رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الحادي والأربعون
لو مهما غامت الحياه خلف ضباب الحزن، امطار الوجع و ليالى الآهات، تأكد دائما ان خلف كل مطر شمس ساطعه و يتبع كل ليل نهار مشع، و مهما تراكمت الضباب حتما سيأتى وقت ما ستتبدد ليظهر من خلفها سماء حياه صافيه...
استمرت حنين بدفعها حتى دلفت جنه للمطبخ و هى في قمه تعجبها، استندت على الطاوله الرخاميه بظهرها هامسه بصدمه: معقول كله جاى يحتفل بطلاقى؟، ، ثم اختنق صوتها وهى تردد: هو ايه اللى بيحصل؟ و فجأه شعرت بأحد ما خلفها و قبل ان تستدير كبل حركتها تماما واضعا يده على فمها ملصقا ظهرها بصدره و اخذت هى تعافر ولكنها استسلمت سريعا واغلقت عينها..
ظلت ساكنه بين ذراعيه لحظات ثم ابتعدت عنه و استدارت له و عينها تبرق بابريق العسل الذى افتقده هو حد الجنون و هى تطالعه و من حركه حدقتيه مع حركه عينها ادركت انه أبصر، ، استعاد الحصان جموحه و تهيأت حصونه لالقاء اسهمه التى توقتها من جميع الاتجاهات لتتوه هى بينهم مأخوذه بنظره الاشتياق المتلهفه بينهم و نظره الندم التى تلوح في الافق..
دمعت عينها و هى ترفرف بأهدابها الطويله كأنها تحاول التأكد من انها لا تحلم ثم بحركه مفاجئه دفعت يده التى تحاوط خصرها و عادت خطوه للخلف ثم رفعت يدها و تهيأت تماما لصفعه و لكنها اوقفت يدها و دموعها تعلن عن استسلامها لتنهمر بغزاره مغرقه وجهها، لمعت عيناه بابتسامه ندم و شوق و اقترب خطوه و رفع يده ليلامس وجهها يرغب بازاله دموعها، ، ازدادت وتيره تنفسها و هى تدفع يده عنها بقوه، ثم تبعت ذلك بعدة ضربات على صدره و في الحقيقه لم تكن بهينه بحق لقد اشعرته بألمها، ضرباتها كانت قويه متسلطه و غاضبه حد الجحيم، لم تنطق بحرف واحد و لكن دفعاتها له و التى جعلته يرتد طواعيه للخلف عده خطوات اخبرته الكثير مما صمت لسانها عنه، و لن ينفى فكتفه تألم منها و لكنها لم تتوقف، فقط تضربه، تدفعه و هى تبكى، تتعالى شهقاتها، تزداد دموعها و هو فقط يطالعها منتظرا انتهائها من غضبها هذا لتنتقل لغضب اخر و ربما...
اجل، الان انتقلت عندما رفعت يديها حول عنقه تتمسك به بقوه و رأسها تكاد تختفى في كتفه من شده دفعها بنفسها اليه، رفع يديه محاوطا خصرها رافعا اياها لترتكز انفها على عنقه تحرقه انفاسها المتسارعه، و تتسرب دموعها لتُغرق قميصه و بها تُذيب خطايا قلبه المشبعه بذنوبه لتزداد روحه احتراقا، شدد من ضمه لها كما فعلت هى و كلاهما لا ينطق بكلمه واحده فقط اختبئا اخيرا بين ثنايا عشقهم الذى مهما حاولا الهروب لا مهرب منه على ما يبدو..
بدأت شهقاتها تهدأ رويدا و شعر هو بها تُحرك انفها على طول عنقه لتستنشق عطره بتوق مدمن و تتنهد براحه فاتسعت ابتسامته و هو يترك احساسه بها لها، احساسه بها بين يديه من جديد، احساسه بأنفاسها و دقات قلبها التى تحتضن قلبه تؤازره في هياجه المعتاد..
رفع يده ليحل عنها حجابها حتى اسقطه ارضا ليلامس خصلاتها البندقيه بظهر اصابعه و هو يميل بشفتيه على عنقها ليطبع عليه عده قبلات بريئه قبل ان يضغط خصرها بهدوء لتعود هى لعقلها التى تجزم انه ليس معها الان..
اوقفها ارضا فاخفضت هى رأسها عنه فابتسم بعشق غلف ملامحه كلها ليضع اصبعه اسفل ذقنها ليرفع وجهها اليه منتظرا لقاء ابريقها العسلى و لكنها لم تمنحه الفرصه بل اسبلت جفنيها للاسفل فازدادت ابتسامته و اخفض رأسه طابعا قبله صغيره اعلى اجفانها حتى اغلقتها تماما و انهالت بعدها قبلاته العابثه على وجهها كله و عيناه تطوف ملامحها باشتياق حارق..
ف كم كان يكتوى بنار غيابها عن عينيه، كم كان يود اشباع عينيه و قلبه بنظراتها، كم كان يود رؤيتها! اشتاق لكل ما بها، ابريق العسل الذى فاض من قبل بخوف ابعدها عنه، ثم امتلئ بحب و لكن لسانها انكره، فازداد خوفا لتنهمر منه اسهم تحذيريه و هروب مستسلم، و الان فقط لاول مره يراه يفيض عشقا خالصا، عشقا لا يجوز الا لها، و لا يجوز الا بها، و لا يعرف الى قلبه، و لن يكون سوى بقلبها...
الان لاول مره يرى دموعها لاجله، لا عليه او منه و لكن لاجله، لاجل اشتياق اضنى ليلها هو موقن من هذا، لاجل نهار اختفت شمسه بغيابه عنها، لاجل قلبها و الذى هاج به عشقه و ثار بها شوقا له..
مسد ما بين حاجبيها بأصابعه لترتخى ملامحها المنكمشه و تلين عقده حاجبيها تدريجيا ثم مرر اصبعه على حاجبيها الرفيعين و التى اعطاها مظهرا بريئا ثم اخفض يديه لوجنتها ليقترب طابعا قبله على كل واحده على حده بهدوء و بطئ كأنه يعبث باعصابها و بالفعل فعل، ثم امتد اصبعه الابهام لشفتيها و التى بللتها دموعها التى ما زالت تعرف طريقها جيدا ليزيلها هو بيديه ثم اكمل اصبعه مسيرته على عنقها حتى اخرج سلسالها من جيب بنطاله ليعاود وضعه حول عنقها...
ففتحت هى عينها بسرعه تطالعه بصدمه، هل كان السلسال معه كل هذه الفتره؟ ظلت تبحث عنه منذ عادت في ذلك اليوم المشئوم و لكنها لم تجدها، اعتقدت انها فقدتها في تلك الغرفه التى كادت تفقد فيها نفسها، و ببساطه هى معه؟ لاحظ هو اندهاشها فابتسم محاوطا وجهها بيده موجها اسهمه العاشقه لتحاوطها غارقا هو في ابريقها اكثر و اخيرا همس بخفوت شديد و هى يداعب وجنتها باصابعه: وحشتينى..
نظرت هى اليه ضائعه و ربما مشتته تتراقص على شفتيها آلاف الاسئله و لكن لا يطاوعها لسانها بالتلفظ بها، ينهال عقلها عليه بالسخط و الغضب و لكن يخفيه قلبها بين ثنايا حبها له و شوقها الحارق لحضنه.. لا تدرى ما هو احساسها الان حرفيا! تشعر بسعاده تكاد تُوقف قلبها، و في المقابل تشعر بالحزن لخذلانه لها. تشعر انها على استعداد تام للبقاء صامته فقط لتظل بين يديه، و في المقابل بداخلها براكين تصرخ و يطاوعها عقلها.
كالعاده شتتها، جعل عقلها يعانده و قلبها يعاندها و هى تحارب بينهما.. استقبل هو صمتها بابتسامه مدركا ان خلفه صراخ سيُدمى قلبه و مرر يده على سلساله هامسا بعاطفته التى استسلم لها حقا فلم يعد يستطيع اخفائها: وقع منك يومها، كنت قولتِ انك بتحسى انى بحضنك بيه، فأنا صممت انك مش هتلبسيه غير و انتِ في حضنى و انا مدرك تماما انى هقدر احضنك بيه.
رفعت عينها اليه لتنهمر دموعها و لكن دون ان يصدر صوتها ثم ضيقت عينها و صوتها بالكاد يخرج حتى تمتمت بصوت مبحوح: انت شايف انه بالبساطه دى؟ وضع يده على خصرها مقربا اياها منه رافعا يده الاخرى ليداعب جانب وجهها مبعدا خصلاتها عنه و اجابها بصدق يعطيها الحق: لا كان بسيط عليكِ و لا عليا... اغلقت عينها لثانيه و همست بألم غلف ملامحها و صوتها تلومه: انت بعدت.! قربها اكثر ليهتف بلهفه: علشانك.
فتحت عينها لتتطالع عينه التى ترى بها صدق لا تدرى بأى امر و صرحت باستنكار: تقصد علشانَك.! عقد حاجبيه متسائلا فابتسمت بوجع اطفأ بريق وجهها مردده بتأكيد: مقدرتش تستحمل ضعفك و بعدت علشان تسترد قوتك. تحركت يده ليضعها على عنقها من الخلف مقربا اياها منه حتى لم يعد يفصل بينهما اى مسافه و استند بجبينه على خاصتها ليهمس و انفاسه تتحد مع انفاسها: انتِ قوتى، ،.
طبع قبله على جبينها بينما اغلقت هى عينها مستسلمه لهذه اللحظه ثم تبعها بقبله على جفنيها مستردا: عينيكِ زادى، , تبعها بقبله على انفها ثم داعبه بأنفه مردفا بشغف: كسوفك بيحرك رجولتى، ، ثم طبع قبلتين على وجنتيها و التى اصدرت تصريح خجلها بوضح تام و الدم يتدفق ليعطيها رونق ساحر خطف انفاسه، ابتعد مسافه اصبع بينهما و هو ينظر لشفتيها مع ابتسامه مشاغبه و همس بنبره ذائبه: عنادك بيجننى...
اقترب منها حتى كادت شفتيهما تتلامس و اردف بكل عشقها بكيانه و نبرته تترجم لها ما عاناه في غيابها و ما قساه قلبه في حبها: حاولت اهرب كتير بس ملقتش مهرب، كل خطوه حاولت ابعدها عنك كنت بجرى قصادها مليون خطوه ليكِ، كل كلمه قولتها تنفى حبى كنت بكتب غيرها ألف تقسم انى ليكِ، كل مره عاندت و قولت بكرهك كان قلبى بيعاندنى و يصرخ...
صمت و تنهد بقوه مرددا بخفوت شديد بنبره تائهه تماما في عشقها: انه معرفش الحب الا بيكِ. انتفض جسدها بين يديه لتتمسك يدها بقميصه لاشعوريا و تخرج منها آه خافته قبل ان تشعر بشفتيه تلامس خاصتها و لكن تجمد كلاهما فور ان وصلهم صوت حنين المحمحم بخجل: احم، انا.. زفر عاصم بقوه عائدا برأسه للخلف صارخا بأسى متحسر: تانى يا حنين، تانى!، ،.
ثم نظر اليها ليجدها تبتسم بمكر و خجل و هى تضغط شفتيها تحاول منع ضحكتها و هتفت ببراءه: انا مكنتش اعرف، انا.. قاطعها واقفا امام جنه مخفيا اياها خلفه فهو مدرك انها تكاد تموت خجلا الان و صاح بغضب: دى مش تانى يا حنين دى ثالث يا حبيبتى، و كده كتير، ، ثم جز اسنانه بقوه ضاغطا يديه قابضا اياها بقوه ثم رفعها و اشار للخارج هاتفا و هو يحاول تمالك اعصابه: اطلعى بره يا بنتى..
و هنا لم تستطع كبح جماح ضحكتها لتضع يدها على فمها و تنفجر ضحكا و هى تتحرك مسرعه للخارج حتى تفاجئ الجميع بضحكتها و التى لم تزين وجهها منذ زمنا طويلا.. بينما في الداخل استدار عاصم لجنه محاولا السيطره على انفعاله الان فيبدو ان القدر سلط حنين عليه لتقطع كافه لحظاته الحاسمه، وجدها تتطالع الارض بهدوء ينافى الموقف تماما فاعتقد انه من اثر كلماته!
فوضع يده على خصرها مجددا و قربها منه فرفعت عينها اليه لا يدرى أيتهيأ ام لا و لكنه شعر بها تتطالعه بقوه و عزم لا يعرف اسبابهم فهتف بجديه و حزم: النهارده هننهى صفحه قديمه، و هنبدأ صفحه جديده، هنكتبها انا و انتِ، سطر سطر و كلمه كلمه، انتِ مش هتبقى مراتى بس انتِ هتبقى شريكه في حياتى كلها يا جنتى..
ظلت تراقب صدق عيناه قليلا ثم اعادت يدها للخلف تُزيح يده عنها لتبتعد خطوه للخلف ناظره لعينيه بقوه ربما لاول مره يراها: بس انا مبحبش النهايات المبهمه و البدايات الغريبه.. عقد حاجبيه متعجبا و ابتسم بترقب عاقدا ذراعيه امام صدره متسائلا بنبره جاده: يعنى؟!
اقتربت منه و وقفت امامه مباشره و رفعت اصبعها لتوجهه لقلبه هاتفه بثبات لم يعتاد رؤيتها به: انا حاولت قدر استطاعتى افهم قلبك، حاولت احتوى حبك ليا بكل الطرق، عافرت علشان افهمك و اشاركك نفسك، يمكن في الاول غلطت بس بعدها حاولت و متأكده انى نجحت، ،.
ثم امسكت يده لتضعها على قلبها و كملت بحزن و آسف تعاتبه: لكن انت محاولتش تفهم قلبى، محاولتش تستوعب خوفى و ضعفى، و لا مره حسستنى انى قويه بنفسى و كان كل مره ترسم ضعفى قدامى بوضوح، قلبى ظلمك في الاول بس انت ظلمته اكتر..
تركت يده لتمحى تلك الدمعه الهاربه من مقلتيها و هى تردف بقوه و بنفس الجبروت الذى تابعه بدهشه: و انا لا يمكن ابدأ صفحه جديده و الصفحه القديمه لسه منتهتش يا عاصم، صفحتنا القديمه محتاجه توضيح، و صفحتنا الجديده محتاجه صراحه، ، ثم ابتسمت بخذلان و همست بتقطع و لكن بثقه: اذا كنت انت عجزت عن فهم قلبى و وجعه، انا مش هخبيه اكتر من كده، جوايا كلام كتير قوى و مش هقدر اسكت، و انت هتسمعنى، ،.
ثم نظرت اليه لتراقب عينه التى غامت ببحر وجع ماضى طريقهم معا و صرحت بجديه: لو حسيت انك هتقدر تتحمل كلامى هنقفل صفحتنا القديمه، لكن لو مقدرتش، ، اخذت نفسا عميقا و انهت حديثها بصرامه: يبقى مفيش داعى لصفحه جديده...
راقب اصرار عينها و ادرك جيدا ان ما بداخلها ليس بقليل و لكن فليكن، انخفضت ممسكه بحجابها و وضعته على خصلاتها تخفيها تماما و همت بالخروج عندما جذب هو ذراعها لتستدير بقوه مصطدمه بصدره و دون فرصه لاستيعاب ما يفعل وجدته يطبع شفتيه على خاصتها في قبله عبرت عن اجابته و التى أكدها فور ان تركها هامسا امام وجهها و عينه تحاصر عينها بتحدى: فاكره جملتك ليا، اللى اتعود على النصر مينفعش يقبل الخساره ، و انا مش هقبل اخسرك يا جنه، و مش هسمح ليكِ بالبعد تانى ابدا، و دا وعد منى ليكِ، و انا متعودتش اخالف وعدى، و المره دى خصوصا هوفى بيه يا جنتى..
لعل المرء لا يهمه أن يحبه الناس بقدر ما يهمه أن يفهموه. جورج اورويل جلس الجميع بالصاله الخارجيه يتبادلون اطراف الحديث فيما بينهم حتى وقف عاصم فانتبه الجميع له، و نهض اكرم واقفا و جلس بجوار جنه محاوطا كتفها بذراعه و هى تتطالعه بدهشه و لكنها تخفيها بنظرات جامده ثم وجهت نظراتها لعاصم ببرود ثلجى، رمقها هو بنظره مشتعله فلن يقف امامه احد الان و لن يمنعه عنها احد، يكفيه موافقتها فقط!
اقترب منها و وقف امامها مباشره و لكنها ظلت جالسه تنظر امامها لنقطه وهميه دون ان تنظر له، تعجب هدوءها و لكنه لم يمنحه اهتماما كبيرا و هتف بجديه: انا رميت عليكِ يمين الطلاق، لما هتنتهى عدتك، هتبقى حره، منى، من اسمى و من بيتى، موافقه على كده؟
ابتسمت بسخريه و نهضت واقفه قبالته تنظر امامها قليلا ثم رفعت رأسها اليه و عينها تحرقه بفيضان يبدو انه سيجرف كل شئ في طريقه و هتفت بسخريه: بتسألنى بعد ما رميت اليمين اذا كنت موافقه على طلاقى او لأ؟!
لاحظ هو نبرتها الساخره فعقد حاجبيه يحدق بها ثوانى و لكنه تجاوز ذلك محاولا اخفاء ما يعتل بصدره جراء برودها الغير متوقع و قال متجاوزا اجابتها على هذا السؤال و هو يفتح امام عينها علبه مخمليه تحمل بداخلها خاتم الزواج الخاص بها و به: بلاش ده، تقبلى تتجوزينى تانى يا جنه؟
نقلت بصرها بين العلبه المخمليه بيده و وجهه عده مرات متتاليه دون رد فنهض عبد الحميد و ياليته لم ينهض: قولى يا بت ولدى موافجه على الجوازه دى و لا لاااه؟ ابتسمت بدهشه ثم تحولت ابتسامتها لضحكه ساخره ملئت المكان لتجعل الجميع يعقد حاجبيه استغرابا بينما صاحت هى بعدم تصديق: بت ولدى! و دا من امتى؟!
تجاوزت عاصم و اقتربت من جدها، وقفت امامه مشيره لنفسها بدهشه مستنكره: انا جنه على فكره، انا اللى كنت عاوز تقتلنى، انا اللى نجلاء هانم ضربتنى قدامك و انت متحركتش، انا اللى اهنت اهلى قدامى و بدون ما تعمل اعتبار لحرمه الموت، انا اللى كنت عار عليك، .. ثم اشاحت بيدها و هى تضحك باستهزاء ساخر: دلوقتى بقيت بنت ابنك؟
جالت كل الالوان بوجهه و ابعد عينه عنها و هو يتمتم بأسف: كلياتنا انضحك علينا يا بتى، انى مخبرش الحجيجه غير عن جريب و جوزك صمم نجفل خشمنا لحد ما يبجى زين و يعاود بصحته و بعديها ناخد بتارنا.. ضحكت مره اخرى مشيره اليه باستياء ساخر: مفيش حاجه اتغيرت و لا هتتغير، نقتل دى لا بلاش، يبقى نقتل حد تانى.!
