رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الرابع والأربعون
ممكن ادخل؟! تسائلت حياه بتوجس من رد فعله و هى تطل برأسها من باب غرفته، فابتسم ناظرا اليها بحنانه المعتاد و الذى دائما ما يشعر به تجاهها، و اومأ برأسه موافقا..
دلفت اليه بخطوات متردده فتعجب ناظرا اليها بتساؤل و هو يراقب خلجات وجهها المتأسفه و النادمه لسبب لا يدرى ما هو، وقفت بعيدا عن الفراش قليلا تنظر ارضا فحاول بكل ما يملك من قوه الاعتدال جالسا و جسده كله يصرخ ألما ثم تحدث بوهن و لكنه شملها بدفء خاص لها: قربى.
رفعت عينها اللامعه بالدموع و التى جعلته يقلق لمرآها هكذا و تحركت باتجاهه خطوه متردده ثم تراجعتها مره اخرى فتمتم متعجبا: انتِ خايفه و متردده ليه كده؟ قربى يا حياه. تحركت بتثاقل باتجاهه حتى وقفت امامه فاحتوى كفها جاذبا اياها لتجلس امامه على الفراش ليرفع يده مزيلا دموعها فأغلقت عينها قليلا ليصلها صوته الهادئ باهتمام: في ايه؟
فتحت عينها ببطء لتُمسك بيده التى مازالت تحتضن وجنتها و تضمها بيدها الاخرى ايضا على ساقيها بضمه ليست بقويه و لكنها ليست ابدا بضعيفه و غمغمت بصوت بالكاد يُسمع خزيا مما فعلت: انا اسفه..
ابتسم ملتقطا سببها، فصغيرته تشعر بالذنب على ما فعلت، تندم و تشعر بتأنيب ضميرها على عدم اطمئنانها عليه حتى هذا الوقت، مهما زادت قوتها و مهما استردت حياتها سيظل قلبها ضعيفا كالزجاج و قويا في احساسه كالماس بل اغلى، و هذا ما دفعها لتأتى اليه في مثل هذه الساعه المتأخره لتعتذر..
ربت بكفه على يديها التى تضم كفه الاخر و تمتم بحزم رغم خروج صوته مهزوزا اثر ألمه و لكنه كان كافيا لترفع عينها اليه بترقب قاسٍ جدا عليها: غلطتِ و كان لازم تعتذرى فعلا و انا مش هقبل غير بتعويض و غالى قوى كمان..
ظلت تنظر اليه و صمت هو تاركا كلماته تترك مفعولها ليهتف بعدها بمرح و ضحكه صغيره ترتسم على وجهه: اضحكِ لان ضحكتك بتنسينى أى وجع، اضحكِ و احكيلى عملتِ ايه في المقابله؟، لو عاوزانى اسامحك فعلا رغم انى مش مضايق منك اصلا فرحينى و قوليلى ان تربيتى جابت نتيجه و الحلم اتحقق.. شعرت بالسعاده تغمرها و التفتت اليه بحده انفعاليه و هى تصرخ فرحا: جابت نتيجه، نجحت يا مازن، نجحت و حققت حلمى..
رفع كفيه امام وجهها بابتسامه سعاده لسعادتها هاتفا بارتياح و استسلام و ضميره يبشره براحته اخيرا: يبقى انا كده نفذت وعدى. ثم رفع كفها امام شفتيه ليطبع قبله سريعه عليه و بصدق شعوره تجاهها الان: انا فخور بيكِ يا حياه، فخور بيكِ و يمكن لو ليا اخت حقيقيه مكنتش هفتخر بيها كده.. اتسعت ضحكتها و هى تهم بجذب يده لتقبلها و هى تقول باخلاص صادق: و انا متأكده ان لو ليا اخ حقيقى مكنش هيقف معايا زي ما انت عملت..
جذب يده مسرعا و لكنها تشبثت بها و طبعت قبلتها الممتنه فوقها لتتحدث و هى تنظر اليه بعاطفه مست قلبه و هى يشعر بصدق حديثها: اول مره اتكلمنا فيها، انت وعدتنى بحاجتين، الوعد الاول انك تاخذ حقى و فعلا اخذته يوم ما ساعدتنى اخذه بنفسى، غير الاعتذار اللى انت طلبت انه يتنشر منه ليا في النجع كله لحد ما بابا نفسه بقى خجلان يكلمنى لألومه، و الوعد التاني انك تساعدنى احقق حلمى و النهارده بس كمل وعدك و حلمى اتحقق، صدقت انا لما قولت انى هلاقى فيك اب و اخ و سند.
نظرت ليده بشرود لتردف بحنان طاغٍ على نبرتها الممتنه: عارف يا مازن، اول ما شوفتك حسيت في عنيك بالدفا بس قلبى خاف منك، خفت تبقى زى بابا و شادى و غيرهم من اصحاب العقول المرضيه، مهو المرض ده مبيفرقش بين صعيدى و بندرى، خفت تظلمنى و لما سألتنى اترعبت و انا متأكده ان ده هيبقى اخر يوم في عمرى..
رفعت عينها اليه لتبتسم مكمله بنفس نبرتها الممتنه: بس انت كنت خير دليل على كلام الرسول الخير في و في أُمتى الى يوم القيامه لمعت عيناه بتأثر و هم بالتحدث و هو يضم يدها بقوه اكبر و عيناه تحاوطها بحنانه الاسر و لكنها اعتدلت امامه لتجلس متربعه و هتفت مقاطعه: بلاش تقاطعنى، انا جوايا كلام كتير قوى نفسى اقوله، و جوايا حاجات كتير قوى نفسى احكيها..
اومأ برأسه في تفهم و استدار بنصف جسده ليُعدل من وضع الوساده متأوها بخفوت لتسانده هى حتى جلس معتدلا نوعا ما فاستقرت امامه و تمتمت بأسف: اول حاجه انا عاوزه اتأسف ان انا مشيت بدون ما اطمن عليك، عارفه انه غلط كبير قوى بس طمعانه في انك تسامحنى، انا عارفه انك انت اللى قدمت ليا حلمى ده، انت اللى رسمت مستقبلى و ساعدتنى امشى فيه، انت كنت السبب و انا خذلتك لما اخترت النتيجه و اهملت السبب بس صدقنى احساسى بالاطمئنان عليك و حنين موجوده شجعنى انى احقق حلمى لانه مش نجاحى بس، لا، دا نجاح ليك اكبر، شعورى انى بسيب طفل قلقانه عليه بس بسيبه في حضن امه خلانى اقوى، كلمتك اللى قولتها ليا في اول مره اقف فيها في وش ضعفى حاولت معاكِ بكل الطرق اساعد قلبك يتحكم بخوفه، حاولت ارجع الامان لحياتك، حاولت احيي قوتك اللى دفنتيها ، كلماتك دى كانت في كفه و كلمتك الاخيره اتمنى متخذلنيش كانت في كفه تانيه، ف بدون تفكير خرجت اجرى من المستشفى علشان انجح و مخذلكش، ثقتك و ايمانك بنجاحى اتحكم فيا، عارفه انه مش مبرر بس اتمنى متزعلش منى..
رفعت عينها اليه لتجده هادئا يطالعها بابتسامه حنونه و عيناه فيض من احتواء كبير شملها و لكنه ظل على صمته، فتمتمت بخفوت: هتسامحنى؟! اشار لها بيده مداعبا بحركه مشاكسه معناها هل اتحدث الان؟ فأومأت مبتسمه فاردف بابتسامه واسعه بمرح ساخر لا يعرفه ايلاه و لا يليق بسواه: لازمتها ايه المحاضره دى كلها، كان عندى اهم بكتير تقولى انك هتعزمينى عزومه حلوه بسبب نجاحنا سوا و خلاص، و عامه..
اشاح بيده في دراميه هاتفا بسخريه: لقد عفوت عنكِ.. ما كاد ينهيها حتى تأوه بخفوت رغما عنه من حركه يده و عظام كتفه تأن وجعا، فابتسمت مع انكماش ملامحها بشفقه اثر تأوهه فتمتم بضعف مرح: بقيت خرده قديمه خلاص بكم الشاش اللى وقعت فيه ده..!
اتسعت ابتسامتها فهذا هو مازن اما يشتعل غضبا و هذا قليلا و يا لا سوء حظه من يقف امامه وقتها و اما تغلفه هاله مرحه لا يتخلى عنها ابدا كأنها جزءا لا يتجزأ من شخصيته، و نادرا ما يكون هادءا و هى اكثر حالاته عجبا و بها لا تفهمه ابدا فلا تستطيع استبيان ملامحه و لا استنباط ما يفكر به.. سكن قليلا ثم حثها على اكمال ما بدأته قائلا بحذر: دى اول حاجه، ايه التانيه؟
صمتت قليلا تستجمع قوتها لتخبره ما تريد و لقد شجعها روحه المتقبله الان عله لا يحزن مما ستقول فتمتمت بتردد حذر و هى تراقب رد فعله المبدأيه: علاقتنا..! اختفت ابتسامته دفعه واحده و شردت عيناه قليلا بوهج خاص لم تفهمه ثم همس بهدوء جاد: مالها؟
تعجبت هدوءه فهو لم يغضب فتدرك انه لا يريد التحدث بشأن علاقتهم - اللامسماه حتى الان -، و لا مزح لتدرك انه لا يهتم للامر برمته، بل اصابته حالته النادره التى لا تفهمها.. فأخذت نفسا عميقا مصممه ان تكمل ما بدأته حتى و ان كان لاذعا: انت حبتنى يا مازن؟!
عقد ما بين حاجبيه و سؤالها يدفعه ليخفض عينه مع اضطراب ملحوظ في انفاسه مما اربك قلبها و جعلها تتردد في ان تعرف اجابته قليلا فهى لا ترغب في ان يثنيها شيئا عما ستقول فأردفت مسرعه: انا فكرت كتير و كمان حاولت كتير، و شايفه انى مش مستعده اسمع اجابتك قبل ما تعرف اجابتى انا الاول.
رفع عينه اليها هو اشد خوفا منها الان، لو صرحت عن حقيقه مشاعرها و التى لا يعرف ماهيتها لا يستطيع خذلانها، هى في الاول و الاخير زوجته لا ذنب لها في ماضٍ واهم، و لا مستقبل مستحيل، كفاه تعلقا بأحبال واهيه، فليعيش حاضره دون النظر للامام او الخلف، , ربما هى ضعيفه و لكنها بالتأكيد اقوى منه في تجريد حقيقه ما بينهم..
اسلبت جفنيها لحظات احمرت فيها وجنتها فسره هو خجلا فازداد ارتباكه و لكنه ادرك انه انفعالا مما اصابه بالصدمه لقولها و التى امتزج فيه ارتباكها بقوتها الجديده و التى اذهلته: انا مقدرتش احبك كحبيب او زوج يا مازن، قلبى مش قادر يشوف فيك غير اب احتوانى، اخ احترمنى و سند كان دائما في ظهرى، اول جوازنا انا اتعلقت جدا بحنانك اللى مازال لحد الان بيحتوينى، و مش هنكر ان بعد فتره بدأت احس ان علاقتنا سخيفه، لا احنا اخوات حقيقين و لا احنا زوجين حقيقين، ف حاولت اكسبك كزوج بس مقدرتش او يمكن قلبى مطاوعنيش، و لقيت نفسى بدون تفكير و بدون تعقيدات مش شايفه فيك غير الاخ اللى فضلت طول عمرى محتاجاه..
لم تتجرأ لترفع عينها و لو فعلت لرأت اشد ملامح الصدمه على وجهه و عينه تطالعها بذهول تام، لقد اعتقد و خشى في الوقت ذاته ان تعترف بحبٍ له، تخبره انها تكن اليه مشاعر خاصه كان سيقبلها راغما و لكنها بكل ببساطه تخبره انها لم تستطع...
اردفت و هى تتوتر من صمته الذى طال بنفس نبرتها المتردده و لكن كفى فهى تريد ان يعرف خشيه ان تكون قد لامست قلبه دون درايه منها: انت نفذت كل وعودك ليا بس هل فاكر كلامك لما قولتلى انا ممكن اقدملك اى حاجه بس مش هقدر اقدملك الحب، انا وقتها قولتلك انى محتاجه امان و ثقه و احترام بس، و انت مقصرتش معايا يا مازن، بس هل مازلت مقدرتش تقدملى...
قطعت كلماتها دون قدره على اكمالها خشيه من بوحه بمشاعر قد يصعب عليها تحملها، لا تدرى لما قررت اليوم خاصه لتتحدث معه فلقد مر على زواجهم ما يقارب العامين و لكن شعورها بالحاجه لتُزيح هذا الحمل الثقيل عن قلبها جعلها تتحدث.. ظل على صمته غير مستوعبا ما تقول، لا يدرى السبب و لكن كم الصراحه التى فاجأته بها اربكته، جعلت عقله يتوقف للحظات عاجزا تماما عن العمل..
التفت اليها عندما استمع لضحكتها القصيره و التى بدت له شارده ممتنه و كأنها تتذكر شيئا ما: فاكر يوم ما حضنتك و طلبت منك تكون ليا سماء و تحتوينى بمطرك، مكنتش اعرف وقتها ان انا اللى هطلب الشمس لان بردت من المطر، فهمت ان مهما طال البرد لازم يجى وقت الدفا، الدفا اللى بدأت اعيشه من يوم ما وقفت تانى و بدأت حياه ترجع لحياتها، دفا انت بنيته جوايا و حاوطنى بيه، كنت خايفه الشمس تشرق بس دلوقتى فهمت ان لما الشمس تشرق هتحتوينى اكتر، مطرك برد جرحى لحد ما التئم يا مازن، و نفسى في شمسك تشرق قلبك فتغمرنى بدفا و حنان اكتر...
رفعت عينها اليه اخيرا لترى عينه التى تحدق بها بلا اى تعبير سوا اتساعها الغريب التى لم تفهم ان كان دهشه، فرحه، حزن او تساؤل ام ماذا و لكنها حاولت تجاهل طوفان مشاعره المتخبطه و اردفت بابتسامه: انت وعدتنى ان السما ليا و هتفضل ليا، هل بعد كلامى ده هتغضب السما عليا؟ طافت عيناه على ملامح وجهها بذهول قليلا ثم وجد صوته اخيرا ليهمس بتيه متسائل: انتِ..!
قاطعته قائله بتوسل بادٍ بعينيها كأنها تخبره الا يصدمها بمشاعر اخرى هى لا طاقه لها لتحملها: انا اختك، و هفضل اختك و بس، صح؟ نظر اليها و هو يشعر انها تتحدث بلسانه هو، ولكن هو او هى هنا ما الفارق؟! مادام احساسهما متماثل، مادام حملت هى دون ان تدرى ثقلا كبيرا عن كتفه الذى احنته ضربات قدره،.
بدايه بابتعاده عن حلم ظن انه الحياه ليُدرك انه كان غافلا ليعيش سنوات على حب واهم ليسقط بالنهايه على ارض حقيقه قلبه بعدما اُستنزف قدرا من طاقته،.
ثم دخولها الغريب لحياته ليطمئن نفسه انها ستكون الحياه لقلبه و ربما تمنحه وصفا جديدا كزوج محب و ربما تجعله العشره لا يعتادها فقط بل و يعشقها ايضا، و لكن عنادته الحياه مره اخرى مستنزفه قدرا اخر من طاقته لتخبره ان قلبه و عينيه لا يعداها سوى اخته التى لم تنجبها امه، ، امرأه ضعيفه تحتاج لسند و دعم، فتاه هدم الجميع - و خاصه اقرب اقربائها - جذورها لتصبح خاويه في عراء الحياه التى نافست حياه في نفسها، ليجد نفسه يقوم بدور السند حتى تجد نفسها من جديد، نفسها التى لم تكن يوما حلما لقلبه و ادرك اليوم انه كذلك لم يكن فارس احلامها،.
و لاحقا اقتحام طوفان زوجه اخيه لحياته عنوه رغما عنه و عنها، ليجد الحياه تسخر منه لتخبره بتبجح ان سعادته و راحته بها شئيا مستحيلا، و لكنه ادرك ان هبه وهم، و حياه زعزت داخله مشاعر الاخوه التى استفزتها بقوه بضعفها فكون تجاهها مشاعر اخوه حقيقيه، و لكن ماذا تكون حنين؟، مشاعره الغريبه و احساسه الغامض الذى يجتاحه بجوارها، ، حنانه و الذى هو مصدر قوته ليصمد بوجه الحياه يختفى بارتباك معها، بل و يشعر بنفسه انه هو من بحاجه لحنانها، يؤلمه بشده دعوه اخيه و التى لا تفارق اذنيه عندما قال ربنا يرزقك زوجه زى حنين هتحس انك ملكت الدنيا بما فيها تمنى و ردد دعاؤه و لكنه ابدا لم يتمناها هى، ، لتأتى لعبه القدر لتمنحه اياها و هو مدركا انها ستسلبها منه مجددا لتستنزف باقى طاقته كامله.
شعور بالعجز يطوقه و هو بالكاد يستوعب ما يحدث له و معه، قناعه المرح يخفى خلفه روحا داميه و نفسا مُهلَكه.. عادت حياه لحياتها، و سعدت هبه بحياتها، و لكن ماذا عنه؟ و الاصعب ماذا عنها هى..! ما مصير كليهما؟ و ماذا يخبئ لهما القدر بعد؟!
احترمت حياه صمته و التى ادركت من خلاله انه يفكر، لا تدرى ما مركز افكاره تحديدا و لكنها رأت حيره قاتله بعينيه، شعور بالتيه و التشتت يملئ ملامحه جعلها تعض شفتيها ندما يا ليتها لم تصارحه، ايُعقل انه اراد منحها قلبه؟
و لكنها لا تستطيع القبول به فهى لا ترغب بالحب، فقط يعنيها نجاحها الذى حُرمت منه، و لكنها ابدا لا تهمش دوره و لن تتخلى عن حنانه السخى وضعت يدها على كفه فتفاجأت بانتفاضته كأنه كان بعالم غير العالم فجذبت يدها ناظره اليه بتعجب و لكنه حاول الهدوء قائلا بخفوت مطمئنا اياها: اختى و بس...
اتسعت ابتسامتها بسعاده و هى ترمقه بامتنان لانه لم يضعها موضع صعب، و لكن هو ظل على جموده مغمغما بخفوت متهربا من وجودها معه: انا محتاج ارتاح ممكن نكمل كلامنا وقت تانى.. نهضت مسرعه تساعده على الاعتدال و لكنه لم يكن بحاجه لقرب احد الان فأشار بكفه مانعا اياها من الاقتراب قائلا: انا كده كويس..
اومأت موافقه باحترام لتفكيره التى فهمت من عينيه انه يعصف به الان و خرجت بعدما نظرت اليه بامتنان مره اخرى، القى برأسه على الوساده بارهاق جسدى و فكرى مغلقا عينه تاركا لافكاره و حدتها الفرصه لتمزق فيه تمزيقا... تجرد هو مما كان يختبئ خلفه، ذنبه الذى لم يفهمه و لن يفعل..
كان يعتقد ان مجرد تفكيره في مشاعر اخرى سيكون خطأً بحق زوجته التى اتت الان بكل ثبات لتخبره انها لا تعده زوجا من الاساس، خلف من يتوارى عن تساءلات قلبه، و علامات الاستفهام التى تداهم عقله..
شعر بيد تمسح على شعره بحنان ففتح عينه مسرعا ليطالعه وجه والدته التى جلست بجواره تنظر اليه بحنان غمره من اعلى رأسه حتى اخمص قدميه ليجد نفسه دون وعى ينحنى بجسده ليدفن وجهه في صدرها متجاهلا صرخات الالم التى اشتعلت بجسده كله و التى خرجت على شكل تأوهات لا يدرى أهى حقا من وجع جسده أم من انهاك روحه..!.
لتضمه والدته بحرقه على ابنها الذى عاش مرفهاً طوال عمره تبعها سفره للخارج لتحقيق حلمه ليعود فتبدأ معركته القاسيه مع الحياه، العمل بمستوى اقل بكثير مما كان عليه بالخارج حتى استقر بالشركه الان، حياه قلبه و التى استنزفها بالبدايه حب واهم ليطعنه بعدها ما هو اقسى و اصعب..
وفاه اخيه و التى دمرت الجزء الاقوى بداخله و هو يشعر بنفسه وحيدا فجأه مسئولا عن كل ما حوله خاصه مع مرض ابيه الذى ظل في غيبوبته اشهر حتى فاق ليصبح طريح الفراش بما تجاوز عام من الزمن.. غضبه و عصبيته التى احرقت قلبه و التى لم تكن هينه على شاب لم يكن يعرف بحياته سوى الضحك و المرح و نادرا ما كان يعرف معنى العبوس.. فيضان حنانه و الذى ورثه منها ليُغرق الجميع به حتى شعر بجفافه ليكون هو في اشد حاجته للحنان..
انتفض جسدها و عينها تلمع بالدموع و هى تشعر بدموعه تبلل عبائتها البسيطه لتحرق صدرها حرقا فابنها يعانى وجعا و قهرا فاق الحد و ما اصعب قهر الرجال! مسدت ظهره باحتواء لتهمس بخفوت يقطر حنانا امطرته به: انت اقوى من كده يا مازن، ربنا بيختبرك يا ابنى اصبر و احتسب و هتلاقى الفرج من عنده..
شدد من دفن وجهه بها ليصلها صوته المذبوح و كل ذكرياته السابقه و التى اشتاقها حد الجنون تجتاح كيانه: تعبت يا امى، تعبت، و قلبى تعب، لا مال و لا جاه و لا منصب يساوى راحه البال، انا عاوز راحه البال، راحه البال بس.. تساقطت دموعها وجعا عن نبض قلبها الذى فقدت نصفه و لم يعد لديها سوى النصف الاخر: وحد الله يا حبيبى ضاقت و لما استحكمت حلقاتها فُرجت و كنت اظنها لا تُفرج ، حبيبك النبى بيقول، ,.
صمتت تنتظر رده عليها و لم يغب عنها بل ردد الصلاه على النبى صلى الله عليه و سلم بصوت خاشع و هو ساكن بين يديها.. فأردفت هى برضا بعدما سمعته: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا له .
استند بوجنته على كتفها يلتقط انفاسه التى سكنت قليلا فحاوطته بيدها بسخاءها الحانى وهى تشعر به ابن العشر سنوات و التى كانت تعلمه ايات القرءان و تنصحه دائما و هو ساكنا بين ذراعيها كما الان لتُكمل بتأكيد مؤمن: قلقان ليه و ربك موجود، هو قادر يشرح صدرك و يخفف تعبك، احكيله و اشكيله و اطلب منه، اطلب بسخاء، اطلب و خليك واثق انه هيستجيب، انا مفيش حاجه صبرتنى على بعد اخوك عن حضنى غير كرم ربك و حنانه على قلبى.
اومأ برأسه في هدوء غريب اجتاحه كأنه لم يكن يحتاج سوى حضنها هذا الان و دموعه تنساب من جانب وجهه و هو ينظر لكتفها الاخر متذكرا ان وجه فارس كان يواجهه هنا فقد كانت تضمهما معا لينعما بحنانها و هى تنعم بوجودهم..
رفعت رأسه اليها لتُزيل دموعه بفرط عاطفتها الحانيه و ربتت بعدها على وجنته بيدها الدافئه و هى تنظر لعينيه قائله بصوت متردد: انا سمعت كلامك مع حياه غصب عنى، مش هقولك غير حاجه واحده، وامسكوهن بمعروف او سرحوهن بمعروف حقها تعيش حياتها، و تبدأ من جديد، القهر والظلم اللى عاشته في حياتها و اللى ربنا هيأك ليها علشان تبعدها عنه تستحق تعيش قده و اضعافه فرحه، لو عاوزه تتطلق يا ابنى طلقها...
نهض مسرعا ناظرا اليها هاتفا بعجاله مدافعا لتصدر عنه آهات مكتومه اثر وجعه الجسدى: لو طلبتها مش هجبرها يا ماما، بس انا مش هقدر اعملها الا لو طلبتها، غير كده انا مش هحرمها من حاجه هى طول عمرها بتستناها و حتى لو على حساب نفسى، فرحتى و انا بحقق ليها فرحه انا عاجز عن انى احققها لنفسى بتقوينى، احساسى انها وقفت على الطريق اللى يستحقها بيشجعنى، هى حياه قلبى فعلا، بس مش في الحب لكن هى خلته يعيش..
حاوطت وجهه بكفها لتهمس بترقب حذر و هى تتفحص ملامحه المتعبه: طيب و حنين؟! غامت عينه بمراره احساسه الغامض مجددا ليهمس بشرود اعطاها اجابتها التى تدرى انه لن يدركها الا بعد كثير: مش عارف، مش عارف بجد هترسى على ايه...!
كانت واقفه بالمطبخ تُعد بعض المأكولات السريعه حتى شعرت بيديه على خصرها تحاوطها هى و جنينها معا هامسا بحراره بجوار اذنها: فاكره لما قولتلك نفسى احضنكم سوا..
تجاهلت احساسه المشتعل الان فهى لا قدره لها على المماطله و التحدث معه فهى مرغمه ستقبل البقاء ببيته، فإن لم يكن من اجلها فمن اجل طفلها، لن تسمح ان تنجب معتز جديدا، تفرق والداه ليتوه هو و يتحول لانسان بل لمسخ غريب اغرق كل سفن عشقه ببحار عينها، و احرق كل الورود ببستان قلبها، غمغمت بتردد متذكره كلمته هذه سابقا: يومها انت كنت فعلا بتحضنا سوا..
شدد من اقترابه منها حتى لاصقها تماما مستندا بذقنه على كتفها ليغلق عينه يستنشق رائحه خصلاتها العبقه و التى تشبه رائحه الفل لهذا دائما ما كان يلقبها فله ثم عاود بهمس اشد حراره: وحشتينى يا فله، وحشتينى قوى.. اغلقت عينها لحظات ثم استدارت له لتنظر لعينه بقوه و اصرار هاتفه: انا عاوزه اروح عند ماما..
عاد خطوه للخلف بضيق من اصرارها على الابتعاد عنها، فطوال الاشهر الاخيره كانت بارده ثلجيه معه حتى كان هو يحترق حرقا ليُذيب جليدها و لكنها لم تستجيب.. طال صمته المتفحص بها فعادت طلبها مره اخرى بتوضيح ابلغ: انا بقيت بتعب، و محتاجه ارتاح و محتاجه مساعده ماما معايا خصوصا انه اول حمل و انا لسه معرفش حاجه..
اخذ نفسا عميقا و تمتم بهدوء محاولا اثناءها عما قالت: انا ممكن اسلم الصفقات و الشغل الحالى لعاصم زى الاول و اتفرغ ليكِ تماما و اى حاجه تحتاجيها اطلبيها و هعملها فورا، تحركت ببطء للخارج تاركه ما كانت تفعله متجاهله ما قال و همست بتأكيد: انا محتاجه اروح هناك يا معتز..
وقف امامها ممسكا كتفيها هاتفا بحده غلبته: انا مش هقدر اشوفك هناك يا هبه، انتِ عارفه والدك مش طايق يشوفنى او يسمع صوتى، دا غير كلماته اللاذعه اللى بتسمعيها كل مره و التانيه لانه شايف انك فرطى في كرامتك.. حاولت تمالك غضبها و تمردها المعتاد فهى لا قدره لها بهم الان: انا فعلا فرطت في كرامتى..
قاطعها و دون انتباه حركها بعنف قائلا بصراخ: انتِ طول عمرك رافعه راسك، قبلى و معايا و من بعدى، كرامتك متصانه يا هبه و ان كان في حد اتهان فأنتِ اكيد عارفه هو مين..! انقبض قلبها من كلمته من بعدى و لكنها حاولت بقدر الامكان تجاوزها و لكن قابلها طوفان الحزن الذى طغا عينيه و هى تُدرك مغزى كلمته و لكنها ايضا تجاهلتها جاهده هامسه باستسلام غريب عليها: دا والدى يا معتز، في الاول و في الاخر دول اهلى..
نظر اليها نظره ثاقبه هاتفا بثبات: و انا مش هسمح حتى لاهلك يكونوا سبب وجعك.. ابتسمت بسخريه وتمتمت بمراره شعر بها ك سهم غادر يخترق قلبه: بلاش انت تتكلم عن وجعى يا معتز الله يكرمك.
تركته و خرجت، جلست على الاريكه بالخارج فأسرع اليها رافعا قدمها بحنان ليضعها على الاريكه ايضا متجاهلا المشاداه بينهم منذ لحظات بينما هى تتطالعه بدهشه فجلس بجوارها من الجهه الاخرى ليجعل ظهرها مواجهه له و بدأ بتمسيد عنقها بهدوء و هى تحدق بالفراغ ذاهله، ثم تمتم بتأكيد و نبرته يكسوها شيئا من اللهفه و طفوليه عجيبه يعاملها بها منذ ان علم عن حملها: بيقولوا ان افضل ترفعى رجلك كده، بترتاحى اكتر.
تركت احساسها ليده لتشعر برعشه تسرى بجسدها... هرومانتها متخبطه هذا الفتره، و هو يستغل ذلك ليلعب على وتر احساسها.. و هو محق، هى بحق في اكثر الاوقات حاجه له..
