذا اول ما عقدت هبه العزم على اتقانه قبل زفافها، فمها ليست فقط شقيقه زوجها التى ستكسبه كاملا ان كسبتها و لكنها ايضا فتاه تحمل من النقاء ما لم يعد موجود بالبشر و ابدا لن تخسر صديقه رائعه مثلها.


look/images/icons/i1.gif رواية حلم السندريلا
  28-03-2022 08:33 مساءً   [14]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخامس عشر

صباح يوم جديد، اغلقت النافذه بضحكه هادئه كعادتها دائما بعد القاء التحيه على والديها و مخاطبتهم بعد فجر كل يوم.
احكمت لف حجابها و هى تنظر لوجهها بالمرآه، هى مقيده بوجوده.
لا ترغب ابدا بالتحرر امامه او الاعتياد عليه،
مر يوم اخر عليهم هنا، لم يتحدث معها تقريبا و هى بالتأكيد لم تفعل، لا يحاول التقرب منها و صدقا تشكر صنيعه هذا.
و السؤال هنا كيف ببساطه تعتاد على وجوده بحياتها؟

هى ترغب برحيله، ترغب بالعيش في سلام، ترغب حقا بأن تعيش حياتها كيفما تشاء، ألا يحق لها؟
لكنها تعلم انه لن يتركها بسهوله، فليس هو الرجل الذي يترك زوجته لتعيش حسب اهوائها حتى و ان كان حقا لها و ربما كل حقوقها.
ماذا تفعل معه؟ و كيف تتعامل مع حياتها؟
أتستسلم كما اعتادت لحقيقه انه زوجها و تعيش كأى زوجه مطيعه لا تعرف شيئا سوي الاهتمام بالمنزل و براحه زوجها؟

أم تعترض على زواجها الذي يعد صفقه و يبدو انها خاسره لانها لا ترغب بالاعتراف بها من الاساس و تطلب الطلاق لتبدأ حياتها من جديد؟
هى ببساطه ترغب بتوضيح أمرا واحدا و هو انها تريد التنفس، ان تعرف معنى الحياه، تريد ان تعيش.
حُرمت غصبا من طفولتها، عاشت شبابها بين ضعف و انكسار و تسلط و طاعه، ليأتي الان متسلط اخر ليتحكم في بقيه حياتها، ألا يحق لها لمره واحده ألا تسمح بذلك!

ألا يحق لها ان تُكمل حمله تمردها و ترفض الخضوع مجددا!
ثم كيف لها باستسلام، و زوجها ابعد ما يكون عن الحب و الاهتمام، لا يعرف معني الحنان والتفاهم، لا يعرف سوي القاء الاوامر، التحكم و فرض الشروط.
كيف تستسلم و هو فقيرٌ في اكثر ما تحتاجه و كل ما تحتاجه!
ماذا تفعل!
هي لا تدري حتى ماذا تريد او ما هو شعورها!
خائفه؟
اجل، خائفه من الاقتراب، خائفه من وجودها معه، و اكثر ما يخفيها ان تشعر ببعض امانها بجواره.
جُنت؟

نعم، كل شعور و عكسه يجعلها تجن، كل رغبه و ضدها تجعلها مشتته لا تدري ما تريد،
ترفض وجوده و لكنه اول من تلجأ اليه، تنفر منه و لكنها تنتظر منه بعض الحنان، تخشى وجوده و تهرب منه و لكنها تطمأن و تثق به.
مختله؟
ربما، فهي تشعر بعدم اتزان يجتاحها، تشعر بخلل ما بها و لكن لا تدري ما هو! و لا تدري حتى كيف تتخلص منه!

تتجنب و تجنبها يؤذي، فهي عندما تخاف تجرح، عندما تهرب لا تبتعد هي و لكن تُبعده هو بكلماتها ذات النصال المؤلمه و لكنه يقتل محاولاتها في مهدها فعندما ثارت امامه اعطاها وعده و عندما خافت كان السند الذى لم تتردد لحظات باللجوء لحضنه.
لا تفهم كيف تخشاه و تأمن له في الوقت ذاته، هل لهذا من تبرير!
كيف يؤذيها، يُزيد جروحها و يمنحها ندوبا لا تُشفى و مع ذلك اطمئنت بين ذراعيه!

فاقت من شرودها على حركه بالخارج، نظره اخيره لنفسها بالمرآه ثم خروج لتجده يقف بالمطبخ يحاول العثور على امرا ما او ربما يرتب شيئا ما، تحيه هادئه ثم تسائل متعجب: انت بتعمل ايه؟
اغلق الدرج المفتوح امامه متمتما بلا مبالاه: مفيش.
امسك بكوب قهوته فعقدت حاجبيها متمتمه باستنكار: انت فطرت!
و ايضا بلا مبالاه تحرك للخارج تاركا اياها تُذهل بتصرفاته الغير مفهومه: مليش نفس.

يتحرك لباب المنزل ثم ادار المقبض فأسرعت اليه: انت خارج؟
و هنا استدار لها بحده صارخا و نبرته تحمل شيئا من الجديه و ربما الغضب: هو ايه استجواب على الصبح؟
تراجعت خطوه للخلف و هى تسب نفسها على سؤالها، خافت!
اجل خافت ان يرحل.
خافت ان يتركها بمفردها هنا.
و ما السبب لا تدرى!
لمعت عينها بخوفها متمتمه باعتذار مطأطأه رأسها: مش قصدي انا بس..

قاطعها بضيق و هو يرى ابريقها العسلى يغرق في وحله من جديد و هو يتنهد بعنف: هخرج اتمشى شويه و أهو بالمره اتفرج على المكان هنا.
و لم تصدقه فعاجلته: ممكن اجى معاك؟
و دقائق و كانت تسير بجواره تموج بعينها المكان من حولها متذكره ذكريات طفولتها ها هنا بينما يكتشف هو شيئا جديدا فمنذ صغره لم يرى حياه البسطاء هذه إلا مرات قليله في الصعيد.

تحيط الاشجار بهم من كل درب و صوب، اشخاص يجلسون على العشب امامهم طعام بسيط يأكلون سويا و الضحكه تُنير وجوههم، اطفال يلعبون الغميضه و تتعالي صرخاتهم المرحه لتملأ المكان فرحه، بعض الرجال يعملون بالارض ليتوقف احدهم عن العمل رافعا طرف جلبابه ليُزيل قطرات العرق التي غزت جبينه، و في وسط الاراضى بعض الماشيه تتحرك و خلفها يسير بعض الرجال.

كل شئ بسيط و لكن له طابع خاص، اشخاص لا يعرفون سوي كيف يعيشون حياه هادئه، الاب يبحث عن لقمه عيش لاولاده، الام تسعي لجعلها ألذ ما يأكلوه و الاطفال يستمتعون بها.
هنا الكل جنب إلى جنب مع الاخر، لا يعرفون حقد، لا كره، لا يبحثون عن اموال او مناصب، راحه البال، سعاده الاهل و كفى.
فرغم هدوء المكان و بساطه ناسه إلا انه يظل مميزا.

عبر عن اعجابه بما حوله استنشاقه لنفس طويل اختلطت به رائحه الارض الرطبه برائحه بعض الزهور من حوله متمتما باستمتاع: المكان هنا جميل جدا تحسى ان الهوا نضيف.

همهمت موافقه بتعجب و هى ترى استمتاعه الواضح بنبرته و تعليقه، اندمج مع الطبيعه من حوله قليلا ثم تذكر ما صار صباحا و اشعل غضبه فاستدار يقف امامها فحدقت به بريبه قليلا و بخوف تراجعت خطوتين راقب هو قدمها المتقهقره و كز اسنانه بغضب لهروبها و خوفها الدائم منه و لكنه تجاهل الامر هاتفا بجديه: انتِ تعرفي واحد اسمه عبد المنعم؟

و كأنه ذكرها الان به فهى في خضم ما صار فيما مضى من ايام لم تنتبه انها كانت تنوى البحث عنه و تمتمت مسرعه بضحكه تصاحب دائما اى ذكرى من ذكرياتها: اه طبعا، عمو عبده، صاحب بابا و المحامى بت...
توقفت ناظره اليه لبرهه ثم تسائلت باستغراب: انت تعرفه منين؟ و بتسأل ليه؟

زفر بضيق و غضب واضح عندما استرجع ما اخبره به ذلك الرجل و لكنها فسرت الامر بصوره خاطئه معتقده انه غضب من تسائلها، تجاوزها معه و انطلاقها في الحديث فتراجعت مسرعه متمتمه بأسف: أنا اسفه و الله ماقصدش.
رمقها بنظره حائره و سرعان ما استوعب سبب اعتذارها و اجابها على استفسارها دون ان يوضح سبب غضبه الحقيقى: عرف من الجيران انك هنا و حب يشوفك و لما لقاكِ نايمه قال هيجى وقت تانى.

لمعت عينها بفرحه: بجد، يعنى لسه عايش؟ كمان لسه فاكرنى و سأل عليا؟
صمت قليلا ثم أردف بتساؤل و هو يتذكر مجددا ما اخبره به عبد المنعم: انتِ تعرفي ايه سبب جواز باباكِ من كوثر الحديدي؟
اختفت ابتسامه جنه و لكن قبل ان تنطق ارتفع صوت صراخ على مقربه منهم، فالتفوا باتجاه الصوت سريعا، نيران مشتعله بأحد الاكواخ الصغيره، امرأه تقف تحاصرها النساء ليمنعوا حركتها بينما هي تصرخ بهلع: ابني جوا، سيبونى، ابنى جوا.

اجتمع الرجال و النساء من حولهم و ركض كلا من عاصم و جنه باتجاههم، صرخ عاصم و هو يندفع باتجاه الكوخ المشتعل: حد يجيب بطانيه بسرعه.

سرعان ما ركض احدهم و احضر له ما طلب, مجازفه و القى بنفسه للداخل تحيط به النيران و يخنقه الدخان من كل اتجاه، يسعل و صدره يضيق و لكن عيناه تبحث عن الصغير حتى رآه فاقدا لوعيه اسفل المنضده الوحيده بالكوخ كأنه كان يحتمى بها قبل ان يهاجمه الدخان ليفقده وعيه، حمله، وضع البطانيه حوله ثم دفع به خارج الطوخ و اندفع خلفه.

اقترب الواقفين منهم يحاول احدهم افاقه الصغير و الاخر يساعد عاصم لينهض و يطمئن عليه، شكر و امتنان، دعوه صادقه من الام و شكر حار من الواقفين، ثم تحرك تاركا اياهم باتجاه احد الرجال الذى كاد الاخرون يشتبكون معه.

تابعته جنه بعينها يتحدث مع الرجال قليلا ثم انفرد بأحدهم لحظات لم يكن الحديث ودياً و لكنه لم يكن عنيفاً ايضا، تراقب حركه يده و تعبيرات وجهه التي تلين حين و تحتد حين اخر، ينظر للرجل ثم ينظر حوله يشيح بيده، يقف بشموخ، يضع يده في جيب بنطاله تاره و تاره يرفعها ليمسح على وجهه ثم اخيرا ابتسم بهدوء و ربت على كتف الرجل متحركا باتجاهها بسط يده امامها و بدون تردد منها وضعت يدها بيده متحركه معه باتجاه المنزل.

تعاتب روحها، لماذا شعرت بقلبها هلعا لفكره اصابته بأذى؟
لماذا ودت لو تركض خلفه تمنعه؟
لماذا شعرت انها تكاد تفقد انفاسها و هو داخل تلك النيران؟
ثم تركت العتاب جانبا شاعره بالفخر لقوه زوجها و الذى لم يُفكر لحظات قبل ان يقدم معروفا لغيره.
تشعر بالسعاده لروحه المعطاءه دون قيد لدرجه تعريض حياته نفسها للخطر.

