رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السابع والأربعونفتح عينه صباحا على قطرات ماء تتساقط على وجهه فجذب يدها لتنام على صدره متمتما بصوت ناعس: صباح الخير..لتطبع قبله على اسفل فكه وهى تجيبه باشراقه: صباح الورد، قوم يالا الفطار جاهز..مط ذراعيه بقوه حتى استمعت هى الى صوت فرقعه بظهره فنظرت اليه بابتسامه وهو ينهض عن الفراش لتنهض هى لتقف امامه وتعطيه ملابسه قائله بدلال طفولى: انا عندى مذاكره كتير يالا علشان نلحق نفطر سوا..حاول كتم ضحكته مع نبرتها الطفوليه الساخره ونهض مقبلا وجنتيها بعمق ليتجه بعدها للمرحاض ويخرج بعد دقائق مستعدا..هبطا للاسفل فلم يجد احدا سوى سلمى والتى نهضت بمجرد ان دلف للغرفه واقفه امامه وقالت وهى تنظر ارضا: ممكن نتكلم شويه بعد ما تفطر!امسك يدها متحركا باتجاه غرفه المكتب هاتفا بجديه: لا ممكن قبل ما افطر..نظرت سلمى لجنه واشارت لها لتلحق بهم فتحركت جنه خلفهم وهى مدركه ان ما سيحدث الان لن يكون خيرا ابدا..دلف للغرفه ناظرا اليها وهو يعقد ساعديه امام صدره حتى برزت عروق رقبته قائلا بنبره قويه ارعبتها كما تكون دائما عندما تخطئ: سامعك!اتجهت جنه اليه قائله وهو ترى نظرات الرعب على وجه سلمى وللحق كانت على وجهها ايضا فعاصم غير مضمون في غضبه: ممكن تقعد الاول، بلاش كده!زفر بقوه جاذبا مقعد من خلفه ليضعه بقوه مكان وقوفه ليجلس واضعا قدما فوق الاخرى ويديه الاثنتين على جانبى المقعد مرددا مره اخرى بنبره اكثر قوه: سامعك يا سلمى!وضعت جنه يدها على كتف سلمى واومأت لها برأسها ان تتحدث فأغلقت سلمى عينها لتهرب من حصار عينيه التى ضجت بغضبه رغما عنه، وبدأت تسرد له من بدايه اصرارها على تحاليل الحمل، حتى حديثه معها يوم جاءها هنا وتوضيح موقفه..لم تقوى على فتح عينها عندما انتهت ولكنها انتفضت وكذلك جنه عندما نهض بغضب اعمى حتى سقط المقعد ارضا وهو يصرخ بعنف: عملتِ ايه؟ انتِ اتجننتِ؟!حاولت جنه الاقتراب منه ولكن رمقها بنظره جمدت اطرافها مكانها ولم تتقدم خطوه لانها ان فعلت بحق الان ربما يفعل او يقول شيئا يندم كلاهما عليه..اقترب من سلمى ممسكا ذراعها بقوه حتى صرخت ألما وبدأت دموعها بالانهمار وهى تحاول التحدث قائله: افهمنى يا ع..جذب ذراعها بقوه اكبر وهو يصيح بها بنبره هادره زلزلت جسدها كله: افهم ايه يا متربيه يا محترمه؟! افهم انك عصيتِ كلمه جوزك لمجرد احساسك انك بيتحكم في طبيعه شغلك، و لا انك خرجت من وراه و استغفلتيه بدون اى اعتبار لا له و لا للاتفاق بينكم، و لا انك كدبتِ عليه و عملتِ اللى في دماغك، و لا انك تقفى مع عمال لوحدك و قال ايه معايا ستات تانيه! افهم ايه انطقى!صاحبت صرخته بكلمته الاخيره دفعه لجسدها بقوه ادت لانتفاضها بعنف وشهقاتها تتعالى، ولكنه لم يأبه بل كاد يغرز اصابعه في لحم ذراعها غضبا وهو يعيد اهدراه بأخر اعلى واقوى واشد ألما عليها: افهم انك مغفله و خربتِ بيتك بايدك، و لا انك ماشيه بدماغك و محتاجه حد يظبطك، ولا انك محتاجه حد يعلمك الاصول من اول و جديد!دفعها بعنف لتسقط على مقعد قريبا منها و هى تكاد تختنق من كثره بكائها، اعطاها ظهره قليلا فحاولت جنه الاقتراب منه او منها و لكنه استدار بحده جنونيه و هو يصرخ بانفعال: انتِ مضايقه انه شك في اخلاقك بس، انا لو مكانه كنت قتلتك، عارفه ليه يا سلمى هانم!انخفض عليها ليهتف بحده و غضب لتلفح انفاسه الحارقه وجهها فيزداد قلبها رعبا: لانك قبل ما تخالفينى خالفتِ مبادئك و احترامك لنفسك، قبل ما تقللى من مكانتى عندك قللتِ من مكانتك في نظر نفسك و نظرى، لانك غبيه و مفكيش عقل يفكر.و هنا لامس وتر لا تسمح سلمى لاحد بلمسه ليستولى عليها تمردها لتلمع عينها ببريق جرأه لم تكن تدركها - و ها هو خطاها الاول - و هى تنهض واقفه امامه لتصرخ - و ها هو الخطأ الثانى - رغم تساقط دموعها بانهمار: لا يا عاصم انا احترامى لنفسى مقلش، هو اصلا بأى حق يتحكم في شغلى، بأى حق يقول اعملى و متعمليش..؟!، انا حره و عشت طول عمرى حره و مش هقبل بيه او بغيره يقيدنى على مزاجه او يمنعنى من حاجه بحبها..صرخت بتوجع و هى تسقط جالسه على المقعد مره اخرى عندما هوت صفعته القاسيه على وجنتها لتشهق جنه بصدمه و هو يصرخ غير منتبه لما قام به و بدون تفكير ان كان صحيح ام خطأ: و كمان صوتك بيعلى و بتعاندى، و بتسألى بأى حق.!!ثم امسك ذراعها و جسدها كله ينتفض بين يديه و لكن كالعاده اعماه غضبه وهو يهدر بها: جوزك يا هانم فاهمه يعنى ايه؟، و مش هتقبلى بأن حد يقيدك او يمنعك!و ضغط ذراعها بقوه اكبر و هى تصرخ متألمه و هو يصيح بالمقابل غير آبه ببكائها: انا همنعك يا سلمى، و ابقى حاولى تكسرى كلمتى كده..!انتفضت بقوه فتركها و يا ليتها صمتت و لكنها لم تفعل و هتفت بحده و هى تدرك جيدا انها تُخطئ: اكيد هتبرر له، ما انت راجل زيه..!و قطعت كلماتها و هو يتقدم باتجاهها و لكن توقفت جنه امامه فأبعدها عنه بحده ليُمسك سلمى من ذراعها بقوه رافعا اياها امامه و كادت يده تطبع الصفعه الاخرى على وجنتها و لكن يده تعلقت بالهواء عندما شهقت جنه باكيه: سلمى حامل يا عاصم، حراام عليك!و كأن بعض عقله عاد اليه عندما تذكر حملها ليتركها لتجلس على المقعد و هى تبكى بعنف و جسدها ينتفض فاتجهت اليها جنه لتضم اياها لصدرها..فشدد عاصم قبضته بقوه لا يعرف ان كان نادما او لا، و لكن غلب غضبه عليه ليعاود صراخه فيها و هو يتلوى وجعا لاجل ما فعله بها: انتِ فاكره ان كل حاجه بالتمرد و العناد، فاكره ان اهتمام جوزك بيكِ و خوفه عليكِ تقييد! فاكره ان حبه ليكِ و اهتمامه بيكِ منع حريه!.امسك يد جنه ليجذبها بعيدا عن سلمى ثم رفع رأس سلمى اليه بقوه ليردف و نبرته مسيطره حملت الان شيئا من القلق عليها متذكرا ما صار مع مها رغم وجود آخرين معها: تقدرى تقوليلى لو حد من العمال كان اتعرضلك هناك كنتِ هتتصرفى ازاى..!، تقدرى تقوليلى امجد لو مكنش اتجنب غضبه و بعد عنك في الوقت ده كان ممكن يعمل فيكِ ايه؟ تقدرى تقوليلى لو اطلقتِ و بعدتِ عن بيتك و جوزك و هدمتِ حياتك بايدك، هيفيدك شغلك بايه!ثم همس باستياء واضح و نبره مريره تغلف صوته: تقدرى تقوليلى لو جوزك عصبى زيى وأذاكِ وقتها كنت انا هعمل فيه ايه؟!ثم نهض ليهتف بعنف قاسٍ: امجد معترضش للحظه على شغلك على ما فهمت منك بس منعك من امر هيضرك يعنى خوف عليكِ و في المقابل طلب منك انك متأثريش في حق بيتك، تقومى انتِ تهدميه؟!و مع صمتها صرخ هو بها: انطقى و لا الكلام اختفى، انطقى يا سلمى و قوليلى و انتِ مقتنعه تماما، انا مغلطش يا عاصم، و كلامك كله غلط، اتكلمى!صرخ بها بأقوى ما يملك من صوت لتنتفض كلتاهما فيما همست سلمى بخفوت مستجديه عاطفه اخيها التى تحتاجها الان ليحتويها بحضنه: امجد كسرنى و اتهمنى بالخيانه يا عاصم..شهقت بقوه بينما ارتجف جسد عاصم بغضب حارق و هى تردف باختناق واضح و ضعف لم يعهده بسلمى ابدا: لو كان سألنى او عاتبنى حتى كنت هقوله، انا معترفه انى غلطت بس هو وجعنى يا عاصم وجعنى قوى..ثم اخفت وجهها بين كفيها لتبكى و جسدها يرتجف بشده فاقتربت جنه منها لتضمها مجددا ناظره لعاصم بأسى بينما هو مع تيارت الغضب التى تملأ كامل كيانه الان خرج من الغرفه كالثور الهائج لتستمع كلتاهما لصوت سيارته التى تحركت بعنف محدثه صوت عالى خلفها..فرفعت سلمى رأسها من حضن جنه لتهتف بقلق وسط دموعها: هيروح لامجد، انا خايفه عليه يا جنه، خايفه على امجد.ثم اخذت تبكى بقوه فضمتها جنه و هى لا تدرى اتضحك على خوف سلمى الذى من المفترض الا تشعر به الان! ام تبكى على حالها وعلى ما سيفعله عاصم بزوجها وعلى ما ستؤول اليه الامور!توقف بسيارته امام باب المشفى التى يعمل بها امجد ليهبط مسرعا ناسيا حتى اغلاق سيارته ليركض لاعلى ثم فتح باب غرفته ليجده بمفرده حمدا لله فهتف محاولا تمالك نفسه في مثل هذا المكان العام: لو مش عاوز الخلق اللى هنا يتفرجوا علينا قوم معايا نخرج حاااالا!وهنا زفر امجد بقوه مدركا ان عاصم عرف كل شئ ولن يتحمل ما قاله امجد لشقيقته فنهض نازعا رداءه الابيض مبلغا الممرض برحيله لبعض الوقت وتحرك مع عاصم للخارج، حتى صعدا للسياره وانطلق عاصم دون كلمه باتجاه منزلهم..ترجل عاصم لداخل المنزل وامجد معه حتى دلف لغرفه المكتب التى خرجت سلمى منها قبل وصولهم للاعلى بعدما قلقت مها من الصراخ التى استيقظت عليه وحمدلله ان والديه خرجا باكرا..استدار عاصم لامجد هاتفا بحده وغضب: سلمى اختى يا دكتور، بنت عز الحصرى، اللى شككت في اخلاقها دى تبقى سلمى عز الحصرى!و حمدا لله على هدوء امجد المعتاد و الذى ساعده الان قائلا ببطء: مش العيله و لا النسب اللى بيحدد الاخلاق يا سياده النقيب، سلمى غلطت و غلطها خلانى اغلط..هم عاصم بالصراخ مجددا و لكن اردف امجد مقاطعا اياه و هو يهتف و لكن لم يعلو صوته: قبل ما تحكم فكر شويه بس، انت لو مكانى كنت هتفكر في نسب مراتك قبل ما تتصرف، كنت هتفكر اصلا في عز غضبك الموضوع ايه هو، وجه ازاى و مين الغلطان؟ كنت هتفكر لما تلاقى مراتك ماشيه قدامك و بتكدب عليك؟ مش العيله اللى هتحدد تفكير او تصرف في لحظه عصبيه يا سياده النقيب...ارتفع صوت عاصم ينادى بأقصى ما يملك من صوت على سلمى، و بعد لحظات كانت واقفه امامه و اثار البكاء ظاهره بوضوح على وجهها و لكن ما افقد امجد توازنه و هدوءه اثار صفعه عاصم و التى تركت وجنتها حمراء بشده و كدمه زرقاء على جانب شفتيها ليلتفت بحده غريبه على طبعه الهادئ لعاصم صارخا بترقب: مين اللى عمل كده!و قبل ان ينطق عاصم هتف امجد بحده اكبر: سلمى اختك، يبقى تنصحها، توجهها، تسمعها، لكن تضربها، دا اللى مش هسمحلك بيه ابدا..!اشتعلت عين عاصم بنيران حقيقيه و هو يفقد اخر ما يملك من عقل ليس من حديث امجد و الذى رغب اصلا بسماعه و لكن من صوته العالى بينما سلمى حدقت بأمجد بصدمه تبعها تحديقها بعاصم بخوف حقيقى من مواجهه بينهم الان و لكن عاصم قبض يديه بقوه قائلا بعنف: دى اختى قبل ما تبقى مراتك و انا مش مستنى حد يقولى ايه الصح و ايه الغلط في تصرفاتى معاها..جذبها امجد خلف ظهره و هو يواجه عاصم رافعا سبابته في وجهه هادرا بقوه موقفه: من ساعه ما بقت سلمى على ذمتى محدش ليه كلمه عليها غيرى، دورك يتلخص في سند لو انا فكرت ءأذيها لكن انك انت اللى تأذيها لا ليك حق دلوقت و لا كان ليك قبل كده، و اذا كنت انت تقبل ان مراتك حد يمد ايده عليها حتى لو اخوها انا مش هقبلها...تجمدت اطراف سلمى خوفا و جسد عاصم كله يرتج غضبا رغما عنه كان مدركا لموقف امجد و ان لم يفعله لم يكن ليطمئن على سلمى معه و لكنه لم يكن يدرك ان كظم غضبه صعبا لهذا الحد فالموضوع امتد للحديث عن جنه فهتف بعصبيه مفرطه: امجد الزم حدودك.جذبت سلمى يده فالانحناء الذى تأخذها علاقه زوجها باخيها لن تُرضى احدا ابدا و اولهم هى..شعر امجد بحركتها فتمالك اعصابه قليلا قائلا بهدوء مجددا: عاصم لو سمحت اللى بينى و بين مراتى انا هقدر احله، من فضلك بلاش ضغط و ياريت تفضل بره الموضوع..ضرب على مكتبه صارخا بعصبيه مفرطه و قد وصل اخيرا لما اراده بكل ما فعله: لما انت اللى هتحله مراتك هنا بتعمل ايه يا دكتور..!؟نظر اليه امجد بتفحص قليلا ثم نظر لسلمى قائلا بجديه مفرطه: جهزى نفسك و هدومك يلا علشان هنمشى.نظرت سلمى لنظرته الغاضبه و التى اخبرتها انها ان ماطلت بكلمه اخرى ستكون النهايه وخيمه لها، لعاصم و لامجد و هذا ما لا ترغب به..فأومأت برأسها موافقه لتتحرك خارج الغرفه و لكن وصلها صوت عاصم الذى لمع بريق غضبه بحنان اخ حاول تحسين علاقه اخته بزوجها و لكن بطريقه قد يفهمها كلاهما: اختى امانه في رقبتك، مهما عملت حذارى تجرحها يا امجد، سلمى متمرده و عناديه بس مش قويه، مش قويه تتحمل صدمه او جرح من حد بتحبه و اول من هتأذى هتأذى نفسها، و حسك عينك تفكر تزعلها تانى، لان وقتها انا فعلا اللى هقفلك و وقتها مش هيحصلك طيب...تساقطت دموعها و عضت شفتيها ندما على ما آلت اليه الامور بسبب عنادها و تمردها على امر لم يكن بأمر و عادت ركضا للداخل لتلقى بنفسها بين ذراعيه تبكى بقوه فزفر بحزن شمل روحه و هو يضمها مقتربا من اذنها هامسا بصوت وصلها فقط لتكون اول مره بتاريخ حياتهم معا يعتذر: انا اسف بس انتِ اجبرتينى و انتِ عارفه اخوكِ في غضبه مبيفكرش، فرقى بين التحكم و الخوف، بين التقييد و الاهتمام، و اوعى تخسرى راجل بيحبك من قلبه بجد...شددت يدها حوله و اومأت موافقه فرفع رأسه مستعيدا نفسه ليبعدها عنه طابعا قبله على جبينها ثم دفعها بهدوء للخارج لتستعد لتعود مع زوجها رغم انها مازالت على غضبها منه ليترك هو امجد متجها للخارج ايضا و لكن هو اتجه لخارج المنزل ف لاول مره يشعر بمعنى دوره كأخ، ربما تسرع قليلا و لكنه فهم الان ان احتماء احد به ليس بأمر سهل، بل هو صعب جدا، و ربما من اصعب الامور على نفسه هو كظم غضبه و الذى استهلك كل طاقته اليوم ليفعل..!في الغربه عن الاهل، الوطن و الصحاب،نصمد لحظه و نتنكس لحظات،نعيش مره و نموت آلاف المرات،نسعد حينا و نحزن بقيه الاحيان،ففى الغربه وجعا لا يدركه الا من عاشه و ان كان هناك ما قد يغير نظرتك للحياه فالغربه اولهم، يليه المرض ثم فقدان غالى.مازن عاوزه اتكلم معاك في موضوع ضرورى!قالتها حياه بارتباك غريب على طبيعتها الجديده اثناء جلوسه مع العائله في الحديقه الخارجيه يتبادلون اطراف الحديث متجنبا تماما النظر لحنين و رغم ذلك عينه دائما ما كانت تخونه لتتابع ابتسامتها الهادئه على نقاش والدته و والده المفعم بمرح يشاركه هو رغم كل ما يحمله من تشتت داخلى...رفع نظره لحياه متعجبا ارتباكها ثم نهض مقتربا منها بتفحص متمتما بحنان: واضح ان في حاجه قلقاكِ..!اومأت برأسها و هى عاجزه عن توقع رد فعله عندما يعلم عما تريده و لكنه امسك بيدها مستأذنا من الجميع و دلف معها للداخل بينما حنين تكاد تشتعل لا تدرى ضيقا ام غضبا ام، غيره!و لكنها لسبب ما و هى لم تحاول ان تصل لهذا السبب بل نهضت مسرعه هى الاخرى متمتمه بكلمات مقتضبه لتندفع لغرفتها مغلقه الباب خلفها بعنف..دلف مازن لغرفه الاستقبال و اجلسها و جلس امامها ناظرا اليه بترقب عاقدا ساعديه امام صدره منتظرا سردها لما يشغل تفكيرها و يقلقها و عندما طال صمتها حثها هو قائلا بهدوء: خير يا حياه ايه اللى حصل؟!اعطته عده اوراق بيدها لم ينتبه لها سابقا ليأخذها باستغراب متفحصا اياها و هى امامه صامته منتظره رد فعله و الذى اتاها سريعا عندما عقد حاجبيه بضيق فور قراءته لما تشمله الورقه بيده - منحه عمل يتوجب عليها فيها السفر لخارج البلد - ثم رفع عينه اليها هاتفا بتساؤل مستنكر و قد حمل صوته بعد الحده: سفر ايه؟ انتِ متخيله انى ممكن اوافق على الكلام ده!ازدردت ريقها بصعوبه محاوله اخراج صوتها فا هى الفرصه التى طالما انتظرتها و لن تتنازل عنها بسهوله و رغم اهتزاز نبرتها خرجت كلماتها بثقه و اصرار: انا نفسى اسافر يا مازن، و كون انى افوز بالمنحه دى، دا يدل على انى مميزه و ناجحه جدا في شغلى، الفرصه ذهبيه و مش عاوزاها تضيع منى..اغلق الاوراق و وضعها جانبا ليقترب منها ممسكا بيدها محاولا اقناعها فتلك الصغيره منذ ان استردت حياتها لم تعد تقبل بأى أمر دون اقتناع و هو لا يجبرها على شيئا دون تبرير و لكن هذا الامر خاصه لن ينتظر اقتناعها لرفضه و لكنه حتما سيحاول فحاول جعل نبرته اكثر ليناً: في نقط كتير غايبه عنك في الموضوع ده، اولا انتِ لسه جديده في الشغل و الشغف مش وحش بس بالشكل ده انتِ ممكن تخسرى كل حاجه، ثانيا هتقعدى فين و مع مين و ازاى هبقى مطمن عليكِ في بلد اجنبى لوحدك، ثالثا و الاهم ازاى يبقى جوزك هنا و انتِ بره لوحدك، و رابعا بقى انتِ متعرفيش يعنى ايه غربه؟، و علشان كده مينفعش توافقى على المنحه دى، انتِ عارفه انى و لا مره حاولت اقتل طموحك، و لا مره قولتلك لا على شغلك تحت اى ظرف لانى مدرك كويس قوى لحلمك و لاهتمامك بيه، لكن لحد هنا و انا مش هوافق يا حياه..و انهى حديثه بصرامه مانحا اياها قراره: المنحه دى مرفوضه.اعتدلت حياه بإستماته بتلك النظره المصره التى اشتعلت بعينها و هى تقول بثقه غير منتبهه لصحه او خطأ حوارها: اولا انا شغفى و اهتمامى بالشغل هو اللى وصلنى لانى ابقى جديره بالمنحه دى خصوصا ان فرع الشركه بره لسه جديد يعنى لازم الموظفين يكونوا مدربين كويس جدا علشان اسم الشركه، ثانيا هقعد في فندق مخصص لموظفين الشركه بس، و هقعد مع 3 بنات كمان و انا هطمنك عليا يوميا ممكن فون او مكالمه فيديو، اما ثالثا و الاهم انت عارف كويس يا مازن العلاقه اللى بينا و اللى انا مش هسمح ابدا انها تأثر على مستقبلى..ثم ضغطت كفه الممسكه بيدها و هى ترى ملامح الضيق و الاعتراض على وجهه و عادت تحاول بترجى: ارجوك يا مازن بلاش ترفض انا بجد متحمسه جدا للمنحه دى و عارفه انى هقدر انجح و انا من ايام الكليه و انا بتمنى اسافر و احقق نفسى في بلد تانيه، انت نفسك كملت تعليمك بره ليه دلوقت بتمنعنى!رفع يده الاخرى ليحاوط كفها الممسك بكفه ليهتف بجديه قلقه و صوته يخرج حادا رغما عنه رغم غصه الالم التى لمعت بصوته: و علشان انا سافرت و عارف يعنى ايه تكون في غربه بمنعك، بمنعك عن كل ساعه تعبت فيها و اتمنيت حضن امى و ملقتوش، عن كل يوم حسيت ان الناس هناك بتيجى عليا و اتمنيت اجرى و اتحامى في ابويا ملقتوش، عن كل يوم كنت فرحان و نفسى اشارك حد فرحتى ملقتش اهلى حواليا، عن كل يوم ضاع من عمرى هناك و رغم ان كنت بنجح فيه عمليا بس كنت بخسر فيه ساعات و ذكريات كتير انا في عز احتياجها دلوقت...اختنق صوته بغصته رغما عنه ليذبحه شبح الذكريات و كل ما مر من عمره ليخرج صوته مهتزا محملا بثقل حمل قلبه: بندم على السنين اللى مكنتش مع فارس فيها، بندم انى مقضتش معاه عمرى كله لكن دلوقت مينفعش ندم لان القدر خطفه منى..ازدرد ريقه بصعوبه و هو يردف و عينه تلمع بدموع حسرته: كنت بعيد وقت ما كانت امى بتضحك و دلوقتى مش شايف في عنيها غير الوجع، كنت بعيد لما كان ابويا بقوته و دلوقتى مش شايف غير ضعفه، كنت بعيد و اخويا عايش و دلوقتى خسرته، كنت بعيد في الفرحه اللى دلوقتى بتمنى لو كنت فشلت في دراستى بس اعيشها معاهم، بندم على كل لحظه كان نفسى فيها احضن فارس بس اجلتها و قولت بكره، وجه بكره بس و هو مش موجود يا حياه، عاوزه تخسرى كل ده..!، عاوزه تحسى الوجع ده!، عاوزه تندمى!نظرت لعينيه التى حملت ما فاق تحملها و تحمله من وجع، فتساقطت دموعها بتأثر و هو يوضح خباياه لاول مره امامها و هى مدركه انه يفعل فقط ليحميها مما عاشه هو..رفع رأسه لاعلى ليأخذ نفسا عميقا و اغلق عينه للحظات مانعا عنها فيض مشاعره التى جرفته بكل قوته بعيدا ليتصدع قناع قوته و يبدو قشره هشه لم تعد تتحمل الصدمات و لكن منذ متى و مازن يستسلم امام احد لحزنه، و لم تدرك هذا لاغلاقه لعينه الذى منع عنها كل دواخله..فتح عينه و عادت لها نظراتها الحانيه ليقرب رأسها منه مقبلا جبينها فهمست بخفوت شديد و دموعها تنساب و لا قدره لها على اكمال جدال الان و ربما ادركت انه لا قدره له: طب ممكن تفكر مره كمان...؟هى ليست هو!ليست الابنه المدلله سابقا لابوين لا يهمهما سوى سعادتها، حتى تفتقد هذا، ليست الزوجه المحبوبه التى يعاملها زوجها بحب و عطف كما لو كانت جوهره ثمنيه حتى تهرب من العالم كله اليه، و لا يجوز ان تكون اخت له فهناك زوجه - رغم انكارها - تحترق غيره عليه، ليست الفتاه المحظوظه و التى سيحزن الجميع على فراقها،.حياتها لها و لابد ان تعيشها فلا احد سيدرك مدى شعورها بالتهميش، لا احد سيعرف الاجابه ان تسائلت عن اصل وجودها في هذا المنزل،هل هى ابنه؟ اذا هل زوجه! اخت! ام مجرد حاله نكره؟! ام كل هذا؟!تعبت هى من عدم استقرارها و الان لن تتنازل عن هذا حتى و لكنها لن تستطيع ايلامه، و لن تكسر له كلمه ان رفض، فربما حتى تنتظر رفضه هذا..ربما تحاول الشعور باحساس ان يتمسك بها احد، ان يخاف عليها احدهم من الحزن، ان يحتضنها ليقول لها لا تبكى فانا لا اتحمل رؤيه دموعك، و من افضل من مازن يفعل؟و كانت نظرتها كفيله بجعله يضمها لصدره لتنهمر دموعها على قميصه مدركا انها كانت بحاجه لذلك، تلك الصغيره مهما كبرت تظل صغيره تبحث عن الامان و الاحتواء التى تقصى نفسا قصيا عنهم، و لكن حواره معها الان عقيما فهى بحماسها لن تستمع و لن تفكر باتزان لتدرك ان الوضع التى ترغب به لا يجوز...ربما لديها امرا بسيطا و لكن بالنسبه اليه لا فتمتم بانهاء للحوار: هنفكر في الموضوع ده بعدين، نعدى فرح اكرم و مها على خير الاول و بعدين اقولك قرارى.تحمست قليلا فاتسعت ابتسامتها و هى تبتعد عن ذراعيه لتتعلق عينها بعينه بلهفه ليردف هو باقرار صريح اخبرها ان هذا الوقت - الذى يزعم انه سيفكر به - ما هو الا ذريعه ليجعلها هى تقتنع برفضه و لكنه لم يبخل عليها بمجرد التوضيح: و اللى هيبقى رفض.رفعت يدها محاوله التحدث و لكنه منحها نظره مانعه لحديثها قائلا بحزم: هنتكلم في الموضوع بعد الفرح و انتهى الكلام حاليا، و زى ما انا هفكر انتِ كمان هتفكرى و يستحسن ترفضى.زمت شفتيها بضيق و هى تُجفف دموعها ليستعيد هو بعضا من قناع مرحه المزيف فابتسم مغمغما بغمزه: نفسى بقى في فنجان قهوه من ايدك يظبط دماغى، , ثم اضاف بمكر مستغلا عقده حاجبيها ضيقا: علشان اعرف افكر،.فضيقت عينها بغيظ لتنهض من امامه منطلقه للخارج و هى تعلم انه يعلم انها لن تعد له كوب القهوه فهذه عادتها دائما عندما تغتاظ منه و هو لا يلومها او يعاتبها و للعجب يحب تدللها هذا و الذى يزرع داخله شعوره بها كأخت صغيره تتدلل على اخيها لا كزوجه مطيعه تعصى كلام زوجها...ابتسم بسخريه ثم اخذ نفسا عميقا مستندا برأسه على مسند الاريكه تاركا لنفسه فرصه التفكير بحالها قليلا..حياه تطلب الابتعاد، هو لا يحبها هو متأكد تماما و لكن كأخت له كيف يتركها..!؟كيف يتحمل غيابها و يستغنى عن دلالها الذى منحه افضل شعور تمناه يوما، شعور الاخ القلق بشان اخته الصغيره، و ايضا كيف يطمئن عليها من ضربات الحياه، فهنا هو معها و بجوارها و خلفها دائما و لكن هناك كيف ستتحمل؟اجل هى استردت نفسها و لكنها مازالت هشه طيبه القلب لن تستطيع التعايش مع مكر الحياه هناك، شاءت ام أبت هى زوجته و مادامت مسئوله منه لن يسمح لنفسه بمجرد فكره القلق عليها حتى و ان كان رغما عنها!كيف يضحك و من يشاكس و مع من ينسى وجعه سواها...زفر بقوه و تلك البريئه المستبده تقتحم عقله بقوه فشعر بنبضات قلبه تتقافز رغما عنه و قبل ان يسمح لنفسه بالتفكير نهض خارجا من الغرفه متجها اليها، طرق الباب مرتين قبل ان تفتحه ناظره اليه و عينها تحمل غضبا سرعان ما تحول لخجل عندما طالعها بحاجب مرفوع قائلا بمكر: هو احنا متخانقين ولا ايه؟! ليه الغضب ده؟!بللت شفتيها بتوتر و تمتمت و هى تهرب بعينيها منه: لا ابدا انا بس...قاطعها بمرح و هو يتحدث بضحكه مانعا كم المشاعر التى اجتاحته فور رؤيتها بتلك الهيئه بعبائتها الطويله التى لا تتخلى عنها و لكنها اخيرا تخلت عن حجابها و لكنها دائما ما تلملم خصلاتها جيدا و لكنها الان تركتها مبعثره لتمنحها منظرا فوضاويا ادى بقلبه ارضا: حيث كده بقى، عاوز اتكلم معاكِ في كلمتين!نظرت حولها بارتباك ثم اشارت له بالدخول، دلف الغرفه معها لينظر في ارجائها بابتسامه ساخره متذكرا ذكرياته في تلك الغرفه التى حملت اغراضه و اسراره سابقا لتحمل رائحتها و حياتها الان ثم تنهد و جلس على الفراش فاحضرت هى مقعد لتجلس امامه على بعد مناسب منه..فاتخذ وجهه وضعيه جاده و هو يقول باقرار: عاوزك تعملى حسابك هتخرجى معايا بكره الصبح علشان تروحى تقدمى في شركه الادويه، اتفقنا..!