حاول عاصم التماسك حتى لا ينجرف خلف غضبه الذى اخفاه شهور طوال و لكنها تضغط بقوه على العرق الاسود لديه، اغلق العلبه بيده و وضعها على الطاوله في منتصف الغرفه و اخذ نفسا عميقا يقترب منها واضعا يده على كتفها و هم بالتحدث و لكنها فاجأت الجميع عندما استدارت بغضب دافعه بيده عنها و صرخت بحرقه و دموعها تملئ عينها و هى تشير اليه باصبعها مهدده: محدش يكلمنى، و لا يقولى اسكتِ او اتكلمى، محدش منكم يفكر يقرب منى ابدا.
اضطربت الاجواء في لحظه واحده و نهضت الفتيات واقفه تنظر كلا منهما للاخرى بقلق و كذلك الشباب ابتعدوا للخلف متوقعين الاسوء بينما تأهب اكرم لطوفان طالما اخفى نفسه بنفسه و لكن لهنا و لم يتحمل، حاول الهدوء فالكل غصبا سيحتاجه الان...
ظل عاصم بجوارها يتطلع لنظراتها الحارقه و تيقن ان ما قاله اكرم سيحدث، جنه صمتت و لكن ما فعلوه بها انار الظلام بداخلها و حان الوقت لينكشح الظلام و يعم النور و لن يحدث هذا سوى بانفجارها و لكن يبدو انه لن يكون بهين... نقلت جنه نظرها بينهم و هتفت بذهول متسائل و هى تنظر لعاصم باستنكار: انت بتاخد رأيى بجد؟!، انت من امتى بتفكر تاخد رأيى؟!
رفعت يدها امام وجهه تعدد على اصابعها بغضب: اتجوزتنى غصب، حصرت اقامتى في بيتك غصب، لما هربت رجعتنى غصب، لما طلبت تبعد عنى قربت غصب، لما مفهمتش خوفى اضطريتنى اوجعك غصب، اختنق صوتها بمعاناتها و اردفت و مازالت القائمه ممتلئه: لما قربت منك وجعتنى غصب، لما طلبت تسامحنى اصريت على البعد غصب، لما لجأت ليك اهملتنى غصب، ثم صرخت بقوه و هى تدفعه بعيدا: و في عز حاجتى ليك، طلقتنى غصب..
صمتت ثم حركت رأسها بدهشه متألمه و هى تهمس بصوت مبحوح متسائل: دلوقتى بتسألنى عن رأيى؟! احتدت عيناه بشده و هو يتابع كلماتها و التى تخرج من قلب يعانى وجعا ربما لن يتحمله هو، و كأنها ادركت تفكيره فرفعت يدها و وضعتها على قلبها و صاحت بعجز: جوه هنا وجع محدش فيكم فهمه، قلبى تعب و محدش فيكم حاسس، كلكم وجعتونى فوق وجعى اضعاف و محدش فرق معاه..
شهقت بعنف و صدرها يعلو و يهبط كأنها تحارب لتلتقط انفاسها و غمغمت بحسره: محدش فيكم عرف جنه و لا حاول يفهم ايه جواها. تقدم اكرم خطوتين منها و لكنها رفعت يدها امامه و صرخت بحده تنافى كسره عينها التى اغرقتها دموعها تتهمه: حتى انت، حتى انت، مفهمتنيش يا اكرم.
ثم مررت اصبعها على جميع الحضور متمتمه و الجميع في نظرها مذنب: كلكم دورتوا على جنه القويه، جنه اللى هتسعد سياده النقيب و تفرحه، جنه البنوته الجميله اللى اخيرا وجدت عيلتها، ثم نظرت ارضا كانها تنظر لانعكاسها في المرأه و اردف بضياع لم يشعر به احد سواها: لكن محدش فيكم لاحظ انكم بتدورا في بقايا متحطمه، عاوزين ماسه حقيقيه من شويه زجاج متكسر..
اقترب عبد الحميد منها محاولا تجاوز ما شعر به مهزله في اعتقاده و تفكيره الذى يتنافى تماما مع واقع ان تقف امرأه مثلها في حضره رجال ليعلو صوتها حتى و ان كانت محقه فوضع يده على كتفها و هتف بصرامه: جصرى الكلام عاد، جولى موافجه على الجوازه دى و لا لااه؟
دفعت يده عن كتفها بحركه جعلت ليلى تشهق و اعين الجميع تنتفض بصدمه و هتفت به: و انت مين علشان تقولى اسكت او لأ؟ مين انت علشان تاخد موافقتى او رفضى؟ تبقى مين بالنسبه ليا علشان تفرض عليا اقول ايه و اسكت عن ايه؟
نظر اليها بغضب و في فوره غضبه رفع يده و كادت تسقط على وجنتها و لكن لم تصل، تقدم عاصم ليقف بجوارها و فعل المثل اكرم ليقف بجوارها من الجهه الاخرى و لكن كلاهما التفت اليها بتعجب عندما سبقت كلاهما يدها و التى اوقفت يد جدها و هى تصرخ و ما كان بها من ضعف سابقا اضحى قوه لن يستطيع احد كتمها او التحكم بها: انا لا يمكن اسمح لاى حد كان انه يدفنى تانى، لا انت و لا غيرك، لانى دلوقت بس فهمت ازاى اكون بنت ماجد الالفى و انى لو عاوزه هقدر استحق لقب حرم عاصم الحصرى..
لم تحيد بعينها عن عينه التى اشتعلت غضبا بينما لم تحيد اعين الجميع عنها بدهشه كبيره و خاصه من رأوا ما حدث لها من نجلاء في اللقاء الاول و كيف احتمت بعاصم هروبا و خوفا منهم اما الان، فيبدوا ان من عليه الخوف هم و ليس هى...
دفعت يده مبتعده خطوه للخلف و لم يشعر عاصم و اكرم ان وجودهم بجوارها يشكل فارق الان، فجنه وقفت، وقفت بمفردها و لم يرف لها جفن، لم تتردد او تتزعزع بل واجهت و بمفردها، تراجع كلاهما و نظرا كلا منهما للاخر بابتسامه مدركين ان الان حان وقت جنه للتحدث، حان وقت القوه و على ما يبدو لقد زال الضعف..
نظر عبد الحميد لها ثم نظر لمن حولها لعل احدهم يثنيها او يعاقبها عما فعلت و لكن لم يتحرك احد فانسحب غضبا تملك منه و خرج من المنزل مسرعا، و لان الامر لا يتحمل الكثير انسحب الحضور و لم يبقى سوا العائله. ظلت جنه صامته و هى واقفه مكانها فاقترب عاصم منها و رفع وجهها اليه متحدثا بقوه يدفعها لها دفعا: احكى كل اللى جواكِ، قولى كل حاجه وجعاكِ، احكى يا جنه انا سامعك، و هفضل اسمعك..
فاضت دموعها مع اهتزاز شفتاها لتغلق عينها جالسه مكانها ارضا بحركه مفاجئه جعلت حنين تشهق و همت باقتراب منها و لكن اكرم اوقفها، تاركين اياها تُخرج كل ما يعتل بصدرها لعل جروحها تلتئم و لعل خوفها يتبدد و آلامها تتبعثر، فكل من صمت يوما له حق بالانفجار فما بالها صمتت طوال عمرها،.
انخفض عاصم على ركبتيه امامها و حاوط وجهها بكفيه رافعا وجهها اليه و عيناه حاوطتها بأشعه مطمأنه و اردف مجددا مشيرا على صدرها موضع قلبها: افتحى لقلبك باب نور.. نظرت لوجهه قليلا ثم رفعت يدها و وضعتها على وجنته تُصرح بصوت مذبوح: انا شوفت فيك كل اهلى، بابا و ماما و اكرم... ثم ابعدت يدها عنه و صوتها يختفى تدريجيا: بس كمان شوفت فيك كوثر..
ضمت يدها لصدرها و حياتها تمر امامها بالتفاصيل التى ارهقتها سابقا و باتت تدمرها الان: انت فاهم يعنى ايه اخسر اهلى و ابقى لوحدى، فاهم يعنى ايه نفسى اقول كلمه ماما بس مش عارفه، عارف يعنى ايه اشوف بابا بيموت قدام عنيا و هو بيحضنى علشان اعيش..
اخذت انفاسها بصعوبه و هى تضع يدها على عنقها و دموعها تغرق وجهها و عيناها تغيم في قسوه الماضى و ما عانته و اردفت بصوت ضائع مشتت و وجع اتلف روحها: اول ما فوقت يوم الحادثه كوثر قالتلى انتِ السبب، قالتلى انتِ اللى قتلتيه، مامتك ماتت بسببك و باباكِ انتِ قتلتيه.. رفعت عينها له و همست و عنيها تتطالعه بلهفه و صوتها يستنكر بضعف و ألم حارق: انا كان عندى عشر سنين يا عاصم، عشر سنين بس!
وضعت يدها على فمها لتدخل في نوبه بكاء حاده و عاصم امامها لم يتحمل و سقط عن ركبتيه جالسا ارضا و هو يتمزق لاجلها و لكن يكفى فلتُخرج ما يؤلمها، فالتواجه نفسها به حتى تستطيع مواجهه الالم.. جلس اكرم على الاريكه و هو يلوم نفسه كثيرا، ليته لم يبعد، ليته ظل بجوارها، ليته استطاع حمايتها و مداوه وجعها، ليته استطاع ان يكون اخ كما يجب، هو لا يستحق هذا حتى..
رفعت عينها التى فقدت كل ملامح الحياه لتتوه في متاهات القسوه و الصراع التى عانت منه بداخلها سنين و ليست بقليله امسكت يده و هى تجاهد لتتحدث حتى استطاعت بصوت متقطع: كان نفسى في حضن بس وقتها، كان نفسى حد يطمنى و يقولى انا جنبك، كان نفسى حد يمسح دموعى و يقولى كل حاجه هتبقى تمام..!
ثم تركت يده و صرخت بحرقه و صوتها به نبره ممزقه: بس ملقتش يا عاصم، ملقتش غير اتهام كوثر ليا و سخريه بناتها منى، ملقتش غير فراغ ملى حياتى و قتل قلبى... اشارت لاعلى و صاحت باستنكار: فاهم يعنى ايه كنت اقعد ليا نهار ادعى ربنا يحن عليا و ياخدنى؟! فاهم يعنى ايه اتكلم مع صورتهم كأنهم قدامى و اشتكيلهم؟! ثم ضحكت وسط دموعها لتهتف تردد: و انا عندى عشر سنين.
و صمتت تذهب بجسدها للامام و الخلف و دموعها تتساقط بلا صوت و انتفاضه جسدها تزداد حتى لم تعد مها تتمل فاحتضنتها لتتعالى شهقاتها و صراخها بكل وجه اضنى روحها، و بكل اشتياق قتلها، و بكل اتهام مزق طفولتها حتى ابتعدت جنه عنهما و نظرت لحنين التى اقتربت منها تمسد ظهرها بحزن و اردفت تخبرها عن اقصى امنيات طفولتها: كان نفسى اضحك و العب مقدرتش، كان نفسى الاقى حد يسرح شعرى و يعملى ضفيره و مقلتش، كان نفسى اصحى الصبح على صوت ماما او دلع بابا بس مكنش حد جنبى، كان نفسى اشاغب و مروحش المدرسه و ادلع عليهم...!
ثم انفجرت باكيه و بضياع صرخت: بس حتى المدرسه اتحرمت منها، يعنى مش كفايه طفولتى لا كمان حتى تعليمى اتحرمت منه،.
ضمتها مها بقوه مجددا تخفى وجهها بصدرها، بينما لم تستطع حنين التماسك لتبتعد، اخذت مها تنتفض مع جنه و هى تفقد نفسها رويدا رويدا، ، ابتعدت عن مها و اردفت متسائله و هى لا تعرف الاجابه، لا ترعف الصواب و الخطأ: كان شعور ايه هيفضل معايا غير الخوف يا مها؟ احساس ايه كان هيلازمنى غير الضعف و العجز؟ و فعل ايه اللى كنت هعمله غير الهروب و الاستسلام؟
نظرت لعاصم الذى ادمعت عيناه و هو ينظر لها بذهول و قلبه يكاد يفارق صدره ألما نقل نظره لمها باشاره منه لتبتعد، فطاوعته و عادت للخلف و لكن عينها وقعت على اكرم الذى كان في حاله يرثى لها، دموعه تتراقص على رموشه السفليه، عيناه شاحبه و ملامحه تقفد الحياه تدريجيا و هو ينظر لجنه بأسف و ندم كاد يفتك به، شعرت بقلبها يفارقها و للحظه مجنونه شعرت بنفسها تكاد تركض له لتحتضنه، يدها تهفو للربت على كتفه و عيناها تهفو لتمنحه الدعم و لكنه لم يكن واعٍ سوى لتلك المتمزقه امامه...
رفعت جنه عينها بضعف لتسقط دموعها متتاليه و تلاقت بعين عاصم الذى مال برأسه غير قادرا على التفوه بكلمه واحده يزم شفتيه بقوه فقط يمنحها نظراته التى ربما تساعدها لتصمد..
ابتسمت و هى تبكى لتهمس بعدها باستسلام: انا معرفش يعنى ايه طفوله يا عاصم، ملقتش حد يلعب معايا، ملقتش حد لما اعيط يحضنى، ملقتش حد لما اتعب يسهر جنبى، مكنش عندى عروسه لعبه و لا بسمع افلام كرتون، و اللعب اللى بابا اشتراها ليا لما كان عايش كوثر حرقتها و كسرتها قدامى، كان عندى 11 سنه و بتطبخ، اغسل، انضف، اكوى، امسح و اشتغل طول اليوم لحد ما انام من التعب، كنت بتفرج على بنات كوثر و هما بيذاكروا و اسرق كتبهم بالليل احاول اقراها و طبعا مكنتش بفهم غير القليل، كنت براقب العيال الصبح و هما رايحين المدارس من شباك اوضتى و اتمنى ابقى مكانهم، كنت بتابع اعلانات هدوم الاطفال و لعبهم و اتمنى البس و العب زيهم..
اختنق صوتها و انهت و هى تجاهد للتتنفس: جنه ماتت يوم ما بابا مات يا عاصم. شهقت بقوه و هى تضم جسدها بيدها و ذكريات وفاه والدها تحرق ذكرياتها الاخرى لينتفض جسدها بعنف و تفتح فمها تحاول التقاط انفاسها و لكن لم تستطع، فزع عاصم و انتفض ممسكا بكتفها صارخا: حد يجيب مايه بسرعه..
مسح عاصم جانب فمه و انفاسه تضطرب بشكل لا ينم عن خير ابدا ثم رفع يده يشد على خصلاته و يده تتحرك بارتباك على وجهه غير مدركا لم يجب عليه فعله، كانت نهال تستند على يد محمد و دموعها تنهمر و هى تشعر بتقصيرها في حق شقيقتها و ابنتها و ربما لو بحثت عنها لاستطاعت تعويضها و ليلى لم تكن بحال افضل بل كانت في حاله انهيار و عز يحاول جاهدا جعلها تتماسك، بينما امين كل كلمه منها جعلته يتوعد نجلاء اسوء عقاب و اشد عذاب عما لاقته تلك الطفله بسبب لعبتها الحقيره في الماضى.
امسك عاصم يدها ليتركها اكرم و ساعدها على شرب قليل من الماء حتى هدأت قليلا و لكنها لم تعتق نفسها و اصرت على اكمال ما بداخلها رغم انه جزء ضئيل جدا مما عايشته فمهما وصفت و مهما قالت، من لا يعيش الامر لا يدرك وجعه.!
تعلقت عينها بعين عاصم قليلا قبل ان تبتسم بهدوء و ضعف تشرح له اسبابها، توضح نفسها و تخبره عجزها و الذى لم يفهمه ابدا: مكنش في حياتى حد زيك، لا اتعودت اواجه و لا حد قالى واجهى، حتى داده زهره كانت بتخلينى اسمع كلام كوثر و استسلم علشان متعاقبش و ما ادراك ما العقاب..!؟!
اخذت نفسا عميقا و اردفت بتذكر: و عشت عشر سنين من عمرى كده لحد يوم المؤتمر و قلم كوثر اللى فوقنى، شويه، و يمكن جواب ماما اللى قرأته قبلها هو اللى دفعنى ان اهرب منها، ، امسكت يده ضاغطه عليها بقوه كأنها تستمد منه ما تحتاجه من قوه و بالوقت ذاته تعاقبه، تجلده و سياطها قاسيه: و جيت هنا، كمربيه.!
نظرت لليلى المنهاره في البكاء و تماسكت لتنهض واقفه و اقتربت منها، جلست على ركبتيها امام وجهها ثم احتضنتها تحاوطها بيديها لضغيرتين ليصدع صوت ليلى عاليا فهمست جنه و دموعها تنهمر بقوه: متعيطيش، انتِ كنتِ السبب في انى ابدأ حياه جديده، كنتِ المساعده اللى ربنا عوضنى بيها.. ضمتها ليلى باعتذار، ندم و ألم و تحدثت و صوتها مختنق بالدموع: انا اسفه و الله، انا اسفه.
ظلت جنه بين يديها قليلا ثم ابتعدت عنها و وضعت يدها على وجهها تُزيل دموعها و هى ترد بامتنان: انا لازم اشكرك.. التفتت بعدها لعاصم مره اخرى لتجد عيناه تفيض بحنان ملئ روحها فاقتربت منه و جلست امامه مجددا تردف و ما بقى من الكلام كثير و ما بقى من مشاعرها اكثر: كنت بخاف منك جدا، و كان كل هدفى ابعد عنك، كنت حاسه انى وقعت في ايد كوثر تانيه بس اقوى و اصعب و هتوجعنى اكثر، انت اللى كنت بتبعدنى عنك يا عاصم..
انهمرت دموعها اكثر و هى توجه له الان اتهام اهلك قلبه و احرق روحه اضعاف ما يعانيه الان: كنت بتزعق فيا، كل حاجه اوامر، اول ما شفتنى طردتنى، كنت السبب في دموعى دايما، قطعت رساله بابا و كسرت برواز صورتهم، ...
اختنق صوتها بدموعها و هتفت بلوم صارم و متألم: اجبرتنى اعيش احساس موتهم مره تانيه، حسستنى ان مليش ظهر و انى بفقد اعز ما املك تانى، كنت موجوعه مره و انت خلتهم مرتين، ، صمتت لحظه ثم هتفت باستسلام: كرهتك.. لتبكى بحرقه و هى تصيح بضعف نفسها، روحها او قلبها لم يعد يفرق: كرهتك بس غصب عنى حبيتك، كنت ببخاف منك بس بطمن جنبك، كنت بتمنى تختفى من حياتى بس كنت برتاح لما بشوفك..
انتفض جسده و سرت رعشه غريبه بأطرافه و هو يتجمد تحت كلماتها كأنها تضربه بسوط آلامها بدون رحمه، و اى رحمه و هو لا يستحق، اردفت هى و روحها تكاد تفارقها: كنت يوم بتضحك و تطمنى و أيام تعيشنى في رعب، دائما تظهر قوتك اللى كانت بتحسسنى بضعفى، كنت دائما واقف قدامى لحد ما اتعودت اقف وراك، لقيت فيك السند، الظهر و القوه اللى لو خسرتهم في يوم هتكسر تانى..