نظرت اليه بحنان فاجأها قبل ان يفاجأه و هو ينظر اليها مدركا تعلق عينها به، و يدها التى ضغطت يده و عبر عن ذلك متمتما: بتبصي لي كده ليه؟
ارتجفت عينها مشيحه بوجهها عنه فاتسعت ابتسامته لارتباكها و هى تحاول الهروب من الامر بشتيته: هو انت كنت بتتكلم مع الراجل في ايه؟
نظر اليها بطرف عينه ثم صمت قليلا و اجابها ببساطه رغم انها توقعت مراوغته: هو السبب في الحريقه، رمى عقب السيجاره جنب الكوخ فمسكت فيه.

ثم عاد لاحراجها متسائلا: انتِ قافشه فيا ليه كده؟
عقدت حاجبيها بتعجب و حيره عينها تترجمها لسانها: قافشه فيك! ازاى؟

توقف عن السير ليتحرك واقفا امامها رافعا يدها الممسكه بيده قابضه عليها بقوه و هى غير منتبهه للامر، فتضرحت وجنتها بالخجل و سحبت يدها مسرعه تفركها بتوتر بيدها الاخرى بينما هو يتابعها بابتسامه خبيثه و لكنه سرعان ما تذكر ما قال محامى و صديق والدها صباحا فتسائل بهدوء: ماجاوبتيش عليا، انتِ تعرفى سبب جواز باباكِ من كوثر؟

حملقت به قليلا و من حزنها الذى لون ابريق عسلها بوجعها جعل براكين غضبه تثور مهدده بحرق الجميع و كانت اول ما احترقت عندما تراجعت عنه خطوتين خائفه من نظرته التى شملتها بغضب لم يقصده، و حاولت الهروب مع انتفاضه بسيطه و هى تشير على المنزل الذى يبعد عده امتار عنهم و ركضت من امامه قائله: وصلنا.
ادرك هو هروبها و اغضبه هذا فا الى متى ستظل تهرب من مواجهه حقيقتها!

الى متى ستظل ضعيفه لا يسعها سوى تخط الامور دون محوها!
الى متى ستظل تسكن في كهوف الماضى مانعه هواء و نقاء الحاضر و نور المستقبل من معرفه الطريق اليها!
لكن لتظل كما تشاء هو سيحميها، هو سيواجه الامر، هو سيمحو كل شئ من طريقها هو و هو فقط من سينير حياتها شاءت أم أبت.

نفسا عميقا ثم خطوات سريعه للداخل طارقا بابها بهدوء و عندما استمع لاقترابها من الباب مهمهمه دون فتحه، زفر بقوه متحدثا بحده رغما عنه: اعملى حسابك و جهزى حاجاتك لاننا هنرجع البيت بكره.
لحظه و فتحت الباب واقفه امامه قائله بوجل رغم محاولتها لقول كلامها باستماته: انا مش عاوزه ارجع، انا مجتش هنا علشان امشي.

عقد ذراعيه امام صدره هاتفا بقوته و سيطرته المعتاده: انا قولت هنرجع بكره، شغلى مش هينتظر سيادتك لحد ما تبطلى دلع.
و مع نبرته، قوته، و امره تراجعت خطوتين تحفظا متمسكه بقرارها بقدر ما تستطيع هامسه بتوتر التقطه بسهوله: لو عاوز تمشى انت براحتك، لكن انا مش همشى من هنا.

التقط توترها مزيدا اياه عندما تقدم لداخل غرفتها الخطوتين فتراجعت مسرعه تخشى ما سيفعله فمال عليها مصرحا بتقرير لا يقبل النقاش: لمي هدومك علشان بكره الصبح هنتحرك، مش عاوز اتعامل معاكِ بالاسلوب التانى يا بنت الالفى.
ثم تحرك تاركا اياه مغلقا باب الغرفه لتنتفض هى مكانها تسبه من فرط نفورها، خوفها، كرهها و غرابه ما يحتاجها من تناقضات.

و بين كل المشقات التى يواجهها الشخص لا شئ أكثر عقابا من فعل الانتظار.
خالد حسينى
كل ساعه لا نصف ساعه بل كل دقيقه تنظر للهاتف تنتظر اتصاله، مر يومين منذ رحيله و حدثها بالامس مره و اليوم لم تسمع صوته حتى، تجاهد حتى لا تهاتفه و لكنها تفشل، اتصلت مره، مرتان، ثلاث و لكن لا رد.
أهذا هو وعده لها!
أهذا معنى انه لن يتركها تشتاق اليه!
أهذا هو حرصه على ألا تفتقده!

و بغض الطرف عن كل هذا، ماذا عن القلق الذى يكاد يفتك بها!
كان يحدثها اكثر من عشر مرات باليوم، يأتى مرتين و ربما اكثر لرؤيتها، يصطحبها للجامعه و يصطحبها منها، يفطر معها اياما و الاخرى يستمتع معها بسهره ساحره، لا يغيب عنها نصف يوم كامل منذ زواجهم و الان و بعد سفره لا تسمع صوته حتى لثلاث دقائق!
اى عمل هذا الذى يشغله عنها بهذا الشكل!

ألقت بالهاتف بعيدا حتى لا تكسره من فرط توترها و ألقت بجسدها على الفراش تحتضن وسادتها بقوه تفكر و تفكر، ثم نهضت جالسه بضيق تشد خصلاتها بغضب، حتى اوشكت على الصراخ خوفا، غضبا و انتظارا.
ارتفع رنين الهاتف بالنغمه المخصصه له فانتفضت عن الفراش تلتقطه بسرعه و فتحت الخط و رغم رغبتها بالصراخ به، السؤال عن احواله، الاطمئنان عليه و معاتبته، ألجمت كل هذا و حافظت على صمتها.
لحظات ثم اتاها صوته المنهك: انا اسف.

زفره حاره و تنهيده مسترخيه جعلتها تفقد كل افكارها الغاضبه و هتفت بقلق من صوته: مالك يا فارس؟
تهدج صوته و انفاسه المتعبه و هو يجيبها: جسمى مكسر و نفسى انااااااام.
اعتدلت بتركيز و هى تهتف بقلق اكبر: الف سلامه عليك، مالك بس يا حبيبى؟
و لانه قرر عدم اقلاقها اكثر و خاصه و هو بعيد عنها تمتم بصوت حاول جعله قويا: ارهاق شغل بس يا حبيبتى متقلقيش.

و صدقته، وصله عتاب قابلها هو باعتذار، اخرى للاطمئنان اجابها بهدوء يمنحها الامان، و الاخيره تصب جم غضبها عليه و جاهد هو ليتقبله متغاضيا عن ارهاق جسده من اصابته.
طرقٌ على باب غرفته تلاها دخول احدهم و بيده سلسله مفاتيحه متحدثا باعتذار واضح: مفتاح العربيه يا بشمهندس و احنا هنوديها للميكانيكي علشان الخبطه اللي فيها و الانسه كاميليا بتعتذر لحضرتك مره تانيه و بتتمني تكون بخير دلوقتى.

شهقت حنين بعدما استمعت لكلامه بينما اغمض فارس عينه زافرا بغضب فهو لم يشأ اخبارها، قال بغضب من بين اسنانه و هو يكاد يقذف الواقف امامه بالمزهريه بجواره: خلاص محصلش حاجه انا كويس،
رحل الرجل و صمت اطبق عليهم قليلا حتى صاحت حنين بنبره قويه تخالف طبعها الهادئ: فيك ايه يا فارس؟
هم بالاجابه نفيا مره اخرى و لكنها صرخت بغضب عاندها فيه بكاءها الذى لم تستطع كتمه: ماتكدبش عليا و قولى الحقيقه.

اخذ نفسا عميقا و استرخى بجسده اكثر على الفراش مغلقا عينه ناشدا بعض الراحه: عملت حادثه ب...
قاطعه صرختها و ارتفاع بكاءها فأردف و هو يفتقر لروح العناد و المحايله الان: حنين اهدى علشان خاطرى، و الله انا كويس، الموضوع بسيط صدقينى.
و بصوت متهدج همست باختناق: علشان كده مكنتش بترد عليا،
و ازداد بكائها و هى تشعر انها لن تطمئن سوى برؤيته، لمسه و حضنه هامسه برجاء: طمني بالله عليك.

كز اسنانه يسب ذلك الذى كان السبب بمعرفتها و هتف بصوت حاول جاهدا ليخرج متزنا قويا: انا والله العظيم كويس، الموضوع كان في لحظه يا حنين و بسيط و الله صدقينى يا حبيبتى انا زي الفل.
و غير مصدقه تمتمت بتحذير متهالك: فااارس.
بابتسامه متألمه مجاهدا أنين جسده: حبيبه فارس و الله كويس و بقيت احسن كتير لما سمعت صوتك.

حوار قصير، حاولت قطع الاتصال ليرتاح و لكنه رفض، اشتاق اليها، لحنانها، لحضنها و ضحكاتها، افتقد يومهم سويا، و اشتاق لمزاحهم معا.
هو لا يحبها و لكنه يهوى ضحكتها، لا يعشقها فقط و لكنه يهيم بحنيتها، هو بها و بها فقط، و لها و لها فقط.
و اثناء حديثهم اقتحمت سلمي الغرفه صارخه: حنيييييين، انا..
ثم قطعت حديثها واضعه يدها على فمها معتذره و همت بالرحيل و لكن حنين اوقفتها متمتمه: ثواني بس هشوف سلمي عاوزه ايه.

ثم نظرت لسلمي مبتسمه: خير يا لومى عاوزه ايه!
ابتسم فارس بالمقابل: سلميلي عليها.
تجاهلت حنين كلمته و هى تستمع لسلمى التى هتفت بعدم اكتراث: عن الشغل، خلصى مكالمتك و بعدين نتكلم.
ثم اشاحت بوجهها و خرجت زفرت حنين بقوه و هى تدخل في اسوء صراعتها ضراوه و بمجرد ان تحدثت اليه تسائل باستنكار: موصلتيش سلامي ليه يا مفتريه!
اجابت ببعض الجديه: عادى يعنى هى خرجت عالطول، و بعدين مش لازم تسلم عليها اصلا.

ضحك ناظرا للموضوع من منظور اخر و كم شكرت له هذا: حبيبتى بتغير عليا و لا ايه؟
و ضحكتها منحته الاجابه و رغم انها صادقه الا ان هناك ما لا يعرفه هو و مهما حدث لن يعرفه ابدا و لكنه عاد يهتف بجديه هو الاخر: هى كانت بتقول شغل و لا انا سمعت غلط!
اجابته ببساطه موضحه متوقعه رفضه المستنكر كما فعل معها: اه شغل، بتسعى في الموضوع جامد الفتره دى و بتحاول تقنع بابا رغم ان الرفض الاكبر هيبقى من عاصم.

همهم قليلا يفكر ثم اضاف و قد واتته فكره: هى مش سلمى مهندسه ديكور؟
وافقت حنين متعجبه فأضاف: في فكره كده ممكن تساعد في اقناع عمى و عاصم،
تسائلت بتعجب اكبر فأردف: مازن كان بيقول انهم حاليا بيدوروا على مهندس ديكور، سلمى باين عليها مجتهده و بتحب دراستها و شغلها معاهم هيفيدهم و يفيدها كتير، و بكده نوعا ما عمى و عاصم هيبقوا مطمنين عليها، بجد هتبقى فرصه هايله لها.

صمتت تفكر قليلا ثم اجابته و قد راقتها الفكره: فكره كويسه فعلا، ان شاء الله تقدر تقنع بابا و عاصم.
ثم اضافت باستنكار متمسكه بطرف خيط منحها هو اياه و هى تعود للحوار الذى انهاه سابقا دون ان ينهيه فعليا: بس انت يعنى ماعترضتش على شغل سلمى ليه بقى معترض على شغلى!
ضحكه مراوغه و هو يجيب: ايه اللى جاب دى لدى!

ثم اضاف بثقه تخبرها انه لن يوافق او يقتنع: انتِ مراتى، اوافق او ارفض اى حاجه تخصك، لكن سلمى مليش اقول اه او لأ في حياتها.
زمت شفتيها بضيق فهو صاحب مبدأ اذا لابد ألا يتجزأ متمتمه: بس انت كده مش حقانى و المفروض انك تسمحلى اعيش و اشوف و اجرب بنفسى مش بس تقول اه و لأ.