لمعت عينها ببريق خاطف و رغم انه اختفى سريعا وسط عبارتها و لكن اثره على قلبه لم يختفى: بكره بكره بجد!ثم همست بقلق و هى تشير لكتفه الذى لم يطيب تماما بعد: بس انت محتاج ترتاح، ليه قطعت الاجازه بسرعه كده؟!حرك رأسه بلا مبالاه و هو يقول بنبره محايده: زهقت من البيت و واحد زيى ميتحملش يقعد فاضى كتير..ثم اضاف بمرح ساخر متذكرا اهتمامها به طوال الايام السابقه: و بعدين انتِ كنتِ عامله ليا حظر تجوال و مانعانى من الشغل تماما و انا صعب اتحمل الفراغ ده كتير..اتسمت بخجل و هى تنظر ارضا ليطالعها قليلا مقاوما رغبته المشتعله بها ليقول بجديه: انا وعدتك اول يوم ارجع الشركه هتيجى معايا و رغم انها متأخره بس المهم انتِ ترتاحى هناك.و لاول مره تضحك عينها مع شفتاها و هى تردف بفرحه عرفت الطريق لقلبها اخيرا حتى و ان كانت لحظيه: و لا يهمك انا مبسوطه جدا انك افتكرت..ثم نظرت اليه بامتنان و لا يدرى لم لاحظ نظره يتمنى ان تكون حقيقيه، نظره حملت من الحب اكثر مما حملت من الشكر و غمغمت بابتسامه حقيقيه: شكرا بجد يا مازن انا مش عارفه هقدر اوفى كل اللى عملته و بتعمله علشانى ازاى؟صمت اطبق على كلاهما و هو يتطلع اليها و قلبه يتوسلها لتفهم نبضاته..لن تقدرى يا حنين القلب، لن تقدرى.فان كان لى عندك دَينٌ فقيمته انتِ،قلبك مدين لقلبى بنبضاته التى بعثرتيها دون اكتراث،انفاسك مدينه لانفاسى بشهقات ألم تعجز عن الخروج من سجن صدرى لتصل اليكِ علك تطيبها،جسدك يُدين لصدرى بألف حضن و حضن لعل عطرك يمنحنى السكينه،انوثتك تدين لرجولتى بألف اعتذار فانتِ الفتنه و سيده الاغراء،.و شفتاك تدين لشفتاى بملايين القبلات التى لن تروى عطشى بل تحيله جفافا لن يرويه سوى قربك، قلبك و انتِ!فانتِ خاصه لا تتحدثى عن الوفاء فالدَينُ كبيرا و رغم انك المطلب انتِ ابعد من السماء...افاق من تفكيره على حركه يدها يمينا و يسارا امام عينيه فارتجفت جفونه ليردف بعدها بصوت حمل من مرارته الكثير: لو عاوزه توفى حقى فعلا، افرحى، مش محتاج منك غير انك تفرحى.ابتسمت ابتسامه حقيقيه فنهض من مجلسه رابتا على كتفها بحزن غلفه بابتسامه هادئه و لم يكبح جماح رغبته فاحتضن وجنتيها ليشعر بارتجافه جسدها و حرارته و وجنتها تتلون بخجل واضح و ربما غضبا ثم اقترب طابعا قبله طويله عميقه على جبينها ارتج لها جسدها بعنف و شعرت بها تنساب بهدوء لاعماق قلبها لتشعر برغبه غريبه في قربه..قبله لم تفهمها او ربما خافت، يرفض عقلها ابتعاده و يتمناه قلبها!عاده ما يختار القلب فينهره العقل لتدخل النفس في صراع ينتهى دائما بهزيمه العقل امام مشاعر قلب فياضه، و لكنها حاله خاصه فقلبها هو من ينهر عقلها على قراره، يهرب من مشاعره ليجعلها شئ مُجرد مشوه لا قيمه له رغم نداءات العقل المستميته...فهى انثى يقف قلبها بمواجهه عقلها يردعه، ليصرخ ضميرها مؤيدا القلب و كأن جسدها اتفق عليها، يعادى بعضه بعضا، و تحارب هى نصف منها هى اصلا له و لكنها لا تعلم..لم تشعر بشئ حتى خروجه فما اجتاحها من احساس الان غلف كل حواسها، جلست بهدوء على الفراش محل جلوسه و اغلقت عينها و رائحته رغما عنها تغتال انفاسها لتستقر بصدرها..فعل مازن الكثير لاجلها بل فعل ما لم يفعله احد،ذكرياتها معه مشبعه بشهامته، لذه ابتسامته و مرحه الذى يجعلها تعرف معنى الضحك من جديد...و ذكريات اخرى مشبعه بغضبه، سطوه صراخه و عرقه الاسود الذى يجعلها تشعر لاول مره بحياتها بخوف من مجرد التفكير فيه..و اخرى مشبعه باحساس جميل، احساس يمنح لانفاسها انتعاشا و لقلبها حياه جديده، احساس ترغب به و تخاف منه، احساسا بقدر ما يحمل من الجمال بقدر ما يحمل من الخيانه..حركت رأسها يمينا و يسارا نافضه تلك الافكار عن رأسها لتنهض ممسكه بصوره فارس و لكنها لاول مره تشعر بخطأ ما، هى على ذمه رجل اخر فكيف لصوره عشقها القديم ان تشاركها..القديم!هل اصبح الان قديم؟!انهمرت دموعها بقوه و هى تشعر بتضارب مشاعرها يرهقها و يفقدها تماسكها المزعوم..فارس كان و مازال و سيظل رجلا لن ترى مثله و لن تفعل و لكن من قال ان قلبها بحاجه لمن مثله او حتى لمجرد مقارنه بينهم..فارس لن يتكرر..هى مازالت تعشقه سيظل عشقها القديم، عشق الان و عشق الغد، لن يخفق قلبها بغيره يوما و لن تدعه يفعل ان اراد...و بهذا اراحت عقلها، قلبها و ضميرها معا و لكن بئسا فهى نفسها لم ترتاح..بمجرد ان اغلق مازن باب غرفتها اتجه بخطوات متثاقله لغرفه فارس المغلقه منذ زمن حتى لا تدخلها تلك العنيده و لكنه يجلس بها كثيرا فهى تشعره ان اخاه معه، يسمعه و يمنحه هدوء نفسه..جلس على الفراش و الذى مهما دلف لهنا لا يقترب منه، لا يدرى لم و لكنه لا يستطيع الاقتراب و لكن الان لم يعد هناك شعور اسوء مما يشعر به..القى بجسده دفعه كامله عليه ملقيا رأسه على وسادته ليغلق عينيه و اه الم تفارق شفتيه و هو يتمسك بالوساده ضاما اياها لصدره بقوه..لم يدر كم مر من الوقت حتى استعاد وعيه و الذى بدا و كأنه فقده هنا، تحدث، تحدث كثيرا، افضى بكل ما يحمل بداخله، و لكنه للعجب لم يبكى، فاق ألمه قدره عينه على البكاء حتى...اختفى صوته تدريجيا فضرب بيده على الكومود خلفه فاهتز بعنف ادت لفتح درج الكومود فزفر بقوه و نهض ليخرج و لكن سقطت عينه على دفتر صغير طالما كان يرى اخيه يحمله في شنطته الخاصه جلس مجددا ليرفع الدفتر الصغير ليقرأ ما خطته يد اخيه على صفحته الاولىدائما ما تمنحنا الايام درسا جديدا كل يوم، درسا يظل داخل عقولنا مهما حاولنا تجاوزه.ابتسم و هنا امتلئت عينه بالدموع فأغلقها لحظات لتتساقط دموعه ببطء يليق بصبره القاسى، ثم فرّ الاوراق بسرعه ليفتح على احداها ليقرأ ما بهاسنندم على كل لحظه منحنا الوقت اياها و نحن بتفكير عقيم او ربما احساس مشتت منعنا انفسنا عنها، فلتعش الحياه كما ترغب انت و ليس كما ترغب الظروف.شهقه ألم اخرى غادرت شفتيه و لكنها كانت اكثر ألما و وجعا مع ازدياد دموعه بحزن و هو يتخيل فارس امامه ينصحه و يحدثه فما خطته يده تعبر عنه، ، و ما اسوء من رؤيه اشخاص غائبين قسرا بين احرف كلماتهم!مرر الاوراق بسرعه مره اخرى ليفتح على احداها ليقرأ ما بها.احيانا نعيش شعورا غاليا جميلا و لكنه انتهى، اذا اصبح ماضى، فالان لم يبقى سوى كذكرى كلما تذكرناها نضحك، و قد يكون الماضى حدثا، شخصا، شعورا، و ربما عده كلمات، و لكن في الوقت الحاضر دعنا لا نترك باب الماضى مفتوحا حتى لا يظل باب المستقبل مغلقا، دع الذكريات ذكريات و فلتعش غيرها و ربما تكون افضل بكثير مما مضى.لم يكن جنونا و لم يكن حلما فقط تعاظم شعوره بحروف كلمات اخيه فشعر بنفسه بين يديه، شعر بابتسامه رائقه ترتسم على وجهه حتى منحته جذابيه اكثر مما كان يحمل، هو كان متأكد ان اخيه من سينصحه و لكنه لم يكن مدرك انه حقا سيمنحه ما يحتاج، سيمنحه بعده كلمات حياه كامله..مرر الاوراق بلهفه مجددا منتظرا التالى ليجدها،.ما اجمل ان يظل الراحلون على قيد الحياه رغم ابتعادهم و لكن ما اسوء ان تكون حاضرا و لكنك تعيش كذكرى، فالغائب الحاضر افضل بكثير من الحاضر الغائبليكون اخر ما يقرأه و هو يدرك جيدا متى كتبها اخيه،.يقرر من نحبهم احيانا الرحيل و لكن ان تمسكنا بهم لن يرحلوا، و من اغلى عندى من اخى لاتمسك به، لاطلب منه فرصه اخرى لنفسه ليعيش سعيدا، ربما ضعف و ربما قنوت و لكنه بالنسبه لى حب و تعلق، تعلق بأخ غاب عنى كثيرا و لكنه بكل خطوه كان معى بمرحه، بعقله، بحنانه و نجاحه، و هذا يكفى لامنعه الرحيل، حتى و ان كان بحجه وهميه كحفل زفافى.اغلق الدفتر ضاما اياه لصدره ليصرخ بلهيب صدره و رغم خروج صوته مبحوحا و لكنه كان قويا و هو يتذكر شجار فارس معه حتى يؤجل سفره هروبا من سهم حب غادر حتى يكون جواره في زفافه: و احيانا بيكون الماضى هو مفتاح باب المستقبل، و انت كنت دائما حريص على مستقبلى، و حتى و انت بعيد مازلت مفتاح مستقبلى..ثم اردف بثقه و اصرار و دموعه عكس هذا تماما: هنجح، هنجح و هعيش مبسوط علشانك و علشانى، هنجح يا فارس صدقنى، هنجح.استدارت حنين له بحذر بعدما دلفت لمدخل الشركه لتهمس بقلق: انا قلقانه!نظر حوله بابتسامه، الجميع يتحرك بعمليه دون اى انتباه لهما من الاساس و لكنها تشعر كما لو ان نظر الجميع مسلط عليها فعاد ببصره اليها ليجدها تتفحص المكان حولها بنظرات مضطربه حتى فوجئ بها تقترب منه بعفويه فأخذ نفسا عميقا و اقترب منها اكثر ممسكا كفها بيده فنظرت اليه مسرعه ليبتسم بحنان وقور: متقلقيش انا معاكِ..اومأت برأسها لتجد احدهم يقترب منهما بابتسامه واسعه ليهتف بود واضح: مازن باشا بنفسه في شركتنا، لا دا اهلا جدا يا جدع.ثم رمقها بنظره لتتحول ابتسامته لاعجاب لم تنتبه له و هو يتمتم بنبره هادئه ماكره: منوره يا دكتوره..!؟رمقه مازن بنظره مشتعله ليهتف بحده و هو يصافحه بقوه جعلت الاخر يتأوه متعجبا: اهلا بيك يا سيف، دى الدكتوره حنين كنت كلمتك عن موضوع شغلها قبل كده.نظر اليها سيف مجددا ثم غمغم بترحيب لا يخلو من اعجاب بهيئتها البسيطه و لكنها مميزه خاصه مع نظرها الذى تعلق بالارض خجلا مع احمرار خفيف طغى على وجنتيها: اكيد الدكتوره تنور، اتفضلى معايا.ظل مازن واقفا لا يدرى أيظل بجوارها ام يغادر و لكنه حسمت الامر عندما حاول جذب كفه الممسك بكفها و لكنها ابت و تشبثت به لترفع عينها اليه بنظره راجيه تبعتها بهمسها الخافت الذى بالكاد يُسمع: متسبنيش لوحدى..حنين لا تعرف فن الاختلاط بالجميع، ليست اجتماعيه او انسيابيه في التحدث،لاحظ هو انها بالفعل تواجه مشكله كبيره في التحدث مع الغرباء بل بالكاد تتحدث!وجودها هنا لن يعلمها مهنه فقط و لكنه سيمنحها قدره على التواصل الاجتماعى و لكنها ما زالت في بدايه الطريق و البدايه دائما صعبه، و لابد ان تتقدمها بمفردها حتى لا تتعثر عندما يتركها فيما بعد!نظر اليها بصمت قليلا كأنه يحاول سبر اغوار علقها و لكنه لم يكن بحاجه لذلك فسرعه حركه صدرها لاعلى و اسفل، انفاسها المضطربه و المتلاحقه بشده جعلته يدفع بكل تفكيره عرض الحائط و يتنازل عن فكره الابتعاد عنها في اول خطواتها بل سيسيرها معها خطوه خطوه و لن يترك يدها ابدا، فتمتم بحنيته المعتاده و هو يضغط كفها بخفه: انا هنا متخافيش..ثم نظر لعينها التى تتطالعه برهبه التعامل من الامور لاول مره خصوصا مع امرأه هادئه انطوائيه كحنين، و ازدادت ابتسامته المطمئنه ليهمس بثقه منحتها قوه مؤقته: انا واثق فيكِ، بلاش قلق!بعد بعض الوقت كانت تخرج معه من الشركه على اتفاق ببدأ العمل غدا، خرج سيف خلفه ركضا ممسكا بيد مازن الاخرى فتوقف مازن بدهشه و معها رفعت حنين رأسها بخضه لينظر اليها سيف و هو يحاول التقاط انفاسه قائلا بابتسامه بلهاء: انا اسف، ثم نظر لمازن قائلا بتردد: عاوزك ثوانى يا مازن!التفت مازن الى حنين و قبل ان يتحدث تمتمت هى بخفوت شديد لدرجه ان سيف لم يسمعها: هستناك في العربيه، و تحركت باتجاه السياره بنيما التفت مازن لسيف ليجده يتابع ظهرها المنصرف عنهم فوقف مازن امامه و كل اوداجه تشتعل غضبا فحمحم سيف بارتباك ثم غمغم بصراحه جعلت مازن يكاد يقتله: مين دى يا مازن؟! مش قصدى اساءه و الله بس بجد واضح انها محترمه و هاديه قوى..هم مازن بالصراخ و لكنه قاطعه قائلا بسماجه غافلا عن الذى يتلوى غيره امامه: انا لاحظت ان مفيش في ايديها دبله، ف..و لم يستطع سيف النطق بكلمه اخرى حيث ان مازن عاجله بدفعه قاسيه بصدره تراجع على اثرها قليلا و هو يصرخ و ازداد احمرار اذنيه غضبا و عيناه تشتعل بجحيم لا يطاق: دى مراتى...!تجمد سيف و هو يخفض رأسه خجلا لم يكن يعرف ف يدها لا تحمل دبله زواج و هيئتها البسيطه اوحت له ببراءه فلم يعتقد انها متزوجه..بينا شهقت حنين بفزع داخل السياره و لكنها لم تستطع التحرك خطوه خارج السياره و هى ترى مازن يتقدم باتجاه السياره فتجمدت مكانها مع لمعان عينها بذعر حقيقى، تحرك بالسياره بسرعه عاليه بشكل جعلها تتمسك بالمقعد بخوف و هى حتى غير قادره على سؤاله عما حدث جعل الامور تصل لهذا الحد..لتنتفض مكانها عندما صرخ بغضبه الاسود و انفاسه تكاد تحرقه و تحرقها معه و هذا ما لم تجد مبررا له: مفيش شغل في الشركه دى..!حاولت التماسك و استدعاء هدوئها لتنطق و لكن شعورها بالخوف الذى لم تعتاده سوى معه جعلها عاجزه عن ذلك فإكتفت بالصمت فالتفت اليها ليهدر مجددا بنبره اكثر غضبا: ردى عليا، انا بقول مفيش شغل هنا، سامعانى!و رغما عنها أثارت كلماته العاليه و نبرته القويه اعصابها لتجد نفسها تهتف بحده لم تنتبه لها و لم تشعر كيف خرجت الكلمات منها اساسا: سمعت، سمعت بس ليه؟ مفيش ليه؟!صرخت بتوجع و رأسها يصطدم بتابلوه السياره بغته عندما توقف بالسياره على جانب الطريق ليصيح و كأنه فقد كل ما يملك من اعصابه دفعه واحده: لانى قولت مفيش شغل هناك، خلص الكلام، فاهمه؟!ثم صمت ما يقارب نصف ثانيه و فاجأها عندما اشاح بيده و عرقه الاسود يظهر كاملا عليها و صراخه يجعل قلبها ينتفض خوفا: لانك عجباه يا دكتوره، واقف قدامى يعاكسك و يقولى حلوه، واقف يتكلم عن مراتى، ، ثم صاااح بأقصى ما يملك من صوت: دا كان ناقص يطلبك منى...ارتجفت عينها و لكن ليس من كلماته و لا غضبه و لا حتى من اعجاب ذلك المعتوه بها و لكن لانها رأت بعصبيته الغير مبرره، شعور الغيره!رأت في ملامحه الغاضبه شيئا من الخوف، التردد و ربما خشيه الخساره!شعرت من نبرته الصارخه بصوت يخبرها انها ملكه، له و فقط!لان قلبها ادرك ان ما يجمعهم ليس بمجرد وعد بالاخوه فشعوره بها يختلف، يختلف كثيرا!و دون استئذان عاد لعقلها ذكرى شجار عاصم مع الشباب بالمول عندما تتطاول احدهم على جنه بالكلام، ادركت هى وقتها غيرته، ادركت نبته العشق الذى زرعتها جنه بقلبه و ها هى ترى ذلك في مازن بل اسوء من عاصم وقتها بمراحل ربما لانه يدرك ان علاقتهما مستحيله...ضرب المقود امامه عده مرات بقوه قبل ان يدفع جسده للخلف بعنف مصطدما بمقعده ليخرج منه تأوه مكتوم من ألم كتفه الذى لم يندمل بعد فاهتزرت شفتاها بعدم استيعاب لكل هذا فمتلئت عينها بالدموع و هى عاجزه عن تحديد شعورها في هذا الوقت تحديدا...حتى شعرت به يعتدل بجسده لها ناظرا لعينها باعتذار و تمتم بصوت شعرت به تائه بين ضبابات وجع لم تفهمه جيدا و لكن قلبها ادركه جيدا و خاصه مع نبرته الضعيفه: انا اسف مش قصدى ا...و قطع كلماته عاجزا عن اكمالها فماذا يقول و كيف يبرر الان!لن يستطيع الكذب ليخبرها ان حديث الاخر جرح كبرياؤه كرجل او اثار حفيظته فثار عليه،و لن يستطيع قول الحقيقه ليخبرها انه اشتعل غيره و حسره على حديث احدهم على حنين قلبه،.رغم براءتها و لكنه شعر ان نظر رجلا اخر اليها يدنسها..كيف يخبرها ان هذا الحديث اوقد روحه نارا ألمته بقوه، مجرد تحدث اخر عنها جعله يفقد اخر ابراج عقله المتزنه...كيف يخبرها انه للحظه تخيل...!مجرد تخيل انها من الممكن ان تتزوج غيره، احد اخر يستمتع بضحكتها، تعد اناملها الطعام لغيره، تتشعث خصلاتها على كتف اخر، يتلذذ احد بضمها و تتساقط دموعها على صدره.نيران تنهش قلبه بوجع مضنى، و لم يعد هناك قدره احتمال باقيه له!فكل ما به يصرخ بحاجته اليها، اجل هو يحتاجها!كل ما به متعطش لها، ف متى سيسمح قدرهم بارتوائه!متى سيُمحى المائه حاجز الذى وضعتها الظروف، قلبها و قلبه بينهما!هى عذابه و لكنها سكينته، هى مرضه و لكنها دواءه، هى كل شئ و لكنها لا شئ!بعيده جدا، بعيده كسماء لامعه بنجومها يشتاق من بالاسفل لملامستها، بعيده كشهب تركض ركضا امام اعيننا لنظل نتوهم عقب مروره ان كنا رأيناه ام لا، و رغم بساطه احساسه تجاهها و لكنه اكثر الامور تعقيدا...!كيف يخبرها بكل هذا!افاق على صوتها المكتوم ببكائها و انتفاضه جسدها الجزعه من صراخه و التى عقبها بصمته مع انفاسه المتلاحقه و التى اخبرتها عن اضطرابه: انا اصلا مش عاوزه اشتغل، انا مرتاحه في البيت..زفر بقوه و هو ينظر اليها و حروف كلماته تذوب على شفتيه عاجزا عن النطق بكلمه واحده لتردف هى و دموعها تزداد رغم صدق احساسها بما تقوله: صدقنى انا مش عاوزه اشتغل، انا مرتاحه كده و مش عاوزه حاجه تانيه.ثم اجهشت في بكاء عنيف و جسدها ينتفض بقوه كبيره فشتم بصوت هامس قبل ان تمتد يده ليربت على كتفها بشبه اعتذار و لكن يده توقفت قبل ان تلمسها ليقبضها بقوه و هى يراها ترفع يدها لتخفى وجهها و جسدها مازال على انتفاضته فكز اسنانه بغضب من نفسه ليتحرك بالسياره بسرعه دون ان يعرف وجهته...الانسان الذى يمكنه اتقان الصبر، يمنكه اتقان أى شئ اخر..اندرو كارنجىدلف امجد بخطوات هادئه للمنزل بعد يوم عمل استنفذ كل طاقته و بمجرد ان اغلق باب المنزل نظر لغرفتهما سويا ليجدها تُغلق الاضواء مسرعه ليستمع بعدها لخطوات ركضها الى الفراش لتدعى النوم كما تفعل كل ليله..فابتسم بسخريه و هو يتقدم بهدوء للداخل و اتجه للمطبخ ليروى عطشه ثم تحرك بخفوت كعادته ايضا مانحا اياها الثقه بانه يعتقد انها نائمه...اقترب منها جالسا بجوارها على الفراش و هو يتطلع لملامحها الساكنه و على شفتيه ابتسامه ساخره بسبب انفاسها التى لم تهدأ بعد..منذ ذلك اليوم و بعد ان عادت معه و هى تتجنب الحديث معه..هو مدركا تماما انها معترفه بخطأها و لكنها تمردها - الجامح - يجعلها رافضه الاعتراف له هو تحديدا..يستغل هو ادعائها للنوم ليجلس معها يحدثها و يحدث طفلهما، يستغل هدوءها ليتأمل ملامحها التى اشتاقها حد الهوس، ليُمسك بيدها و هو يتلوى شوقا لضمها لصدره، للاستمتاع بعبق رائحتها و يتمنى العوده لمشاكستهما معا..و لكنه يستحق كل هذا، هو قبل ان يعتابها لابد ان يعاتب نفسه، قبل ان يهنأ بوجودها جواره مجددا لابد ان يعاقب نفسه عما جمح اليه تفكيره،.هو لن ينتظر جلدها له بسياط لومها فهو منذ ان نطق بتلك الكلمات و هو يجلد نفسه بلوم قلبه!اجل يخبره عقله كثيرا انه ليس بمخطئ فهى من وضعت حجر الشك بين طريقهما و لكن يعاود ليتزن و يخبره انه تسرع!طالما اعتاد معها التفاهم و التحدث لفض الامور دون ان ينام احداهما محملا بثقل - و لو بمقدار ذره - تجاه الاخر، فلماذا اذا تخلى كلاهما عن تلك الميزه التى تجمعهم...لماذا بحث كل منهما عن النقص في الاخر و هما يدعيان ان احدهما للاخر يعنى الاكتمال!هو مخطئ و ربما اكثر منها أوليس الرجال اشد تحملا فلما اذا كان اقل صبرا و اكثر تسرعا!تنهد بحراره و هو يرفع يده ليُلامس بروز بطنها الصغير الذى بالكاد يُلاحظ، ليلاحظ انكماش جسدها ككل ليله اسفل لمسته فابتسم بحنان يطوقها، تلك العنيده تستمتع بهذا، لا تمنعه و لكنها لن تستجيب له ايضا...حاوطها بيديه الاثنين ثم مال عليها قليلا ليهمس بخفوت كعادته: ازيك يا بطل، ثم اقترب اكثر حتى لامست انفاسه بشره بطنها رغم حاجز ملابسها البسيطه و اردف بنبره ذائبه كأنه يحدثها هى: وحشتنى جدا..ارتجف جسدها بعنف و رغم ملاحظته تجاهل الامر فان كانت هى تتخذ وضع العبيطه فهو لا يقل عنها بل انه اكثرا منها استعباطا ...خشت هى ان يشعر برجفتها و التى لا تستطيع التحكم بها كلما اقترب منها هكذا، و مع لمساته تلعن هى ذلك العمل الذى وافقت عليه ليكون المقابل حرمانها من حنانه و عاطفته الذى يغمرها بها يوميا كلما عاد من عمله دون كلل او ملل..و في فوره احساسها تتمنى ان تنهض لتلقى برأسها على صدره لتعتذر الف اعتذار عما فعلت لتؤول الامور بينهما لهذا الحد، و لكنها لا تستطيع نسيان اتهامه..يؤلمها قلبها لاجله و يؤلمها عقلها لاجل نفسها، ينازعها شعورها اليه لتقترب و يدفعها كبريائها بعيدا عنه، اخطأت و اخطأ و لكنها تهتم بمن يبدأ الاعتذار...!افاقت من افكارها على رأسه التى استندت على بطنها برفق شديد ليتحدث و هو يداعب خصرها بابهامه بنبره ماكره مستفزا هدوءها: ماما عناديه، بلاش يبقى الموضوع ده تحديدا وراثه!كزت على اسنانها و هى تلجم زمام انفراطها للتشاجر معه على كلماته فابتسم ليردف و هو يزيد من مداعبه خصرها بنبره فاضت عشقا و اشتياقا: بس انا عاوز كده، عاوز يجيلى بنوته شبهك يا سلمى متمرده، عناديه و تطلع عين اللى هيتجوزها، عاوز اشوفك فيها، و حتى لو ولد عاوزه انتِ، عاوز ولادنا يبقوا نسخه منك، من قوتك و ضغفك، من تمردك و استسلامك، من قسوتك و طيبتك، منك انتِ و بس..ضغطت عينها بقوه و هى تجاهد ألا تتساقط دموعها و هو يضمها اليه اكثر ليهمس بصوت خفيض و هو يسمد بطنها بدفء لامس قلبها عنوه و هو يُحدث صغيره التى لا تعرف ان كان ذكرا ام انثى بعد: حلم كبير قوى، بنيناه انا و ماما، كنت انت، امنيه جميله و غاليه قوى، و فجأه خسرنا الحلم، اتدمرت حرفيا، كنت محتاج ابن اتسند عليه و بنت تقوينى بحنانها، محتاج عزوه و اسره لما اكبر يلعبوا حواليا، و انت او انتِ اول فرد في بيتنا الصغير، اول حد هيكمل حياتى انا و ماما..اخذ نفسا عميقا ليطبع قبله طويله على بطنها ثم يبتعد عنها و رغما عنها اجتاحتها بروده غريبه، فهى تحتاج الان و بشده لدفء حضنه، تحتاج لهمساته و كم تتمنى الا تنتهى، و لكن مازال هناك ألم بعيد يمنعها الدفء و للاسف هم اكبر اعدائها، هو و قلبها!القت بنبضاتها الهادره بعيدا لتستسلم للنوم الذى داعب جفونها مع لمساته الحانيه على خصلات شعرها و اخر ما وعت عليه قبلته الهادئه على جبينها!اما هو فأدرك انها بالفعل نامت،لا يلومها على تجنبها بل يمنحها الحق كاملا، فابتعادهم كقرض سيعود اليه و لكن بالفائده...فسلمى عندما تستلم سيكون استسلامها بقوه تمردها و هذا ما يريده،يريدها ان تعرف انه لا يستطيع ان يمس كرامتها ببساطه لان كرامتها من كرامته و وجعها وجعه و هى على نفسه اغلى منها - نفسه - و ان ادعى احداهما غير هذا،يريدها ان تغفر لانها تريد، و ليس لانه فرض عليها الغفران،.سيصبر و ليس هناك افضل منه في ذلك!و بابتسامه واسعه يقف امام المرآه و قد رفض ان يكون معه احد ما، عاش تقريبا عمره الا القليل منه بمفرده...سفره لاستكمال دراسته بعد وفاه والدته بعده سنوات، ثم عودته بعد قلقه الشديد على والده و شقيقته ليُصدم بخبر وفاه والده و بُعد شقيقته ليعيش حسره و حزن لم يتوقع ان يتحمله عاتقه، فعشره اعوام من البحث عن حياته و شقيقته و لكن يبدو انه لم يبذل الجهد الكافى ليحصل على هذا بالسرعه الكافيه، اجتنابه لظهوره القوى في حياه شقيقته لمنح عاصم الفرصه ليكسب قلبها بعدما كان زواجهم مصدر الامن الوحيد لحياتها، ثم عشقه الذى اضنى روحه و ارهق نفسه!كل هذا كان بمفرده و اليوم و امام نفس المرآه التى جمعت حزنه و دمعته الأبيه التى رفضت لاعوام شتى السقوط، تجمعه اليوم بفرحته و ابتسامته الحقيقه و كل ما في حياته تلون بالوان قوس قزح المزدهره!و بعد عده ساعات ستجمعه مرآته بامرأته، و سيدة قلبه الاولى و الاخيره!اتسعت ابتسامته و هو يعدل من ربطه عنقه متذكرا يوم سألها عن مقدرتها على عقد ربطه العنق لتخبره انها لا تعرف كيف تفعل! و اه لو تدرك انها منحته فرصه ذهبيه ليشاكسها فيما بعد!رفع زجاجه العطر لينثر منها ببزخ و هو يتذكر أيامهم السابقه، كيف كانت تجالسه بخجل، و نادرا ما تتلاقى عينها بعينه حتى كاد يجن من اشتياقه لبحر الفيروز خاصتها و الذى بعد قليل سيصير خاصته ليغرق فيه و به متى شاء ليروى ظمأ عشقه لها...تنهد بحراره و هو يتحرك باتجاه خزانته ليجد ذلك الجانب الذى وضعت به ثيابها فاقترب يستنشقها ببطء متلذذا بتخيله لها بين ذراعيه لتروى لها شفتاه ما عاناه و هى بعيده عنه حتى هذا اليوم، ثم تحرك ببطء لصندوق صغير ليخرج رسائل والدته و يبتسم بحنان و هو يقلبها بين يديه متمتما بدفء: دائما كنتِ بتنصحينى اراعى ربنا في قلبى و نفسى علشان افرح بالحلال، انا عملت كده فعلا بس عاوز اعترفلك بحاجه...لمعت عيناه بتأثر و هو يتذكر حضنها الدافئ الذى طالما احتواه و مهما مر عليه من اعوام و اعوام لن ينساه ابدا رغم صغر سنه وقتها: انا في فتره يئست، قولت ان كل حاجه في الدنيا خساره و بس، مفيش حاجه اسمها فرحه، مفيش مكسب و مفيش سعاده والضحك دا رفاهيه مش لينا، كنت بقرأ كلماتك و اقول ازاى كتبتيها بالثقه دى؟ ازاى رغم استسلامك انتِ للمرض، حسيت لفتره ان كل دى اوهام و انى عمرى ما هفوز بحاجه اتمنتها...استغفر بخفوت و هو يضم صورتها التى جمعته هو، هى و والده سويا و اردف بصوت مختنق: بس كل رساله كانت بتناقض الاحساس ده، كل آيه اقرأها من كتاب الله بتزودنى ثقه رغم ترددى، كل سجده بدمعه و كل دعاء بجرح، بس كلامك كان دائما قوتى...اغلق عينه لحظات ليهمس بصوت مبحوح: كان نفسى تبقى جنبى، تحضنينى و تقوليلى اخيرا شوفتك عريس، كان نفسى تشوفيها و توصيها عليا، كنت محتاج وجودك معايا جدا يا امى، جدا!و هنا تساقطت كل دمعه آبيه رفضت السقوط...ربما فرحا، ربما وجعا و لكن اكثرها اشتياقا، اشتياق لام منحته من الحنان ما يكفيه حتى الان!فهى بكل رساله تضمه لصدرها، بكل كلمه تطمأنه، بكل حرف تواسيه و تشاركه حياته حتى و ان كانت بعيده و كان وحيدا!ابتسم بحراره و هو يقبل صورتها بقوه و يأخذ انفاسا عميقه كأنه يحاول امتلاك القوه التى تتركه دائما في حديثه مع امه، ثم اقترب من ظرف صغير كانت قد كتبت فوقه لا تراه سوى يوم زفافك ...ابتسم بشغف و كم من مره نازعته نفسه ليرى ما به و لكن ثقتها به انه لن يفعل منعته من كسر وعد لها حتى و ان كانت غائبه، فتحه بلهفه ليجد خاتم صغير و ورقه مضمونها،.ستشتاقنى في يومك هذا كما لم تفعل طوال عمرك، اعلم هذا و لكن حبيبى انا معك، دائما و ابدا معك، حدث قلبك و ستجدنى داخله، هذا الخاتم لعروسك، كم كنت اتمنى رؤيتها و لكن كفى انها فازت بقلبك لاتأكد انها رائعه، هذا الخاتم منحنى اياه والدك يوم عقد قراننا فامنحه لزوجتك ليكون هديتى اليها، مبارك زواجك يا صغيرى، قبلاتى و امنياتى الحاره لك بالسعاده الدائمه، و اخر الامر يا صغيرى، اتقى الله في نفسك و فيها.خرجت منه اه خافته تعبر عن وجع قلبه الازلى و هو يقبل صورتها عده مرات متتاليه ليضمها لصدره بعدها و هو يزفر بقوه كبيره عله يستطيع الهدوء، بعد بعض الوقت نظر في مرآته محتفظا بابتسامته و تحرك للخارج ليذهب لباب السعاده الذى فُتح له على مصرعيه...اتجه عاصم و معه الدفتر ليحصل على امضاء العروس - و التى تجلس بالطابق العلوى للقاعه الصغيره الذى اُقيم بها الحفل - ليتوقف على اولى درجات السلم و هو يرى جنه اعلاه بفستانها السكرى الواسع و الذى يتساقط خلفها على الدرج فتعلقت عيناه بملامحها التى تشع فرحه مع ابتسامتها الخجوله و التى لونت وجنتيها بحمره محببه و هى تلاحظ تفحصه بها لتُمسك بطرف فستانها لترفعه قليلا حتى لا تتعثر فدرات عيناه عليها من اعلى لاسفل باشتهاء و اعجاب واضح، بينما هى تبتسم بسعاده حقيقيه و حلمها يتحقق، حلم سندريلا ، هى بفستانها الجميل و خطواتها الهادئه و هو امامها او اكثر دقه بانتظارها و بيده دفتر ما...فاتسعت ابتسامتها حتى وقفت امامه ليفرد يده اليها لتضع يدها بيده بخجل واضح ليحاوطها بحصونه السوداء للتوه كليا بهم بينما هو يتشرب عسل ابريقها الامع ببريق آخاذ ليهمس بصوت هائم بها: عينكِ بتحكى كلام كتير!اشارت اليه ليقترب، فمال برأسه قليلا لتهمس هى بخفوت و نبره مدلله: هو ده الحلم، سندريلا، اميرها، و الكتاب..ثم امسكت الدفتر من يده لتبتسم بدلال و هى تبتعد عنه لتقول بخفوت و لكن بنبره معاديه: خليك انت و انا هطلع الدفتر لمها..و ابتعدت عنه ببطء بينما ابتسم هو يتابعها بعينه متلذذا بخجلها، عبثها و حياه عينها التى اصبحت تعج بكثير و كثير من مشاعرها الفياضه و كأنما الان فقط اصبحت على قيد الحياه...عادت بعد دقائق اليه لتمنحه الدفتر و دون ان ينتبه احد و دون ان ينتبه هو طبعت قبله سريعه على وجنته جعلته يغلق عينه ليمنع عنها بركان مشاعره الثائر الان...ليعود لجمع الرجال و يبدأوا احتفالهم بالموسيقى الصاخبه و كذلك بالاعلى حيث اجتمعت الفتيات حول مها ليرقصوا سويا بفرحه ملئت قلب الجميع باستثناء حنين و التى شعرت بروحها تكاد تنسحب منها و هى ترى حفل زفاف اخر ، فستان ابيض ، و فرحه لونت عين العروس و كم تخشى عليها ان تُخطف منها مثلما حدث معها...كان معتز في طريقه للخارج عندما اصطدم بأحدهم ليرفع رأسه متمتما بأسف: انا اسف! و لكنه تجمد مكانه و هو يرى المصطدم به و الذى يبدو انه لم يعرفه فغمغم بصدمه: بابا!تجمد والده قليلا فهو لا يعرفه و لم يسأل يوما عنه او يرى صورا له، فهو لا يعنيه وجوده او معرفته و لكن لسبب ما شعر بقلبه ينبض بعنف و هو يستمع لكلمه بابا منه تحديدا فتمتم بدهشه هو الاخر: معتز؟!ازدرد معتز ريقه و معها ابتلع غصه مريره اصابته في مقتل و والده امامه لا يعرفه و لولا انه رأى صوره مع مها ربما لم يكن ليستطع التعرف عليه ايضا، و لكنه تجاهل هذا و اومأ برأسه موافقا منتظرا ترحيبا به او ربما اعتذار و ضمه تحكى عن اشتياق سنوات..ليلقى والده بكل هذا ارضا ليصدمه برد فعله البسيط و اللامبالى في الوقت ذاته عندما ابتسم بتكلف ثم تحرك متجاوزا اياه لقاعه الرجال، ليظل قليلا ينظر لمحله الفارغ ثم أغلق عينه مبتسما قهرا و حسره..كم كان يتمنى ان يضمه ليخبره عن مدى اشتياقه له، كم كان يأمل ان يقول كلمه واحده فقط و قسما باسم الله كان ليسامحه متناسيا ابتعاده عنه من صغره، كم كان يهفو ليشكى له عما فعلت والدته به، كم، و كم، و كم، , و لكن انتهى الامر بابتسامه و خطوات بعيده عنه مجددا!تنهد بقوه ليفتح عينه ليجد نجلاء امامه تتطالعه بابتسامه ساخره و يبدو انها رات ما حدث منذ قليل، فاحتدت ملامحه و هو يتذكر كل ما صار له بسببها والان و بعد غياب اشهر عده لا يعرف احد عنها شيئا تعود!اقتربت منه و كادت تقبله و لكنه ابتعد بوجهه للخلف متمتما ببرود: اهلا يا مدام نجلاء نورتِ!ازدادت ابتسامتها الساخره و هى ترى نظرات النفور بعينيه لتتجاوزه هى الاخرى بلامبالاه ليضم قبضته بقوه شديده ثم تحرك بغضب للداخل...توقفت نجلاء قليلا و شعورها بالقلق يعاودها و هى تتذكر مرسول والدها اليها بما ان الليله عرس حفيدتى الكبيره، انا جررت اجول وصيتى، عاوزه ورثك تيجى تباركِ للعرسان و بعديها هنتجمع حدا اخوكِ الكبير، معتجيش، انتِ و خاطرك، بس متستنيش حاجه منى عاد.لا تدرى كيف عرف بمكانها، و لا تدرى ماذا سيحدث، و لكن بما انه سيُقسم ثروته فلابد ان تكون حاضره حتى و ان كلفها الامر حياتها...اقتربت من مها التى طالعتها بابتسامه شاحبه و هى تتذكر ما اخبرها به عاصم و اكرم عما سيحدث بنهايه هذا اليوم، لم تعرف تفاصيل منهما و لكن عاصم قال لها انها لابد ان تقوى فما ستعرفه عن والدتها سيصدمها، ليعدها اكرم مزيدا توترها ان يظل معها مهما حدث،.لا تدرى ما سيقولا و لكن من نظره اكرم القلقه و نظره عاصم المتردده و التى لمعت في عين كلاهما جعلتها تدرك ان الامر كبيرا و سيحتاج مجهودا خرافيا منها لتتجاوزه و لكن ما هو، صدقا لا تدرى؟صافحتها نجلاء ببرود متمتمه: الف مبروك يا مها، ثم تركتها و تحركت دون انتظار اجابتها حتى لتتسع ابتسامه مها الساخره فمهما كانت المناسبه و امام من كانوا لن تتغير نجلاء الحصرى ابدا..لحظات و اقتربت جنه من اذنها لتهمس بشقاوتها الجديده و التى اخفت خلفها توجس مما ستشعر به مها بعدما تعرف حقيقه نجلاء البشعه: اكرم جاى يخطفك!عقدت مها حاجبيها بتعجب فغمزتها جنه بضحكه لتنظر للخلف مشيره على الدرج فنظرت مها لما اشارت لتلمح اكرم و عاصم اسفله فارتبكت قليلا و هى ترى نظرات اكرم المتبله بنفحات عشق روت قلبها لتبتسم بخجل و هى تنهض لتتجه اليهم مع مباركات الجميع لهما حتى تحركت معه للخارج...بينما طلب عاصم من جميع افراد العائله التوجه لمنزله لضروره الامر و انفض الحفل لتعود الحياه لرونقها و ربما لقساوتها...لو ارشتنى السماء بنجومها،لو اغرتنى الارض بوديانها،لو اسرتنى الحياه بألوانها،لن اختار الاكِ...يا من اهواك...عنقود من الفل انتِعيناكِ بحر الفيروزشفتاكِ أطعم من الكرزياسمينه انتِ ببستانىتُغار منكِ الالوانجمعتِ الجنه و النار..و ساكن قلبك سيفوز..سيفوز بكنز، كلا كنوز!فوجودك وحده يكفينى..لتُنيرى دروبى و سنينى..لتُشرق عيناكِ نهارى..و يُآنس قلبك ليلى..فمن اختار الاكِ؟يا من بالروح اهواكِ؟!ابتسمت بسعاده و هى تراقب ضوء القمر في صرح السماء الواسعه و هى خجله، خجله كما لم تكن من قبل من وجوده، معها، بمفردهما داخل السياره التى اصر هو على عدم مغادرتها قائلا بجديه: مش عاوز حد يشوفك غيرى النهارده...ارتجف جسدها بحب و هى تشعر بكفه يلامس كفها بهدوء و لكن بتملك ليصلها صوته الهادئ: كنتِ ابعد من القمر، بس اقرب من نوره...كانت مازالت تتابع القمر فتسلل صوته لقلبها لتتسع ابتسامتها و هى لا تكاد تصدق ان فرحتها تلك حقيقيه، تلك المعيبه - كما ترى نفسها - اليوم تجلس امام رجلا كأكرم - زوجها - و ببساطه كلماته يغازل انوثتها الناقصه - لا بجمالها الفاتن - و لكن باحساسها، بمشاعرها التى طالما وضعها الجميع اسف اقدامهم فور معرفتهم حقيقه عجزها...اليوم اخبرها اكرم بوجوده فقط انها تستحق الحب، ربما لم يعبر بوضوح و لكن نظراته قالت، دفء كلماته و صدقها الذى مس قلبها وضحت، احساسها الجديد و المختلف تجاهه شرح كل شئ مفصلا، و لكن يبدو ان الاعتراف الصريح بينهما مازال بعيدا...افاقت من شرودها عندما شعرت به يلبسها شئ ما في اصبعها فنظرت ليدها لتجده خاتم رقيق يحتوى على لؤلؤه كبيره تعلو عده صفوف من ماسات لامعه لتنتهى على جانبى الخاتم بنفس الماسات ليستدير حول اصبعها بشكل رائع، لمعت عينها ببريق خاص ادوع بقلبه بين حنايا قلبها فاقترب منها موضحا و هو يرمقها بنظرات حانيه و لكن غلب الحزن على همسه: دى هديه امى ليكِ، و بتقولك مبروك..عقدت حاجبيها متعجبه و صوته الحزين يلامس قلبها و لكنها تتسائل عما يقوله و رأى هو تساؤلها دون ان تعبر عنه فتمتم بابتسامه شاحبه وهو يخرج رساله والدته من جيبه ليعطيها لها: كانت سايباه ليا و قالتلى دى هديتى للى قلبك يحبها...انتفضت على همسه الحزين و الذى حمل اليها تصريح كامل و شامل عن مدى حزنه لفراق والدته و هى تقرأ رسالتها له بينما هو اغلق عينه مغمغما بعشق لكليهما: كانت عارفه انى هختار بقلبى مش بعقلى..ابتسمت و شعور بالفرحه يباغتها من نبرته التى اخبرتها عن حبه دون وصف فتنهد بقوه و ابتسامتها تنتزعه من فيض اشتياقه لوالدته ليبتسم بعدها بمشاغبه دائما ما يلجأ اليها نافيا وجعه بعيدا: بس دا مش ماس قالها مشيرا على فصوص الخاتم الماسيه في لمعانها ، و لا دا لؤلؤ قالها و هو يشير على اللؤلؤه الكبيره في المنتصف ، الخاتم فضه، عارف انى دمرت سقف طموحاتك بس دا الواقع..و انهى كلامه بغمزه شقيه فاتسعت ابتسامتها حتى صارت ضحكه قصيره و هى لا تستوعب ما يحدث ف تاه هو في بحر الفيروز الذى طالما غرق فيه سابقا سهوا و الان قصدا...كل احلامه تلخصت في تلك الفيروزيه امامه،فكم من سجده اختلطت فيها دموعه باسمها، و كم من مره شاركته في دعوه لنفسه..رأى هو في عشقها الامرين، مر العلقم و حلو العسل..منحته بابتسامتها الف امل و قتلت بخطبتها كل اماله،.شجعته بضعفها ليحتويها و بهرته بقوتها لتحتويه،يغار اسفا عليها حتى من نفسه، و لمن تكون الغيره لسواها؟تغافل هو تماما عن نظرات محمود الحزينه و التى اشعرته انه يندم، اجل من يعرفها يوما يندم على ضياعها و لكنه لا يتحمل رؤيتها بعين احد اخر غيره..زفر بقوه عندما شعر بحركتها بجواره فنظر اليها ليجدها ترفع يدها لتُشير اليه بما تريد قوله فامسك يديها ضاما اياها بحنان و هو يسلط عيناه على بحر الفيروز خاصتها لتغرق هى في دفء عينه و صوته الذى اخبرها بثقه: كلمينى يا مها، مش بالاشاره، انا عايزك تكلمينى و اتأكدى رغم ان مفيش صوت انا هسمعك...لمعت عينها بتأثر و هى تراه يُجرد عجزها امامها و لكن في الوقت ذاته يحتويها و يحتويه فحركت شفتاها بحديثها الصامت انا خايفه من...ليقاطعها قائلا بنبره ذائبه وهو ينظر لشفتيها: انتِ عارفه انا كام مره مسكت نفسى عنك و انا بتكلم معاكِ، عارفه كام مره قولت لنفسى غض بصرك بس انتِ كنتِ فتنه و جاهدت نفسى علشان ابعد عن اكتر ذنب بحبه...اسبلت عينها بخجل واضح و اطرقت برأسها و كلماته تشعل كل نيران حيائها ليضع يده اسفل ذقنها رفعا رأسها اليه قليلا متمتما بحراره: اوعى، اوعى تخبى عينك عنى اب...قطع حديثه المُحذر بنبره مشتعله بعشقه صوت هاتفه فاغلق عينه ثوانى متذكرا ما هم على وشك مواجهته بعد قليل فأغلق الاتصال و نظر اليها مجددا و امسك يدها مقبلا اياها هامسا: للحديث بقيه، بس...!فتعلقت بعينه قليلا حتى ظهر توترها جليا و هو يتمتم بتوجس: بتثقى فيا يا مها؟اومأت برأسها موافقه و هى تعلم عما يتحدث تحديدا فابتسم مقبلا يدها مجددا ثم تحرك بالسياره متوجها للمنزل...
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثامن والأربعونالحقيقه قد تؤلمنا، و لكنها لا تسمح بأن نبقى مغفلين طويلا..داخل المنزل يجلس الجميع بجو يملؤه التوتر و الترقب فكلمات عاصم المقتضبه لا تمنح احد السكينه او الوضوح الكافى، كان نظر الجميع مُركز على نجلاء التى بدأ التوجس يؤرقها و هى تتخيل اسوء ما يُحتمل ان يصير، نظرات الجميع تخبرها ان الامر اكبر من مجرد توزيع إرث او قراءه وصيه، فلما يلجأ والدها لهذا التجمع و الذى جمع هاله و اسامه ايضا بل و الاربع عائلات جميعا، الامر اكبر مما توقعت بكثير..كان عاصم يقف بثبات بجوار الدرج مستندا على سياجه بمرفقه يحاول وضع اسوء الاحتمالات لنهايه هذا اليوم، فقط فليأتى اكرم و لن يتأخر اكثر فهذا الانتظار يفقده هدوءه و خاصه و نجلاء هنا في مرمى بصره، يده و مجبرا هو التماسك، حتى انتهى انتظاره بوصول اكرم و مها لهناك و مجرد ان دلفوا للمنزل اصابتهم شحنه التوتر التى ملئت المكان من حولهم...جلس الجميع و عم الصمت للحظات من الوقت كانت كفيله بزياده الارتباك و التوتر حتى فقدت نجلاء اخر محاولاتها للتمسك بهدوءها و هتفت بضيق و نفاذ صبر: هو في ايه؟ثم نظرت لابيها الذى كان يتماسك بأعجوبه من قتلها الان و هو يرى بها صورتها المدنسه و شرفه الملطخ بينما يرى بصوره ابنه صوره ذنبه الذى يتلوى به حسره و ندما و ما بين سيف الشرف الذى اعتقد انه حفظه و بين نصل الغدر الذى اصابه تاه هو و تاهت معه قوته بل و كلماته...افاق على كلماتها التى تقطر قلقا: ليه التأخير ده يا حاج؟ مش احنا متجمعين علشان الوصيه؟نظر اليها بتعجب ليتمتم باستنكار: وصيه ايه دى..! انتِ رايده تورثينى بالحيا و لا ايه عاد؟عقدت حاجبيها تعجبا ليصلها الرد بأسرع مما توقعت عندما اقترب عاصم منها عده خطوات قائلا بتمهل قاسى: مستعجله على ايه؟ هتفهمى كل حاجه، و حالا..حتى توقف امامها ليتسائل بحده و عيناه تخبرها ان الامر ليس الا جحيم اتت اليه بقدمها: عندى سؤال واحد نفسى اعرف اجابته..!نظرت اليه بترقب لما سيسأل حتى فاجأها بسؤاله الذى استحوذ على دهشه الجميع باستثناء اكرم و مازن الذى ادرك من خلاله ان عاصم قرر التصريح الكامل و الواضح للحقيقه: اتطلقتِ ليه؟انكمش وجهها بقوه و عينها ترتجف بتوجس خفى من سبب سؤاله و دون اى مقدمات استدارت بعنف لزوجها و الذى ابتسم بسخريه مريره متذكرا ما حدث منذ اعوام مرت لتعقد حاجبيها مدركه ان الامر مجرد مكيده لتحضر..التجمع للوصيه مجرد عذرٍ لكشف الماضى امام الجميع، و امام صمتها اكتوى عاصم بنار غضبه و الذى يحاول كبته حتى لا يصل به لتصرف لا تحمد عواقبه...حتى نهضت نجلاء بعنف ممسكه بحقيبه يدها و هى تهتف بغضب و تتحرك للخارج بمحاوله للتهرب: انا مش فاضيه للكلام ده، و انا غلطانه انى جيت اصلا..و لكن يد عاصم التى قبضت على معصمها بقوه غضبه جعلتها تصرخ ألما و هى تحاول جذب يدها و لكنه لم يمنحها الفرصه و تمتم ببطء: انا عارف انك مش فاضيه و وراكِ حياه ناس لسه عاوزه تدميرها، بس معلش هناخذ من وقتك شويه...ثم اقترب منها و عينه ترميها بحمم بركانيه مشتعله غضبا و توعد ليهمس بصوت بالكاد يُسمع و لكنه كان كالطنين بأذنها: اما من ناحيه غلطانه فانتِ غلطانه جدا انك جيتِ...!دفعها لتجلس على مقعدها و ضرب كفيه احدهما بالاخر ناظرا للجميع قائلا بنبرته المسيطره و الثابته رغم ما يموج بنفسه من خوف، قلق و ترقب: انا طلبت نتجمع النهارده علشان الكل يعرف الحقيقه، الحقيقه اللى دمرت حياه اربع اشخاص زمان و كانت السبب في تدمير حياه ولادهم بعدين، الحقيقه اللى معظمنا عارفين قشور عنها و البعض ميعرفش حاجه..ثم عاد ببصره لنجلاء التى هربت الدماء من وجهها ليشحب بقوه ارتباكها ليهتف بحده شديده: تحبى نبدأ من القديم و لا الجديد؟ تحبى ارجع لثلاثين سنه و لا افضل في دلوقتى احسن؟ تحبى احكى عن جذور الشجره اللى قلعتيها و لا عن اغصانها اللى كسرتيها واحد ورا التانى؟ازدردت ريقها بصعوبه ليهمس هو بصوت خافت و الالم يكسوه رغما عنه متذكرا فارس الذى ابتعد عنهم قضاءا و قدرا و لكن جعلها الله سببا في ذلك: تحبى نتكلم عن خسارتنا و لا خساره اهالينا لينا؟ازداد الجو توترا، ارتباكا و رغم توقع الجميع للسئ لم يتخيل احد ما ستؤول اليه الامور و الذى كان اسوء و اسوء...اقترب عاصم من زوجها حامد السروى ليقول بتساؤل هو اكثر من يملك اجابته تفصيلا: ممكن نسمع منك انت ليه طلقتها؟اخذ حامد نفسا عميقا و عين الجميع تراقبه حتى تمتتم بهدوء نافى ذكرياته التى عادت لذلك اليوم الذى طلقها فيه بعد صفعه كانت امضاء النهايه لعلاقتهم التى ظلت اعوام متذبذبه و خاصه بعد ولاده مها و نفور نجلاء منها بسبب عجزها رغم طفولتها و جمالها الذى خطف قلوب الجميع ايلاها: بلاش تدور في الماضى يا سياده النقيب محدش هيستفاد حاجه بالعكس الكل هيتأذى..ضحك عاصم بملئ صوته غضبا و هو يمنح الجميع الخلاصه قائلا باستنكار ساخر: علشان خاينه مثلا!شهقت هبه بصدمه و خاصه عندما انتفض معتز جوارها ليهم بالصراخ بعاصم و لكن صمت الجميع اوقفه، صمت امين - الرجل الصعيدى الذى لا يسمع لاحد بمس شرفه -، صمت عز - اخيها الذى لم يتحمل ان تخطئ ابنته ليزوجها قسرا كما سمع من والدته من قبل -، صمت والده - الذى ادعى ان الماضى سيؤذيهم -، و اخيرا صمتها هى نفسها - والدته - و الذى اخبره ان ما يُقال حقيقه، فمن اين له بصوت يخرج؟ من اين له بكلمه يدافع بها؟ من اين و هى من خاضت في حياته، عبثت بشرفه و سعادته عندما بعثت بأخرى لحياته فتجمد مكانه امام نظرات عاصم الغاضبه و المؤازره في الوقت ذاته، بالاضافه لان عاصم لا يقول كلمه الا بعدما يتيقن يقينا منها!بينما تجمدت ملامح مها فنظر اكرم اليها و هو يشعر ببروده مفاجئه في كفها الذى احتضنه بكفه فضغطه بقوه حتى التفتت له بعينين ذاهلتين و ملامح شاحبه شحوب الموتى فبدأ قلبه يقلقه اكثر..هبت نجلاء واقفه و لكن اقتراب عاصم منها جعلها تسقط جالسه مجددا و هو يهتف بتساؤل: مدام امل عرفت عن خيانتك فاتهمتيها في شرفها لحد ما الحاج مجدى طردها، صح؟اغلقت نجلاء عينها و هى تعود لذكريات الماضى البعيد فيما استرد هو شارحا ما عرفه بصوت يحمل من الغضب بقدر ما يحمل من الوجع: من ثلاثين سنه كانت صحوبيه الاربع بنات اساسها تجمع الاربع عائلات عمتى، مدام امل، ماما و مدام هاله ، كانوا دائما سوا لحد الثانويه العامه و اللى فرقت بينهم بمجموعاتهم و كانت بذره الغل و الحقد الاولى، ماما قدرت تحقق حلمها و تبقى دكتوره، و مدام هاله قدرت تحقق حلمها و تدخل كليه التربيه، و مدام امل مجموعها كان يساعدها تدخل فنون جميله و اللى كانت حلم حياتها لانها من عشاق الرسم بس عمتى مقدرتش تدخلها و علشان كده اتنازلت مدام امل عن حلمها و فضلت صداقتها مع عمتى و دخلوا سوا أداب بس عمتى مكنش هدفها دراسه فكانت دائما تنجح بالعافيه لكن مدام امل دائما تنجح بامتياز، و دى كانت بذره الغل و الحقد التانيه، بدأت خلافات كبيره تحصل بين مدام هاله و عمتى لان مدام هاله بشخصيتها القويه و المنفرده مصدر تميز لها على عكس عمتى باستسلامها لواقع حياتها فدائما الصدام بينهم كان كبير، و دى بذره الغل و الحقد الثالثه...صمت عاصم ثوانى و لكن نجلاء مازالت في ذكرياتها و كل كلمه منه يؤمن عليها قلبها صدقا و ربما ربما جزءا طفيفا من الندم و لكن من تغلب عليه شيطان روحه لا حاجه لملاك الندم داخل قلبه...اردف عاصم و هو يغلق عينيه بقوه و عجز ما يصيبه، صوت ما يخبره ألا يفعل!.ما الذى سيجنيه الجميع من هذا، هناك قلوب غاليه عليه جدا ستُحطم!ولكن من حق الجميع معرفه الحقيقه، من حق الجميع معرفه ما مضى و لعلها تكون صفحه جديده في كتاب الحياه، ثم انه لم يعد هناك وقت للتراجع فالرمح انطلق و لم يعد هناك مجال للرجوع: جدى امين و الحاج مدحت اتفقوا على جواز عمى اسامه و مدام هاله و دى كانت رغبه الاتنين بعيدا عن اى مصالح بس بشرط، انه جوازهم يبقى بعد جواز المصلحه اللى كان واجب يتم بين بابا و مااما لمصالح مشتركه بين عيله الالفى و عيله الحصرى و اللى اتفرض نفسه على عمى محمد و مدام نهال علشان المصالح بين عيله الشرقاوى و عيله العسوى، و اللى كان بدون رغبه الاربعه و لكن تحت ضغط الاهل اضطروا يستجيبوا، و على هذا و بعد ما العلاقات اتحسنت و كربط كلام كان في رغبه لجمع خالى ماجد مع عمتى نجلاء، و دا اللى رفضه خالى ماجد بسبب حبه لمدام امل و دى كانت الضربه القاضيه لعمتى و اللى بدأت من عندها تظهر غلها و حقدها عليهم، مش لانها بتحب خالى او كانت عاوزاه لا خالص، لانها اترفضت و دا كبر جواها احساس بنقص، هى كانت عاوزاه يوافق و هى ترفض و لكن للاسف حصل العكس، و في الوقت نفسه اتقدم لها الاستاذ حامد برغبه جباره في عقد الجواز ده لانه رايدها فعلا، و لانها خسرت اللى بتحبه و اللى رخصت نفسها علشانه وفقت...صمت عاصم لحظات ليُفجر بعدها القنبله الكبرى عندما صرح عن السبب الرئيسى لكره نجلاء: حبها اللى باعت نفسها، كرامتها و عيلتها بأرخص ثمن علشانه، ثم استدار ناظرا للمقصود بكلامه متمتما و هو يكز اسنانه بقوه: الحاج عبد الرحمن العسوى..انتفضت حياه في جلستها بينما اغلقت زوجته عينها و هى مدركه لما يقول و الذى تعرفه و لكن لا يعرف احد معرفتها للامر، بينما جحظت عين امين و عز و هما يطالعان عبد الرحمن الذى كاد يخفى وجهه بين طيات ملابسه ليبتعد عن نظراتهم...لم يصمت عاصم عند هذا الحد بل ادرف و روحه تُستنزف بشده: وعد بالجواز، صحوبيه على الماشى، مقابلات في الخفى، لحد ما اتعلقت بيه و اتعلق بيها لكن جوازه كان مانع لعلاقه جديده بتربطه بيها فبعد و ادعى الانشغال عنها طبعا خوف من بطش كباره العيله، ثانيا رغبه مريضه معرفش فكر فيها ازاى! بالحفاظ على مراته و بيته...فتحت نجلاء عينها اخيرا لتنظر لعبد الرحمن الذى كان في اكثر حالاته خجلا و خزيا و امتلئت عينها بالدموع و التى صاحبها ابتسامه ساخره عبرت بوضوح عن جرح قلبها مما فعله بها ليردف عاصم بنفس النبره المستحقره: و في الفتره دى التفت كل منهم لحياته، هى استسلمت للامر الواقع و وافقت على الاستاذ حامد، وهو اهتم ببيته و مراته، و مرت الشهور كل واحد منهم بيتجنب التانى لحد ما ربنا رزق عمتى بمها، كانت فرحه كبيره للعيله لكن لأمها لا، ليه لانها ببساطه بتحب حد تانى و كارهه يبقى ليها ولاد من حامد و استغلت عجزها ذريعه علشان تتجنب التعامل معاها لا و رفضت رضاعتها و العنايه بيها، و قامت امى بالدور ده لانى وقتها كنت مولود قبل منها بسنه تقريبا، و دا زود كره عمتى ليها و لينا اكتر، مرت بعدها سنين و كل حد مشغول بحياته وجه وقت جواز مدام هاله و عمى اسامه و اللى كانت نجلاء هانم معرضاه بشده للخلافات اللى بينهم بس و للاسف جدى اختار الوقت الغلط علشان يعلن عن رغبته...