فكم تتمنى ان تُلقى رأسها بحضنه ليعبث بخصلاتها القصيره ليخبرها كيف سيعتنيا بالطفل معا، تتمنى ان يداعب وجهها ليمنحها صفات طفلهما كما فعل من قبل، هى عرفت انها تحمل صبيا و كم كانت تتمنى دوما ان يمنحه والده اسمه، تتمنى لو يمنحها سعادتها لتكتمل عائلتها الصغيره لتشعر انها امتلكت الدنيا بما فيها!
و كأنما قرأ افكارها هذه لتجده يجذبها برفق ليضع رأسها على فخذه بهدوء فنظرت لوجهه بصدمه ليبتسم لها بعشق و هو يتمتم بجديه زائفه: انا بهتم بطفلى اظن مفيش اعتراض على كده؟
اغلقت عينها و اجابتها تتراقص على شفتيها اهتم به او بى لا فارق، كفى ان تكون معنا و لكنها اعتقلتها بداخلها عن مسامعه لتشعر بعدها بلحظات بيده تداعب خصلاتها بدفء تمر من جبينها حتى منتصف رأسها مرات متتاليه حتى كادت تستسلم لنعاس في احتواءه الذى ربما تختبره لاول مره...
توقفت يده ثوانى لتفتح عينها مسرعه لتجد وجهه امام وجهها منخفضا عليها مقتربا منها بصوره خطره - على قلبها المسكين -، و سيئه اشد السوء - على عقلها المتمرد - و قبل ان تُدرك هدفه كان قد وصل اليه هو عندما زين جبينها بقبله عميقه هامسا بنبره مشتعله و انفاسه تلفح وجهها: دى لحمزه... رفرفت باهدابها لتُتمتم بلهفه و قد راقها الاسم: هنسميه حمزه؟! منحها نظره غريبه ثم غمغم بغموض: هجاوبك بس صبرك عليا!
تجاوز غموضه بعدها عندما مال عليها مجددا ليضم شفتيها بشفتيه في قبله جمعت كل مشاعره نحوها من اسف، ندم، خزى، شوق، لهفه، عتاب، فرحه، حزن و غلفها رداء عشقه لها و رغم سعادته معها سابقا كان هذا مختلفا.. كانت قبله تمنحها وعد ابدى بأنه لها وحدها، و تقتنص منها ألف وعد و وعد انها له و فقط له لاخر عمره..
امتدت يده لبطنها المنتفخ قليلا يضمه باحتواء بكفه و لم يفصل قبلته بعد حتى وضعت هى يدها على يده فابتعد عنها مستندا بجبينه على خاصتها هامسا بعشق: و دى لأم حمزه.
كانت تحاول التحكم بانفاسها اللاهثه، حسنا طوال الاشهر الماضيه لم تمنعه من الاقتراب منها و لكنها لم تستسلم له و لكن لا تعرف لما استسلمت اليوم، استسلمت لطوفان عشقه الذى اكتسح ما تحمله من غضبا ليترك حطام قسوتها على ارض عقلها توبخها، بينما ازدهرت بتلات عفوها و حبها بجينان قلبها تشكرها، و لكن ما حكم بينهم ضميرها و الذى ما زال يلومها و لكن ما المانع في لحظه، لحظه و ربما لحظات او فليكن ليلا كاملا تستعيد فيه سعاده قلبها اليس هذا بأفضل لها و لحمزه!
رفع رأسه اخيرا محررا اياها من اعتقال انفاسه المتحكم في انفاسها و الذى سلب قوتها منها، ظلت على سكونها دون ان تطالعه حتى همس بتساؤل هادئ: عاوزه تعرفى ليه اخترت حمزه!
همهمت دلاله على رغبتها في معرفه اسبابه فضم كفها التى تضعه على بطنها المنتفخ و داعب بيديهما معا طفلهما مما تدغدغ مشاعرها فابتسمت بسعاده رغما عنها و هو يشرح متذكرا حلمه: حلم جميل كنتِ فيه قاعده على شط البحر و انا قررت انزل المياه و حاولت اقنعك اخذ حمزه.. فتحت عينها اخيرا ليلتقط هو اهدار امواجها السخى و الذى لمع بلهفه اغرقته بها: كان اسمه في الحلم حمزه؟
اومأ برأسه موافقا و هو يحتضن وجنتها بأيد مرتجفه ليُصرح بعاطفته المشتاقه: اشتقت ليكِ بين ايديا، و لنظره عنيكِ اللى غصب عنى بتوه فيها، اشتقت لضحكتك و لمعه السعاده في عز تعبى، اشتقت لقلبك اللى سكنت جواه و بيعترف قبل لسانك انه بيحبنى.
و ما بيدها حيله الان سوى ان تهرب، بل تركض بعيدا، رغم انها بدونه كحافيه قدمين تركض على اشواك لوعتها و زجاج شكواها، رغم انه الدفء فهو اقرب للصقيع، رغم انه الجنه فهو يحمل بين كفيه النار، و رغم اتساع بحره بمغرياته الكثيره لن تخاطر به دون وجود شطآن، و اسفه هى مازالت لم تجد معه الامان... سمعها هو بقلبه، بل باحساسه بها الذى اصبح يفوق احساسه بنفسه عندما هتف: كذابه.
ضغطت عينيها بقوه و هى تمنع دموع عينيها من الهروب فلم يشأ ان يضغط عليها اكثر و هو يعلم الصراع التى تجاهد فيه روحها فانخفض طابعا قبله اخيره على جبينها و همس بترجى: و دى لعل قلب أم حمزه يرضى عن باباه..
تتحرك ذهابا و ايابا في الغرفه لا ترغب بالذهاب لغرفته لا ترغب، لما يريد رؤيتها أفلا يمكنها ان تبعث التصاميم مع احد اخر... اخبرها في بدايه العمل ان عملها سيكون مع - مازن - مباشره و لكنه الان يبدو ان عملها معه و كأن الشركه لا تحوى سوا كلاهما، ، لا تريد التواجد معه بمكان واحد ف مشاعرها المتخبطه ترهقها..
مشاعرها تجاهه و التى لا تدرى أهى - وليده - ام منذ امد و هى لم تدركها، و ما يؤرقها انها عندما تتذكر محمود لا تتذكر سوا ابتعاده المهين لكرامتها و شخصها، نادرا ما تتذكر ضحكاتهم و لكن أسفا لا تذكر مواقف حاسمه او محمسه له معها.. و لكن على النقيض تماما و دون رغبه منها حتى تتذكر كل مواقفها مع اكرم، رغم غفلتها عن احساسها به وقتها - كما تعتقد - و لكن يظل يحتل تفكيرها بلا منازع..
منذ ان عملت بشركته و هو يقدرها و يحترمها لم يبد حتى رد فعل صادمه بعد معرفته بعجزها، انقاذها و احتواء خوفها يوم الحادث المشئوم و الذى لولاه لخسرت اعز ما تملك و احترامه لرغبتها رغم خطؤها، تشجعيه الدائم لها على العمل والاتقان فيه و جعلها توقن انها قادره على فعل ما تريد، توضيح الثغرات التى تغفل عنها ليعطيها من الخبرات ما يفوق خبرتها بالداخل و الخارج، حفاظه على سمعتها بالشركه كلما تجاوز محمود التصرف معها و كأنه كان يعد نفسه وصيا عليها..
جميع تناقضاته و التى تمنحه هاله غريبه و غير مستقره من الغموض، مزاحه و حزمه، حنانه و قوته، ضحكاته و غضبه، و نظراته المشجعه و الواثقه و نظراته اللامباليه.. و الى الان لا تستطيع نسيان يوم رأته يعتذر لجنه، يوم اخبرها عن وصفها بعطرها المحبب ليمنحها دهشه فلم تكن تعتقد انه ذواق في امور النساء هكذا..
قبضت على نفسها بابتسامه ارتسمت على شفتيها رغما عنها لتضرب جبينها بخفه ثم حملت التصاميم متجهه اليه و هى تدعو الله ان يمنحها قوه التماسك بجواره.. فمشاعرها تجاهه ذنب، فهى رغم كل شئ لا تدرى صحه شعوره تجاهها، اخرجت مارد مشاعرها المتخفى خلف احساسها الدائم بالارتباك الواضح امامه و الذى كان مخفيا عنها ايضا اخرجته لنفسها و لكن ماذا عنه! لا تعلم؟!..
و لا يوجد بيدها سوى لحظات السعاده القليله التى تعيشها بمجرد رؤيته، و التى تدفعها لذنوب اقوى و ما اجملها من ذنوب تحمل من المغريات الكثير.. كرغبتها الدائمه بالنظر اليه لتنعم بملامحه التى لم ترى منها سوى دفء يسرق لبّ قلبها، ، الاستماع لحديثه بنبرته الرجوليه الخشنه و التى لا تخلو من حنان يحتوى كل حواسها لتندمج معه..
ابتسمت مجددا و هى تشعر برغبتها العارمه الان لتشكر سلمى على حسن صنيعها بتجريد مشاعرها امامها، حتى اختفت ابتسامتها تماما عندما وقفت امام الباب و هى على وشك طرقه و حاولت اخفاض دقات قلبها العاليه التى تجزم انها ربما تصله من فرط حماسها و لكن قبل ان تطرق وصلها صوته يتحدث و رغما عنها جذبها حديثه خصوصا عندما شعرت به يصيبها بأخر ما توقعته..
اما بالداخل كان هو يتحدث على الهاتف مع جنه و قد قرر اخبارها قبل ذهابه لتتأكد من عدم معرفه مها بحضوره، , ضحكت جنه بصوت عالى لتهتف بمرح: انا مش مصدقه نفسى، مها يا اكرم! من امتى؟
حمحم بضحكه و هو يستند على مقدمه مكتبه ناظرا لنقطه وهميه و صورتها تتجسد امامه ببحر الفيروز الذى غرق فيه طوعا كان او قسرا، فانتفض قلبه بين اضلعه ليغلق عينه يُصرح بحراره و انفاسه تضطرب بصدق عاطفته: من اول ما شوفتها، انا نفسى مش عارف حبيتها ازاى و امتى؟ صبرت كتير، كتير قوى.. ثم ابتسم بمرح و هو يفتح عينيه ليهتف بغيظ تملك قلبه من نفسه اولا ثم منها - تلك الفيروزيه -: بس انا فاض بيا و سلمت الرايه..
تحركت جنه ذهابا و ايابا بفرط حماسها و فرحها له و هى تصيح بسعاده كأنها تُحدث نفسها: انا مش قادره استوعب، انت و مها! طيب ازاى؟ و ناوى على ايه؟
نقر بأصابعه على المكتب ليتمتم بعزيمه تحمل اطنان من مشاعره الجياشه و كلماته تخبرها بوضوح انه ليس بمعجب او مجرد - عريس مناسب - لمها، فالامر ابسط من ذلك و في الوقت ذاته معقد بشكل سئ فهو ببساطه شديده عاشق حد النخاع - و حسرتاه -: انا هاجى النهارده، و مش ناوى على خطوبه، انا ناوى على جواز عالطول، انا داخل على 34 سنه، و مش مستعد استنى لحظه او اضيعها زى ما حصل قبل كده، , خرجت منه بصوتٍ متهدج رغما عنه..
ثم هتف بلهفه كأنه يجاهد ليكسبها: كل طلباتهم هتتلخص في كلمه واحده انا بعشقها و مقدرش استغنى عنها يطلبوا مهر، شبكه، شقه، فلوس، اى حاجه كفايه هى، انا عاوزها هى و بس.. لمعت عينها بتأثر و هى تشعر بصدق عاطفته التى أنبأتها انه احترق حرقا و هو يراها تُخطب لغيره بل و يعملا معا امام عينه، ليس بأمر هين اطلاقا خصوصا على من هو مثل اكرم، و الذى يخفى اكثر مما يُبدى فهو تلخيص لقول الشاعر، ,.
اراك عصى الدمع شيمتك الصبر، اما للهوى نهي عليك و لا أمرُ؟ بلى انا مشتاق و عندى لوعه، و لكن مثلى لا يذاع له سرُ! صمتت جنه للحظات ثم تمالكت احساسها بمشاعره و حزنها لاجله بالوقت ذاته و لكن ما لبثت ان ابتسمت بمكر و هى تغمغم بتردد مصطنع اختبارا لثقته: بس مها ممكن يعنى...!
و صمتت منتظره رد فعله و التى جاءتها سريعا عندما تنهد اكرم بقوه ليغلق عينه متذكرا عندما امسكها متلبسه بالامس تناظره بتفحص لترتبك بعدها فهمس بقلق و نفسه تنازعه ليصدق همسه: انا شوفت في عنيها نظره شجعتنى، قلبى بيقولى انها هتوافق، انا حفظت قلبى طول عمرى علشان كنت متأكد ان يوم ما هسلمه هيبقى لواحده تستاهله و انا حاسس انه اختارها هى، عقلى و قلبى اتفقوا عليها و مش هقدر اتنازل عنها..
ضحكت جنه و هى تبتسم بحنان شاعره بالخوف الذى غلف صوته لتهتف بثقه بعدما تذكرت هى الاخرى تجمد مها فور رؤيته بنظرات فضحت مشاعرها و التى ربما كانت هى نفسها - مها - غافله عنها: حافظ على ثقتك دى، أينعم اختيار القلب ممكن يكون غلط، بس احيانا بيكون اصح من تفكير العقل و متقلقش انا هحرص انها متعرفش..
طمأنه حديثها قليلا رغم شعوره انه على حافه الهاويه فهو اليوم اما سيفوز بقلبه و اما سيخسره للابد، اما سيغرق في بحر الفيروز ليغرقها معه في دفء عاطفته و صدق احساسه بها و اما سيغرق به بعيدا عنها في وحل عشقٍ لم يُكتب له حياه. ظ ابتسم بتشتت و تفكيره ينحصر في فكره واحده و هو انه بانتهاء هذا اليوم سيصبح اكرم جديد اما لها و اما بعيدا عنها و ما اقسى شعور الانتظار..!
اغلق الهاتف و استدار ليخرج متجها لهناء ففتح الباب بحركه مفاجئه ليُفاجئ بها امام الباب و تُفاجئ هى الاخرى بخروجه فرفعت عينها الغارقه بمرارتها اليه لتلتقى عينهما في حديث صامت.. كانت عيناها غارقه ببحر دموعها و التى ابت السقوط و لكن من يوقف نزيف قلبها.. ما اعتقدته من مشاعره نحوها، كذب، ما اخبرتها به سلمى، كذب، ما انشأته من قصور داخل قلبها المسكين، كذب، هو يحب اخرى بل من حديثه هذا ادركت انه يعشقها..
هى فقط من سولت لها نفسها ان تحلم ناسيه او ربما متناسيه ان معيبه مثلها لا تستحق حتى الحلم.. امثالها لا يليق بها الحب و من مثل اكرم لا يفكر بمثيلاتها.. قلبها يؤلمها، يؤلمها بشده، كما لم يفعل من قبل. كل ألم عانته في علاقتها المعطله مع والدتها، كل ألم كسرها بسبب ضعفها و استسلامها لعجزها، كل ألم اختبرته ببعد محمود و كسر كرامتها، جميعها معا لا تساوى مثقال ذره من ألمها لفكره عشقه لغيرها، لفكره خسارته..
كانت حمقاء لا تدرى حتى ما بداخل قلبها و لكن صدق من قال لا تُدرك قيمه الشئ إلا بعد خسارته و هى للاسف لم تدرك قيمه حبها الا متأخره، بل لم تدرك حبها من الاساس..
و لكن كفى، كفى قصور وهميه و احلام بائسه، ليست كل فتاه سندريلا لتُختم قصتها بأميرها المنتظر، فهناك احيانا بعض القصص تنتهى دون امير و دون سندريلا، باختصار خاويه وهميه لا صحه لها، تماما كالحلم الساذج التى رسمته على لوحه قلبها بل و تجاهلت كل الواقع من حولها و لونته بألوان زاهيه لتذهب لوحتها مقدمه على طبق من ذهب لغيرها..
و امامها هو عقد ما بين حاجبيه متأملا انكسار ملامحها و صدمته بالالم و المراره التى كست عينيها بشكل هدم قلبه هدما.. بحر الفيروز و الذى ينذر بعاصفه هوجاء من اليأس و الاستسلام - لقرار او فعل او ربما قولا ليس بيدها - و الذى اختفيا من عينيها مأخرا.. حديثها الصامت و الذى يخبره بحزنها كأنها ستفقد شئيا غاليا جدا على قلبها بل و يبدو انه اغلى ما تملك بحياتها...
قطع صمته و صمتها جامحا رغبته الصارخه بضمها لحضنه لتلتهم شفتيه دموعها قسرا و تُحرمها على عينيها، ليجذب منها كل ما تحمل من ألم و ان دفع عمره سيعطيها ما تحلم به مهما كان و كيف يكن، و اثر انفعاله خرج صوته متحشرجا رغما عنه محملا بفيض احساسه الصامت لها: خير يا بشمهندسه؟ انتِ كويسه؟!
اخفضت بصرها عنه متمسكه بما لها من قوه و تحركت من امامه هاربه لعلها تخفى عنه دموعها و لكنه اوقفها مناديا باسمها فتوقفت و مازال ظهرها يواجهه فتماسكت قليلا لترفع رأسها لاعلى مغلقه عينها لتمنع مرآه عينها من عكس نزيف روحها التى لم تكن تتوقع ان يكون بهذا الوجع، وجع تدركه لاول مره ليخبرها ان ما سبق من حياتها مع الاخر هباءا ف - وجع عشقها - اخبرها انها ما احبت من قبل و عندما فعلت، يا ليتها لم تفعل ابدا..
استدارت له فأشار لها لتدخل مكتبه و دلف لتتبعه هى ساكنه و الحمد لله ساعدتها قوتها الان لكى لا تُفضح امامه، فما اعتقدته من مشاعر صورتها لها عينه - او كما رأتها هى - كلها مجرد حلم يقظه يكفى ان تستيقظ منه الان، و حان حتما وقت الاستيقاظ! توقف امام مكتبه ناظرا اليها بتفحص عاقدا حاجبيه بشده يجاهد ألا يُفضح متسائلا بحذر: في حاجه مش مظبوطه ممكن افهم في ايه؟! انتِ كويسه؟!
رفعت عينها اليه بقوه خانتها لتتنمر عليه هو بدلا من كبح جماح ألمها و للاسف لم تحاول تمالك نفسها لتُشير بحده غير مبرره وجهها يحمل من انفعالها الكثير و ليه مش هكون كويسه؟
لتنكمش ملامحه اكثر من انفعالها و حركه شفتيها السريعه مما اخبره انها غاضبه او ربما ساخطه عليه لفعل ما، ف لاحظت هى تدقيقه بشفتيها لتطبقها محاوله اخماد شعورها بالشفقه على نفسها و لكنها تذكرت كلمات سلمى فتعمدت تحريك يديها دون نطقها الصامت بالكلمات فأشارت في حاجه تانيه مطلوبه منى حاليا؟
لاحظت انعقاد حاجبيه اكثر موضحا شعوره بالتشتت لتنتقل عيناه بين يديها و شفتيها عده مرات دون فهمه لما تقوله، و لا شعوريا اغتصب قلبها فرحه باحساسها بتميزه او ربما تميزها لديه و لكنها عادت تختفى خلف ضبابات الواقع و التى وضحتها مكالمته و التى اخبرتها بوضوح افيقى هو يعشق اخرى فانقبض قلبها مع دوار خفيف يلف رأسها..
فاخفضت عينها و اعطته التصاميم فأخذها متعجبا موقفها و تصرفها الغريب هذا و لكنه ألقاه باهمال على المكتب ليعاود النظر اليها و قبل ان يسألها شيئا يُطفئ نيران صدره و التى احترقت بحزنها. استدارت هى و اعطته ظهرها دون كلمه اخرى او حتى استئذان بالخروج كعادتها..
لحظات تبعت خروجها ظل هو واقفا بدهشه متسائلا ما سبب تصرفها بهذا الشكل و قلبه يدق اجراس الخوف و الحذر، و وسط مشاعره الملتهبه الان لم يستطع التروى و تقدم مسرعا ليخرج خلفها و لكنه توقف خلف الباب فور ان سمع هناء تقول بسخريه كالمعتاد منها فهى لا تجيد الا السخريه او الدلال الزائد: انتِ كنتِ وافقه تسمعى كلام البشمهندس اكرم ليه؟ و لا متعرفيش ان كده عيب؟! افرضى اسرار!
ثم نهضت واقفه لتقترب منها مسرعه لتهتف بحماس خالف تأنيبها لها منذ ثوانٍ: كان بيقول ايه بقى خلى وشك يصفر كده؟ قوليلى قوليلى و مش هقول لحد. رفع اكرم عينه - التى اختفى توترها و قلقها لتلمع بخبث متلاعب - ليطالع وجه مها ليجدها ترمقها بنظره غاضبه حارقه اخبرته بوضوح عن اشتعال روحها ثم تحركت مسرعه باتجاه غرفتها ليدلف هو و يغلق الباب بعدما ادرك ما صار..
فشقت ابتسامه واسعه طريقها لشفتيه ليهمس بخفوت متلذذ كأنه يُحدث احدا ما: فيروزنى بتغير، ...! عقد حاجبيه و ابتسامته تتسع ليهمس مستمتعا اكثر بالخاطر الجديد و الذى بناه عندما تذكر انه لم يذكر اسم من يعشقها او اسم من يحدثها: او يمكن فهمت انى بحب واحده، ،! تحولت ابتسامته لضحكه ليتمتم ضاغطا حروف كلمته ببطء و هو يشعر بقلبه يكاد يفارق صدره طربا: تانيه، ،!
ثم ازدادت ضحكته لترسم انعكاس واضح لسعاده روحه الان هاتفا بمكر: غيرها..!!؟ ليقهقه بعدما بملئ صوته صائحا بانفعال و كأن روحه هى من منحته الاجابه او ربما الاستنتاج: يعنى بتحب، يبقى هتوافق. حاول التماسك قليلا و لكن ضحكته لم تفارقه و هو يضع يده على كتفه مهنئا نفسه بصخب و بسعاده حقيقيه: مبروك عليك الجواز يا اكرم يا ابنى مبروك.!
طول ما لسه في بكره لسه في امل، وطول ما انا لسه عايش هفضل ببتسم، و مهما غاب الحلم اكيد في يوم هلقاه، و مهما زاد الوجع مصيرى في يوم انساه، دا القلب يعشق الفرح و الضحك و الغنى، و قلبى لسه عايش و حلمى عايش معاه، اكيد هنقول في مره على الماضى دا راح و تاه، متفرقش اليوم او بكره مسير الحياه تتعاش... تربعت على الفراش تنظر اليه بنظره شارده و جسدها يهتز بخفه دلاله على توترها.. هى تلومه! و لكن لا تدرى على ماذا؟!
اكرم لم يحدثها يوما عن اى امرا يجمعهم سويا، اذا لم تلومه على عشق فتاه ما؟! و بدون سابق انذار وجدت نفسها تتخيله بجوار اخرى، تتحدث معه بانطلاق تعجز عنه هى، تضحك ليتابع هو ضحكتها الرنانه بابتسامه حالمه، تصرخ له بكلمه احبك لتُشرق عيناه بعشقه لها، و هنا تكتمل الصوره، يجد اكرم من تليق به و بواجهته الاجتماعيه. وضعت يدها على وجهها تخفيه و لم تدرى كيف؟ او متى؟ تساقطت دموعها!
ليغزو عقلها دون ادراك كل ما صار لها معه من مواقف..
ليرحل عقلها لذكرى مباركته لها يوم خطبتها و تلك الابتسامه الغريبه و نظراته التى لم تفهم معناها، لتعود لذكرى عراكه مع ظابط الشرطه عندما عنفها و كيف دافع عنها و وضعها موضع اخته و لم يستغل قرارها الخاطئ ليكون معها بمفردهم، لتزداد دموعها فور تذكرها يوم عنفها في مكتبه بعدما قدم محمود استقالته و كيف صرخ بعجزه عن فهم ما يربطهم و سؤاله عن سبب لجوءها اليه و رفض مساعده محمود حتى..
لتجد شفتيها ابتسامه متذكره كيف ارتبك و خالط الامور بعدما بكت امامه و كيف حملت عينيه نظرات حانيه دفعتها للابتسام الذى انطلقت بعده ضحكاتها، رفعت يديها عن عينها و اخر ما خطر على بالها يوم كادت تدهسها سياره مازن و صرخته الخائفه و الغاضبه بالوقت ذاته انتِ عاوزه تموتينى بسكته قلبيه.
وضعت يدها على رأسها و همت بالنهوض لتمنع عقلها من التفكير و الذى يهديها لطريق مسدود و تمنع قلبها من التيه و الذى يخبرها ان الطريق مازال موجود.. قطع تفكيرها طرقات على الباب تبعها صوت معتز الهادئ قائلا بنبره افتقدتها بشده: ممكن ادخل يا مها؟! لماذا أتى! أيدرى انها في اشد الاوقات احتياجا له...!
نهضت لتفتح له و لكنها شعرت بدوارها يزداد خاصه مع امتناعها عن تناول الطعام فاستندت على الحائط تحاول التوازن ثم فتحت الباب ليروعه مظهرها الباكى و عينها التى اخبرته كم افتقدته فهى منذ معرفتها بأمر زواجه، لم تحادثه و لم تسمح له بفرصه ليتحدث معها و لكن الان هى بحاجه اليه، عيناها تستغيث به، ، دلف مسرعا مغلقا الباب خلفه و ثانيه واحده و كانت تغرق داخل حضنه المفعم بالدفء الذى دفعها لتبكى بقوه شعورها بالوجع...
عقد حاجبيه من انتفاضه جسدها فشدد من ضمه لها هاتفا بحذر قلق: مالك يا مها؟! لم تبتعد رغم محاولته بابعادها فظل على احتضانه لها بوقت ليس بقليل حتى هدأت قليلا فتحرك بها مجلسا اياها على الفراش ليجذب مقعد من جانب الغرفه ليجلس امامها ممسكا يدها بيد و يده الاخرى تمحى دموعها بفيض قلقه عليها و عاود سؤاله بلين و هو يعقد حاجبيه اكثر: ليه كل ده؟ في ايه؟!
نظرت اليه و حاولت التماسك لكى لا تتحدث و لكنها لا تستطيع، لن تستطيع ان تحمل مثل هذا الوجع بمفردها، لم تكن تعلم ان اكرم يشغل حيز كهذا بقلبها بل هى ادركت انه يشغل قلبها بأكمله، لتنتبه انه يوم تخلى محمود عنها لم تحزن مقدار ذره من حزنها الان.
فحركت يديها بضعف لتُشير و دموعها تزداد انهمارا و رأسها يذهب في ضبابات رماديه و كم تخشى هى تحولها لسوداء اى واحده مكانى مش هتقدر تقول كده لاخوها بس في حمل انا مش قادره اشيله لوحدى، محتاجه ليك قوى تسمعنى بدون ما تفهمنى غلط ابتسم رغم شعوره ان الامر جلل و لكنه تدراكه بهدوء ليهمس محاولا بثها الطمأنينه: قولى يا حبيبتى سامعك...!
حركت يدها مسرعه لتُشير و اصابعها ترتجف انا بحبه يا معتز، انا فهمت انى بحبه، كل مره كنت بشوفه كنت برتبك و قلبى بيهرب منى بس مكنتش فاهمه، نظره عينيه الدافئه بحسها بطمن قلبى، محدش ساعدنى افهم نفسى و أثق فيها قده، كل موقف حصل ليا معاه مش عارفه اخرجه من عقلى، و كل نبضه قلب غريبه كانت بسببه مش قادره امحيها من قلبى، بس كالعاده خسرت، خسرت فرحه قبل ما تبدأ يا معتز، خسرت.
غطت وجهها بكفيها لتغرق في نوبه بكاء حملت من الماضى و الحاضر الكثير، فعقد معتز حاجبيه بغضب فأى شخص اخر محله لكان منحها صفعه تجعلها تُدرك ما هذا الذى تتفوه به، و لكنه يعرف مها جيدا، و متأكد تماما ان من تتحدث عنه ليس محمود فهو ابعد ما يكون عمن وصفته و لكنه ايضا متيقن انها لم تخطئ ليغزو قلبها شعورا كهذا، و لكن من و كيف و متى لابد ان يفهم لذلك لابد ان يهدأ!
جذب يديها عن وجهها ليحاوطه بكفيه ممحيا دموعها ليهتف بتساؤل حانى رغم جمرات غضبه المكتومه: مين ده يا مها؟! و تعرفيه منين؟! رفعت عينها اليه لترى بعينيه نظره تهديد صريحه و ترقب قاسٍ لتُدرك ان ما قالته ليس بأمر طبيعى، و هو كرجل شرقى لن يقبل حديث هكذا من اخته، ندمت، لأ، و لكن ربما تسرعت! اخذت نفسا عميقا ثم نظرت لعمق عينيه لتُشير بارتباك غير متوقعه لرد فعله أكرم.
اتسعت عيناه فجأه محدقا بها ببلاهه قليلا و سرعان ما اختفت النظرات الغاضبه ليحل محلها نظرات عابثه و هو يجاريها بمكر: و طبعا بحكم تعاملكم في الشغل قلبك اتعلق بيه..! اخفضت عينها خجلا و ضيقا لتُشير بنفى انا مكنتش بتعامل معاه كتير غير في الاجتماع او مكتبه و كان بيبقى التعامل رسمى جدا، و الله ما تجاوزت حدودى و لا كان في تعامل خارج حدود الشغل، معرفش ازاى و امتى؟ انا اسفه بس و الله غصب عنى.