شهقت عده مرات متتاليه و دموعها تتساقط بوجع احاط صوتها ليخرج مهزوزا مع انتفاضه جسدها: خفت من حبى و تعلقى بيك، خفت اخسرك و اخسر نفسى، خفت من فكره ان كل اللى بيحبنى بيبعد عنى... صمتت لحظه لتسقط عينها المرتعبه بظلام عينيه المتألمه و همست بعجز: خفت ابقى لوحدى تانى، خوفت افرح يا عاصم.!
اقترب ليمسك يدها و لكنها سحبتها فورا و نهضت واقفه صارخه بنبره ذبيحه مزقت قلبه: محدش فيكم عرف جنه، محدش فهمنى و لا حس بوجعى، كلكم كنتم شايفينها تفاهات، شايفين انى بتدلع او بتقل بس و الله العظيم كان غصب عنى، انا عندى هاجس خوف مقدرتش اتخلص منه، كنت خايفه و محتاجه لحد يطمنى...
اخذت انفاسها التى اختفت تقريبا و عينها تغيم بضبابات ربما تنقذها من هول ما تعيش من سوء ذكرياتها الان ثم ادرفت باتهام واضح و صريح زعزع نفسه و اهلكها: انت مقدرتش تحب جنه الضعيفه و دورت فيها على القوه، انت فكرت في كرامتك و كبريائك و اتجاهلت خوفى و ضعفى، دورت دائما على جنه حرم النقيب عاصم الحصرى بس و لما مره حاولت تطمن جنه ماجد الالفى، حبتنى انا متأكده بس مستوعبتش عجزى، مكنتش مقتنع و لا هتقتنع انك غلط، ليه لان عاصم الحصرى مابيغلطش، عاصم الحصرى مابيعتذرش، كل حاجه عاصم الحصرى و بس..
تقدمت اليه مسرعه و هى تحرك يدها بعشوائيه متسائله تجعله يشعر و لو بذره مما عاشت عمرها فيه: فاكر يوم ما كوثر جات هنا و استغلت ضعفك، فاكر احساسك بالعجز وقتها عمل فيك ايه؟ فاكر كسرتك و عدم قدرتك على انك تدى اى رد فعل؟
اشارت على صدرها تضربه بعنف قبضه يدها تصرخ و تصرخ بوجع و نبره متهدجه: انا بقى كنت عايشه بالاحساس ده عشر سنين يا عاصم، فاهم يعنى ايه عشر سنين؟ يعنى انت متحملتش يوم و سافرت علشان تسترد قوتك و تمحى عجزك بس انا مكنش عندى الفرصه دى حتى..
نقلت بصرها بينه هو و اكرم و تحدثت و لكن اختفى صوتها ليخرج مبحوحا و لكنها لم تصمت و ادرفت مع اهتزاز نبرتها و دموعها المستمره: محدش فيكم فهمنى و لو مره، محدش فهم انى مكنتش محتاجه نصايح و لا تحكمات، انا كنت خايفه و محتاجه حد يطمنى، يمكن كان بالنسبه لكم تفاهه بس كان بالنسبه لى كابوس مش قادره اصحى منه..
اتجهت لعاصم و وقفت امامه لتلجأ اليه بابريقها العسلى برجاء خالص و امسكت يده و هو مستسلم لها بالكامل رفعتها لتمسح دموعها بيده و هتفت بأسى: كنت محتاجه انك ترفع ايدك تمسح دموعى و تقولى انك مش قادر تتحملها، ، تركت يده لتحتضنه بقوه تضيف بتوسل: كنت محتاجه انك تحضنى و تقولى انا معاكِ اطمنى، ،.
ابتعدت عنه و امسكت بياقه قميصه تجذبه و هى تصرخ و صوتها يتهدج ببكائها: كنت محتاجه انك تفهم ضعفى مش تظهر قوتك، انا كنت محتاجه ليك.. دفعته و نظرت اليه بأسف و عينها تُغلق و كتفاها يتدهلا بحسره كانت النهايه لروحه التى ابادتها كليا عندما همست بخيبه امل: بس انت مكنتش جنبى يا عاصم، مكنتش جنبى.
فتحت عينها لتُرسل اسهم اتهام لاكرم ايضا متذكره ما فعله بها في المشفى و بعدها حتى و ان كان محقا و هتفت بألم و هى تشير باصبعها على كلاهما: محدش كان جنبى كله هاجمنى، محدش حس قد ايه انا بتألم و انا بقتل نفسى بنفسى، قد ايه بتعذب و انا بحرم نفسى منك و من حبك و قربك، يمكن كنت باجى عليك بس كنت بدوس على نفسى قبلك.
عادت بنظرها لاكرم تمنحه حصته من وجعها ساخره: كنت بتعاقبنى و بتاخد حق عاصم منى يا اكرم، بس انا مكنش حد شايف فين حقى! تراخى جسدها و اسبلت جفنيها بضعف فاقترب عاصم مسرعا يسندها لصدره فألقت برأسها عليه و همست بضعف و ملامحها تشحب بشده و ما بات لديها قدره: كان نفسى حد يحس بيا يا عاصم، كان نفسى احب نفسى علشان اصدق ان انت حبتنى، كان نفسى اطمن.!
فتحت عينها ناظره اليه و ارتجف ذقنها و شفتاها و هى تهمس باكيه: يوم ما كوثر خطفتنى و كنت هخسر حياتى و شرفى مكنتش خايفه على نفسى قد ما كنت خايفه عليك، خفت كوثر تقدر تكسرك بيا، خفت تلطخ شرفك و تحنى رأسك بيا، خفت ابقى سبب في عجزك او ضعفك و خزيك بعد كده، خفت عليك بس انت سبتنى يومها و بعدت يا عاصم و متقولش علشانى انت بعدت علشان نفسك، كسرتنى و انا مكنتش حمل كسر جديد.
ضمها بقوه لتشهق باكيه و هى تتمسك به بينما هو دفن وجهه بثيابها لتتساقط دموعه بين طيات حجابها لم يراها و لم يشعر بها احد سواها فازداد تمسكها به حتى رفع رأسه و نظر لوجهها و هو يحاوطه بكفيه: انا كنت مغفل، مقدرتش افهمك او افهم وجعك، اذيتك و ربنا عاقبنى، انا بحمد ربنا انى فقدت بصرى و الا كان ممكن اخسرك انتِ، انا مش بس غلطت، انا مذنب بحقك..
احنى رأسه امامها و هتف بندم خالص و توسل يرجو عفوها: انا اسف على كل حاجه عملتها و وجعتك، اسف انى مقدرتش اقف جنبك، انى مكنتش العون و السند اللى انتِ محتجاهم، اسف انى ساعدتك بوجهه نظرى لكن مفهمتش وجهه نظرك، اسف على كل كلمه اندفعت و قولتها، اسف على كل مره احتجتينى و مكنتش معاكِ، اسف انى فكرت في وجعى و نسيت وجعك، اسف و لو قولتها من هنا لاخر عمرى مش هتكفى..
ثم اضاف بجديه مفرطه و حزم قاطع و بات متيقن من ان ما تحمله من قوه كانت بقدر المها و ضعفها اقوى منه: انتِ عمرك ما كنتِ ضعيفه، اللى تتحمل كل اللى جواكِ دا اقوى من اى حد، اقوى منى و من عشر رجاله زيى..
انهمرت دموعها و هى لا تصدق ما تسمعه اذنها و لم يكن هذا حالها بمفردها و لكن كل الحضور تعجبوا عاصم فهو لم يكن يحنى راسه امام احد و لم يكن يعتذر و بفضل هذا تعرض لمحاكمه عسكريه من قبل، و لكن الان لم يفكر فمن امامه ليست مجرد زوجه بل هى كل ما يملك.. يقولون العشق معضله، صدقوا، و لكن ان اجتمعت دقات القلب و اندمجت الانفاس ف لكل معضله حل.. ستظل دقاتها تتراقص و سيظل قلبه يعزف لها لحنا لا يليق سوى بعاصم و جنته!
استعادت قوتها الجديده و كأنه رواها بها مجددا و همست بجوار اذنه: مش ببساطه كده يا سياده النقيب.
ابعدها عنه مسرعا، يصيح و لم يجد بها ضعف، خنوع او ذل لعزه نفسه و هو ينظر لعينها بعشق و بنبره مشبعه بخالص عشقه لها: معاكِ حق، طيب تسمحيلى بفرصه تانيه اعوضك بيها عن كل اللى فات من حياتنا، لما احس بضعف جوه حضنك استخبى، احكى و اشتكى و من قوتك استقوى، تسمحيلى احبك و انسى عمرى كله بين ايديكِ، اسعدك و يمكن اكون طمعان فيكِ علشان سعادتى، اتجوزك و امسك ايدكِ لحد ما شعرى يشيب، تسمحيلى اشوف ولادى نسخه منك، من حنانك، من قوتك و حتى ضعفك!
ثم سألها بترجى منتظرا الاجابه بلهفه: تقبلى تتجوزينى و تشاركينى باقى حياتى يا جنه؟ تقبلى بالراجل العصبى، الغضبان و الهمجى دا زوج ليكِ؟ نظرت لعينه قليلا و سرعان ما ارتسمت ابتسامه سعاده على شفتيها لتنير وجهها باشراقه و يبرق ابريقها العسلى بفيض عشقها له مجددا ظل يحاصرها بأسهمه التى استعادت هى الاخرى شغبه، شغفه و اصراره و الاجمل انها اخيرا اعترفت بحبه و هتفت بضحكه عاليه: موافقه..
ضحك الجميع فانتبهت لنفسها و تراجعت عنه قليلا و هتفت في محاوله لاصلاح ما خربته بموافقتها السريعه هذه: سيبنى افكر. جذبها من يدها ليضمها فوضع اكرم يده على كتف عاصم قائلا بسخط يمزح: كانت بتعيط و زعلانه فسكتنا لكن مش كل شويه احضان كده مينفعش، عيب، صدقنى عيب. ضحك الجميع مره اخرى و ازاح عاصم يد اكرم يرمق مها خلفه بنظره ثم عاد بصره لاكرم هاتفا بمشاغبه: انا لسه موافقتش على فكره، و ليك يوم..
دفع اكرم جنه لعاصم حتى اصطدمت بصدره هاتفا بمرح و هو يرمق مها بنظره جانبيه: احضنها براحتك يا اخى دى مراتك اصلا و انت حر، ، ثم مال عليه هامسا بخبث: هتوافق امتى بقى؟ ضحك عاصم بينما جنه تتابعهم باستغراب ثم قربت رأسها منهم هامسه معهم بخفوت: فيه ايه؟ همس عاصم في اذنها بعيدا عن مسمع اكرم: بحبك.
احمرت وجنتها بخجل و ابتعدت عنه و لكنه امسك يدها مقربا اياها منه و لكنها دفعته عنها هاتفه بحزم: احنا يعتبر مطلقين يا سياده النقيب، عدتى لسه منتهتش اه بس انت لسه مردتنيش لعصمتك! ابتسم بخبث ناظرا اليها بابتسامه لم تفهم معناها و لكن سرعان ما ادركت مقصدها و هتفت بعدم تصديق بائس: تانى، غصب تانى! ضحك بصوت عالى و الجميع يراقبهم بسعاده حتى حرك كتفه هاتفا ببراءه: اللى فيه طبع!
وضعت يدها على وجنتها متسائله بحسره و هى تنطق اسمه بغيظ واضح تجز على اسنانها بقوه: ردتنى لعصمتك امتى يا سياده النقيب؟ اتسعت ابتسامته يصمت لحظه ثم اجابها: يوم ما سافرت. شددت قبضتها صارخه بغضب منه: يعنى انا كنت بعد في الايام و الاسابيع و اقول عدتى هتخلص، و احسب و انا خايفه و انا مش مطلقه اصلا! اومأ برأسه و هو يجاهد ليكتم ضحكته حتى صرخت غاضبه و تحركت من امامه مسرعه للاعلى و صعدت البنات ركضا خلفها، ,.
اختفت ابتسامته و ظل يتابعها و قلبه يتألم اشد الالم لاجل ما عانته ثم نظر لاكرم لتحتد عين كلاهما ثم نظر لوالده و جده هاتفا بنبره لا تقبل النقاش و قد عاد للقرصان الاول سطوته و عضبه: و رب الكعبه ما هرحمها، نجلاء الحصرى هتموت على ايدى. هتفت ليلي بخوف: الله يكرمك يا عاصم اقفل الموضوع ده..
صرخ عاصم بغضب حارق، فخلف ابتسامته وخلف طمأنته روح تشتعل لن يطفأها اى شئ كان سوى اذلال تلك نجلاء : انت ماسمعتيش جنه غالبا يا ماما، كل اللى حصل لها بسبب نجلاء هانم، خروج خالى و مراته من وسط العيله بسببها، غضبى من كوثر مقدرتش افرغه فهيبقى من نصيب نجلاء هانم..
اخذ عز نفسا عميقا و قال محاولا امتصاص غضب عاصم و في الوقت ذاته منع تهوره: انت معاك حق بس مينفعش نتصرف الا و في ايدينا ادله ضدها اكيد وراها حاجه كده او كده تسجنها.. اقترب اكرم قائلا بتفكير: جوزها قصجى طليقها لازم ينزل مصر، انا متأكد انه معاه الورقه التايهه عننا.. صمت عاصم قليلا ثم ابتسم بخبث يجيبه بتوعد: و انا عندى فكره. نظر اليه الجميع فنظر لاكرم يوضح ما جال بفكره: قال لمها انا هنزل على فرحك!
نظر الجميع اليه بتعجب و ترجمه عز فورا: و احنا هنجوز مها من غير عريس يا عاصم؟ ابتسم اكرم مدركا ما يُلمح اليه عاصم و لكن لم يروقه كثيرا فاعترض يمنعه الجموح بأفكاره: انا مش هتجوز مها لسبب يا عاصم غير لانى بحبها و عاوزها شريكه حياتى.
ربت عاصم على كتفه هاتفا بتقدير متدارك: انا متأكد من ده، و انا مش بقول كده علشان تستغلها انا بقول كده علشان اضرب عصفورين بحجر واحد، الاول انك تتجوزها و نستركم في بيت بقى، و التانى انى اعجل بنزول الراجل ده بدل ما امشى في الموضوع بدماغى و اخربها. رفع امين يده مقاطعا بتعجب: دجيجه دجيجه، مين رايد يتجوز مها؟ وقف اكرم شامخا و هتف بقوه محاولا اخفاء حرجه: انا.
ضرب امين بعصاه الارض و هتف بقوه: و مين جالك انى هوافج على الجوازه دى! ابتلع اكرم ريقه بصعوبه و هو يطالع وجه امين الجاد حتى ابتسم امين قائلا و قد كان يمازحه او ربما يوقف قلبه: الاصول اصول يا ولدى و لازمن تطلبها من كبيرها مش اخوها!
ابتسم اكرم شاعرا بنفسه كشاب في الثانويه و قد وافق والده على قصه حبه العابثه، ربت عاصم على كتف اكرم مصرحا: معاك اسبوع تظبط الموضوع ده، علشان نتفق على الفرح او على الاقل كتب كتاب و كده نكسب وقت و في نفس الوقت منضيعش وقت، تمام؟ ثم شرد ببصره متذكرا مسأله سياده اللواء و التى لم يستطع اخبار اكرم عنها ففى النهايه الموضوع متعلق بمقتل ابيه و اضاف بحده: و انا في الاسبوع ده عندى شغل ضرورى لازم يخلص..
يا ليتنى يوما اعود لقلبها، يا ليتها يوما تعود لحبها، يا ليتنى، يا ليتها، و هل عبارات التمنى سوف تأتينى بها..! فلقد اضعت بقسوتى حبا نقيا كان في الافااق طيرا كان فجرا كان طهرا كان في ماضىّ نورا تاه منى و انتهى.. اقتباس.
استعدت هبه للنوم و جلست على الفراش لتقرأ رسالته المسائيه و لكنه لم يمنحها الفرصه اذ وجدت باب الغرفه يُفتح و هو يدلف ليغلقه خلفه، وضعت الرساله جانبا و اعتدلت جالسه اقترب منها جالسا امامها و صمت قليلا وهى تنظر اليه تنتظر ما سيقول، و لكنه لم يقل شيئا و لكن يده امتدت لتحتضن كفها حاولت جذب يدها و لكنه لم يتركها و تحدث بأسى: انا مش قادر اتحمل اكتر من كده، مش قادر اتحمل بعدك عنى يا هبه، كفايه لحد كده انا بجد تعبت.
ابتسمت بسخريه و هى تغرقه بامواجها الهادره محركه رأسها بتتابع مع كلماتها الحاسمه: و انا مش قادره انسى، مش قادره اسامحك، مش قادره اتجاوز اللى خلتنى اعيشه يا معتز، انا كمان بقول كفايه، انا كمان تعبت، فا وفر تعبى و تعبك و ننفصل بهدوء بقى.
انتفض واقفا صارخا بغضب: لسه بتقولى ننفصل، ، ثم امسك كتفيها موقفا اياها امامه هاتفا بوجع: يا هبه انا محتاج ليكِ جنبى، بشتغل و بقتل نفسى شغل بس مش قادر انشغل عن التفكير فيكِ، قلبى و عقلى مشغولين بيكِ، تعبتِ روحى و مبقتش قادر.. عقدت ذراعيها امام صدرها و صرحت بثبات: و انا مش هكمل في علاقه انا متأكده انها هتفشل، انا مبقتش عاوزاك معايا و مبقتش مؤمنه بجوازنا، قصتنا انتهت يا معتز، لحد هنا و انتهت.
حاوط وجهها بلهفه و عينه تتوسل عينها لتشعر به و تمتم بألم صدر عن قلبه و روحه المرهقه: انا مستعد اعمل اى حاجه علشان تسامحينى، قوليلى عاوزه ايه و انا هعمله فورا، بس سامحينى! نظرت اليه قليلا ثم اقتربت منه خطوه و وجهت امواجها الهائجه بسواد عينيه الهادئ و بتسائل ماكر تكلمت: اى حاجه؟ تشبث بخيط الامل التى منحته اياه و وافق مسرعا و بلهفه: اى حاجه و كل حاجه، انتِ بس اطلبى.
رفعت يدها و وضعتها على قلبها لتسرد له طلباتها بخفوت و نبره تعانى: رجع لقلبى فرحته، ابنى ثقتك جوايا، ارحم عقلى من التفكير، امحى وجعى اللى بشوفه قدامى كل اما اشوفك، رجع لهفتى بنظرتك، ضحكتك، هزارك و حبك ليا، دور معايا على هبه القديمه اللى انت قتلتها بايدك، ساعدنى اشوف فيك معتز اللى انا حبيته مش معتز اللى كسرنى.