اخذ نفسا عميقا مردفا بعتاب مشوب بالغضب: اعلن انه هيكتب اراضيه و املاكه بالنص بين والدى و عمى اسامه، و عمتى تعيش في حمايتهم و يصرفوا عليها لانه كان متأكد ان الاستاذ حامد مش هيقصر في طلباتها لانه بيعتبرها جزء لا يتجزأ منه رغم المشاكل اللى بينهم و اللى كان المعظم عارف عنها و دا اعلن النهايه لطاقه نجلاء هانم، و كانت نقطه الصفر!نظر عاصم لنجلاء التى كانت تنظر لعبد الرحمن بحزن لاول مره يلون وجهها بهذا الشكل و تمتم بخزى من نفسه لقوله هذا و خزى منها و من الامور التى دفعته لكل هذا: و من هنا فكرت عمتى ازاى تكسب فلوس و ورث ابوها اللى حرمها منه بدون وجه حق و تنفى اخواتها تماما علشان تبقى هى كل حاجه و الكل في الكل، مهو الاحساس بالنقص دائما بيبقى معاه طمع اللى خلاها تفكر في سرقه الكل حتى في ابسط حقوقهم، و في نفس الوقت تقريبا و في انشغالات الفرح و استعداداته حصل قرب تانى بين الحاج عبد الرحمن و عمتى، قرب كانت نهايته علاق..صمت عاجزا عن اكمال ما ينوى قوله و لكن شكله المنفر و نظراته المستحقره اوصلت للجميع مقصده عندما اردف هو: و للاسف مدام امل عرفت عن الموضوع ده، من ناحيه صاحبتها و من ناحيه اخوها، واجهت عمتى بالذوق مره، بالنصيحه مره و بالقوه مره لحد ما قررت تهددها يمكن تتعظ و تبعد عن الطريق اللى مشيت فيه، لكن للاسف كانت اضعف من انها تواجه اخوها و تمنعه، و بعد الموضوع ده بفتره بسيطه و قبل الفرح بيومين تقريبا عرفت عمتى انها حامل في معتز بس للاسف مكنتش متأكده مين والده!، لكن مدام امل لما عرفت بالحمل خافت يكون ابن اخوها و يتكتب باسم حد تانى و تبقى قضيه نسب، لا شرع و لا قانون هيقبل بكده فا قررت تنصحها تانى و لما عمتى تغاضت عن كل ده و فرحتها بابن من الحب الاول قالها بسخريه لاذعه اعمت عينها عن اى صح او مفروض او حتى حلال و حرام، و زى ما ضربت بكل حاجه عرض الحائط علشان تبقى على العلاقه دى، تجاهلت موضوع الحمل تماما..ازدرد ريقه و هو ينظر لنقطه وهميه غير قادرا على رفع عينه لوجه احد و خاصه مها و معتز بالاضافه لحياه و اكمل: مدام امل ما تحملتش الموضوع و صممت على ان عمتى تعرف جوزها الحقيقه و تبعد عن الطريق ده و إلا مدام امل مش هتسكت، فعمتى خافت، و لسبب ما مجهول حصل خلاف كبير جدا بين الحاج عبد الرحمن و عمتى، فاتجمعت كل حاجه في نقطه واحده، اولا عدم رغبتها في جواز عمى اسامه و مدام هاله، ثانيا ضغط مدام امل عليها و معرفتها للوضع اللى هى فيه و اللى اهلها لو شموا خبر عنه هيقتلوها بدون تفكير، و ثالثا الخلاف بينها و بين الحاج عبد الرحمن، و علشان تضرب كل ده بجحر واحد، فكرت لحد ما لقت حل استنتجته بعد تفكير من المستنقع اللى هى فيه، مستنقع القرف، فدبرت خطه لطيفه جدا لمدام امل مع عمى اسامه علشان تدمر كل حاجه، اولا الجوازه تبوظ، ثانيا مدام امل محدش يصدقها لانها في وضع لا تُحصد عليه، و ثالثا توجع الحاج عبد الرحمن في اخته و اللى كان متأكد من براءتها، و فعلا نجحت، و بكل بساطه الحاج مجدى صدق في بنته و شكك في نسب اكرم لخالى ماجد، و صدق الحاج امين طيش ابنه و حصل خلاف كبير جدا بين عيله العسوى و عيله الحصرى و اتقطعت العلاقات، بس مدام هاله و خالى ماجد مصدقوش و كل واحد فيهم اتمسك بحقه في شريك حياته، و لما الحاج مدحت رفض جواز بنته من راجل خاين، مدام هاله اعترضت و قرر عمى اسامه يهرب بيها لانه اصلا كان عاقد عليها و من هنا اتقطعت العلاقات كامله مكمله بعد مشاجره كبيره جدا بين عيله الشرقاوى و عيله الحصرى و كانت دى النقطه الفاصله، و لما طلب الحاج عبد الحميد من ابنه يطلق مدام امل و يتخلى عن ابنه او يتأكد من نسبه، خالى رفض و عارض والده و اللى بدوره حرمه من ميراثه و اسمه و منصبه و طرده من بيته و اعتبره هو و اسرته عار عليه، و لما الحاج مجدى حس ان راسه بقت في التراب حاول يقتل بنته و اكرم بدون اى رحمه او تفكير بس خالى عرف ينقذها و هو كمان هرب بيها و سابوا كل امور العيله وراهم بدون تفكير...زفر عاصم بقوه و صوته يكاد يختفى من حديثه التى ألم روحه اشد الالم ثم تمتم بشرود: قدرت بخطه بسيطه جدا تفرق الكل، بس مدام امل قبل ما تمشى قررت تخلص ضميرها و تنقذ شرف الاستاذ حامد من تعلقه بواحده لا صانته و لا صانت اهلها و لا صانت شرفها فقابلته و قالتله على كل اللى هى تعرفه و من هنا حصلت مواجهه بين عمتى و جوزها و تمسكا بقوتها و لامبالاتها مأنكرتش، لانها لما لقت ان السفينه ممكن تغرق مش هتغرق لوحدها كفايه ان يغرق معاها الحاج عبد الرحمن و لانها كانت واثقه ان الاستاذ حامد بأخلاقه العاليه مش هيحاول يشوه سمعتها او سمعه راجل استحل عرضه، و انتهت المقابله بقلم انهى كل حاجه بعد ما اعترافها أكد ان اللى في بطنها مش ابنه، و دا بيبرر بُعده و سفره المفاجئ و لولا ملامح مها الغربيه اللى ورثتها عن اصوله الاجنبيه كان هيشكك في نسبها كمان...صمت عاصم صمت اطبق عليهم جميعا، كبار العائلات يعرفون معظم هذه التفاصيل و ليس كليتها و لكن ما واجهته امل معها و ما فعله عبد الرحمن لا يعرفه احد و لم يتخيله احد..لم يمنح عاصم الفرص لهم بالتفكير او ربما الاستيعاب فألقى بالنصل الجديد: بس بعد كده مدام نجلاء مكتفتش، بعد ثلاثين سنه و لما ظهر اكرم و جنه في حياتنا و بدأت خيوط العيله تتجمع بجواز حنين و فارس، بدأت تحس ان اللى عملته زمان بيتهد قدامها و دا كفيل بأن نارها تولع تانى، فالمرادى قررت تستغل و تدمر حياه ولادهم و كأن عندها مشكله في الفرحه اللى ممكن تلم شمل العيله...زفر بقوه و هو لا يدرى من اين يبدأ؟! و عند ماذا ينتهى؟! لكن ما يعرفه جيدا ان امر قتلها لماجد الالفى لابد ان يظل مخفيا، فهو لا يدرى تأثير ذلك على جنه و لا يدرى تأثيره على اكرم، و هو لن يتحمل شرخ كبير كهذا بين مها و اكرم...تحرك بهدوء لغرفه مجاوره ليخرج منها عده اشخاص عزت، شادى، بهجه، سالى، ثلاث رجال لم يعرفهم احد.تجمدت حياه فور رؤيتها لشادى فأمسك مازن بيدها فهو تقريبا اقل الحضور دهشه لمعرفته بما قاله عاصم من جده من قبل، و لكنها لم تستطع التحمل فنهضت واقفه هاتفه بحده: انا عاوزه امشى؟اغلق مازن عينه قليلا و تمتم بخفوت و نبره مهتزه بتردد و هو يضم كتفيها اليه: انا اسف بس مضطر!قاطعه عاصم لكى لا يجعل الامر صعبا على مازن اكثر من مواجهتها بالامر وحقا شكره مازن على هذا عندما تمتم عاصم باشفاق: شادى سمع عن خيانتك له من نجلاء هانم، و اللى عملت كده انتقاما من والدك على اللى عمله زمان اللى محدش يعرفه حتى الان...اضطربت انفاسها بحده و خطين من الدموع يسيل على وجنتيها بتشتت ثم سقطت جالسه بحاله مغيبه و كأنها انتقلت لعالم اللاوعى...استدار مازن بتفحص للفتاه الصغيره سنا بين الحضور - بهجه - ثم نظر لحنين التى نظرت اليها بتفحص هى الاخرى ليشير اليها مازن باصبع اتهام فابتسم عاصم بسخريه متابعا نظراتهم مردفا بتهكم مرير: وهى اللى طلبت من بهجه تجمعكم سوا، علشان تدمر حياه حنين و حياتك و حياه حياه اللى بدأت تستقر معاك، و ايه السبب؟ بصراحه معرفش!قبض مازن يديه بغضب اتضح جليا في عينيه بينما تجمدت حنين للحظات لا تدرى ما شعورها الان تحديدا و لكن هل هناك فرق بين قتلها بخنجر سام ممن يفترض انها من اقرب الاقربين اليها، ام قتلها بنصل خيانه ادت بثقها بكل من حولها بما فيهم والدها الذى كان اول من خذلها، فالموت موت و النتيجه واحده فبما تفيد الطريقه!التفت عاصم للرجال قائلا بسخريه: اما دول بقى كانوا لعاصم الحصرى نفسه، دول اللى اتسببوا بأنى اتعمى بعد ما نجلاء هانم شعللت غضبى من مراتى علشان اروح لها و للاسف استجبت لها...شهقت ليلى بلوعه و هى لا تكاد تصدق ما تسمعه، بينما كز عز على اسنانه بغضب و هو يرمقها بأسف و خزى و غضب ملئ روحه من امرأه ليست من بنى الانس و لا حتى الشياطين...نظر عاصم لمعتز الذى تجسد اشد انواع الالم بعينيه و هبه بجواره تتطالعه بخوف حقيقى مس قلبها واجزعه فتمتم بأسف: انا مش عارف اقول ايه ان...قاطعته سالى و لاول مره تشعر انها كانت مجرد لعبه بيد امرأه خُلقت لتلعب بقلوب البشر و تمتمت بخزى من نفسها و مما فعلت: معتز عارف عن اللى حصل بسببها له.صمت عاصم ضاغطا خصلات شعره بعنف و هو يرى حال معتز الذى كان اكثر الحضور تشتتا و وجعا، حتى الان!أهل ما يمر به الان ألم؟لا و الله ما يشعر به ليس له وصف و تتجمد الحروف عجزا لتجميع كلمات تمنحه حق شعوره!شعور اشبه بغريق تجذبه المياه بقوه ليشعر بكل انفاسه تخرج نفسا نفسا،شعور من يُسلخ جلده حيا و هو يشعر بكل نقطه دماء تقطر منه نقطه نقطه،شعور من يُحرق حيا و هو يشعر بخلايا جسده تنصهر خليه خليه؟!اغلق عينه و يا ليته لم يفعل فما احتاجه الان من شعور اشعل نيران صدره و اضنى روحه التى تشبعت بالسواد، كان اكبر من تحمله، اكبر من قدرته على الاستيعاب، تحمل ما يكفيه طوال عمره و لكن تلك هى القشه التى قصمت ظهر البعير و ما اقسى كسر الرجال؟تمتم عاصم اخيرا بصوت خفيض و كأنه ينهى حديثه الذى ارهق روحه كثيرا: هى اللى بعتت واحد يهدد سلمى علشان جوازها يفشل و امجد يتخلى عنها..شهقت سلمى بفزع متذكره ذلك اليوم الذى اصابها فيه من الخوف ما لم تعرفه بحياتها مطلقا فضمها امجد لصدره بحنان و هو يخفى غضبه بجدراه و لو تركه احدهم لقتلها الان، ان كان هذا شعوره و هو اقل المتضررين منها ماذا كان سيفعل لو كان او زوجته ضمن خطتها الرخيصه!و صمت عاصم و صمتت معه الكلمات لم يستطع قتل حنين و والدى فارس و شقيقيه بسر قتله، و لم يستطع قتل جنه و اكرم بسر ابيهم...!ضعيف! ربما و لكنه لهنا و لم يعد يتحمل كلمه اخرى بوجع اخر لاى فرد من افراد العائله!رفعت نجلاء عينها لتنظر للجميع بتشفى، روحها المريضه لم ترى من حولها شيئا سوى ما تراه على وجوههم الان و الذى سعت اليه دوما، الالم، الوجع، الحزن و شقاء الروح..لمعت عينها بعظم انتصارها و لكن مهلا فهناك امرين لم ينطق بها ابن اخيها العزيز، و هى لن تسمح له بالانتصار حتى و ان كان الامر امرا اخرا عليها، فهى غارقه غارقه فلا فارق اذا!..فنهضت واقفه لتصفق بيدها في حراره شديده و هى تضحك بصوت عالى ساخر لتهتف باعجاب مستنكر: براافو يا سياده النقيب براافو، قدرت تجمع كل المعلومات، و تجيب الحقيقه كامله قدام الكل لكن واضح انك نسيت او عملت ناسى حاجتين مهمين جدا...!اقترب منها عزت مسرعا متذكرا تحذير عاصم له بعدم البوح بجرائم القتل و التى من شأنها ان تقتل الاحياء بموتاهم و همس بجوار اذنها: اسكتِ متتكلميش كلمه زياده و الا مش هيحصلك طيب!دفعته عنها لتصرخ بهستيريا غاضبه و هى تقترب من عبد الرحمن مسرعه لتُمسك بياقه قميصه جاذبه اياه بقوه: حسستنى انى فتاه ليل و انك اخدت غرضك منى فرمتنى، يومها قولتلى انى رخيصه و ان اللى عاوزاه حصل و رميت ليا فلوس كأنك كنت شارينى..!اشارت على نفسها بسبابتها بيدها الحره لتهتم بفخر خالطه دموعها فإن كان في حياتها امرا واحد صادقا - فهو حبها له - و ان كان هناك رغبه واحده ملحه - فهى رغبتها بقربه و بناء حياه معه - و لكن بئس الامرين فلقد دفع بها لاشر امور الدنيا و اعظم كبائر الذنوب: اتفرج عليا!، شوف عملت ايه؟ثم اشارت على الجميع باصبعها بسخريه و مازالت دموعها تجرى دون توقف و لكن ليس ندما او توبه او حتى شعور بالذنب و لكن لانها خسرت، امتلكت كل شئ بانتقامها و لكن خسرت اغلى ما تمنت، انتصرت بذنبها و افعالها و لكنها خسرت نفسها و رغباتها، منتشيه بلذه الانتصار و مكتويه بنارها ايضا لتهتم بظفر مشوب بالخساره: كلهم شربوا من نفس الكأس اللى انا شربت منه، الكل خسر قدام السمعه و الشرف حتى لو برئ، كله عاش الوجع و الاهمال اللى انا عشته، انا رخيصه، و رخصت الكل معايا!ثم اتجهت لحنين و مازن واقفه امامهم و هى تبدو في حاله غير طبيعيه لتهتف و هى تشير عليهما بسبابتها: عارفه، انا اللى قتلت فارس، انا اللى لونت فستانك الابيض بدم جوزك يوم فرحكم، انا اللى قتلت فرحته و فرحتك و قصمت ظهر ابوه و امه و كسرت جده و دمرتكم..ثم ضحكت بصوت عالى مع شهقات الجميع بصدمه تملكت منهم و خاصه نهال التى كادت تفقد وعيها من اثر وقع الكلمه عليها فأكملت نجلاء بانتشاء واضح كمن تعاطى جرعه ممنوعات لتمنحه نشوه سلطانيه: انا نجحت و دمرت كل حاجه، كل حااااجه..ارتفعت ضحكاتها مجددا وحنين تنهار ارضا بينما اتجهت هى لجنه لتقف امامها بابتسامه ساخره: فاكره لما ماجد مات، يوم ما اخدك في حضنه..انتفضت جنه بينما اقترب اكرم منهما و جسده يرتعد قلقا على زوجته التى دخلت في حاله صدمه تامه و جنه التى كانت تحدق بها بعينين متسعتين و ملامح جامده، و قبل ان يُظهر اى رد فعل اقترب عاصم من نجلاء بقوه ممسكا عنقها بيده صارخا بصوت هادر: اقسم بالله هموتك..حاولت تخليص نفسها من يده حتى نجحت لتبتعد عنه و هى تنظر لجنه صارخه بهستريا ضاحكه و هى بالتأكيد بعيده كل البعد عن عقلها: انا اللى دبرت العربيه اللى قتلت ماجد، انا اللى حرمته شبابه و حرمتك منه و بسببى عشتِ يتيمه طول عمرك، انا السبب..صفعها عز بقوه لتسقط ارضا و مازالت ضحكاتها تملئ المكان بجنون بينما قلب الجميع اصبح في قلب واحد، قلب مدمر تماما...لوْ كنتَ أنتَ مَعي و النَّاسُ غائِبةٌعَنّي لمَا ضَرّْني مَن غابَ أوْ هَجَراإنْ كنتَ حوْلي فَكلُّ النَّاسِ حاضِرةٌحوْلي وإنْ غِبتَ لمْ أشْعُرْ بمَن حَضَراالعَيْنُ بَعْدَ حَبيبِ القَلبِ ما عَرفَتْإلا الدُّموعَ وإلا الحُزْنَ والسَّهَراإنَّ السَّعادةَ في ظِلِّ الحَبيبِ، فإنْوَلّى، تَوَلّتْ فلمْ نَلحَظْ لها أثَراسعيد يعقوب.كنت هسامحك، قولت هنسى و هعيش حياتى من اول و جديد و هسامح بس دلوقتى...!صمتت حياه بعد تلك الكلمات التى وجهتها لوالدها الذى كان يطالع الارض خجلا و جبينه يتصبب عرقا وعيناه تتطلع بنجلاء التى اصابتها حاله من هيستريا الضحك و هى تتحرك بجنون ارضا بعد تلك الصفعه التى ادمت شفتيها من يد عز و لكنها لم تبالى...رفع عبد الرحمن رأسه لابنته و التى رغم انتفاضه جسدها كانت عيناها تحمل اطنانا من القسوه والاشمئزاز لم يتوقع احد ان يسكنا عينا حياه خاصه فاردفت بنبره حاده: بس دلوقتى انا مش هسامحك، مش هسامحك طول حياتى، لا هسامحك و لا هسمح لك تسامح نفسك و هتفضل دائما عايش بذنب انك كنت السبب بتدمير حياتى..ثم صرخت و دموعها تنهمر بغزاره: حتى لو مت مش هسامحك، سواء انت او..قطعت كلماتها مشيره باصبعها على شادى الواقف من اعلى لاسفل بازدراء ثم تمتمت باستحقار: او ده!ثم بحركه مسرعه تحركت لخارج المنزل في اتجاه منزلهم بينما بالداخل يكاد مازن يجن ما بين ابيه الذى جاهد ليأخد انفاسه واضعا يده على قلبه بضغط عنيف و ألم لا يُحتمل فاجتمع الجميع حوله بفزع، و بين والدته التى انهارت بشكل سئ حتى بدت على حافه الجنون و بين حنين قلبه التى تجمدت تماما و كأنها غابت عن الواقع مره اخرى...و وسط هذا و بعدما نظر عبد الرحمن لظهر ابنته المنصرف استدار لينظر لزوجته التى اخفت وجهها خجلا منه و اشفاقا على نفسها من رجلا مثله رغم علمها و مصارحتها سابقا بما فعل من نجلاء ذات ليله انتقام ايضا و لكن بتهديد بعدم اخبار احد و ضعيفه مثلها لا تجرؤ على التفوه بكلمه فاعتصر قلبه قبضه من نيران اكلت روحه بنهم...فرفع عينه لشقيقته المنهاره و التى ضمتها ليلى بشبه انهيار هى الاخرى فامتلئت عينه بدموع ندمه و حسرته على ما زرعه سابقا ليحصده كاملا الان و ما اسوءه من حصاد..مر بعينه على والده الذى استكان في جانب بعيد و هو يحرك شفتيه بكلمات مبهمه بدت له كدعوات اقتنصت روحه حتى كادت تزهق انفاسه، ليستقر بعينيه على محمد الذى طُلبت الاسعاف له فشعر نيرانه تأجج بغضب شمل روحه و خاصه عندما رأى ملامح معتز التى اصابها جمود قاسى ليفكر لحظات، هل من الممكن ان يكون معتز ولده من صلبه؟! هل من الممكن ان يكون نتيجه خطأ عابر فعله هو بنفس راضيه لينكره بعدها بنفس واهمه بالراحه؟!اغلق عينه و ضميره يغصه اكثر ثم فتحهما ليعود ببصره لتلك الملقاه على الارض تنظر للجميع بتشفى واضح و نظرات هيستيريه مع ضحكاتها العاليه و التى لم يلتفت اليها احد و الجميع منشغل في صدمته او التجمع حول محمد خشيه ان يُصاب بمكروه ما...فتذكر على فور ما قرأه يوما في لحظه عابره لم يعيريها انتباه.يَا بُنَيَّ مَنْ كَشَفَ حِجَابَ غَيْرِهِ انْكَشَفَتْ عَوْرَاتُ بَيْتِهِ، وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِهِ، وَمَنِ احْتَفَرَ لِأَخِيهِ بِئْرًا سَقَطَ فِيهَا، وَمَنْ دَاخَلَ السُّفَهَاءَ حُقِّرَوعجبا هو فعل كل هذا!اعتدى على حرمه بيت اخر فاعتدى اخر على حرمه بيته،حفر بئر لها – نجلاء – و اغرقها فيه و لكنه لم يدرك انه احدهم سيدفعه ليغرق ايضا بل ووجد يدها تجذبه للغرق اكثر،.استهون بكبيره الكبائر و خاض فيها بعنفوان فخاض احدهم في نفسه و شرفه...!قطع افكاره المؤلمه صوت سياره الاسعاف تتوقف امام الباب لتستعيد نهال بعض تماسكها وهى تركض لزوجها و صوت بكائها سهم غادر اصاب قلبه فما حدث لشقيقتيه هو السبب به..ألم الصغيره و التى ماتت قبل ان تسامحه، و الكبيره تكاد تموت امامه و ايضا بالتأكيد لن تسامحه، كل هذا بسببه!تم نقل محمد للسياره و صعد مازن معه و عاصم بعدما صرف شادى و الاخرين معه و طلب من البواب ان يمنع خروج نجلاء وحتى ان اضطره الامر لتقييدها حتى يعود، بينما لحق بهم بعض افراد العائله، بينما تمسكت ليلى بنهال ومنعتها فهى لن تكون عونا بقدر ما ستكون عله!نهضت مها واقفه و دموعها تنهمر بصمت و هى تنظر لنجلاء بصدمه شلت عقلها عن الاستيعاب ثم نقلت بصرها لوالدها الذى اخفى عينيه عنها لتنظر ارضا و يدها تبحث عن يد اكرم – كأنها تبحث عن حمايتها الان و قوتها التى كانت في امس الحاجه اليها – الذى شعر بدماؤه تجمدت فور لمستها و عجبا لم يكن يريدها فأبعد يده بسرعه استغربتها لتُصاب روحها بخوف و جزع كاد يفقدها حياتها جزعا عندما نظرت اليه و دموع الحسره و الخوف مما هو قادم تملئ عينيها لتحرك شفتيها بحديثها الصامت انا عاوزه امشى.و هنا طافت عيناه على وجهها ليداهم عقله سخريه عندما فكر قليلا بنسبها...زوجته ابنة قاتله ابيه، يا لا سخريه القدر!شعر بيدها تمتد لتحتضن يده مجددا و كأنها تذكره بمن هى و هاجس تركها ببساطه لذنب غيرها يهاجمها بقوه ولكن هذه المره لن تتحمل، و لكنها عجبا تقدر شعوره، تقدر صمته و التشتت الذى كسا عينيه، تقدر ألم قلبه على ماضٍ ليس لكلاهما يد فيه، و لكن رغم انفها هى ابنه نجلاء!فانسابت اصابعها على يده المضمومه بقوه لتفتحها ببطء لتزرع اصابعها الهزيله بين فضاء كفه بانتفاضه جسدها الذى جعله ليلتفت اليها و ظل لحظات ينظر لعينها...لحظات اطول من الدهر و اغلى من العمر، لحظات اخبرتها ان القادم سئ، و ان سئ الحظ دائما سئ الحظ، و ان من حُكم عليه بالعقاب سينفذه لا محاله حتى ان كان بريئا!امسك يدها بضعف دون ان يمنحها قوته ليقويها، دون ان يضغط كفها ليطمأنها، دون ان يمنحها السكينه او يريح تفكيرها...فنظرت لوالدتها بخزى رغما عنها ف ازدادت دموعها و هى تستغفر الله بخفوت فتحرك بها اكرم للخارج دون اى حديث و خاصه بعدما ركضت جنه من امامهم لتصعد للاعلى دون انتظار ان يحدثها احد..و كم سولت نفسه له الان ان يأخذ جنه و يبعد بها عن هنا!عن حجيم ماضٍ ليته لم ينكشف؟!عن نفوس مليئه بالحقد حتى نست ماذا تعنى رحمه الله؟!عن ارواح ماتت رغم وجودها على قيد الحياه؟!ولكن ماذا يفعل و كيف؟ لا يدرى!خاصه مع وجود روحا معلقه بروحه، ابتسامه مشتقه منها ابتسامته، و بحر فيروزيتها التى يود الان لو يغرق به غرقا ليس بعده عوده، غرقا يمنحه الخلاص لاحمال كتفه الثقليه و التى اوشكت على احناء ظهره!و لكنه الان لا يرى حتى خلاصا، و لا غرقا، فقط غدرا، و دماء لوثت الايدى قديما لتبقى اثارها حتى هذا اليوم لتمنع الابيض من النصوع و تمنع القلب من الخضوع!و عند هذا لم يشعر بنفسه الا وهو ينطلق بسيارته بسرعه خياليه باتجاه منزله...رفع معتز بصره اخيرا مستجيبا لنداءات هبه بصوتها المبحوح اثر بكائها و يدها التى كانت تمسد يده بسرعه لعلها تمحى تلك البروده التى اصابته لترى بعينه فضاء واسع من ألم مبرح اصاب قلبها في مقتل و هى ترى نظراته تتحرك على وجهها بلا حياه تذكر فيهما..قبل ان ينظر لبطنها المنتفخ بصدمه و تشتت جعلها تشهق بخفوت و هى ترى عينه تقول أمور كثيره بشأن ابنهما، امور من شانها ان تنهيها فضمت نفسها بقوه وهى تردد اسمه...ولكنه نهض متجاهلا اياها متحركا باتجاه نجلاء ليجلس على ركبتيه امامها فازدادت ضحكاتها و هى تنظر اليه فاحتضن وجهها يُزيل دموعها التى انهمرت لا تدرى منذ متى، ليهمس بصوت لا يُسمح الا لها: ليه؟ ليه محبتنيش؟نظرت له لتطلق ضحكه صاخبه قبل ان تهتف برعونه و صفاقه: انا مبحبش حد، بحب نفسى بس، انا و بس...ثم زمت شفتيها لاسفل في حركه دلت على مدة تيه عقلها و ضياعها المؤقت لتُشير بإصبع مرتجف لعبد الرحمن لتهتف بحزن لا تدعيه و لكنها ايضا لا تشعر به: و حبيته، حبيت نفسى و حبيته، بسابتعد معتز عنها لتعاود ضحكاتها تملئ المكان بينما يتابعها معتز بجمود ثم رفع عينه لحامد ليقترب منه ببطء و مد يده مصافحا ببرود: اتشرفت بمعرفتك يا استاذ حامد!شعر حامد بقبضه تعتصر قلبه و هو يرى نظرات التيه و الشرود بعين معتز و التى احالها عنه لينظر لهبه التى تقدمت منه و بدون كلمه اخرى تحرك بها لخارج المنزل و اتجه بعدها لمنزلهم وصمت مطبق عم عليهم طوال الطريق...انفض الجمع الا من كبار العائله بالاضافه لليلى التى جلست على كرسى مجاور و نهال التى منعتها ليلى من الذهاب للمشفى على وعد من مازن باخبارها بكل جديد...نهضت نهال واقفه و هى ترمق حنين التى انكمشت على نفسها بجانب المقعد تنظر لنقطه وهميه وكأن الامر عاد لنقطه الصفر مره اخرى..فعادت ببصرها لنجلاء مقتربه منها و اوقفتها و نجلاء تطالعها بتوجس مشوب بضحكها الغريب فنفضتها نهال بحركه غير متوقعه و هى تحركها بعنف لتنهار مجددا بصراخ قلب ام ذُبح ذبحا عن طفلها الذى ابعده القدر قسرا عن حضنها: ليه؟ عمل فيكِ ايه؟ ليه تحرمينى منه؟ كنت ءأذيه، اوجعيه بس سيبيه في حضنى، حرمتينى منه ليه؟ ليه؟ حرام عليكِ، حرمتينى منه ليه؟ظلت تصرخ بها مع رفع يدها لتنهال على وجهها و جسدها بضربات متتاليه بضعف و هى تصرخ باسم الله و روحها تكاد تفارق جسدها، و جاء العون من اخر مما توقع الجميع حيث نهضت حنين بهدوء مُميت تتحرك باتجاه نهال مكبله حركتها و هى تبدو في حاله من الصمت القاسى و فقدان الاحساس بالواقع، فنظرت اليها نهال بانهيار بينما ضحكات نجلاء تجابه صراخاتها فقبلت حنين رأسها و هى تضمها لصدرها و تحركت بها للخارج لتعود لمنزلهم...بينما رمقت ليلى ظهرهما المنصرف بأسى و هى تنظر لنجلاء باشمئزاز و قلبها يبكى دما على اخيها الذى ربما كانت ستراه مجددا لولا تدابير تلك المرأه التى فاق خبثها خبث الشياطين..و تحركت بعجز باتجاه غرفتها بينما بقى بالخارج كبار العائله بالاضافه لعبد الرحمن..نعم انفض الجمع ليعود كلا لحياته و لكن بنقص ما، و ربما باكتمال ما! من يدرى؟!و وسط كل هذا فقد عبد الرحمن اعصابه التى انهارت تماما حتى نهض بغضب منقضا على نجلاء لتطبع اصابعه عده صفعات متتاليه يا وجهها مستمتعا بصرخاتها لتستقر يده على حجابها ليجذبها منه مندفعا بها باتجاه الحائط و بكل ما اوتى من قوه دفع رأسها بالحائط بغضب اعمى وهى تصرخ و تضحك و تبكى في الوقت ذاته و كأنها تشعر بما فاق تحملها من الالم، ولكنها ايضا لا تشعر بأى شئ!نهض امين بعنف ليمنعه و لكنه تجمد مكانه عاجزا عن التصرف فماذا يقول او يفعل و هو نفسه يريد ان يفعل بها هذا و ما يزيد ايضا، حتى جاءت الضربه القاصمه عندما دفع عبد الرحمن رأسها بأسوء ما يكون فصرخت صرخه ارتجف لها قلبه قبل الجميع بقلق فتركها مبتعدا بصدمه مما جنته يداه لتسقط هى على حرف الطاوله القريبه لتخسر من نفسها الكثير في مقابل ما جنته لتكون تلك هى نقطه النهايه...