ضغط بيديه على وجنتها ليحتضنها برقه هامسا امام عينيها: انا واثق فيكِ يا مها، رغم ان بدايه الكلام كانت هتخلينى اقوم اضربك بس انا عارف اخلاقك كويس.. ثم اعتدل قليلا ليُصرح بغموض: و اكرم شخص ممتاز، فعلا يتحب! نظرت اليه باستغراب من النظرات العابثه التى شغلت عيناه و لكنه تجاهل نظراتها و نهض ليوقفها امامه قائلا: ادخلى اغسلى وشك و البسى حجابك و تعالى في حاجه ضرورى لازم تشوفيها..
ازدادت غمامتها سوادا لتترنح قليلا فأسندها بقلق ينظر لوجهها الذى اخذت تمسح عليه بارهاق: مها، انتِ كويسه؟ اخذت انفاسها بتتابع بطئ ثم ابتسمت و رؤيتها تتضح قليلا و اشارت تطمئنه كويسه متقلقش يمكن علشان وقفت مره واحده ، ، ثم تجاوزت الامر منعا للاطاله و ضيقت عينها بتململ لتُشير بمحاوله للتملص مش عاوزه اخرج يا معتز، و بعدين انت كنت جاى ليه؟ خصوصا بعد...
و توقفت حركه يدها لتنظر اليه بعتاب فامسك يدها مقبلا وجنتها مرددا برجاء خالص: انسى يا مها علشان خاطرى كفايه هبه و اللى بتعمله فيا. نظرت اليه بغل قليلا ثم اشارت باندفاع امرأه تدافع عن اخرى تستاهل، و هى عندها حق بالعكس اللى هبه عملته او بتعمله او حتى هتعمله قليل دا انا كان هاين عليا اقتلك يا معتز.
ابتسم محاولا اخفاء شعوره بالالم فلا احد يعلم سوا محمود عن حقيقه ما فعلته هبه و اخفائها امر حملها الذى ادمى روحه كثيرا بشعور ان يكون السبب بخساره طفله و لكنه تجاوز ذلك الان قائلا بمزاح: لا هبه طيبه الحمد لله.. ابتسمت مها بخفوت لتربت على كتفه بعدها لتُشير بفرحه بدت على وجهها حقيقه مبروك البيبى و يارب يكون خلف صالح و ربنا يهديكم له.
تمتم خلفها و هو يدفعها لترتدى ملابسها صائحا بنفاذ صبر: يارب، بس اجهزى يلا. استعدت لتهبط معه و دوارها يزداد و لكنها لم تخبره حتى هبطت الدرج لتدلف لصاله الاستقبال الواسعه لتُفاجئ بأكرم يجلس مع عز و عاصم و بمجرد ان لمحها اكرم ابتسم بخبث و نظراته تشملها بتلاعب غريب على طبعه.. تجمدت اطرافها و عينها تثبت عليه بتعجب صارخ اليس من المفترض ان يكون الان ببيت حبيبته؟ ماذا يفعل هنا؟!
و بدأ صراع عقلها مره اخرى ليصرخ بها جاء ليقول نتيجه زيارته لاخته، جاء ليفرح معها، نظراته الضاحكه تدل على فوزه بعشقه، و تدل على خسارتها هى ارتفعت نبضاتها بشكل ارهقها اكثر لتشعر بعقلها يودعها اخيرا لتغرق عيناها في دوامه سوداء و اخر ما وعت عليه عينيه الضاحكه و هو يهتف بنبره قويه: انا يشرفنى اطلب ايد الانسه مها يا عمى؟!
عاد عاصم من صلاه الفجر، فتح باب الغرفه بهدوء عسى ان تكون قد نامت بعد ادائها للصلاه و لكنه وجدها تجلس على ارضيه الشرفه و ظهرها مواجها له، ابتسم متذكرا عادتها اليوميه بمراقبه الشروق و محادثتها الهامسه لابيها، هى لا تعرف انه يعرف عن عادتها تلك و لكنه يعشق مراقبتها و يبدو انه عاد اليوم مبكرا لينال هذه الفرصه...
جلس على طرف الفراش بهدوء ناظرا اليها و قد جمعت عيناه كل حبه لها ليحاوطها بحصونه كأنه يشاركها ما تحمل في قلبها من جرح ماضٍ لم يلتئم بعد و يبدو انه لن يلتئم...
رفعت رأسها للاعلى و بدا من انكماشه جسدها انها تحتضن شيئا ما او ربما تحتضن نفسها و همست بحزن غلف صوتها، حزن يعلم انه مهما حاول عند هذه النقطه و لن يستطع ان يمحيه: وحشتنى قوى يا بابا، مش عارفه انت دلوقتى فخور بيا و لا لأ؟ بس عارفه انك لو معايا هتشجعنى اكمل في الطريق اللى بدأته، انا هقوى يا بابا، هبقى قويه، هنسى خوفى و هرمى عجزى و هعيش، هعيش علشان انا بنتك، بنتك اللى غلطت كتير بس فهمت انها مبقتش صغيره و مينفعش تغلط اكتر...
نظرت ارضا ليخفت انكماش جسدها ليُفاجأ بها تمسك بمجلده الذى طالما خط داخله مشاعره التى اخفاها عنها لتلمع عينه ببريق خاص بها و صوتها الخافت يصيب اوتار قلبه برجفه خاصه: انا حققت حلمى يا بابا، حلمى اللى افتكرت انه اختفى و مكنتش مدركه انى حققته، الامير المجهول، الكتاب و سندريلا..
ضحكت بصوت هادئ و كأنها تتذكر شيئا ما و اردفت بنبره جعلته يعقد حاجبيه تسائلا: هو اول واحد قالى سندريلا، الكتب كانت السبب في انه يعرفنى، دفتره كان السبب في انى افهم حبه، هو كل حاجه انا اتمنتها يا بابا.
ثم رفعت عينها ببطء لتُكمل بخفوت كأنها تعاتبه: بس مبعرفش افهمه يا بابا، اوقات احس انه بيبعد و اوقات احس انه اقرب حد ليا، اوقات هادى و اوقات غضبه بيكون مسيطر عليه، اوقات بحس انى اهم حد في حياته و اوقات بحس انى مش موجوده اصلا، اوقات بحس انه واثق فيا و اوقات بحس انه بيتعمد يلغى وجودى تماما، ملك التناقضات و انا تعبت من كده، تعبت من التفكير.
اغلق عينه و كلماتها تصيب قلبه بقوه لتخبره انه لن يتغير، طبعه القاسى و تقلباته شملتها و بشده، رغم عشقه لها قلبها لم يتعرف عليه بعد، رغم قربهم هم ابعد ما يكون عن بعضهم... هى منذ رجوعهم في ذلك اليوم و هى لا تحادثه سوى بكلمات عابره، تشعر انه اخفى عليها لعدم ثقته بأنها تستطيع الوقوف بجواره، تشعر انه لا يثق بها و هذا يأرجح ثقتها بنفسها و خاصه بالنسبه لمبتدأه مثلها...
من قبل زاد خوفها بابتعاده و قسوته، و الان يزيد تذبذبها بقربه الغريب و طبعه اللامفهوم... تعلم في عمله ضبط النفس و لكنه لم يتعلمه في حياته...!
نهض و اقترب من باب الغرفه ليغلقه بقوه ليعلمها بقدومه فرأها تجفف وجهها بيدها مسرعه ثم تخفى المجلد بطيات ملابسها لتخرج من الشرفه و هى تنظر للاشئ كأنها تتجنب النظر لوجهه و همت بالتحرك باتجاه الفراش و لكنه امسك يدها و جلس و اجلسها بجواره هاتفا بتساؤل حمل نبرته القويه بحنانه الخاص بها: هنفضل متجاهلين بعض كده كتير؟! شردت بعينها قليلا لتجيبه بعدها مدعيه اللامبالاه: انا مش بتجاهل.
اخفض رأسه ناظرا لعينها التى تنظر ارضا ليُتمتم بعصبيه قليله خانته لتغلف صوته مع نبره متهدجه خالفت عصبيته: بقالك يومين مبتكلمنيش، بتنامى قبلى و طول اليوم يا في المطبخ يا مع سلمى، حاسس انك بتهربى منى..! رفعت عينها اليه ليشعر برجفه حفونها لا يدرى حزنا ام غضبا و هى تجيبه بحده: و يمكن انت اللى شايف ان انا دايما بخاف، بهرب، ضعيفه و يمكن انت مش عاوز تشوف غير كده اصلا..!
ابتسم بهدوء عاقدا ذراعيه امام صدره محاولا تمالك غضبه من حدتها الجديده و التى لم يعتادها مع احد - ايلاها هى و بالطبع الحده العمليه مع روؤساء العمل - و صمت منتظرا التالى.. لتمنحه اياه مردفه و رغما عنها ارتفع صوتها قليلا: جنه عمرها ما كانت كتاب مفتوح يا سياده النقيب، و انت اكتر واحد عارف ده و مش بسهوله حد يفهمها و محاولاتك بكده ممكن تفشل عادى..
لمعت عينه باعجاب واضح و لكنه تجاوزه هاتفا بنبره قويه و بالطبع ظهر فيها جزء من غضبه: صوتك بيعلى يا مدام جنه. اخفضت عينها مشيحه بوجهها عنه ليردف بعدها بنبره زادت من حيرتها في هذا الجالس امامها فكلما اعتقدت انها اعتادته او فهمت كيفيه تفكيره يفاجأها برد فعل غير متوقع كسؤاله الهادئ و يده تُعيد خصلاتها البندقيه خلف اذنها: بتحبى تشوفى شروق الشمس..؟! حملقت به قليلا و لسان حالها يقول.
لست وحدك كتاب مغلق يا جنه فهو مكتبه بأكملها و ابدا لن تفهميه لتزداد ابتسامته اتساعا مدركا ما يجول بفكرها الان فنهض واقفا و مد كفه اليها هامسا امام عينها بسيطرته المعتاده: تعالى معايا.. نهضت تنظر اليه و كم تناشد نفسها ان ترفض و لكنها كانت في امس الحاجه لامر يشغل تفكيرها عنه، لشئ جديد ربما يمنحها حل لالغازه و ربما يزيد تعجبها فوضعت كفها بيده ليتحرك بها للخارج تتسائل باهتمام: احنا هنروح فين؟
نظر اليها بابتسامه ليجيبها هامسا بشغب: هتعرفى دلوقتى. سارت معه ليصعد بها لاعلى حتى وصلا لسطح المنزل و التى كانت تراه لاول مره، و قد كان رائعا في اتساعه، نظرت حولها بابتسامه و التى اتسعت عندما داعب الهواء وجهها ليدغدغها بخفه و خصلاتها تتطاير من حولها، رفعت عينها للسماء التى بدأ النور يتخللها لينكشح الظلام رويدا رويدا..
تحركت بسعاده لتجلس على حجر كبير موضوع جانبيا ليجلس عاصم بجوارها ممسكا يدها هامسا و عيناه تجول في المكان باشتياق فمر زمنا طويلا منذ ان جلس هنا: مكانى المفضل.. نظرت اليه و عينها تضحك بسعاده لتضغط كفه بخفه معبره عن اعجابها: رائع.
شعرت به يضع رأسه على كتفها لتستند جبهته على عنقها و هو ينظر ليدها المحتضنه يده ليهمس بصوت متهدج، صوتا اخبرها ان زوجها يحمل بداخله الكثير، يحمل هما تجاوز قدرته: عارفه انى لما بمسك ايدك كده بحس بالامان..! نظرت ليديهما معا لتصل بها الدهشه لاقصى تعجبها فتهدر باستنكار متعجب: معايا انا، انت بتحس بالامان، ازاى؟!
شردت بعينها تتابع اختفاء الظلام الذى ما زال يحيط بهم قليلا و غمغمت بتذكر لكل سنين حياتها: انا اللى طول عمرى بخاف و يوم ما لقيت الامان معاك هربت منك، اناا اللى بدل ما تبنى نفسها و تعيش قتلت نفسى بايدى و كابرت، انا اللى بدل ما اجرى على حضنك اتحامى فيك اخترت وجعى و وجعتك...
ثم استندت برأسها على رأسه لتردف بهمس مبحوح: انا اللى كسرت نفسى و كسرتك، حرمت قلبى منك و حَرمت نفسى عليك، انا اللى بحسسك بالامان يا عاصم، انا! لف يده الاخرى على خصرها ليزداد اقترابا منها و هو يغلق عينه مستمتعا برائحتها التى تمنحه بحق سكينه روحه المتعبه و نبضاتها المتلاحقه يكاد يسمعها تصرخ باسمه: يمكن وجودك جنبى هو الامان اللى انا بدور عليه..!
حسنا كفى مبالغه، كفى مغالاه، هو طوال عمره يهفو للحظه يُخرج فيها مكنونات صدره.. يتمنى ان يغلق عينه بحضن احدهم مرتاحا ليلقى بحمله كله ارضاا، و هو الان ادرك ان الضعف ليس عيبا. بل ابداء الضعف بين يديها قوه، القاء الشكوى على مسامعها رضا، الاعتراف بالمشاعر بين شفتيها عشق، و العيش بجوارها سكينه و راحة للبال. هى امرأه رغم ضعفها قويه، قويه بألمها و وجعها..
من تتحمل ما تحملته هى تستطيع مساندته، من تعرف معنى الضعف تستطيع كسب القوه.. و هى طالما كانت نقطه ضعفه، و مركز قوته. بدأت الشمس تنشر اشعتها الهادئه لتتعلق عين كلاهما بها، و بداخل كل منهما شعور ان شمس الحياه آن لها ان تُشرق و عتمه الليل مرغمه ستتبدد و تختفى،.
ليقترب منها اكثر ليردف بهدوء و مراره غريبه تغزو صوته و قد قرر ان يترك نفسه، قلبه، عقله و فكره بين ذراعيها: المشكله انك عمرك ما فهمتِ انك رغم ضعفك انا محتاج لك جنبى، رغم وجعك كنتِ بتقوينى، انتِ كنتِ و مازالتِ و هتفضلى دائما سبب فرحه قلبى يا جنتى، قلبى اللى لا شاف و لا حب و لا عرف الحب غير ليكِ و بيكِ و على ايدكِ..
رفع وجهه مستندا بذقنه على كتفها لينظر لعينها التى امتزجت بضوء الشمس لتمنحه مزيج ساحر من ابريق العسل اللامع فهمس بنبره مأخوذه: مبهجه زى الشمس وقت الشروق، قويه زيها وقت الظهر، و ضعيفه زيها وقت الغروب، لكن في كل الحالات جميله و مهما تعبتنا و اثرت فينا منقدرش نعيش من غيرها، باختصار شديد انتِ شمس حياتى يا جنه..!
اخذ نفسا عميقا مردفا و هو يشعر بيدها تحتضن يده المحاوطه لخصرها لشعورها به يجرد نفسه، مشاعره، و طوال صبره عليها الان، فاحتضن قلبها قلبه، لا تسمع الكلمات بقدر ما يتشربها قلبها: قبلك كنت قاسى و معرفش يعنى ايه مشاعر، كنت متعجرف و ميفرقش معايا حد، بس من يوم ما قابلتك و انا حاسس ان جوايا حاجه بتتغير، جوايا نور في ضلمه كتير منعته، نور انتِ ساعدتيه يخرج، انتِ اجمل و انقى و اغلى حاجه في حياتى.
لمعت عينها بتأثر و هو تسمعه يتحدث بتلك النبره الهادئه و التى اخبرتها ان قوته الكبيره و قلبه المتحجر سابقا يحمل خلفه قلبا ابيض معها فقط اراد ان يعيش،!
رفع يدها مقبلا اياها و انهى حديثه بنبره قويه و غامضه و لم تخلو من سيطرته المعتاده: كل اللى عاوزك تفهميه ان مهما حصل انتِ ليكِ مكانه خاصه في قلبى مش هتتغير، حاجه بقت اكبر من مجرد كلمه بحبك او احساس ان اخدك في حضنى، و مهما واجهنا في حياتنا مش هقدر اتخلى عن عاصم الحصرى، بس كمان مش هقدر اتخلى عن قلبه اللى اتعلق بيكِ..
نظرت اليه تحاول فهم كل ما يقوله و لكنها لم تستطع بل ادركت ان هناك امر جلل على وشك الحدوث امر اخبرها ان قسوه ابن الحصرى لم تنتهى و لن يحدث، و عن قريب ستراها، ستراها و هو يحذرها من ذلك... ادرك هو من نظره عينها انها فهمت ما يقوله، فهمت انه لن يستطيع اخبارها بما يشغل تفكيره و انه لن يستطيع التخلى عن قوته، و لكن ربما بعد هذا الامر و بعد خلاصه المؤكد من عمته ورد ما فعلته اليها يتحكم و لو قليلا بقسوته...
اعتدل زافرا بقوه كأنه جاهد لتخرج منه هكذا كلمات فهو لم يعتاد يوما على توضيح موقفه و لا ابداء مشاعره و لكن منذ متى ما يعيشه مع جنته الصغيره معتاد، فهى استثناء و هو نفسه في وجودها استثناء...! نظر اليها بابتسامه مشاغبه و تمتم بتساؤل و لم يستطع كبح فضوله: ايه الحلم اللى حققتيه..؟! رفعت عينها اليه بتعجب فابتسم بمراوغه ليقول بخبث: الامير المجهول، الكتاب، سندريلا..!
اتسعت عينها بصدمه و هو يجرد خلوتها مع نفسها امامها مخبرا اياها بصوره غير مباشره بانه استمع اليها فزمت شفتيها و همت بتعنيفه و لكن ابتسامته جعلتها تهدأ.. ابتسامه حملت لها صدق مشاعره و رغبته في معرفه حلمها، ابتسامه اخبرتها انه يود مشاركتها في كل شئ حتى احلامها.
ابتسامه جعلتها تعاند و تجيبه بمراوغه و ابتسامه متحديه ترتسم على شفتيها: مش انت لوحدك اللى عندك اسرار يا سياده النقيب، انا كمان عندى اسرار افضل احتفظ بيها لنفسى..
ظهر اعجابه بتحديها واضحا بعينيه التى لم تغفل هى عنها و هو يحيطها بحصونه السوداء بقوه جعلت انفاسها تضطرب و هو يرفع احدى حاجبيه ثم داعب جانب وجهه بيده ليخبرها لغموض: جهزِ نفسك النهارده عندنا يوم طويل، ثم همس بتأكيد و هو نفسه يخشى نتيجته: و صعب...!
نظرت اليه لتسأله و لكن نظرته العابثه اخبرتها ان اى محاوله لاستجوابه الان ستبوء بالفشل، اببتسم لينظر بعدها للشمس التى فرضت نفسها في عنان السماء كما فرض عشقه لها نفسه في قلبه... بينما هى تراقب جانب وجهه فذلك الرجل امامها مهما حاولت و مهما عرفت عنه سيظل لغزا، لغزا كبيرا ربما تفهمه بعد سنوات عمرٍ...
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الخامس والأربعون
استيقظت لتجد نفسها على الفراش، ظلت تطالع الغرفه بتعجب و هى تتذكر ما حدث بمساء الامس لتدرك انه بالنهايه كان حلما... قدوم معتز، حديثها معه، خروجها معه، رؤيتها لاكرم هنا، اغمائها، و اخيرا عرض الزواج الذى قدمه، كل هذا حلما! ارتجفت شفتيها و هى تضع رأسها بين يديها، يا ليته كان حقيقه و لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
و ها هى تتخذ قرارها لن تذهب للشركه من الان و صاعدا، ستقدم استقالتها فهى لن تتحمل ان تراه، و بعد فتره ترى زوجته ايضا، لا لن تتحمل! و كأنه كُتب على قلبها ان يبقى وحيدا، و كأنه يعاقبها على طول تعذيبه بمختلف حب زائف لم يكنه حقا حتى اذا ما جاءه عشقه الحقيقى لم يعرفه فخسره قبل ان يمتلكه حتى...!
تساقطت دموعها بصمت لتصلها صوت طرقات خافته على الباب فأذنت للطارق بالدخول و هى تجفف وجهها بيديها مسرعه، فتح الباب ليدلف عاصم و خلفه جنه، اقترب عاصم جالسا بجوارها مقبلا جبينها بقوه: صباح الخير. ابتسمت بتصنع و هى تشعر انها بحاجه لحضن منه هو - تحديدا - لتبكى نفسها و قلبها بين يديه و لكنها تماسكت و اشارت صباح النور.
جاءها صوت جنه و هى تبتسم بسعاده متمتمه: عامله ايه دلوقتى؟!، ، عقدت مها حاجبيها و طالعتها بتساؤل فأردفت جنه بخبث: قلقتينا جامد عليكِ امبارح يا عروسه. اتسعت عين مها بصدمه و هى تحاول استيعاب ما تقوله جنه فربت عاصم على يدها قائلا بلوم يأنبها: ارهقتِ نفسك امبارح لحد ما وقعتِ من طولك، لو الموضوع ده اتكرر تانى هتزعلى منى! اغماء، اذا لم تكن تحلم! مهلا أقالت جنه عروسه؟! اذا...!
اتسعت عينها اكثر و هى تتجمد تماما و عاصم يجيبها على تساؤل عقلها: طبعا بسبب الموضوع ده، معرفتيش ان اكرم جه هنا و اتقدم ليكِ.!؟! هل يشعر احد بما تشعر به الان؟! هل هى فرحه ام صدمه ام ارتباك! فسبحان من احال ظلمه حزنها لنهار فرحه، و صدق من قال ربما تبيت على ضيقه فتُصبح على فرجا، و لكن كانت اجابتها غير متوقعه عندما دخلت في نوبه بكاء حاده... لا ليس حزنا و انما عدم تصديق، عدم تصديق بأن ما تمنته يتحقق..
لم يكن وجود اكرم و عرضه و ابتسامته العابثه حلما، كان واقع، واقعا جميلا يشبه الحلم، حلم سندريلا...! ازداد انهمار دموعها و هى تنظر لعاصم و الذى ادرك سر دموعها جيدا لتتسع ابتسامته و هو يطالعها بحنان قبل ان يضمها لتتمسك به و يزداد بكائها...
فاخته الحمقاء فرحه و لكن ربما تداخل الامر معها فعبرت عن فرحتها بدموعها، فهمس بجوار اذنها بنبره محتويه: فاكره لما قولتلك حبى نفسك زى ما هى وقتها هتلاقى اللى هيحبك بجد، اكرم استنى لما مها لقت نفسها، وقتها لقته هو اول واحد.. ازداد تمسكها به و كل مواقفها مع اكرم تمر الان في ناصبها الصحيح... ادركت ان قلقه عليها، حبا، اهتمامه بها، تشجعيها، دث ثقتها بنفسها، افتخارا بها، ادركت ان نظراته الغريبه، وجعا،.
و افعاله المتناقضه كانت من الم سببته هى، اربتاكه و غضبه كان خوفا عليها، حديثه عمن منحها قلبه كان عنها، هو يعشقها و منذ امد، منذ ان رأها كما قال، اذا وجودها لم يكن سوى تعبا و وجعا على وجع بالنسبه اليه، و لكنه لم يأبه سوى بفرحتها..! عبر محمود من قبل عن حبه بأقوال كثيره، و لكن اكرم لم يُعبر بل اثبت، و فعل...! و بئست المقارنه، فلا مقارنه تجوز بين اسدا، و ثعلب نام بعرين الاسد...
فهى النهايه، مالك قلبها فاز، بل قلبها فاز بمالكه؟! ابعدها عاصم عنه مزيلا دموعها مبتسما لتنظر هى لجنه بفرحه طغت كل ملامحها فامسك عاصم يدها قائلا بجديه اخ يقلق اشد القلق على قلب اخته و اندفاعها: خدى وقتك و فكرى، انا هسافر بكره علشان الشغل و لما انزل الاجازه هاخد منك الرد...
ثم اضاف و هو مدركا حساسيه هذا الامر عندها و لكن لابد ان تعلم: انا و بابا و معتز موافقين مبدأيا، بس نجلاء هانم مع عارفين نوصلها علشان ناخذ رأيها حتى، باباكِ مقلش رأى قال لما تقرروا عرفونى، القرار و الاختبار بايدك و احنا في اى قرار تاخديه معاكِ دائما.. اومأت مها برأسها و دموعها تزداد و حزنها يمتزج بفرحتها لتحتضنه مره اخرى فليس لديها اغلى منه فهو اخيها، ابيها و امها...
بينما جنه ترمقهما بنظرات حانيه و قلبها اخبرها بفرحه مها و التى عادلت فرحه اخيها عندما حدثها عنها، و كما قال المولى ان الله مع الصابرين ...
أحيانا لا يكون هناك مكان اكثر ظلمه من افكارنا، حيث منتصف ليل العقل الذى بلا قمر. دين كونتز صباح الخير تمتم بها مازن و هو بالكاد يتحرك متقدما من والدته الجالسه بعرج ملحوظ اثر عظامه شبه المحطمه..
همت والدته بالنهوض و لكنه اشار لها لتجلس و اقترب منها جالسا على حرف الاريكه العريضه الجالسه عليها ليفرد جسده ببطء و تأوها خافتا يصدرعنه حتى اعتدل واضعا رأسه بحضنها لتهمس اخيرا و هى تضم رأسه و تطبع قبله حانيه على جبينه: صباح النور يا حبيبى، عامل ايه دلوقتى؟
اغلق عينه التى تصرخ به ان يغلقها لتنام قليلا فهو لم يستطع النوم طوال الليل لتجتمع عليه آلام جسده و التى كانت اشبه بسكاكين تنحر في جسده مع ألام روحه و هلاكها و التى فاقت اى ألم اخر ليهمس بسخريه: تمام و احسن كتير يا امى متقلقيش.. ثم فتح عينه ناظرا لها هاتفا بتذمر: لازمته ايه الاسبوعين الاجازه اللى اخدتهم دول انا من يوم واحد زهقت من البيت...
فوضعت يدها على رأسه المضمد بالشاش فتأوه بخفوت فجذبت يدها ضاحكه بقلق: شوفت ليه يا حبيبى؟، انت محتاج ترتاح علشان تسترد عافيتك.. زفر ببطء و هو بالكاد يلعن شروده الذى دفع به لهذا الحادث الذى كاد يفقد به حياته و يُفقد الاخر حياته ايضا ثم تجاوز الامر و تسائل باحثا بعينيه في ارجاء المنزل: فين حياه؟ لسه نايمه؟
ابتسمت والدته متذكره نشاطها الصباحى و هى تتناول فطورها على عجاله لتلحق بعملها الجديد: دى صحيت من بدرى و فطرت و نزلت شغلها.. ابتسم بحنان ثم دار بعينيه مجددا بلهفه اكبر و لكنه ألجم لسانه و اغلق عينه و هو يجاهد ألا يسأل عنها و لكن ادركت والدته من نظرته المتلهفه فقالت بابتسامه متألمه لاجله: و حنين في المطبخ بتحضرلك الفطار علشان الدواء.. ضغط عينيه بقوه و اهتمامها به يزيد الامر تعقيدا،.
فلتزهده لينسى، فلتبتعد ليتجاوز الامر، فلتخرج من حياته و لكنه حتى لا يستطيع لفظها خارجها.. ربتت والدته على خصلاته ثم تمتمت بخفوت: متتعبش قلبك و تحمله فوق طاقته يا مازن، الحى ابقى من الميت يا حبيبى. خرج صوتها متهدجا و قلبها يؤلمها، تغلق عينها مانعه اياه من رؤيه حزنها و التى رغم صبرها و رغم مرور الوقت لا يضئل..
فتح عينه ليطالع ملامحه المقتضبه الواشيه بحزنها و وجع قلبها فحاول تغير الحوار ليخرجها من فيضان ذكرياتها متسائلا بنبره حاول جعلها مرحه قدر امكانه: فين بقى الحاج محمد، انا قلبى مش مطمن، كل يوم الصبح في النادى و مبيرجعش غير العصر، شكله بيحب جديد يا نونا؟ و بحدسها ادركت رغبته المستتره في نزعها من افكارها فابتسمت و وضعت يدها على صدره لتجيبه بثقه تغيظه: ميقدرش..
ضحك بصدق فهو يدرك ما عاناه والده مع والدته من سردهم لذكرياتهم دائما، فلقد تزجوا من اجل مصلحه العائلتين رغما عن كلاهما ليخوضوا بعدها نضال كبير حتى استطاع والده ترويض والدته ليُسقطها في بئر حبه لها ليعيشا بعدها على جميل الذكريات و التى لم تنتهى حتى اليوم، فلا استطاع والده يوما اشعارها بالنقص او ايذائها رغم المناوشات التلقيديه بينهما و لكن لم ينتقص ذلك من حبهم و لو بمقدار ذره، و لم تستطع والدته التخلى عن حنانها و الذى شمله حتى هذا اليوم ليجعله غارق به لا يستطيع الاستغناء عنه...
شعرت والدته بحركته لينهض فاسندته، ليقول بابتسامه مشيرا بدراميه لغرفته خلف الدرج: هدخل مغاره على بابا. ابتسمت و لكنها حاولت الاعتراض عندما قاطعها بنظرته الراجيه فأدركت انه بحاجه للبقاء بمفرده الان، فمازن رغم كل شئ لم يعتاد ان يراه احد ضعيفا و هو فعل هذا معها قبل يوم و لكن الان لن يفعل، فصمتت!