نظر لعينها التى غرقت بأمواجها لتنهمر دموعها على وجنتها و هى تردف تخبره بمدى صعوبه نسيانها، تخبره انه فعل ما اعجزها عن مسامحته و قالتها من قبل ان خيرها ما بين قلبها و بين كرامتها ستسحقه دون رحمه: امحى من عقلى النظره اللى شوفتها في عينك يوم ما شوفتها، امحى من قلبى احساسى بروحى بتتسحب منى يوم ما دخلت عليا و ايدك في ايدها، امحى الوجع اللى عانيته و انا بحاول اكسبك منها، امحى احساسى بالذل و انا بدوس على كرامتى علشان مش قادره اسيبك على غفلتك و استسلامك، امحى شعورى بالحرق حيه و انا بشوف غيرى بتشاركنى فيك.
ارتد للخلف خطوه و عينه تغيم في بحار يبدو انه لا قابليه له للخروج منها فالغرق فيها محتم بينما اقتربت منه هى هذه الخطوه لتواجه عيناه مجددا تصرح عما فعلته لتخبره انها لم تقصر في حقه سواء سابقا او بعد ان مزقها فما الذى ينتظره منها اكثر: انا كنت بتوسل حبك، كنت بحاول ابنى لنفسى مكان في قلبك، بس انت هدمته و مش من قلبك بس، انت هدمت قلبى باللى فيه.
اختنق صوتها و ازداد انهمار دموعها و تسائلت بحسره: انت عارف انا حسيت بايه لما رددت اسمها لما كنت تعبان!، عارف قلبى اتحرق ازاى لما اتصطدمت و عينك لمعت بحبك ليها اول ما شفتها معاك؟، ، ثم هتفت باستنكار متألم: انت بصيت لها بصه عمرك ما بصتها ليا يا معتز، نظرتك ليها عمرى ما شوفتها ليا، نظرتك قتلتنى! صمتت قليلا رافعه اصبعها امام وجهه هاتفه: جوايا اسئله كتير قوى و نفسى اعرف اجابتها!؟
دفعت كتفه بغضب و صاحت بوجع: لما انت بتحب غيرى اتجوزتنى ليه؟، لما في حد تانى في حياتك بتدخلنى حياتك ليه؟، لما انت بتحن لها و دائما في تفكيرك بتشغلنى بيك ليه، لما انت مقفلتش الصفحه القديمه بتفتح جديده ليه؟ استمرت بدفعه و هى تصرخ بحرقه غاضبه و لكن خلف الغضب وجع اهلك روحها، وجع اخفته كثيرا و لكن لم يعد باستطاعتها التحمل...
نظر لعينها بندم و اسف و همس باعتذار و لم يعد بمقدروه غير اسف ربنا تتقبله يوما ما: غلطت يا هبه، كالعاده استسلمت و غلطت، بس انتِ عارفه انى حبيتك، انا كنت بحس بتأنيب ضمير ناحيتها و دا اللى خلانى اتجوزها، انا.. قاطعته تصرخ بوجهه: انت مش شايف غير نفسك، عقده الاهمال اللى امك زرعتها و والدك رباها جواك خلتك مش شايف غير نفسك، المهم محدش يأذيك لكن انت تأذى عادى..
عقد حاجبيه و هو يشعر بكلماتها كجمرات تحرقه حرقا و لكنها لم تتوقف و اشارت اليه باصبع اتهام لتقذف بكلماتها دون ان تأبه لما يشعر به: انت اتجوزتها علشان خوفت تخسرنى فقولت قبل ما اكسرك تكسرنى، اتجوزتها علشان ثتبت ليا و لنفسك و للكل ان معتز محدش بيلوى ذراعه و انه لما بيعوز حاجه بيعملها و ان مفيش حاجه ممكن تقف قدامه حتى لو حبه لمراته او حبها ليه، اتجوزتها علشان تقول لنفسك انا متاح ليا الاختيار و اقدر اختار اللى انا عاوزه، انت اتجوزتها علشان ترضى غرورك و تقوى نفسك.
ظل يتابع ملامح وجهها المهاجمه و ابتسم ابتسامه جانبيه، هى ليست مخطئه و لكن الحقيقه تؤلم، تؤلم اشد الالم.. انهت كلماتها بقسوه مشبعه بغضبها و حزنها و لوعه قلبها: انت اتجوزتها علشان عارف و متأكد انى بحبك و مش هتخلى عنك، علشان واثق من وجودى جنبك.
صمتت لحظات ثم نظرت اليه و اشارت على قلبها و صرحت بغضب من نفسها اولا ثم منه: و انا فعلا بحبك، كتبت قلبى باسمك، حفظتك جواه و قفلت عليك، لا قبلك و لا بعدك، بس اذا كان قلبى مش كفايه، انا همحى اسمك منه يا معتز، همحيك من قلبى، من عقلى و من حياتى كلها، لا احساسك بيا كفايه و لا حبك ليا كفايه، و انا مش هرضى بالقليل يا معتز،.
اقتربت خطوه منه تنظر لعمق عينيه بقوه و هتفت منهيه كلامها: بحبك اه بس الغالى مش هيرخصلك يا معتز، و انا قلبى غالى قوى، غالى قوى عليك. جاءت لتخرج و لكنه امسك يدها موقفا اياها و هو يتمتم بابتسامه و قد فضح سرها الصغير: وانتِ مغلطيش؟! التفت اليه ناظره بضيق فهى مازالت تكتوى بنار خطأها و اخفاء امر حملها عنه، مازالت تعانى من اخفاءها و عدم تنفيذ كلام ربها..
جذبها لتقف امامه مجددا و هو يرفع يده ليحاوط وجهها بكلتا يديه متسائلا بحزن و ألم: مغلطيش لما خبيتِ عليا حملك؟ شهقت بعنف مرتده للخلف بعيدا عن مرمى يده و عينها تتسع بصدمه بينما استند هو على الحائط و ملامحه تحكى بالالم الكثير و وجهه ينكمش من وجعه منها و عليها، ، ارتبكت و حركت يدها بحركه متوتره و تسائلت بتلعثم: انت ع...
انتفضت و هى تخفض رأسها ارضا خزيا و ندم، فرفع وجهها اليه و ازال دموعها بهدوء و هو يردف و هو يجد لها آلاف المبررات: عارف انك كنتِ موجوعه، عارف انى اذيتك و وجعت قلبك، بس و الله يا هبه ما عندى اغلى منك، و الله ما عاوز من حياتى كلها غير رضى ربنا و حبك.
مد يده لها و همس بترجى من قلب يعشقها و لا يستطيع بدونها، و نظر لعينها بتوسل من انسان لا يستطيع مهما حدث التفريط بها: امسكِ ايدى علشان نطلب سوا من ربنا يغفر لنا ذنوبنا، علشان يطمن قلوبنا و يساعدنا نعيش، علشان يرحمنا و يهون كل صعب. نظرت ليده قليلا ثم رفعت عينها اليه و ظلت تنظر اليه ثم امسكت يده و وضعتها اسفل بطنها ثم وضعت يدها عليها و همست بتردد و هو تنظر بعمق عينيه الذاهله: ابننا لسه عايش يا معتز.!
اتسعت عينه بصدمه و هو ينقل بصره بين يديه و وجهها ليهمس بتقطع مشتت: اب، ابنن، ابننا، از، ازاى يعنى؟!
انهمرت دموعها و هى تخجل من اخفائها هذا ايضا و لكنها كانت تحاول فقط ان تلقنه درسا يؤلمه مثلما ألمها، كانت تريد ان تجعله يتمسك بها لا بطفلها، كانت تريد ان يقوى بمفرده لانه يريد و ليس لانه سيصبح اب، اجابته بخفوت: لما روحت المستشفى الدكتوره قالتلى ان الضغط و الارهاق اثر عليا و لازمنى راحه بس الجنين بخير، بس انا طلبت منها تخبى عليك و انت اكيد عارف السبب..!
جذب يده ينظر لوجهها بصدمه و تمتم باستنكار: ليه؟ ليه تخبى عليا؟ ليه تحرمينى من الفرحه و تحرقى قلبى باحساس انى كنت السبب في موت ابنى؟ هو دا العقاب يا هبه؟ كده بتاخدى حقك؟ بتاخدى حقك بانك تخلينى اكتوى بنار خساره ابنى و خسارتك! حرك رأسه يمينا و يسارا بعدم تصديق مغمغما: عمرى ما توقعت ان قلبك يقسى بالشكل ده! ازاى قدرتِ تكونى عديمه الرحمه كده، بأى حق تعملى كده؟ بأى حق؟
اخذت تبكى دون كلمه ثم تمتمت بصوت يخنقه الدموع: انت كنت قاتلنى و بتلومنى انى وجعتك، كنت حارق روحى و بتعاتبنى انى حسستك بالالم! و لو انا معنديش حق، فأنت كمان مفيش اى حق يسمحلك انك توجعنى يا معتز.. صفق بيده في انبهار بقوتها التى لا يدرى من اين او كيف اكتسبتها حقا هى ليست بامرأه قليله ابدا: برافو عليكِ، قدرتِ تردى القلم بعشره، برافو.
تحرك خارج الغرفه صافعا الباب خلفه و استمعت هى بعدها لباب الشقه يُغلق فادركت انه خرج نهائيا من المنزل فاتجهت للفراش و استلقت عليه و هى تضم ركبتيها لصدرها تبكى بحرقه دافنه وجهها بوسادتها.
ظل هو يجول و يجول بسيارته في شوارع القاهره المزدحمه ليصرخ على هذا و يتطادم من ذاك و يضغط بوق السياره بشكل مزعج حتى توقف على جانب طريق يخلو الا من السيارات، استند برأسه على المقعد خلفه و اغلق عينيه و الافكار تعصف بكيانه...! أهى محقه فيما فعلت، ام أخطأت؟! أستحق هو هذا العقاب ام هى تمادت؟! أيغضب عليها الان او يمنحها العذر؟! لقد عاش اسوء اشهر من عمره الفتره الماضيه، كلما اقترب منها ابعدته،.
لاحظ هو تغيرها و ربما ازداد وزنها قليلا و لكنه لم ينتبه لشئ كهذا، لو لم تهاتفه تلك الطبيبه لتخبره انها كانت على علم بالطفل ربما لما فكرت في ان تقول له يوما، و لكن لم اخبرته الطبيبه نصف الحقيقه فقط، لماذا لم تخبره ان طفله مازال موجودا حتى الان؟ لماذا منعته هبه هذه الفرحه؟! و لكن هو منحها من الالم ما يمنحها كل الحق في ايلامه، ربما هى محقه في كل ما تفعل.
هو لم يكسر قلبها فقط بل جرح كبريائها، حطم انوثتها و هدم حلم حياتهما معا، تجاهل حبها و استغل زلاتها ليبرر لنفسه ما فعل، هى مهما فعلت و مهما قالت محقه، محقه تماما في كل شئ. ضرب بيده على المقود امامه ثم رفع يديه للاعلى: يارب اغفرلها و سامحها، يارب تسامحها و تسامحنى يارب، يارب، اللهم لا حول ولا قوه الا بك...
صدع اذان العشاء فادار محرك السياره ليذهب للمسجد القريب من المنزل، ادى فرضه و اخذ يدعو الله بكل ما يجول بخاطره و كل ما يؤلم روحه، بعد بعض الوقت اراح بها نفسه و قلبه نهض منتعشا و مصرا بداخله على ان يكسب قلب زوجته من جديد و يبنى لابنه اب جديد، سيكون زوجا تفتخر به و سيكون اباً يعتز به اطفاله، سيصبح انسانا اخر طالما تمنى ان يكون عليه..
عاد للمنزل ليجد البيت ساكنا تماما اغلق الباب و اقترب من غرفتها بهدوء ليصله همهمات خافته من الداخل فعلم انها تبكى، دلف للداخل فشعر بها تكتم صوتها بالوساده و تدعى النوم، فابتسم و بدل ملابسه و اقترب منها ليدخل الفراش معها و استقلى ملاصقا لها وجدها تضم ركبتها لصدره و تتخذ وضع الجنين فضمها اليه كما هى فقط احتواها بذراعيه لتنهمر دموعها و يعلو صوتها بنهنهات متعبه فشدد من ضمها له و همس بجوار اذنها: اوعدك كل حاجه هتبقى احسن، كل حاجه هترجع زى الاول و افضل، يمكن القصه القديمه بكل ما فيها من حلو و وحش انتهت و انا بوعدك هنبدأ قصه جديده، قصه معتز و هبه، معتز و هبه و طفلهم و بس.
استسلمت للامان بين يديه فلا قدره لديها الان على التحدث فقط لتنعم بهذه الراحه حتى و لو كانت لبضع ساعات.
شئ اليكِ يشدنى لم ادرى ما منتهاه؟ يوما اراه نهايتى، و يوما ارى فيه الحياه.. فاروق جويده كانت عائله مازن مجتمعه بأحد المطاعم، بعد الانتهاء من تناول الطعام، نظرت حياه لساعه يدها هاتفه بتعجل: ممكن نرجع البيت بقى؟ نظرت اليها نهال بتعجب مستنكره: بدرى كده، ليه ما لسه السهره طويله؟ و بعدين احنا يعتبر بنحتفل لفرحه حنين بعاصم و مراته.
ضحكت حنين بسعاده متذكره كيف استطاع اخيها احتواء وجع زوجته و كيف استطاعت جنه ترويض غضبه، نظرت حياه لحنين ثم عادت ببصرها لنهال و صرحت بحزن: كان نفسى نقعد و الله بس انا عندى مناقشه بكره.
اختفت ابتسامه حنين تدريجيا فحياه رسميا اصبحت مجنونه عمل، تكاد تفقد عقلها اثناء السعى وراء تلك المنحه، فهى لم تعد تلتفت لاى شئ سوى هذا العمل و هذه الوظيفه فقط و لكنها تجاهلت تفكيرها و اجابت تُريح تلك المتلهفه: عادى يا ماما مفيش مشكله. ضرب محمد على الطاوله بهدوء موافقا: انا كمان تعبت و محتاج ارتاح و لسه الايام كتير.
وافق الجميع و نهضوا رويدا رويدا و اثناء وقوفهم في الاسفل حتى يحضر مازن سيارته و و السائق سياره محمد نظرت حنين لمياه النيل على مرمى البصر ثم شعرت برغبه عارمه في الجلوس امامها الان، فقالت لنهال و حياه الواقفين بجوارها: انا هقعد على الكورنيش شويه يا ماما، تقدروا تروحوا انتم و انا مش هتأخر. عبست نهال نافيه برفض: مينفعش يا بنتى احنا قربنا على نص الليل مينفعش لوحدك، تعوضيها يوم تانى.
نظرت حنين للمياه ثم نظرت امامها و اومأت موافقه و هى تجد كلامها منطقيا، صعدت نهال و محمد للسياره و قبل ان تصعد حياه لسياره مازن، ترجلت نهال وقالت و هى تنظر لوجه حنين و ضحكتها تختفى: حنين عاوزه تسهر كمان شويه يا مازن، خليك معاها و حياه هتيجى معانا. نظر مازن لحنين بتعجب و رفع احدى حاجبيه متسائلا: تسهر فين؟!
تلعثمت حنين و هتفت مسرعه تحاول الاعتراض على فكره البقاء معه بمفردهم: خلاص يا ماما مره تانيه مفيش داعى. اوقفهم مازن بيده قائلا بهدوء يحاول فهم ما حدث: فهمونى بس ايه الحوار بالظبط؟ ابتسمت حياه و ربتت على كتف حنين قائله بتوضيح: حنين عاوزه تقعد على الكورنيش شويه و طبعا ماما رفضت لانه مينفعش لوحدها، وصلت كده! اومأ مازن برأسه و نظر اليها يردد بنفس نبرتها: وصلت يا ست لمضه هانم.
ضحكت حياه بشغب و اومأت و صعدت للسياره الاخرى فمسدت نهال ظهر حنين و همست بحنان اموى: روحى ما جوزك يا حبيبتى، اعملى كل اللى نفسك فيه.
انتفض قلب حنين و عقلها اثر كلمتها و لكنها حاولت التماسك لترفض و لكن نهال لم تمنحها الفرصه و تحركت السياره من امامهم و بقيت هى و مازن خلفها، لاحظ تجهم وجهها و ادرك ان والدته لم تحسن الامر بل زادته سوءا، و لكنه صمم على تجاوز الامر بل و برغبتها ايضا وقف امامها و نظر اليها بابتسامه حاول ان تبدو طبيعيه فما فعلته والدته يعقد الامر بداخله اكثر و هتف بمرح: تقدرى تعتبرينى عسكرى حمايه، اخد بالى منك و بس، و اعملى اللى تحبيه بدون ما تفكرى انى معاكِ حتى.
ابتسمت من طريقه كلامه و اشاره عينيه و يديه العشوائيه و اومأت موافقه، تقدمته و بالفعل لم يزعجها حتى بالمشى بجوارها فقط يمشى خلفها و دون ان يعترض على اى شئ ابدا..
توقفت امام احد المقاعد لتستند على السور امامها و تنظر للمياه بنظرات هادئه و الاضواء المحاوطه تندمج مع سكون ملامحها لتمنحها رونق خطف قلبه و علق عينه بها، بالاضافه لفضيه عينها و التى لمعت بشكل خاص مع ابتسامه خافته تزين وجهها لتمنحه لوحه فنيه مكتمله الجوانب تحمل من الجمال ما لم تراه عينه مسبقا..
استند على السور بجوارها فنظرت اليه مبتسمه ثم نظرت امامها مجددا و همست بتذكر حالم: كان ده مكانا المفضل، مكنش بيحب المطاعم المتكلفه و لا الكافيهات الكلاسيكيه. كان دايما يحب يقعدنى هنا، قدام النيل، كان بيقول انه شبهى.!
نظر لجانب وجهها متفحصا ملامحها متمتما بهدوء مأخوذا باحساسه بها و هو حتى لا يدرك: هادئ، بس لو ثار محدش هينجى من فيضانه، مهما شوفتيه بيوحشك و بتتمنى تشوفيه تانى، بيعكس كل جميل حواليه، بيدى رونق بيخطف العين و القلب، نفسك ترمى نفسك جواه بس خايفه انك ممكن تغرقى، جذاب بشكل متعب، لا هو قريب و لا هو بعيد و اللى بيتعلق بيه مبيقدرش يستغنى عنه، و تقريبا كل الناس بتحبه..
تجمدت مكانها و كلماته تنبأها بخطر لا ترغب به ابدا، تسارعت دقات قلبها بقلق و التفت تنظر له بحده و لكنه احال وجهه للمياه قبل ان ترى تفحصه بها ثم نظر اليها ليجد نظره متسائله تتطالبه بتوضيح لكلماته فأشار على المياه امامه بمرح: النيل، بتكلم على النيل.
هدأت قليلا ثم نظرت امامها مجددا و اردفت بهمس بنفس النبره التى اذابها عشق لم و لن تكتفى منه و هى تعود بذكرياتها لفارس: لما كنت في بيت بابا النهارده كل مكان فيه فكرنى بفارس، اهمهم المطبخ و الثلاجه. قاطعها مازن معتدلا ناظرا اليها بضحكه استغراب: الثلاجه؟!