وضع اكرم المفتاح بباب المنزل و لم يتحدث بكلمه واحده فدلفت مها بينما فوجئ هو بقليل من جيرانه يستقبلونه بالتهانى و الكلمات الطيبه التى تدعو له بالسعاده و الذريه الصالحه، و قابل هو كل هذا بابتسامه باهته مصطنعه و كان وقع التهانى عليه كوقع امرا جللا على رأس من نسى الامر..حتى ابتعدوا من حوله ليدلف للداخل فزفر بقوه و هو يتحرك باتجاه غرفته ليجدها مستلقيه على الفراش رافعه الغطاء حتى رأسها لا يظهر منها شيئا...فوقف بجوار الباب يطالعها قليلا وهو يشعر بضيق شديد و بالوقت ذاته يشكر لها صنيعها فهو لا يريد احد بجواره الان فرأسه ينفجر حيره و حسره؟!دلف للمرحاض ليبدل ملابسه بينما هى اخرجت رأسها من تحت الغطاء لتنظر للمرحاض بحزن شديد و عيناها تذرف الدموع بلا توقف..الى اين ستدور بها عجله الحياه؟الى متى ستظل تجابه ما فوق قدرات تحملها؟متى ستنهض النهوض الذى لا سقوط بعده؟ما ذنبها؟ و لكن، ايضا ما ذنبه؟هو بكلمات بسيطه اخبرها عن مدى حبه لاهله، و الان هل سيمنعه ماضٍ عنها؟هل ستقف العقبه التى وضعتها والدتها بجداره في طريقها بين قلبيهما؟هل سيخبو عشقها من عينيه و يختفى اسمها عن شفتيه و يُمحى اثرها من قلبه؟هل من شعرت به يقويها، هكذا يكون عندما يضعفها!هل من منحها كل شئ، قادر على سلبها كل شئ!و اه، فما اسوء المنح عندما يُتبع بالمنع، ما اسوء الجود عندما يُتبع بالبخل، ما اسوء غنى المشاعر عندما يُتبع بالفقر!فإن كان حبه – هو – ضعيفا فأين و لمن تكون قوه الحب!لكن مع كل هذا لن تتخلى و لن تبعد و لن تضعف!سيرفضها، يهجرها، يبتعد و ليكن؟هى لن تفعل!هى من ادركت معنى القوه بعد الخنوع، و ادركت معنى الحياه بعد العجز، و ادركت نفسها بعد التيه!لن تتخلى عما اختارته بإرادتها، لن تتخلى عمن يعنى لها كل هذا، من دق قلبها حقا اليه، من عزف لحنه الخاص على اوتار حياتها و بدونه، بدونه لا حياه لها!ابدا لن تتخلى حتى، حتى ان كان رغما عنه!قطع هدير افكارها خروجه من المرحاض بمنامته السوداء فأخفت رأسها بهدوء مجددا فلم ينتبه لها و لكنه اقترب منها مراقبا حركه صدرها الذى يعلو و يهبط من اسفل الفراش فأدرك انها تدعى و صدقا لم يكن يريد مواجهتها الان...فكيف يفعل و ماذا يقول؟فما عرفه اليوم ايقظ كل نيران حزنه دفعه واحده،فلا هو يدرك حقيقه شعوره الان، و لا يستطيع التجاوز عنه؟هل هو في قمه سعادته لتحقيق حلمه بفيروزته ام في قاع جحيمه لمعرفته ان والده قُتل عمدا؟يقولون ماضى و انتهى فلننظر للان و لكن كيف ينسى انه والده و بالاخص عشق والدته!كيف ينسى بكاء والده على والدته و اللجوء لحضن ابنه ذا العشر سنوات!كيف ينسى الرجل الذى كانت يستمع لدعاء والدته باسمه ليعيش حياه مديده بعدها لينعم العالم بأنفاس رجلا لن يتكرر مرتين!كيف ينسى انه كان من الممكن ان يرى شيب والده و يحفظه كصور معه كما وصته والدته؟كيف يتجاهل كل هذا!اجل قدر الله و لكن موجع...!حقيقه كهذه تخفى كل ملامح حياته في طيات وجع لم يعد يتحمله!تحمل الكثير و لكنه لم يعد يتحمل!اضناه الوجع و لا يجد حضن والدته ليطمأنه، قُصم ظهره و لا يجد كتف والده ليستند عليه، اماته الالم حقا و ليته يستطيع الصراخ!و لكن هل للرجال صرخات!هل للرجال ما يعبر عما يحنى ظهورهم و يُزهق انفاسهم!اطلق تنهيده مكتومه بأصابعه ثم استدر بعينه التى تشبعت بألمه القاسى لينظر لجسدها المخفى اسفل الغطاء الخفيف ليغلق عينه عاجزا عن الاقتراب منها...هل يستطيع اللجوء لحضنها!هل يستطيع البكاء على كتفها كما كان يفعل مع والدته!هل يستطيع الاعتراف بعشقه المحمل بوجع قلبه!هل يستطيع لومها على نسبها ثم يقبلها ليصرخ بحبها!رفع يده ليلامس كتفها و لكنه في هذه اللحظه تحديدا كان اضعف ما يكون فجذب يده بعنف معتصرا ملابسه بقوه و اظافره تكاد تنغرس في لحم جسده...و ظل على هذا الوضع لا يدرى كم مر من الوقت حتى استدار بعنف مجفلا من انتفاضتها بقوه عن الفراش و هى تكاد تلتقط انفاسها و جبينها يتصبب عرقا مع التصاق خصلاتها الشقراء بجانب وجهها..فازدرد ريقه قلقا عليها و هو ينظر اليها ليجدها تدور بعينها في الغرفه بلهفه حتى استقرت على وجهه فانطفئت اللهفه ليعود الامان يشغلها بدفء فتمتم بخفوت: انتِ كويسه؟اومأت برأسها بصمت و قبل ان يسألها عن شئ اخر اعطته ظهرها لتنام مجددا، فاعتدل على الفراش مستندا بظهره على الوساده جوارها عاقدا ساعديه امام صدره ناظرا لظهرها و هو يقاوم رغبته في ضمها لصدره...فبعد كل شئ و بغض الطرف عن اى شئ، هى فيروزته!حلمه الذى نام و استيقظ عليه ليالى و سنين، دعوته المستمره و التى كانت هى استجابتها،.هى التى شاركته في حديثه مع ربه، هى التى نقشت اسمها على صفحه قلبه فأصبح لا يُمحى، هى من سار في دروب عشقها، على اشواك غيرته، لوعه بعدها رغم القرب، نيران الخساره رغم المكسب!هى صاحبه بحر الفيروز و كفى!اعتدل بقلق اكثر عندما تحركت جواره بحركات عنيفه لتحرك شفتيها بحديثها الصامت و الذى قرأه هو وساعده على ذلك اعتياده على هذا: لا، اسمعنى بس، بالله عليك افضل جنبى، لااااا.ثم انتفضت مجددا و انفاسها تكاد تختفى و عرق جبينها يزداد مع احمرار عينيها لتدور عينها في الغرفه بلهفه اكبر قبل ان تستقر على وجهه مجددا ليعود الامان يملأها..فاستدار لها بكامل جسده ليرفع يده مزيلا خصلاتها عن وجهها مغمغما بتفحص مضطرب و هو يقاوم احساسه بقربها و الذى اجتاحه كنيران نهشت قلبه و عقله معا: اهدى اهدى دا كابوس...نظرت اليه لتلمع عينها بالدموع و لكنها دون كلمه اخرى اعطته ظهرها مجددا لتنام، و بعد بعض الوقت من الجهاد حتى لا تنام مره اخرى غلبها تعبها و صداع رأسها و خوفها لتسقط في النوم مجددا كأنها تهرب...بينما هو عقد حاجبيه متفحصا اياها بجزع مشوب بالتعجب من انتفاضتها المتتاليه فظل ينظر لظهرها و يطل عليها من عليائه ليرى جانب وجهها فابتسم بحنان غلب كل مخاوفه و حزنه ليجد ان مجرد شعوره بها قربه يعنى له الدنيا بما فيها...و لكنها لم تمنحه الفرصه للتفكير بأمر جيد او سئ عندما نهضت بفزع اكثر عنفا هذا المره و دموعها تغرق وجهها بغزاره و رأسها تتحرك يمينا و يسارا بالنفى لتنظر اليه هو هذه المره بلهفه قلقه قبل ان تخفى وجهها بين يديها لينتفض جسدها ببكاءها فشعر بقلبه يهوى بين قدميه فإقترب منها دون تفكير محاوطا اياها بذراعيه ليضمها بقوه زادت مع قوه انتفاضه جسدها ليمسح بيده على شعرها مرددا ايات من القرءان الكريم لعلها تهدأ و لا يدرى كم مر من الوقت حتى هدأت متمالكه احساسها الخائف فأبعد وجهها عن صدره ليهمس امام عينيها و يديه تُزيل دموعها بسرعه و لمساته الدافئه تشمل روحها بمزيج من امان وخجل: اهدى حبيبتى محصلش حاجه!توقفت عيناها على شفتيه و هو يردد كلمه حبيبتى لتُحرك شفتيها كأنها تتذوقها بحديثها الصامت الذاهل حبيبتى!فاستقرت عينه على شفتيها هى الاخرى ليميز ترديدها للكلمه فابتسم و شفتاه تطوف على وجهها بعاطفته التى اخبرتها انها اكثر بكثير من حبيبته حتى ابتعد ناظرا لعينيها التى فاضت بدموعها ليغرق فيها ببساطه متمتما بهمس بترقب: ايه اللى قلق نومك كده؟عادت عينها تلمع بالخوف و هى تتذكر الكابوس الذى راودها ثلاث مرات و التى كانت به تستجدى اكرم ألا يرحل و لكنه غض الطرف عنها راحلا بدون تفكير بها و من مجرد كابوس كهذا شعرت بارتجافه جسدها ترفض، كل ما بها يرفض، كل خليه بها تتمسك به، لن تتخلى عنه، ابدا لن تتخلى!تعلقت عينها بعينه مجددا ليمنحها نظره مطمئنه لتمنحه السكينه و تخبره عما يؤرق نومها ف حركت شفتيها تخبره فتعلقت عيناه بشفتيها منتظرا ما ستقول و الذى شعر به كسهم غادر نفذ لقلبه ان انت كمان هتسبنى! هتبعد عنى زى الكل، هتعمل زي...صمتت عنوه عندما قطع كلماتها بين شفتيه فيما يشبه القبله و لكنها لم تكن هكذا ابدا..كانت اشبه باعصار يعاقبها به، اشبه بفيضان اغرق كلاهما في طريقه، غرقا لا نجاه منه، غرقا يعنى الحياه بالنسبه لكليهما!كانت قبلته الاولى كارثيه...فانتفض قلبها بين ضلوعها يأن ندما، على سوء ظنها بتفريطه بها!فقبلته اخبرتها انها تسكنه، و ما اجمل ان تعيش معه حب يسكنها و تسكنه!قبلته اعطتها ما فقدته من امان طوال عمرها، اعطتها قوتها بعد ضعف روحها و نفسها!قبلته اخبرتها ان لا حياه له بدونها، و بدونه لا حياه لها!حياتهما قطعه بازل هى النصف و هو الاخر و بدون احداهما لن تكتمل ابدا مهما استبدلناها!قبلته التى اخبرتها بوضوح ان لا مجال للمقارنه بينه و بين غيره، و لا مجال للتفكير بأحد في حضوره و لا في غيابه حتى!فهى يبدو انها بينها و بين نفسها ستردد اسمه التى اصطبغ العشق بحروفه، و تلون قلبها بألوانه!و اكد هو تفكيرها عندما ابتعد عنها اخيرا ليستند بجبينه على جبينها محاولا التمسك بأنفاسه اللاهثه ليهمس من بين اسنانه بغضب: اياكِ، تقارنى بينى وبين حد تانى، اياكِ تذكرى اسم حد تانى قدامى او حتى بينك و بين نفسك، مراتى انا، متفكرش غير فينا، انا و هى و بس!ثم فتح عينيه لينظر لملامحها بنهم قبل ان تستقر عيناه على جفينها المطبقين ليتأوه بخفوت هامسا بانفعال: اتخلى عنك! ازاى اقدر اتخلى عنك؟! انتِ كنتِ كنزى و هديتى بعد طول صبرى، كنتِ حلم و اتأخرت قوى على ما حققته، و دلوقتى بتقولى اتخلى عنك، دا انا اتخلى عن روحى بس انتِ لأ...!اقترب منها يميل بشفتيه على عينيها المغلقتين مغمغما بتحكم عشقه: بحر الفيروز اتخلق علشانى و مش هسمح لحد تانى يسكنه...اختلج قلبها بين ضلوعها من تشخيصه لعينيها بهذا الوصف الذى تسمعه لاول مره، لترقص نبضاتها على الحان نبضاته و التى منحتها اعزوفه اتقنت قدماها بخطواتها الرقص عليها..فعاد يزفر بقوه و هو يتمتم من بين اسنانه متذكرا لوعته السابقه ببعدها عنه: انتِ عارفه انا كام مره اتعذبت بقربك قبل بعدك؟رفع يده يلامس وجنتها اليمنى ثم منحتها شفتاه باقى اللمسات بشغف عاشق و هو يردف بنفس النبره الهائمه: عارفه كام مره اتمنيت ألمسك، امسح دموعك، و اقولك مبقدرش على زعلك!ثم لامس وجنتها الاخرى بنفس الشغف الحارق و الذى جعلها تذوب اكثر و اكثر بين يديه ليخرج صوته بعدها مهزوزا و هو يقول بخفوت شديد: كام مره اتمنيت احضنك يمكن تسمعى دقات قلبى و على وجعى تحنى!فتحت عينها مع بحه صوته الذى اختفى تماما في كلمته الاخيره لترى عيناه المغلقه و هو يعض على شفتيه لتشعر بإرتجافه جسده لتدرك انه كان يطمأنها لكنه يكتوى بنار ما عرفه للتو..الامر ليس بهين و لكنه لم يتحمل خوفها فداس وجعه بقدميه ليعبر بها لشط الامان!محى الألم من عينيها بتنازله عن فرحه ضحكته و جرف مشاعره اليها!بينما هو يتلوى بين نيران ماضيه، و هواجس حاضره..يشتعل غضبا و يزيده عجزه عن اعاده الماضى و لو قليلا!لذا لم تشعر سوى به و بوجعه فقط، فأحتوته بين ذراعيها و هى تضمه لصدرها بقوه احساسها به لتتساقط دموعها تؤازره و لاول مره تشكر عجزها عن الكلام فلم يكن هناك ما سيسعفها الان!و لكن جادت يداها بفيض كلماتها على ظهره و خصلاته و هو كطفل عاد بعد غياب لحضن امه!ادركت بقلبها عظم شعور هذا اللحظه على اكرم تحديدا،.ذلك الطفل الذى فقد امه قسرا استجابه للقدر، ليتغرب بعدها طواعيه ثم يفقد والده غدرا فيعيش طوال عمره وحيدا حتى الان!هذا الحضن الذى منحه ما عجز الدهر ان يمنحه اياه طوال هذا الوقت، و الذى بداخله شكرها شكرا لن يوافيها حقها بما منحته اياه!لم تتحدث و لكن انفاسها سطرت الف كلمه و كلمه في قاموس قلبه!لم تعده بشئ و لكن حضنها اعطاه الف وعد و وعد بألا تتخلى عنه و ألا تسمح له بالتخلى عنها!لا يوجد اثبات لفظى على مشاعرها و لكن قبلاتها المحبه على شعره و جبينه منحته عهد موثق والف اثبات على عهد قلبيهما معا!عهد لن ينتهى مهما صار و لن يضعف مهما مر عليهما..وان كان أُلقى بطريقهما عقبات فمعا يد بيد سيتخذانها درجات نحو السعاده، نحو الافضل، نحو عالم جديد يضم كلاهما، هو و هى فقط!بالرغم من انه لا يمكن ان نعود للوراء لنصنع بدايه جديده، الا انه يمكن ان نبدأ من الان في صناعه نهايه جديده.ماركوس اوريليوس.تقدم معتز لداخل المنزل و هبه خلفه بينما لا ترى اى تعابير على وجهه الذى اصابه جمود كاد يُقف قلبها حتى جلس على الاريكه في صاله المنزل الخارجيه ينظر ارضا دون كلمه واحده، فاقتربت منه جالسه بجواره و وضعت يدها على كتفه فلم يبدى انه شعر بها حتى، و تمتمت بأسى واضح: معتز علشان خاطرى، اتكلم، اصرخ، زعق، اعمل أى حاجه بس متفضلش ساكت كده!ابتسم ابتسامه جانبيه و اطبق عليهم الصمت لمده من الوقت مرت عليها اطول من سنوات حياتها حتى نظر اليها قليلا بنظرات جعلت قلبها يهوى بين قدميها ثم نهض و امسك بيدها حتى انهضها و تحرك بها باتجاه غرفه نومهم حتى اوقفها امام المرآه و نظر لانعكاس كليهما بها ثم نطق اخيرا بعد طول صمت بنبره ذبحتها ذبحا: فاكره لما سألتينى عن صورتنا اللى جمعتها المرآه دى يا هبه!نظرت لملامحه بصدمه و خوف حقيقى و هى تتذكر ما يحكى عنه و الكلمات لا تختفى من عقلها كأنماا اراد الزمن حفرها..تعتقد هتفضل المرايه دائما جامعه صورتنا كده، هتفضل محوطانا جواها كأنها بتقول مكانكم سوا و بس، تعتقد المرايه مش هيجى يوم و تتكسر يا معتز؟وضعت يدها على شفتيها و هى تنظر لعينه التى تنظر لانعكاسهما بنظرات خاليه من الحياه، لتتذكر رده وقتها..يوم ما المرآه هتتكسر انا هتكسر معاها يا هبه، وانا يوم ما هتكسر مش هفضل في حياتك ابدا...شهقت بعنف و هو يرفع يده ليضعها على حافه المرآه من الاعلى ليجذبها بقوه ارضا فسقطت مهشمه لقطع صغيره تناثرت حولهما، تناثر معها نبضات قلبها هلعا من فكره يأسه، ابتعاده، او تخليه عنهما...فتساقطت دموعها و هى تستدير له مقتربه منه لتدفع كتفه باتجاهها لينظر لها بدلا من النظر لقطع الزجاج المهشمه و هى تحاوط وجهه بيديها و تندفع متحدثه بلهفه: معتز، متفكرش في حاجه، كل حاجه هتبقى تمام، كل حاجه كانت كذب مفيش اثبات...ازداد انهمار دموعها مع اضطراب انفاسها و امواج عينها تدعوه ليسكنها، ليغرق بها، لينجرف معها في تيار حبهم دون التفكير بما هو فات او ما هو أتٍ و عادت تهتف بانفعال: علاقتنا بس حقيقه، انا و انت و حمزه، حبنا بس حقيقه، علاقتك الجديده معايا و صفحتنا سوا مع ربنا بس حقيقه...ابتلعت ريقها بسرعه و هى تحرك رأسها نفيا لتردف بنبره سطر عشقها له حروفها فامتزجت لهفتها بخوفها، ثقتها بيأسها، و ما اقساه من مزيج: انت مش هتفكر في حاجه، هنرمى كل حاجه ورانا و نعيش لبكره و بس، ماشى يا معتز، مش هنفكر..قطعت كلماتها بشقهه عنيفه عندما همس بخفوت و بطئ شديد امام عينها مقاطعا اياها: انا ابن حرام، جيت على الدنيا بغلطه و عشت طول حياتى غلط، انا مليش نسب! انا ابن حرام يا هبه!نبرته المهتزه قتلت روحها فاقتربت منه محتضنه اياه علها تمنحه بعضا من حنانها ليعوضه فراغ روحه الذى اهلكه و اضنى قلبه الذى يترنح كالذبيح بين جنبات صدره و همست باحتواء لا يقدر عليه سواها: انا مقدره و فاهمه اللى انت...و لكنه يبدو انه كان ابعد ما يكون عن استيعابه الان فأبعدها عنه بحده ليصيح مقاطعا اياها و هو يضحك بشده مع لمعان عينه بدموعها: لا انتِ مش فاهمه، و مش عارفه انا حاسس بإيه؟اخفت ضحكته تدريجيا و هو يضرب صدره بقوه على موضع قلبه قائلا بشعور مجروح ذاهل: انا مُت، قتلونى بإيديهم، ابويا و امى قتلونى بدم بارد، و سكينه بارده، ابويا...قطع كلامه بضحكه سخريه لاذعه ليهتف و هو يشيح بيده بعشوائيه فاندفعت دموعها تؤازره دون حول لها و لا قوه: ابويا؟! مين ابويا؟ مين اهلى؟نظر اليها ثم رفع يديه يحاوط كتفيها بكفيه يضغط عليهما بقوه و عيناه تستقر على امواج عينيها التى غامت بأمواجها المنهمره دون توقف بنظرات تشتت و ضياع خالص كأنه طفل صغير يستجدى وجود امه، و شعوره يشابه شعور اليتيم الذى تاه عن صاحبه فلا هو عاش بأهله و لا هنأ بتبنى، فقط يقف في العراء دون كسوه يتلقى ضربات الهواء و لسعات البرد المؤلمه دون توقف، حتى انفرجت شفتاه يهمس بتوسل امام عينها عاجزا عن منح نفسه الرد الذى يتمناه و لكن يخشاه: انا مين يا هبه؟هربت الكلمات منها و لكن لم تفارق قلبها لتترجمها شفتاها بعشقها الخالص له: انت راجلى، سندى و ابو ابنى، انت حياتى، انت بكل تفاصيلك – بحزنى منك قبل فرحى، و بوجعى منك قبل سعادتى – نبض قلبى، انت سيد القلب يا معتز!اطلق آه طويله و هو يجلس على طرف الفراش ليواجه بطنها المنتفخ و يهتف بحده ولدها انفعاله و تفكيره الممزق: وعدتك مش هخذلك بس خذلتك، لانى مش عارف ايه نسبى علشان اعرف نسبك، مش عارف مصيرى ايه؟ علشان..قاطعته هبه و جلست امامه لتنظر اليه و هى تحتضن وجهه بكفيها لتهمس بقوه شعورها به و صدق مشاعرها نحوه: مصيرك مصيرى، دائما سوا.لاحظت تحركه و خطواته التى لم تأبه بقطع الزجاج المتناثره فأسرعت للمطبخ و عادت تلملمها بعيدا عنه، حتى انتهت و التفتت اليه لتجده يطالعها بسخريه و تسائل أتخشى عليه جرح الزجاج و كل ما به قد تمزق فعليا نظر اليها قليلا قبل ان ينهض ليرفع مرتبه الفراش ليُخرج حقيبه كبيره من اسفلها ليضعها ارضا و يجلس على ركبتيه امامها فاتحا اياه لترى هبه عده العاب طفوليه، طائرات ورقيه، دفاتر مدرسيه و الكثير من الرسائل المطويه، و صناديق زجاجيه صغيره فاق عددها العشرين...عقدت حاجبيها تطالع ما امامها بدهشه حتى ابتسم هو بانكسار و هو يرفع عينه لها و همس بخفوت: اقعدى!جلست امامه في الجهه المقابله للحقيبه و دموعها ترفض التوقف فرفع بعض الدفاتر المدرسيه امام عينه ينظر اليها قليلا ثم اعطاها لها بأصابع مرتجفه و هو يوضح لها بضياع: دفاترى في المدرسه، كنت بجمعهم علشان لما بابا يرجع يوقع ليا عليهم، كنت بحتفظ باللى درجاتى فيها عاليه علشان يفتخر بيا، كل سنه او تقريبا كل يوم ميئستش على يقين انه هيرجع، في يوم من الايام هيرجع...صمت لحظات ليهمس ببحه مذبوح: بس مرجعش!آنه خافته فارقت شفتاها و هى تتطالع خطه الطفولى، علاماته العاليه و كلماته العابثه على سطور الدفتر بالاضافه لغلطاته الاملائيه الكثيره فأغلقت الدفتر و ضمت اياه لصدرها لتتساقط دموعها بانهمار عجزت عن التحكم فيه..فنهض جالسا بجوارها رابتا على رأسها بحنان قلبه حُرم من اختباره فمنحه لها بسخاء متمتما بنبره مواسيه كأنه يواسى روحه لا هى: متعيطيش، و متزعليش، عادى انا وقتها مكنتش يئست...لم تستطع النظر اليه لانها تعلم انها ان فعلت سيقتلها حيه بنظراته المكسوره فرفع الطائرات الورقيه ليبتسم مع ازدياد روحه بخدشا جديدا: كل اول يوم عيد كنت بشترى طياره و اطلع اقعد على سطح بيتنا استناه يجى يقولى كل سنه و انت طيب، استنى يجى نلعب بيها و نطيرها سوا، لحد ما كنت بنام و هى في حضنى، لا هو كان بيجى و لا انا كنت بطيرها...انتفض جسدها ببكاء عنيف فاحتضنها بذراعه مهدئا اياها و هو يصرخ ألما بداخله...نفسه تائهه و عاجز هو عن ايجادها، روحه ممزقه و لا يستطيع جبرها، و لكنه يرغب بمشاركتها هى شخصيا صندوق ذكرياته، الصندوق الذى ضم حياته كلها ليجدها الان مجرد سراب...ابتعد عنها و حمل الرسائل بعشوائيه ليضعها على امامها بهدوء و هو ينظر اليها بعينين مشتتين و صوته يختنق بذكرياته و وقعها القاسى على روحه: من صغرى و انا طريقتى في الشكر او الاعتذار او طلب هى الرسايل، زى ما عملت معاكِ، كنت كل يوم بكتب له رساله و ارميها من الشباك و انا نفسى انها تطير توصله، بس كانت دائما تقع على الارض فانزل اجيبها و انا مضايق انى مش قادر اوصله رسالتى بس وقتها مفهمتش ان انا مصيرى دائما اقع على الارض، فاحتفظت بيهم يمكن يرجع و يسهر يقراهم، في جواب بطلب منه طلب مش قادر عليه، جواب تانى بعتذر على غلط عملته و جواب ثالث بحكيله عن نجاح حققته، بس كلها موصلتش..وضعت يدها على صدرها تجاهد لتلتقط انفاسها، مدركه ان معتز يحاكيها ليمحى اثار قديمه بأخرى جديده و لكنها لم تكن بالقويه التى عهدها الان، ان لم يمنح نفسه القوه فستخذله هى ايضا، و لكن ربما وجودها بجواره وحده قوه!رفع لعبه صغيره على شكل طائره و ادار محركها فأصدرت صوتا مميزا قبل ان تُحلق حولهم حتى اصطدمت بالجدار المقابل لتسقط ارضا فابتسم بسخريه مريره و انفاسه تكاد تفارق جسده ليهمس باختناق: احتفظت بكل لعبى علشان اثبتله انى مش مستهتر، و علشان العب معاه لما يرجع بس مكنتش فاهم ان زى ما الطياره بتصطدم بالجدار و تقع انا كمان هقع، و وقعت!حركت رأسها نفيا بقوه و هى تجاهد لتتحدث و لكن شفتاها انطبقا على بعضهما فلم تعد تميز من الحروف او الكلمات سوا حروف اسمه فهمست به بخفوت: معتز!نهض واقفا و مال على الحقيبه حاملا الصناديق الزجاجيه بيديه ليطالعها بدهشه لحظات قبل ان تخونه دمعه ساذجه لتسيل على وجنته فأزاحها بيده بعنف مائلا على هبه بجذعه مظهرا الصناديق لعينها لتتبين هى الوريقه الصغيره بداخلها فتمتم بلوعه: الصناديق دى بعدد سنين عمرى، كتبت في كل واحده امنيه نفسى يحققها ليا، لحد الان كان عندى امل يقرأها، كبرت و الامل جوايا بيموت بس انا كنت بحارب علشان اسيبه يعيش، بس النهارده...صرخت بحده و هو يدفع بالصناديق ارضا و جسده ينتفض بعجزه و وجعه و صاح بانفعال تام، انفعال لم يخفى نبره الموت من صوته: بس مات الامل و انا مت معاه، كل حاجه انتهت، انتهت..صرخ بالاخيره بأقصى ما يملك من صوت و هو يفقد اخر اعصابه و تماسكه الواهم و يده تمزق ما طالته من دفاتره و رسائله و تدفع بالصناديق ارضا و هو يكاد يتنفس حتى سقط ارضا على ركبتيه ليهمس بضياع لم يشعر به من قبل في روحه رغم ما مر به من ضعف: دلوقتى انا مش عارف مين هو علشان اقوله يا بابا...!، مش عارف مين هو علشان اشاركه ذكرياتى اللى عشت سنين عمرى اجمع فيها له، ...!، مش عارف مين هو علشان اعرف مين انا؟!ما اسوء شعوره و ما اقساه من قدر!ربما كان مدركا و متحملا الفراق و الابتعاد عن ابيه – او من كان يظن انه ابيه – لكن ما يشعر به الان من ضياع فاق ما تستطيع نفسه تحمله..فما اسوء من الغربه، النفى!سلبه الماضى هويه الحاضر و حياه المستقبل!لم يتمسك اهله به و لم يسعه حضن احد بعدهم بعيدا كان او قريبا!و دائما خلف كل ضحكه دمعه صامته، و خلف استهتاره روحا ممزقه!يا لشقائك يا معتز القلب يا لشقائك!جلست هبه بجواره فألقى برأسه على ساقيها ليضم جسده بقوه و نبرته شقت قلبها شقا و هو يهمس بتيه: انا تعبان يا هبه، قلبى وجعنى و مش عارف افكر، حاسس بنفسى تايه في طريق ضلمه لوحدى، حاسس انى بغرق و مش قادر اخذ نفسى.بللت دموعه ملابسها و هى تضم جسده اليها عاجزه تماما عن التصرف..ماذا من الممكن ان يفعل المرء في موقف كهذا!الطفل الذى يعيش طوال عمره في العراء ثم بعد حين يلقى الدفء، يا لسعده!الطفل الذى يتلوى من اليأس و يضنيه الوجع ثم ينير الامل حياته، يا لفرحه!و لكن الطفل الذى يتجرع كأس الألم مرتين احداهما طواعيه و الاخر قسرا، يا لشقاؤه!الرجل الذى عن موطنه يتغرب لينفى بعدها اجبارا، يا لوجعه!ماذا تفعل؟هل هناك كلمات تواسيه؟هل سيُمحى ما مر به من تفاؤل ليحطم على صخره الواقع بدون مرعاه لشعوره، ببساطه!هل تسعفها كلمات لتنير قلبه من غمامته و تُزيح عنه ظلمات نفسه!لا والله فلقد تاهت الكلمات من قاموسها و الحروف تقف خزيا امام ضعفها!و على ساقيها كان هو كمن يحتضر..انفاسه بالكاد تخرج من صدره و صدقا لم يعد يرغب بها!عقله فقد قدرته على التفكير سواء بالسئ او الحسن!قلبه مبعثر تماما لا هو سليما و لا هو قتيلا فقط بين الحاليتين يتلوى!ما بين حرائق ماضيه، براكين حاضره، و مجهول مستقبله!يشعر بنفسه كحرف جر داخل جمله طويله لا محل له من الاعراب!كمعادله حسابيه هو بها مجرد صفر على اليسار!