خرجت حنين من المطبخ و بيدها صينيه الطعام فنظرت لنهال وجدتها استعدت لتذهب لعملها فوضعت الطعام على الطاوله جانبا لتقول بود: انتِ ماشيه يا ماما؟ اومأت نهال ثم نظرت اليها و امسكت يدها هامسه برجاء: مازن قاعد في مكتبه تحت مش هيرحم نفسه شغل، ارجوكِ اهتمى بيه و امنعيه باى طريقه، انا همشى علشان دوام المستشفى بس هسلمك زمام الامور، ينفع اعتمد عليكِ؟
ابتسمت حنين معتقده ان الامر بسيط لن يكلفها سوى اترك ما بيدك فيقول نعم، و لكنها لم تدرك ان قولها صعب و استجابته اصعب بكثير..
اتجهت اليه لتجد باب الغرفه مفتوحا قليلا على غير عادته باغلاقه فدفعته لتدلف لتُفاجئ به جالسا ارضا و ملامحه تجسد معنى الالم بوضوح لتعتقد انه وجع جسده فتقدمت منه لتصطدم بلوحتها بيده و التى اتقنت رسم وجه فارس فوقها و لكن يبدو انه لم ينتبه لدخولها فوضعت صينيه الطعام جانبا و اتجهت لتقف امامه فانتبه اليها تاركا اللوحه جانبا و هم بالنهوض ليتجمد و جسده يعلن كل اعتراضه الان فأغلق عينه بعنف حتى لا ينطلق تأوهه امامها..
وجدها تمد يدها له بارتباك واضح جليا على وجهها فنظر ليدها قليلا ثم احتضنها بكفه و لا يدرى ما شعوره الان اهو فرحا لاجل هذا ام يتلوى الما لاجله ايضا.. استند عليها لينهض و اتجه جالسا على المقعد فقالت متسائله بحزن لالمه: ليه قاعد هنا! تجولت عيناه على المكان حوله و هو شخصيا لا يدرى اجابه هذا السؤال.!
اجل كان يجلس هنا لاوقات طويله و لكن لانه يعمل و منذ زمن لم يقرب الرسم رغم شغفه القديم به، و لكنه بالفعل بات يفضل الجلوس بهذه الغرفه ربما لانه المكان الوحيد التى تشارك معها فيه!! ربما لانه لم يسبقها و لن يليها احدا بالدخول لهنا!! ربما لانها اشعرته ان هذا المكان سيجمع اجمل ذكرياته و ابعدها!! و ربما لان هذا المكان مفعم بوجود حنين شخصا الان و شعورا فيما بعد!
ابتسم ناظرا اليها هامسا بعاطفته و تساؤلاته المريره و التى اعطته الاجابه و هى انه يجلس هنا لاجلها : برتاح هنا..
طافت عينها على المكان بابتسامه باهته لتستقر على لوحه فارس فتتبدل ابتسامتها لشرود جعله يضغط باطن وجنته بقوه عله يتجاوز هذا الالم، صمت اطبق عليهم للحظات قبل ان تحمل اللوحه و تضعها على المكتب ناظره اليها باشتياق حارق ثم اتجهت اليه و حملت صينيه الطعام له لتقول بجديه: ممكن تفطر بقى علشان العلاج..
اومأ موافقا فهمت بالخروج و لكنها ما لبثت ان عادت بخزى لتقف امامه بتوتر، فرفع عينه اليها ملاحظا ارتباكها فعقد حاجبيه متسائلا: خير في حاجه؟ ازدردت ريقها ببطء لتهمس بخفوت شديد: كنت، محتاجه، يعنى، فلوس! و رغما عنه وجدت البسمه طريقا لشفتيه فتلك المرأه مشكله، ببراءتها المهلكه، فأجاب و هو يشير على درج مكتبه على مرمى يده: الدرج ده في الفلوس خدى اللى تحتاجيه في الوقت اللى تحبيه.
نظرت لما يشير بيده و عندما عادت ببصرها اليه و جدته يبتسم بحنان يحاوطها، فصاحت مسرعه: انا محتاجه مبلغ بسيط.. ازدادت ابتسامته و عاود محاوطتها بدفء كلماته مشيرا للمقعد امامه هاتفا بحنانه المعتاد: اقعدى..
نظرت اليه لتجد نظره غريبه بعينيه نظره منحتها شعورا كاحتواء الاب لابنته فانصاعت له جالسه امامه فبدأ بتناول طعامه قائلا باقرار: طول ما انتِ مراتى يحق ليكِ تشاركينى في كل حاجه مش بس فلوسى، فا من حقك تاخدى و تصرفى وقت ما تحتاجى او كان المبلغ و اى كان السبب..!
اشعلت كلماته بريق الغضب بروحها و ربما اشعرتها بمشاعرها الخفيه حتى عنها لتشعر بذنب دفعها للغضب لتنهض واقفه لتصيح بضيق: انا مش هشاركك في حاجه يا بشمهندس، انا عاوزه الفلوس لانى كل فتره بجيب مصاحف و احطتها في جوامع مختلفه صدقه عن فارس و الفلوس اللى كانت معايا خلصت، فأنا مليش حق في حاجه انا فتره و همشى، ااح..
قاطعتها نظره عيناه الغاضبه و تجهم ملامح وجهه و التى شعرت بها تقول لها كفى فاض بى و هو يقف متجاهلا آلامه صارخا و قد فاض به حقا و ضغطت هى و بقوه على جرح لا تدركه: و ليه الفتره دى!، ليه مش دلوقت؟ و حضرتك شايفه الفتره دى قد ايه؟ وقت ما تحبى بس عرفينى اصل الاقى نفسى في يوم الصبح طلقتك و انا معرفش! انكمشت على المقعد و لاول مره ترى غضبه، اخبرتها حياه من قبل غضبه اسود ، و لكن لما كل هذا؟ و ماذا يقول؟!
و البلهاء لا تُدرك انها اسرفت في الضغط على نقاط ضعفه بحبها اللامسموح.
ضرب المقعد بيده ليسقط للخلف فانتفضت ناظره اليه بخوف لاول مره يجتاح عينها فهى طوال عمرها مسالمه حتى لم تتجاوز اى الامور ليثور عليها عاصم فأبدا لم تخشاه و لا حتى فارس و لكنها لاول مره تجرب شعور الخوف من احدهم او ربما الخوف عليه و خاصه بعدما وضع يده على كتفه و وجهه يزداد احتقانا و هو يصرخ بنبره لامست قلبها: اتجوزها و الا هنقتلها، حاضر، , خدها البيت دى بقت مراتك، حاضر، , رفضك للواقع و معاملتك اللى زى الزفت معايا دائما، حاضر مش مهم، , فرحها يا مازن، حاضر، , اعمل و متعملش و بلاش و مينفعش، حاضر، , لازم رسميات دا مهما كان مراه اخوك، حاضر، , ارجعى بيت اهلك لا مش عاوزه اصل مازن اسمه هيحمينى من انى اتجوز واحد تانى و ابعد عن ذكريات فارس، حاضر، , و دلوقتى اصبر شويه و انا هسيبك و امشى، و المفروض اقول حاضر؟!
ثم صرخ بأقصى ما يملك من قوه بكل ما يحمل بصدره من وجع لم تكن ابدا بمدركه له: كفااااااااايه بقى، , انتفضت حنين لتضم يدها لصدرها و عينها ترتجف ليغزوها الدموع، فهذه المره الاولى التى يصرخ بها احدهم هكذا و لكنها المره الاولى ايضا التى تفهم بها انها ليست الوحيده المجبره على هذا الوضع بل هى اقحمته رغما عنه في وضع اصعب منها..
تحاملت و القت بثقلها عليه دون ان تأبه به، لم تفكر انه مثلما ظُلمت هو ظُلم، بل و ربما اكثر و ربما تكون السبب بتدمير حياته.. تساقطت دموعها عجزا و قهرا على وضعيهما معا فوجدته يزفر بقوه فنظرت اليه لتجد علامات الندم جليه على وجهه و اكتفت بهذا لتنهمر دموعها التى اخفتها طويلا خلف اشراقه ضحكه، رسم الالم نفسه بقوه على وجهها التى جاهدت طوال الايام الماضيه لدفنه بنفسها،.
لا يدرى احد انها تسهر كل ليله لتُحدث فارس، لا يدرى احد انها لا تنساه و لن تفعل، لا يدرى احد ان خلف هدوءها بركان حزن سيفيض و يبدو انه فعل... نهضت واقفه لتخرج مسرعه و لكن قدمها لم تحملها بمجرد وقوفها، فكادت تجلس مجددا و لكنها وجدت حضنه يحتويها، يديه تدعم ظهرها بقوه اسندتها جسدا و روحا..
انتفضت بين ذراعيه بينما يديها متجمده بجوارها ضعفا فشدد من ضمه لها كأنها يغرزها داخله فسرعان ما حاوطته بقوه و انتفاضه جسدها تزداد لشهقات عاليه و هى تتمتم و ضميرها يحرقها ندما: ان اسفه.. ظلت ترددها حتى بهت صوتها و لكن شهقاتها لم تخفت.. كاد هو يضرب نفسه على ما فعل، لم يكن يرغب بهذا و لكنها تقول ببساطه سأرحل، أهى بهذه السهوله يا امرأه؟
كيف يستغنى عن وجودها بجواره، مرت اشهر و جمعهما بيت واحد فكيف يمر يوما و هى ليست معه.. رائحتها المسكيه المميزه و التى يطمئن كلما استنشقها صباحا بجوار غرفتها قبل ذهابه للعمل و تسكن نفسه متناسيا تعبه عندما يستنشقها مساءا بعد عودته للمنزل.. كيف ينسى طعامها المعد بأناملها الضئيله و التى تليق بملاك مثلها، كيف يتخلى عن راحه قلبه بمجرد رؤيتها؟!
جرحها كبير و جرحه اكبر، فهى تتألم بفراق اخيه، و لكنه يتألم فراقه و يتعذب بذنب حبه لها، شاعرا بنفسه خائن! كيف يفكر بامتلاك قلبها الذى حمل يوما عشق لاخر و الاخر اخيه! أيتمسك بها شاءت ام ابت ليفوز لمره واحده بحياته بما يريد و يترك احساسه بالذنب جانبا و يظل طوال عمره بنظر نفسه خائنا و لاصدق من احب قلبه، - اخيه -، ام يتركها ليتمسك باخلاصه امام اخيه حتى لا يخجل من النظر لصورته فيما بعد!
أيترك النار لتحرقه حيا ببطء، ام يتعجل و يحرق نفسه بها! اعطته الاجابه و هى تبتعد عنه بضيق خفى و همست بأسف و حرج: انا بعتذر على الوضع اللى انت فيه بسببى، و اوعدك وقت ما احس انى هقدر ابعد بابا عن فكره جوازى مره تانيه هبعد تماما عن حياتك علشان ترجع لطبيعتها، و صدقنى لسه في الحياه كتير و اكيد هتنسى الفتره دى كأنها لن تكن. اغلق عينه و ابتسم بسخريه مريره ليردف و روحه تبكيه ليرحمها: هنسى فعلا، اكيد هنسى.
و تركها و خرج من الغرفه لتجلس هى على المقعد بصدمه من احساسها المتألم، تشعر بأنها اقتنصت قطعه من روحها لتنطق بهذ الكلمات، تشعر بأنها تكذب و هذا ألمها.. نهضت و همت بالخروج و قبل ان تفعل وقع نظرها على اللوحه التى بدأها هو بعشوائيه لتنهيها هى فحملتها تطالعها بابتسامه مكسوره و قبل ان تتركها لاحظت كتابه بخط مميز اسفلها لتُفاجأها كلماته،.
لعل الحلم في يوما ما يتحقق، فحلم السندريلا لا تحلم به الفتيات فقط، فهناك رجال تنتكس قلوبهم و لا علاج لقلب الامير سوى سندريلا، سندريلا بعشوائيتها تُكمل الانتقاص ظلت تقرأ كلماته عده مرات و هى لا تفهم لم خصّ تلك الرسمه بحديثه هذا، و ماذا يعني به؟
و لكنها افاقت من افكارها عندما استمعت لصوت شيئا يتكسر بالخارج فركضت مسرعه لتجده يستند بكفه على مقعد الطاوله و يبدو انه لا يستطيع التوازن و بجواره ابريق الماء الزجاجى مهشم فتقدمت منه بذعر هاتفه: انت كويس اي...! استدار لها موقفا اياها بحركه يده و اجابها بلامبالاه: كويس، خليكِ بعيد علشان متتجرحيش..
فتحركت بحذر لتدلف للمطبخ و احضرت فرشاه صغيره لتلملم الزجاج بحذر اكبر قائله بهدوء: متقلقش انا هعرف اتصرف.. نظر اليها بسخريه و هو يهمس بنفسه لنفسه: ياريت تقدرى تلململى بقايا قلبى يا حنين ياريت.. رفعت عينها اليه بعدما نهضت لتجده يضغط عينه بقوه كأنه يقاوم شيئا ما فوضعت ما بيدها جانبا و اقتربت منه لتقول بتسائل حذر و هى تنظر لوجهه بدقه: تحب اساعدك!
فتح عينه ليُفاجئ بوجهها القريب منه، فنظر لعينها التى لمعت فضيتها بقلق عليه، حاول جاهدا اغلاق عينيه او ابعادها عنها و لكنها تمسكت به ليعجز حتى عن الهرب...
ظل ينظر اليها قليلا و مشاعره كلها تبدو واضحه كشمس الظهيره بعينيه و التى جعلتها تعقد حاجبيها ارتباكا و تعجبا و سرعان ما اخفضت هى عينيها و قلبها ينبض بشكل سئ، سئ جدا على عقلها، و قلبها، و لكن احساسها بألمه ألمها فرفعت عينها اليه مجددا لتمد كفها اليه هامسه بتوتر: قولى حابب تعمل ايه، او تروح فين و انا هساعدك؟
للمره الثانيه و دون تفكير احتضن كفها ليستند عليها بذراعه الاخر حتى شعرت بأنفاسها تكاد تختفى و شعور غريب يغزو قلبها عنوه... حتى خرجا للحديقه فأجلسته بهدوء و همت بالدخول عندما تشبث بيدها متسائلا: رايحه فين؟!
جذبت يدها و هى تنظر اليه لتجيبه ليروعها نظره الرجاء المتجسده بعينيه، اليوم يبدو مختلفا، صمته يخبرها الكثير و لكنها تعجز عن فهمه، شفتاه تحكى اكثر و لكنها لا تستطيع سماعه، عيناه تخاطبها بحديث خاص و لكنها بعيده تماما عن رؤيته، لا تدرى اليوم هو بعيدا كل البعد عن مازن المرح التى تعرفه، بعيدا عن اخ زوجها التى احترمته طويلا و مازالت تفعل بل اكثر..
تشعر ان حديثه - المندفع - معها خرج بعد معاناه من صمت طويل، صمت فاق صمتها و جرحه يتجاوز جرحها، ندمت لانها لم تفكر به و بما يعانيه من قبل، فكرت كيف ستعيش بعد خسارتها الفادحه لفارس و لكن لم تفكر به او بزوجته..! لاحظت نظراته التى تجابه نظراتها المتسائله و ربما المشفقه فتمتمت بتلعثم و هى تخفض رأسها: هجيب علاجك.. و تركته و دلفت ليرفع هو عينه للسماء متضرعا بقلبه و عقله معا...
لن يمنحه الحل و السكينه سوا ربه، ليتمتم بخفوت اللهم لا تعلق قلبى بما ليس لى و ظل يرددها حتى شعر بها ففتح عينه ليجدها تجلس على ركبتيها امامه تجاهل النظر اليها عندما رأى كفها ممدودا امامه بعلاجه هامسه بخفوت: اتفضل... اخذه منها ثم ظلت صامته قليلا منتظره منه ان يقول شيئا و لكنه بقى على صمته ف همت بالنهوض عندما وصلها صوته: ليه رافضه تنزلى تشتغلى.؟
نظرت اليه لتُدرك ان الحوار الذى دار بينها و بين نهال وصله، فعقدت حاجبيها بضيق و لكنه وضح الصوره قائلا: سمعت حوارك مع ماما. نظرت امامها قليلا حتى فاجأها بسؤاله المباشر و الذى زاد من ارتباكها: انتِ شايفه انك مجرد ضيفه هنا، ف ليه ربطتِ شغلك بسلامتى؟
ازداد ارتباكها و اخذت تفرك يدها بتوتر واضح بينما يتابعها هو بنظراته حتى منحته الرد اخيرا بخفوت كأنها تخبر نفسها بالاجابه قبله: لان ماما نهال بتنزل الشغل و حياه كمان و مفيش حد هنا ياخد باله منك او من باباا محمد، مكنش ينفع افكر في نفسى على حساب غيرى و بالاخص انتم. اغلق عينه و براءتها تلك تقتله، هى لا تدرك ماذا تفعل به؟! سامحكِ الله يا حنين القلب، سامحكِ الله..
صمت قليلا ثم اردف بجديه لا تقبل النقاش: لما أجازتى تنتهى و انزل الشغل هتقدمى في الشركه زى ما اتفقت معاكِ، اتفاقنا اللى كان من زمان ده. ابتسمت ممتنه و هى تنظر لجانب وجهه لتغمغم بشكر: كل حاجه بعد وقت بتبقى فرحتها اكبر، متشكره ليك قوى بجد، انت عملت علشانى حاجات كتير و صدقنى يا بشمهندس ان...
قاطعها و هو يغلق عينه ليفاجأها بمحاولاته حتى نام ارضا على العشب و هو يقول محاولا و لو قليلا ليمحو ما بينهما من حواجز شتى: مازن بس، قولى مازن بس.. ثم فتح عينه لينظر اليها عن بعد لتيحدث بمزاح و صدقا كان اداءه متقنا: خلينا ناخد هدنه من الرسميات و الكلاكيع دى، انتِ زى، اختى، , خرج صوته مهزوزا رغما عنه و لكنه تماسك قليلا مردفا بمزاحه المعتاد: انا مازن و بلاش تكبرينى بالرسميات دى انا حلو و شباب اهه..
ابتسمت و هى تشعر بارتياح من اعطاؤه صفه لما يجمعهم و هى الاخوه فهمست بخفوت: تمام يا مازن.. ابتسم بسخريه مغلقا عينه و صوتها باسمه يتغلغل داخل روحه بشعور غريب و الذى اصبح معتاد معها، هى بكل شيئا مميزه حتى بصمتها تفعل... و هو لم يعد الاختيار بيده لا بأمر حياه التى اتخذت قرارها بنفسها، و لا بأمر حنين للاسف..
استند على مقعد سيارته ينظر لمنزلها فهو منذ يومين يفعل هذا، يقف امام المنزل يراقبه عن بعد غير قادرا على الدخول... اعاد اجراء التحاليل ليعرف انه ليس بعقيم، التحليل السابق كان مجرد غلطه، غلطه ممرضه خالطت تقريره بتقرير اخر، لتمنح بذلك املا كاذبا لاحدهم و اما هو فسحقت كل آماله.. كل ما بنى بداخله الظنون بسوء فهم اُثبت خطأه بتوضيح...
هو منعها من العمل بالمنازل السكنيه، و لهذا كذبت، ضغط عليها و بتمردها عاندته رغم خطأها فأخفت عنه، لم يراقبها بل اتى الامر صدفه و لكنها تعتقد حتما انه كان يشك بها لذلك فعل، لم يسألها عن شئ طوال الفتره الماضيه رغم احتراقه ضيقا و غضبا من كذبها و بالنهايه يلومها، و بالاخير عندما وصل الامر لنقطه عجزه اتهمها بشرفها! هى اخطأت و لكنه اخطأ ايضا، اخطأ خطأً جعله عاجزا عن مواجهتها حتى..!
مر يومين دون ان يحادثها او يراها، يراقب المنزل قبل الذهاب لعمله حتى يراها و هى تتجه للعمل ثم يعود بعد انتهاء عمله و يقف امام المنزل حتى يعود لمنزله مساءا لينام وهكذا هى ايامه بدونها.. افتقدها بشده، بعدها عنه يحرق قلبه حرقا و فكره خسارتها تصيبه بالذعر.. هو بها يكتمل كما قال يوما و لكنه لم يدرك انه بدونها لن يستطيع العيش.. متمردته الجميله و التى لونت حياته الباهته بألوان زاهيه جملت معنى حياته،.
افتقد مشاغبتها و تمردها الدائم، تزمرها و غضبها و محاوله ترضيتها، افتقد مشاجراتهم و مشاكستهم، ضحكهم، حضنه لها و رائحتها القويه مثلها، افتقدها و كفى...! لاحظ خروج سياره عاصم و بجواره جنه من المنزل فأخفى نفسه قليلا حتى لا يراه عاصم و لكن منذ متى تغفل عين عاصم الحصرى عن شيئا حوله، تحرك بالسياره مبتعدا عنه ثم نظر لجنه بطرف عينه قائلا: سلمى مالها يا جنه؟!
حمحمت جنه مرتبكه و حادت بعينها عنه لتنظر من الزجاج بجوارها مدعيه عدم سماعه حتى شعرت بيده تضغط يدها بقوه ألمتها و هو يهتف بغضب و نبرته تحمل من الحده ما جعلها ترتبك: امجد بقاله يومين بيقف قدام البوابه، لو الموضوع طبيعى و زياره زى ما سلمى بتقول، ايه يمنعه يدخل؟، و ليه سلمى اللى كلنا عارفين انها بتعشق الخروج حابسه نفسها في اوضتها، من الشركه للبيت و من البيت للشركه، فيه ايه يا جنه؟!
ابتعلت ريقها ثم نظرت اليه و لم تستطع الكذب و كذلك لا تستطيع ان تقول له فهذا الامر حق لسلمى لن تستطيع انتزاعه فأجابته بما يريحه و يجننه بالوقت ذاته: انا مش هقدر اقول حاجه سلمى هتحكيلك، بس سيبها براحتها.. عقد حاجبيه و عينه تجبرها لتقول و لكنها نظرت اليه بعجز و رجاء الا يضغط عليها فزقر بتوعد فهو صبر عليها بما فيه الكفايه: اما نشوف اخرتها..
حاولت اخراج الامر من تفكيره فتمتمت و هى تميل بجسدها لتمسك يده ناظره اليه هاتفه بحماس: هنروح فين بدرى كده! فضغط يدها و هو يغمزها بعبث مطاوعا اياها في ترك الامر الان و اجابها بغموض: احنا خارجين بدرى علشان اليوم كله بتاعك، و النهارده هننسى جنه القديمه و هنودعها تماما علشان جنه الجديده تبدأ حياتها بكل حاجه بتحبها، مفيش خوف، مفيش هروب و مفيش ضعف.
ابتسمت منتظره تحقيق ما يخطط له فاذا قال عاصم الحصرى انها ستودع جنه السابقه اليوم فالبتأكيد ستفعل!
اما امام المنزل، ادرك امجد انها فرصه مناسبه ليتحدث مع سلمى الان، فبقى حوالى ساعه على خروجها للعمل، عز اتجه للنادى مع محمد حسب العاده حيث يراهما على هذا الوضع منذ يومين، و ليلى اتجهت للعمل مع نهال ايضا، شذى ذهبت للمدرسه فالان لن يكون بالمنزل سوى سلمى و مها، و بهذا اتخذ قراره ليدلف للداخل و بعد قليل كان يجلس بغرفه الاستقبال بعدما ادخلته ام على في انتظار سلمى...
و بعد دقائق وجدها تدلف عليه و لكنها لم تنظر اليه بل اتجهت مباشره لمقعد لتجلس عليه واضعه قدم فوق الاخرى ثم نظرت اليه دون ان تحيد بعينها عنه... كانت عينها كأسهم حارقه تصيب قلبه، ملامحها بارده بشكل سئ لم يعتاده بطبعها، سكونها امر مفاجئ بالنسبه اليه فهو بعيدا كل البعد عن تمردها..
اشتاق لصوتها، ضحكتها حتى لحزنها فقط لتتحدث، و لكنها لم تفعل، اخذ نفسا عميقا يتحدث بهدوئه المعتاد و هو ينظر اليها: ازيك يا سلمى؟! ظلت كما هى، لم تجيبه حتى فبدأ يفقد سكونه: ردى عليا يا سلمى، سكوتك ده هيوصلنا لحاجه. و ايضا لم تنطق فقط تنظر اليه و هى مستكينه تماما على مقعدها و على وجهها ابتسامه ساخره لم تفارق ملامحها...
اقترب منها بمقعده ليُمسك يدها و لكنها لم تتحرك و لم تبدى اى رد فعل فنظر اليها و عينه تفيض بفيضان ما يحمله من مشاعر و التى انسابت في كلماته المتلهفه كأنه يبرر موقفه علها تمنحه فرصه ليسمعها و تسمعه: انا مكنتش في وعيى يا سلمى، انا عمرى ما راقبتك و لا حتى شكيت فيكِ، انتِ شرفى و ثقتى في نفسى يا سلمى، بس غصب عنى.. ازدادت ابتسامتها الساخره و قلبها ينتفض بين ضلوعها يبكى لوعه،.
لوعه على واجهتها الثلجيه و التى تخفى خلفها قلباً يذوب اشتياقا له، سماء عينه التى دائما تحتويها بحنانه و احتوائه، ملامحه التى تجاهد الان الا تنساب عليها بقبلاتها لتعبر عن اشتياقها له، لمسه كفه لكفها و التى اشعرتها بأنها ما زالت على قيد الحياه بعدما شعرت في غيابه انها تموت بالبطئ، و على النقيض من كل هذا، عقلها ينظر اليه باشمئزاز و نفور، كبريائهاا يقف حاجزا بينها و بين رجلا اول من جرح جرحها هى،.
كرامتها تدعوها لتصفعه صفعه تخبره بها انها ابدا لن تسامحه على ما فعل، تمردها الذى سيطر عليها الان و لكنها تكبله بصمتها فلا يحق له حتى سماع صوتها.. و بين هذا و ذاك يقف ضميرها حائرا، جزءا منه يلومه و جزءا اخر يمنحه العذر، هى اخطأت تعترف بهذا، و لولا تفهم امجد و ابتعاده عنها وقت غضبها ربما كانت الان ترقد في المشفى كأى زوجه يشكك زوجها بأخلاقها..
ربما لو كان امجد كعاصم لكانت الان مقتوله على يده، ليس لشكه بخيانتها فقط و لكن لعصيانها امره، لعملها من خلف ظهره، لكذبها عليه رغم رؤيته لها و بالنهايه لحملها رغم عقمه، و ربما هذا ما يمنعها من التحدث مع عاصم حتى الان، فهذا امر لا يتهاون عاصم به ابدا، تتوقع صراخه، غضبه و ربما يصل الامر ان يرفع يده عليها، فهى بما فعلت دمرت منزلها الذى ما عادت بقادره على نسيان ما صار لتعود اليه و كان شيئا لم يكن...
قاطع سيل افكارها و هو يضغط يدها اكثر ليُردف بتوضيح اكثر: من يوم ما اتخانقنا لما رفضتِ السفر و انا حاسس انك دائما مرتبكه و قلقانه، سألتك كذا مره و انتِ انكرتِ ان في حاجه، و دا ادى ان علاقتنا اتهزت!
جاهد ليتماسك ليكمل توضيح ما فعله حتى يضع امامها كل اوراقه: يوم ما شوفتك، كنت حابب اكسر الحاجز الغريب اللى بينا، جبت ورد و جيتلك الشركه بس قبل ما اركن العربيه لقيتك خارجه و ركبتِ عربيتك و مشيتِ، اعتقدت انك راجعه البيت و لما كلمتك انتِ قولتِ كده فعلا، و لسه هقولك انى وراكِ لقيتك دخلتِ شارع جانبى غير طريق البيت و قفلتِ معايا بسرعه، فضولى خلانى امشى وراكِ في اعتقاد منى انك هتشترى حاجه او حاجه من هذا القبيل يعنى..
صمت قليلا بينما هى لم تحيد عينها عنه و ابتسامتها الجانبيه تختفى تدريجيا و هى تستمع لتفاصيل ما حدث و لكن هذا لم يشفع له بعد، اردف هو و هو يغلق عينه عن عينها المسلطه عليه: لكن اتفاجات بيكِ داخله عماره انا معرفش حد فيها و انا عارف ان باقى عليتكم في الصعيد، قولت يمكن واحده صاحبتك هناك و علشان كده كلمتك يا سلمى..
شملت نبرته بعضا من عتابه كأنه يخبرها انها اخطات بحقه كثيرا ايضا: كلمتك و انت كدبتِ عليا و قولتيلى انا في الطريق و خلاص على وصول، قولتلك انتِ فين بالظبط، قولتيلى اسم شارع قريب من البيت بعيد عن المكان اللى كنتِ فيه، كدبتِ عليا و انا جن جنونى، نزلت علشان الحقك قبل ما تدخلى لكن كنتِ دخلتِ و لما سألت البواب عليكِ قالى انك طالعه شقه واحد اعزب...