نظرت اليه بتحمس و بدأت تسرد له ما حدث يوم ان اتاها قبل سفره فانفجر مازن ضاحكا و هى يتخيل مظهر فارس بهذا الوضع، و استمر الوضع عده ساعات يتسامرون دون ان ينتبه كلا منهما للوقت حتى صمتت حنين و بدأت تعبث بخاتم زواجها بفارس بيدها ثم نزعته لتنظر لاسميهما المنقوشه بداخله و اوضحت بعشقها له: وحشنى قوى، محتاجه اشوفه او حتى اسمع صوته، صعب قوى غيابه عنى، انا بحبه قوى..
نظر اليها بحزن متذكرا اخيه و عشقه الجارف لها و لكن ألمه قلبه لنبته عشقه هو لها و تمتم بوجع: هو كمان كان بيحبك قوى.
نظرت اليه لتجد الالم يتجسد بعينه كأنها تؤازرها فامتلئت عينها بالدموع و ظلت تنظر للخاتم بيدها و فجأه انتبها على صوت مزمار بلدى يصدع بجوارهم فالتفت كلاهما ليجدا عروس بفستان زفافها تسير بجانب عريسها و خلفهم عدد ليس بقليل من الاشخاص و من بينهم عده اشخاص على ما يبدو يمثلون فرقه تعزف لهم، فنظر كلاهما للاخر و ابتسم، استندت حنين على السور بمرفقها تتابع فرحه العروس و لسوء حظها بدأت الموسيقى الصاخبه و هيئه العروسين تغزو عقلها بذكريات يوم زفافها ففتحت كفها لتنظر للخاتم بيدها مع انتفاضه جسدها و بدأت دموعها بالانهمار رغما عنها...
انتبه مازن لها و من نظراتها ادرك انها تعيش فقدها مجددا فاقترب منها قائلا بحذر: انتِ كويسه؟
و مع الصوت العالى لم تسمعه و ظلت تنظر لكفها بضياع حتى مر عده اشخاص من امامهم و دون ان ينتبه مازن اصطدم احدهم به اثناء مروره فمال على حنين عندما لم يستطع التوازن و لسوء حظه و حظها ارتجفت يدها فسقطت دبلتها لتصطدم بسطح الماء و تختفى داخله بينما هى شهقت بصدمه و هى تعتدل ناظره للمياه، تبكى بصوت عالى و لكن مازن لم يُدرك ما حدث فحاول تهدئتها و فهم ما صار و لكنها لم تهدأ، حتى انتهت الاصوات من حولهم فنظر اليه محاولا مجددا و قلبه يصيبه بالقلق: ايه اللى حصل؟
ظلت تأخذ انفاسها و تشير على المياه و بصوت متقطع تكلمت: د، دبله، دبله فارس.. نظر ليدها ليجدها فارغه و اشارتها للمياه جعلته يدرك انها اسقطته فتلعثم و لم يدرى ما يجب عليه فعله، نظرت له باتهام قاسى و تحركت من امامه مسرعه: عاوزه اروح، حالا. وضع يده على وجهه هو لم يخطئ و لكن بنظرها هو الان الملام الوحيد، تنهد بخيبه امل لانتهاء ليلتهم بهذا الشكل، لحق بها حتى صعدا للسياره سويا في طريق العوده للمنزل..
ظلت صامته طوال الطريق و هو ينظر اليها بين حين للاخر حتى تحدث غير قادرا على الصمت اكثر: انا اسف مكنش قصدى تقع، انا ب.. قاطعته و هى تمتم بحزم: انا اللى خلعتها من ايدى، انا اللى غلطت. نظر امامه و ساد الصمت بينهم مره اخرى، الظلام يحيط بهم و الطريق خالى نسبيا من الماره، و فجأه انتبه على مؤشر ما امامه ثم اوفق السياره فورا.. اعتدلت حنين و عقدت حاجبيها تتسائل بتعجب: ايه اللى حصل؟!
نظر اليها دون اجابه ثم عاد ببصره للمؤشر امامه و عقد حاجبيه بضيق هاتفا و هو يترجل من السياره: هى الليله مش عاوزه تكمل.. فتح الغطاء الامامى و اخذ يفحصها و يحاول و لكن نفذت محاولاته، عاد اليها مستندا على نافذه الباب ناظرا لها هاتفا بأسف: العربيه حرارتها رفعت.. رفعت حاجبيها بتسائل ساخر: بمعنى، قصدى يعنى هنعمل ايه؟ فغمغم بسخريه و غلب عليه مرحه: هنعملها كمادات...
اتسعت عينها باستنكار فضحك على هيئتها و هتف آمرا: انزلى هناخد تاكسى. نظرت لساعه هاتفها لتجد الوقت قارب على الفجر فهتفت باستنكار قلق: دلوقتى؟! اغلق نوافذ السياره و اخذ مفاتيحه قائلا يلعن حظه الارعن الذى وضعه و اياها في مثل هذا الوضع بهذا الوقت: مضطرين اكيد مش هنقف على الطريق..
ترجلت من السياره و وقفت بجواره و القلق يفتك بها و المكان من حولهم هادئا بشكل جعلها ترتبك اكثر، نظر اليه ثم حاول تهدئتها قليلا مستعيدا كل هدوءه و مرحه: ايه ده اوعى تكونى خايفه؟! هيبقى شكلى وحش قوى..! توترت و ضمت شفتيها كأنها تخبره ليس ذنبى و تمتمت بخفوت: شويه..
اعتدل ناظرا لها واقفا امامها و عقد ذراعيه امام صدره متسائلا بمرح يقصد تهدئتها: خايفه ليه بس؟ احنا مش معرضين لا للسرقه و لا خطف، احنا في امان تماما.. عقدت حاجبيها بغيظ و خوفها يزداد: انت بتحاول تطمنى تقريبا! حك جانب عنقه و هو يضحك هاتفا و كأنه لا يدرك: مش عارف شكلى فاهم الموضوع غلط..!
ابتسمت على هيئته و اشاحت بوجهها جانبا فأخذ يدندن بكلمات و هو ينتظر ان تمر اى سياره اجره من امامهم و لكن المكان اشبه بالصحراء تماما... فالاستاذ المبجل فضل المرور من الشوارع الجانبيه الهادئه عوضا عن الطريق الرئيسى المزدحم و ها قد علق ها هنا لا يدرى ستمر سيارات اخرى ام لا؟ انتبهت لما يقول فاستندت على السياره خلفها و الهواء يعبث بملابسها الواسعه و بحجابها و غمغمت بابتسامه: دا شعر؟
استدار لها ثم اقترب مستندا على السياره هو الاخر و عقد ذراعيه امام صدره متنهدا بقوله: أينعم.. ابتسمت ملتفته له منصته لما يقوله و غمغمت متذكره: فارس كان قالى قبل كده انك بتحب تقرأ كتب الشعر لدرجه انه كان بيستغلك علشان تساعده.. ضحك متذكرا ما كان يفعله فارس به حتى يتنازل مازن و يختار له الاحدى الابيات الشعريه التى تلائم احساسه بها و قال ضاحكا بقوه: حصل، كان بيطلع روحى..
ابتسمت متذكره ما كان يقول فارس لها و رويدا رويدا اتسعت ابتسامتها حتى تحولت لضحكه عاليه و هى تائهه كليا في ذكرياتها مع فارس، بينما هو تائه تماما في ملامحها و ضحكتها التى اسرت قلبه، حتى انتبه كلاهما على صوت سياره تقف بسرعه مصدره صوتا عاليا على بعد قليلا منهم.. نظر كلاهما للاخر و اعتدل مازن متقدما قائلا و من قلبه يتمنى ان تمضى الله بسلام: هشوف كده يمكن يساعدونا في الطريق المقطوع ده..
اومأت برأسها فتقدم مازن من صاحب السياره هاتفا باستئذان: العربيه عطلت على الطريق ممكن توصلنا في طريقك، لحد الشارع الرئيسى بس و تُشكر جدا.
نظر الرجل له ثم نظر للرجل بجواره و ابتسما ثم رفع نظره للمرآه لينظر لحنين من خلالها، تعلقت عينه بها، وجهها الهادئ و الذى اكسبه الهواء احمرارا طبيعيا، ملابسها و التى تلتصق بجسدها بفعل الرياح الشديده و تحاول هى ازالتها بارتباك، مرر عينه عليها من اعلى لاسفل ثم عاد ببصره لمازن و تمتم موافقا: اكيد، اتفضلوا..
لم يشعر مازن بالراحه الكافيه و هم برفض الموضوع و انهائه و لكن حنين اقتربت منه هامسه بتساؤل: قولى انه وافق انا تعبت! نقل بصره بينها ثم نظر للرجلين بالسياره ثم عاد ببصره لها بعدما انتبه لنظرات الرجل لها فدفعها للخلف قليلا و همس نافيا: الناس دى شكلها مش مظبوط انا مش مرتاح لهم.. عقدت حاجبيها باستنكار: ليه بس؟، معاهم عربيه اكيد مش هيسرقوا يعنى و بعدين انت معايا فأكيد مش هيعملوا حاجه..
نفى مره اخرى و قلبه ينبأه بخطأ ما: لأ، معلش هنستنى كمان شويه مش هيحصل حاجه. زفرت بقوه و هتفت بضيق: اصلا الطريق زى ما يكون مقطوع، هنفضل هنا للصبح.. و عادت بخطوات سريعه للسياره و استندت عليها مره اخرى، اقترب مازن من السياره الاخرى قائلا ينهى قلقه و فكره: خلاص شكرا على المساعده..
هبط الرجل من السياره مدعيا وجه البراءه: و الله ما ينفع حضرتك، الطريق ده شبه مقطوع و مش هتلاقى عليه موصلات، اتفضل معايا اوصلكم للطريق الرئيسى و تقدروا تركبوا مواصله من هناك..
صمت مازن قليلا ثم اشار لحنين بالاقتراب فاقتربت منهم و عين الرجل تكاد تخترق جسدها و لاحظت هى و ندمت على موافقه مازن التى كانت تشجعه عليها منذ قليل، صعدا للسياره و لاحظ مازن نظرات الرجلين المستمره لحنين في المرآه فعقد حاجبيه و نظر للاسفل ليتفاجئ بصندوق يحتوى على عده انواع من الممنوعات الملفوفه.
شدد قبضته مدركا ان ما فعله بركوبه هذا اخطأ خطأ جاسما، نظر لحنين وجدها تعبث بيدها بتوتر فامتدت يده لتحتضن يدها فتمسكت به بخوف فشعر هو بارتجافتها فشتم تحت انفاسه، محاولا التفكير في مخرج ما فعلى ما يبدو لن يمر الامر بسلام.. تفاجئ مازن بالرجل ينعطف بالسياره في طريق جانبى فوضع مازن يده على كتفه مانعا اياه التكمله: انا بقول ننزل هنا بقى و مش فاضل كتير على الطريق الرئيسى..
اجابه الرجل الاخر و هو يلتفت له ليرمقه بنظره سريعه ثم يتركز نظره على حنين و التى اخفضت عينها خجلا و خوفا و شددت قبضتها على يد مازن: مينفعش طبعا لازم نوصلكم.. فجز مازن اسنانه بغضب قائلا بنبره غاضبه آمره: انا قولت وقف العربيه و نزلنا.
توقف الرجل بالسياره على غفله فارتد الجميع للامام فترجل مازن من السياره مسرعا و جذب حنين خلف ظهره و رفع كفه شاكرا: متشكرين جدا على التوصيله، ، و امسك بيد حنين و تحرك بها من امامهم..
فركض الرجلين امامهم و اخرج احدهم مديه حاده امام مازن فصرخت حنين متمسكه بذراعه تختبئ خلفه، اضطربت انفاسه و هى تشدد من تمسكها به لاعنا سيارته التى توقفت في هذا الطريق فلقد حدث ما كان يخشاه، هتف بحده و عيناه تحتد بغضب و للاسف خوفا لا على نفسه بل عليها: عاوز ايه؟ نظر الرجل لحنين بنظره جعلت الدماء تغلى بعروق مازن و قال بحقاره: طلع محفظتك و كل اللى معاك و الاهم الاموره اللى جنبك.
شدد مازن قبضته و عيناه تجول بالمكان ثم نظر للسياره قليلا بينما تساقطت دموع حنين و هى تتخفى خلفه هامسه بخوف: مازن.. و في هذا الموقف و الرجل الاخر يقترب منهم ليأخذ اشيائهم لم يجد مازن ان العنف سيجدى نفعا فاستدار لها بنصف وجهه هامسا بلهفه و هو يمسك يدها بقوه ضاحكا بسذاجه تعجبتها: بتعرفى تجرى؟ رفعت عينها اليه بصدمه و تمتمت بذهول: اجرى!
دفع مازن الرجل بيده فاصطدم بالرجل الاخر ليسقط كلاهما ارضا فجذبها بقوه راكضا و هو يصيح بنفاذ صبر: انتِ لسه هتفكرى..!
ظل يركض و هو يجذبها و هى تركض خلفه و الدهشه تكاد تشل حركتها، ظلا يركضا حتى خرجا للطريق الرئيسى، فوقف مازن و انحنى بجزعه يستند بيده على ركبتيه يأخذ انفاسه بصعوبه و بجواره حنين بالكاد تلتقط انفاسها، حتى اعتدل و نظر لها فرفعت عينها اليه ظلا لحظه يحدقون ببعضم باستنكار متعجب ثم انفجارا في نوبه ضحك جعلت من حولهم يلتفت لهم..
لم يستطع مازن كبح جماح ضحكته و التى تحولت لقهقه عاليه حتى كاد يفقد انفاسه من شده الضحك و كذلك حنين التى جلست على الرصيف الجانبى و دفنت وجهها بين يديها و لم تستطع كتم ضحكتها بأى شكل كان.. هدأت قليلا فنهضت واقفه فنظر حوله و هو يبتسم بعبث قائلا: انا بقول بلاش تاكسى و لا عربيه ملاكى احنا ناخد مواصله عامه تحسبا للظروف...
ضحكت موافقه و بالفعل صعدا لمواصله عامه حتى وصلا للمنزل بسلام، دلفا ليجدا المنزل هادئا فأدركا ان الجميع ذهب في نوم عميق نظر كلاهما للاخر فهمست بخفوت ساخر: شكرا على اليوم بمغامراته الكثيره. ضحك معلقا على مزاحها الساخر فمرح: عفوا، في اى وقت تحتاجى مهزله زى اللى شوفناها النهارده اطلبينى عالطول.. ضحكت هى الاخرى ثم كتمت ضحكتها بكفها لتتحرك بهدوء باتجاه غرفتها هامسه بابتسامه: تصبح على خير..
و تحركت قبل ان يُجيبها حتى، اختفت ابتسامته و وضع يده على قلبه و الخوف الذى تملك منه اليوم يهلك قلبه، لم يخاف بحياته بقدر ما فعل اليوم، ان صار لها شيئا لم يكن ليتحمل ابدا.. غمغم بخيبه و حسره و هو يراقب باب غرفتها يُغلق: و انتِ من اهلى..
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثاني والأربعون
بتعملى ايه يا سلمى؟! هتفت بها مروه و هى تجلس على الاريكه بالخارج و يصلها صوت سلمى تعبث بالاطباق بالمطبخ، امالت رأسها للخارج و هى تجيبها بغيظ: بعمل كيك، امجد بيحبه.. ضحكت مروه بسخريه، و هى تجلس مستمتعه بالمسرحيه الكوميديه التى تشاهدها و تمتمت بخبث: اممم، ماشى. لحظات و استمعت لصوت الباب يُفتح و يدلف امجد و معه والده و الارهاق يبدو بوضوح على وجهه..
نهضت مروه مستقبله اياهم و ساعدت زوجها على الجلوس بينما دلف امجد للمطبخ و هتف يفاجئها: متمردتى الجميله، بتعمل ايه؟ انتفضت، و استدارت له بغيظ ثم ابتسمت و طبعت قبله على وجنته هامسه بحب: وحشتنى.. حاوط وجهها بكفيه ليطبع قبله على جبينها متنهدا بتعب: و انتِ كمان وحشتينى جدا.. دفعته بمرفقها للخارج تأمره: غير هدومك و الاكل هيجهز حالا..
اومأ برأسه مقبلا اياها مره اخرى ثم تركها و خرج، بدأت تُسرع اكثر حتى لا تتأخر عليه، و لكنها فجاه شعرت بدوار غريب يلفها توقفت مستنده على الطاوله الرخاميه و وضعت يدها الاخرى على جبينها... نظرت امامها بشرود فما تشعر به منذ بضعه ايام يدل على شيئا واحدا، شيئا غير متوقع ابدا، و لكن الان دوراها يزداد و بشكل سئ.. سقطت بجسدها ارضا، عاد امجد اليها ليُفاجئ بها بهذا الشكل فجلس امامها: سلمى حبيبتى، في ايه مالك؟
اسندها لتقف فيما تمتمت هى بضعف: مفيش انا كويسه، شويه د.. قطعت كلاهما و عينها تُغلق و سقطت فاقده لوعيها بين يديه، انتفض محاولا ايفاقتها و لكنها لم تستجيب له، مر بعض الوقت حتى استعادت وعيها... فتحت عينها ببطء لتجد مروه جالسه قبالتها على الفراش و مصطفى واقف مستندا على الحائط المقابل لها بينما امجد يستند على باب الغرفه بكتفه عاقدا ذراعيه امام صدره ينظر اليها بنظره لم تفهمها..
اعتدلت جالسه و هى تنظر لوجههم الذى لا ينم عن خير ابدا و تسائلت بتعجب: في ايه؟ اقترب امجد منها قليلا و انخفض ناظرا اليها بتفحص هاتفا بعدم تصديق: انتِ بجد بتسألى في ايه؟ المفروض انا اللى اسألك في ايه؟ عقدت حاجبيها متعجبه تسأله باستنكار: تقصد ايه يا امجد؟ ايه اللى حصل؟
شعرت مروه ان امجد على وشك فقدان اعصابه الان فوقفت امامه دافعه اياه للخلف و نظرت لسلمى بحده مصرحه بما لم يخطر على بال سلمى يوما: في انك حامل، و عاوزين نعرف من مين يا سلمى؟
صباح الخيرات.. هتف بها اكرم صباحا وهى يدلف للشركه فنهضت هناء واقفه بضحكه واجابته: صباح النور يا بشمهندس.. استند على مكتبها بابتسامه: ها جدولنا عامل ايه النهارده؟ امسكت هناء بالمجلد الخاص بها لتبدأ بعمليه مفرطه: اجتماع مع شركه الساعه 10، و اجتماع مع عمال مصنع بعد الضهر، وا.. قلطعها بيده هاتفا بغيظ: قلبك اسود قوى، شايفه مزاجى رايق تقومى تنكدى عليا كده، ربنا يسامحك يا هناء، ربنا يسامحك..
تحرك مبتسما غامزا اياها لداخل مكتبه بينما وقفت هناء تتطلع للمكان الذى تركه فارغا هاتفه بذهول: ضحك ليا، ثم ابتسمت ملتفته لعملها و هى تضحك ببلاهه، اقتربت مها منها و امسكت ورقه لتكتب لها فهناء مازالت لا تستطيع فهم لغه الاشاره خاصتها في ايه يا هناء بتضحكِ على ايه كده؟ قرأت هناء الورقه و ابتسمت و اجابتها بحالميه: اكرم...