اغلق عينه و هنا استسلم لنداء جسده بالراحه متجنبا حوار اخر في أمر مرفوض تماما بالنسبه اليه: انا قولت قبل كده نخلص من السنه دى و بعدين نتكلم في الموضوع ده.
قاطعته هاتفه: بس...
قاطعها مجددا: انا تعبان و عاوز ارتاح يا حنين.

سلام مقتضب و اغلقت و هى مدركه تماما ان حوارها معه عقيم فيبدو انه اتخذ قراره في هذا الامر و صدقا ان خُيرت بين عملها و بينه ستختاره و لكن كم كانت تود حقا ان تصنع كيانها الذى يهدمه هو الان برفضه.

يراه الجميع بعين و تراه هى بالنقيض تماما.
طيب القلب، صريح، ما يحمله في قلبه يوضحه حديثه، يعاملها باحترام، تقدير و اهتمام، يسعى للقرب منها، و يمطرها بكلمات غزل تروى انوثتها.
لا يتخلى عن لقبه لها فله ، و دائما ما يخبرها انها نقيه مثلها في لونها، رائحتها و روعه شكلها.
هى فلته التى اضفت على حياته المعتمه شذى عطر يسحره.
هى المميزه بحياته و هو التائه حقا بها.
يمنحها شعور بالثقه، بالحنان و الحب.

و ما اجمل من الحب امتلاك قلب من تحب.
لم تفعل ذلك بعد و لكنها مدركه و واثقه انها حتما ستصل لقلبه بل لكل كيانه.
قاطع تحديقها به كالعاده بحديثه الهادئ: ايه رأيك في اهلى؟
ابتسمت بنقاء مس روحه و يتعجب هو هذا مجيبه اياه بثبات: مامتك اكيد مع الوقت هتتعود عليا و هتعود عليها، انما مها دى مينفعش معاها غير انها تتحب من اول نظره.

ابتسم لحديثها و تذكر سعيها في اتقان لغه الاشاره لتزداد تقربا من شقيقته و ساعدها في ذلك بسرور، ثم نظر للطريق من نافذه المطعم الذى يجلس به معها.
عادت تحدق به و بكل خلجات وجهه، شعره البنى، حاجباه المستقيمان، عيناه الثاقبه، انفه المستقيم بشموخ، انحناء شفتيه باغواء و بشرته الداكنه قليلا لتمنحه مظهر رجولى يطيح بقلبها فورا لقلبه، هو وسيم، نظرات الفتيات من حولها تؤكد ذلك و لكنها تراه بمنظور اخر.

ترى به رجلها، زوجها و مستقبلا اب لطفلها، ترى به طفلها.
تشعر بنفسها مسئوله عنه و مسئوله منه، تراه الجميع و فوق الجميع و اهم الجميع.
عاد ينظر اليها و هى تحملق به دون ان تُخفى ذلك، دون ان تفعله خلسه، و دون ان ترتبك حتى فابتسم على ثقتها الواضحه.

ما باله يرى بها اختلاف عمن كن بمحلها من قبل، فكم من مره جلس مع احداهن لتناول وجبه، كم من مره احتضنت كفه كف اخرى، و كم من مره القت شفتاه على مسامع غيرها آلاف كلمات الغزل و مئات العبارات الوقحه، و لكن بها هى اختلاف ما.
ربما لانها حلاله تختلف، ربما لانها وقوره تختلف و ربما لانها هبه تختلف.
شخصيه غريبه لا يستطيع فهمها.

اوقات يراها قويه جدا و ذات اراده اقوى من عشرات الرجال، أبيه عنيده في حبها له، يُعتمد عليها و أهلة للثقه.
و اوقات اخرى يراها ضعيفه تحتاج اهتمامه، خاضعه لسلطان قلبه و غزله، تستند عليه و تمنحه زمام امرها.
تحبه بل تعشقه و يمنحه ذلك غرور و ثقه منها لن تنتهى.
فاز هو بمن اراد، فمنذ متى يخسر هو شيئا يريده.

امرأه جميله مثلها، باهتمامها، بعشقها و حنانها تجعله فخورا بنفسه لانه استطاع الحصول عليها بكل بساطه و منتهى السهوله و دون حتى ان يبذل مجهودا صغيرا.
و افضل ما بالامر انه رغم مغامراته العديده فاز بنقيه مثلها كانت له فقط و كان لها اول الرجال و يبدو انها من النوع الذى ستجعله اخرهم.

قطع اتصالهم البصرى هذا بعدما اوشك على الغرق بين امواج بحرها العاتيه و تمتم بتذكر لما يريد معرفته: محمود ماله الفتره دى يا هبه؟
عقدت حاجبيها متعجبه ثم تسائلت بهدوء لتصل لمقصده: تقصد ايه؟ ماله؟
رفع حاجبيه موضحا: انتِ متعرفيش انه ساب الشغل، قدم استقالته امبارح.
اتسعت عيناها بدهشه: نعم! يعنى ايه قدم استقالته و ليه؟

حرك كتفه دلاله جهله موضحا بسخط: من يوم ما اتقدمت ليكِ و هو مش مظبوط، خايف منى عليكِ يا ستى.
ضمت قبضه يدها بضيق و هى تجيبه بثقه تعجبه بها و يتعجبها و لكنه يحاول الاعتياد عليها: انا مش محتاجه حد يخاف عليا، انا هعرف اصرف امور حياتى كويس بس مش فاهمه ايه اللى وصله يقدم استقالته!
و بسخريه تمتم: ابقى اسأليه.
و صمت اطبق عليهم مره اخرى غاضبه و متعجبه.

غاضبه من حزن زوجها و السبب شقيقها الاحمق الذى لا يستوعب حتى الان انها تستطيع تسيير امور حياتها كما تشاء.
و متعجبه من كونه يتخلى ببساطه عن وظيفته في شركه كهذه، لماذا فعل و كيف من الممكن ان يجد فرصه مثلها في مكان اخر ألا يملك عقل يُفكر به؟

مر الوقت، انتهت السهره، و توقف بسيارته اسفل البنايه التى تقطن بها فاستدارت له ممسكه بيده متمتمه بحنان لا يعرفه الا معها بعد شقيقته: ممكن متضايقش نفسك و لا تفكر في الموضوع، محمود مضايق انى هتجوز و اخرج من البيت، مش فكره يخاف منك، سيب الموضوع عليا و انا هتصرف اتفقنا.

كانت ممسكه يده بيدها تضعها على فخذها تضغطها بحنان اثار فيه امورا اخرى و يده الاخرى طاوعته لتمر على فخذها بهدوء محبب له مثيرا في نفسها رجفه طفيفه فانتفضت مبتعده عنه فرفع عينه اليها و الاعمى يرى نظراته المتطلبه و لكنها لم تفعل و كما يقولون مرايه الحب عميا ، ضمت يده الاخرى بيدها ثم اقتربت طابعه قبله خفيفه على وجنته متمتمه بقوه عشقها له: سوق بالراحه و طمنى عليك لما توصل.

ربما لم تقصد و ربما لم تفكر حتى بالامر و لكن نبرتها كانت مغويه لدرجه جعلت افكاره تجمح لبعيد معها معتقدا انها تفعل هذا قصدا، معتقدا انها تطبق المثل يتمنعن و هن الراغبات و ليس هناك افضل منه في المرواغه و ربما لوهله نسى انها زوجته و ليست احدى االاسماك في محيط قلبه.

عندما تنظر بقلبك لا يصبح لعينيك معنى.
و هى تراه بقلبها و ان حذرها الجميع منه، تراه كاملا مكملا و ربما نست او تناست ان الكمال لله وحده.
اغلق محمود باب شرفته بعدما رأها تصعد.
هو محق في قلقه و ان كان يثق في معتز، محق في خوفه رغم ما يراه من وضع مطمئن.
و سيظل يفعل حتى مماته، فهى شقيقته، توأمه و نصفه الاخر و لن يستطيع التوقف عن التفكير في ما هو صالحٌ لها.

يعلم انها قويه ربما اقوى منه و من زوجها، يعلم انها عنيده و لن تسمح لاحد بأذيتها، يعلم انها تستطيع استرداد حقها ان سلبه احد منها و يعلم جيدا انها لا تحتاج حمايته بل دائما ما تحميه نصائحها و لكن رغم كل هذا هو لا يستطيع التوقف عن القلق و سيظل يفعل.

طرقات هادئه على باب غرفته، اذن منه، ثم دخولها لتجلس بجواره على الفراش صامته، مرت دقائق ثم تمتم بهدوء ينافى رغبته بالصراخ بها لتفكر بتعقل فحفل زفافها تبقى عليه ايام فقط: خير يا هبه؟ عاوزه ايه؟
لا ينظر اليها، منذ اخر نقاش احتد بينهم لا يحادثها، تمر ايام لا تراه و كل هذا لانه خائف، لتجن هى فمن ماذا خوفه هذا!

امسكت يده بيد و الاخري رفعتها لتضعها على وجهه لتجعله ينظر اليها هامسه بعاطفه الاخوه القويه بينهما و التى تعرف تأثيرها عليه جيدا: حقك عليا انا اسفه.

ازاح يدها عنه لحظه نظرت اليه فيها ببراءه جعلته يزفر بضيق و هو يضمها لصدره متمتما بغيظ: يا غبيه انا خايف عليكِ، هتقولى متقلقش و انا هقدر اتصرف بس برده هفضل قلقان غصب عنى، انا اتعاملت مع معتز بدل السنه اتنين و ثلاثه، انا اعرفه اكتر منك، كل اللى بطلبه منك بلاش تسرع و فكرى و خدى وقتك.
ثم انهى حديثه و الذى اعتقد انه ربما يدفعها للتريث: و انا مايهمنيش غير سعادتك يا هبه.

ضمته بحنان تحتوى خوفه و من اقدر منها على ذلك ثم بسطت يدها على قلبه في حركه تدرك مردودها عليه و التى تشعره انها تحاور قلبه و مشاعر الاخوه بينهم و تتعمد فعلها في كل نقاش حتى تكسبه و تفعل: قولتها لك مره و هقولها تانى، انت عارف كويس اني لا متهوره و لا طايشه بالعكس طول عمرك تقول اني عاقله و بوزن الامور صح، ممكن تسيبنى اجرب و اتعلم، انا من حقى اختار حياتي و اعيشها بحلوها و مرها، من حقى افشل و انجح و اقع و اقوم، من حقى افرح مع الانسان اللى اتمنيته و كان اسمه في كل صلاه ليا، انا بحبه يا محمود، مش حاسس انك باللى بتعمله معاه و معايا تبقى بتظلمنا.

ثم تحدثت مسرعه دون ان تمنحه فرصه لفتح نقاش فهى ستتحدث في امر اخر: و مع ذلك لو كنت زودتها شويه اخر مره متزعلش مني.
ثم اضافت بخبث تطمئنه مجددا انه لها السند و العون: ثم يعنى لو معتز فكر يزعلنى انت مش هتقف له؟ لو جيت قولتلك انا عاوزه حقى انت هتتخلى عنى و تقول و انا مالى؟ انت ضهرى يا محمود مهما حصل.

زاد من ضمه لها يزفر بقوه، كم تجيد اداره الامور وفقا لارادتها، و للحظه شعر ان معتز من يجب ان يحذرها فهى ليست بهينه بطيبتها و حنكتها و قسوه حنانها.
ابتعدت عنه متنهده بقوه ثم اعتدلت جالسه امامه متسائله بجديه: سيبت شغلك ليه؟
اشاح بوجهه بلامبالاه فهتفت بتحذير يدرى عواقبه: محمود.
زفر بعنف بوجهها فابتسمت و هو يجيبها: مش حابب اسمع حاجه زي اللي سمعتها من كام يوم.
و بتعجب قالت: حاجه ايه؟

شرد قليلا متذكرا ما سمعه من بعض موظفين الشركه فهتف بحده لم يقصدها: انتِ عارفه اخوكِ لا يوم اعتمد على حد و لا شيل حد همه، اه اشتغلت مع معتز بس تعبت و عملت اللي عليا و في الاخر الاقي النتيجه ان كل زمايلي في الشغل يقولوا انه بقي جوز اختي و هبقي مميز بسببه و كل شغلي و مجهودى يتنسب لان انا اخو مراه صاحب الشركه،.