و دون ان يدرى ضغط يدها بقوه ألمتها و اخبرتها بالوقت ذاته انه فعل ما فعل لا عن قصد بل رغما عنه، ما فعلته دفعه لهذا رغما عنه، تصاعدت رغبه قلبها بحضنه الان و رفض عقلها اعطاؤه عذرا، و صرخ ضميرها لتسمعه و نام الاخر متمسكا بوجعه..
اردف هو بعدها بحزن غلف صوته: كنت عارف انك مش هتجاوبينى، كنت شايف ان المواجهه بينا في الوقت ده هتوصلنا لمشكله اكبر، فسكت، سكت و قولت اكيد عندها عذر، اكيد هتيجى تحكى، هتقول على كل حاجه زى ما اتعودنا دائما، بس انتِ كمان سكتِ، سكتِ و سيبتِ قلبى و عقلى في حيرتهم، كنت تايه مش عارف اتصرف ازاى خايف اوجعك و في نفس الوقت انا موجوع و محتاج اسمعك، عدت الايام و رجعت الامور لطبيعتها، و نسيت او بصراحه تناسيت الموضوع، لحد يوم ما اغمى عليكِ و عرفت انك حامل، كل حاجه هاجمت عقلى تانى، ارتباكك، كدبك، سكوتك، هروبك، و في الاخر حملك و انا عقيم..
تنهد بقوه كبيره و هو يرفع عينه لها ليجدها ما زالت على جمودها الذى بدأ يصيبه بالجنون هو يحتاج بشده لسماع صوتها، كلامها، صراخها و لكن صمتها يزيد هلاك روحه.. فصاح هو بغضب من صمتها و غضبا من نفسه: انا مكنتش اعرف انى مش عقيم يا سلمى، كنتِ عاوزانى اعمل ايه، افكر ازاى و انا في الوضع ده و الاحداث دى؟ ردى عليا، كنتِ عاوزانى اعمل ايه؟
صرخ بها بصوت عالى جعلها ترمش و للمره الاولى منذ ان جلست ابعدت عينها عنه و سرعان ما نهضت جاذبه يدها منه لتتحرك باتجاه باب الغرفه لتفتحه قائله اخيرا بهدوء قاتل: اذا كنت خلصت كلامك تقدر تتفضل انا عندى شغل.
صدمته كلماتها البسيطه تلك لتجعله يطالعها بصمت قليلا هو الاخر لينهض بغضب مقتربا منها جاذا اياها لصدره بقوه ليهمس امام وجهها بعنف لم تعتاده و لم تتوقعه منه: غلط قصاد غلط يا سلمى، بس انا عمرى ما هفرط فيكِ و لا في ابنى، سواء بمزاجك او غصب عنك.
ثم ابتسم بخفه و هو يرمقها بتحدى، ليرى عينها تشتعل بغضبها و تمردها المعتاد مجددا فأدرك انه وصل لمفتاح التعامل معها و كأنها منحته من تمردها ما جعله يفوق قدرتها هى على التمرد: اذا كنتِ انتِ عناديه فأنا - الهادئ المسالم ده - اعند منك فوق ما تتخيلى، و اللى اتعود يخسر يوم ما بيحب يكسب بيعافر علشان يكسب و انا اهه بقولهالك..
ثم اقترب بوجهه منها ضاغطا حروفه بقوه: انا مش هسيبك يا سلمى، حتى لو دفعت عمرى كله في المقابل...
ظل كلاهما ينظر للاخر لحظات و كلا منهما الان يشعر بغلطه و بغلط الاخر بحقه فأصبحت كفتى الميزان متعادله، و فجأه اقترب مقتنصا شفتيها في قبله جامحه كادت تخل توازنها و هى تدفعه عنها ليبتعد هو هامسا بحراره و كأنه شعر ان ضعفه ببعدها منحه قوه غريبه على طبعه بقربها: من عاشر قوم ستين يوم بقى منهم، و احنا عشرتنا كبيره يا سلمى، و مش هبعد، مهما حاولتِ، , ثم تركها مبتعدا عنها و خرج من الغرفه لخارج المنزل تماما ليزفر بقوه هاتفا بتمنى: هتسامحينى، قلبك اكيد هيسامحنى.
اما بالداخل كادت هى تشتعل غضبا و هى تنظر للباب الذى خرج منه لتصرخ بغضب و هى تضرب بقدمها الارض تشعر انها عاجزه عن الرد عليه لتصيح بقوه كأنها تقول له: مش هسامحك و مش هرجع يا امجد، ابداااااااااااااااااا..
برغم النزيف بأعماقنا و إصرارنا على وضع حد لمأساتنا بأى ثمن برغم جميع إدعاءاتنا بأنى لن و انكِ لن فإنى أشك بإمكاننا فنحن رغم خلافاتنا ضعيفان في وجه أقدارنا شبيهان في كل أطوارنا دفاترنا، لون أوراقنا و شكل يدينا، و أفكارنا دليل عميق على اننا رفيقا مصير، رفيقا طريق برغم كل حماقاتنا.. نزار قبانى.
كان معتز في طريقه للخروج من المنزل عندما شعر بالم حاد في معدته فهو منذ البارحه لم يتناول دوائه و عندما عُرض عليه قهوه في عرض الزواج بالامس لم يرفضها، كما انه لم يغادر من جوار مها الا بوقت متأخر لقلقه عليها...
جلس على المقعد المقابل لباب المنزل، و استند على حرفه و لكنه لم يستطع تحمل الالم فنهض ليأخذ مسكن من الداخل مدركا انه ما عاد يجدى معه نفعا و بمجرد ان نهض ازداد ألمه فسقط ارضا مستندا على المقعد.. كانت هبه على وشك دخول المطبخ لتُحضر افطارها لتتناول ادويتها التى اوصتها بها الطبيبه و هى تحتضن بطنها بكفيها معا، و على وجهها ابتسامه و هى تدندن بكلمات طفوليه كأنها تحدث طفلها...
رفعت رأسها عندما استمعت لتأوه خافت خلفها فاستدرات لتُفاجا به على الارض ممسكا ببطنه و جبينه يتصبب عرقا فاتسعت عينها بهلع و تحركت مسرعه اليه لتحاول الجلوس على ركبتيها امامه بحذر و امسكت وجهه بين كفيها لتهتف بفزع: معتز، معتز انت كويس، رد عليا؟
ازدرد ريقه بصعوبه و لكنه لم يستطيع التحدث فأومأ برأسه محاولا تهدأه هلعها فرفعت هى طرف قميصها لتُزيل عرقه ثم احتضنته لصدرها بقوه و تمتمت و هى تحاول النهوض: قوم معايا..
استند عليها و على المقعد خلفه و كلاهما يجاهد ليقف، فلم يعد واضح من منهما يستند على الاخر، حتى اعتدل كلاهما فوضعت يده حول عنقها لتتحرك به باتجاه غرفتهم لتساعده بالاستلقاء على الفراش ثم جلست بجواره تاخذ انفاسها هى الاخرى، بدأت تفك ربطه عنقه لتنزعها ثم فتحت ازرار قميصه لتمنحه فرصه اكبر للتنفس او ربما لا تدرى ماذا تفعل و لكنها تفعل اى شئ حتى تساعده، ثم نظرت اليه و هى تُخرج علاجه من الدرج بجوارها لتبدأ بعد الاقراص بغضب لتصرخ به: مش بتاخد العلاج ليه يا معتز؟! انا تعبت منك.
نظر اليها بعتاب ليعاتبها بوهن و هو بالكاد يجاهد ليخرج صوته: و انتِ مبقتيش تهتمى بيا! عقدت حاجبيها و غضبها يتصاعد لتهتف بضيق واضح متناسيه كل ما بينهما من مناوشات دائمه و زمت شفتيها بتزمر بدا له رائعا: انا اتنين يا معتز، و مش عارفه اهتم بنفسى اساسا و المفروض انت اللى تهتم بنفسك و بينا كمان..
حاول الاعتدال و لكنه وضع يده على بطنه متألما ليجيبها بضحكه و شبه اتفاق: طيب اهتمى بيا النهارده و نبقى نشوف الموضوع ده بكره.. اقتربت منه لتعطيه دواءه ثم اتجهت للمطبخ لتُعد ما اخبرها به الطبيب سابقا لتجد ورقه مطويه بجوار الموقد فتذكرت رسالته الصباحيه الذى لا يتخلى عنها حتى الان حتى اصبحت كل خزانتها ممتلئه برسائله، فتحتها لتقرأ ما بها...
مشكلتى انى لم اعشقكِ كعشق قلب لقلب، لم احبكِ كحب زوج لزوجه، بل انا غارق معكِ بلا وسيله للنجاه، فقلبى تعلق بكِ تعلق الابن بأمه و قد كنتِ انتِ نعم الأم، كنت يتيماا قبل لقياكِ، فالكل تفنن بجرحى، و طفلا مثلى لا قدره له على تحمل الجرح، كان مؤلم اشد الالم، تدمر قلبى و ضاقت روحى و لجئت لطريق لا يليق بى و لكنى لم اكن ادرى، ف كنتِ انتِ لقلبى طريق رشدا بعد اعوام من الضياع و كنت لعقلى طرق حريه بعدما سجنت نفسى في طرقات الماضى، انا وليدا على يديك فلا تنبذ اما طفلها مهما كان عاصيا لها، فقلبك انتِ قلب ام، ام لن ترضى لاولادها بالضلال، فلطفا سامحينى، فقلبى قسما لم يحب سواكِ.
دمعت عينها و هى تشعر بكلماته تعمق شعورها بمسامحته و يبدو انه مدرك لحقيقه ما بينهم، فكيف تنكر و هو ابن قلبها الاول، حب قلبها الاول و لكنه اسفا وجع قلبها الاول و الاكبر.. انتهت من تحضير طعامه ثم اتجهت اليه لتجده ينتظرها و الالم بدأ يهدأ قليلا فجلست امامه و بدأت تطعمه رغم وعيها بما تفعل و رغم وجعها لا تستطيع الابتعاد الان ربما لانها من تحتاج الاقتراب منه..
ظل يطالعها مستسلما لحركه يدها وهو يستمتع بقربها هذا، تساقطت بعض خصلاتها القصيره على جانب وجهها فرفع يده ليُمسكها بخفه ليُلامس وجنتها بارتعاشه اصابعه فرفعت عينها لتنظر اليه ليحاوطها بعشقه الى بات واضحا يتسائل و قلبه يهفو حقا للاجابه: مش هسألك امتى بس قوليلى، هل ممكن في يوم من الايام تسامحينى؟
وضعت الملعقه مبتعده عن مرمى يده ليردف قائلا محاوله منه لاستفزازها لتجيبه و هو مدرك تمام الثقه ان قلبها سامحه منذ زمن و لكن عقلها هو من يعارض: انا عارف ان الطفل هو اللى جبرك تفضلى جنبى و معايا، محدش هيوافق انك تسيبى البيت و انتِ حامل و احنا لسه في اول جوازنا، بس انا عاوز اعرف هل ممكن في يوم قلبك يتمسك بيا لانك عاوزانى انا؟ ممكن قلبك يقدر يسامح و ينسى و يقبل قلبى تانى، مش عاوز وقت انا عاوز رد بأه او لأ!
ابتسمت بسخريه و هى تنظر اليه بخيبه امل لتجيبه بضيق من عجزه عن فهمها مره اخرى: هنفضل دائما في نفس الدائره دى، لا انا قادره اوصلك اللى انا عاوزاه و لا انت بتحاول تفهمنى!؟! حاوط وجهها بيده مره اخرى ليقول بلهفه فضحت شعوره: فاهمك بس نفسى اسمعها، طمنى قلبى..
و للمره الاولى منذ شهور تعود نظراتها تتشبع بحبها له لتحضتن وجنته بيديها هاتفه باقرار و عقلها و قلبها قد اتخذا القرار: انت عارف ايه مشكلتك يا معتز..!؟ نظر اليها بترقب و عيناه تدور على ملامحها بعشق فأردفت هى بنبره معاتبه: انك حابس نفسك جوه اطار خوفك من الخساره، احساسك بأن كل اللى حواليك هيكسرك و يبعد عنك.!
ثم لانت نبرتها قليلا لتغرقه بفيض عاطفتها التى اخفتها عنه كثيرا: اكسر الاطار و بص حواليك، بص بره اطار عجزك هتلاقى ناس كتير عمرها ما هتقدر تستغنى عنك... ثم بدأت تردد اسماء من حولهم و يحبوه صدقا حتى امسكت يده و وضعتها على بطنها المنتفخ: و اخيرا حمزه... فزم شفتيه بضيق فهى لم تذكر نفسها بينهم و لكنها ابتسمت ثم ضمت يدها لتضعها على صدرها موضع قلبها لتهمس اخيرا: و قلب فله.
لتجعله يدرك ان الهروب ليس بالحل المناسب دائما بل عاده لا يكون هو الحل و ان من خاف الخساره ففر هاربا مخطئ، فلو تمسك بما يريد فلن يخسر و ان خسر فلن يندم و ان ندم فيكفى ما اكتسب من خبره من تجربته اضافت لسجل حياته معلومه جديده و نجاح جديد، فليس كل خساره فشل فربما تكون الخساره مكسب..!
توقف عاصم بالسياره امام منزل داده زهره لتصرخ جنه بفرح: داده زهره.. ثم ركضت من السياره دون ان تنتظر لحظه واحده لتركض للداخل بسعاده فراقبها بعينه ضاحكا، ركن سيارته و هم بالنزول لكنه لاحظ انها تركت هاتفها و هى على عجاله و بمجرد ان حمله صدع رنينه ليجد الشاشه تضئ باسم اكرم، ففتح الخط و قبل ان يتحدث وصله صوت اكرم المتلهف: جنه طمنينى مها كويسه؟
ابتسم عاصم و هو يشعر انه الان ما عاد قلقا على مها فمن تجد رجلا يعشقها كأكرم فهى اكثر فتيات الارض حظا فأجاب بهدوء: بخير يا اكرم متقلقش. حمحم اكرم و هو يضرب بيده على جبهته فهو لم يكن بحياته مندفعا و لكن ما عاد يفرق اندفاعه من هدوءه فهى قلبت كل موازينه و قضى الامر، ابتسم متمتما بحرج: هو انا طلبت رقمك غلط. و لا انت اللى رديت على التليفون بالغلط، و لا انت قاصد و لا ايه الموضوع بالظبط؟!
ترجل عاصم من السياره و هو يجيبه: هو ده المهم! روح شوف شغلك علشان انا عندى شغل.. و هم باغلاق الهاتف فكاد اكرم يقذف بالهاتف فعاده عاصم اللامباليه دائما لن تتغير، من اى شئ صُنع هذا الرجل؟! و لكنه تمالك نفسه هاتفا: طيب يا سياده النقيب طمنى، ايه الاخبار؟
توقف عاصم امام باب المنزل ليقول بجديه: اظن انت اكتر واحد بتتمنى ان مها تاخد قرارها المره دى عن اقتناع و بعد تفكير كويس جدا، انا هسافر بكره و هرجع اخر الاسبوع وقتها هسمع قرارها و ابلغك.. زفر اكرم بقوه و هو مدرك ان كلامه صحيحا مائه بالمائه و لكنه لا يستطيع صبرا و لكن حسنا سيصبر، و قلبه يخبره انه سيفوز، بالنهايه سيفوز فحاول تغير مجرى الحوار: عرفت حاجه عن طريق عمتك!
لم يصله الرد فعلم اكرم انه يحاول تمالك اعصابه التى تُثار بمجرد سماعه لاسم تلك الحيه حتى وصله الرد: لأ، بس عن قريب هوصل...! و اغلق الخط و جمع كل قوته ليكبل غضبه داخل اقفاص صدره الان فاليوم لجنه و لن يسمح هو بخرابه، فإن اراد النتيجه كامله لابد ان يكون المجهود كااملا...
دلف ليجدها جالسه بجوار زهره و الاخيره تضمها بيدها بحنان اموى، ليلقى السلام جالسا امامهم فرفعت جنه نظرها اليه بامتنان بينما رمقته زهره بحنانها لتقول بطيبه: ربنا يسعدك دنيا و اخره يا ابنى، و يجعلك في كل خطوه سلامه...
ابتسم و هى تمطره بدعواتها و هو ينقل عينه بينهم ليطول حديثهم بعدها و لم يخلو الامر من بعض مشاكسات جنه و التى يبدو ان زهره معتاده عليها و لكن هو لا، فلم ينتبه لحديثهم بقدر انتباهه لابتسامتها او بالاحرى ضحكتها الواسعه و التى قليلا ما تنير وجهها حتى تقدمت منهم فتاه ترتدى زى الممرضه لتُعطى زهره دوائها: ميعاد الدوا يا ماما زهره.
اخذته منها زهره بينما ابتسمت جنه و هى تراقب كيف تعامل الفتاه الداده بحنيه و لكن اشتعلت اوداجها غضبا او بالادق غيره عندما التفت الفتاه لعاصم قائله بابتسامه: ازيك يا كابتن، نورتنا النهارده، غبت عننا كتير. لم يرفع عاصم نظره اليها بل ركز انظاره على جنه و التى ابتعدت عن حضن زهره و هى تعقد حاجبيها ثم ذراعيها امام صدرها متابعه ما سيحدث فابتسم عاصم و رفع عينه قائلا بهدوء: تسلمى يا نورا...
اساءت جنه تأويل سبب ابتسامته - و التى كانت من غيرتها عليه - و تمتمت بنبره غاضبه و هى تنظر له بينما توجه حديثها لنورا: واضح انك تعرفى الكابتن من زمان يا نورا؟ اتسعت ابتسامه عاصم و كذلك ابتسمت نورا قائله و هى ترمقه بامتنان: اه طبعا، كتر خيره كل فتره و التانيه كان بيجى يطمن على ماما زهره، و قلقنا عليه جدا لما غاب عننا، اللى زيه كده قليلين و الله..
رمقته جنه بنظره كادت تجعله يهلك ضحكا و لكنه تماسك قائلا بمراوغه و هو ينظر لجنه قصدا: انا بقول تاخدى النهارده اجازه يا نورا..! ابتسمت جنه بسخريه و هى تغمغم بصوت خافت تتوعده كأنها تحدث نفسها فوصل صوتها لزهره الجالسه بجوارها: و تاخد اجازه ليه! خليها تهتم بالداده و ضيوف الداده، , ماشى يا عاصم.
ضحكت زهره بقوه و هى تقاوم تعبها و ضمت جنه اليها فخفضت جنه عينها خجلا بينما ابتسم عاصم على ضحكها، بالفعل رحلت نورا و ظل عاصم و جنه مع زهره ما يقارب من الثلاث ساعات حتى صدع رنين الهاتف الخاص بعاصم فأجاب ثم اغلقه دون ان يقول كلمه و نهض قائلا: يلا بينا، , ثم نظر لزهره قائلا باحترام: هنمشى احنا بقى و ان شاء تتعاد الزياره عن قريب..
لاحظت جنه ان نبرته لا تقبل الجدل فنهضت لتلقى السلام هى الاخرى و خرجت معه و بمجرد ان صعدت لسيارته هتفت بغيظ و هو يتحرك: حلوه نورا؟ مش كده يا سياده النقيب..!؟ قالتها بدلال محاوله تقليد نبره نورا المدلله بطبعها، الفتاه محترمه جدا لم يصدر عنها اى تصرف مشين و لكن من اين لجنه ان تفهم، فابتسم متجاهلا الرد عليه فاعتدلت ناظره اليه بجسدها كليا لتصيح و يدها تدفع كتفه: رد عليا يا عاصم انا بكلمك.
نظر اليها بطرف عينه ليقول بنبره قويه حملت تقديره بغضبه: انتِ مش بتتكلمى انتِ بتزعقى. نظرت امامها بضيق فهو يتهاون معها في اى امر الا صوتها العالى، طبع يكرهه معظم الرجال و زوجها على رأسهم... ظلا على صمتهم حتى توقف بالسياره ليفتح زجاج سيارته الاسود مشيرا على المكان بترقب: وصلنا.!
نظرت للخارج لترى اين، لتتسع عينها بصدمه و هى تراه توقف امام الفندق التى صفعتها به كوثر من قبل و صفع هو كوثر به بعدها، و دون ارادتها ضمت ملابسها بيدها بقوه و احداث ذلك اليوم تجابهها ليتبعها احداث خطفها و الرعب الذى اصابها، لتنتهى بمظهر كوثر الاخير قبل ان تلفظ اخر انفاسها.. نظرت امامها مسرعه و اغلقت عينها بقوه تتمسك بملابسها و دون ان تشعر غمغمت: انا عاوزه امشى...
اقترب منها ليمسك بيدها فشعر بارتجافتها ليضغطها ببعض القوه كأنها يمنحها اياها: اول نقطه النهارده، مفيش هروب! فتحت عينها تنظر له بتوسل تجاهله هو ليترجل من السياره و يذهب لباب جهتها ليفتحه و كان شبه يجذبها جذبا لتخرج، حتى سارت بجواره للداخل، و هى تُمسك يده بعنف حتى دلفا لتلك القاعه، كانت القاعه مظلمه ما عدا مكان واحد على المنصه في الاعلى نظرت حولها وجدت المكان يخلو تماما من الناس..
سار بها في اتجاه المنصه و هو يهمس بدفء نادرا ما يتحدث به متزامنا مع احتضانه لكفها: اول مره شوفتك كان هنا، مكنتش اعرفك بس حسيت انك جزء منى، اول دقه قلب من عاصم الحصرى لست كانت ليكِ و كانت هنا، اول مره اغرق في عينكِ كاان هنا، فصعب جدا بالنسبه ليا اسيب ليكِ في المكان ده ذكرى وحشه، ذكرى بمجرد ما تفتكريها بتهربى منها، اول حاجه هعملها، انى همحى كل ذكرى وحشه و هسيب مكانها ذكرى حلوه، ذكرى لعاصم و جنه، مهما مر من الزمن هنفضل فاكرينها..
دمعت عينها و كلماته تسطر حروف عشق على اوتار قلبها، حروف اخبرتها ان حقوق ذكرياتها محفوظه له، به و معه، شعرت ان رغبتها بالرحيل و الهروب تختفى نسبيا... تبددت صوره كوثر ليحل محلها صورته الان، الان خاصه و هو يصعد معها على المنصه لتبدأ انغام قصيده لى حبيب و التى سردتها له من قبل بين ذراعيه..
فضحكت بسعاده و هى تنظر حولها لتستكشف من اين تصدر النغمات و لكنه لم يمنحها الفرصه و الكلمات تبدأ ليعتقل خصرها بذراعيه محاوطا ابريقها العسلى بحصونه السوداء لتتوه بينهما تماما و قد ظهر جليا بهما عاصم خاصتها... فكم من مره انتظرت ان يتحقق حلمها و لكن الان ادركت ان ما تعيشه اكبر، اغلى و افضل كثيرا من اى حلم كان، فالكثير يتمنى ان تحقق الاحلام غير مدركا ان احيانا الواقع يكون اجمل من الاحلام جميعها...
شعرت بشفتيه تنساب على وجنتيها فتبددت ذكراها بصفعه كوثر و اهانتها بقبلاته الهادئه، ثم غزا اذنيها بكلماته الرائقه لتتبد كل كلمات كوثر و صراخها بعذب صوته، حراره انفاسه و جميل كلماته، ليبتعد ناظرا لعينها الضاحكه ليمنحها ابتسامه لاول مره تراها على وجهه فاتسعت ابتسامتها لضحكه واسعه ثم ضمه و كل شعورها بما حولها يتبدد..
لا تدرى كم مر من الوقت و لكن ما تعرفه انه كان من اجمل الاوقات بحياتها كامله، فما عاشته من عمرها لا يساوى مثقال ذره ما عاشته من سعاده اليوم.. ابعدها عنه ممسكا يدها هامسا باذنها بنبره مشاغبه: انا اخذت اذن بقفل الكاميرات و وقتنا خلص نمشى قبل ما حد يقفشنا بقى.
نظرت اليه بدهشه من كلماته المازحه لتكن تلك اولى المرات التى يمزح بها ابن الحصرى و بمثل هذا العبث و تلك الغمزه فانطلقت ضحكاتها تطرب اذنيه، فطبع قبله على جبينها متسائلا: كده مفيش هروب..! اومأت برأسها سريعا و ذكريات ما حدث، ما قال و ما فعل منذ قليل و تُضع جميعها بكفه و مزاحه و ضحكته المميزه تلك بكفه اخرى، من اين لها اذا ان يحمل هذا المكان ذكرى سيئه..!
صعدا للسياره و هى تضحك على عكس ما كانت قبل ترجلها، بينما هو يضع يديه على قلبه من القادم و الذى حتما لن يكون يسيرا، ادار محرك السياره قائلا بدفء و هو يحتضن يدها: جنتى! نظرت اليه مسرعه و ضحكتها لم تفارقها منتظره ما سيقول فتسائل بهدوء و نبره مسيطره: بتثقى فيا؟! اومأت برأسها دون تفكير لتصرخ بثقه: اكتر من اى حد، حتى نفسى.
نظر امامه تاركا يدها لتعاود هى النظر للخارج من زجاج السياره، تحرك هو بالسياره رويدا ثم بدأ يزيد من السرعه فلاحظ تمسكها بباب السياره و ضحكتها تختفى تدريجيا، فاخذ نفسا عميقا و زاد من سرعته اكثر فانتفضت و نظرت اليه فلم ينظر اليها فهو لن يتحمل نظره عينها فقالت بسرعه و هى تضع يدها على قلبها فما يحاول محوه الان ليس بمجرد ذكرى، بل هى اكبر، اسوء و اكثر تعقيدا: هدئ السرعه شويه يا عاصم..
ظل ينظر امامه مرددا ببعض التردد: النقطه التانيه، مفيش خوف! و زاد من سرعته اكثر فتمسكت بمقعدها و صور مختلفه تعبث برؤيتها، و طغى على الجميع والدها و وجهه مغطى بالدماء، لترتفع صرخاات كوثر باذنها: انتِ السبب.
اضطربت انفاسها بحده حتى كادت تزهق و هى تضع يدها على اذنها بقوه و هى تحرك رأسها يمنا و يسارا بتتابع، و هنا نظر عاصم اليها ممسكا يدها ضاغطا اياها بقوه و هو مستمر على سرعته العاليه، زاد من ضغط يده فجذبها الالم من خضم افكارها لتصرخ بتأوه ليتعجب عاصم فالامر ليس هينا ابدا فضغطه يده على يدها االان كانت قويه لدرجه يصرخ منها اعتى الرجال و ان تصل هى لتلك الدرجه هذا يعنى ان جذبها من هذا الوجع ليس بيسير ابدا...
اخفض السرعه قليلا حتى توقف بالسياره على جانب الطريق و نظر اليها و هى بالكاد تلتقط انفاسها، تغلق عينها منكسه رأسها صائحا بجديه: ارفعى رأسك يا جنه. لم يبدو انها تسمعه فصاح مره اخرى: افتحى عنيكِ و ارفعى راسك يا جنه..
و ايضا لم تستجيب فوضع يده اسفل ذقنها و رفع وجهها اليه هادرا بها: لازم تحاولى تخرجى من خوفك، لازم تحاولى تمحيه، جنه ملهاش ذنب، و موت والدك كان قضاء ربنا و لازم تحاولى تتخلصى من احساسك بالذنب، اللى هيفضل دائما مأثر عليكِ و مزود احساسك بالخوف.. تساقطت دموعها و هى تهمس بصوت بالكاد يُسمع: انا كنت السبب يا عاصم..!
كز اسنانه غضبا و هو يزداد توعدا لنجلاء فصاح عاليا: مش انتِ السبب، افهمى ده، مش انتِ السبب، ثم وضع يديه يحاوط وجنتيها يردد باصرار: حاولى يا جنتى حاولى. وضعت يديها على وجهها و هى تستغفر لتنفى بضعف فما يحاول فعله اصعب ما يكون على قلبها: مش هقدر، و الله العظيم ما هقدر..
رفع يديها عن وجهها ليقول بنبره مستحوذه و قويه لتمنحها بعضا من الاراده: هتقدرى لو حاولتِ، فكرى في اى حاجه، فيا، في اكرم، في حنين، في اى حد، او اى حاجه حلوه ضحكتك في يوم افتكريها، امحى الذكرى بغيرها يا جنه..
حاولت التقاط انفاسها و هى تحرك رأسها نفيا و لكن هو لن يتراجع، ادار محرك السياره بعزم و انطلق بها بسرعه جنونيه، حتى كادت هى تصرخ بجواره و بالفعل فعلت، حاول تهدأتها بيده، و لكنه مستمر على السير دون توقف و هى مستمره على الصراخ دون توقف و دموعها تنهمر، و عندما شعر انها على وشك الخروج من الواقع خاصه مع انعدام احساسها بضغطه كفه القويه على كفها، لم يجد حلا سوى التوقف مجددا.
و مجددا يحاول بثها القوه، يحاول منعها الخوف، يحاول تشجيعها على المحاوله، يحاول و يحاول حتى استكانت نسبيا، فانطلق بسيارته مجددا بنفس الرسعه الجنونيه، لتضطرب انفاسها عنوه، تحاول مجابهة خوفها و لكن قلبها لا يتحمل، و لكنه هذا المره لم يتوقف بل ارتفع صوته بأيات من كتاب الله بذلك الصوت الخاشع الذى منحها به السكينه من قبل...