احتدت عين مها و انتبهت كل اطرافها ناظره اليها بغضب فحمحمت هناء محاوله تصحيح ما فعلت: اقصد البشمهندس اكرم، ضحك ليا، يالهووووى. رفعت مها احدى حاجبيها بدهشه ثم امسكت الورقه و وضعتها بحده على الطاوله فانتفضت هناء و انتبهت فكتبت مها احنا في الشغل يا هناء، في الشغل.
و تركتها مها و طرقت الباب و دلفت، رفع اكرم عينه لها و ابتسم ابتسامه جانبيه فأى صباح اجمل من بحر الفيروز خاصتها، اقتربت و وضعت الملف بيدها بقوه على المكتب، فنظر اليها بتعجب متسائل و هو يبتسم بخبث فأشارت له اخر صفقه و التصاميم المطلوبه علشان الاجتماع اومأ برأسه و نظر للملف امامه و هى واقفه تنتظر تعليقه، فتحدث بهدوء و هو ينظر للاوراق امامه: انتِ كويسه؟ حاسس انك متضايقه مثلا؟
و قبل ان يرفع عينه ليرى اجابتها حتى طُرق الباب و دلفت هناء و بيدها صينيه تحمل عليها عده اصناف من الطعام، تعجب اكرم و كذلك مها فوضعت هناء الطعام امامه فنظر اكرم اليها متسائلا بدهشه و هو يشير باصبعه لما وضعته امامه: ايه ده يا هناء؟
نقلت مها بصرها بينهم و شعرت بغضب يتملك منها لا تدرى سببه فعقدت ذراعيها امام صدرها منتظره الاجابه، فابتسمت هناء بخجل و اجابته بدلال: حضرتك جاى بدرى عن العاده فأكيد مفطرتش فقولت اجيب لحضرتك الفطار.. رفعت مها حاجبيها بسخريه ثم زمت شفتيها بغضب و همت بالتدخل و لكنها ألجمت نفسها بسؤال واحد ما شأنك انتِ فصمتت و ظلت على صمتها بينما تكاد تحرقه و تحرقها بالنيران التى تحرقها غضبا..
نظر اكرم لمها و تعجب نظرات الغضب تجاه هناء و لكن على ما يبدو انها راقته كثيرا فنظر لهناء مبتسما ليزداد بحر الفيروز غضبا و غيره: متشكر جدا يا هناء والله، تسلمى و كتر خيرك جدا يعنى. نظرت مها اليه و هى ترفع جانب شفتها باستهزاء و ازداد غضبها وب دأت قدمها تتحرك بتوتر عندما تحدثت هناء بضحكه مبالغ فيها: انت تؤمر يا بشمهندس..
نقل اكرم نظره بينهم و ابتسم بداخله و لكن كفى لهنا فلا يجوز التمادى لم يحن الوقت بعد و السكرتيره الحمقاء يبهرها الابتسام فقط فلابد من العبوس، رفع وجهه اليها و قد اخذ جديته المعتاده، فاعتدلت هناء في وقفتها مضطربه بينما ابتسمت مها اخيرا و هو يهتف بتوضيح: بس انا مبفطرش يا هناء، اطلبى لى القهوه بتاعتى، و اتفضلى على شغلك..
حملت الطعام من امامه و قالت بعمليه و لكن مازالت تحمل نبره مدللة: من عنيا يا بشمهندس هجيبها لحضرتك حالا.. تابعتها مها بعينها و هى تغمغم بكلمات بدت لاكرم غير مفهومه و لكنه خمن مضمونها فابتسم و لكن اخفى ابتسامته فور ان التفتت له و تمتم بلامبالاه و هو ينظر للملف امامه: طيبه هناء، هتبقى زوجه ممتازه.. شعرت مها بدلو ماء بارد يلقى فوقها، عقدت حاجبيها و هى تشعر بقلبها يؤلمها، كلمته ألمتها..
اغلق الملف و ظل ناظرا امامه دون ان يرفع عينه لها ثوانى ثم على غفله رفع عينه ليقول متسائلا بخبث: انتِ ايه رأيك فيها؟ لاحظ انطفاء بريق الفيروز ليلمع بحزن مس قلبه فنهض و امسك بالملف مبتسما ابتسامه جانبيه و اعطاها اياه متحدثا بخفوت مانحا قلبها الامان: بعتبرها زى اختى و اتمنلها احسن عريس، البنت طيبه جدا و تستاهل كل خير، مش ده رأيك برده؟.
و دون ان تنتبه اشرقت عينها مجددا لتومأ برأسها مسرعه موافقه على كلامه فابتسم و اعطاها الملف مشيرا بعينه للباب: طيب يالا اتفضلى على شغلك.. اخذت الملف و لكن قبل ان تخرج حمحم مناديا عليها: ثانيه يا بشمهندسه..! استدارت له فقال بجديه و عمليه رسميه: في اجتماع كمان ساعتين ياريت تجهزى علشان انتِ اللى هتقدمى presentation و عايزه يتقدم بكفاءه، لازم الشركه التانيه تنبهر بيه، انا معتمد عليكِ؟
نظرت للثقه التى يغلفها بها في عينيه و ابتسمت و اومات برأسها موافقه و خرجت من الغرفه، و لكن قبل ان يُغلق الباب وجدها تضع الملف على طاوله هناء و ابتسمت لها و هى تحمل كوب القهوه منها و عادت اليه من جديد واضعه القهوه على المكتب امامه و اشارت ببراءه مبرره فعلتها هناء عندها شغل اومأ برأسه مرددا بمكر: عارف عارف، و انتِ معندكيش؟ تجهم وجهها الذى حمل ابتسامه صفراء منذ قليل و اشارت لا عندى، عن اذنك.
و تركته و خرجت مغلقه الباب خلفها فأرخى جسده على المقعد ضاحكا بسعاده و تمتم بدراميه: يبدو انها مستحملتش جاذبيتى، انا لا اقاوم انا عارف..
عندما يتضارب العقل و القلب، نتيجه الصراع ستكون انت! امجد ممكن تفتح ليا، من بالليل و انا بحاول اكلمك مش عارفه، ارجوك اسمعنى..
تمتمت بها سلمى و هى تتطرق باب غرفتهم من الداخل فبدون ان يسمعها اغلق باب الغرفه عليها تاركا اياها تكاد تجن من التفكير، بالامس طار جنونه على زوجه ابيه بعدما اطلقت سؤالها القاسى بدون اى خجل امامه و امام والده، اخرجها من المنزل بأسلوب اقرب للطرد، و لم يسمع منها حرفا اخر بل اغلق الباب عليها دون اى رد فعل حتى هذا الوقت...
صمتت مبتعده عن الباب لا تدرى ماذا تفعل فمنذ الامس و هى تحاول ان تجعله يستجيب لها و لكنه لم يفعل، نظرت للباب مسرعه فور سماعها لخطواته تقترب تبعها بفتح الباب و دلف اليها، منظره كان مروعا، شعره مشعث و عيناه حمراء غاضبه، يشدد قبضته بقوه و يتفحص ملامحها بعين اتهام لم تتوقع ان يطالعها بها يوما..
نهضت مقتربه منه و بمجرد ان لامست ذراعه بيدها دفع يدها عنه ممسكا ذراعها من الاعلى ضاغطا اياه بقوه جعلتها تنظر اليه بذهول و تألم و صاحت: امجد، ايدى! ضغط يدها اكثر هاتفا بحده غاضبه: ايه بتوجعك؟ مش انتِ عاوزه تتكلمى؟! اتكلمى، فهمينى ايه اللى بيحصل؟ حاولت التملص من يده بقدر ما تملك من قوه و لكنها لم تستطع فانكمشت ملامحها بألم صارخه بعنف: سيب ايدى يا امجد، و اسمح لنا نتكلم بالعقل..
دفع يدها بقوه صارخا هو الاخر بغضب و ابتسامه ساخره ترتسم على وجهه: عقل! هو انتِ سيبتِ فيا عقل؟.. ضرب بيده الجدار بجواره بعنف هاتفا و هو ينفض يده في الهواء بتوجع: عاوزه تقولى ايه؟! كلام ايه هيتقال يا سلمى؟ كلام ايه؟! نهضت واقفه تنظر له بدهشه فهى تكاد تجزم ان من امامها ليس امجد، بالتأكيد ليس هو؟ اقتربت واقفه امامه تطالع وجهه بتفحص و هتفت بمحاوله لتهدأته: امجد، اسمعنى ان..
امسك بكلتا كتفيها مقربا اياها منه ضاغطا جسدها بعنف تألمت لاجله و صاح هادرا: اسمع ايه!، انا عقيم و متعالجتش، مراتى فضلت سنه تقريبا و مفيش اطفال، و فجأه تبقى حامل! قوليلى اجيب عقل يسمع منين؟! اتسعت عينها تحملق في وجهه هو ليس في حاله طبيعيه، مال عليها بوجهه الذى يهدر بغضب عاصف و هزها بعنف صارخا: ازاى قدرتِ تعملى فيا و في نفسك كده؟
صدمه شلت اطرافها عن الحركه و اعجزت لسانها عن النطق و مازالت تحدق في وجهه بذهول تام غير مصدقه ما تسمعه اذنها وغمغمت بعدم استيعاب و ربما باستيعاب تحاول تجاهله: انت، انت عاوز، تقول ايه يا امجد؟ حدق بوجهها قليلا ثم صرح هاتفا بحده بما يؤرق نومه منذ مده طويله: ليه رفضتِ نسافر سوا يا سلمى؟
ارتبكت قليلا محاوله اخفاء نظراتها عنه و لكنه قبض على فكها بقوه مثبتا نظراتها له و لكنها اسبلت جفنيها هروبا من عينه و تمتمت: شغل يا امجد، كان عندى شغل! ضغط فكها بعنف اكبر و هو يقرب وجهها منه هاتفا بتساؤل قاسى: و ايه شغلك في عماره اللى في المهندسين يا سلمى؟ اتسعت عينها بصدمه و اضطربت ملامحها و هى تحدق به بصدمه جنونيه تبعتها بسؤال ذاهل: انت بتراقبنى يا امجد؟!
دفعها لتسقط على الفراش امامه و صرخ بها و هى يشيح بيده بعشوائيه: جاوبى على سؤالى بدون نقاش يا سلمى.. نهضت بعنفوان تمردها المعتاد لتصيح بالمقابل: هو ايه ده اللى بدون نقاش انت مستوعب انت بتقول ايه؟ انت بتتهمنى في شرفى، بتتهمنى في علاقتى بربنا و في دينى، انت بتشكك في اخلاقى يا امجد و بتقول بدون نقاش!
قبض على يدها مجددا و غضبه يتصاعد لدرجه غير محموده العواقب: صوتك ميعلاش قدامى ابدا، ، حذارى يا سلمى، سامعه! امتلئت عينها بالدموع و لكنها جاهدت باخفائها و هى تهتف بقوه منافيه تماما وجع قلبها: و انا مش هسمحلك تغلط فيا و هسكت يا امجد.
رفع يده حتى كادت تسقط على وجهها و لكن مع شهقتها، صدمتها و تجمد نظرها على كفه، اخفض يده مقاوما الطاقه الهجوميه بداخله لا يعرف، مرتدا للخلف خطوتين موافقا و هو يهتف باحتقار جمد الدماء بعروقها: معاكِ حق كفايه غلط لحد كده، كفايه نغلط في حق بعض اكتر من كده.
ظلت تنظر لوجهه ثم استقرت عينها في سماء عينه التى لمعت بالدموع و الاسوء انها دموع كسر و عجز غلفتها نظرات غضب و حده، رفعت يدها لتضعها على وجهه و لكنه ابتعد عنها و نظر اليها قليلا ثم تحرك من امامها مسرعا للخارج صافعا الباب خلفه بقوه جعلتها تنتفض مكانها..
جلست على طرف الفراش و دموعها تتساقط و هى تضع يدها على اسفل بطنها تخاطب جنينها بضعف: مش عارفه افرح بيك و لا ازعل؟ مش عارفه ايه اللى حصل و ليه و ازاى؟ كل اللى اعرفه ان ماما مغلطتش ابدا، و بابا وجعها قوى. رفعت ركبتيها لصدرها و ضمت نفسها و دموعها تزداد انهمارا و لا يوجد بداخلها اى عذر له على ما فعل، هى بالكاد تصدق انها ستصبح ام، لا تدرى كيف؟ و لكن رغبه الله فوق كل شئ!
و لكن ما لا تستطيع تصديقه انه يشكك بها، يتهمها بخيانته و التى تعد خيانه اكبر لربها.. يتهمها بأكبر الكبائر، و دون ان يتردد لحظه.. حسنا تعترف هى اخطأت عندما اخفت عليه عملها، و حسنا اخطأت عندما ذهبت لتلك العماره، و لكن ما لم تعترف به ابدا ان يتبعها هو. هل وصلت بهم الامور لهذا الحد؟!
رفعت يدها تخفى وجهها بكفيها لحظات مرت و كانت الفاصله بحياتهم عندما اخفضت يدها و لمعت عينها باصرار اشتعل خلف دموعها المنهمره و هتفت بحده امتزجت بصدمتها و ضعفها: انت اللى قفلت الصفحه يا امجد، و صدقنى هتندم، بس ندمك مش هيفيد، ابدا..
يسير بدون هدف لم يفكر بالتجول بسيارته حتى، فقط ينظر للاشئ امامه.. لا يعرف شعوره الان؟ أهو غاضب؟! ربما، أهو حزين؟! احتمال كبير، هو في وضع اشبه بوضع شخص عاقل اتهموه بالجنون و ربما مجنون يحاولون استخدام عقله، لم يكن يتوقع ان يصير معه امر كهذا..
امر ادى لفقدانه رشده حتى كاد يجن، لم يتخيل ان يأتى يوم لا يطيق به النظر لوجه متمردته، تلك المتمرده التى شعر انها تكمله منذ ان رأها اول مره، تلك التى احبها عقله حتى تملكت من قلبه فلم تدع له شيئا من نفسه فهو اصبح لها، تلك التى كان على أتم الاستعداد بالتضحيه بكل سعادته لاجل سعادتها، لماذا اوجعته لهذا الحد؟! لماذا اخطات خطأ كهذا بحق نفسها و حقه و حق ربها؟! كيف لها ان تصل لمثل هذا المستوى؟!
لو اخبره احد انها ستفعل لقتله حيا، لم يكن ليصدق عنها شئ كهذا مطلقا و لكن ما رأته عينه قتله هو، رفضت السفر معه متعذره بعمل، يراها تدلف لعماره سكنيه و منها لشقه شاب اعزب و عندما يسألها عن وجهتها تُنكر، صمت و أكله صمته و لكن لم يستطيع مواجهتها و اقنع نفسه لربما لديها تبرير مقنع و لكنه لم يكن على استعداد لسماعه، و لكن ان تحمل بطفل و هو عقيم!
هذا كان اخر الطريق، لقد مزقت كل روابطهم معا، قتلت ما كان يجمعهم يوما.. بل فلتشكر السماء الان انه اردع نفسه عنها، فرغم كل ما فعلت لم يستطع اذيتها! صدع صوت اذان الفجر حوله فتوقف ناظرا للمسجد على بعض عده خطوات منه و اغلق عينه لحظات فهو في اشد الحاجه لسجده، سجده ربما تُزيح هم صدره، و ربما تُريح تعب نفسه..
تحرك بخطوات بطيئه باتجاه المسجد توضأ و صلى فرضه و ما يتبعه من السنن ثم جلس يقرأ في كتاب الله، بعد بعض الوقت وجد جماعه من الشباب يلتفون حول شيخ كبير يكاد يقارب عمره سبعين عاما، يتحدث معهم و يلقى عليهم عده من احاديث النبى و يفسر ايات من القران الكريم.. اغلق كتاب الله بيده مصدقا ثم نهض و اقترب من هذا الجمع مستندا بظهره على احدى اعمده المسجد ضاما ركبتيه امامه مستمعا لما يسرده هذا الشيخ..
اخذ الشباب يلقون اسئله عده و الشيخ يجيبهم بأيات من القران، احاديث نبويه و مواقف من حياه الرسول دون اضافه او اطاله، ظل يستمع اليه بنفس هادئه و لكن فوران قلبه يدفعه دفعا ليسأل هذا الشيخ عن شكه، هواجسه التى دمرت قلبه و عقله بل و يعتبر دمرت حياته.. حتى انقذه احدهم و القى بسؤال اشبه بذلك الذى يعذب نفسه و كان ماذا قال الله و الرسول في سوء الظن.
انتبه امجد كل الانتباه و لاحظ ذلك الشيخ الذى كان يطالعه منذ مده طويله فابتسم و اجاب بصدر رحب قائلا نهى الله عز وجل عن سوء الظن بالاخرين حيث قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم وَلا تَجَسَّسُوا )، كما نهى الرسول عليه الصلاه و السلام عنه إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث، و لا تجسسوا و لا تحسسوا و لا تباغضوا، و كونوا عباد الله إخواناً.، و المغزى من ده هو ألا نسئ الظن بأحدنا الاخر فان هذا يولد كرها و نفور..
ظل امجد يستمع لكلامه و بدأ عقله يهدأ و تنزاح غمامه الغضب عنه ليحل مكانه مسرعا تفكير بسرعه الضوء ماذا ان كان مخطئ؟ ماذا ان كان الله قد انعم عليه بطفل رغم عقمه؟! ماذا ان كانت زوجته لم تظلمه و لم تظلم نفسها؟ وضع يده على رأسه و وجع رأسه يكاد يفتك به ماذا فعل؟ و عادت نفسه الاماره بالسوء تنازعه ان كانت بريئه حقا، لماذا كذبت؟ ما الذى دفعها لمنزل ذلك الشاب؟
افاق من تفكيره على شخص ما يضع يده على كتفه قائلا بحكمه هادئه: في علامات ندم على وجهك و دا مؤشر جيد يا ابنى.. استدار لذلك الشيخ الذى استند على كتفه ليجلس بجواره ارضا و ربت على ركبتيه هاتفا بود و ضحكه بشوشه: سلم امرك لله، و مش هيخذلك ابدا.. طأطأ رأسه ارضا و همس بضعف لا يدرى من اين وتاه الان: كل الطرق بتأدى لنتيجه واحده، و كلها بتدمر حياتى.
ابتسم الشيخ ناظرا ايه بتفحص و صرح بتساؤل: لما انت واثق انك وصلت لنهايه الطريق ليه في ملامح ندم و تفكير و تردد على وجهك؟ مسح امجد على وجهه بتنهيده خرجت من اعماق نفسه المتردده و تمتم بتيه: خايف اكون غلط، خايف اكون اتصرفت بتسرع، خايف اخسر الحاجه الحلوه اللى طلعت بيها من الدنيا.
اتسعت ابتسامه الشيخ و وضع يده على كتفه ضاربا اياه بخفه هاتفا بود و نصيحه: يبقى لسه موصلتش للنتيجه اللى انت بتزعم انها بتدمر حياتك، فكر، تدبر و زن امورك بالعقل، و اوعى تظلم حد يا بنى، فكر كويس قبل اى خطوه.. ضرب امجد بيده على رأسه يلاحقه ب رده بحده: مبقاش فيا عقل، مش عارف افكر، كل الطرق مقفله في وشى و مفيش غير طريق واحد، وهو الخيانه، ؛!