ما قيمته و قد سلبه الجميع ما يميزه!سُلب حتى اسمه!هو معتز فقط، لا اكثر من هذا او اقل!فأى نسبا يمنحه لطفله!و اى عار هذا الذى نُسب اليه!اهناك اسوء او اقسى مما يشعر به!ماذا يفعل؟ و هو فقط في حاله مزريه من التشتت اللامسمى..!شعر بيدها تربت على شعره برفق و صوتها الهادئ و الذى ما زال يحتفظ بإختناقه مع كلماتها التى حملت قوتها المعهوده: معتز اللى قدر يتغلب على شيطان نفسه بفطرته السليمه هيقدر يتغلب على شيطان ماضيه اللى بيحاول يخرب حياته و مستقبله، معتز اللى قدر على سلطان الاستهتار و البزخ و حياه الحرام و فتح صفحه بيضاء مع ربنا و تاب من قلبه بجد هيقدر على رسم مستقبل واضح له و ليا و لابننا اللى دائما هيفتخر بأبوه و قوته، معتز اللى ادرك غلطه و مكابرش لا و عاتب نفسه و جلدها قبل فوات الاوان هيقدر ينسى غلط غيره و يصلحه لنفسه قبل فوات الاوان، خصوصا ان مفيش اثبات على تيه نسبك و بإيديك تتأكد منه!مالت عليه تنظر لملامحه بحالميه لم تعرفها في نفسها من قبل و لم تراه في نفسها سوا معه، معه، له و من اجله، و همست بقوه ثقتها من عشقه لها و قوه احساسها بعشقها له: معتز اللى قدر يفوز بقلبى بعد ما انا فكرت انه خسره هيقدر يفوز بنفسه بعد ما فكر انه خسرها، عارف ليه!اغلق عينه بقوه اكبر لتميل هى على اذنه بهمس اعاد ايقاظ ثقته بنفسه، كلمه واحده كانت له الدواء لكل وجع و الطيب لكل جرح: لانك معتزى!ثم تركت قبلتين على وجنته كانت خير دليل على ثقتها به...رغم حزنها على ضعفها و ان هذا فقط ما استطاعت قوله لكنها لم تدرك انها كانت ببساطه تخبره ان الطريق امامهما ما زال مفتوحا...لتعاود عباره عاصم اختراق سمعه بس للاسف مكنتش متأكده مين والده!هذا يعنى انه ربما يكون ابن حامد لا عبد الرحمن! ربما يكون ابنا من الحلال!شعر بنبضاته تتواثب بسرعه كبيره معلنه عن امل جديد ينبض في قلبه!هو لم يعد بحاجه لابيه بعد كل هذه السنوات التى قضاها بمفرده و لكنه صدقا بحاجه لنسبه..بحاجه لان يرى نفسه يستحق طفلا و حياه شريفه دون ماضى عفن سيدمر مستقبله و مستقبل عائلته..يا الله صدق – عز و جل – عندما قال أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب (8(ان مع العسر يسرا!و مع كل عسرات حياته جاء اليسر فيها هى – فلته الثمينه – الذى كل يوم عن سابقه يدرك قيمتها!وسط كل هذا الالم يبرق وجهها ك فله ناصعه البياض في حديقه حياته شديده السواد..هى في حياته كدعوه مستجابه في عز الاحتياج ليأتيه العون بها بعد التيه..هى انقى، اجمل، اغلى ما في حياته، بل هى حياته نفسها!هى المبتدأ، و الخبر، هى الفاعل، و المفعول بل هى الجمله كلها!لم يجد ام تمنحه حنانها، و لكنها فعلت!لم يجد اب يسند ظهره و يلصب طوله، و لكنها كانت!لم يجد دربا يسير به بعيدا عن ضياعه، و لكنها لاجله آلاف الدروب رسمت!و وسط ضياع كل شئ كانت هى المكسب، و وسط كل حزن كانت هى للسعاده مهرب!رفع رأسه ناظرا اليها ليضم وجهها بيده ليُزيل دموعها متمتما بحسره: قولتلك قبل كده بلاش تبكى عليا دموعك اغلى منى!رمقته بنظره عاتبه تلومه بها، ليمنحه طوفان مشاعرها المتفجر بعينها ما كان يبغاه الان..طوفان اخبره انه لها اغلى ما تملك!و حبها له اثمن هدايا القدر!و عشقه لها اغنى ما ورثه قلبها!فنهض مريحا رأسها على صدره متمتما بصدق عاطفته الذى مس قلبها: انتِ اغلى حاجه في عمرى، لا انتِ عمرى كله!فرفعت نفسها قليلا لتقبل جبينه مهمهمه بارهاق فصد العرق على ملامحها خاصه من وجع ظهرها الذى ازداد بشناعه كأنها تذكره بواجباته ان فكر التخلى عنها: حمزه بيحبك يا ابو حمزه...فجاهد هو ليتحمل ألم معدته الذى تجاوز الحد المعتاد و خاصه مع عدم تناوله لدواءه هذا الصباح انشغالا بتحضيرات الزفاف و نظر اليها نظره لم تفهمها و تمتم بضعف ضاغطا شفتيه بقوه: و انا بحبه، و بحب ام حمزه، لكن لأبو حمزه نواقص لازم يكملها..تمتم بها بثقه عاقدا العزم على تنفيذ ما انتواه!و رغم غموض كلماته لكنها اطمئنت لها، رغم شعورها بالخوف من رد فعله او ما يعقد العزم على فعله لكنها كانت واثقه انه ابدا لن يتخلى عنها، ليس فقط لانها بحاجه اليه، و لكن لانه يدرك انا كلاهما يحتاج صاحبه اكثر...و مع ألمه الذى ازداد بقوه شعر بيدها توضع على وجهه تمحى عرقه بخفه متمتمه باهتمام حزين: الالم شديد؟كان سؤالها اقرب لاجابه منه كسؤال فنظر لعينها دون كلمه فساعدته ليقف او بالادق ساعدها هو..وكأن كلا منهما يخبر الاخر انه يستند عليه!ان كل منهما عون لصاحبه لا يستطيع التخلى عنه!انه حان الوقت لكى يتحرر العصفور مكسور الجناحين من قفصه، ليفضى في سماء الحياه بانطلاق!و لكن لابد من جبر، و اصلاح ما افسدته الايام في النفوس؟!
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل التاسع والأربعونعاد عز و عاصم للمنزل و جسده يأن وجعا بعدما اطمئنا على محمد الذى عاد للمنزل مع مازن فاستند عاصم على الدرج ناظرا لوالده ليتمتم بخفوت لاول مره يراه والده به: تعتقد انى غلطت يا بابا!ربت عز على كتفه و هو يحرك رأسه نفيا هاتفا بقوه ناقظت شعوره المطعون من اقرب الناس اليه: لا يا عاصم، كل فرد في العيله كان لازم يعرف حقيقتها، و بعدين انت بس ساعدتنا نعرف النقطه الفاصله و اللغز اللذى حيرنا سنين، و من هنا لازم كل واحد يقف على رجليه و يقوى!و ضع يده على جبينه يضغطه بخفه محركا رأسه موافقا و هو مازال يشعر بتأنيب الضمير على فعلته، لا يدرى حقا ان كانت خطوه صحيحه ام لا!فتنهد عز متذكرا شكل نجلاء و كلام الطبيب عنها بعدما نُقلت للمشفى مردفا بحزن: نجلاء اذنبت و لازم تتعاقب و للاسف مش هيبقى عقاب في اخرتها بس، القدر بدأ يقول كلمته..ثم رمق عاصم بنظره عطوف رغم انكسار نظراته: سلم التسجيل للشرطه بكره، و خلينا نشوف قدرها هيوديها لفين!حرك عاصم راسه موافقا و تحرك بخطوات بطيئه للاعلى باستعداد تام لمواجهته مع جنته الصغيره و التى ستكون صعبه حتما..دلف للغرفه ليجد الظلام يعم المكان فتعجب لقد اعتقد ان يراها مستيقظه لم يعتقد انها ستنام ببساطه هكذا، فأشعل الضوء الخافت للغرفه حتى لا يزعجها و لكنه اصطدم بها تجلس ارضا امام الفراش تستند بظهرها عليه و تضم ركبتيها لصدرها و عينها شاخصه في اللاشئ تضم اطار ما لصدرها بدون اى تعابير حقيقيه على وجهها..فأشعل الضوء مقتربا منها زافرا بقوه ليجلس ارضا امامها لتمتد يده للاطار الذى تحتضنه و ابعده عنها لينظر اليه و كما توقع تماما كان اطار لصوره والدها الذى يدرى مدى عشقها له فوضعه جانبا و امتدت يده تحتضن يدها متمتما بخفوت مناسبا لرغبته العارمه في محو كل ما يشغل تفكيرها الان: قومى نامى كفايه كده النهارده..ثم ضم كتفيها بكفيه لتقف امامه متحركا بها باتجاه الفراش فتوقفت مكانها و هى ترفع عينها اليه بحده ناقضت قولها الهادئ و الذى كان اقرب لاقرار اكثر منه سؤال: انت كنت عارف!اشاح بوجهه عنها متجاهلا سؤالها و لكنها امسكت كتفه جاذبه اياه اليها لينظر لها مجددا بنظرات اخبرتها بوضوح انه بالفعل كان يعلم فاحتدت عينها اكثر و هى تقول بقوتها الجديده و التى لم تخذلها الان: ليه خبيت عليا يا عاصم؟! ليه قولت نص الحقيقه و سكت عن النص التانى؟! ليه خبيت؟صمتت و صمت متجاهلا نبرتها العاليه نسبيا و التى بدأت تفقده اعصابه حقا مع كم الضغط الساقط عليه و لكنها لم تصمت بل عادت تصيح بحده مشبعه بوجعها: حتى لما قولت لاكرم، ليه مقولتش الحقيقه كامله؟ رد عليا ليييه؟صرخت بالاخيره بصوت عالى ليعقد هو حاجبيه غضبا اصرت هى على اخراجه من داخله و هو كان في اكثر اوقاته تعبا فلم يستطع التحكم في غضبه و هو يصرخ في المقابل: صوتك ميعلاش يا جنه؟ انا اقول اللى انا عاوزه و مقولش اللى مش عاوزه، سامعه؟هاجت مشاعرها بقوه وجعها و هى تهدر بحنق و ضيق سُلط عليه بانفعال: ليه؟ ليه من حقك كل حاجه و احنا ملناش حقوق، ليه تختار امتى تقول؟ و ايه تقول؟ و احنا مجبرين في كل وقت نسمع و نتفاجئ و بس، ليه مفكرتش تشاركنى او تحكى ليا؟اعتقل كتفيها بكفيه ليهدر بغضب عاصف اخفى خلفه ألم روحه و هو يهزها بعنف: لانى خايف عليكِ..افلت ماردها المجنون هى الاخرى فدفعت بذراعيه عنها بشده و هى تعود للخلف خطوات لتصيح بصوت شبه صارخ غير واعيه للزمان او المكان او من يسمعها او يقف امامها حتى فقط اعماها وجعها عن استيعاب ما حدث فغلفته بقوتها المزعومه الان: لحد امتى هتفضل شايف نفسك القوى اللى تقدر تتحمل كل حاجه و اى حد تانى ضعيف؟ لحد امتى هتفكر ازاى غيرك هيتصرف و على اساس تفكيرك تحكم و تنفذ بدون اى اعتبار للطرف التانى؟صمتت لحظه تلتقط انفاسها اللاهثه و هو امامها يرمقها بنظرات مشتعله تُنبأها بعاصفه غاضبه قد تنتهى بأسوء ما يكون و لكنها عجبا لم تهتم، رغم ان حصونه حاوطتها كالعاده موجها اسهمه اليها و لكنها الان استقبلتها طاعنه لا حاميه لتعاود صراخها باخر اقوى و هى تقترب منه خطوات حتى واجهته تماما: امتى هتفهم انى من حقى تسألنى و تسمعنى؟! من حقى افهم انا ماشيه فين و ازاى و قدامى ايه؟! امتى هتستوعب ان الدنيا فيها غير عاصم الحصرى؟! و ان زى ما ليك رأى لازم الكل يحترمه انا كمان ليا رأى لازم انت تحترمه؟! لحد امتى هتفضل شايف نفسك اكبر من اى حد و اقوى من اى حاجه؟!زفرت بقوه و هى تشعر برغبتها العارمه في البكاء على صدره و لكن هناك حاجز غير مرئى يقف امامهما، هناك قوه ضعيفه تدفعها عنه،و كم ودت لو يصرخ حتى تتقد نيرانها اكثر و لا تخمد، فانطفاء غضب روحها يعنى اشتعال وجعها و هذا ما لا ترغب به ابدا و خاصه في يوم كهذا، بفاجعه ك التى عرفتها اليوم!و مشكور هو عندما اعطاها ما ارادت عندما اندفع باتجاهها قابضا على ذراعها بقوه مهوله حتى كادت اظافره تغرس في لحم ذراعها و صوته يُجسد الغضب بأسوء حالاته: طول ما انتِ الطرف التانى، يبقى هحميكِ، لو الحد دا انتِ يبقى اه، هتفضلى في نظرى ضعيفه و محتاجانى، و لو فاكره ان قوتك هتخليكِ تستغنى عنى تبقى غلطانه..حاولت التملص من يده و كلماته تُزيد من نيرانها اكثر فهتفت بقوه رغم ان التعبير خانها: ايوه محتاجاك معايا بس مش مكانى!اطبق كفيه حولها بقوه و هو يجذبها باتجاهه لتصطدم بصدره ناظرا لعمق عينها التى خذلتها لتتساقط دموعها تباعا بقوه وجعها على ما صار بوالدها، بقوه ألمها على ما وصلت اليه حياتها بفعل حادث مدبر، بقوه عجزها عن اخراج مكنونات قلبها المترنحه بضياع كطير ذبيح..و هدر بحده رغم غضبها اخفت في طياتها قوه عشقه لها و خوفه عليها: انا مبستحملش حاجه توجعك، مستعد ادفع عمرى بس انتِ ترتاحى، متعرفيش وجعك بيوجعنى ازاى، و غصب عنك و عنى هخاف عليكِ، هخاف عليكِ بقوتك قبل ضعفك، بقوتك اللى بتهربى بيها من وجعك دلوقت، لاننا لما بنتعلق بحد قوى بنحاول نحميه..ثم اشاح بيده و لكن لم تفارق عينه عينها و هو يردف بحده اكبر: مش فارق معايا صح او غلط، مش هفكر ينفع او مينفعش، لكن بكل الطرق و اى الطرق همنع عنك الوجع...ثم خفضت نبرته قليلا ليهمس بصدق شعوره المكتوى لاجلها بنبرات اخبرتها انه لم يفعل هذا الا لاجلها و صدق فلقد ذبحها الامر ذبحا: انا مش بلغى شخصيتك و لا بمحى وجودك انا بحاول امنع عنك اى حاجه توجعك...ثم صمت و كست عيناه نظرات مكسوره غلفها ألم كبير شمل روحه قبل كلمته اليتيمه التاليه: و توجعنى!قيد حركتها تماما لا بيديه بل بكلماته و التى اخبرتها انه يتلوى ألما بألمها، فاستند برأسه على رأسها و روحه المرهقه تناشدها ضمه، ضمه يتخلى كلاهما بها عن اوجاع قلبه، يتخلى كلاهما بها عن ما يهلك روحه، ضمه تمتزج بها دموعهم فترسم بسمه، ضمه تتلون بها اوجاعهم لترسم لوحه، لوحه تلونها اصابعهم بألوان البهجه، لوحه تضم كلاهما فقط و بينهما ضحكه!و كأنما قرأت هى ما تخاطبها به دقات قلبه فرفعت يدها تحاوط عنقه بقوه دافنه وجهها بصدره ليضمها هو بقوه اكبر معبرا عن حاجته لحضنها هذا مدركا حاجاتها المماثله اليه..فانهارت قوتها المزعومه و تهاوى قناع قوتها المتماسك ليتصدع كذب تحملها و تبرق قشرتها الضعيفه التى تهدد بانكسار، لتصرخ باكيه بكل وجه روحها، و توالت دموعها تغرق قميصه فازداد من ضمه لها حتى صاحت بتيه مزق قلبه: بابا يا عاصم...شدد من ضمها فانتفض جسدها بين ذراعيه و ذكريات يوم الحادث تواجهها بقسوه فعادت تصرخ بنبره اكثر ألما: حرمتنى من بابا يا عاصم...استغفر الله بصوت مسموع لامس قلبها بخزيه فشهقت بعنف و جسدها يفقد السيطره على نفسه لينتفض بقوه اكبر و اقسى على قلبه، و عادت تصرخ و لكن خرج صوتها متقطعا اثر بكائها: اتحرمت من كل لحظه احتجت فيها لحضنه، من كل مره كان نفسى اسمع صوته بيطمنى، اتحرت منه و عشت من غيره، اتحرمت منه يا عاصم...ثم اختنق صوتها بشهقاتها التى لم تسمح لها بقطع كلماتها التى توالت بنبره مبحوحه شبه واضحه: بابا كان كل حياتى، كان ابويا و امى، كان صاحبى، و كان حبيبى بس...ثم انهارت و ارتفعت شهقاتها بعنف شديد اصاب قلبه بسهم غادر جعله ينزف ألما عليها و اليها و انهت كلماتها بصرخات بين وعى و هذيان: بس بعد عنى بدرى قوى...وضع يده على رأسها يدفنه اكثر بصدره و هو عاجز تماما عن قول اى شئ الان و لكن ربما افضل لها ان تفرغ مكنونات صدرها التى ارهقت نفسها طوال عمرها..زادت شهقاتها بقسوه عليها و عليه و هى تهمهم بكلمات لم يعد يسمعها او يميزها فيما يشبه الهذيان، فأبعدها عنه لينظر لوجهها بجزع فدقت اجراس الخطر قلبه عندما رأى ملامحها الشاحبه و انفاسها المضطربه، و عيناها الشبه مغلقه فربت على وجنتها بخفه ناسبت همسه المتلهف باسمها و لكنها كان في وادٍ اخر تردد كلمه بابا دون انقطاع حتى تراخت تماما على ذراعيه فحملها ليضعها على الفراش و هو يمسح على وجهها بحنان و قلبه يؤلمه اشد الألم لاجلها ثم اقترب طابعا قبله على جبينها كأنه يعتذر ثم استلقى بجوارها عاهدا نفسه و اياها قبله عهدا انه مهما كان و كيف كان لن يسمح بأى وجع يصيبها بعد الان...بعدما اطمئن الجميع على محمد و رفضت نهال ان يظل احد معه سواها كان مازن جالسا بغرفه الاستقبال عندما طرقت حياه الباب حتى جاءها صوته سامحا لها بالدخول فجلست على الاريكه بجواره و عينها تحكى بوضوح عن بكائها الطويل بانتفاخها و احمرارها الشديد فاعتدل امامها ليضع ذراعه على طول كتفها ضاما اياها لصدره فعادت تشهق بقوه مجددا فزفر و هو يضمها اليه اكثر و لكنها ابتعدت ناظره لعينيه برجاء خالص: بالله عليك سيبنى اسافر، انا مش قادره اتحمل اعيش في البلد دى، و مش عاوزه ارجع لاهلى و لا عاوزه افضل هنا، وافق يا مازن علشان خاطرى، انا محتاجه اسافر و ابعد عن هنا فعلا..اغلق عينه لحظات يستمع اليها فابتعدت بجسدها كاملا عنه لتُمسك يده و تضغط عليها بقوه شعورها بالغدر الان: انا محتاجه ابعد و ابدأ حياتى في مكان تانى من جديد، محتاجه انسى كل اللى حصل هنا و انسى معاه المكان و الناس و افتكر نفسى بس، محتاجه اقدر اقف على رجلى لوحدى بدون سند يسندنى علشان لما يغيب انا ما تكسرش، انا محتاجه نفسى اللى كل واحد في حياتى سرق منها شويه...طالعها بصمت قليلا ثم حرك شفتيه ليتحدث و لكنها اردفت بتمنى اكثر عله يمنحها خلاصها من حياتها المهمشه هذه: ارجوك فكر فيا شويه، فكر في حياتى اللى ارتسمت على كيف كل واحد شويه بدون رأيى و بدون رغبتى، و انا دلوقت عاوزه اسافر و احقق لنفسى كيانها، عاوزه ارجع لحياه القويه اللى كان عنفوانها اهم حاجه فيها، عاوزه اعيش بعد ما كل حاجه حواليا بتموتنى..ثم نظرت لعينيه بتفحص قائله و هو متيقنه تماما منه فهمه لحديثها دون جرح لكرامته: انا من حقى احب و اتحب يا مازن، من حقى اعيش و ابنى بيت و اكون اسره و اكون ام، من حقى اختار انسان يشاركنى دنيتى بعد ما ابنيها...ازداد انهمار دموعها و هى تردف بأسى و خزى حقيقى من والدها: كل لحظه ليا هنا هتبدأ حلوه هتنتهى بغدر، كل مره هقف على رجلى هيجى حاجه توقعنى، و انا تعبت من المقاومه، تعبت من نفسى اللى انتهت و كل مره كان غصب عنى، مره من جوزى، مره من بابا و مره من الماضى، لسه ايه تانى؟ انا زهقت من حياتى كده..زفر بقوه مقاوما رفضه و لكن الفكره التى استقرت برأسه يلائمها طلبها الان فتمتم بتساؤل: هتسافرى امتى!اخفضت رأسها بخزى لتهمس باقرار: انا وافقت على المنحه من فتره و السفر بعد بكره!رمقها بنظره عاتبه على تصرفها دون اذنه و لكنه إلتمس لها العذر فهى حاولت لمره واحده ان يكون قرارها نابعا وفقا لارادتها، ان تُمنح حق الاختيار الذى سلبه اقرب الناس اليها منها..و لكن ما زال قلبه ينبض قلقا عليها فعاد يقول باقرار مرسخا الفكره في رأسه ايضا: مش هتسافرى لوحدك؟عقدت حاجبيها ضيقا و هى تهم بالرد عليه و لكنه وضع يده على شفتيها مغمغما بابتسامه لعوب جاهد لينزعها من بقايا روحه المشتعله و ابتسامه باهته شاحبه تتراقص على شفيته: انا مقدرش اعيش من غيرك، فا هسافر معاكِ و اهو نهرب من هنا سوا بعيدا عن أى حد و أى حاجه..ابتسمت هى مدركه مزاحه المستتر خلفه قلقه عليها، اردكت رغبته في حمايتها و الاطمئنان عليها، ادركت وجعه الذى ينوى الهرب منه قليلا، قليلا فقط عله ينساه..و لهذا ابتسمت بالمقابل و هى تقترب منه و برغبتها في شكره لم تجد افضل من قبله عميقه على كفه تبعتها بأخرى على رأسه قائله بنبره صادقه في مشاعرها الاخويه تجاهه: ربنا يبارك في عمرك و تبقى دائما جنبى يا مازن..كلا منهما يدرك حقيقه الواقع بينهما لكن تلك التى كانت تقف على باب الغرفه لا تدرك..تلك التى اصابتها كلماتهما كنصل سام شق قلبها لنصفين، تلك التى جاءت راغمه تشاركه هم قلبها الذى لم يشاركها به احد و لم تستطع تحمله بمفردها، تلك التى شعرت انها بحاجه اليه تحديدا و خاصه الان!جاءت و يا ليتها لم تأتى؟!فعندما وصلت رأته يضع يديه على شفيتى حياه، ليقول ما قال معبرا عن حبه لها – كما اعتقدت هى – و ما اقساه من اعتقاد..هو يعشق زوجته و هى مجرد فرد زائد يود هو الهروب منها...هى من شعرت انها لن تبكى و لن تُخرج مكنونات صدرها و قلبها الذى ذاق الفقد مره، إلا لديه، بقربه، بكلماته الحانيه و ربما بحضنه، و للاسف جاءت اليه لتدرك انها ستذوق مراره الفقد مرتين!الاول استنفذ روحها و الثانى استنفذ كل ما فيها!يقولون ان القلب يحب مره واحده..بأقوى ما فيه، و اغلى ما عنده..!و لكن هى عاشت الحب مرتين، بأقوى ما فيه و اغلى ما عندها..كان الاول نبض القلب، و الثانى القلب كله!كان الاول غذاء روحها، و الثانى روحها كامله!وضعت يدها على شفتيها و عقلها و قلبها معا يتفقان على تلك الحقيقه التى ارتجف لها جسدها..تحب!هى تحبه؟!؟كيف؟متى؟و لماذا؟ركضت من امام الغرفه مسرعه لتدلف لغرفتها مغلقه بابها خلفها بعنف و وقفت امام المرآه تنظر لنفسها بذهول تام و نبضات قلبها الثائره و الممزقه تُصدق على حديثها..كان عقلها يخبرها و لكنها تجاهلته امام ثبات قلبها و لكن الان قلبها ثار عليها. , و بقى ضميرها في المنتصف، ليخبرها بخيانتها..خائنه لعشق خسر نفسه لاجلها، خائنه لأخر نبضاته كانت لها، خائنه لطفوله جمعت بينه و بينها!فقط خائنه!انتفضت من مكانها تحرك رأسها بجنون و هى تردد بنفى هستيرى مشتت: لا، لا، انا مش، لا، مش بحبه..حركت يدها بعنف و ضغوطات حياتها، قلبها و روحها تواجهها مره واحده فهى منذ وفاه فارس و هى تخفى جزءا كبيرا من ألمها بداخلها..سكونها مقابل ثوران قلبها!صمتها مقابل صخب انفاسها!نفيها مقابل اثباتات روحها!كل هذا دفعها لتفقد اخر حدود العقل لديها لتجن صارخه و هى تدفع كل ما طالته يدها على طاوله الزينه امامها ليسقط ارضا مهشما..حبٌ اختارته و اختارها تخونه امام حب اختارته و ليس لها!حبٌ حمل كل يوما فيه ضحكاتها تخونه امام حب حمل في كل دقيقه دموعها!حبٌ أحيى قلبها تخونه امام حب أمات روحها!نظرت ارضا و جسدها ينتفض بكاءا حتى اصطدمت عينها بصوره فارس التى سقطت و تهشم اطارها و زجاجها فشهقت بصدمه نزعت روحها نزعا و هى تقترب من الزجاج لتضع قدمها فوقه و بهذا اقنعت نفسها بعقاب فارس لها...صرخت بألم و قطع الزجاج تمزق قدمها و لكن وجع روحها كان اقسى و اعنف و هى تمتم بحاله من اللاوعى: انا خاينه، انا خنته، خنت حبه ليا...تجسدت امامها صوره مازن و حياه و هو يعبر عن حبه بوضوح و شفافيه لها فزاد ضغط قدمها على الزجاج لترتفع صرخاتها وجعا و خزيا و صوتها يرتفع و هى تلوم نفسها بقسوه: انتِ خاينه يا حنين، انتِ خاينه..فُتح باب الغرفه بقوه و دلف مازن و خلفه حياه – بعد ان استمعا لصوت التهشم وصرخاتها التى تلته بلحظات – فشهقت حياه بعنف من مظهر حنين و الدماء التى تركت اثارها على الارض بينما شعر مازن بالدماء تتجمد في عروقه و هو يراها على هذه الصوره فاقترب منها هاتفا بجزع: حنين!توقفت مكانها عندما وصلها صوته المتلهف و هى ترفع عينها بحده كبيره اليه لتشير بسبابتها عليه هادره بغضب خارج حدود مداركها: متقربش منى، اخررج بره..توقف دون التقدم عاقدا حاجبيه بتعجب من صراخها، مظهرها، دموعها، و ايضا ما تفعله بنفسها و لكنه اعتقد ان كل هذا لصدمتها التى اعادتها ليوم زفافها فتقدم منها مجددا و لكنها عادت للخلف الخطوات التى تقدمها هو و هى تحرك رأسها بهيستريا غير اعتياديه مع قولها النافى بانفعال شديد حتى بدت له غائبه عن وعيها: انت بالذات مش عاوزه اشوفك، اخرج من حياتى..ثم ضربت صدرها موضع قلبها بقسوه بقبضتها و دموعها تزداد انهمارا و لكن كلمتها التاليه ضربت قلبه في مقتل عندما صرخت بغضب ربما من نفسها اكثر منه: اخرج من قلبى!نقلت حياه بصرها بينهم مدركه ان الوضع هنا لا يرغب بها قبلهما فانسحبت بهدوء للخارج رغم خوف قلبها على ما فعلته حنين بنفسها و لكنها مدركه كما كانت هى بحاجه لمازن حنين بحاجه اليه اكثر منها خاصه ان تلك العنيده ترفض الاعتراف لنفسها بحبها الذى ملأ روحها قبل قلبها كما ان مازن في اشد اوقاته احتياجا اليها!بينما رمقها مازن بصدمه و كلمتها تخترق قلبه بمعنى تمناه و يخشاه!بقدر ما كانت الكلمه بسيطه بقدر ما كانت قويه،و رغم ما حملته من مشاعر جميله حملت اكثر من مشاعر النفور و الكره،.و لكن مظهرها هذا لا يمنحه فرصه التحدث حتى فاقترب منها اكثر و لكنها تراجعت مجددا لتضغط على قطعه عريضه من الزجاج فصرخت صرخه اخرجت معها آه قلبها فانتفض من مكانه ركضا باتجاهها ليُمسك ذراعها و لكنها نفضته منه و هى تدفعه عنها صارخه بنبره مشتته: انت ليه عملت كده؟ انا مش خاينه، مش هخونه، ازاى تعمل فيا كده؟ و ليه؟ ليييييه!ازداد انعقاد حاجبيه و هو لا يدرى عما تلومه!ماذا فعل بها؟لحظه واحده، عن اى خيانه تتحدث؟!من ستخون!بدأ هاجس الحقيقه يداهم عقله الذى انكرها و يستقر بقلبه الذى استقبلها، فانتقلت حيرتها اليه بأقسى ما يكون و اجمل ما يكون!عادت تهتف بما يشبه الهذيان و ملامحها تبتعد تماما عن ملامح حنين الهادئه لتظهر بصوره جنونيه مع اختلاط حكل عينها بدموعها: انا مش خاينه، مش خاينه...ثم اقتربت منه لتضرب بقبضتها على صدره دافعه اياه للخلف و استسلم هو لدفعها و عيناه مثبته على قدمها الدامى: انت السبب، انا بكرهك، ايوه انا بكرهك، انا مش عاوزه اشوفك، اخرج من هنا، اخرج من حياتى، اخرج منها، اخرج..تمتمت بالاخيره بضعف و عارضت يدها لسانها و تمسكت بقميصه بقوه تجذبه باتجاهها و اخفضت رأسها ارضا و ظلت تردد ما بين: اخرج و بين انا مش خاينه.بينما هو تجمدت يديه بجواره و هو عاجز عن ضمها حتى و كلماتها تُأكد له صحه شعوره بحبها، هل هذه النتيجه اذا، أحبته فرأت نفسها خائنه!لو تجاهلنا حقيقه ان فارس اخ مازن!ألا تعرف انه لا يحق لها شرعا التفكير بأحد ما دامت على ذمته!ألا تعرف ان صوره التى ملئت غرفتها، كلامها عنه و وصف مشاعرها اليه لا يحق لها ما دامت على ذمته!ألا تعرف ما فعلت هى به قبل ان تفكر عما فعله هو!