ظل يرددها و هو ينظر اليها بجانب عينه حتى شعر بانفاسها تهدأ قليلا و هى تردد خلفه، و بدأت صورها المهاجمه تتشتت، لترى وجه والدها الضاحك و هو ينصحها يومها ان ترضى بقضاء الله و قدره، تتذكر حديثه معها عن حكمه الله في اقدارنا، ارتفعت يدها لتُمسك بسلسال عاصم على عنقها لتبدأ بترديد الايه خلفه، فادرك انه هذه المره سينجح، سينجح في توطيد ايمانها..
توقف و صمت لحظه و لكنها قالت بخفوت و هى تتمسك بسلساله و ما زالت انفاسها شبه هاربه و نبضاتها تتدافع بكل قوتها: قول تانى.
ابتسم و هو يلتقط انفاسه كأنه هو من كان يعافر، ظل يردد الايه و هى ترددها خلفه و كل هذا و هى مغلقه لعينها حتى بدأت تفتحها بهدوء لتغلقها عده مرات و ذكرياتها تتزاحم على عقلها مجددا فارتفع صوتها خلفه بالترديد حتى استطاعت النظر للطريق بمثل هذه السرعه و بعد بعض الوقت بدأت تهدأ تماما حتى سكنت...
توقف بالسياره على جانب الطريق مغلقا زجاجها القاتم ليقترب منها ضاما رأسها لصدره لتتنفس هى ببطء و سرعان ما انهمرت دموعها مردده الايه فازداد من ضمه لها يطمئن متسائلا بجوار اذنها: كده مفيش خوف؟! رفعت عينها اليه ليحاوط وجهها بكفيه مزيلا دموعها مقبلا جبينها بتعب منتظرا اجابتها فتمتمت بخفوت كأنها تأكد الامر لنفسها: مفيش خوف.
عاود ضمها مره اخرى و هو يتنفس الصعداء فكانت تلك المهمه الاكبر و الاصعب و صدقا استنفزت قوته كلها ليفعلها، و لكن لم يكن النجاح بيده بقدر ما كان بأيات السكينه التى انزلت الهدوء على قلبه و قلبها معا.. اعتدلت فتحرك بالسياره مره اخرى و لم يزيد من سرعه السياره كما فعل منذ قليل فمهما كان هى تقف على اولى خطوات الدرج و لكنها فاجأته و هى تهمس بوجل: زود السرعه...
و تعمدت هى الامر حتى تثبت لنفسها ان قلبها ازداد ثقه، ثم تثبت له انها قادره على النجاح و ثقته بها في محلها، نظر اليه قليلا فقالت محاوله استدعاء قوتها الجديده و لكن صوتها خرج مهزوزا رغما عنها: لما تحس انك نجحت في حاجه لازم تجرب على تتأكد من نجاحك... ثم نظرت اليه بتشتت لتهمس و هى عاجزه عن منح الرد لنفسها: انا نجحت يا عاصم، صح؟!
اغلق عينه ثوانى ثم زاد من سرعته على مراحل مختلفه و رغم اضطرابها و لكنه كان اقل من قبل بكثير بل بكثير جدا، بدات تقاوم اضطرابها لتردد الايات السابقه بنفس متيقنه من ايمانها، حتى هدأ اضطرابها نوعا ما و اتسعت ابتسامه وجهها و هى تقبض على سلساله بقوه، لتصمت بعدها و هو يزيد السرعه اكثر فتنطلق ضحكاتها متجاهله انتفاضه قلبها كأنها بهذا تعاند نفسها و هى بالفعل تفعل..
ظل قليلا على سرعته ثم اخفضها قليلا حيث دلف لوسط البلد متجها لاخر محطاته لليوم، توقف امام منزل ما و لان الوقت ليلا لم تتبين المكان جيدا فنظرت اليه بتساؤل... فأمسك بيدها مبتسما بارهاق بادا على وجهه: مستعده تثقى فيا تانى؟! و دون تردد مره اخرى ابتسمت و اومأت موافقه، فترجل و استدار لها، ساعدها ثم اتجها لداخل المنزل و التى بمجرد ان رأته توقفت امامه متسمره، فهنا كانت بدايه تحطيم احلامها كلها..
بدايه حياتها بتلك الصفعه، التى ألمت وجنتها و هى ابنه عشر اعوام، ارتجف كفها بكفه و كأنها تخبره بارهاقها، و قد كان بالفعل عندما ترنحت مكانها ليسندها بذراعه و هم بالرجوع فاذا كان هو قد اُرهق فما بالها تكون، و لكنه لن يتراجع الان و حان نهايه الطريق لتبدأ جنه حياتها الجديده..
تحرك بها للداخل و هى مستسلمه ليده تماما فلم تعد تستطيع المعافره، دلفت للمنزل فأضاء الانوار، ظلت تتلفت حولها باستطلاع و ربما تذكر لتسلط عينها على تلك الاريكه التى جلست كوثر فوقها لتصدر تعليماتها بتحطيم احلام جنه كلها... وضع عاصم يده على كتفها فاستدارت له و عينها تفيض ادمعا لتسرد له ما حدث لها ها هنا: هنا مش ذكرى واحده، هنا انا خسرت احلامى كلها، خسرت حلم امى اللى مفيش قوه هتقدر ترجعه..!
فأخرج عده اوراق من طيات ملابسه ليبسطها امامها قائلا بابتسامه دافئه خالفت نبرته المسيطره: و لو قدرت ارجعه.! ابتسمت بسخريه دون ان تنظر للاوراق متمتمه بضعف: هنسى كل حاجه، انا هنا خسرت طفولتى، دراستى، و مستقبلى، خسرت حلم انى ابقى دكتوره، هتقدر ترجع الزمن؟! هتقدر تخلينى دكتوره يا عاصم؟! اعطاها الاوراق بيدها هاتفا بثقه و قوه فاجأتها في موقف كهذا: انتِ اللى هتقدرى تحققى حلمك..
نظرت للاوراق بتفحص فلقد أعطاها اجابه بل اعطاها حلمها الضائع بين يديها عندما غمغم بشبح ابتسامه: دى اوراق تسجيلك بالمدرسه، هتكملى دراستك، تنجحى و تتخرجى و تبقى دكتوره زى ما بتتمنى..
رفعت عينها اليه بصدمه تمكنت منها و عجز لسانها عن النطق تماما فيما اردف هو و هو يحاوط وجنتيها بكفيه: مش هتبقى محتاجه تروحى المدرسه، اتفقت من انجح المدرسين علشان دروسك، يمكن اتأخرنا بس مفيش وقت للحلم، و نجاحك هنمشيه سوا خطوه بخطوه.
طبع قبله على جبينها لتغلق هى عينها بقوه و كأنها تتأكد انها بواقع لا تحلم حتى اكمل هو بنبرته الواثقه: انا فخور بيكِ و بقوتك و هبقى فخور بنجاحك، هتوصلى انا متأكد، هتبنى حلمك بنفسك و هيبقى واقع، واقع اجمل من الحلم كمان.. تساقطت دموعها ليتحول صمتها لشهقات باكيه و هى تصرخ بكل ما تملك من صوت، تشعر بأن كل اوجاعها تُسحب من داخلها اليوم...
ضمها لصدره بقوه لتتمسك به بقوه اكبر و هى عاجزه عن النطق بكلمه واحده فقط تبكى، تبكى كما لم تفعل من قبل، طوال عمرها تبكى وجعا اليوم فقط ادركت ما معنى ان تبكى فرحا.. لم تتمالك نفسها فسقطت بجسدها ارضا فسقط معها و لم يتركها تبتعد و هى لم تكن لتسمح له بهذا ليهمس بجوار اذنها و هو يتنفس الصعداء على انتهاء هذا اليوم: كده، مفيش ضعف؟!
لتصرخ بعلو صوتها و فرحتها تملأ ارجاء هذا المكان الذى فقدت به كل ما ملكت يوما لتمتلك به الان كل ما فقدت: ااااااااااه.. لتدرك اخيرا ان مهما طال الوقت، لا شئ يمنع الحلم من ان يصبح واقعا، مهما زاد البأس و مهما غلفنا اليأس فلا شئ يستطيع قتل الامل، فكل غد يحمل املا جديدا، و طالما تحمل من الانفاس نفسا اخر لا معنى لليأس، و ان كان هناك ما هو اقوى من الخوف، فهو الامل.
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل السادس والأربعون
يتعافى المرء بأصدقائه و عائلته، يتعافى بالضحكات التى لا تتوقف حتى يدمع، و الحكايات التى لا تنتهى، و الدفء المحيط بهم حتى في اكثر الليالى بروده، يتعافى بالايدى التى تمسك به اذا وقع، و الكتف الذى يحتضنه عن الحاجه، نحن نتعافى بالحب، نتعافى بالدعم و نتعافى بالصُحبه... افنان تاج الدين.
كانت حنين بالمطبخ تعد كيك بالفراوله كما يفضلها مازن كما اخبرتها نهال بالاضافه لبعض المشروبات و الحلويات الاخرى فاليوم ليس يوما عاديا فاليوم يوم ميلاد مازن، اخبرتها نهال صباحا بهذا و تركت مهام تحضير ما يلزم لاحتفالهم على عاتقها، بينما ستحضر حياه الهدايا من الخارج بعدما املاها الجميع هديته...
ابتسمت حنين باشتياق لفارس متذكره كيف كان يهتم كثيرا بيوم ميلاد مازن و يحرص كل الحرص على سعادته به و لهذا اصرت هى على نهال للاحتفال به اليوم لتُعيد ذكرى فارس بينهم.. دمعه و ضحكه، انتِ دايما كده متناقضه؟!
رفعت عينها على صوته بهذه الكلمات لتدرك ان دموعها انسابت دون ان تشعر فرفعت يدها مسرعه لتزيلها و لم تنتبه ان يدها مغطاه بالكريمه البيضاء اثر تزينها للقالب امامها، فكتم مازن ضحكته و هو يستند على الطاوله بجواره ينظر اليها بعبث ثم اشار على وجنتها متمتما بابتسامه ماكره: كريمه؟! فعقدت حاجبيها بدون ادراك فغمغم هو مجددا و ابتسامته تتسع: حنين بالكريمه.
ثم نظر اليها ليلاحظ تجهم وجهها فأغلق عينه قليلا مصرا على اتباع ما انتواه من تجاهل و قبول الواقع كما يجب، فهو لن ينسى نفسه معها بعد، لن يتخيلها في يقظته و لن يشاركها احلامه، لن يصرح بما يشغل قلبه و لن يشتاق لنبضات قلبها التى تمنح الحياه لنبضاته... سيمرح و يضحك فقط كالمعتاد منه دائما.
فتح عينه ليجدها تعقد ساعديها امام صدرها كأنها تنتظر منه توضيحا لما قال فهتف بمرح و هو يرفع يده لتلامس وجنتها مزيلا قطع الكريمه العالقه بها ثم رفع يده امام عينها: كريمه، بهدلتى نفسك كريمه!
فانتبهت لما يتحدث عنه فتحركت باتجاه الحوض لتفتح الماء و تبدأ بمسح وجهها و لا مانع من نثر وجهها بقطرات الماء و التى لم تشمل وجهها فقط بل و خصلاتها الاماميه ايضا، ثم استدارت له ليزدرد ريقه بصعوبه و عيناه تجول على وجهها... خصلاتها التى لاصقت جبينها لتتساقط قطرات الماء منها على كتفها و عنقها، رموشها اللامعه و التى ترفرف على عينها التى امتزجت رماديتها بلمعه الماء لتمنحه فضيه خطفت قلبه،.
وجنتها المبلله و التى رفعت يدها تجففها بلا فائده، و اخيرا شفتاها و التى تباعدت لتبللها بخفه و هى تتجه للخارج... و رغما عنه ضُرب بكل ما انتواه عرض الحائط، و لا يدرى كيف و متى وجد يده تعتقل معصمها جاذبا اياها لتقف امامه قبل ان يصله صوتها و هى تتطالعه بدهشه: فيه ايه يا مازن؟!
اعاده صوتها لارض الواقع فترك معصمها الذى تركت اصابعه اثرها بوضوح فوقه و نظر حوله بارتباك و كل خططه و ما عزم على تنفيذه يطير كأوراق مبعثره في مهب الريح حتى وقع بصره على قالب الكعك ليتمتم بمحاوله للهروب: بمناسبه ايه الكيك ده!
ارتكبت هى فلقد ارادت ان يكون الامر مفاجأه فتحركت مسرعه لتقف امام قالب الكعك تخفيه و للاسف بهذا الوضع احتجزت نفسها بينه و بين الطاوله التى يعلوها القالب لتعاود انفاسه بالهروب منه بينما هى توترت، لا ليس بسبب القالب الان و لكن بسبب قربه الذى لم تحسب حسابا له..
فأخفضت عينها و هى تضع خصلاتها خلف اذنها مدركه انها كانت على راحتها الكامله و لم تتوقع ان يأتيها في المطبخ، ظلت على وضعها هذا و افضل بكثير انها فعلت فما حملته عيناه الان من وجع و شوق و عشق لم تكن لتفهمه عيناها و ان فهمته لم يكن ليتحمله قلبها.. اقترب برأسه منها ليغلق عينه و رائحتها المسكيه التى لا تفارق ثيابها تتعمق بداخله اكثر ليشعر برغبه مجنونه بضمها..
فكم تشتهيها اضلعه الان ليذوبها بينهم متشربا رائحتها، كم تهفو نفسه لانفاسها القريبه و لكنها ابعد ما تكون عنه..! قبض يديه بقوه لكى لا تعانده و تلامسها و ابتعد خطوه للخلف ثم تحرك ليخرج و عندما استدار لينظر لها وجدها تتخبط لتُمسك بكوب الماء لترتشف منه مسرعه مما دفع بعض الماء للسقوط على جانب فمها ليغلق هو عينيه و هو يكبت احساسا جاهد ليصرخ، بمكانتها عنده..
ليمنع جسده من الاقتراب منها، فكم يحسد الكوب الذى لامس شفتيها و هو لم يفعل و يبدو انه لن يفعل ابدا.. اما هى فبمجرد خروجه شعرت بأنها الان فقط قادره على التنفس، الان عادت لواقعها التى حلقت منه منذ قليل، ماذا يحدث لها؟! رفعت يدها امام عينها لتلاحظ ارتجافتها، لمَ هذا الارتباك..! وضعت يدها على صدرها الذى يعلو و يهبط بعنف، لمَ هذا الاضطراب..!
ضغطت بيدها على موضع قلبها ليدهشها نبضاتها المتلاحقه بجنون، لمَ هذا الخفقان..! غطت وجهها بكفيها و هى تسقط في وحل صراع قاسٍ جدا عليها، وحل جديد من مشاعر كم تكره الشعور بها، هى لا تستطيع استيعاب ما يصير او ربما هى ترفض ذلك. اخذت نفسا عميقا لتُبعد يدها عن وجهها و تغلق عينها لعلها تهرب من احساسها هذا و لكنه اكتسح بعنفوان افكارها...
يوم تحمل صراخها عندما اعطاها دبله فارس، يوم جلس بغرفتها ليحدثها على عملها و عندما اعطاها بالنهايه صوره العائله التى منحها لها فارس و التى مزقها عاصم فيما بعد لتدرك انه لملمها بعنايه ليعيدها اليها، فتحت عينها مسرعه و جسدها كله ينتفض فسقطت ارضا و عقلها يكاد يجن و قلبها يبكى خوفا،.
رفعت اصبعها تتحسس دبله فارس لتطمئن روحها قليلا و لكنها ليست هنا، نظرت ليدها بصدمه لتتساقط دموعها تباعا و هذا الضغط على اعصابها يؤذيها.. هناك امرا مجهولا يقلقها، امرا اجتاح تفكيرها، قلبها و شعورها غصب.. امرا فاق كل تحملها..!
اجتمعت العائله مساءا احتفالا بمازن الذى سخط من الموضوع قليلا فهو عاده ما يتجاهل يوم ميلاده و فارس من كان يصر دائما على الاحتفال به و لكن وجود العائله من حوله اليوم اسعده بحق... جلست حياه بجواره و هى تربت على قدمه بمرح هاتفه بسعاده: كل سنه و انت طيب يا باشمهندس. ليضع يده على يدها و هو يحرك رأسه بمرح مماثل و ابتسامه شقيه تتراقص على شفتيه: و انتِ طيبه يا هانم.
ضحكا سويا و لكن عيناها هى لم تضحك وهى تراقبهم، شعور جديد و غريب و مخيف اجتاحها مجددا، شعور يشبه تلك التى نطلق عليها غيره! حركت رأسها يمينا و يسارا تنفض تلك الافكار عن رأسها لتبتسم و عينها ما زالت تنظر بتمعن ليده الممسكه بيد حياه على ركبته و ضحكاتهم سويا لتجد نفسها تنهض مندفعه لتقول دون وعى: ساعدينى نجيب الكيك يا حياه..
نظرت اليها حياه و اومأت ناهضه معها و عندما ترك مازن يدها زفرت حنين بشبه ارتياح و لكن من اين تأتيها الراحه و شعور غيره امرأه من امرأه اخرى يتملكها، شعور لا يكون سوى لمن نحب!
شتت انتباهها مجددا و هى تحمل ما انجزته يدها لتخرج اليهم مره اخرى لتنطلق بعدها ضحكات الجميع و انسجامهم سويا، نقلت نهال بصرها بين الجميع و على وجهها ابتسامه هادئه و هى ترى للمره الاولى منذ وفاه فارس فرحه، فرحه سكنت قلوبهم، مر على وفاته ما يقارب العامين و لكن ما زال الجرح بداخلها لم يتجاوز بضع ثوانى...
نظرت لحياه و هى تلاحظ الفارق الكبير في طباعها و شخصيتها التى عاد لها مرحها و قوتها و عنفوانها القديم التى طالما صاحبها ايام جامعتها و دراستها، فلقد فازت بنفسها مره اخرى، ربما لم تحب مازن و لكنه منحها ما تستحقه و هى منحته شعور اخت طالما تمناها هو لمنحها حنانه اللامحدود، علاقتهم حقا غريبه، علاقه بدأت بزيجه لتنتهى بصله اخوه غلفها رداء الزواج، علاقه لا تدرى ما نهايتها و لكنها مدركه انها ستكون استثنائيه حتما.
نقلت بصرها لحنين و التى كادت نظراتها تصفع حياه صفعا مبرحا، اتسعت ابتسامتها و هى ترى نظراتها الغيوره و التى جردت كل مشاعرها التى تُجاهد لتخفيها كما تجاهد الان لتبتسم بوجههم و هى تراقب تصرفات مازن المرحه مع حياه و التى اكتسبت تلقائيه بفعل حياتهما معا و لكن يبدو ان ما لم تشعر به حياه تجاه حنين كأى زوجه، تشعر به حنين بشده تجاه حياه كأى محبه، ابتسمت بسخريه فأيضا علاقتها بمازن علاقه غير طبيعيه و نهايتها غير معروفه فالعائق بينهم رغم هشاشته - الذكريات - قوى بل قوى جدا ربما يصعب اجتيازه..
تنهدت و هى تشعر بيد محمد تحتضن كفها كأنه يؤازرها في تفكيرها و شكوى قلبها فمن ذا الذى يعرف ما يؤلمها بقدره هو، نظرت اليه لتسقط تلك الدمعه التى علقت بجفونها فضم رأسها ليطبع قبله خفيفه على جبينها هامسا بصوت مشبع بحنانه: بلاش تتعبى قلبك يا أم فارس، الحياه هتكمل و ربنا مبيظلمش حد، و لسوف يعطيك ربك فترضى ...
اخذت نفسا و قلق قلبها على ولدها الجالس امامها يفوق كل قلق بحياتها، خسرت احدهم و لن تتحمل تعاسه الاخر، فقد احدهم النبض ليتوارى تحت التراب و لن تتحمل ان يفقد الاخر قلبه حيا فيتوارى خلف حواجز معتمه من حزن و وجع...
ضغط محمد يدها معيدا همسه بنبره اشد حنانا و حزما: مازن طول عمره طلباته مجابه، و الفتره الاخيره كل اموره اتلخبطت، و انا شايف ان ده لصالح مازن علشان يتعلم يعنى ايه يحافظ على النعمه اللى في ايده، عينه فضحاه و للاسف اختار الصعب، اختار قلبه اللى اختارها هى، و ان مدافعش عن حبه ده يبقى ميستحقهاش يا نهال.. نظرت اليه بحزن و لكنها مدركه ان ما يقوله صحيح،.
الحب يحتاج للشجاعه و حبه خاصه يحتاج لشجاعه كبيره جدا، لكسر حاجز الذكريات القديمه - التى لا يجوز لمازن او لحنين ان تصير اكثر من ذكريات بينهم - و تكوين ذكريات جديده.. هى مدركه ان علاقتهم و زواجهم الكامل و امتلاك كلا منهما قبل الاخر لا يعد خيانه لابنها الراحل...
فارس كان و مازال و سيظل في قلب الجميع سابقا شخصا و الان طيف جميل لن يمحوه حياه جديده و لن يدفنه عشق جديد و لكن حياه كلا منهما بحاجه لشريك، و لم يكن الاختيار خيارهم فالله عز وجل هو من جمع طريقهما معا لانه لا يجوز لقلب مازن سوى حنين و لا يجوز لقلب حنين سوى مازن... عيب يا حاج و الله عيب!
هتف بها مازن بفرحه مرحه و هو كالعاده يدفن وجعه خلف واجهته المازحه، مقتربا منهم ناظرا لوالده بخبث و هو يقبل جبين والدته و يده التى تحتضن يدها بقوه.. رفع محمد عينه عن نهال و ابتسم بغيظ هاتفا بغضب: ولد اتأدب. ضحكت حياه و حنين على غضب محمد الواضح و خجل نهال و الذى دائما ما يستغله مازن اعظم استغلال و الذى ظهر جليا الان و هو يتحرك ليجلس امامهم قائلا بغمزه مشاغبه: كان بيقولك ايه يا نونا..؟
ثم اشار لها بسبابته و هو يضيق عينه مردفا بنبره محذره: اوعى تخليه يضحك عليكِ بكلمتين و ينسيكِ خروجه للنادى كل يوم.. ضربه محمد بقوه على كتفه ليصرخ متأوها و هو يهتف بضحكه عاليه: انا اه بقالى خمس ايام برتاح بس لسه تعبان يا حاج و الله و بصراحه، ايدك ثقيله، قوى. هم محمد بضربه مجددا و لكن نهال امسكت يده لتقول بحنان و هى تضم مازن لصدرها: بس يا محمد، الولد لسه تعبان.
نظر اليها محمد باستنكار ليشير اليه بسبابته من اعلى لاسفل: كل ده، و ولد..! ضحكت حنين و حياه لتنهض حياه مسرعه لتجلس بجوار محمد لتضع يدها على كتفه مغيظه بكلمات تدرك انها ستستفز مازن: يا بابا متعرفش المثل اللى بيقول القرد في عين امه غزال! قهقه الجميع عدا حنين التى رمقتها بنظره غاضبه بينما نظر اليها مازن صارخا بغيظ كبير: حياااااااه، انا...
ثم زم شفتيه لينهض ليُمسك بها و لكنها نهضت راكضه لتتعلق عين حنين بهم و قلبها يكاد يخرج من صدرها، عيناها تشتعل بغضبها كاشتعال صدرها بغيرتها الان فنهضت واقفه هى الاخرى لتهتف بقوه: مش هتشوف الهدايا بقى؟! توقفت حياه ضاحكه ليقف مازن بجوارها واضعا يده على كتفها ضاما اياها اليه ضاحكا هو الاخر ناظرا لحنين قائلا بنبره متقطه اثر انفاسه المضطربه من ركضه: هى فين الهدايا دى انا مش شايف حاجه..؟
اتجهت حنين لحياه لتجذب يدها لتبتعد عن مازن لتنظر اليها بحده دون وعى منها لتقول بنبره مشتعله ادركها الجميع عداها: مهو انت لو بعدت عن حياه شويه هتشوف الهدايا! نظرت نهال لمحمد ليكتم كلاهما انفعاله و حملقت بها حياه قليلا ثم ابتسمت و تبادلت نظرات ذات مغزى مع مازن و التى كذبها مازن رغم تصديق قلبه لها فابتسمت حياه بمكر مدركه غيره حنين و من ذا الذى يفهم امرأه سوى امرأه مثلها!
فاتجهت اليها متأبطه ذراعها تحدثها بضحكه: طيب يلا نجيبهم.. اتجهوا سويا للداخل ثم عادا بعد بعض الوقت و بدأ الجميع بتهنئه مازن مجددا و الضحك هو جامعهم هذه الليله...
ابتعدت حنين عنهم لتنظر اليهم عن بعد، لتبتسم بحزن و هى ترى بهم عائله ربما كانت لتضمها يوما ما، استدارت حامله صوره كبيره لفارس على طاوله خلفها لتنظر اليها و تبدأ دموعها بالتساقط و هى تحدثه بضعف و قلبها بات يترنح من فرط اشتياقها له: انا خسرت يا فارس، خسرتك، خسرت نفسى و خسرت وجودى وسط عيلتك، يا ريتك جنبى ياريت...
لتجد فجأه نهال على يمينها و محمد على يسارها و حياه تحاوط عنقها من الخلف و مازن امامها ليقول محمد بقوه و حزم: انتِ نواره العيله و هتفضلى نواره عليتنا دائما..
نظرت اليه لتضم صوره فارس لصدرها بقوه جعلت قلب مازن يهوى ارضا و هو يدرك كل يوم عن الذى قبله بل كل دقيقه عن سابقتها انها ابدا لن تكون له، و لكنه اقترب هاتفا بحنق مصطنع: فين هديتى؟! فاكره يعنى انى هعمل مش واخد بالى و هنسى و الكلام ده، , ثم استند بمرفقه على كتفها هاتفا بنفى ممازح: لا خالص، اطلعى بالهديه و إلا مش هيحصل طيب.
رفعت يدها لتُزيل دموعها ثم ضحكت ملتفته ناحيته لتقول بابتسامه لا تدعيها: لا انا قولت لحياه تجيب الهديه. رفع حاجبا و انكمشت ملامحه باستنكار متعجب و هو يضغط بمرفقه على كتفها وسط ضحكات من حولهم و الذى كان منهم من يرمقهم بنظرات تمنى و منهم بسعاده و اخيرا بفرحه لبدأ حياه جديده رضى و وافق عليها الجميع سواهم: و انا مالى و مال هديه حياه انا عاوز هديتك انتِ؟!
استدارت له لتزيح كتفها من اسفل يده لتسقط يده منحينا قليلا لتقول هى بمراوغه جديده عليها و غالبا لا تكون الا معه عندما يجتاحها بمزاحه هذا: ما انا قولت لحياه تجيب الهديه اللى انا هديهالك. وضع يده خلف عنقه يمسدها بفخر مصطنع لتزداد ضحكتها ليغمزها بشغب: و فين هى؟!
اتجهت حنين لتحملها بينما اغلق مازن عينه و هو يتمالك ما يشعر به الان، ذلك الشعور الذى كاد يهدمه هدا و لكنه ضحك بشقاوه و هى تقترب منه مجددا و اعطته اياها، فك غلافها ليجدها تحتوى على قرص مدمج لمعزوفه كلاسيكيه قديمه، و ديوان شعر لاحد الشعراء العمالقه، فقلبه بين يديه بسعاده حقيقه و قد لامست هى احب الاشياء لقلبه..
فرفع عينه اليها و لاول مره تشعر بهما تحملان فرحه حقيقه وهو يهتف كطفل صغير اهدته والدته لعبته المفضله: انتِ مش معقوله، شكرا بجد.. لتتسع ابتسامتها ايضا و لكنها عادت تكتمها عندما قال بمكر و هو يضم الهديه بيديه معا: بس انا عندى طلب، او ممكن تعتبريها امنيه عيد الميلاد.
نظر محمد لنهال و انسحبا بهدوء للداخل بينما ابتسمت حياه بخبث و هى تفعل مثلما فعل والديه و عندما لمحها مازن غمزته بمشاغبه فرمقها بنظره ساخره بينما نظرت له حنين متسائله غير منتبهه لما فعله الجميع فقط تنتظر طلبه: امممممم، اطلب. نظر اليها قليلا ثم امسك كفها لينتفض جسدها من لمسته و التى لم تكن الاولى و لكن تلك الدافئه و ربما المتملكه اشعرتها بشعور غريب...
توقفا داخل غرفته تلك ليضع لوحه بيضاء فارغه امامها قائلا بتمنى: ارسمى، ارسمى لوحه بتعبر عنى، او يتوصفنى جواكِ، لوحه بتعبر عن مازن مش اخ فارس. انتفض قلبها و هى ترى الضباب المشبع بالالم الذى غلف عيناه و هو ينطق بجملته الاخيره و التى تبعها برجاء: لوحه بتوصف مكانه مازن جوه حنين، مازن بشخصه و بس..
حدقت به قليلا عندما فوجئت به ينحنى ليهمس بجوار اذنها و هو يضع الفرشاه بيدها ليقربها من اللوحه: بيقولوا ان الرسم فن و ان الفنان بجد اللى يقدر يرسم باحساسه، , عاوز اشوف احساسك هيوصلك لايه؟ صمتت قليلا متيبسه اثر صوته، رغبته، و لكن غلب عليها احساسها االذى اجتاح كل حواجزها لتنطلق يدها على اللوحه تجسد شعورها تجاهه، شعور هى تدركه جيدا و لكنها تهرب منه...