اشاح بيده بضيق: لا يا ستي الله الغني عن الشغل و عن الشركه كمان، انا هدور على شغل في مكان لما انجح فيه يتقال دا محمود اللي نجح مش صله القرابه اللي نجحتنى.
كرامته فوق الجميع، و هى مدركه تماما انه على استعداد ان يظل ما بقى من عمره بدون عمل و لكنه لن يسمح ابدا لاحد بأن يقلل من شأنه.
ابتسمت بفخر تربت على كتفه بتفكير و ساد الصمت بينهم قليلا حتى فرقعت اصابعها هاتفه: فكره.

ثم نظرت اليه تلاعبه بحاجبيها مبتسمه بخبث مردفه: لو جبت لك شغل في شركه محترمه بمستوى كويس و مرتب ممتاز و كمان هتقدر تثبت نفسك فيها جدا، هتعمل ايه علشانى؟
ضيق عينه بحذر مجيبا: استغلال ده و لا انا بتهيألى!
رفرفت برموشها موافقه بغرور: اه استغلال، و حاول ترشينى بحاجه كبيره على قد ما تقدر، حاجه انا حباها، عاوزاها او طلبتها منك قبل كده مثلا.

و ادرك انها ترمى لامر ما و لكنه صدقا لا يتذكر فتنهد بقله حيله ضاربا كفه بالكف الاخر: اما نشوف اخرتها، عاوزه ايه يا ست هبه هانم!
صمتت قليلا تطالعه بشغب و ابتسامه لم تُريحه تتراقص على شفتيها ثم غمزته مصرحه عن رغبتها: تغنى في فرحى.
و بانتفاضه ساخطه صرخ بها: نعم يا اختى؟ اعمل ايه؟ انتِ اتجننتِ!
و بأكثر وجوهها براءه نظرت اليه فأمسك بالوساده جواره يقذفها بها فتعالت ضحكتها و هى تهتف: علشان خاطرى يا حوده.

اعتدل جالسا مجددا و صرح بعدم اكتراث التقطته هى موافقه: هفكر.
ابتسمت و هى تخبره عرضها: المهندس مازن في حاله غضب من المعتاده منه الايام دى طرد المحامى و هما حاليا عاوزين محامى له سابق خبره و حد ثقه فايه رأيك تقدم و تشتغل هناك، مركز، مكان محترم، مرتب كويس، و انت مش قليل يعنى.

ابتسامه جانبيه شقت شفتيه تعبر عن اعجابه بفكرتها و من ثم لكمها بقبضته في كتفها دلاله على استحسانه للامر حاولت كتم غيظها و لكنها لم تستطيع و نهضت تلكمه بقبضتها الضعيفه و هى تصرخ: قولت مليون مره ايدك ثقيله، ايدك ثقييييييييييله.
ثم نهضت تخرج من الغرفه و هى تصيح به: فكر كويس الفرصه هايله.

و تركته و غادرت فألقى بجسده على الفراش مرتاح البال و قرر منحها تلك الفرصه و هو متيقن تماما انها ستنجح، و بات ليلته يفكر في عرضها و بالنهايه قرر قبوله.

الاحترام فوق كل شئ، فوق الصداقه، فوق القرابه و فوق الحب ايضا.
إبراهيم الفقى
يتجنبها تماما بشكل يشعر انه يضايقها و لكنه لا يأبه، هى تريد البعد اذا هنيئا لها به.
يتلوى هو بنار الاشتياق لضحكتها و لكنه لا يستطيع الحصول عليها، يحاول التحدث معها و لكنه كلما فعل يحتد الحوار بينهما، لذا آثر الابتعاد لعل الامور تتخذ مجرى اخر و لكن على ما يبدو لن يحدث.

تعد له الان فنجان قهوه بعد ان تركت غرفتها اخيرا منذ حديثهم صباحا و رغم انها لا تُجيبه على سؤاله، يمنحها الحق فما اخبره به صديق والده افقده عقله، كيف تتخلى زوجه خاله عن زوجها و اطفالها لإمرأه كهذه! كيف رأت فيها الام الحنون لاطفالها! كيف لم تفهم مدى جشعها، طمعها و قسوتها! بل كيف لم ينتبه خاله لكل هذا طوال حياته معها!
زفر بضيق و عيناه تجرى على حروف الكتاب بيده مانعا عقله عن التفكير و لكنه فشل.

تنقر بأصابعها على الطاوله الرخاميه و وجهها يعبس بضيق هو يتفنن بفتح كل جروحها مهما حاولت مداواتها، يسعى ليذكرها بكل ما عاشته كلما تهرب هى منه، ماذا يريد و لماذا يفعل، حقا لا تعرف!
وقفت على اطراف اصابعها تحاول الوصول لكوب القهوه من الرف العلوى و لكنها لم تستطع، وضعت مقعد طويل لتقف عليه بحذر حتى التقطت الكوب و كادت تنزل و لكن صوته المفاجئ: بتعملي ايه؟

ادهشها، فاستدارت بحده منتفضه فاختل توازنها فترنح المقعد اسفل قدمها لتفقد بالنهايه توازنها و تسقط ارضا مع صرخه ألم فارقت شفتيها.
حاول كتم ضحكته متمتما بلامبالاه و مازال واقفا مكانه بجوار الباب لم يتحرك: متهوره.
رفعت عينها اليه بغيظ تصيح: يعني حضرتك تخضني و بعدين تقول متهوره!

عقد ذراعيه امام صدره متمسمرا مكانه مما دفعها للدهشه و هو يبتسم ساخرا، لحظات و هى تنتظر تقدمه منها لمساعدتها ربما لان هذا هو الوضع الطبيعى في موقف كهذا و لكنه لم يتحرك، تجاهلت الامر محاوله النهوض و لكن ألم ظهرها منعها فأطلقت تأوه اخر و لكنه مكتوم مس قلبه محركا اياه باتجاهها مادا يده اليه متمتما بهدوء: تحبي اساعد!

و فورا تذكرت وعده بألا يمسها دون رغبتها و ألا يتقرب منها دون ارادتها فعقدت حاجبيها متعجبه من تمسكه بوعده لهذه الدرجه و لكن ألم ظهرها منع عنها التفكير و أومأت برأسها ببعض الحرج، و رفعت يدها اليه فأنهضها و بمجرد ان وقفت انكمشت عينها وجعا فمال بجذعه واضعا يد اسفل ركبيتها و الاخرى تضم خصرها بقوه رافعا اياه بين ذراعيه فشهقت متمسكه بياقه منامته و عينها تتسع بصدمه لتكن تلك اول و اكثر لحظاتهما قربا.

هو يجاهد ليمنع نظره عنها، و هى تعلقت عيناها به دون إرادتها.
لماذا يحيط به هذا الكم من الالغاز!، ليس بالوسيم الساحر و لكنه بشكلا ما وسيما.
قوى لا تُنكر، قاسى متأكده من هذا، يؤذيها فعل هذا العديد من المرات و لكنه حانى و رأت هذا بنفسها، لين الطبع و اختبرت ذلك ايضا، يعرف معنى التعامل و الود، فباتت تتسائل أى واحد منهم هو؟

و بينما هى تحاول تفسير تناقضاته كان هو يعانى قربها، مقاوماً احساسه بيدها على عنقه، متجاهلاً انفاسها التي تصطدم بذقنه، متجاوزا احساسه بها و هي بين يديه.
هل سيحدث شيئا ان بثها حبه فهو أبعد ما يكون عن جبن الاعتراف و لكن كرامته و عناده كانت الحاجز بينه و بين أى خطوه تقربه منها.

وضعها على الفراش ببعض الحده أثر فقدانه لهدوءه الداخلى و مهاجمه انفعالاته له و ابتعد فورا يتنفس الصعداء، فان ادركت كم جاهد نفسه الان ليبتعد لاعتذرت عما تفعله به ما تبقى لها من عمر و لن يكفى.
و ان عرف هو ان قربه يُزيد ندوبها وجعا و خاصه ما اصابها بها لظل هو الاخر طوال عمره يعتذر و لكن بالطبع لن يكفى.
ضحكه ساخره فأى منهما المحق، كلاهما و بئس الامر.

اجفلته عندما صرخت و هى تستمع لصوت سقوط القهوه فرمقها بحده لصراخها و خرج هو يتولى الامر.
اطفأ الموقد و ازاح القهوه عنه ثم وقف مستندا بيده على الطاوله الرخاميه و الغضب يعتريه، هو اطفأ الموقد و لكن من سيطفأ الموقد الذي اشعلته بداخله!
هو ازاح القهوه و لكن من يزيح ثقل حبها عنه!
هي موهوبه حقا.

موهوبه في جعله يتألم و ايضا يطيب جرحه بنفسه و للاسف لا يلتئم، مبدعه في جعله يشقي و يحارب نفسه ليسعد و بالنهايه يشقي اكثر.
لم يساعدها رغم استطاعته منعها من السقوط لكنه لم يفعل، لماذا!
لان مساعدته لها لن تفعل شئ، له أو لها.

كفى، كفي سذاجه لا معنى لها، كفى خيال يرسمه قلبه رغم رفض عقله العتيد، عاصم الحصرى يعيش دائما على ارض الواقع، و ها هى ارض الواقع تجذبه اليها و جنه ستظل معه على ارض الواقع، و ارض الواقع مؤلمه.
و رغم رغبته بتجاوز الامر، رغم غضبه الذى يسعى لمنعه و لكن قلبه الاحمق فكر بها.

دلف لغرفته مخرجا من حقيبته مسكن للالام دائما ما يحمله معه، بزفره حاره اتجه اليها، اعطاه لها، آمرا اياها بوضعه ثم الراحه قليلا و تركها دون كلمه اخرى مغادرا الغرفه.
و على مضض نفذت الامر و القت بجسدها براحه على الفراش و لكن عقلها لم يتوقف عن التفكير.
هي تخشي المواجهات، ضعيفه، خائفه و كثيره الهروب، تدري ذلك.
اذا لما تشعر بضعفها يحاول التلاشى امامه و تظهر قوه لا تدرى مصدرها لتحادثه!

أهذه قوتها حقا ام قوه اكتسبتها منه!
لماذا لا تتصرف بحنانها المعهود معه بل دائما ما تشعر بنفور خاص به و قسوه لا تعرفها بنفسها سوى و هى تفكر به!
أهي تشبعت بقسوته أم تنازلت عن حنانها اليه!
تشعر انها اصبحت مزيج غريب من القوه و الضعف، القسوه و الحنان مثله تماما و الاغرب ان ذلك معه فقط.
تشعر انها تتغير، تصبح جنه اخرى و هو السبب.

هو فقط متعجرف تفنن بأذيتها منذ اول يوم دلفت لذلك المنزل، هو ابن تلك العائله التى تخلت عن والديها، هو مجرد زوج على ورقه اعتبرها هو صك ملكيه ليمتلكها و قريبا ستنتهي صلاحيته تلك، فهى ابدا لن تمضى ما تبقى من حياتها معه و لن تنسى ابدا ما سببه لها من حزن و بكاء طوال الاشهر الماضيه.

حاولت النوم، ساعه، ساعتان و ثلاث و لكنها لم تستطع و نهضت عاجزه عن التغافل عن الامر، هو مصاب بكدمات، جسده يحمل عده حروق لابد من معالجتها.
عبثت باحد الصناديق الموجوده بالغرفه عن مرهم للحريق حتى وجدته و تحركت لغرفته بهدوء، طرقت الباب فاعتدل هو مدعيا النوم متجنبا حوار معها الان، و عندما لم تصلها اجابه فتحت الباب بهدوء لتتأكد ان كان بالداخل أم لا فوجدته نائما بسكون تام على فراشه.