ثم علام تلومه هى؟!تلومه على عشقه لها ام على عشقها اليه!تلومه على خيانته لاخيه الراحل ام خيانتها لزوجها الراحل!تلومه على دقات قلبه باسمها و هو متزوج ام على دقات قلبها باسمه وهى ارمله!تلومه ام تلوم نفسها!ثقلت انفاسها على كتفه الذى مالت عليه و هى تغمغم بصوت خافت غير واعيه و كأنها على وشك فقدان الوعى: انت مبتحبنيش، انت بتحبها، بتحبها هى، انا بقيت لوحدى، هو سابنى لوحدى، و انت هتسبنى لوحدى، هفضل لوحدى...ثم سقطت رأسها عن كتفه مستسلمه للسواد الذى لفها و غيبها عن الواقع تماما و كانت الكلمه الاخيره التى اخترقت اذنه بسهم اوضح له ما صار و ادى بها لهذا الحال: بلاش تسافر، متسافرش!اسندها بذراعيه اخيرا دون دفع منها ثم وضع يد اسفل ركبتيها و الاخرى على خصرها ليحملها متجها بها للفراش، وضعها اعلاه ثم خرج طمأن والدته التى استيقظت على صراخها و لكن بمجرد ان سمعت الحديث امتنعت عن الدخول و احضر علبه الاسعافات الاوليه عائدا اليها و اغلق باب الغرفه خلفه، و بدأ يطيب جروح قدمها و التى مزقتها الزجاجات حتى انتهى فاقترب منها ماسحا على شعرها مزيلا خصلاتها التى تعلقت بوجهها و خانته اصابعه لتمر بخفه على ملامحها الساكنه..ما اقسى ان يكون الحلم بين يديك و رغم ذلك تعجز عن تحقيقه..فما اسوء من الكره، الحب المحرم!ماذا يفعل الان؟!هل يفرح لاعترافها بحبه حتى و ان كان عن طريق كلمه انا بكرهك او حتى اخرج من قلبى ؟ ام يبكى وجعا على رفضها لمشاعرها دون حتى ان تعلم مشاعره؟!هل يفرح لامتلاك قلبها ام يبكى لفقدان قلبه!هل يفرح بشعور الفوز بها ام يبكى دماً لشعورها به خيانه!ما هذا الاختبار القاسى؟ و ما هذه النتيجه الغاليه؟قلبه يتلوى ألما و هى امامه، فما بال غيابها يكون؟روحه تشتاق اليها و هى حاضره، فما بال فقدها يكون؟نبضاته تهرب منه اليها و هى قريبه بعيده، فهل تكون يوما قريبه!فهى اقرب ما يكون و لكنها كالنجم اللامع في سماء صافيه بعيده كل البعد عنه!اغلق عينيه مستندا بجبهته على جبهتها متمتما بنبره متألمه و كأنه يقوى نفسه بكلمات اخيه: دعنا لا نترك باب الماضى مفتوحا حتى لا يظل باب المستقبل مغلقا...خطوه اخيره سيخطوها و ستكون اما البدايه و اما النهايه!اما اول الكلام او خاتمته!فلقد كثرت السطور بينهما التى لا تغن و لا تسمن من جوع عاطفته!فإن كان لقائهما قدر!و تعب قلبيهما خطأ!ف والله ان عشقهما اجمل خطيئه و اعظم ذنب...و هل في قلب المحببين من سلطان يمنح او يمنع!فرحمه الله على قلوب العاشقين!و الان مازن لن يعطى بل سيطلب و ببذخ!الان لن يتخلى بل سيتمسك و غصبا او يترك قصدا!الان لن يسمح لفرحته بالهروب بل سيقتنص آلاف الفرص لامتلاكها!و تأخر كثيرا على هذه الخطوه و لكنها حانت، حانت و ليكن ما يكن!قل للرياح تأتى كيفما شاءت، فما عادت سُفننا تشتهى شيئا...استيقظت صباحا لتفتح عينها ببطء فاجتاحها شعور بالالم غزا جسدها بأكمله فأغلقت عينها مجددا لتفتحها على صوته الهادئ: صباح الخير..رجفه غريبه سرت بجسدها و هي تتذكر الليله السابقه كحلم بعيد، تتذكر بعض هذيانها و حركاتها الغاضبه على الزجاج المتكسر ارضا، و اخيرا سقوطها بين يديه لتتوسله ألا يرحل...ضغطت عينها بقوه اكبر و هي تحاول منع غصه حلقها التي اصابتها دافعه اياها برغبه في البكاء و لكن يده التي لامست خصلاتها تبعدها عن وجهها جعلتها تشهق بحده و هي تشعر بلمساته الدافئه تُشعل نيران احساسها القاتل بالخيانه...ففتحت عيناها لتُفاجئ بوجهه القريب بشكل خطر على نفسها و قلبها فعادت بجسدها للخلف و هي ترمقه بحذر و عيناه تطوفان وجهها بابتسامه هادئه لم تفهمها، و لكنها ما لبثت ان حمحمت بخجل و هي تعتدل ناهضه عن الفراش وقفت بخجل فاق ضيقها تعدل من وضع ثيابها و تلملم خصلاتها المشعثه بشكل عشوائي اصاب قلبه في مقتل،.فأخذ نفسا عميقا لينظر اليها بعمق لاول مره، يغمرها بنظراته العاشقه بدلا من تلك الحانيه، ليبتسم بوله بدلا من ابتسامته المتحفظه، ثم ينهض واقفا امامها و هي ينقل بصره بهدوء من اعلى رأسها لاخمص قدمها فدفعها ذلك لتبتلع ريقها بارتباك و هو يعود بعينه اليها ليهمس اخيرا مخلصا اياها من اعتقال نظراته الغريبه: رجلك عامله ايه دلوقت...؟!قالها و هو يشير على قدمها التي لا تدري متي ضمدتها و لا تشعر بألمها من فرط توترها بل تشعر بتنميل ثقيل شمل أطرافها جعلها بالكاد تستطيع الوقوف، لتجمدها كلماته التاليه التي قالها بنبره مباشره دون تمهيد او تمهل: فاكره كلامك بالليل يا حنين..!؟اغلقت عينها و هي تحاول التوازن لتستند على الدولاب خلفها بأصابعها الواهنه و هي تتذكر كلماته لحياه و كلماتها هي له فهمت بالتحدث عندما عاود هو سؤالها بنفس الاصرار غير عائبا بارتباكها الذي اقسم الا يعيره انتباه حتى تُضع النقاط على حروفها الصحيحه..فكفي عبثا بقلبه و قلبها، كفي وجعا لروحه و روحها، كفي هروبا منه و استسلاما منها، يريد شيئا فليجاهد من اجله،.كانت نهال دائما ما تقول له ليست المطالب بالتمني و لكن تُأخذ الدنيا غلاباو هكذا هو مطلبه، حبه بل عشقه سيأخذه غلابا، اعتاد هو على اليسير، أُمر تُجاب، فقط يؤشر على ما يريد، يُحضر اليه،و الان هو سيحارب ليفوز بقلبها و عقلها معا،اقنع قلبه و نفسه - او هكذا اعتقد - و بقي قلبها،فإما اقنعه و إما اعتقه، اما هذا و اما ذاك لا وسيط بينهما!..خرجت نبرته جامده بصوره جديده على نبرته الحانيه: طيب عارفه معني كلامك..؟!حاولت تجاهل ما شعرت به من تواثب قلبها المجنون بخفقاته التي كانت اشبه بصفعات حاده على صفحه ضميرها،ففتحت عينها و رمقته بنظره زاجره اعتقدت انها كالعاده ستنهيه و لكنه ظل على نظراته المربكه لها حتى قررت هي انهاء هذا الصراع الكبير عندما تمتمت بصوت بالكاد يُسمع: مش فاكره حاجه.!جنون بجنون اذا!جنون منها عندما احرقت قلبه ببراءتها و اذابت جليد نفسه بضحكتها،جنون منها و هي تحاول دفن الحاضر بروحها لتشقى،جنون منها عندما احبته،و جنون منها عندما عشقها!و جنونه هو كان عندما امسك بمعصمها الان ليجذبها بعنف لاصقا ظهرها بصدره لتصرخ بحده متفاجئه قبل ان يشتعل جسدها بجنون اسفل لمسته الناعمه و هو يمتد بيده حول خصرها حتى عقدها امام بطنها مستندا بذقنه على كتفها هامسا بخفوت غاضب: متأكده انك مش فاكره..؟!حاولت التملص من يده، و لكن يداها تجمدا فلم تستطع ابعاده،ترغب بالهروب منه و لكن جسدها اعلن التمرد و استمتع بحضنه،تريد الغضب لتحرقه به و لكن عجبا فلم تجد في نفسها سوى استسلاما لدفئ ذراعيه،فمال عليها ضاغطا جسدها اكثر و رغم احساسه بأنه خطأ، مطالبته هذه خطأ، رغبته بزوجه اخيه الراحل خطأ، و لكن انانيته لها و بها فاقت و اطغت على كل شئ،.فهو على استعداد لمحاربه نفسه و نفسها فداء لعلاقه تجمعهم، على استعداد لقتل الذنب في قلبه قبل قلبها ليعيش معها ما بقي من سنين عمره، على استعداد لدفن وجعه و وجعها ليبدأ معها هي فقط ما ظل طوال عمره يتمناه و يدعو الله به.لهذا عاود همسه بجوار اذنها و انفاسه تصطدم ببشره عنقها: مش فاكره، مش فاكره انك اعترفتِ ليا بح...شعرت بالكلمه التي سيقولها فانتفض قلبها بين اضلعها لتتمرد يدها اخيرا لتدفعه عنها بقوه و هي تستدير اليه بحده بالغه قبل ان تصرخ بغضب و هي تدفع كتفه عنها و فيضان مشاعرها فجرته كلماتها كأنها تقنع نفسها بها قبله: اوعي تنسي نفسك و تنسي انك مجرد زوج مؤقت علشان اهرب من تحكمات بابا، اوعي تنسي ان انا مرأه فارس و هفضل لحد ما اموت مراته، اوعي تنسي نفسك و تفكر انا في حاجه ممكن تجمعنا، احنا مفيش حاجه بينا و لا هيبقى فيه، أ...اختفت باقي كلماتها بين شفتيه التي احتضنت شفتاها بقوه ادت لاتساع عينها بذهول تام و هي تشعر به يدنس شفتاها،تشعر به يمحي اثر قبله قديمه كان لها بالغ اثر السعاده على قلبها،شعرت به يجرد كل ما بقي من تماسكها التي حاولت تجميعه لتدفعها عنه و لكن بدون فائده!و وسط طوفان غضبه و فوره انفعالها ظهر طيفا خفيا من مشاعرهما التي أيدته تلك القبله،.فشعرت بضميرها المتعذب بذنبه يُخدر تماما امام ما اجتاحها من شعور قوي بمشاعره،شعرت بقلبها يترنح سعاده و حزنا، و عقلها يبتسم لهفه و انتشاءا،بينما هو يكاد يلعن تسرعه و لكن تحمل اشهر و اشهر فاين التسرع اذا...؟!يلوم نفسه و يجلدها بسياط الندم و لكن احساسه الان يدفع مقابله هنيئه ايامه كلها...دفعها عنه بغضب عاصف تملك روحه فرحا، ندما و احساس بالذنب يجلده بقوه ليهتف محاولا منع انفاسه اللاهثه: بمزاجك، غضب عنك انا جوزك، مش زوج مؤقت و مع الوقت هتنتهي صلاحيته و يبقى غير قابل للاستخدام!؟كانت تنظر لوجهه بذهول مما حدث للتو و لكن كلماته افاقتها لتملع عينها ببراءتها التي شعرت به يدنسها، فاعتقل ذراعها بقوه غضبه الان لتكن اول مره تري غضبه ينصب عليها كاملا و هو يضغط ذراعها بقوه صائحا: اهي نظرتك دي السبب، براءتك دي السبب، هدوئك ده السبب، انتِ السبب مش انا! انتِ...ثم دفعها لتطالعه بصدمه تملكت منها و هي تسمع كلماته التي منحتها اعترافا غير مؤكدا و لكنه منحها اياه كاملا مما جعلها تبرق بعينها بدهشه مع شهقه خافته هربت من بين شفتيها التي ما زالت تحمل اثر اكتساحه لها: انتِ اللي اجبرتِ قلبي يتعلق بيكِ، انتِ اللي خطفتِ راحه بالي، انتِ السبب في كل المشاعر اللي بانها قلبى وانتِ السبب في بدايه هدمها، انتِ حكمت عليا بالحياه و بعدين على غفله عدمتينى.وضع يده على خصلات شعره بتشتت قائلا بغضب مستنكر و هو للمره الاولى يُنفس عن مكنونات قلبه و حيره عقله: انا حبيت واحده و حاولت انجح علشانها و لما اتجوزت انا حسيت اني خسرت و قولت مستحيل انساها، بعدها اتجوزت حياه و رغم قربها مني لكن بردو مقدرتش احبها و فضل الجرح القديم معايا، لكن انتِ...وضع يده على شفتيه ليلتقط انفاسه و هو يوبخ نفسه آلاف المرات على استسلام لسانه لسرد ما يعتل صدره و امامها هي خاصه و لكنه لم يعد يُدرك سوى شيئا واحدا و هو انه امامها كل ما به يعارضه فأردف بنفس النبره التي جمعت مرارتها بشجن كلماته فخرج صوته متذبذبا: انتِ كنتِ فيضان غرق اى حاجه قبلك و فضلتِ انتِ، لا لقيت قديم و لا جديد بس انتِ، نظره الحزن مع ابتسامه فرحه كانت بستفزني احضنك، لمعه الخوف مع الامان و الثقه كانت بتناديني اطمنك اكثر و اكثر.اخذ نفسا عميقا و هو يقترب منها ليصرخ بنيران عجزه و قوه حبه و ضعف قلبه امام ضميره الذي يجلده بذنبه: انا معاكِ بقيت تايه، حاسس اني متغرب في وسط صحرا لا عارف ارجع ولا قادر اكمل، مش قادر اوقف حبي و لا قادر استم، نفسي اقرب بس لازم ابعد، نفسي المسك بس لازم احفظك، انتِ حلالي بس حرمتك على نفسي، بس ده...قالها ضاربا قلبه بقوه ليهدر بعلو صوته و عيناه تغيم بضبابات وجعه و اسفا بغمامات عشقه، فاختلط سواد ذنبه بنقاء حبه ليمنحها مزيج مهلك من مشاعره: بس ده مصمم يوجعني، كنت شايفك اخت و حلفت اشوفك اخت، بس قلبي شافك زوجه، شافك ام لولادى،صمت لحظات مرت كالدهر على كليهما ليهمس بتهدج و صوته يدل على معاناته قبلها: شافك حبيبته...!شهقت بانتفاضه و دموعها تجري على و جنتيها بعجز قيد كلاهما حتى اقترب منها ممسكا بيدها بقوه هاتفا امام عينها بقوه: و لان انا عارف، ان قلبك لا يمكن يشوفني، ان ذكرياتنا مش هتتعدي مجرد ذكريات انا معدش ليا طاقه احتفظ بيها،لمعت عينه و الخاطر الاخير الذي دمر خطته السابقه بالطلب، خطته بالاخذ رضي او غصبا، خطته الذي رسمها مساءا ليفوز قلبه بأمانه و تعود لانتفاضته نبضاته، كل هذا تاه عند المواجهه..!هي تحبه و لكنها لن تستطيع تقبل الامر، هو يسكن داخلها و لكنه ايضا ليس موجودا،و هو يحبها بل يعشقها و لكن يبدو ان حذاء الوصل الذي اوصل الامير لاميرته كُسر، كسرته اميرته نفسها...و يبدو ان ما بقي منه سليما سيكسره هو فغمغم بحزم رغم اشتعال نبراته بعجزها: لازم نحرقهم، .تحرك بها لخارج الغرفه ليتوجه باتجاه غرفته اسفل الدرج التي طالما جمعته معها، فتح بابها، اوقفها مشيرا للداخل بسبابته و عيناه معلقه بذلك المكان باشتياق صائحا بعنف يلومها و ربما يلوم نفسه او يلوم تلك الظروف التي جمعت قلبين رغم تعلقهما ببعضهما البعض هناك رابط اغلظ و اقوي يقف بينهما: المكان ده محدش دخله غيرك، المكان الوحيد اللي شاركتيني فيه، المكان اللي جمع اول حاجه لمست قلبى،.صمت لحظات ثم اشار على الارض بسبابته المرتجفه و هي تشعر بنفسها خارج حدود الوعي فلا قدره لها حتى على التحدث كأنها ابتلعت لسانها فما عاد ينفع كلاما و لا يجدي العتاب نفعا و لا حتى تملك صرخه تعبر عما يجيش بصدرها هي الاخري حتى وصلها صوته المعبأ بشجونه: اول مره اشوفك بعين قلبي كان هنا، , - قالها متذكرا يوم دلفت و جلست ارضا ترسم دون ان تنتبه لمراقبته لها -،.تهدج صوته بشجن ذكرياته و هو يدور بعينه على لوحتها بوجه فارس ليشعر بنفسه - خلافا لتوقعه - اقوى، شعر ان ما يفعله صحيحا و فارس لو حيا لشجعه على هذا، فأردف بنبره اكثر تحشرجا و هو ينظر لذلك المقعد الذي جلست فوقه سابقاا: اول ضحكه بجد كانت هنا، - قالها متذكرا يوم خط بيده خطوط عشوائيه لتكملها هى -، اول مره اشوف خوفك عليا كان هنا - قالها متذكرا يوم سالت الدماء من انفه لتعالجه هي بصرامه غاضبه -،.ابتسم بتهكم و قلبه ينزف مع سيل ذكرياته العامره معها في هذا المكان و اكمل بنفس يجاهد ليبقى صامدا: اول مره اغضب عليك كان هنا، - قالها متذكرا غضبه عندما اخبرته برحيلها -، اول مره احضنك و انا عارف و فاهم مشاعري كان هنا، - قالها متذكرا حضنه لها لتبكي بين ذراعيه بعد صياحه بها -،اغلق عينه عن المكان لحظات و هو يهمس بصعوبه و صوت مشبع بحنينه و حبه لهذا المكان: اول حاجه بينا كانت هنا،.ليفتح بعدها عينه باصرار ليكمل بصوت رغم اهتزازه رج قلبها رجا، رغم تقطعه اصاب عقلها خوفا، و رغم استسلامه حمل لنفسها حزما و قوه بل تجاوز الامر للقسوه: و اخر حاجه بينا هتبقي هنا...!ثم تحرك بغضب لمكان جانبي ثم مال يحمل شيئا بيده لم تنتبه له حنين و هو يقترب منها معتقلا نظراتها بعينيه التي حملت من رفضه ضعف قبوله، من حزمه ضعف توسله، و حملت من قلبه ما قتله، و من عقله ما جعله يجن تماما و هو يسألها بحده: مفيش حاجه هتجمعنا..!، لا يمكن يبقى في حاجه بينا؟!، هتقدري تعيشي حياتك من غيري، هتقدري تخلصي من مشاعرك و معاها تخلصي من ذنبك؟!، انتِ عاوزه كده يا حنين صح؟! عاوزه ترمي كل حاجه ورا ضهرك للابد صح...!ثم اخرج ما حمله امام عينها و هي يُزيح غطاءه لتفوح رائحته النفاذه لتجعلها تجحظ عينها بذهول و هي تميز رائحه جاز لتكون كلمته التاليه الاخيره التي قالها بحزم نافي قلبه الذي خر صريعا بين اضلعه بعدما فشلت كل توسلاته و نداءاته الراجيه: يبقى دا اول مكان لازم نخلص منه!بدأ بسكب السائل بكثره في تلك الغرفه التي جمعت كل ذكرياتهما معا، بحلوها و مرها، بتفردها و وزرها، بجمالها و تميزها، عود ثقاب، نظره حازمه اليها، اشعاله ثم القاءه، تندلع النيران، لتصرخ هي بجزع و النيران تكوي قلبها كيا بألمه و ذكرياتها معه تملأ روحها فرحا و وجعا و هي ترى ذكرياتهما تُمحي امام عينها لتجده يركض للداخل مسرعا ليحمل شيئا ما ثم تبعها باخري و خرج من المكان بعدما طالت النيران ذراعه و ظهر ملابسه، لتأتي نهال و حياه فزعا على رائحه الدخان التي ملئت المنزل فاستند مازن على الحائط ليمرغ ظهره به حتى انطفئت النيران و هو مدركا انها تركت ندوبا لن تُمحي عن ظهره يراقب اشتعال ذكرياته معنويا قبل ان تكون ملموسه كما يشتعل قلبه الان...فركضت نهال و حياه لتأتي كلا منهما بوعاء مملوء بالماء عل النيران تخمد، وعلي جانبي الغرفه وقف كلاهما ينظر للاخر حتى اقترب مازن منها متمتما بجديه و صرامه مفرطه: اتحرقت الذكريات، لو قدرت تحرقيها من قلبك، لو قدرتِ تنسينى، فأنتِ طالق!صرخت بملأ روحها من وجع و صدمه و هو يقولها بهذه البساطه قبل ان يفتح يدها واضعا بها لوحه ما و التي كانت لوحتها لفارس و لكنها لم تنظر ليدها بل تعلقت عينها بعينيه التي امتلئت بقسوتها المشبعه بدموع حسرته على قلبيهما و لكن هذا الحاجز سيظل بينهما ما دام وضعوه هما بأنفسهم حاجزا و غمغم مجددا بضعف غلب صوته: دي انا عارف انك مش هتقدرى تعيشى من غيرها،.ثم رفع اللوحه الاخري امام عينها جابرا اياها للنظر اليها و التي كانت اللوحه التي رسمتها باحساسها له و هي محتضنه اياه و ابتسم ابتسامه جانبيه عبرت عن وجعه قائلا بخفوت اصاب قلبها مُزيدا جروحه: اما دى انا مش هقدر اعيش من غيرها!!و تركها و خرج من المنزل تماما، و ادركت هي انه لن يعود، حتما لن يعود...اقترب منها بهدوء جاثيا على ركبتيه امامها ليضع يده على وجهها برفق حتى لا تنهض من نومتها التى لاقتها بصعوبه بعد عده ايام، سلمي بتمردها و قوتها المعتاده كانت اضعف ما يوم تلك المواجهه، ليدرك امجد امرا جديدا بها و هو انه رغم قناعها القوي الذي تخفي خلفه اي الم او وجع يصيبها اضعف من ان يتحمل وجع أحد، انهيار البعض، صمت البعض و صدمه الاخر ذاك اليوم جعل قلبها يأن وجعا رغم انها اقل المتضررين، .طبع قبله صغيره على جبينها و احساسه بها يزداد كثيرا حبا و اكتمالا، اشتاق حقا لتلك المجنونه،احيانا لا نُدرك مدي محبتنا لمن حولنا سوي بالازمات، و حقيقه لولا مشكلتهم الحاليه ما ادرك ابدا انه لا يستطيع العيش بدونها.قطع افكاره همهمتها الخافته و هي تمط ذراعيها بتثاءب حتى فتحت عينيها ليكون وجهه القريب اول ما يغزو عقلها، عيناه الصافيه كصفاء السماء في نهار بلا غيوم تمنح قلبها السكينه و هي تعتدل جالسه ليساعدها هو بيده على ظهرها بخفه متمتما باشتياق لتلك الكلمات: صباحك جميل متمردتي الجميله..ظلت تحدق بوجهه قليلا و هي تراقب نظراته الحانيه التي غلفت روحها بنسيان مؤقت عما مر، فقط تتذكر ما آلت اليه حياتهم بفعل تمردها و مازال هو يري تمردها جميل..!كفي يا سلمي، كفي تعنتا، اعترفي بخطئك في حق نفسك و حقه،اوجعتك كلماته و لكن انتِ اوجعته بتصرفاتك، اعتذر هو و لابد لكِ من الاعتذار...وضع يده على رأسها يعدل خصلاتها المموجه و التي انتشرت حول كتفها بعنج و قال بنبره هادئه كعادته: احسن دلوقت..؟امسكت يده لتجعله يجلس امامها و ضمت يديه الاثنتين بيدها لتتعلق عيناها بسماء عينيه التي لمعت باشتياقه لها و غمغمت بخفوت: انا اسفه..و دون تمهيد كانت جسدها بين ذراعيه يضمها بقوه كبيره حتى كاد يكسر اضلعها فانتفضت بين يديه،بكاءا على ما مر من ايامهما هباءا دون ان تنعم بحضنه،اسفا على ما فاتها طوال الايام والليالي السابقه من حنانه و امانها بين ذراعيه،.و ندما على تسرعها الذي دفعها خطوات بعيده عنه لتشكو هي الفراق و الاشتياق قبله..بينما تنهد بحراره اخبرتها عن مدي اشتياقه، متمتما بنبره ثائره و هو يضغط جسدها بخفه: انتِ بنتى الاولى يا سلمي، يحق لكِ الدلال كله، ، ثم دفن وجهه في عنقها لتغمره رائحتها المتمرده مثلها بما لها من اثر عابث على نفسه و تنهد بحراره هامسا بصدق ارتياحه بين ذراعيها الان: وحشتينى.حركت ذراعيها اخيرا تتمسك به بقوه و هي تُعيد همسه بأخر اكثر شجنا: اللي بينا مش حب، , ليبتسم هو مبتعدا ضاما وجهها بيديه ليغمزها بعاطفه سخيه: قد ما هو اكتمال.و كأن عدوي ابتسامته انتقلت اليها و علامات الندم مازالت تترسم بجداره على وجهها و هي تعقد حاجبيها فرفع يده يزيل عقدتها بنفسه قائلا بخبث و هو يميل عليها محاولا ابعادها قدر الامكان عن تذكر ما حدث حتى كادت شفتاه تلامس خاصتها: اعتقد من حقنا نفكر في شهر عسل تانى،.و بدلا من ان تجيبه بادرت هي بالاقتراب لتمنحه اجابتها بين شفتيه بهديه تناسب تمردها و جنونها فرفع حاجبيه بدهشه سرعان ما تحولت لاستمتاع تام، لحظات ثم ابعدها عنه ليضم كتفها اليه طابعا قبله صغيره اعلى رأسها بحنان وهدوءه المطمئن يعود اليه ليغمر روحها مع كلماته: دائما يقولوا ان الحقيقه بتوجع بس بعدها بتبقي واقف على ارض صلبه، ارض عارف بدايتها فين و نهايتها فين، الحقيقه كانت بعيده عن اي تخيل و اصعب من اي وصف لكن انا متأكد انها هتبقي بدايه لحاجات كتير، و اللي هيختار يهدم نفسه بالماضي يبقى ميستاهلش الحاضر!نظرت لعينه التي جمعت ثقته بإيمانه ليكمل بنبره اكثر ثقه: ربنا عز وجل بيقول لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ، و مفيش احن من ربنا على عباده، ف هتقلقي ليه و ربنا موجود و قادر يهدى الروح و يريح البال..!تنهدت بارتياح نسبي شاكره لها صنيعه، فقبل ان تحرر شكوتها الجمها هو بحنانه، بمواساته و حسن اقناعه لقلبها الذى كاد يموت قلقا على افراد العائله ما فرط ما يصيبهم من احداث، شعرت به يبتعد عنها ناظرا لبطنها الذي انتفخ قليلا ليداعبه بحنان فابتسمت بسعاده حقيقه وهي تري زوجها و طفلها واقعا حيا ملموسا امام عينها.فمر شريط حياتها امام عينها، حقا لو اطلعتم على الغيب لإخترتم الواقع.و صدق عزوجل عندما قال { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون َ}، تجلت الايه الكريمه في حياتها كثيرا،.اُعجبت بفارس، اعتقدته حبا سجنت نفسها بين طياته، و ربما لو تزوجته لذاقت هي نار الفراق و ربما ما تحملته، شعرت حينها بأنه عز وجل ظلمها، اتعب قلبها و لكنها الان تشكره و تعتذر، تعتذر على سوء ظنها بالله - حشا لله -، تعتذر على ما تمنته من مكسب قريب و لو ادركته لما ادركت عظم هذا المكسب البعيد،.وهم الماضي امام جمال الحاضر، وجعها بعقم مزيف ادى لسعاده حقيقيه بالمولود لها و له، فسبحانه تعالي جعل حكمه لكل شؤونهم،شرها قبل خيرها، و مرها قبل حلوها،و الان هي راضيه بما فات، و اكثر رضا بما هو آت...!أثناء سعيك للانتقام ربما تفقد اكثر بكثير مما تجنى، فاتنبه و انت تحفر قبر غيرك ربما تُفاجأ انك حفرته لنفسك...الاصابه مش سهله يا سياده النقيب، مدام نجلاء فقدت عينها اليسري، و في كسر في الانف، دا طبعا غير كميه الدم الكبيره اللي فقدتها، و الاسوء من ده كله اصابه رأسها و اللي ادت لشلل رباعى.كانت تلك كلمات الطبيب الذي اهتم بحاله نجلاء بعد ما اصابها اثر اندفاع عبد الرحمن بغضبه عليها، زفر عاصم بقوه و هو يقف بجوار ظابط الشرطه الذي جاء لمتابعه حاله نجلاء قبل القبض عليها، فقبل ان يجعلها عاصم تعترف كان قد حصل على اذن رسمي بالتسجيل و الذي على اساسه قد ادانت الشرطه نجلاء و صدر اذن بالقبض عليها، و لكن لضروره وجودها بالمشفي تحدث الظابط بعمليه: هيتم نقل مدام نجلاء لمستشفي السجن لحد ميعاد عرضها على النيابه..و بالفعل تم الامر بسرعه و مازالت نجلاء لم تستعيد وعيها بعد،ان الله يمهل و لا يهملكانت تظن انها ستستطيع اخذ الحياه غلابا، و كأنها تحرك الشمس بين كفيها، و تدور الارض برغبتها و لكنها لم تدرك ان لكل ظالم يوما،يوما بل لحظات فقدت فيها كل ما تملك،فلم تعد تجد لا قوه جسديه، لا قوه عقليه، و لا حتى قوه نفسيه، فقط حطام..!حطام لامرأه استضعفت الجميع اعتقادا منها انها القوه، امرأه لم تترك حسنا إلا و شوهته، امرأه كانت عنوان التعاسه، و مع كل هذا فشلت...!فتحت عينها اخيرا لتنظر حولها برؤيه مشوشه و هي تشعر بضيق نظرها في مكان محدود و الباقي ظلام، حاولت رفع يدها و لكنها لم تستطيع، حاولت التحدث و لكنها عجزت، حاولت حتى الصراخ بصوت مسموع لم يخرج صوتها الا مبحوح..!اين نجلاء...؟!اين القويه مِن هذه الضعيفه...!؟اين المتعجرفه مِن هذه المذلوله...!؟اين جبروت الماضي مِن صعلوق الحاضر...!؟اين مَن كانت مِن هذه..!؟شعرت بحراره دموعها التي سالت بغزاره على جانب وجهها و هي عاجزه عن اي شئ..إلى انا وصلها صوته القوي الذي رغم كل شئ لم يفقد ثباته و سيطرته و هو يقول بنبره جامده: حمد لله على السلامه يا نجلاء هانم..و من اقوي من قلب عاصم الحصري ليدفن شفقته، , و حتى ان ظهرت فنجلاء اخر من سيشفق عليها..!