تحرك هو بابتسامه فهو يدرك جيدا ان احساسها تجاهه سيتجسد رغما عنها على اللوحه، ربما تلك هى فرصته الوحيده في معرفه حقيقه شعورها، حقيقه اما ستجعله يتقدم و اما ستعيده آلاف الخطوات للخلف...
اتجه لمشغل الموسيقى ليضع المعزوفه التى اهدته اياها ليلاحظ ابتسامتها المنطلقه و التى دفعت يدها لتتحرك اكثر على اللوحه فابتسم جالسا على مقعد امامها و بيده كتاب الشعر التى اهدته له ليقرأ منه بينما تنهل عينه من ملامحها التى طغت الابتسامه عليها...
حتى توقفت يدها متنهده بقوه ليلاحظ انكماش ملامحها و كأنها ادركت الان ما رسمته يدها فأغلق عينه ثوانى ثم نهض ليقف خلفها تماما لينظر للصوره لتتسع عينه بدهشه تتحول بعدها لضحكه صدمه و فرحه حاول هو كتمها بكل طاقته عندما رأها تنهض لتنظر للوحه ثم شهقت بعنف مرتده للخلف حتى كادت تسقط عن المقعد و لكن جسده خلفها كان لها بالمرصاد لتشهق مره اخرى و هى تنظر لوجهه الذى جاهد لجعله متجهما مدركا ان تقبلها للامر لن يكون بهذه السهوله و هذا ما كان عندما ابتعدت عن يده لتقف و تمتمت بارتباك و جبينها يتصبب عرقا اثر توترها و ربما انتفاضه قلبها فخرج صوتها مهزوزا متقطعا مشبعا بندم اصاب قلبه في مقتل: انا معرفش، مقصدش، انا، مش عارفه، ا.
قاطعها هو و هو يبتسم بهدوء قائلا كأنه لا يبالى: على فكره دى حاجه تفرحنى جدا.. عقدت حاجبيها بضيق و هى تنظر حولها بتشتت لترمقه بنظره ساخطه غاضبه ليصحح هو ما جال بخاطرها مردفا و هو يُمسك الصوره: احساسك ناحيتى بالامان شئ يسعدنى...
كتم جم انفعالاته الان و هو يتطلع لرسمتها متمتما بكذب شعرت هى به كأنه حقيقه او ربما ارادت تصديقه كحقيقه: انتِ اختى و كون انى امثل حضن راحه و انك تعتبرينى زى عاصم، دى حاجه كبيره قوى بالنسبه ليا.. نظرت لرسمتها بين يديه و هى تتعجب كيف فعلتها، كيف صورت احساسها به في رسمه تضمها هى و هو و ليس هذا فقط بل و هى تحتضنه ايضا..
هى رسمت نفسها بحضنه، هو يقول ان احساسها عبر عن الامان فقط و لكنها تشعر بشئ اخر، شئ جعلها تضع يدها على صدرها تمنع انتفاضته و التى تلاها التماع عينها بالدموع و هى تلتف بحده لتنظر لصوره فارس خلفها لتتساقط دموعها لتلتفت لمازن مجددا بحده ليست منه بقدر ما هى من نفسها لتجذب الرسمه من يده و همت بتقطيعها و لكنه اوقف حركه يدها بقبضته و التى رغما عنه بقوه اندفاعه ألمتها هاتفا بجديه: حنين، انتِ..
قاطعته بعصبيه و هى تفكك يدها عن يده التى شعر بها ترتجف بعنف كأن ليس الرافض قلبها فقط بل و كل جسدها ايضا، كل ما بها يرفضه جمله و تفصيلا، لا يهمها احساسا فهى تبكى خوفا و صوتها يقطر اعتذارا لصوره فارس خلفها: انا غلطت لو سمحت سيبنى اقطعها..
وضع اللوحه جانبا ليقترب منها مجددا ناظرا لها و عين كل منهما تفصح للاخر عن حقيقه مشاعره و لكن دائما ما تعاندهم الكلمات لتُثبت العكس تماما: انتِ مغلطيش، ايه المشكله في انك تحسى معايا بالامان..؟ انا زى عاصم يا حنين، لا اكتر و لا اقل، انت مغلطيش صدقينى..
نظرت اليه بتشتت ليربت بهدوء على كتفها متمما كلماته مانعا صوته من الاختناق الذى شمل كل روحه الان: متخليش تفكيرك يروح لبعيد، احنا اخوات و بس، شوفتِ بسيطه! ثم ابتسم بحنان احتواها و كأنه يهدهد قلبها رغم النيران التى تجتاحه الان تحرقه، نيران حبه و نيران رغبته بها التى تزداد اشتعالا يوما بعد يوم، ، انجراف مشاعره تجاهها لن يكون حسن العواقب ابدا، و لكن ان كان هناك املا ضئيلا لن يتخلى عنه..
و ربما يكون هذا اقوى، اغلى، اكبر و احب المكاسب لقبله بل لروحه، نفسه و جسده ايضا!
لم يشعر متى و كيف خرجت من امامه و لكن لهيب انفاسها مازال يلامسه، اقترب من لوحتها ليرفعها امام عينيه ثم اقترب من لوحتهاا التى تحمل وجه فارس ليغلق عينه و شعوره بالحزن يعتليه ليجلس ارضا و يضع رسمتها جانبا ليظل يطالع وجه فارس ليهمس بصوت متحشرج و قلبه يعانى من الم الخساره، الافتقاد و الاسوء الحب الذى كُتب له و لكن حُرم عليه: انا محتاج لوجودك جدا، محتاج نصيحتك و ايدك على كتفى تقوينى، مش عارف اعمل ايه و مفيش غيرك هيدلنى، اعمل ايه يا فارس قولى، قولى اعمل ايه؟
اغلق عينه لتتساقط دموعه عجزا أحاط روحه كلها لتشق كلمه فارس رأسه مش احنا اللى بندور على الحب يا مازن هو بيجى لوحده و يوم ما هيقرر يدخل قلبك هيدخل بدون استئذان و اللى واهم نفسه زيك كده مش بس بيحب لا دا بيعشق و بجنون ...
فتح عينه ليبتسم بسخريه متمتما بحسره و مراره لونت صوته و هو ينظر للوحه التى جمعتهم سويا: حبيت يا فارس بس هل انتِ هتسامحنى على عشقى لحبيبتك، لمراتك و الحاجه الوحيده اللى اتمنتها بس كان اجل ربنا اسرع، هتسامحنى و لا لأ؟!
انطلقت ركضا على الدرج بمجرد ان استمعت لصوت بوق سيارته و هى تدلف للمنزل، مرت عليها الايام الماضيه في غيابه كالدهر، لم تشتاق اليه من قبل كما فعلت هذه الايام.. توقفت على اخر الدرج و هى تراه يدلف لتكون اول ما تراه عيناه رغم الجميع حوله.. كان يحتضن ليلى و لكن عينه مثبته عليها، تحرك لعز و مازالت عينه عليها، ليعقد حاجبيه و هو يرى دموعها التى اندفعت كثيره و التى ناقضت ضحكه شفتيها الواسعه..
هل تعرف انه منذ زمن طويل يتمنى رؤيتها هكذا؟! طالما اراد ان تكون في استقباله ليلقى بتعب عمله كله ارضا بحضن منها، لتهمس له بشغف عن اشتياقها له، لتطبع قبلات مشبعه برائحتها على كامل وجهه، و ها هى الان تحقق له ما يتمنى! اقترب واقفا امامها و لكن لوجود الجميع حولهم و احتراما لخجلها اكتفى بنظره احتضنتها بقوه و كذلك هى اكتفت بكلمات بسيطه و لكنها مشبعه باشتياقها: حمدلله على السلامه.
ابتسم بهدوء و اومأ برأسه مجيبا بسخاء مشاعره و التى ناقضت اقتضاب قوله: الله يسلمك، ثم همس بصوت خفيض اسرى رعشه خفيفه بجسدها: يا جنتى. اتسعت ابتسامتها و هى تراقبه ليتحرك جالسا مع العائله ليتحدثا قليلا قبل ان يستأذن ليريح جسده من عناء سفره و في الواقع هو كان يرغب براحه قلبه من عناء اشتياقه ف تحرك للاعلى لتتحرك جنه خلفه بهدوء..
و بمجرد ان فتح باب غرفته استدار بسرعه جاذبا يدها ليضمها بتملك كاد يكسر اضلعها مغلقا الباب بقدمه لتتعلق هى بعنقه بكل طاقتها ليدفن وجهه بتجويف عنقها مغلقا عينه حتى وصله همسها الاسر: وحشتنى، وحشتنى قوى يا عاصم..
ابتعد بوجهه لينظر اليها فلم تبخل عليه بتحقيق امنيته و التى كانت اغلى امانيها الان و هى تجوب وجهه بقبلاتها السخيه و التى اخبرته بحرارتها عن مدى اشتياقها لها حقا و هى تعيد همسها بين قبلاتها التى استسلم لها كليا: وحشتنى، وحشتنى، وحشتنى.
ضحك بانطلاق و هو يضمها له و ربما تلك من اللحظات النادره التى يضحك فيها بانطلاق هكذا فاخفت وجهها بصدره فطبع قبله على جبينها لتبتعد عنه متحدثه بحماس: خد شاور و غير هدومك على ما احضرلك الغدا.. فجذب يدها اليه عندما همت بالابتعاد جالسا على طرف الفراش و اجلسها بجواره قائلا باهتمام: بدأتِ دروسك طبعا..! اتسعت ابتسامتها و دون ان يسأل عن تفاصيل بدأت هى تسردها بسعاده و هى تشير هنا و هناك بيدها..
تاره تضحك من مواقفها مع معلماتها و اللاتى منهم من يقارب عمرها، و تاره تتجهم متذكره تلك الاستاذه الكبيره عنها سنا و التى تعاملها كأنها طفله صغيره مذنبه و حقا تخشاها او بالادق تغتاظ منها... لتخبره بعدها بأنها تتعاون مع شذى في مزاكرتهم فهما بنفس السنه الدراسيه تقريبا، و ذلك الامر لم يضايقها بل زادها تحمسا مع وجود منافس لها و الامر كذلك بالنسبه لشذى...
بينما تعد لهم ام على بعد المأكولات و الحلويات السريعه و التى تمنحهم طاقه اكبر لاستكمال مزاكرتهم، و بعض الاوقات يغلبهم النوم مساءا لتدلف ليلى لتضع الغطاء على كلتاهما بحنان مع قبله على الجبين دائما ما تشعر بها جنه بسبب نومها الخفيف، لتنام بعدها قريره العين و على وجهها ابتسامه سعاده افتقدتها... كان يتطلع لوجهها مدركا انه يرى هذا الجانب الطفولى بها لاول مره...
فكم تحمل بداخلها روح طفله صغيره و برغم ما واجهت من كسور و جروح و الكثير الكثير من الخدوش مازالت متمسكه بروحها الغنيه ببراءتها، ربما بلغت من العمر ما يقارب ربع قرن و لكن ابنه العشر سنوات مازالت داخلها، ابنه شعر بأهميه دوره كأب تجاهها..
لم يكن يتخيل ان يأتى يوما يجلس فيه ليستمع لحديث امرأه، بل و عن دراستها و تلك الطفوليه التى دائما ما رأها في شذى و كان يزهدها، الان يجلس و يستمع رغم تعبه و رغم رغبه جسده الصارخه بالراحه و لكن مجرد صوتها المنساب كخيوط غزل تشابكت على قلبه لتنسج من نبضاته زياً يناسبها...
ضحكاتها المنيره و التى غطت على ظلام تعبه لتشرق راحه روحه بها، قالها مره و يعيدها الان تلك المرأه استثناء و معها هو ايضا من نفسه استثناء. انهت حديثها بتنهيده حاره لتصرخ بعدها و هى تجلس على ركبتيها على الفراش امامه: ان هت..
قطع كلماتها عندما وضع يده على خصرها دافعا اياها على الفراش و هو بجوارها لتشهق بمفاجأه ليتوه تأوهها بين شفتيه التى سطرت كلمات عشق، فخر و سعاده على انفاسها التى استسلمت تماما لانفاسه التى اشتاقتها حد الجنون.. حتى دفعته عنها بهدوء لتهمس بتورد و قد عاد لوجهها فتنته الساحقه بخصلاتها التى انتشرت على الفراش خلفها، لينهل من ابريقها العسلى ما يملأ حصونه بأمانها حبا جما: انت محتاج ترتاح.
تنهد بقوه مقبلا كلتا وجنتيها و هو ينهض عنها ليجلس بينما نهضت هى لتجهز ملابسه حتى منحته اياها ليتحرك للمرحاض بينما هبطت هى للاسفل... خرج من المرحاض لم يجدها بالغرفه فزفر بقوه و عاد يداعب جانب فمه بحركته المعتاده بابتسامه ليتحرك هاتفه باهتزاز على الطاوله بجواره فاتجه اليه ليجده اكرم... اتسعت ابتسامته و هو يلتقط الهاتف ليجيب بهدوء و هو يلقى بجسده على الفراش: السلام عليكم؟!
ليتنهد اكرم بلهفه و هى يهتف بحده: و عليكم السلام، اربع ايام و انا هتجنن، لا اختك بتيجى الشركه و لا سيادتك بترد على التليفون و الست جنه واخده اوسكار في التحوير، افهم بقى، ها فهمنى، تعبت من الانتظار يا نااااااس. كتم عاصم ضحكته و قال بنبره مستفزه هادئه تتناقض تماما مع ما يشعر به اكرم الان: اهدى يا بشمهندس، في ناس بتستنى اسبوع و اتنين على ما العروسه تقرر!
نقر اكرم على المكتب عله يهدأ فالانسه المبجله اخذت اجازه مرضيه و لم يراها منذ ان سقطت مغشيا عليها امام عينه و الان لن ينتظر دقيقه واحده فهتف باقرار حاسم: انت وصلت اهه و الحمد لله، الساعه 8 بالدقيقه هكون عندكم...
دلفت جنه من الباب و هى تحمل ابريق الماء لتجده يبتسم مستمتعا فاتجهت اليه جالسه بجواره، فاعتدل جالسا ليضم كتفها لصدره بيده الحره و هو يقبل رأسها بعمق ليقول بجديه: انا لسه معرفش رأى مها يا اكرم، نستنى لبكره.
صمت اكرم قليلا ثم اخفض صوته المتحمس قليلا ليقول بعقليه: اعتقد في ايدك تسألها دلوقت و قدامها 4 ساعات تقرر فيهم دا لو قولنا انها في الاربع ايام اللى فاتوا مقررتش، انا هاجى باليل يا عاصم، هاخذ يا القبول، يا الرفض. صمت عاصم بالمقابل قليلا ثم قال كلمته اخيرا لصالح اكرم فها هو عرف مكان عمته تحديدا و استطاع اعداد ما يرغب به كليا عدا بعض نقاط صغيره اذاً حان الوقت لابداء الحقيقه: تمام يا اكرم في انتظارك..
ان شاء الله هقول مبرووك و هزغرد كمان.. صرخت بها جنه في سماعه الهاتف ليبتسم عاصم بينما يصرخ اكرم بالمقابل: قولى يارب، اخوكِ وصل لمرحله خطر يا جنه، ادعيله.. اعطاها عاصم الهاتف ليضمها هو بذراعيه مستندا بذقنه على رأسها بينما ضحكت جنه متمتمه بثقه: متقلقش يا حبيبى بدعيلك و الله، هو انا عندى اغلى منك..
انطلق منها تأوه خافت و هى تشعر بضغط يدى عاصم حولها بقوه كأنه يعاقبها على كلماتها فرفعت عينها اليه لتجده يرمقها بنظرات غاضبه ساخطه فابتلعت ريقها وهى تطبع قبله صغيره بجانب شفتيه ليصلها صوت اكرم ممتنا: ربنا يباركلى فيكِ، يالا هقفل دلوقت و اشوفكم على خير بالليل.. تعلقت عينها بعاصم لتُجيب بصدق: ان شاء الله يا حبيبى في رعايه الله..
اغلقت لتضع الهاتف جانبا فتحرك ليبتعد عنها و لكنها لم تسمح له بهذا قائله بحراره و انفاسها تصطدم بعنقه: عاصم مضايق من جنته! ضمها بقوه غاضبه ليصيح بضيق والغيره تقطر من كلماته: معندكيش اغلى منه؟!
ضغطت بيدها فوق يده التى تضمها رغم شعورها بالالم لتسلط شعاع ابريقها العسلى بين حصونه والتى سرعان ما هاجمتها اسهمها باستماته لتهمس بعاطفتها الجياشه و هى تلامس وجنته برقه: انت مش مجرد حد غالى عندى، انت انا يا عاصم. انخفضت لتضع يدها على قلبه ثم اقتربت لتطبع قبله فوقه قائله بنفس النبره الذائبه: قلبى قلبك.
ثم نظرت اليه مجددا لتتخذ من تصرفاته قدوه لها لترتفع بوجهها قليلا لتقبل جفنيه والتى اغلقهما استسلاما لعاطفتها التى اكتسحته مذيبه كل غضبه لتحوله لاشتعال دفين بها: عيونك بيتى و رغم ذلك دائما بتوه فيهم..! تساقطت يده عن كتفها لتضم خصرها بدفء مقربه اياها منه اكثر فرفعت يديها تحاوط وجنتيه مردفه بنفس الهمس الذى دفع به دفعا داخل حصار قلبها: انت اى حاجه، اهم حاجه، و كل حاجه..
انهت كلماتها بقبله عميقه على جانب فكه لتلاحظ تشنجه بقوه و هو يكز على اسنانه ويده تكاد تغرز في لحم خصرها فابتسمت لتبتعد عنه ففتح عينه ليلاحظ ابتسامتها المشاغبه والتى يبدو انها استمتعت باستسلامه التى تدرى انها لو انتظرت دقيقه لرأت طوفان يكتسح كل استمتاعها فنهضت واقفه قائله بتهرب حتى لا يغرقها هو بفيض عاطفته التى دائما ما تنسى نفسها فيها: الاكل جاهز، يالا ننزل قبل ما حد يجى ينادى.
نظر اليها قليلا ليدرك مغزى كلماتها فمنذ زواجهم لم يستطع الانفراد بها دون مقاطعه كأن جميع من بالمنزل يتربص بهم، ومع نظراته المدركه ونظراتها المشاغبه انفجر كلاهما ضحكا حتى نهض هو ضاما اياها مقبلا جبينها متحركا بها للاسفل لتناول الطعام...
اجتمع الجميع بالصاله الخارجيه وقد قاربت الساعه على السابعه مساءا فنظر عاصم لمها لينهض جالسا بجوارها ممسكا يدها قائلا بجديه: اظن كده ممكن اسألك عن قرارك؟! اخفضت رأسها خجلا وهى تعبث بأصابعها ارتباكا فتمتم عز باحتواء ابوى: اى كان قرارك يا بنتى كلنا في ظهرك...
نظرت لعاصم بخجل ثم اخفت وجهها بصدره ليصله ردها دون مجهود منها فنهضت ليلى لتحتضنها بقوه مغمغمه بعاطفه امومه طالما كانت حقيقيه تجاهها: ياااه يا مها، انا فرحانه جدا اخيرا هطمن عليكِ زى اخواتك. دفنت مها وجهها في صدرها لتتساقط دموعها تباعا من تلك الفرحه التى بدأت تتسلل لحياتها مره تلو الاخرى كما تسللت خارج حياتها سابقا،.
وهنا نالت سلمى من عاصم نظره حارقه اخبرتها انها على وشك الاحتراق بلهيب خطأها، و زاد الامر سوءا عندما تحدث بنبره تحذير واضحه موجها نظراته لها: امجد اخباره ايه يا سلمى؟! نهض عز مقبلا جبهتها واجاب عنها مما جعل عاصم يرمقها بغضب عاصف ارعد مفاصلها: الهانم مصره تقضى فتره معانا لان امجد مشغول عنها و بيجى يشوفها بس مش عارف بيجى واحنا مش هنا ليه؟!
فنهض عاصم مقتربا منها خطوه ليقول بهدوء نافى نظره عينه الغاضبه: يمكن بيتكسف مننا او تكون سلمى متفقه معاه و لا حاجه، ألا صحيح يا سلمى ايه سبب الاجازه المفاجأه دى؟! دخلنا في اسبوعين يعنى و انا مش شايف سبب مقنع لغيابك عن بيتك و جوزك كده! وقفت جنه امامه و بعينها نظره مانعه ولكنه تجاهلها وعينه مسلطه على سلمى فهو مدرك جيدا لشعور ان تترك الزوجه بيتها وزوجها يعانى غيابها كما فعلت به جنته الصغيره من قبل..
نهضت سلمى واقفه بارتباك لتتمتم بنبره مهتزه غريبه على طبعها المتمرد: اصل هو، الفتره ده مشغول جامد، ومش بشوفه كتير قولت اجى اقضى معاكم يومين. هم بالتحرك مقررا ايقاف هذه المهزله والمسرحيه الساخره فكفى دلالا ولكن ليلى منعته بقولها وهى تضم سلمى بذراعها الاخر: الله، فيه ايه يا عاصم!، ايه المشكله اما تقضى يومين هنا طالما جوزها موافق و مفيش مشاكل.!
انتفض جسده كله بغضبه ولكن ضغطه جنه على يده ونظره عينها التى ترجته الا يفعل امام الجميع جعلته يبتلع لسانه قسرا ويتحرك بغضب للاعلى ولكنه توقف على الدرج بعدما تذكر هاتفا: اكرم هيجى النهارده على الساعه 8، اجهزى يا مها!
فله فين القميص اللبنى مش لاقيه؟! صرخ بها معتز وهو يبحث في ثيابه فلقد اخبره عاصم بموافقه مها وزياره اكرم وها هو في طريقه للاستعداد ليكون بجوار اخته في يوم كهذا.. وصله صوتها من المطبخ وهى تصرخ بنفاذ صبر وهى تحرك رأسها بمعنى لا فائده: في الدرج الاول يا معتز، الاول مش الثالث! وضع يده على فمه مغلقا الدرج الثالث المفتوح امامه فهو عاده ما ينسى ترتيب قميصانه ويبدو انها حفظت اخطاءه هذه حتى..
فابتسم مخرجا القميص وبدأ بارتدائه ثم نثر من العطر ببزخ على ملابسه وعنقه ليخرج من الغرفه متجها اليها بالمطبخ محتضنا اياها من الخلف كما تفضل دائما قائلا وهو يطبع قبله على وجنتها: لسه مصممه متجيش! استنشقت عطره بقوه فهو ما عاد يستخدم عطره القديم والذى اصبح يصيبها بغثيان مؤلم ولكن انفاسها ويبدو ان صغيرها يفضل هذا ولهذا بات هو عطره المفضل وربما يضطر لتغيره مره اخرى بعد ولادتها...
ضمت شفتيها بحرج لتترك السكينه بيدها لتضم يده اكثر حولها هامسه بحزن: كان نفسى ابقى جنبك انت و مها النهارده اكيد، بس مهما كان انا اخت محمود يا معتز ووجودى ممكن يسبب مشكله..
ازداد من ضمه لها وهمس بخفوت بجوار اذنها وهو يطمأنها من تلك العلاقه التى باتت تخشاها: انتِ ملكيش اى دخل باللى عمله محمود، وانتِ عارفه ان مها بتحبك جدا كأخت وصديقه واخيرا مراه اخوها، ولعلمك بقى هتزعل جدا لو مجتيش معايا، متخلقيش حواجز مش موجوده يا فلتى و اسمحى للفرحه تدخل بقلب جامد.
تنهدت بقوه وهى ترتكز برأسها على كتفه وكلماته المقنعه تطمأنها قليلا، فأومأت برأسها موافقه لتصرخ: خلاص استنى هلبس في ثوانى و اجى معاك. وبمجرد ان انتهت تسمرت مكانها بضحكه بينما تجمد معتز كلوح الخشب عندما اعلن صغيرهم - حمزه - عن فرحته هو الاخر بركله قويه لوالدته و التى لاول مره تشعر بها هبه وهو يحاوطها ولاول مره يشعر بها معتز...
مما جعله يستقيم ورغبته جنونيه في الابتعاد عنها قلقا وخوفا بل وارتباكا لا يدرى مصدره ولكن يده تجمدت تماما وطفله يمنحه ركله اخرى وكأنه يتعمد التحدث والتواصل مع والده... فازدادت ضحكات هبه وهى تتوقع ما يشعر به الان فاستدارت برأسها لتراه لتجد عينه متسعه بدهشه وانفاسه متلاحقه بقوه لينظر اليها بعدم استعاب قائلا بتشتت: انا، ان، انا حسيت، حست بيه!
ضحكت بحنان وفيضان عينها يغرقه بعاطفتها تجاهه ليعاود القول بنبره اكثر صدمه وصوتا اكثر علو وتعجب: انا حسيت بيه يا هبه، حسيت بيه! وضعت يدها على يده التى مازالت على بطنها المنتفخ و تمتمت بسعاده: حابب يتكلم معاك، حابب تحس بيه زيى بالظبط، بيحبك.
خرجت منه ضحكات متقطعه من شده فرحته تبعها تساقط دموعه فرحا ليترك يدها جالسا على ركبتيه ليحاوط بطنها بيده و هو يهتف بعاطفه لاول مره تجتاحه و فرحه لا تعادلها فرحه بعالمه كله: بيحبنى، هو بيحبنى يا هبه، بيحبنى! وضعت يدها على فمها تكتم انفعالها و لكن عينها لم تفعل فامتلئت بالدموع على مظهره الذى اثار كل عاطفه امومتها تجاهه و هى ترى فرحته كبيره لهذا الحد..
لتندم اشد الندم على حرمانه منها طوال الاشهر السابقه ولكن صغيرها اختار فرحه ابيه، اختار الوقت المناسب تماما ليمنح ابيه القوه رغم صغره...
حرك معتز يده على بطنها يمينا و يسارا ليتمتم بحنان و وعد قطعه لنفسه قبل ان يقطعه لطفله و ازداد انهمار دموعه بمشاعر متداخله من فرحه، حزن، ندم، وجع، فخر و لهفه: انا اسف، اسف انى حرمت ماما و حرمتك منى طول الفتره دى، اسف انى وجعت قلبها بسبب طيش منى، اسف على بعدى، اسف...
اوقفه اختناق صوته، انفاسه و دموعه ترفض التوقف، لم يخجل و لم يشعر بهذا ضعفا بل قوه، قوه امدته بها هى اولا ليُكمل صغيره مسيرتها و التى لن تنتهى ابدا، هم كل عالمه و ليس فقط جزءا منه، هم قوته، فخره و عزته كرجل... ازادادت دموعها و هى تضع يدها على شعره و كل صدأ وجعها منه يختفى تماما، كل دمعه ذرفتها سابقا عوضتها الان فرحه،.
ردف هو و مازال يخاطب طفله بعاطفته اللامحدوده الان: اوعدك اعمل كل حاجه علشان اسعدكم، كل حاجه اقدر عليها، عمرى ما هتخلى عنك زى ما والدى عمل، عمرى ما هوجعك زى ما انا اتوجعت، هبقى أب تفتخر بيه، هبقى كتف تتسند عليه لحد ما تبقى انت ظهرى اللى هيحمينى، هبقى قوتك و انت صغير علشان تبقى قوتى اما اكبر، مش هسمح لحاجه تكسرك حتى لو فيها كسرى، هتعيش حياتك صح، هتبقى ناجح و راجل، راجل زى ما مامتك ساعدتنى ابقى راجل...
استند بجبينه على بطنها لتضمه هى بيدها لتتساقط دموعها و هو يردف بعشقه الذى عجزت كل حروف الابجديه عن تكوين كلمات توصفه: مامتك قويه و هتبقى سندى انا و انت، انا مش خايف من اى حاجه طول ما هى معايا و انت كمان هتلاقيها دائما معاك، هى الضعيفه في نظر الناس بس صدقنى هى اللى قوتنى...
انتفض جسدها بقوه و هى تبعده عنها لتجلس بهدوء على ركبتيها لتضمه بقوه لصدرها ليرتجف جسده بين يديها مغمغما باعتذار: انا اسف يا هبه سامحينى...
زادت من ضمها له و لسانها يعجز عن النطق تماما فأردف و هو يقبل كتفها بامتنان و يزداد ضغط يده حولها كأنه يزرعها داخله: انتِ كنتِ السبب في كل سعادتى، انتِ ادتينى كل اللى اتمنيه في حياتى، بيقولوا كل انسان بيحمل قدر من اسمه و انتِ هبه فعلا، هبه ربنا منّ عليا بيها، و مش ممكن هفرط فيها ابدا... ظلت على وضعها هذا حتى تمتمت هى بتعب و لكن بنبره مرحه: مش عاوزه ابعد عنك بس انا تعبت..
ابتعد عنها مسرعا ليلاحظ جلوسها هذا و اضطراب انفاسها فنهض عن ارضيه المطبخ ليسندها لتقف ثم ضمها لصدره فاتسعت ابتسامتها و هى تبتعد مقبله وجنته و يدها تمحى اثار دموعه الباقيه على وجنته هاتفه بتذكر: عندك ميعاد يا معتزى... فضحك هو الاخر و لقبها الجديد له يمنحه سعاده لا متناهيه، ثم ضم كتفها اليه لتستند عليه متحركا بها باتجاه غرفتهم متمتما بتساؤل قلق: هتقدرِ تيجى معايا؟!