و بأكثر الخطوات ترددا دلفت بهدوء و عقلها يصرخ بها لتخرج و لكنها لم تستطع ان تفعل، نظرت لملامحه الساكنه قليلا، ثم عبست بوجهها و هى تجلس بجواره على طرف الفراش هامسه بخفوت شديد متعجبه: حتى و انت نايم مكشر، افرد وشك حرام عليك، بيقولوا ان النايم بياكل رز مع الملايكه انما انت بملامح وشك دى اكيد بتتخانق معاهم، حرام عليك مش كفايه ماشى تخوف في خلق الله طول اليوم، كل البشر حاجه و انت صنف تانى لوحدك.


look/images/icons/i1.gif رواية حلم السندريلا
  28-03-2022 08:34 مساءً   [15]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس عشر

بأكثر الخطوات ترددا دلفت بهدوء و عقلها يصرخ بها لتخرج و لكنها لم تستطع ان تفعل، نظرت لملامحه الساكنه قليلا، ثم عبست بوجهها و هى تجلس بجواره على طرف الفراش هامسه بخفوت شديد متعجبه: حتى و انت نايم مكشر، افرد وشك حرام عليك، بيقولوا ان النايم بياكل رز مع الملايكه انما انت بملامح وشك دى اكيد بتتخانق معاهم، حرام عليك مش كفايه ماشى تخوف في خلق الله طول اليوم، كل البشر حاجه و انت صنف تانى لوحدك.

عض باطن وجنته يحاول منع ضحكته، هى بلهاء بكل ما تحمله الكلمه من معنى.
استكان اكثر مستمتعا بما ستقوله، ستصرح به و ربما تفعله و يبدو ان نومه منحها الفرصه لتفعل اشياء ربما لن تفعلها ابدا و هو مستيقظ.

و بفضول الانثى التى تجرب شعور وجودها بجوار رجل للمره الاولى، رفعت يدها بتوتر تلامس لحيته الخفيفه ليدغدغها شعره القصير لتبتسم و شعور غريب يغزوها، تحركت بأصابعها على طول اجفانه متذكره كم من مره حاوطتها حصونه السوداء لدرجه عجزها عن الهروب منها، ابعدت يدها و هى توبخ نفسها على ما تفعله و لكنها بفضول اكبر رفعت كفها تمررها بين خصلاته الطويله نسبيا، ثم عادت تضم وجنته مستمتعه بسكونه الذى منحها الفرصه لتشعر بشعور المسيطره و ان كان الامر لا يمت له بصله.

اقتربت بوجهها منه تمعن النظر لوجهه بطفوليه بعيدا تماما عن شعور الانثى او الخوف و النفور هامسه بخفوت شديد و انفاسها تفعل الاعاجيب بذقنه و مقدمه عنقه: انت ليه كده!، بترعب و بخاف منك و مع ذلك بتطمنى، اخترت ابعد عنك و مش ندمانه و مع ذلك مجرد ما بفكر انك ممكن تسبنى و تمشى بخاف اكثر، اتجوزتني صفقه طيب ليه متمسك بيا كده!، ليه بحس نفسى قويه جنبك قوه انا عمري ما عرفتها!، ليه بتبقى اوقات حنين جدا و اقات مفيش اقسى منك!، ليه دايما بهرب منك و للاسف بهرب ليك؟

تنهدت بخفوت و سحبت يدها عن وجنته بهدوء لتنهض مسرعه بعدما لاحظت مدى سذاجه ما تفعله، و لكن ثقل انفاسه جعلها تنظر مجددا لوجهه لتجد حصونه السوداء تحاوطها باستمتاع و نظراته داكنه بشكل اخافها، صدره يعلو و يهبط بعنف شديد و هى بغباءها لم تكن مدركه لخطوره ما تفعل.

و قبل ان تبتعد، تتحرك، تتحدث او حتى تبدى رد فعل كان يسحب يدها اليه و بيده الاخرى يحاوط جسدها ليلفها واضعا اياها على الفراش و هو ينحنى ليطل عليها من عليائه، نظراته تحاصرها و اسهمه ترفض تحريرها، شهقه فزعه فارقت شفتيها ليتابع هو محل خروجها و انفاسه تزداد تهدج و اللوم عليها هى من تلاعبت به و ما اسوء ما فعلت، اختفت انفاسها تماما و هو يتحدث بنبرته الرجوليه المسيطره: انتِ سايبه مليون حاجز بيني و بينك، سايبه خوفك يسيطر عليكِ، بتبعدي عني و بتهربي مني بدون اسباب، بدل ما تسألينى إسألى نفسك و وقتها هتلاقى اجابه سؤالك.

تعلقت عينها بعينه و هي تشعر انها مخدره بشكل ما، لا تستطيع الحركه و لا تسطيع الكلام فقط تاهت في حصونه التى تراها بقرب هكذا لاول مره و لا تعرف ما السبيل للتخلص منها، هو رجلٌ و من يلومه على مشاعره، ثورانه و رغبته الان ظالم و كانت هى اقسى الناس ظلما له، عندما رفع يده ملامسا وجنتها بهدوء و تلقائيا اغمض عينه ليشعر بشعور انتظر كثيرا للشعور به، فأيقظه من التيه في خضم رغبته صوتها المنتفض النافر: ابعد عنى.

تتذكر صراخه بها، تتذكر تقليله لشأنها، تتذكر تمزيقه لذكرى والدتها، تتذكر اتهامه لها و كسر اطار صورتها و تلطيخها بوحل لتحمل اثر قدمه للابد، تتذكر ليلتها في المشفى بسبب غضبه، تتذكر استهانته بما تحمله من وجع عندما اخفى الحقيقه عنها و اخيرا ما فعله بها ذلك المساء و ما اوصلها اليه.
كيف تتحمل اقترابه منها؟
كيف تنسى ما الحقه بها؟
لا يا سياده النقيب فهناك ندوب لا تُمحى بسهوله و لن تُنسى وقتما تشاء.

شعر بيدها تدفعه بقوه و انفاسها تتسارع بغضب ففتح عينه و هو متيقن انها تتفنن باشعال نيرانه و لكنها لا تخمدها و يبدو انها لا تنوى ان تفعل ابدا، و لكن نفرت عروقه بغضب عندما رأى النفور جليا و هى تصرخ به مجددا و يدها ترتجف على صدره مبتعده بنظرها عنه، فقبض على معصميها بغضب ليثبتها على الفراش مقتربا بجسده منها اكثر صائحا بفوره غضبه التى يبدو انها ستأتى بنهايه لا تحمد عواقبها: ايه اللى دخلك الاوضه لما مش عاوزانى اقرب منك؟، جاتلك منين الجرأه انك تقربى و تلمسينى بالشكل ده؟،.

ثم اضاف بسخريه حملت بعضا من استحقار اصابها في مقتل: ايه بتتسلى و لا عاوزه تجربى!
و مال بوجهه عليها بشكل ارجف جسدها اسفله و هو يقول من بين اسنانه: ابعد ليه بقى ما انا ممكن اشرحلك بضمير.
اتسعت عينها و هى تحملق فيه برعب كاد يوقف قلبها، فا اغرورقت عينها بالدموع تهمس بشفاه مرتجفه و الخوف بعينها، مزق قلبه: انت، انت وعدتنى.

و ادرك ما يقول، يفعل و الاسوء ما كان على وشك فعله و لكنه بالتأكيد لم يكن سيفعل و لكنه ببساطه منحها سببا اخر لكرهه بمجرد تفكيرها بما كان على وشك فعله.
ضغط على معصمها بقوه فشهقت هى بألم و هو ينهض مبتعدا عنها و اشار للباب و عرقه الاسود يشتعل لاقصى درجاته غضبا: اطلعى.

اشاح بنظره عنها فحتى ان كان يدرك بعض ما عانت، حتى ان كان يفهم سبب ما تحمله من خوف، و ان كان يشفق عليها و يمنحها العذر لكن كرامه ابن الحصرى فوق الجميع حتى رغبته و مشاعره بل فوق قلبه و ان عارضه سيدوس عليه دون ادنى تفكير.
نهضت مسرعه و ان بدت حركتها متردده وقفت بارتباك تنظر اليه و لملامحه الغاضبه فصرخ بها: اخرجى.

و دون اى تفكير انسحبت خارجه من الغرفه لتدخل غرفتها مغلقه الباب خلفها لتستند بظهرها عليه لتلتقط انفاسها، دفع الباب مغلقا اياه بقوه كبيره، ضاربا يده بالحائط عده مرات متتاليه لدرجه شعوره بعظام يده تصرخ به ليرحمها.
و لكن ماذا يكون وجع يده بالمقارنه مع جرح رجولته و ألم قلبه، ماذا تريد؟
دخلت غرفته، لامست وجهه، اشعلت كل جزء من جسده رغبه بها و في النهايه تذكره بوعده!

شد على شعره بقوه يحاول كبح غضبه، هي تعبث به، تستمتع بالعبث به، و لكن ليس ابن الحصري من تعبث به إمرأه.
خائفه قلقه متردده و ليكن سيتحمل ذلك، لكن ان تبعثره بهذا الشكل.
تجعله يتوهم وصوله للجنه ثم ببساطه تجعله يكتشف انه مازال في قاع الجحيم.
هى جنه من يقترب منها يحترق كما لو كانت الجحيم.
أيفعل به كل هذا، حب؟!
لا، لعنه الله على ذلك الحب الذي يجعل منه شخصا ضعيفا، يجعل منه مشتتا.

عن اي قسوه تتحدث و هى لم تري شيئا منها بعد.
رساله صغيره منه اليها، فا لتتق ناره لانها لن ترحمها، لتتق غضبه لانه سيؤلمهاا، و لتتق جنونه لانه سيحطمها، و هى كالزجاج تماما سهله الكسر على الرغم من ان نصالها تؤلم.
فكفي لهذا الحد، حقا كفى.

خلاصه القضيه توجز في عباره، لقد لبسنا قشره الحضاره و الروح جاهليه.
نزار قبانى
صوت يُزمجر، يقذف بالاشياء هنا و هناك، يضرب بعصاه الارض و هو يصرخ بصوت تتحرك معه الجدران و زوجته تتطالعه بريبه و قلق: كِيف حوصل إكده؟ كِيف بِت وِلدي تتجوز وِلد الشرجاوي، عز فجد عجله، ده اتجنن عاد ميعرفش إني مش هوافج على الجوازه دى واصل!، ولدى خرج عن طوعى و ميفرجش معاه كلمتى عاد و لا ايه!

و كعاده الزوجه المصريه الاصيله تحاول تهدئه بعلها الثائر و ان كانت ترى في غضبه تضخيم للامر: صحتك يا حاج مش إكده، كل وعره و ليها حل عاد.
و كعاده الزوج المصرى صاحب الرأس اليابس الذى يرى في زوجته منفذ لكل غضب به صاح بها بعنف: كِيف اهدي، وِلدك اتجنن و مبجاش فيه عجل يفكر، انا مينفعش اسكت على اللي حوصل.

شرد بتفكيره بعيدا و هو يتذكر ذلك الخلاف بينه و بين مدحت الشرقاوي متمتما بعوده لخلافات الماضى: مدحت كمان مهيسكتش و الله مهيسكتش، هيحرج الكل، اللي حوصل زمان هينعاد، هنخسر ولادنا من تاني و المرار اللي دجناه زمان هيدجوه ولادنا دلوجت، ولدك بينبش في الماضى.

و قد كان، قاطع تفكيره الشارد صوت هرج و مرج بالخارج ليفاجئ بباب منزله يُفتح بقوه ليدخل رجلين مفتولي العضلات و من خلفهم رجل تحاوطه الهيبه، جسد ضخم و عريض، شعر غطاه الشيب، تشتعل عينه بالجحيم، و بيده عصاه العاجيه ليضرب بها الارض مع كل خطوه يخطوها.