تجهم وجه الشيخ مستنبطا ما يتحدث امجد عنه و غمغم بحرص: لا حول و لا قوه الا بالله، استغفر الله يا ابنى، اتهام كبير زى ده مينفعش نتهاون بيه كده.. حسنا هو لم يعتاد يوما ان يستشير احد في امور حياته الخاصه، لم يعتاد ان يصرح عما بداخله لاحد مهما كان كبيرا، و لكن حمل قلبه الان لا يُطاق و لعل هذا الغريب امامه يريح قلبه، لعل.
اعتدل في جلسته و سرد على مسامع الشيخ الكبير وضعه باختصار شديد دون تفاصيل مرهقه فصمت الشيخ قليلا ثم تمتم بهدوء: انت عارف ان الطريق اللى انت مشيت فيه طريق بيبعدك عن الموده، الرحمه و التوافق بين الزوجين و بيدفعك لطريق الشك، سوء الظن و المتاعب و اللى ممكن يهدم بيتك لحطام، هل فكرت تعيد تحليلك مره تانيه!، او حتى تتأكد من حمل مراتك مره تانيه؟، ربك تعالى قال ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) عارف دا معناه ايه؟، دا اسمه قذف محصنات انت مفيش في ايدك دليل واحد يجعلك تتهم زوجتك في شرفها و عرضها، هتقولى دليل زى ايه اقولك زى انك تكون شوفتها بتزنى او تكون امتنعت انت عن لمسها، المقصود دلائل قويه متقدرش تغض الطرف عنها..!
ربت على كتفه و اردف يحاول اصلاح تفكيره او ربما مساعدته على اصلاح وضعه: ربك نهى عن سوء الظن و قاال ان بعض الظن اثم . ، لان سوء الظن و الشك بيولد كره و بيدفعك لفعل ما لا ينبغى عليك فعله و قول ما لا ينبغى عليك قوله، انت لازم تدفع الشك دا عن قلبك و تواجه بما تعرفه عن حسن خلق زوجتك، تربيتها، نشأتها و دينها، لازم تواجهها باللى في عقلك من شك و ريبه لعله سوء ظن او تحليل خاطئ و ربما يزول بكلمه او توضيح بسيط...
ابتسم بود و بشاشه يكمل و قد لقى من امجد رغبه في حديثه، نصائحه: اتقى الله في زوجتك، و استعذ بالله من الشيطان الرجيم و متسمحش له و لا تستسلم لما يقذف به في قلبك من وساوس تجاه زوجتك، المواجهه و ايضاح الامور و الصراحه اساسات لدفع الشكوك و الهواجس بعيدا..
ربك بيقول وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا عارف يعنى ايه؟، يعنى ينسبون اليهم ما هم بُراء منه لم يعلموه و لم يفعلوه، و اخيرا لازم يا ابنى تتبع الادب القرأنى في قول الله عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم وَلا تَجَسَّسُوا ) و هذا الادب القرانى من اسباب الراحه و الطمأنينه لان سوء الظن و الشك بيولد قلق و اضطراب و ممكن يدفعك للتفتيش و احيانا للتجسس، واجه زوجتك، طمنها و خليها تصارحك، اقف جنبها وقفه راجل عارف ربه و دينه و بيحبها و يخاف عليها، متفتحش للشيطان باب بينكم يا ابنى بلاش، و ربنا يهديك و يريح بالك و يصلح حالك..
ربت الشيخ على كتفه مؤازرا ونهض داعيا له بالهدى والطمأنينه بينما امجد يكاد يبكى من هول ما سمع، هو اتهمها في شرفها دون ان يسمع منها! ماذا فعل! بحق الله ماذا فعل؟ كيف دفعته نفسه لتصديق ما فكر به؟! كيف وافقه عقله على اتهامها بهذا؟
نهض مسرعا مقررا الاعتذار ثم التحدث و الوصول لطريق صحيح يجمعهم معا من جديد، اخذ طريق العوده ركضا حتى كادت انفاسه تنقطع، صعد الدرج مسرعا كان يصعد درجتين بدرجتين، فتح باب المنزل ليواجهه الظلام من كل مكان.. توقف قليلا يلتقط انفاسه ثم اتجه لغرفتهم سويا مناديا باسمها: سلمى، سلمى، انتِ فين؟
لم يصله رد، فتح باب الغرفه و دلف ليجدها فارغه، خرج و بحث بالمنزل بأكمله و لكنه لم يجدها، دلف لغرفه النوم مره اخرى و هاجس مخيف يحاوطه و اتجه لدولاب ملابسها ليفتحه ليجده فارغا من بعض ملابسها بل الكثير منها.. استدار شادا خصلاته بغضب و ندم و جلس على الفراش ضاربا اياه بقبضته عده مرات، رفع يده على وجهه مهدئا نفسه متمتما كأنه يواسيها و يخبرها الصبر: اكيد في الشغل، اكيد هترجع تانى..
نهض و ابدل ملابسه و عقد نيته ان يتجه للشركه قبل ان يذهب لعمله، صعد لسيارته و جز على اسنانه بغضب ثم اغلق عينه محاولا الوصول للتصرف الامثل الان و لكن على ما يبدو انه لم يعد يستطيع حتى التفكير...
اتجهت مها لغرفه الاجتماعات و قبل دخولها تقدم محمود واقفا امامها و حمحم متسائلا: ازيك يا مها؟ اشاحت بوجهها عنه بهدوء و اومأت برأسها و حاولت تجاوزه لتدلف و لكنه اعترض طريقها مجددا فرفعت عينها اليه بغضب متعجب، نظر لفيروزيتها التى اشتاقها و ابتسم ملاحظا غضبها المتوتر و همس بمرح: حتى لو انفصلنا هنفضل زمايل يا مها، يعنى ممكن تبصى لى بابتسامه بلاش العصبيه دى.
زمت شفتيها بضيق و غضبها يزداد فأشارت بيدها على الباب خلفه ثم اشارت بحده ابعد عن طريقى يا محمود زفر بقوه فما يفعله خطأ هو يعلم و لكنه لن يهدأ حتى يأخذ جواب سؤاله الذى يؤرق ليله منذ زمن طويل، و الذى صرح عنه مباشره: انتِ وافقتِ على العريس يا مها؟
في ذلك الوقت تقدم اكرم باتجاه غرفه الاجتماعات و عن بعد لاحظ وقوفهم سويا و بحركه سريعه كاد يهجم على محمود ليحطم وجهه خاصه بعد رؤيه ملامح مها الممتعضه و لكنه توقف منتظرا رد فعلها.. عقدت مها حاجبيها بنفور و تعجب من تدخله فيما لا يعنيه و لكن ما اثار فضولها كيف عرف فأشارت و هى ترمقه بتساؤل انت عرفت منين؟! زمجر محمود بغضب فاجأها: مش مهم منين، المهم انتِ وافقتِ؟!
رمقته بغضب و حاولت المرور مره اخرى و لكنه مجددا اعترض طريقها فزفرت بغضب و كاد اكرم يتقدم و لكن محمود اسرع حتى يُوقف اياها هاتفا باجابه سؤالها علها تمنحه اجابتها: اكرم اللى قالى.. توقفت و نظرت اليه بدهشه و هى تتسائل بداخلها من اين لاكرم ان يعرف؟ امن الممكن ان عاصم اخبره؟ ولكن لما يخبره؟ لاحظ هو امارات الدهشه على وجهها فتسائل بترجى علها تجيبه: قوليلى يا مها، وافقتِ؟
نظرت اليه بحده مفرطه و صرحت باشاره و عينها تطلق اليه اسهم تحذيريه موافقتش و مش هوافق و حذارى تقف قدامى مره تانيه و الا، ثم عادت للخلف خطوه مشيره بيدها بقوه ابعد عن طريقى.
نظر اليها و الى قوتها الجديده المنبعثه من نفس واثقه و امام غضبها لم يستطع سوا الابتعاد فرمقته بنظره استنكار ساخره و دلفت للغرفه، ابتسم محمود بسعاده و هم بدخول الغرفه و لكنه فوجئ بأكرم امامه ينظر اليه بغضب عاصف فاتسعت ابتسامه محمود متمتما بتحدى: القلب و ما يريد بقى.
نظر اليه اكرم من اعلى لاسفل و تطلب الامر منه كل قوته حتى لا يهشم وجهه و هتف بنبره صارمه: لو اتكرر اللى حصل دا مره تانيه، مش هيحصلك منى طيب يا محمود، و صبرى عليك مش بدأ ينفذ لأ دا نفذ خلاص.. و تركه و دلف للغرفه تفاجئ الجميع بملامحه الغاضبه، نظرت هبه لمها قائله: ماله داخل متضايق كده؟. حركت مها كتفها بحركه متعجبه بمعنى لا اعرف.
جلس مازن بجواره متسائلا مدعيا عبثه بالاوراق: خير يا اكرم، وشك مايبشرش بالخير! رمقه اكرم بطرف عينه ثم نظر امامه محاولا تجنب ان تصطدم نظراته بنظراتها و صاح بعصبيه و هو يضرب بيده على الطاوله امامه: فين الملف؟
انتفض الجميع و تبادلت هبه و مها النظرات و نظرت كلتاهما لسلمى التى كانت شبه مغيبه و بحكم ان مها بالقرب منه دفعت بالملف امامه و الذى كان يبعد مسافه يد عنه، رفع نظره اليها بغضب تعجبته هى و اخفضت بصرها مسرعه، لقد كان يبتسم منذ قليل ماذا حدث؟!
بدأ الاجتماع و كان من اسوء ما مر عليهم حتى اتى صاحب الشركه المطلوب تصاميم لها، فنهضت هبه لتسرد تفاصيل التصاميم و لكن اوقفها اكرم بهدوء ينافى احتراق صدره: صاحبه التصاميم تقوم تشرحها..
اضطربت مها فهى حاولت التملص من الامر بعدما نبهها هو صباحا ان الامر يعتمد عليها، فكرت بالاستعانه بهبه و لكن يبدو انه يصر كل الاصرار على اخجالها و امام نظراته الثاقبه نهضت بارتباك وافقه امام الجميع ثم اعطتهم ظهرها تعد جهاز البث امامها و اغلقت عينها للحظات ثم استدارت اليهم لترى نظرات اكرم المتحديه و التى لا تدرى لما و لكنها بعثت بداخلها قوه لا تدرى مصدرها فنظرت لمازن و اشارت على مجموعه الاقلام بجواره، فجذب احداهم و اعطاها اياه فأخذته و دون ان تشير بكلمه واحده اخذت تكتب على لوحه البث امامها و تسرد تفاصيل التصميم بكتابه و على وجهها امارات الثقه التى كان من شأنها ان تخفض معدلات غضب اكرم على اقل تقدير - الان - لتتصاعد معدلات افتخاره بها..
انتهت و اغلقت القلم و وضعته امام اكرم بقوه تقريبيه فنظر اليها برفعه حاجب مدركا انها فعلت هذا كقبول لتحديه لها و بالطبع نجحت.. قاطع نظرته لها تصفيق الجميع لينهض صاحب الشركه ناظرا اليها باعجاب واضح جعل اكرم ينهض من مكانه مسرعا و قد عاود اليه غضبه..
اقترب الرجل من مها و نظراته مثبته عليها و للحقيقه لقد اضطربت و بحركه تلقائيه تحركت لتقف خلف اكرم الواقف بجوارها فبدا الامر اشبه بالاحتماء به، ادار وجهه قليلا لينظر لها ليرى بعينها اضطراب فأدرك على الفور انها ما زالت تخشى التعامل و يبدو ان حادثه المبنى لم تختفى من تفكيرها بعد.. مد الرجل يده ليصافحها متعجبا اختباءها و هتف باعجاب واضح: الشغل ممتاز جدا يا بشمهندسه..
انتظر ان تصافحه و لكنها لم تفعل بل نظرت ارضا ثم اومأت برأسها له و لملمت اوراقها و تحركت مسرعه خارج الغرفه، صافحه اكرم بدلا عنها و تحرك الجميع للخارج.. و لكن هبه شعرت بدوار يلفها فجلست على كرسيها مجددا لاحظها مازن قبل خروجه فاقترب منها بتساؤل: انتِ كويسه؟
رفعت عينها بارهاق واضح و لاول مره لم ينجذب لعينها، لاول مره بقربها يشعر بقلبه طبيعيا، لم ينفعل، لم ينبض بعنف، لم يرى بها امواج البحر الذى عشقها من قبل ان كان ما شعر به يسمى عشقا، فهو ايقن انه مجرد افتتان، اوهم نفسه به، و للاسف لاعوام كثيره صدقه.. تمتمت بضعف بادٍ على ملامحها: الحمد لله..
نهضت لتتحرك و لكنها لم تتوازن فاختلت قدمها لتسقط ارضا فاقده لوعيها، انتفض مازن متحركا باتجاهها و حمل زجاجه ماء محاولا افاقتها لم يستطع، نهض واقفا و اسرع يطلب مها و بنفسى السرعه هاتف معتز الذى حضر في غضون نصف ساعه كان قد تم خلالها نقل هبه للمشفى و ذهب محمود معها و لهذا لم تذهب مها. بمجرد وصول معتز اقترب منه محمود مسرعا هاتفا: هبه... اضطرب معتز و قاطعه متسائلا بقلق: مالها؟ هبه مالها؟
ضحك محمود رابتا على كتفه و تمتم بسعاده غلبت غضبه منه: هبه حامل، هتبقى اب.. تنفس الصعداء و غمغم بشرود: ما انا عارف.. رمقه محمود بتساؤل: من امتى بقى؟ و ليه محدش فيكم فرحنا بخبر زى ده؟ ابتسم معتز بسخريه فهو حتى البارحه لم يكن لديه علم، و قبل ان ينطق بكلمه خرجت الممرضه من الداخل تسأل بابتسامه: مين فيكم معتز؟ اشار معتز على نفسه و تقدم اليها مصرحا بلهفه: انا.
اشارت له بالدخول و خرجت هى من الغرفه، تقدم معتز للداخل بخطوات بطيئه ليجد هبه مسطحه امام جهاز ما و الطبيبه بجوارها، اقترب منها واقفا بجوارها فنظرت اليه و ابتسمت بوهن قائله برسميه: من حقك تشوفه.. نظر اليها متسائلا فاشارت لشاشه جهاز السونار لتتعلق عينه بها ليرى كيف يتحرك طفله، لمعت عينه بدموع فرحه و اُثيرت مشاعره تجاه صغيره فامتدت يده تحتضن يدها و تممتم بعدم تصديق: دا، دا ابننا يا هبه..
ارتجفت شفتيها هى الاخرى فلا يوجد من هى اسعد منها الان، لكم مره تمنت وجوده معها، لكم مره تمنت اى يتابعا طفلهما معا يدها بيده وعين كلاهما تفيض بدمع الحب و الفرحه كما هو الحال الان، ربما الان تحققت احدى امانيها معه، فسحقا للحزن فهى لم تتمنى شيئا بقدره هو، لم تتمنى احد غيره، و لم تتمنى حلما لا يحتويه، فهو اكبر احلامها، اسعدها و لكن اكثرها وجعا ايضا..
نهضت بهدوء بعدما ساعدها هو فابتسمت ريم الطبيبه و هتفت بعتاب: ربنا يهديكم لبعض، و ارحمى نفسك بقى يا هبه و كفايه ارهاق، انتِ ارهاقك نفسى مش جسدى.. امسك معتز يد هبه و اجلسها ببطء على الكرسى و تسائل و هى يرى انتفاخ بطنها للمره الاولى و الذى بالكاد يُرى: انا هتهم بيها شخصيا يا دكتوره بس هو عمر الجنين قد ايه؟ ابتسمت ريم و هى تخط عده تعليمات بالوصفه الطبيه و اجابته: اسبوع بالضبط و يكمل 6 شهور.
اتسعت عين معتز بدهشه و غمغم بتعجب: طيب ازاى مش باين عليها كده انا قبل ما اعرف بالحمل ملاحظتش حاجه خالص.. اتسعت ابتسامه ريم و هتفت و هى تستند بمرفقها على المكتب امامها: هبه جسمها ضعيف و كمان دا اول حمل فا بطنها مش ظاهره قوى، بس عامه في الكام شهر الباقيين دول هتظهر بوضوح و هتزيد بمعدل كبير، هيبان عليها الحمل متقلقش..
ابتسم و لكن قلبه ألمه، سته اشهر لا يعلم شيئا عن جنينه، لاحظ زياده في الوزن و لكن لم يُخيل له ابدا، سامحكِ الله على ما حرمتنى منه، سامحكِ الله.. ساعدها على النهوض بعدما اخذت صوره لصغيرها و خرجت معه لتجد محمود بانتظارهم و الذى بمجرد ان رأها احتضنها بقوه قائلا بلهفه: هبقى خال؟ ابتسمت و اومأت موافقه فنظر محمود لكلاهما متمتما بفرحه جنونيه: بعد قد ايه؟ ارتبكت هبه و اجابت بخفوت: 3 شهور.
اختفت ابتسامته و رفع احدى حاجبيه بتعجب: ازاى؟ انتِ حامل من امتى؟ اغلق معتز عينه منتظرا الاجابه فنظرت اليه و غمغمت بشرود و جراحها كلها تُفتح من جديد: عرفت يوم ما معتز اتجوز كنت حامل شهرين و نص، شدد محمود قبضته و نظر لمعتز بغضب متسائلا: و انت بقى عرفت امتى؟ لم يستطع معتز الرد فاجابت هبه بدلا عنه: امبارح..
ابتسم محمود بسخريه ناظرا اليه من اعلى لاسفل مشفقا على حاله و لكن دائما الجزاء من جنس العمل، فهو ألم هبه في اعز احلامها و هى ألمته في اكبر احلامه، فهو يعلم مدى حب معتز للاطفال و كم كان يحدثه عما يرغب بفعله مع طفله و لكن ها هو عقابه بان حُرم من معرفه وجود طفله حتى.. اعلن هاتف معتز عن وصول رساله ففضها ليجد مها تحاول الطمئنان على هبه، فأجابها بما يُسكن قلقها، نظر اليه محمود متسائلا بلهفه: دى مها؟
رفع معتز عينه اليه بغضب و حاول كبح جماح ضيقه من محمود و اشاح بوجهه بعيدا و لكن لم تستطع هبه و نظرت اليه باحتقار و هتفت بتصريح مباشر: انت عارف يا محمود، انا ممكن يجى يوم و اقدر اسامح معتز على كل اللى عمله، بس انت، مها عمرها ما هتسامحك ابدا مهما حاولت، عارف ليه؟ لانها اغلى منك بكتير و غاليه عليك قوى و انت ما تستحقش، و تركتهم و تحركت للخارج فرمقه معتز بنظره غاضبه اخيره و لحق بهبه بينما اخفض محمود رأسه اسفا و ندما..