نعم كانت تدابير القادر القدير بقدره و كانت هي مجرد السبب، في تدمير عائلته، في تعذيب زوجته، في دمار اخته، في قتل صديقه، في شتات ابنها، و في جرح ابنتها، من اين لابن الحصري عليها باشفاق...!؟اقترب منها عندما شعر بعجزها عن النظر اليه حتى توقف في مرمي بصرها خاصه من نومتها تلك و وضعيه رأسها التي تعجز عن حركتها الان الا من حركات قليله ليميل عليها ناظرا لوجهها الذي اسود بخطيئته متمتما بحده: يارب تكونى حاسه انك احسن، اتمني متكنش في حاجه بتوجعك؟اغلقت عينها قهرا و عجزا اصاب قلبها في مقتل فتمتم هو: حاسه بإيه يا مدام نجلاء..!رفع رأسه لاعلي مستغفرا ربه عندما شعر برغبته الشيطانيه في تعجزيها اكثر فردد في نفسه حتى لا يجرفه شيطانه اللهم اعوذ بك من الشماته، اللهم لا شماته ،.ظل يرددها بصوت عالي حتى شعر بدماؤه تغلي غضبا مجددا و هو حتى لا يقدر على تعنيفها او رد الصاع صاعين الان، و لكن يد جنه التي وضعت على كتفه جعلته يغلق عينه و هو يجاهد نفسه على كظم غيظه و ترويض غضبه فاقتربت جنه منها - و قد اصرت على عاصم اشد الاصرار بل كادت تركض خلفه ليوافق على اصطحابها حتى وافق بالاخير مع طلبها المُلح - و تمتمت برسميه لم تستطع اشاركها بحنانها و دفء كلماتها كالمعتاد و هي حقا تشعر بالاشفاق عليها: ألف سلامه..نظر عاصم اليها و هي يشعر برغبتها العارمه في البكاء، جنه أصرت على عقاب نجلاء بنفسها، أصرت على رغبتها في تلقينها نتيجه من زرعته، أصرت على نيل حق والدها ممن قتلته لاجل المال، و لما كان المال كل همها قررت جنه معاقبتها به...!و لكن يبدو انها تتراجع، قلبها الحاني لا يطاوعها بعدما رأت حالتها تلك و لكن عاصم ها هنا لهذا الامر..فاقترب منها ضاما كتفيها لصدره مؤازرا فأخذت نفسا عميقا و هي تُخرج صندوق صغير لتضعه امام نجلاء التي ساعدها عاصم لتعتدل جالسه و بمجرد ان رأت الصندوق كأنما مسها عفريت اخذت تحاول تحريك شفتاها المائله بلا فائده فخرج صوتها ببحه جعلت جنه رغما عنها تبكى، بدأت تحاول التحرك عن الفراش و لكن من اين لها حركه...!؟تماسكت جنه و هي تشعر بقوتها الجديده و قسوتها الاخيره رغم دموعها الضعيفه تساندها و هي تفتح الصندوق فاتسعت عين نجلاء بفزع و هي تري حصاد سنينها من اموال، شيكات، ملفات لسنادات و اسهم و غيرها، الكثير داخل هذا الصندوق الذي اخفته في شقتها هنا و لم يعلم عنه احد سوي عزت...تساقطت دموعها عجزا، قهرا و غضبا لم تستطع التعبير عنه و جنه ترفع تلك الاوراق امام عينها مع قولها: هما دول اللي انتِ بعتِ ضميرك، دينك، دنيتك و اخرتك و ربك علشانهم...!حركت الاوراق امام عينها باشمئزاز و هي تردف باستنكار و نبرتها يعلوها الغضب المشفق: هيفيدوكِ بإيه دول؟! هيرجعوا عنيكِ، هيساعدوكِ تعيشي حياه وسط ناس بتحبك، هيساعدوكِ علشان ربنا يسامحك..؟!بدأت جنه في تمزيق الشيكات و المستندات لتتبعها بالاوراق الماليه حتى وضعت الصندوق امام عين نجلاء التي احمرت انفعالا، غضبا و ما بقي به حطاما لثروه مثلها تماما، حطام ثروتها كحطام جسدها و قلبها..فقالت جنه اخيرا و هي تُزيل دموعها بيدها ببطء تلتقط انفاسها اللاهثه: كل فلوسك ضاعت، اتبرعت ببعضها يمكن الصدقه تنفعك، اما الباقى..ابتسمت بتهكم خالطه اشفاقها: كل امر الدنيا زائل يا مدام نجلاء، ربنا يرحمك و يغفرلك.ثم غادرتها بخطوات سريعه للخارج بينما نظر اليها عاصم نظره اخيره تخلو من الشفقه تماما متمتما بقوه و هو يطالعها من اعلى لاسفل بإزدراء: فكري لحظات كده كسبتِ ايه و خسرتِ ايه..!ثم غاردها هو الاخر تاركين اياها في حاله من هيستريا العجز تكاد تُشعرها ان الموت افضل بكثير من حياتها هذه، رنت كلمات عاصم بأذنها..ماذا اكسبها ما فعلت و في المقابل ماذا خسرت...!تدبيرها لمكيده الماضي و طرد امل و ماجد ربما نجحت و لكنها للاسف فشلت في حصولها على ما تريد عبد الرحمن ،قتل ماجد و الذي دفع ابنته لهذا الضعف و لكنه دفعها لتأتي لهنا فلولا وفاته لظلت معه و لم يعودا ابدا،اخبارها للجميع بوجوده جنه ليقتلوها جعل عاصم يبادر ليتزوجها، وتدريجيا يختفي الضعف و تظهر القوه،.اللعب بحياه ابنها زاد من تعلقه بامرأته و تعلقها به حتى اكتملت حياتهم بطفلهم القادم،تهديد سلمي ادى لتسريع زواجها و اكتمال علاقتها بزوجها،تدمير حياه حياه و تخريب زواجها السابق جعلها تتزوج مازن لتدخل السعاده حياتها من اوسع ابوابها،قتل فارس لفتح باب تار جديد لا يُغلق جعل العائلات تدرك قيمه بعضهم فيتمسكوا ببعضهم بدلا من التفرق،تدبير مكيده حنين و مازن جمعت بينهم لتستظل هى باسمه و يبدو ان زواجهم دائما،.فقدان عاصم لبصره اكسب زوجته قوه لاجله و لاجل نفسها و لم تفرق بينهما كما اعتقدت و لم تكسر سيطره و قوه ابن الحصرى،فيما نجحت هي اذن...!في جمع الاموال، كلا فلقد ضاعت جميعها..!في قوه بدن، بئست فلقد خانها حتى جسدها و اعجزها اكثر..!في قوه عقليه و عقل مدبر، عليهم اللعنه فهم من دفعوا بها لهنا..!فقدت عينها، خسرت قوتها، ضاعت اموالها،ضاعت اموالها،ضاعت اموالها،ضاعت...!و مع قسوه تفكيرها، اضطربت انفاسها بشكل سئ و هي تحاول الهدوء و لكن بلا فائده فما اصابها من اضطراب مشاعر الان جعلها تترنح كطير ذبيح يتألم و لكنه غير قادر على إزاله ألمه، فقط تتمني هي الان من كل قلبها، من كل قلبها ان يكون أجلها قريب.ألا ان فرج الله قريبجلست جنه على الكرونيش بعدما طلبت من عاصم التوقف قليلا، تطلعت للمياه امامها و هي تشعر بنفسها داخل دوامه كبيره و ما زالت بها تدور،و لكن مع كل هذا يأتي الفرج،مع كل وجع يأتي الفرح،مع كل ضنك تأتي السعه،و وسط ما يحدث جاءها الامل، بل جاءتها الحياه، ,احتضنت نفسها بيديها و هي تبتسم بهدوء فعلام تحزن..!هي ادركت جيدا ما معني كلمه قضاء الله.انتهت حياه والدها ليس لمكيده مدبره بل لان هذا عمره،عانت و تعذبت ليس بسبب كوثر بل لان هذا قدرها،هربت و شعرت بيتم ليس لضعفها بل لان هذه حياتها،فلولا عذابها ثم استسلامها ثم تمردها و قدومها لهنا، لما تزوجت عاصم،لولا التار القديم و العار الذي الحقه الاخرين بوالدها فلحق بها، لما كُتبت على اسمه و فازت بحياته و قلبه،.لولا وجعها ما رأت السعاده، لولا ضعفها ما فهمت القوه، و لولا حظها السئ ما ادركت اجمل حظوظ الدنيا و اغناها...!اتسعت ابتسامتها و هي تردد بالحمد داخلها حتى شعرت به يقف جوارها ناظرا للمياه هو الاخر و كلا منهما يشعر ان الحياه يوما ما ستشبه هذا النهر كثيرا في هدوءه و عمقه، فحتما ستنتهي امواجهم،.نظرت اليه قليلا ثم ابتسمت و امسكت يده مقبله باطنها بحب شديد ثم ابتعدت عنه متوجهه للسياره فتابعها بتعجب لحظات ثم لحق بها ليغادرا المكان بعدها بقليل دون حوار بينهما.و اثناء عودتهم رن هاتف عاصم و كان اكرم ففتح الخط محييا حتى قال اكرم بقلق: جنه فين؟! برن عليها تليفونها مقفول...ابتسمت جنه و صوته القلق يطمئن روحها اكثر،و ماذا ان كان والدها غائبا فهي لديها اخ بأب، أخ و صديق.!أجابه عاصم بابتسامه هادئه: جنه بخير يا اكرم متقلقش، انتم اخباركوا ايه؟! و مها.!جاءه الرد غير متوقع عندما تنهد اكرم بصوت عالي قائلا بحزم: هنسافر..اوقف عاصم السياره مباشره على جانب الطريق هاتفا بتعجب: يعني ايه هتسافروا..!؟اخذ اكرم نفسا عميقا و هو يخبره عما انتواه بجديه ادرك عاصم بحدسه انها قرارات نهائيه: هاخد مراتي و ابعد عن هنا مده كده، و هتابع شغل الشركه من هناك و مازن موجود، و منها اقضي شهر عسل و منها ادي لعقلي فرصه يهدي و يرتاح..هدأ عاصم قليلا و هو يفكر، هل من الصائب ان يبتعد اكرم الان في ظل ظروفهم الحاليه،.و لكنه وجد ان هذا افضل حل، فأكرم لن يسمح بأي تعامل بينه و بين نجلاء حتى و ان كانت مها الرابط و لكن يحق لهم معرفه ما حدث لها فأولا و اخيرا هي ام زوجته، فزفر عاصم بقوه و هو يسرد له تفاصيل بسيطه عما حدث لنجلاء.صمت اكرم قليلا ثم تنهد بهدوء متمتما بخفوت: لو مها طلبت تشوفها قبل ما نسافر انا مش همنعها بس انا هسافر هسافر، و معلش يا عاصم مش نجلاء هانم اللي هعملها حساب دلوقت..!و بعد كلمات عابره انهي المكالمه مع عاصم و نيران غضبه تتصاعد مجددا و لكنه افاق على حركتها خلفه فالتفت اليها ليجدها استعدت كما طلب منها مرتديه ملابسها و بانتظاره فنهض واقفا امامها ثم احتضن وجنتيها مقبلا جبينها بدفء و هو يهيم في بحر الفيروز الذي مهما تلاعبت به الظروف و مهما علت امواج وجعه سيجرفه في تياره،.و لكنها شعرت بقبلته تختلف عن سابقها المفعم بعاطفته فحركت شفتاها بحديثها الصامت خير يا اكرم ايه اللي حصل..؟و بدون تفكير وجد نفسه يخبرها بالحقيقه و لكن بصوره اكثر لينا فأغلقت عينها ثوانى.ما بالها لا تحزن عليها..؟ماذا حدث لقلبها ليجعلها لا تفكر في رؤيتها...؟!لماذا الان تحديدا تشعر انها تستحق كل هذا و اكثر..؟!لماذا تجمد احساسها لوالدتها هكذا..!؟شعرت بيده تطوق كتفيها ف فتحت عينها و هي تحمل اصرارها و قوتها ثم حركت شفتيها بتمني انك متأجلش السفر انا مش عاوزه اشوفها..زفر بضيق مغمغما بتساؤل غاضب و في الوقت ذاته مؤازر: علشانى...!حركت رأسها نفيا لتشير على صدرها بسبابتها محركه شفتيها بكلمه واحده علشانىاومأ برأسه موافقا و امسك بيدها ليُمسك بحقيبه ملابسهم باليد الاخرى متحركا لخارج المنزل نحو بدايه جديده افضل و اجمل من البدايه القديمه...بدايه تمناها كلاهما و يستحقها كلاهما...!هبه، فله قلبى، يا فله..صرخ بها معتز و هو يدلف من باب المنزل ليصله صراخها الضاحك بالمقابل و هى تخرج بلهفه من غرفه النوم: ايوه، نعم، ايه اللى حصل؟ في ايه؟!و بحركه مفاجأه وضع يده اسفل ركبتيها و الاخرى على خصرها رافعا اياها ثم دار بها عده مرات و هى تصرخ متعلقه بعنقه و قلبها يكاد يتوقف خوفا على طفلها من سقوط مباغت و لكنه توقف اخيرا ناظرا اليها هاتفا بلهفه و ضحكه واسعه تلون وجهه الذى غابت البسمه عنه طوال الاشهر السابقه: انا ابن حلال يا هبه، انا ابن حلال، انا معتز، استرديت نفسى و نسبى و حياتى كلها، انتِ صح، انتِ دائما صح، مفيش حاجه بتنتهى، انا فرحان يا هبه فرحان..و بفرحته العارمه اغرق وجهها بقبلاته الشغوفه المتلهفه بينما هى اتسعت ابتسامتها و تمتمت بخفوت: الحمد لله يا حبيبى، ربنا كبير..ثم عقدت حاجبيها بغضب طفولى مصاحبا لزمه شفتيها بدلال لا يليق الى بها و لا يجوز الا له: ابعد عنى كده نزلنى،فداعب انفها بأنفه غامزا بمشاكسه و تمتم بخبث متلاعب و هو يشعر انه في قمه استمتاعه و سعادته الان: انا حاسس ان وزنك زاد شويتين يا فلتى...!ثم امالها موقفا اياها ارضا فاعتدلت هى و دفعته بكتفه بغيظ صاحب قولها الحاد المصطنع: انا اتنين في بعض يا استاذ معتز، , ثم لامست كتفها بكتفه في مرح و هى تهمس كأنها تخبره سرا قوميا: و بعدين يعنى انت حاسس مش متأكد...؟ارتفعت ضحكاته التى افتقدتها حد الجنون فمالت برأسها على كتفه فضمها اليه بقوه مقبلا رأسها هامسا بوعد صادق ما عاد لديها شك بيقينه: انا النهارده كأنى اتولدت من جديد، و من النهارده بوعدك نبدأ كلنا حياه جديده، احسن و اجمل و افضل بكتير من الاول..دفنت وجهها بصدره اكثر و ها هى اليوم تستطيع القول انها ربحت الرهان...و قيمته كبيره، و هل هناك قيمه اكبر من قلبه لدى قلبها؟!هل هناك اغلى من نبضاته التى تنبض بإسمها؟!فإن كان الرجال رزق فلقد كان زرقها بجحم السماء و عمق البحار،و ان كان هناك جنه على الارض فهو جنتها بل كل نعيمها،ربما ألمها بل كسر كل ما بها، و لكنه لم يرممها فقط بل ازاح كل خدوش ألمها،فقدت ثقتها به؟ابدا و لن تفعل، فما زادها تجربه الماضى إلا ثقه، و ما اكسبتها إلا خيرا!انكمشت ملامحها فجأه و هى تشعر بألام بطنها تعود مجددا فانحنت بجسدها للامام قليلا تضغط بطنها بقوه خفيفه فانحنى بالمقابل ناظرا اليها بقلق متمتما بحذر و هو يساعدها لتجلس: خير يا فلتى..؟صاحبتها آلام على فترات متفرقه طوال اليوم و عندما قلقت و هاتفت الطبيبه اخبرتها ان هذا امر طبيعى فالتستعد للولاده لهذا لم تذعر و امسكت يده فجلس جوارها فرفعت رأسها و الالم يرسم نفسه على ملامحها و همست ببطء و هى تلتقط انفاسها: متقلقش يا حبيبى دا امر طبيعى، شكلى هولد!انتفض من جوارها كمن لدغته افعى و هو يصيح بارتباك واضح: ايييييييييييه؟ لا، اقصد ليه، لا يعنى، مينفعش، يعنى، لسه بدرى..ثم اقترب منها بلهفه مجددا و هى تبتسم مقاومه وجعها و هى ترى لهفته و ارتباكه و هو يضع يده على بطنها المتكور و هتف بتوتر و هو ينقل بصره بين وجهها و بطنها: هو هيخرج خلاص، طيب انتِ كويسه؟ضرب جبينه بغيظ من نفسه متمتما باستنكار: اكيد طبعا مش كويسه، طيب انتِ هتصرخى زى الستات في الافلام و كده؟ثم عاود ضرب جبينه و هى يسب نفسه سرا مردفا كأنه يجاوب نفسه: اكيد يعنى هتصرخ مهى ست زيهم!ثم نهض مجددا و هو يتحرك هنا و هناك بسرعه غير مبرره و هو يهتف بالترتيب مما جعلها تضحك و هى تراقبه بحنان مع ملاحظتها كم اشتياقه لطفله: طيب اجهز شنطه هدومه، طيب هدومك..استدار لها ليهتف بتذكر: لازم اكلم الدكتوره..ثم رفع سبابته مفرقعا اصابعه كأنه تذكر شيئا: و لازم اخذ فلوس..ثم عاد اليها متسائلا بحذر: انتِ هتولدى فين؟ضرب على فخذيه بعنف من تفكيره الغبى الان ليصيح بنفسه: غبى يا معتز، اكيد في المستشفى..ثم عاد اليها ليتسائل و هو يضيق عينيه مفكرا فخرجت نبرته مشتاقه بلهفه كانت على قلبها اغلى و اجمل ما يكون: هو حمزه هيتولد خلاص، انتِ هتولدى خلاص، هشوفه، انا هشوفه..ضمت وجنتيه بيدها لتهمس برفق حانى و هى تداعب لحيته الصغيره التى بدأت بالنمو مقاطعه سيل توتره المتحمس: شششش، معتز، معتز، حبيبى، حياتى و دنيتى كلها، انا هبقى كويسه، و حمزه هيبقى كويس، وهنشوفه سوا، اخيرا خلاص هنبقى سوا!لمعت عينه و هى يطالع بطنها المنتفخ و يلامسه بيده غير مصدقا كم مرت الاشهر سريعا، ثم رفع يديه ليحاوط يدها التى احتضنت وجهه ليسحبها لشفتيه مقبلا باطنها بحب خالص اخبرتها به قبلته كما تفعل كل حركاته و تمتم بسعاده حقيقه ربما ما استشعرها كلاهما منذ زمن: انا لو عشت عمرى كله اشكر ربنا على نعمه وجودك في حياتى مش هيكفى!انكمش وجهها بوجعها مجددا و هى تنحنى ضاغطه اسفل بطنها برفق ثم اشارت للهاتف بجواره قائله و العرق يتصبب من جبينها: شوف الساعه كام!فنهض مسرعا ممسكا بالهاتف و اخبرها الساعه متسائلا بتعجب و تألمها و وجعها البادى بوضوح يربكه اكثر: ليه؟ بتسألى على الساعه ليه؟اغلقت عينها و هى تضغط شفتاها بقوه و الوجع يزداد لمده اطول و هى تضغط بطنها بيدها بينما هو يطالعها بترقب متفحص و هو يشعر رغم ارتباكه بسعاده و هو يراها هكذا، ليس جنونا و لكن حقا الامر يبدو شيقا، فهى احيانا تبتسم، و اخرى تزم شفتيها بطفوليه متألمه. و احيانا اخرى تصيح به لابتسامته التى لا تفارق شفتيه و هو يتابعها، و احيانا تطالعه بغيظ غاضب، . و تقلباتها تلك تدفعه للتفحص بها كأنها مخلوق فضائى حط على سطح قلبه فامتلكه تملكا ليس بعده فكاكا!حتى سمعها تزفر بقوه و هى تضغط بطنها متمتمه بضجر: كل 4 دقائق، كل 4 دقائق...فعقد حاجبيه مفكرا قليلا ثم ابتسم ناظرا اليها بتساؤل متوقعا صارخها بوجهه الان: هو ايه ده!و كأنها لم تسمعه و انحنت بجسدها اكثر و هى تقف امامه فما عاد بإمكانها تحمل الجلوس و غمغمت كأنها تحدث نفسها وسط انفاسها اللاهثه: قالتلى لما يبقى كل 3 دقائق، لما يبقى كل 3 دقائق، 3 دقائق..شعر بقلقه يتضاعف فهب واقفا امامها ممسكا اياها من كتفها هاتفا بجديه و حزم: يالا هنروح المستشفى،حركت رأسها نفيا و هى تتحرك في الغرفه ذهابا و ايابا و يدها تحتضن بطنها وجسدها ينحنى للامام قليلا و هى تردد: لا، مش دلوقتى، هى قالتلى كل 3 دقائق...رفع جانب شفته مستنكرا هاتفا بضيق فجره عدم فهمه بالاضافه لقلقه و ارتباكه بحالاتها تلك: هو ايه اللى 3 دقائق؟فرفعت رأسها اليه بغضب فجره وجعها و صرخت به بغيظ: معتز اسكت، اسكت دلوقتى، يارب.ماشاء الله لا قوه الا بالله، ربنا يحفظه ليكم يا بنتى، و يبارك له فيكم..تمتمت بها والده هبه و هى تعطيها حمزه داخل غرفه المشفى بينما معتز يقف جانبا و هو يرمق كلاهما بنظره لم يفهمها سوى هبه التى اشارت له بعينها ليقترب فتقدم خطوات قليله ثم توقف فربتت والدتها على كتفه و خرجت كما فعل الجميع بعد الاطمئنان عليها..فعادت تنظر اليه تدعوه ليقترب ففعل جالسا بجوارها فاستدارت له واضعه الطفل على الذراع المواجه له رافعه اياه اليه متمتمه بعشق خُلق داخلها لطفلها منذ اول يوم عرفت بوجوده: حمزه، حمزه نفسه يتعرف على بابا..نظر معتز لوجه الصغير، عيناه المغلقه و ملامحه التى بالكاد يستطيع تميزها ثم نظر لوجهها و هو يردد خلفها كأنه يحاول استيعابها: بابا؟اومأت برأسها موافقه و هى تضع الطفل بين يديه بحرص فأخذه بارتجافه لم يستطع التحكم بها بينما إستندت هى برأسها على كتفه تداعب انف الطفل بيدها فاستجمع نفسه قليلا ليقترب طابعا قبله على جبين صغيره فأغرته بشرته الناعمه فأغرق وجهه بقبلات رقيقه مع ابتسامه هبه الحنونه حتى نظر اليها بشغف مقبلا جبينها المستند على كتفه ثم اطبق عليهم صمت وعين كلاهما متعلقه بالصغير حتى قال و هو يرمقه بنظرات تعلق لم يكن يدرك مداه بينما هبه رفعت عينها لتتعلق بملامحه هو الذى ارتسم عليها صخب مشاعره الان: مكنتش مدرك انى بحبه قوى كده يا فلتى، مكنتش متخيل انى ممكن اعيش الاحساس ده و بالشكل ده، مش عارف انا فرحان لانى بقيت اب، و لا علشان اب لابن منك انتِ، و لا علشان انتِ جنبى...ثم طبع قبله اخرى على جبينها تبعها بقبله على جبين الصغير مرددا بالحمد داخله، متذكرا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم والذى اخبرته به هبه قبلا و حفظاه سويا...(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ )).اطمئن معتز على نوم هبه و الصغير فأخذ نفسا عميقا مغادرا المشفى متجها للفندق الذى يقطن به والده الان بعدما عاد من سفره مره اخرى، مستجيبا لنداء معتز، توقف امام الغرفه متنهدا بثبات ثم رفع يده بطرقات بسيطه على الباب حتى فُتح!تجمد حامد قليلا و هو يرى معتز امامه و لكن معتز لم يبد اى رد فعل بل مد يده مصافحا: مساء الخير يا استاذ حامد، بعتذر على الزياره المفاجئه بس انا حابب اتكلم مع حضرتك في موضوع مهم!اومأ حامد موافقا - و هو يلاحظ الرسميه التامه في حديث معتز - مشيرا له بالدخول و جلس كلاهما فقال حامد بمحاوله لتلطيف الموقف الذى جعل التوتر يملأ المكان من حولهم: تحب تشرب ايه!حرك معتز رأسه نفيا و ملامحه مازالت على جمودها السابق ثم اخرج اوراق مطويه من جيبه و وضعها على الطاوله الزجاجيه امامهما قائلا بجديه دون ابتسامه بسيطه حتى: دى نتيجه التحليل، و انا طبعا بشكر حضرتك جدا انك وافقت نعمله..نظر حامد للاوراق بعين زائغه، يخاف، بل يكاد يموت خوفا من النتيجه!النتيجه التى ان كانت سلبا او ايجابا لن تمنحه شئ!فإن كانت سلبا فهو سيدخل لكابوس الماضى بألمه مره اخرى خاصه ان نجلاء كانت حب حياته و إلى الان لا يستطيع نسيان حبه لها، اجل رغم كل ما فعلت لا يستطيع النسيان!و إن كانت النتيجه ايجابيه، فسيندم اشد الندم على ما فعله بطفله، بإبنه الوحيد و ان كان فحتى ان حاول هو التقرب لن يحاول معتز ببساطه لان معتز لن يسامح!بينما معتز للعجب لا يحمل مثقال ذره من شعور الان،لا يحمل صدقا، لا بغضا، لا سعاده و لا حزنا، فقط يشعر بحاله من تخدير مشاعره و ربما هذا افضل لكلاهما!اخذ حامد التحليل ليفتحه بأصابع مرتجفه و بمجرد ان رأى النتيجه اغلق عيناه بقسوه و هو يشعر بقلبه يبكى دما ندما و حسره..!ماذا كان سيحدث ان إنتظر لتضع مولودها..؟ماذا كان سيخسر ان وافق لمره واحده على مقابله معتز..؟ماذا كان سيصيبه ان استمع لحديث مها عنه او حتى رأى صورا له..؟و الان، يتعرف الاب على ابنه بعد ما يقارب ثلاثين عاما من عمره...بعدما انتهت طفوله ابنه بدونه ليجرى شبابه ايضا بدونه و الان ماذا؟كم من مره وبخه عندما هاتفه،و كل هذا في جهه واحده، و مهاتفته له ليحضر زفافه و رفضه في جهه اخرى!رفض بل لم يستمع له من الاساس،تفجرت عاطفه الابويه بداخله لطفله، لطفل حرم منه رغم زواجه من اخرى - فزوجته الاخرى لم يرزقه الله منها سوى بالاناث -!لطفل اثنى عليه به القدر بعدما اصبح بينه و بين قبره قاب قوسين او ادنى، فهل هناك من يسامح؟من ينسى؟ و من يمنح الان دون البحث عما سبق؟قطع معتز هدير افكاره و هو يهتف بنفس جموده: انا اسف انى كنت السبب في احساسك ده، بس كان لازم تعرف، ، ثم نهض واقفا و هو يشير على صدره مردفا بنبره غلفتها سخريه خالطها الان فقط بعض الألم: اما انا كفايه قوى انى ضمنت مستقبل ابنى، عن اذنك!تحرك معتز ليخرج و لكنه تجمد خلف باب الغرفه و هو يستمع لصوت حامد خلفه قائلا بخفوت شديد كأنه يُسمعها لنفسه: ابنى!اما معتز فتسارعت دقات قلبه بعنف و الكلمه تخترق اذنه لتصل لقلبه مباشره فإرتفعت انفاسه بحده ليغلق عينه محاولا كبت كل هذا و عدم التفكير به ليستدير لحامد و الذى لم يعد يستطيع اعتباره والده قائلا برسميه حذره: لا يا استاذ حامد حضرتك غلطت في العنوان مفيش ابن هنا، حضرتك راجل متغرب و ضيف بس، انسى الموضوع تماما و مفيش داعى تفكر فيه و عاوز حضرتك تبقى متأكد من حاجه واحده، انى عملت التحليل ده علشان ابنى مش علشانى..ثم عاد بخطوات بطيئه ليقترب منه و عاطفته تغلب قناعه البارد هذا معاتبا اياه بقسوه جديده عليه: ابنى، اللى استنيت لحظه ولادته كل يوم و كل دقيقه، ابنى اللى اول ما صرخ كان قدام عنيا، ابنى اللى اول ما اتولد حضنته و وعدته ابقى دائما جنبه، ابنى اللى انا مستعد اضحى بحياتى كلها في مقابل سعادته و راحته، ابنى كلمه مش سهله و شعورها اصعب، بس اجمل، كفايه قوى انك حرمت نفسك منه..ثم تحرك مجددا باتجاه الباب فناداه حامد مجددا و كلمات معتز تُزيد قلبه ندما و وجعا: فرصه، فرصه تانيه يا معتز!استدار معتز له بإستنكار خالطه سخريه اصابت قلبه بألم فاق ألمه فأردف حامد متجاهلا كل هذا: فرصه اعيش معاك، نبنى علاقتنا القويه سوا، اقرب منك و انت تقرب منى، فرصه تانيه اخدك في حضنى، فرصه واحده، واحده بس..حرك رأسه نفيا و ابتسامته الساخره تتسع مزيده من شعوره بقهر لم يستطع تجاوزه و لكنه لن يستطع تجاوز جرحه ايضا، جرحه الذى لم يؤلمه يوما بل عدد سنوات عمره، جرحه الذى رغم ما مر من وقت و رغم محاولات فاشله منه للهرب من ألمه ظل يؤلمه، لم يندمل و لن يحدث!لماذا لانه ببساطه جرح مزمن، ينتشر في جسده كله قلبه كان او عقله او ربما روحه فكل ما به اشتكى و كل ما فيه ظُلم...و يتكلم الاخر عن فرصه؟فرصه لماذا تحديدا!فهل ستمنحه الفرصه من سيوقع على دفاتره التى مُزقت، من سيلعب معه بطائراته التى كُسرت، من سيحقق امنياته بصنادقه الصغيره الذى تهشمت حتى ترك زجاجها اثاره به، من سيعيش معه الذكريات التى ولت..!من سيعيد الزمن؟!فرصه، ضحكه ساخره و كفى!اغلق عينه لحظه ليفتحها بعدها مستعيدا تماسكه و قوته الذى وعد صغيره بها و قال بنبره لا تقبل النقاش بما حملت من أمر و حزم اخبرت حامد ان الماضى انتهى و معه انتهت علاقه ربما الان كانت له اسمى علاقه: ارجع لمراتك و بناتك يا استاذ حامد، الوقت هنا اتأخر و للاسف فات الميعاد و ضاعت الفرص، انت اتأخرت، أتاخرت قوى...ثم اعطاه ظهره مغادرا الغرفه و بمجرد ان اغلقها استند على بابها متمتما بعاطفته الجياشه بأبوته الان: بس وقت ما هتحتاجنى هتلاقينى في ظهرك، لان اللى خلف مامتش يا بابا!زفر بقوه و هو يشغر براحه غريبه كأنه الان حقا اغلق القديم كله بما يسوؤه حقا،ليغادر بخطوات سريعه ومتلهفه نحو أسرته الصغيره، اسرته التى اعطته اكثر مما تمنى!و اغلى مما توقع!اعطته نفسه...