اومأت برأسها مسرعه فطبع قبله على وجنتها ثم انخفض طابعا قبله على بطنها و تركها تستعد للخروج. ,.
خرج من الغرفه ليدلف للغرفه المجاوره ليضع سجاده الصلاه ارضا و انخفض عليها ساجدا شكرا لله - عز و جل - و تمتم بثقه و ايمان: اللهم لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك و لعظيم سلطانك، اللهم انى عصيتك فسترتنى، اغضبتك فرحمتنى، ابتعدت عنك فقربتنى، اللهم اغفر لى ذنبى و طهر لى قلبى و زدنى ايمانا و آمانا يا رب العالمين، اللهم لك الشكر على كل عطاياك و لك الحمد على كل ابتلاء، فأنت خير ولى و حسبى انت و نعم الوكيل، الحمد لله الحمد لله الحمد لله..
انتهت و خرجت من الغرفه لتستمع لصوته الهامس المختنق بدموعه فوقفت على باب الغرفه تراقبه مع ابتسامه حانيه و قلبها يتلو شكرا كثيرا لا ينتهى و لن ينتهى.. مدركه ان بين كل عسر وعسر يسر، و مهما طال الانتظار فهناك حتما نتيجه، و كلما طال الصبر كلما اثمرت نتائجه...
نجاح المرء في قوه شخصيته، بعد نظره بدقه الامور و الاهداف و برغبته القويه الصادقه التى لا تشوبها شائبه! غميكن كردستانى استعدت مها لتلك المقابله التى لا تدرى ماذا ستفعل بها فهى تشعر انها بأضعف حالاتها الان، لن تقوى على مجرد النظر لوجهه فكيف ستخاطبه!؟ جلست جنه و سلمى معها و شذى تلعب في طرف فستانها البسيط، حتى طُرق الباب فنهضت سلمى لتفتح لتجدها حنين لتشهق صارخه و هى تحتضنها بقوه: حنييييين!
ضمتها حنين هى الاخرى بقوه مماثله و هى تبتسم باشتياق لتلك المجنونه و لتلك الذكريات الجميله التى تجمعهم سويا، رحب بها الجميع و دلفت جالسه معهم و بدأت مناوشاتهم المعتاده و كل منهم تتجنب شعور كبير بقلبها الان..
فحنين اخفت بابتسامتها الهادئه و حديثها الشبه مرح ما تشعر به من ذنب ووجع منذ حديثها و موقفها الاخير مع مازن، و سلمى تخفى بضحكاتها العاليه وتمردها المعتاد وسخريتها اللاذعه اولا اشتياقها المتعب لامجد والذى يهاتفها كل ساعه تقريبا مع تجاهلها لاتصالاته دائما، وثانيا شعورها بالخوف من معرفه عاصم بالحقيقه بالاضافه لخوفها من اكتشاف احدهم لحملها والا لن يسمح لها احد بالابتعاد، فهى ربما اخطأت ولكن ما فعله هى لن تستطيع نسيانه بسهوله ويكفى انها ستكون ذكرى دائمه معها كلما سألها طفلها عن شعورها يوم ان علمت عن وجوده...
و مها تبتسم بارتباك و خجل مخفيه شعور الخوف الذى اجتاحها من الخساره مجددا، و شعور التوتر من رؤيتها لاكرم بل و تركهم يتحدثون على انفراد و ليس بأمر العمل و لكن بحياه خاصه، حياه تجمعهم معا، هى و هو فقط... بينما جنه تبتسم بسعاده حقيقيه لمها و اكرم فكلاهما يستحق السعاده حقا و لكنها تشتاق لعاصم..
تتلهف لرؤيته، لقد عاد اليوم من سفر عمل، عاد سياده النقيب لعمله و ستضطر اسفه تحمل غيابه لايام كل اسبوع، و لكن اليوم الم يكن بإمكانهم تأجيله لتروى اشتياقها اليه قليلا.. اما شذى فكانت تشاغبهم ولكنها تفكر وتسترجع دروسها بعقلها حتى تتفوق على جنه في الاختبار التى اعدته المعلمه لهم غدا، وكلٌ يبكى على ليلاه!
نظرت سلمى لحنين لتقول بابتسامه: انا اللى قولت لعاصم يكلمك على فكره، علشان تبقى معانا النهارده بدل ما احنا بنشوفك من السنه للسنه كده. ابتسمت حنين و هى تشيح بيدها بلامبالاه و هى تغمغم بسخريه: و انا اشوفك ليه يا سلمى.؟! هو انتِ بتوحشينى و لا حاجه! و بعدين كلنا اتجمعنا النهارده و دى مجرد مقابله عاديه يعنى.
نظرت لها سلمى بغيظ بينما ضحكت الفتيات لتقول جنه بثقه و التى على اساسها طلب عاصم من معظم اقربائهم الحضور: انا متأكده ان اكرم هيصمم على قراءه الفاتحه لما هيعرف ان مها وافقت، كان عاقل يا مها الله يسامحك بقى. استدارت سلمى لها بسخريه لتتذكر سابق موافقها مع اكرم فابتسمت بضحكه: عاقل ايه يا جنه!، دا انا شوفت منه جنان ميعرفوش واحد مجنون اصلا!
ضحك الجميع وكان نصيبها لكمه خفيفه من يد مها بكتفها لتصرخ بشغب: ايوه بقى، مها بتغيير، انت فين يا اكرم..! ارتفعت ضحكاتهم مجددا و كل منهم تتناسى ما بها مندمجه بكامل احساسها مع البقيه، حتى اتت اللحظه الحاسمه عندما طُرق الباب مجددا لتدلف هبه بضحكه و هى تهتف بفرحه: عروستنا الحلوه. نهضت مها ضاحكه لتحتضنها بمحبه و في الواقع لم يخطر محمود على بالها حتى فسبق ان قالت بين هذا و ذاك لا مقارنه...
رحب الجميع بها لتقترب منها سلمى ناظره لانتفاخ بطنها باعجاب وهى تضم بطنها بيدها فابتسمت جنه بحنان وهى تلاحظ نظراتها، بينما وضعت مها يدها على بطنها قليلا ثم اشارت بسعاده مبرووك يا هبه ربنا يتمم ولادته على خير رددت الجميع الدعاء خلفها بينما ربتت هبه على كتفها قائله بابتسامه تفضح سعادتها بوضوح متناسيه ما جاءت لتقوله اصلا: و انتِ ربنا يفرحك و يتمم جوازك على خير.
ثلاث طرقات على الباب تبعها دخول عاصم و بمجرد ان رأته حنين اقتربت منه مسرعه ليضمها باشتياق مغلقا عينه لحظات و هو يشعر انه اتم واجبه بحق الجميع الا هى! الا اقربهم لقلبه، ابنته الاولى و الاغلى، ساند الجميع ايلاها، و وصلها هى من ضمته ما عجز لسانه عن قوله فابتسمت مبتعده عنه و هى تضغط كفه بيدها متمتمه بهدوءها المحبب اليه: وحشتنى جدا يا عاصم..
داعب انفها بسبابته ليقول بصوته الخشن ولكنه حمل نبره دافئه مميزه لاجلها هى: ما اناا كنت عندك قبل ما اسافر و لا هتنكرى بقى..! ابتسمت و هى تضمه مجددا لتقول بلهفه لراحتها بين ذراعيه: انت كنت بتزور مازن، لكن انت وحشتنى.
ضمها اليه مدركا ما تقصده من كلماتها البسيطه و رفع رأسه لاعلى ليأخذ نفسا عميقا وعاد ببصره للفتيات ليجد الجميع يرمقهم بحنان عدا جنه التى رمقته نظره كأنه تخبره الصبر، نظره اخبرته انها فهمت ما يؤلم صدره و ما يعتل روحه.. فاغلق عينه لحظات ثم ابعدها عنه مقبلا جبينها قائلا بجديه و هو ينظر لمها: اكرم وصل، متتأخريش!
ابتسمت بخجل ناظره ارضا فأردف بابتسامه و هو يرمق هبه بطرف عينه: و على فكره معتز بقاله نص ساعه على الباب بس يظهر مداد هبه نسيت تقولك.؟! تذكرت هبه فغطت وجهها خجلا بينما ضحكت الفتيات، فكانت نظرته الاخيره من نصيب سلمى و هو يقول بجديه مترقبا رد فعلها: امجد تحت و كان بيسأل عليكِ..
تلعثمت و تاهت عينها قليلا و لكنها نجحت في اخفاء تلعثمها و لكن لم تغفل عين عاصم عنه و لكنه تجاهل الامر مؤقتا و تحرك خارجا، استعدوا جميعا، و بعد حوالى نص ساعه اخرى كانت مها تجلس معهم داخل غرفه الاستقبال بينما الفتيات تتجمع على باب الغرفه منصتين لما يُقال.. حتى نهض عز قائلا بود: طيب نسيب العريس و العروسه لوحدهم شويه!
ارتبكت مها بشده حتى شعرت انها على وشك الاغماء بينما ابتسم اكرم بانطلاقه و هو ينتظر تلك اللحظه بفارغ الصبر، نهض الجميع تاركا اياهم و حرفيا خرجت معهم قدره مها على التنفس فضمت يديها بقوه بين ساقيها و كادت تقبل الارض من شده انحناء رأسها للاسفل...
ظل اكرم يتطلع اليها قليلا و هى بهذا المظهر الخجل فخفق قلبه بين ضلوعه التى تكاد تفارقه لتحتضنها، لقد اشتاق بجنون لبحر الفيروز الذى يعشق الغرق به، و لكنه لابد ان يمنحها انفاسها الهاربه اولا فحمحم قليلا قائلا بجديه جعلتها ترفع رأسها و ملامح الصدمه تتملك منها: على فكره الشغل اتعطل كتير بسبب الاجازه المرضيه اللى حضرتك اخدتيها.
ظلت تحملق به حتى انهالت عينه عليها تتشرب من بحر فيروزتيها و التى جعلته يصير اكرم اخر، اكرم لها فقط، لا يهم طوعا او قسرا، لا يهم ان تغير لاجلها ام لاجله، يكفى ان فيروزته ستكون له، له للابد و لن يتخلى عنها ابدا.. شعرت هى بنظراته التى فارقتها جديتها بعد سؤاله - الكارثى - كما تعتقد ليعود خجلها اليها تدريجيا حتى فوجئت به يقول ببعض الجديه المختلطه بحده: ممكن ترفعى رأسك.
اخذت نفسا عميقا لترفع رأسها ببطء ليوجهها نظراته المحتويه و ابتسامته الهادئه لينظر لعينها بقوه متمتما بعد طول انتظاره: انا هكتفى بانى أقولك حاجه واحده بس... نظرت اليه بترقب حتى حدق بها بتلك النظره الغريبه التى ادركت مغزاها الان، نظره عاشق يهفو لبر الامان بين عينيها و همس بصدق عاطفته و التى وصلتها كامله دون نقصان: ان انا دلوقتى اسعد انسان على وجه الارض كلها..
اسر عينها بدفء عينيه لتتوه بهم رغم خجلها الواضح و احمرار وجنتيها ارتباكا و لكن ان ابتعدت عن نظرته تلك الان فستندم طوال حياتها، فعاود يقول و هذه المره بنبره اكثر جديه: و هسألك سؤال واحد؟! اومأت منتظره سؤاله الذى فاجأها به و الذى لم تكن مستعده لاجابته ابدا: ليه وافقتِ على جوازنا..! او اكتر دقه، ليه وافقتِ تتزوجينى انا؟!
سكنت عينها على عينيه قليلا ثم اخفضتهما تنظر للارض بشرود تبحث عن اجابه تنبع من قلبها و عقلها معا، اجابه يرضاها قاضى ضميرها و كرامتها كانثى فأشارت و هى تحرك شفتيها بحديثها الصامت الذى التقته هو بشوق المنتظر الذى نال جائزته بعد طول انتظار لانى لما لقيت نفسى، لقيتك اول واحد جواها و دون ان تنتظر ان ترى رد فعله نهضت لتخرج من الغرفه مسرعه و لكن نداؤه لاول مره باسمها اوقفها امام الباب: مها..
اول مره تخرج مجرده دون القاب، منه هو، و لها هى، لها طعم مميز و احساس مختلف، قشعر جسدها كله و هى تشعر انها الان فقط تدرك ان ما تعيشه حقيقه، وجوده، حديثه، حبه، و شغفها هى به، حقيقه. قطع احساسها هتافه المصدق لتفكيرها: اول مره اقولها من غير بشمهندسه، عارفه ليه؟
ظلت مكانها و ظهرها مواجه له فتمتم بابتسامه سعاده: لانى اللحظه دى بس اتأكدت انك ليا، ليا و بس، اتأكدت انك قدرى اللى استنيته عمر كامل و محتاج الف عمر علشان اعيشه معاكِ، ، ثم ختم كلماته بقراره الاكيد و الذى اخبرها بحكم معرفتها له انه لا يتراجع فيه: فاضل على اخر الشهر اسبوعين، اعملى حسابك ان اول يوم في الشهر الجديد هتبقى مراتى و في بيتى.
امسكت بطرف فستانها بدهشه دون ان تستدير له و جسدها يتجمد تماما حتى شعرت بصوته خلفها مباشره قائلا بمرح و جرأه جديده عليه: اصل انا ناوى على جواز عالطول، محدش يقولى خطوبه و لا حتى كتب كتاب، اللهم بلغت، اللهم فاشهد. و هنا لم تتمالك اعصابها اكثر فخرجت من الغرفه ركضا دون حتى ان تنظر لمن ينتظروها بالخارج بل صعدت مباشره لغرفتها و لكن كيف تتركها الفتيات بل انطلقن خلفها لتبدأ حفله استجواب عما حدث..
بينما في الاسفل اخبر اكرم الجميع عن رغبته، فمعرفته بها امتدت للعامين فأى خطوبه هذه التى ترضى ظمأه الان، و حقيقه لقد كان عاصم ينتظر عرضه هذا، فهو مطمأن تماما لاكرم و يدرك جيدا انه سيهتم بمها اكثر من نفسه حتى، و الوقت ليس بيده فوالدها يمتلك الان اجازه لمده اسبوعين على استعداد للسفر بهم و هذا هو الوقت المناسب.
و بعد موافقه الجميع تمت قراءه الفاتحه و تم الاتفاق على عقد القران و الزفاف بدايه الشهر الجديد اى بعد اسبوعين تماما من اليوم، أربعه عشر يوم فقط و يتحقق حلم مها بحياه جديده و فوز قلبها بصاحبه، و يتحقق حلم اكرم بفيروزيته الغاليه...
كان امجد قد رحل بعد مشاداه بينه و بين سلمى مجددا كعادتهم مؤخرا و حتى لا يُثير حديثا في تلك المناسبه السعيده رحل بهدوء بعدما استأذن من الجميع بصوره عاديه مع توديعها له على الباب بفتور فقط لتبدو الامور بينهم طبيعيه امام الجميع..
هم مازن بالرحيل مع حنين بعدما ودعت الجميع بالاعلى عندما اوقفه عاصم واقترب من حنين ممسكا يدها قائلا بجديه وهو ينفذ ما انتواه: اظن دلوقت المفروض ترجعى بيتك و تبقى وسط اهلك من اول و جديد... انتفض قلب مازن فزعا و هو يستمع لكلمات عاصم والتى اخبرته عن نيته باصلاح وضعه مع حنين المختل بطبيعه الحال..
فنظر عز لها واقترب منها رابتا بيده على رأسها بحنان ما عادت تشعر به كالسابق حتى وان سامحهم قلبها: اه يا بنتى انتِ من حقك حياه جديده، و سعيده تعشيها براحتك من غير قيود. ارتجفت عينها و هى تنظر لمازن بدهشه تملكتها قليلا و لكنه رأى خيط من خوف يلمع بعيدا، خوفا ليس من حياه جديده بل خوف من الابتعاد عنه و لكنه كذبه منتظرا سماع رأيها..
و لكنها لم تمنحهم اياه فأردف عز و هو يحاوط كتفيها بكفيه: انتِ لسه في بدايه حياتك و لسه الطريق قدامك طويل، و مازن كتر خيره وقف جنبك وقت ما احنا كنا بعيد، بس يا بنتى حياتكم كده مش مظبوطه و وضعكم ده مينفعش. شعر مازن بروحه تكاد تفارقه و هو يستمع لحديثهم هذا و ما يحرقه حرقا صمتها، صمتها الذى يتمنى ان تكسره بكلمه لصالحه، يتمنى ان تمنحه مجرد بريق املا لن يتركه مهما صار،.
بريق لن ينضب و لن يختفى و لكنها تصمت، كل ما تفعله صمت! و في المقابل كانت هى تكتوى بنار احساسها الجديد، هى تنتظر منه حديث يمنعهم، تنتظر ان يفى بوعده لها بأنه لن يفعل شئ خارج ارادتها، هى طلبت منه امنا و حمايه لها و لذكرياتها بينما هو لا يفعل، تشتت تفكيرها و هى تشعر بنفسها انانيه..!
فربما هو يرغب بخروجها من عالمه التى دمرته بوجودها، يرغب بابتعادها ليحيى حياه طبيعيه كما يتمنى اى رجل، لماذا تفكر بنفسها و بسجن ذكرياتها و لا تفكر به! و بين ما تفكر به و يفكر فيه، هوى قلبه و اسقط قلبها معه. رفع عاصم رأسها اليه ليهتف بحسم: الوضع دا لازم ينتهى يا حنين، و انا متأكد ان مازن مستعد يطلق علشان تنتهى المهزله دى بقى..
وهنا فقد هو اخر مقاومته للصمت، فقد عقله، قلبه و كل تفكيره، نسى نفسه، مكانه و وضعه بالنسبه اليها و ما ينبغى عليه فعله، فما دام حيا لن يمنعه احدا من وجودها ليصرخ بغضب اسود جعل الجميع و اولهم هى يطالعه بدهشه: واضح انك مش واخد بالك يا عاصم انك بتكلم مراتى و بتاخد قرار على لسانى، قرار انا مش هوافق بيه ابدا.
احتدت عين عاصم بغضب هادر و صوت مازن يعلو بغضب امامه و لكن ما اخمد غضبه كله ليحيله لدهشه هى نظراته المتألمه! نظرات الخوف التى يرمق حنين بها الان، نظرات شعر هو بها يوم ان غابت جنه عن عينيه، شعر بها عندما سُحبت من بين يديه غصبا و شعوره العاصف بخسارته جسد الخوف على ملامحه، و هنا فهم ابن الحصرى ان مازن عشقها، عشق اخته و لن يتخلى عنها بل مجرد التفكير في هذا يؤلمه!
بينما امتلئت عين حنين بالدموع و هى ترى تمسك مازن بها و لكن الحمقاء كذبت شعورها الحقيقى لتفسر فعلته على انها وفاءٍ بوعده، على انها احتراما منه لقرارها بالاحتماء به و باسمه، على انها شهامه اخ - كما اخبرها - يوما لينقذ اخته من التيه والصراع مجددا! و لكن قلبها عارض كل هذا و فرح، فرح لرفضه ابتعادها عنه، فرح لشعوره بروحها ترد اليها بعدما كاد عاصم و عز سحبها منها.
نظر عاصم لمازن قليلا و كأنه يخبره بنظراته انه يفهم دواخله بينما عز لم يستطع استيعاب الامر سريعا فهتف بحده: يعنى ايه يا مازن؟! حنين من حقها تعيش و تتجوز و تبدأ حياه جديده، حنين اغلى من انها تبقى زوجه تانيه.
و هنا وقف عاصم امام والده ليس دفاعا عن شعور مازن و لا دفاعا عن حق حنين و لكنه دفاعا عن عدل لم يأبه به والده سابقا: كان فين اغلى من دى يا بابا لما صدقت اللى اتقال، كان فين لما كسرناها كلنا و انا اول واحد و ملقتش جنبها غير مازن، كان فين لما رفض هو يخليها زوجه تانيه و انت اجبرته و اجبرتها على كده، مازن معاه حق، الحقيقه دلوقت ان محدش له حق يدخل بينهم.
تصاعد غضب عز و هو ينظر لعاصم بضيق تبعه بنظره زاجره لمازن ليزداد هتافه الغاضب: لا، بنتى هترجع لبيتها و حياتها و النهارده، و ورقتها توصلها بكره، و معدش فيه نقاش في الموضوع ده.
و هنا جذب مازن يد حنين لتقف خلفه متوقعا ابتعادها و لكنه شددت قبضتها على يده و امسكت بيدها الاخرى قميصه لتخفى وجهها خلف كتفه و هتف بحده و قرار حاسم: حنين هتفضل مراتى و على ذمتى طول ما انا عايش، و مفيش ورقه و لا كلمه و لا قرار من حد مهما كان هيخلينى ابعد بدون إرادتى، مع احترامى لحضرتك و لعاصم بس محدش له كلمه لا عليا و لا على مراتى غيرى، و لو فكرنا في الطلاق هيبقى قرارنا احنا الاتنين و بس.
هم عز بالصراخ و لكن تلك النظره التى رأها بعين حنين اخرسته، نظره تحمل عده مشاعر جعلته هو شخصيا يتخبط بها.. حملت من العتاب الكثير على خذلانه لها و الان يصرخ بأمر اخر دون ارادتها، حملت من الندم على امر ما هو لم يفهمه و لكنه بدا كأنها تلومه على تقصيره و تندم على فرط ثقتها به، حملت من المشاعر ما فاق ما رأه بعينها يوم قرر جدها طلاقها من فارس، الامر عاد نفسه مجددا و لكن نظرتهم الان اختلفت كثيرا عن قبل..
فنظره فارس الواثقه بمكانته قابلها الان نظره من مازن و لكن واثقه بمشاعره، و نظراتها الراجيه لرفضها البعد عن فارس قابلها الان نظره اكثر رجاءا و اكثر تمسكا بمازن، و هنا ادرك اخيرا ان ابنته اختارت بالفعل حياتها الجديده، اختارت طريقها الذى يبدو ان عينها شرحته و لكن للجميع عداها! ادرك ان تمسك مازن بها ليس سطوه او سيطره حمقاء بل حب، حب عاند قلبيهما قبل ان يدفعهم ليعاندا الجميع لنصره و التمسك به..
و هنا ابتسم بسخريه فرحمه الله على قلباً يعشق و ينكر عشقه، و رحمه الله على ما جمعهم و الذى سيستنفذ طاقه كلاهما كامله حتى يدركوه..! نقل عز بصره بينهم ثم تمتم بحزم: ماشى يا مازن، بنتى امانه و لو فكرت مجرد تفكير انك تأذيها من هيصيبك منى خير ابدا. ثم دفعه بكتفه دفعه خفيفه قائلا بحده موبخا اياه بلطف: و صوتك قدام منى مينفعش يعلى و خصوصا لو الكلام عن بنتى، فاهم يعنى ايه بنتى..؟
ثم استدار لعاصم بنظره غاضبه ليردف: بنتى يا سياده النقيب، يعنى مهما قصرت في حقها او غلطت هتفضل بنتى، بس صدق اللى قال انا قلبى على ابنى انفطر و قلب ابنى عليا حجر، ..! و رمق حنين بنظره اخيره و تركهم متحركا باتجاه غرفته فهو لم يكن بحاجه لعتاب او اتهام هو مازال يتظلى بنار اتهامه لها، عندما يُخطئ الابناء يسامح الاباء فورا و لكن عندما يُخطئ الاباء يجد الابناء الف عذر وعذر حتى يغضبوا..
ربت عاصم على كتف مازن قائلا بتحذير: اهتم بيها يا مازن مش هوصيك، ، ثم مال عليه هامسا حتى لا تسمعه حنين: و صدقنى لو طال السكوت عن كده يا هتخسرها يا هتخسرك... ثم ودعهم على الباب الخارجى لينطلق بعدها مازن و حنين للبيت و بداخل كلا منهم شعور غريب جديد اولدته المواقف، و خاصه موقفهم هذا، و لكن متى يُدرك...؟!
صعد عاصم لغرفه الفتيات وطرق الباب ليدلف جالسا بجوار مها على الفراش مندمجا بحوار اخوى معهم وكان دوره الكبير اما التوبيخ او الصمت متجاهلا اياهم حتى نهض ناظرا لسلمى وقد طفح به الكيل وهم بالتحدث عندما ادركت جنه نظرته فنهضت ممسكه يده قائله بهمس ترجوه و تدرك انه ربما لن يستجيب: بلاش النهارده اليوم كان مرهق عليك وعلينا بلاش نقلبه زعل علشان خاطرى.
نظر اليها بطرف عينه ثم استأذن منهم متجها للغرفه بينما نهضت جنه و اشارت لسلمى لتحدثها قليلا فنهضت سلمى فقالت جنه بقلق من الانتظار اكثر: عاصم على اخره يا سلمى و انا حاولت بكل الطرق ابدأى الكلام انتِ لانه لو ضغط عليا اكتر من كده مش هقدر اسكت و الافضل يسمع منك،! اطرقت سلمى برأسها قليلا ثم اومأت موافقه و تمتمت بتوجس تخشى العواقب: حاضر يا جنه هتكلم معاه بكره الصبح، و ربنا يسترها.
ربتت جنه على كتفها و تحركت باتجاه غرفتهما لتعود سلمى لمها و قد دب الرعب بقلبها فعاصم حتما لن يمرر فعلتها بسلام.. دلفت للغرفه لتجده يبدل ملابسه دون ان ينظر لها فحمحمت مقتربه منه دافعه بخجلها جانبا فهو غاضب منها بسبب رفضها الدائم لتخبره و الاستاذه الاخرى خائفه فتخفى و هذا ما يزيد غضبه اكثر و لكن كفى لزوجته و لاخته..
امتدت يدها لكتفه لتجعله ينظر اليها و بدأت بمساعدته بارتداء منامته و هو ينظر للفراغ دون اى رد فعل حتى انتهت فطبعت قبله على وجنته تدفعه باتجاه الفراش لتجعله يجلس وهو فقط ينظر اليها رافعا احدى حاجبيه بتعجب و نظره ساخره تشملها فجلست بجواره ممسكه يده قائله بهدوء يتعجبه احيانا: ايه اللى مضايقك منى يا عاصم!
جذب يده بهدوء منافيا لرغبته الحارقه للصراخ لتنطق تاركه تعنتها و رفضها فالمسأله بدأت تأخذ اكثر مما ينبغى، ولولا سفره هذا لكان عرف عن الامر منذ زمن ولكنه تجاهل هذا واعتدل ليتمدد على الفراش متجاهلا اياها بالكامل فتحركت للجهه الاخرى لتقترب منه نائمه على ذراعه المفرود على الفراش ورفعت عينها اليه لتهمس بحزن لا تدعيه: بلاش تدينى ضهرك يا عاصم، انا مش بعاند والله بس صدقنى لما تسمع منها افضل..
استندت برأسها على صدره ليغلق هو عينه ورائحتها تلامس انفاسه لتمنحه بعضا من السكينه الذى يفتقدها الان بشده.. اولا عودته للعمل بعد طول غياب... ثانيا الحقيقه التى ستظهر واضحه وضوح الشمس والاسوء انها ستكون يوم زفاف اكرم ومها لان والدها اخبره انه سيحضر الفرح ويسافر مره اخرى مباشره..
ثالثا هو لا يضمن نفسه ولا رد فعله ان رأى نجلاء امامه فكلما يُذكر اسمها امامه يتذكر جسد فارس الذى هوى امام عينيه دون قدره على اسناده حتى فتتراقص الشياطين امام وجهه فهو لن يكفيه مجرد قتلها او سجنها... رابعا هم سلمى والذى يبدو انه كبير، فغياب شقيقته عن منزلها واضطراب علاقتها مع زوجها ليس بأمرا هينا، وهو متيقن 100 % ان سلمى مخطئه بأمر ما ولكن مهما كان خطأها فهو لن يغفر لامجد خطأ بحقها كيفما كان..
واخيرا حياته الخاصه وجنته الصغيره الذى يؤرقه كثيرا ابتعاده عنها بالاضافه لقلقه من شعورها اذا عرفت حقيقه موت والدها والذى يجاهد لاخفائها وسيفعل كل ما يلزم لهذا، فهو لا يعرف كيف سيكون وقع الامر على جنه او حتى على اكرم..
شعر بيدها تمسد رأسه بحنان ودفء وهى تتلو بعض ايات من كتاب الله بصوت خفيض لتزداد نفسه سكينه حتى همست بتفهم: عارفه انك مش بتحب تحكى على اللى شاغل تفكيرك، واللى انا متأكده انه مش موضوع سلمى و بس، بس متحاولش تخبى عنى وجعك وقلقك لان نبضات قلبك فضحاك يا عاصم... ضغطت بيدها بخفه على جانب جبينه لتطبع قبله فوقها قبل ان تُكمل تمسيده مع همسها الاخير: نام ومتفكرش في حاجه انا هسهر لحد ما تنام!
لم يجادل ولن يفعل فهو في اشد الحاجه لهذا الهدوء ويبدو ان جنته الصغيره اصبحت تفهمه فباتت تفهم متى يجب ان تتحدث ومتى يجب ان تصمت.؟. فابتسم بامتنان ليغرق بعدها في نوم عميق ادركته هى من انتظام انفاسه، والذى اتى مسرعا على عكس توقعها فعلى ما يبدو ان التعب اليوم ارهق جسده كثيرا...