وقف مدحت الشرقاوى امام امين الحصرى و وضع عصاه امامه مستندا عليها بكفيه، نظر كلا منهما للاخر لحظه ثم هتف مدحت بثبات و جبروت معروف به: ولدك بيلعب بالنار يا وِلد الحصرى.
و لم يكن امين بأقل منه عندما امتلئت عينه بغضب مماثل بل اشد هاتفا بزوجته دون ان يحيد بنظره عن الواقف امامه: ادخلى جوه يا حرمه،
ثم اردف بقوه ابناء الحصرى: و ولدك دوره فين؟ و لا لامؤاخذه ملهش لازمه.

ضرب مدحت بعصاه ارضا بعنف ليصدر صوت عالى هاتفا بتحذير: انتبه لحديتك يا امين، عيله الشرجاوي كِلياتهم رجاله ولاد رجاله.
و بابتسامه ساخره و نظره تشمله بتهكم اجابه امين معلنا التحدى اللامشروط: هو الايام دي الحريم اللي بيطلبوا الرجاله و لا ايه يا وِلد الشرجاوي!
ثم اضاف بتوضيح ربما غفل عنه الاخر رغم وضوحه: انت حفيدك اتجدم لحفيدتي فاهم عاد ولا لاه!

ازداد غضبه شاعرا بضعف موقفه فإن كان عز قد اخطأ بالموافقه فيبقى الخطأ الاكبر على ولده و حفيده.
و هنا ثار معلنا عن قراره بقوه مخفيا ضعف موقفه بجداره: أني هسافر البندر و حفيدى هيبعت ورجه الطلاج لحفيدتك، لازم يطلجوا.
و وافقه الاخر متمتما بثقه: تجدر تعتبر حفيدتي وجعت على ورجه طلاجها، المهم حفيدك يعجل بالموضوع ده، خلينا نُخلص.
و نظرات تحدى صارخه ليمد مدحت يده مصافحا هاتفا بثبات: اعتبره حوصل.

صافحه امين و أومأ برأسه مؤيدا: يبجى اتفجنا.
و خلف باب الغرفه المطلع على الصاله، وقفت زوجه امين تتابع ما يحدث متمتمه بحسره: امركم عجيب تتفجوا تخربوا بيوت عيالكوا بدال ما تتفجوا لتعمروا العلاجات مره تانيه يا عيب الشوم عليكم رجاله ناجصه.

لا علاقه لى بنواياك الحسنه حين تكون أفعالك سيئه و لا شأن لى بجميل روحك ما دام لسانك مؤذيا.
نجيب محفوظ
في الصباح استعد للرحيل، عاندت هى، غضب منه، عناد منها، حتى صرخ بها مجبرا اياها على العوده معه و قد كان.

و اهتماما بما قد يسعدها قليلا تحرك باتجاه منزل صديق والدها لتراه قبل رحيلهم و بالفعل، تراقصت نبضاتها سعاده و هى تراه، اسرعت اليه فقبل رأسها متذكرا فتاه العشر سنوات التى كانت تمرح معه ها هنا، تلك الفتاه التى لمع عسل عينها دائما بالسعاده ليراها الان و قد انطفأت كل سعادتها و تبدلت خوفا و ذبولا.

حوار طويل، ضحكات من قلبها ربما فارقتها لوقت طويل، حنين لايام مرت، ذكريات جعلت دموعها تتناثر على وجنتيها ثم متابعه منه لنظرات عاصم اليها ليتمتم بغمزه هامسا: واضح انه بيحبك، باين في عينه قوى، حافظي عليه.
اختفت ابتسامتها تماما و كلمته يتردد صداها بأعماق روحها.
حب!
اكثر كلمه تخشاها و ترفضها بحياتها.
اكثر شعور يمنحها خوفا و جبنا لا تتحمله.
اكثر ما يجعلها تهرب بعيدا اى كانت النتيجه.

شعور ارتبط معها دائما بالفقد و ابدا مهما صار لن تسمح للامر بأن يتكرر.
و لكن مهلا، كيف رأى شعور كهذا في عين ذلك المتعجرف؟
كيف يشعر بالحب و هو حتى لا يحمل قلب؟
كيف يحبها و هو لا يتفنن سوى في كسرها؟
كيف يحبها و هو لا يمنحها سوى حزن و يجبرها دائما على ذرف الدموع؟
فالله خلقه ليغضب و يتعجرف و خلقها لتخاف و تهرب، فقط.

ابتسامه ساخره زينت ثغرها متجاوزه الامر مانعه قلبها من الشعور و عقلها من التفكير فلا حاجه لها حقا بأمر اخر تخاف منه، له و عليه.
انتهت الزياره سريعا و صعدت للسياره معه عائده لمنزل العائله و قد لمت بالحقيقه تماما، الان تعود لتكون بجوار عائلتها.
و ماذا يخبئ لها القدر بعد لا تدرى.
لم يعد يتعجب صمتها في حضرته فابتسم بهدوء متذكرا ما اخبره به والده مساء امس و تمتم: على فكره عندنا فرح في العيله قريب.

انتبهت لصوته ناظره اليه بتعجب هامسه باقتضاب: فرح مين؟
و اجابه بسيطه منه: فرح ابن عمتى.
صمتت قليلا و هى تسترجع ذكريات ذلك اليوم، تلك الصفعه و تلك المرأه لتهمس بضيق ظهر جليا في نبرتها: هو انا لازم احضر الفرح ده؟
رمقها بطرف عينه مغتاظا: انتِ مراتي و حتى لو بينك و بين نفسك بتهربي من ده، انتِ لازم تتصرفي على الاساس ده و لازم كمان تفتكرى كويس انك خلاص فرض من العيله و كل اللى يخصنى يخصك.

عقدت ما بين حاجبيها مستنكره بضجر: بس عمتك اصلا مش بتحبنى.
ابتسم بتهكم مجيبا: و لا بتحب حد، عادى يعنى.
تسائلت بتعجب: ليه كده؟
صمت قليلا ثم انهى الحوار هاتفا: مواضيع ملهاش لازمه، متشغليش بالك.

صمتت هى الاخرى و هى تفكر ماذا من الممكن ان يكون قد حدث بالماضى لتصير حياتهم بهذه الصوره و ماذا فعلت العائله لاهلها و ماذا فعل والدها ليحاول جدها قتلها، ماذا و ماذا و ماذا و الكثير من علامات استفهام لا اجابه لها سوى الانتظار عله يأتى يوما ما باجابه مرضيه.

الغيره تشوش العقل، و لا تسمح بالتفكير المتعقل، مثلها مثل الخمر.
ماريو بارغاس يوسا
كفايه كده بقى، بقالك كتير.
هتفت بها حنين بغيظ و هى تحدثه هاتفيا فوصلها ضحكته متمتما: دول هما كام يوم يا مفتريه.
لتجيبه بدلال يليق جدا بها: كتير برده.
ليستكين في جلسته مستمتعا بحديثها المدلل متسائلا بخبث: وحشتك يعنى و لا ايه؟
لتستقر على فراشها هى الاخرى مبتسمه بمكر قبل ان تجيبه محاوله كبت لهفتها: شويه.

ضيق عينه بغيظ و هتف مقررا العبث قليلا: خلاص هرجع لما اوحشك اكتر،
ثم اضاف و هو يثير غيرتها بجداره و يا ليته لم يفعل: و بعدين الصراحه مديره الشركه اللى متعاقد معها صاروووخ يا حنين، و الوقت معاها لطيف جدا.
و سرعان ما تراقصت الشياطين امام عينها تتخيله يتابع حركه اخرى،
يبتسم لها و تبادله الامر، يتحدثون، يتصافحون، يضحكون و ربما يستمتعون سويا.
و هى هنا كالحمقاء تشتاقه، هى هنا تنتظره و هو هناك يستمتع!

و ابدا لن يدرك جنس ادم انه لا يجب ابدا ان يقترب من غيره بنات حواء لان الامر لا تُحمد عواقبه.
و قد كان عندما تلاحقت انفاسها صارخه: بتقول ايه يا فارس؟
ثم سرعان ما اصابها حاله لااراديه من التفكير متمتمه بغضب: اه علشان كده بقى مش عاوزنى اشتغل!
عقد ما بين حاجبيه متعجبا و هو يهمس باستنكار: و ايه اللى ربط ده بده دلوقت؟

صاحت بكلمات هوجاء: ما حضرتك عارف جو الشغل بقى، المديره صاروخ و سيادتك مستمتع، خايف اكون مكانها مثلا او ابقى مصدر استمتاع لحد في شغلى علشان كده رافض.
و قبل ان تمنحه فرصه الرد هتفت بتذكر: علشان كده كنت بتقول انتِ متعرفيش جو الشغل، مش هتتحمليه، انا مش هرضى بتعامل مع رجاله، طبعا ما انت عارف جو الشغل كويس، صح يا فارس!

ذهول جمد اطرافه و هو يستمع لها و فور انتهائها بهدوءه المعتاد تسائل بسخريه: انتِ اتجننتِ صح؟ انتِ متخيله انى ممكن اعمل كده؟
صمتت قليلا تستوعب ما قالت فعاد يتمتم بحده مندهشه: هى دى ثقتك فيا! ممتاز قوى يا مدام حنين.
عمل عقلها سريعا مدركه ان الامر لم يكن سوا رغبه منه في اثاره غيرتها ربما تخبره عن مدى اشتياقها لترتفع يدها تضرب جبينها بيأس فكيف واتتها هكذا افكار، حقا لا تدرى؟

و بمجرد ان وصله صوتها بعد صمت دام دقائق: فارس انا..
قاطعها منهيا الحوار فهو حافظ على هدوءه و لكن فوران قلبه من كلماتها لن يصمت كثيرا فقط يحتاج بعض الوقت ليهدأ فتمتم بلامبالاه: انا عندي شغل.
اسرعت تمنعه قطع الاتصال: انت قولت انك فاضي ساعتين.
مردفه باعتذار على تسرعها و تفكيرها الذى جمح بعيدا: متزعل...
قاطعها مجددا بخشونه: عندى شغل يا حنين سلام.
و انقطع الخط.
من المخطئ، هو ام هى ام كلاهما؟!

هو احمق عندما فكر ان اثاره غيرتها بامرأه اخرى ستأتى بنتيجه ترضيه.
و هى اكثر حماقه عندما صدقت مزحته و ارتفع صوتها عليه.
هو اخطأ لانه اتقن الكذب، و هى اكثر خطأ لانها صدقته.
فمن الملام و علام يُلام!
حاولت مهاتفته و لكن لم يُجيبها، مرات عديده و لكنه لم يمنحها الرد و كعاده كل من تعلق قلبها بزوجها جلست تضم الهاتف لصدرها تبكى بانتظار ان يُجيبها.

غافله عن حقيقه ان زوجها من هؤلاء الذين وقت الغضب لا يُتحدث معهم بل فلتتركه قليلا يهدأ و سيحدثها و لكن لا، رفعت هاتفها مره اخرى مهاتفه و لكن لا رد فبعثت برساله و جلست تبكى منتظره الرد بعدما منحته ما يرغب به و يصر عليه منذ زمن عله يسامحها.

القى بجسده على الفراش ففرسته الجامحه افسدت عليه خطته و مفاجأته لها و قد قرر العوده اليوم و لكن بعد ما قالت من الافضل الا يعود الان، ارتفع رنين هاتفه و لكنه لم يأبه به حتى بُعثت رسالتها.
رفع الهاتف امام وجهه يقرأها انا اسفه، انا بحبك قوى و و الله بثق فيك جدا، متزعلش منى يا فارس و كلمنى.

انفردت عقده حاجبيه و رغما عنه ابتسم، ثم اتسعت ابتسامته لتصبح ضحكه واسعه حتى سقط الهاتف من يده فوق انفه لينهض صارخا بألم متمتما بغيظ: يا بنت المجنونه.
و رغما عنه هاتفها فهو مدركا انها تجلس الان تبكى بانتظاره، رنين، رنين ثم اتاه صوتها ليصرخ بها: انتِ ايه يا حنين؟ انتِ حد وصاكِ عليا تجننينى؟

و وسط شهقاتها المتتاليه و صوتها المكتوم عبست بخجل فأغلق عينه و زُينت ملامحه بابتسامه عاشقه فعادت تقول و اختناق صوتها يزيد: انا مكنتش اقصد و الله، انا بس..
صمتت تبكى بصوت مكتوم فزفر بقوه مناديا اسمها بحده نسبيه لتتوقف و لكنها اردفت: انا بحبك و الله يا فارس، بحبك قوى.
اغلق عينه قليلا يستمع لصوت بكاءها ثم هتف بحده: اقفلى يا حنين.

ازداد بكاءها مدركه انه لن يسامحها و لن يمرر لها الامر مرور الكرام، و حاولت اثناءه عن ذلك و لكنه لم يستجب هاتفا و هى تستمع لصوت حركه غير اعتياديه حوله: انا قولت اقفلى و هكلمك كمان شويه.
و مجددا اغلق الخط، لتنظر للهاتف ببكاء ثم ترميه بعيدا لتُلقى بجسدها على الفراش منتظره ان يهاتفها مشاكسا و مغيظا كعادته و لكن هذه المره يبدو انها ستنتظر كثيرا او ربما هكذا اعتقدت.

وقفت مها تحاول ان تعد طعام الغداء و لكنها كالعاده فشلت، فهى ابعد ما يكون عن امور المطبخ و خلافه، عاشت في منزل والدها معظم سنوات عمرها لا تفعل شئ فقط تتكفل زوجه ابيها بالامر و صدقا لم تكن تحملها عبء ما تفعله لها ابدا.
قضت وقتها في دراسه، ابحاث، مشاريع متعدده و دراسات شتى، مهندسه و استحقت اللقب بجداره كبيره.

و رغم ذلك مقدار ثقتها بنفسها لا يساوى واحدا صحيحا، ترى نفسها – رغم خطوره جمالها – ناقصه، - رغم نجاحها و مكانتها – انثى مزيفه.
انثى فقدت صوتها و لا مجال ليعود، تعجز عن التحدث، المناقشه، الغناء حتى الصراخ.
انثى تشتاق لتشعر بنفسها مكتمله و لكن كيف لعاجزه مثلها ان تفعل.
لم تتحمل الحياه ها هنا، الحياه بين اشخاص يذكرونها باستمرار بعجزها.

اشخاص يعيرونها و يبتعدون عنها و الاسوء ينفرون منها فقط لانها بكماء و كأن الامر مرضٌ معدى.
و اولهم و اقساهم والدتها، تلك السيده التى لم تعرف يوما معنى حضنها، لم ترى منها يوما ابتسامه حنون، لم تشعر بها يوما أم.
شهقه مكتومه، انتفاضه مرتعبه ثم منشفه بجوارها تحاول بها اطفاء النيران التى اشتعلت بتلك المقلاه امامها.

خمدت النيران و معها تراجعت هى للخلف بهلع تلتقط انفاسها و هى ترمق المنظر امامها حتى ارتفع صوت والدتها بالخارج فركضت لتسمعها تقول بغضب لوّن عينها: انت بتقول ايه يا بابا؟ عز اكيد اتجنن، ازاي يوافق على حاجه زي دى؟!
صمتت قليلا تستمع لحديث والدها ثم تمتمت و هى تضيق عينها بغل اسود: حاضر يا حاج، زى ما تحب، مش هتدخل طبعا بنته و هو حر.

و انهت الحوار بسلامات سريعه ثم حدقت باللاشئ امامها متمتمه بهمس و طبيعتها الساديه تقودها: بقى بعد كل اللى عملته زمان، يجى شويه عيال يخربوا كل حاجه.
ثم ابتسمت بخبث و عينها تلمع بشرر و قد اتخذت قرارها الذى ستجد به قمه استمتاعها و رياً لطبيعتها العنيفه الكارهه: بس ميبقاش اسمى نجلاء ان ما ولعتها من اول و جديد.

اقتربت منها مها بحذر و بمجرد ان رأتها نجلاء هتفت بحده و هى تتحرك من امامها: لمى هدومك و جهزى حاجاتك كلها علشان هنمشى من هنا.
بحه مكتومه و صوت لا يخرج و هى تنادى باسمها ثم ركضت بعجز لتقف امامها مشيره بتعجب في ايه يا ماما، هنروح فين؟
جذب يد، ابتعاد خطوه للخلف ثم نظره نفور احرقتها و كلمات اشعلت روحها: انتِ عارفه انى مابحبش شغل البكم دا، انجزى و اجهزى و بلاش و النبى اشارات عبيطه مبفهمهاش.

و تركتها و رحلت و ندبه اخرى تصيب قلب ابنتها دون ان تأبه، ظلت مها تحدق بمكانها الفارغ لحظات و دموعها تتساقط على وجنتها ثم اغلقت عينها متحركه بخطوات متثاقله لغرفتها، تجلس على فراشها تضم جسدها بألم اكتنف روحها.
ما ذنبها في حرمانها من صوتها!
ما ذنبها لتكون تلك المرأه والدتها!
ألا يُقال ان حضن الام وطن فما بالها تشعر بالغربه!
ألا يُدرس مدى حنان الام فما بالها لا تنال سوى القسوه!

ابتسامه خفيفه زينت وجهها عندما تذكرته، قوتها الفعليه تتمثل به، حضنه كفيل باخفائها عن هذا العالم، و كلماته دائما ما كانت بلسم لروحها، علمت بسفره و ها هى تنتظره لتنال قسطها من السعاده بين ذراعيه و تحت مظله حبه، اهتمامه و قوته التى دائما ما تحتمى بها.

الطموح
كلمه من سته احرف يحمل كلا منهم معنى اكبر بكثير من مجرد حرف.
الالف، أمل في الغد.
اللام، لمعه النجاح في المستقبل.
الطاء، طوفان يسكن القلب و يلهب العقل حتى يتحقق.
الميم، مركب تتأرجح على موجات هائجه حتى تصل للشاطئ.
الواو، وعد بالقوه، الثبات و العزيمه المغلفه باراده قويه.
الحاء، حلم يستحقه فقط من يتمسك به.

و هى كانت خير من يتمسك بحلمها، هدفها و طموحها الجبار، صعدت الدرجات لتقف امام غرفه والدتها بالمشفى طرقات سريعه و لم تنتظر الرد و دلفت مقتحمه الغرفه لتتسمر مكانها و هى ترى مجموعه من الاطباء مجتمعون على طاوله كبيره في جانب الغرفه، تمتمت باحراج و هى تسحب الباب: انا اسفه.
اشارت لها ليلى بالانتظار هاتفه بجديه: ادخلى يا سلمى،.

و اشارت على مكتبها لتتقدم سلمى بثبات للداخل مغلقه الباب خلفها تنتظر انتهاء اجتماع والدتها، تشرد فيما نوت عليه فعاصم سيعود اليوم و لن تؤجل هى الامر لاكثر من هذا.
فما الخطأ في رسم مستقبلها بنفسها دون انتظار من شخص ما ان يفعل!
ما الخطأ ان قررت ان تخرج لسوق العمل لتفوز بخبره ستكون من اغلى كنوز حياتها!

ما الخطأ ان رأت مشاريعها، افكارها و خبرتها النور لربما تصبح في يوم ما امرأه ذات شأن عظيم لتكون فخرا لرجل و اطفال فيما بعد!
ما الخطأ ان فقط ارادت و حتما ستنفذ ارادتها مهما يكن!
ابتسمت بخبث متمرد و لكن ابتسامتها اختفت فور ان صاحت والدتها بها: حد يدخل بدون استئذان كده؟
و برفعه حاجب مستنكره هتفت و هى ترفض الاعتذار مره اخرى فكفى انها فعلت مره: هو انا يعنى كنت اعرف..

حدقت بها ليلى قليلا ثم اعتدلت تنظر في تقرير طبى لمريض ما امامها متسائله: خير، جايه ليه؟
ابتسمت سلمى و هى تعتدل بخبث هاتفه باقرار: شغلى.
اغلقت ليلى التقرير بغضب هاتفه بنفاذ صبر: تااانى يا سلمى، يا بنتى لا باباكِ و لا اخوكِ هيوافقوا، انتِ ناسيه انا عملت ايه علشان اشتغل و بعد كام سنه من جوازى!

احتدت عينها بتمردها صائحه: و انا مستحيل هتقبل دا يا ماما، دا انا يجرالى حاجه ان فضلت قاعده في البيت كده، انا من حقى اختار مستقبلى هيبقى ازاى!، انا مش ضامنه الراجل اللى هتجوزه دا هيبقى ايه؟ انا لازم اعتمد على نفسى و دا من حقى على فكره.

صمتت ليلى قليلا و هى ترى العناد يلون عين صغيرتها و شغفها بحياه العمل يعميها تماما، تفكير، تفكير ثم ابتسامه هادئه و تقبلت الامر فهى تُدرك جيدا ان ابنتها جديره بحياه العمل: اقنعى باباكِ و لو قدرتِ يبقى الموضوع محلول.
ضحكت سلمى بخبث و هو تُكمل ما بدأته والدتها: و لما عز باشا يقتنع هيقنع عاصم او يسكته لان طبعا كبير البيت قال كلمته، هو ده الكلاااااام.

طرقات هادئه على الباب، اذن بالدخول و دلف طبيب يستأذن القليل من وقت ليلى، فنهضت سلمى هاتفه بابتسامه واسعه: خلاص هسيبك تشوفى شغلك و اروح انا اظبط بابا، قصدى يعنى اقنعه،
ضحكه ماكره ثم استئذان و رحيل.

بعيدان نحن و مهما افترقنا
فما زال في راحتيك الامان
تغيبين عنى و كم من قريب
يغيب و ان كان ملء المكان
فلا البعد يعنى غياب الوجوه
و لو الشوق يعرف قيد الزمان
فاروق جويده
تجلس بغرفتها تنتظر اتصاله، تشتاق لصوته، تحتاج اليه و اه لو كان بامكانها رؤيته الان.

انتفضت و الباب يصدر صوتا عاليا اثر اصطدامه بالحائط بعدما دفعته شذى بغضب صارخه: ماما في الشغل و بابا نزل الشركه و سلمى طفشت و عاصم و سندريلا مش هنا و حضرتك قاعده في اوضتك و قافله عليكِ و انا بقى المفروض اخبط دماغى في الحيط و انا قاعده لوحدى كده...
ثم اتجهت اليها جالسه امامها واضعه يدها على رأسها هاتفه بدراميه مصطنعه: يا عينى عليكِ يا شذى كبروكِ بدرى بدرى لحد ما شعر راسك شاب.

طفوليتها، نبرتها و حديثها الدرامى اطلق ضحكات حنين رغما عنها فابتسمت شذى تصفق هاتفه بمرح: اللهم صلى على النبى، ما انتِ بتعرفى تضحكِ اهه.
لكزتها حنين بكتفها صائحه بالمقابل: ايه يا شذى، انتِ بتشتغلى ايه بعد الظهر يا حبيبتى؟
هبت شذى واقفه على الفراش امامها واضعه يدها على خصرها محركه اياه برعونه هاتفه بضحكه ماجنه: رقاصه في شارع الهرم.
يا اخره تربيتي يانى، ضاع تعبك كله يا فارس، ااه يا قلبى.

تجمدت حنين مكانها فور رؤيتها له واقفا امامها بينما اندفعت شذى تحتضنه فرفعها لاعلى و هى تصرخ بمزاح: وحشتنى يا راجل اتأخرت عليا خالص، لا لا انا زعلانه.
ضحك فارس و هو يقبلها مجيبا اياها بود حقيقى: و انا مقدرش على زعلك، دا انتِ مهجه القلب.
اصدرت صوتا مستنكرا و هى تراوغ بخبث ابناء الحصرى: يا سلام، و لما انا مهجه القلب، حنين تبقى ايه؟

حانت منه نظره لها بطرف عينه قبل ان يُعيد بصره لشذى هامسا بصوت بالكاد يُسمع: دى القلب كله.
شهقت باصطناع دافعه اياه ليوقفها ارضا و هى تصرخ به: قول كده بقي، طيب نزلني يا عم انت هتتجوز واحده و هتاخد اختها هديه.
اوقفها ارضا ضاحكا بينما اكملت و هي تبسط يدها امامه قائله بحزم و غرور اجادته: لا، انا ست البنات و الف مين يتمناني بس انا اشاور،.

ثم اشاحت بيدها بمرح منهيه حديثها المتعجرف: اشبع بمراتك و سيبني اشوف طريقى.
قهقه فارس على حديثها بل و نظراتها المتلاعبه تلك الصغيره و مع ضحكته فقدت تلك الحزينه نبضاتها و هى تراقبه عندما صاح و هو يمسح بعنف بسيط على شعر شقيقتها الصغيره: يخرب عقلك انتِ بتجيبى الكلام ده منين؟
و برعونه تمايلت بخفه مردده: من جوه جوه جوه قلبى يا قلبى.

غمزه ثم قفزه سريعه و قبله مشاغبه على وجنته و هو يتابعها بعينه حتى خرجت من الغرفه، لحظات تمالك بها ضحكاته ثم استدار لتلك المتمسمره مكانها فاختفت ضحكته تدريجيا حتى جمع على وجهه كل ما يملك من غضب و هو يتذكر همسها بحبها له و اقترب منها خطوه و مع اقترابه اغرورقت عينها بالدموع و هو يهمس بعتاب محمل بشجن اشتياقه لها: من يوم ما اتجوزنا و انا نفسى اسمعها منك، يوم ما تقوليها تقوليها و انا بعيد عنك و كمان مضايق طيب يرضى مين دا يا ظالمه!

اقترب خطوه اخرى حتى وقف امامها مباشره محتضنا كتفيها بكفيه ناظرا لرماديه عينها باشتهاء لسماعها و لا مانع من تذوقها و تمتم بهمس اثار في نفسها الكثير: بتقوليلى ايه دائما؟!
تساقطت دموعها من فرط ما احتاجها من مشاعر، حزن، اشتياق، عتاب، خجل، و حب و همست بالمقابل تجيبه بكلماتها التى لا تتوقف عن قولها له ابدا: انت نصي التاني، انت حته منى، انت كنزي الغالى، انت ابنى.

تنهد بحراره رافعا يده واضعا اياها على وجنتيها يزيل دموعها قبل ان يهتف بقوه مشاعره اليها و هو يضمها لصدره: انا بحبك قوى يا حنين، بحبك قوى.
استكانت على صدره قليلا قبل ان يُبعدها عنه و يده تتسلل ببطء ليداعب ذراعها و بمجرد ان شعرت بلمسته عادت للواقع و الوضع من حولها، هى و هو، بغرفه نومها، بمفردهم، لا ترتدى سوى منامتها ذات الاكمام القصيره، و لا يوجد بالمنزل سواهم.

انتفضت بعيدا عنه بسرعه واقفه بجوار باب الغرفه، وجنتها تكاد تنصهر من شده خجلها و هتفت بصوت يحمل حده نسبيه و ان كان قلبها يعارض ما تقوله: لو سمحت يا فارس مفيش حد في البيت و وجودك هنا مينفعش. ان..

و قبل ان تردف استمعت لصوت والدها ينادى على ام على لتجهز قهوته و يخبرها عن وجود فارس معهم على الغداء، اذا والدها يعرف و قبل ان تنظر اليه جذبها هو مسرعا مغلقا باب الغرف بقدمه فشهقت و هى تصطدم بصدره لتنظر اليه برهبه تصاحب دائما اول أى شئ، سارت يده بدلال على ظهرها حتى تملك خصرها بنعومه لتزدرد هى ريقها بصعوبه و تحاول التملص من يده و لكنه لم يمنحها الفرصه و هو يميل عليها ليهمس بجوار اذنها: قوليها يا حنين، قوليها و طمنى قلبى، عاوز اسمعها.

حاولت تجاوز الخجل الذي يلفها لتتحدث و لكن صوتها أبى الانصات اليها و تحشرج اكثر، بللت شفتيها بطرف لسانها دون ارداك منها بمدي تأثير حركتها المتردده، الخجوله و أخرها المغويه عليه هو...

و بينما هى تفعل كانت عيناه تكتشف ملامح وجهها ثم تعلقت عيناه بشفتاها لتُثير في نفسه الكثير من الانفعالات فتنهد بعمق مخلفا وعده لنفسه مستندا بجبينه على خاصتها هامسا بصوت متهدج: كان نفسى اول مره تبقى في بيتنا بس مش قادر اصبر، استسلمت يا حنين.
و قبل ان تعي مقصده اوضحه هو ببساطه عندما مال بوجهه محتضنا شفتاها بخاصته، لتغيب معه في دوامه تعبر عن مدى قوه عاطفه كل منهما للاخر،.

ارتفع صوت والدها ينادى عليهم فانتفضت بين يديه تبعده عنها تستنشق الهواء بسرعه بعدما منعه عنها فعلا و احساسا و لكنها لم تجد في نفسها القدره على مواجهه عينيه الان و خيرا فعلت فلو رأت تلك النظره المستمتعه، العابثه و التى تشملها باشتهاء و احتواء لكانت اصابتها بسكته قلبيه مع ضحكه السعاده التى ارتسمت على شفتيه متلذذا بخجلها بين يديه، و صدق من قال الصبر يأتى دائما بخير ، و هو صبر عمرا، طفلا، مراهقا و شابا و ها هو يجنى ثمار صبره و من اشهاها، احلاها و اغلاها من ثمار.

ارتفع صوت والدها مجددا ينادى اسمه فانحنى يهمس بحوار اذنها: هسبقك، متتاخريش.

ثم رفع عينه ينظر اليها قليلا قبل ان يطبع قبله هادئه على وجنتها و يتحرك تاركا اياها تجلس على الفراش لتضع يدها على قلبها لتُهدأ نبضاته الثائره و انفاسها التائهه إلى الان، رفعت يدها تمررها بخفه على شفتيها لترتسم ابتسامه على وجهها سرعان ما اخفتها رافعه يديها الاثنتين لتضعها على وجهها تخفيه خجلا و قلبها يرقص فرحا و عقلها يغنى له.

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
خير الناس انفعهم للناس
صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم.
تتابع الطريق بصمت اطبق عليهم لساعات حتى توقف عاصم بالسياره امام احدى الاشارات، اعتدلت في جلستها عندما لمحت شاب صغير يبلغ من العمر ما يقارب خمسه عشر عاما، يجلس على رصيف جانبي للطريق يُمسك قدمه و يبدو على ملامحه الالم الشديد باندفاع ترجلت من السياره دون ان تتحدث و دون الالتفات لنداء عاصم باسمها.

اقتربت من الشاب الصغير مسرعه لتجد قدمه تنزف بلا توقف اثر جرح غائر بها، تجمدت الدماء بعروقها و منظر الدماء يعيدها لاسوء و ابشع كوابيسها، انتفض قلبها و هى ترى الوجع يتجسد بوضوع على وجهه فانحنت تجلس قرفصاء امامه فنظر اليها بطرف عينه ماسحا وجهه باندفاع كأنه يأبى ان ترى دموعه التى تساقطت من فرط ألمه، و نهض محاولا الابتعاد عنها فنهضت متعجله هى الاخرى و قبل ان تتحدث وجدت طفل اخر يهرول اليهم يحمل مجموعه من المناديل الورقيه، جذبه الشاب متحركا من امامها، يُجبر نفسه بالضغط على قدمه التى تركت اثارها بالدماء ارضا فلحقت به جنه مسرعه تهتف بلوعه: حرام عليك رجلك على الاقل اكتم الدم.

اشاح بوجهه عنها و بعزه نفس صاح: انا كويس.
اخرجت اموال و مدت يدها بها للطفل هاتفه و هى تنظر لقدم الاخر بألم: اشتري مطهر من الصيدليه.
مد الطفل يده ليأخذ المال و لكن الشاب زجره ساحبا يده بعنف صارخا بها: احنا مش بنشحت و مش محتاجين فلوس.
و كان حرفيا يجرجر اخيه خلفه و لكنها وقفت امامه مجددا هاتفه: طيب بلاش فلوس تعالي معايا اوديك المستشفى، رجلك لازم...
قاطعها متنمنعا: حضرتك احنا مش عاوزين حاجه.

تساقطت دموعا شفقه عليه: طيب اوقفلك تاكسى يوصلك مكان ما انت عاوز.
لم يجب الشاب و امسك يد الطفل ليغادر ففوجئ بعاصم امامه، نظره متعجبه من الشاب يقابلها نظره هادئه من عاصم قبل ان ينحنى قليلا رابتا على كتفه و على وجهه ابتسامه بسيطه متمتما مدركا جيدا لمعنى عزه النفس الذى يتمسك بها هذا الشاب الصغير: طيب انا مش هديك حاجه ببلاش كده انا هخليك تردها ايه رأيك؟

نظر اليه الشاب لحظه قبل ان يتحدث بجديه متمسكا بموقفه: شكرا انا هقدر اتصرف.
و لانه لا يعرف معنى كلمه تحايل، امسك بيد الشاب واضعا بعض الاموال بها و قبل ان يعترض تحدث عاصم بهدوء لاول مره تراه جنه به: الفلوس دي دَيّن عليك لما تلاقي حد محتاج مساعده رد الدَيّن و ابقي قوله وقتها ان مساعدتك ليه دَيّن و لما يلاقي محتاج يبقى يرد الدَيّن و بكده هنساعد بعض من غير ما نحس اننا بنيجي على كرامتنا و لا كرامتهم...

ثم وضع يده على كتف الشاب قائلا: حبيبك النبي بيقول مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ و كمان قال وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيه . اتفقنا يا كابتن؟!

نظر اليه الشاب بعدما ترقرقت عينه بالدموع محاولا بشده عدم السماح لها بالهطول و اومأ برأسه ايجابا، بينما انخفضت جنه جالسه بجواره على الرصيف نازعه ذلك الوشاح على عنقها و قامت بلفه على قدمه، اوقف عاصم تاكسي و ادخلهم به و اخبر السائق بتوصيلهم للمشفى.

و لمنعها من اى رد فعل عاطفى لا يريده، حزن منها او ربما بكاء و خاصه بعدما رأى تلك الدموع حبيسه بعينها، صرخ بها معاتبا و غاضبا، يوبخها و لكنها خالفت توقعه و صمتت.
نظرت اليه و لاول مره لا يرى بعينها حذر، خوف او نفور.
بل نظره متعجبه، متفحصه و متسائله.
و بينما هو يحاول فهم نظرتها اليه كانت هى تعانى الامر نفسه و لكنها تحاول فهمه او ربما فهم شعورها.

احساس بالامان غريب يحاوطها و اكثر ما تخشاه و تتعجبه انه بجواره هو.
هو من تفنن في إيلامها كيف ساعد في تخفيف ألم اخر؟
هو من ترك بقلبها و روحها ندوب مازالت الى الان تؤلم كيف حاول تضميد جرح اخر؟
هو من لا يعرف سوى الصراخ، الغضب و القسوه، كيف تحدث بهدوء، حنان و خفه مع اخر؟
هو من معها كيف يكون مع غيرها اخر؟
من هو؟

اغلقت عينها تُريح رأسها على المقعد تتذكر كل ما مر بها معه من مواقف، ابدا لم ترى منه لين او حنان، فلماذا تشعر بمثل هذا الاطمئنان بجواره الان!
و نبضات قلبها منحتها اجابه شبه صريحه بانها ربما اعتادت، تعلقت او احبت.
و لكنها انكرتها ببساطه فهى ابدا لن تسمح لتلك الكلمه – الحب – بالدخول لحياتها ابدا، ابدا لن تسمح و لكن هل للعقل على القلب من سلطان و يا ليتها تعلم.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 3 من 17 < 1 2 3 4 5 6 7 8 17 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 1762 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 1269 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 1315 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 1134 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 2060 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، السندريلا ،












الساعة الآن 10:06 PM