٭٭٭٭٭٭٭ قرات مها رساله معتز و هدأت قليلا و لكنها تفاجأت بأكرم يطرق باب الغرفه ثم اندفع للداخل و على وجهه كل امارات الغضب فنهضت واقفه تطالعه بدهشه حتى اقترب ضاربا المكتب بيده بقوه جعلتها تنتفض عاقده حاجبيها.. مال برأسه محدقا بها بحده و اشار باصبعه محذرا: لو اتكرر انى اشوفك واقفه مع اى موظف من الشركه بالمنظر اللى شوفته الصبح، هضطر اخد اجراء مش هيعجبك، فاهمانى!
حملقت به بدهشه تحاول استيعاب ما يقول و لكنها على الفور ادركت ما يشير اليه فعقدت ذراعيها امام صدرها تستمتع اليه ببرود، عندما اردف هو: مكان الشغل للشغل اما الكلام و الرومانسيه الفاضيه دى مش هنا و مش قدامى..
صرخ بكلمته الاخيره من فرط ضيقه التى لا يعرف كيف يصرفه عنه، ف غيرته تكاد تفتك به، عضت باطن وجنتها محاوله امتصاص غضبها حتى لا تندفع و لكنها لم تستطع فاشارت بيدها بحده مع حركه شفتيها العنيفه بحديثها الصامت راعى كلامك يا بشمهندس، حضرتك اللى فتحت باب سؤال لما عرفته عن العريس اللى اتقدملى اللى انا شخصيا مش عارفاه، و بعدين انا اتصرف زى ما يعجبنى طالما مش بغلط،.
كانت سلمى في طريقها لمها و لكنها توقفت على الباب لتستمع لحوارهم و ترى انفعالهم، , عندما صاح اكرم بضيق: و وقفتك معاه مش غلط!، يسألك و تجاوبيه مش غلط؟، مبدأ انك تتسامرى مع راجل غريب مش غلط؟
ضربت على المكتب هى الاخرى و اشارت و ملامح وجهها تصرخ مع احمرار وجنتيها و عينها انا مسمحلكش تكلمنى بالاسلوب ده ابدا، حضرتك هنا مجرد مدير واجب عليا انفذ اوامرك في حدود شغلى غير كده لا، انت مش واصى عليا علشان تحاكمنى ايه غلط و ايه صح!
لاحظت هى نظره الدائم لشفتيها و التى تكرر كلما تحدثت، كانت تتجاهل الامر و لكنها لاول مره تنتبه لتركيزه الشديد مع غضبه، و انتبهت اكثر لعدم رؤيته لحركه يدها ايضا، مهلا هل ما استنبطته صحيح؟ تنفس بعمق ناظرا لعينها التى فاضت بغضبها و تعجبها لما استنتجته من نظراته: صح يا بشمهندسه معاك حق، انا مليش حق اتدخل فعلا.
و تركها و خرج مسرعا دون ان يلتفت لسلمى التى كانت تتابع الموقف من بدايته، دلفت سلمى و جلست مها بغضب على مقعدها فتمتمت سلمى بذهول: ايه اللى حصل؟ اشارت مها بغضب شافنى واقفه مع محمود، جن جنونه عليا، مش فاهمه ليه؟ و ازاى يسمح لنفسه يتكلم كده؟ و بعدين اصلا ايه سمحله يقول لمحمود ان في عريس متقدم ليا ابتسمت سلمى بعدم تصديق و نظرت للباب الذى خرج منه اكرم و غمغمت بثقه: بيغير!
ثم عادت ببصرها لمها التى رمقتها باستهزاء و لكن سلمى اردفت بما جعل مها تشتعل و قلبها ينبض بعنف: بيغير عليكِ يا مها، اكرم بيحبك. رفعت مها عينها لسلمى و هذه المره بعدم استيعاب و كأن الكلمه اخترقت صدرها لتستقر بقلبها معلنه عن اضطراب قاسى انتابه فور تفكيرها لوهله ان ما تقوله سلمى صحيح، و تتمنى.
جلست سلمى على الكرسى وهتفت محاوله الوصول لامر ما: انت اخدتِ بالك ازاى كان بيبص على شفايفك، مكانش بيتابع حركه ايدك زينا كلنا، فاهمه يعنى ايه؟ يعنى اتعلم يقرأ الكلام على شفايفك يا مها، اكرم بيعاملك باختلاف عن الكل. حملقت بها بصدمه دون استيعاب لما تقوله سلمى و التى اتسعت ابتسامتها مردفه بتفكير: انتِ قولتِ انه قال لمحمود على عريس؟ عريس ايه؟
سردت لها مها باختصار عن العريس المجهول الذى تقدم لخطبتها و التى رفضته دون تفكير فصرخت سلمى معنفه اياها: انتِ بتفكرى منين بالظبط؟، العريس دا اكيد اكرم يا مجنونه..
اتسعت عين مها بذهول ثم حركت رأسها نفيا فصرحت سلمى تعدد على اصابعها: اولا عاصم مخرجش من البيت طول الفتره اللى فاتت، قابل العريس امتى؟، الا اذا كان العريس راح له، ثانيا ايه يخلى عاصم يحكى لاكرم عن عريس متقدم ليكِ و الاهم انك رفضتيه؟ و انتِ عارفه ان عاصم مبيقولش حاجه تخصنا لاى حد، ، ثالثا لو قولنا عاصم قال، ايه يخلى اكرم يقول لمحمود و هو عارف انك كنتِ بتحبيه و مخطوبين!، رابعا بقى ايه يخلى محمود يسألك؟ و ايه يخلى اكرم يغضب؟
نظرت اليها مها بتفكير فكلام سلمى يبدو منطقيا و لكنها مازالت لا تستطيع التصديق، فاردفت سلمى و ابتسامتها تتسع تطمل باقى البراهين التى غفلت مها عن رؤيتها: ايه يخلى اكرم يرمى الورد اللى جابه محمود؟، ايه يخليه يجى يزعق فيكِ بالشكل دا؟، و الاهم دخوله الاجتماع بغضب لاول مره و اللى فهمنا دلوقتى ان السبب انه شافك؟ لو دى مش غيرة يبقى ايه يا مها؟
تحولت ابتسامتها لضحكه قصيره لتسخر من تلك التى فتحت فمها لا تستوعب مدى حقيقه الامر: و على رأى نزار قبانى اذا ثار الرجل غيرة، فاعلمى يا حواء انكِ امتلكتِ عاشقا ، ، حدقت بها قليلا ثم اضافت بثقه و تأكيد: اكرم بيحبك. اخفضت مها بصرها تحاول استجماع عقلها و لكن نبضات قلبها العنيفه و التى تشعر بها لاول مره جعلتها لا تستطيع التفكير...
ما هذا الذى تشعر به؟ مجرد شعورها بأن ما تقوله سلمى صحيح جعل قلبها يكاد يرقص فرحا، هناك سعاده غريبه تجتاحها، هناك فرحه تسكن نفسها، لطالما شعرت بشعور غريب بجوار اكرم، سواء كان خجل، ارتباك، ثقه، قوه و الاجمل سعاده.. أمن الممكن ان يكون حقا...! ابتسمت تلقائيا دون ان تدرى السبب فراقبتها سلمى ثم تمتمت بخبث: واضح كده ان في حقيقه جواكِ و ظهرت اخيرا..!
اجل حقيقه كانت منذ ان رأته و لكن انجرافها خلف الحاجه للحب دفعتها لمحمود و الذى لم يستطع منع شعورها حتى تجاه اكرم، دائما ما كان يربكها، رؤيته كانت تُثير شيئا بداخلها، غالبا ما يزداد خجلها امامه، دائما ما كان اكرم و لكنها لم تدرك..
اخذ اكرم يحوم بغرفته كالمجنون، يكاد يكسر كل ما يقابله، يشعر برغبه عارمه في تحطيم كل شئ، لا يحق له! اجل هى محقه؟ و لكن ماذا يفعل! كيف يتأكد من ان كانت ترغب به ام لا؟ كيف يرضى قلبه دون جرحا برجولته؟ كيف يمنحها نفسه دون شعوره بميل قلبها لاخر؟ ما زال محمود بداخلها، كلما سيُذكر اسمه ستتذكره، كلما ستراه سترتبك، كيف يتحمل شيئا كهذا؟ و الاسوء كيف يتغاضى عن هذا؟
رفع رأسه لاعلى متمتما بضعف و حنينه لوالدته يشتد: اشتقت لكِ يا امى، انا محتاج ليكِ قوى، محتاج احكيلك و تنصحينى، محتاج ارتاح في حضنك يا امى، وحشتينى قوى و تعبت من غيرك قوى..
جلس على الاريكه محاولا تمالك ألم قلبه و بدأ في نزع ربطه عنقه شاعرا بها تخنقه خنقا و هو يغلق عينه متذكرا كلمات والدته له و غمغم متذكرا عندما كان طفلا ينام على فخذها ليسرد لها ما يرهقه: حاولت بكل الطرق ادفن حبها جوايا مقدرتش، مفيش واحده قدرت تشاركك في قلبى غيرها، انا حبتها بس مش قادر اقولها، قلقان و خايف و متردد، تعبت من كتر ما بعمل قوى و قادر اتحمل، قلبى ضعف يا امى و قوتى بتهرب منى، انا اه بحبها و مستعد افديها بعمرى بس مش هتحمل اكون مهرب ليها من غيرى، مش هتحمل يكون في قلبها حد غيرى، مش هتحمل يا امى و مش عارف اعمل ايه؟ محتاج ليكِ قوى، محتاج ليكِ يا امى.
و للحظه تجسدت جنه امامه، و لعل تلك الصغيره تداويه، لعلها تساعده، نهض حاملا جاكيت بذلته و خرج من الغرفه مسرعا، و على باب الشركه تصادف مع امجد دالفا اقترب منه محييا: يا اهلا يا اهلا دكتور امجد ايه النور ده؟ ابتسم امجد مصافحا اياه مرددا بحبور: اهلا بيك يا بشمهندس... و بعد الحوار المعتاد عن الاحوال و خلافه بادر امجد متسائلا: سلمى هنا؟
اومأ اكرم قائلا: المفروض خرجت، اعتقد، ، ثم ابتسم و ربت على كتفه مشكرا في سلمى هاتفا بصدق: بهنيك بجد على زوجه رائعه و موهوبه زى سلمى، ابهرتنى في شغلها الاخير.. عقد امجد ما بين حاجبيه متعجبا و هتف بابتسامه: شغل ايه؟ اجابه اكرم غير مدركا ان اجابته اصابت امجد في مقتل: شقه عريس جديد في عماره ، سافر لشغل و ساب الشقه في ايدى و انا سلمتها لسلمى و النتيجه مبهره...
تجهم وجه امجد و اضطربت انفاسه هاتفا بحده و يتمنى ان تكون الاجابه لصالحه: سلمى كانت بتروح الشقه و العريس كان فيها يعنى؟ تعجب اكرم تساؤله المبطن بالشك و لكن اجابه ببساطه: راحت مرتين، مره علشان تشوف المكان، و مره انا طلبت منه تقابلنا هناك غير كده شغلها كله كان هنا، و اساسا صاحب الشقه مسافر..
وضع امجد يده على فمه و هو يكاد يصفع نفسه، و هو يتذكر كلمات الشيخ واجه زوجتك باللى في قلبك ربما يكون سوء ظن او سوء تحليل و يزول بكلمه او توضيح بسيط تحرك من امام اكرم دون ان يلقى السلام حتى و اخرج التحاليل القديمه التى تثبت انه عقيم و الذى احتفظ بها معه بالسياره، ناظرا اليها، هذا هو امله الوحيد و ان كان خطأ فجمله و تفصيلا حياته دُمرت، و هو من دمرها بيده..
فسلمى لن تغفر له و لن تسامحه على ما قال و ما فعل.. طالما كانت متمردته و لكنها الان ستتمرد عليه و يبدو انه لن يستطيع مجابهتها فخطأه الان لا يُغتفر..
وضعت كوب القهوه على الكومود و اقتربت من ملابسه الموضوعه على الفراش، حملت قميصه مقربه اياه من انفها مستنشقه عطره بقوه لحظات حتى شعرت بيده تطوق خصرها بتملك مديرا اياها بسرعه ليحتضنها لصدره فدفنت وجهها بعنقه مستمتعه بذلك الشعور الذى طالما حرمت قلبها منه حتى وصلها همسه المغرى العابث: مش كده افضل، يعنى القميص و لا صاحب القميص؟
ابتسمت بخجل و تعلقت بعنقه اكثر فاتسعت ضحكته العابثه ليزداد ضغطه على خصرها غامزا بشغب: عامه القميص و صاحب القميص تحت امرك يا جنتى.. ضحكت بغنج ثم ابتعدت عنه مستنده بيدها على صدره و نظرت لعينه لتحاوطها حصونه السوداء بأسهم احترقت بعشقها و صرحت اخيرا بحبه لها و تمتمت بحب: وحشتنى قوى جنتى .
مال بشفتيه على جبينها ليطبع قبله طويله مغمغا: انتِ جنه عافرت علشان ادخلها، تاخدى وسام التميز بجدراه لانك الوحيده اللى تعبتِ قلب، عقل و روح عاصم الحصرى.. ضمها اليه اكثر و مال عليها بعبث يداعبها بأنفه بمكر: بس فداكِ عاصم الحصرى كله. ابتسمت و ابتعدت عن مرمى يده هاتفه بارتباك: يالا علشان هتتأخر على ميعادك..
امسك يدها جاذبا اياها مجددا و هى يصيح بتملك و بنبره صبيانيه عابثه مع غمزه مشاكسه: يتأجل الميعاد، هو انا عندى اهم منك يا جميل.. اتسعت عينها بضحكه و هتفت بدهشه و عدم استيعاب: عااااصم! اتسعت ابتسامته و لاعب حاجبيه بعبث و تمتم بتساؤل رغم ادراكه للاجابه جيدا: أُمرى! دفعته بخفه بكتفه و ضحكتها تزداد و خجلها يتفاقم تصيح و حياءها يغلبها: بس بقى.
اقترب خطوه منها مائلا عليها بمراهقه انحرافيه: بس ايه؟ ايه بس؟ هو انا لسه عملت حاجه؟ دا احنا ايامنا ورد... ابتعدت عنه و هى تضحك بعدم تصديق و تنظر اليه بذهول، أهذا عاصم؟! مهلا، أهذا النقيب عاصم الحصرى؟! كان مخيفها، و اصبح معذبها، ليصير حب قلبها، و الان هو مجنون..!
تراجعت خطوتين للخلف و هى تطالعه بدهشه ظهرت جليه في عينها فضحك بملئ صوته فاتسعت عينها اكتر و هى ترى اشراقه عينه مع ضحكته. , و امام دهشتها بعاصم الذى اخفاه عنها كثيرا اقترب بتفهم محتضنا اياها متنهدا بعمق و همس بجوار اذنها: هننسى كل حاجه، مش هنفتكر غير حاجه واحده بس.. ابعدها عنه ناظرا لعينها بقوه ليغرق في ابريقها العسلى الذى لمع بدموع فرحتها و اردف بثقه: انتِ انا، و انا انتِ، فاهمانى طبعا..!
اومأت برأسها بسرعه و دموعها تزداد تراكما فرفعت يدها تحاوط وجهه تلامسه ببطء و تردد حتى شعر بارتجافه يدها و التى اكدتها رعشه صوتها و هى تمتم بتساؤل خائف: عمرك ما هتبعد عنى يا عاصم، هتفضل دايما جنبى، انا مش هتحمل خساره جديده! رفع يده مسرعا ليضم وجهها بكفيه مزيلا دموعها و همس بصدق عاطفته تجاهها: ابدا، هفضل احبك و كل يوم اكتر، و طول ما انا عايش مش هسمح انك تزعلى او تعيطى تانى ابدا، و دا وعدى ليكِ..
لامست كلماته قلبها فمنحها طمأنينه طالما بحثت عنها فارتكزت على اصابع قدمها لترتفع قليلا و عندما لاحظ هو اخفض رأسه لها فطبعت قبله دافئه على وجنته متمتمه بخفوت شديد بجوار اذنه: ربنا يديمك في حياتى..
داعب انفها بانفه ثم اقترب منها اكثر حتى كاد يٌقبلها و لكن طرقا قويا على الباب جعل كلاهما ينتفض و ابتعدت جنه مسرعه عده خطوات للخلف تنهدم ملابسها بارتباك بينما هو اسودت ملامح وجهه و حدق بالباب بنظرات غاضبه مميته حتى جنه تكاد تجزم انها شعرت بالخوف لوهله و لكن غلبها الضحك هذه المره عندما اندفعت سلمى للغرفه صارخه: انا جيييت.. استند عاصم على دولاب ملابسه بيده ضاربا اياه بقوه: ليه؟
نظرت اليه سلمى بعدما قبلته بود متعجبه و تمتمت بتساؤل: هو ايه اللى ليه يا عاصم؟ شدد قبضتيه بقوه و عقد ما بين حاجبيه بنظرات جعلت سلمى تضطرب بحق و هى تحدق به بحذر حتى هتف بحده: انتم حد موصيكوا علينا؟ رفعت سلمى اصبعها متسائله باستنكار متعجب: انتم مين؟! و حد مين؟!، , ثم نظرت لجنه متمتمه: هو في ايه؟!
حاولت جنه كتم ضحكتها و هى ترى نظرات عاصم الغاضبه فحالت نظراتها عنه لسلمى و غمغمت بلا مبالاه: بيهزر بيهزر، تعالى ننزل تحت.. و اصطحبتها لخارج الغرفه و لكن بمجرد ان خرجت سلمى امسك عاصم بيد جنه و جذبها للداخل هاتفا بحنق: ثوانى و هتحصلك يا سلمى.. اغلق الباب بقدمه و دفع بظهرها على الباب المغلق و استند بيديه عليه محاوطا اياها مبتسما بتلذذ لارتباكها و همس بنبره متطلبه: مبعرفش اسيب حقى..
طالعت النظرات المتلاعبه بعينه و هتفت باستنكار و هى تدفعه: حق ايه يا عاصم؟ ابعد حد يشوفنا! ابتسم ابتسامه صفراء متمتما بسخريه: هو انا قافش واحده في الشارع! انتِ مراتى يا جنه هانم، ، اقترب منها مؤكدا بعبث: و في اوضتنا، , اقترب حتى صار ملاصقا لها ليخفض رأسه مستندا بجبينه على جبينها و ازداد همسه ببحه رجوليه اغوت قلبها: و لوحدنا.. حاولت ابعاده لم تستطع و ربما كالعاده دائما خانتها يدها لتقربه: ب..
لم يسمح لها بالتحدث متملكا شفتيها في قبله ناعمه اودعت بكيانها كله بين يديه... طرقت سلمى الباب بعنف صارخه: جنه يالا.. انتفض كلاهما مجددا و لكن عاصم كان على وشك الانفجار و بحق كان غاضبا غاضبا بشده، ، نظرت اليه جنه و كادت تسقط ارضا من فرط ضحكها و لكن مظهره انبأها بخطوره الموقف على سلمى، فنظراته السوداء تهدد بأمر غير سار.
اقتربت منه و قالت بهدوء و هى تداعب وجنته بطفوليه: انت عندك ميعاد، و انا سلمى عاوزانى لما ترجع هنقعد سوا، بلاش تتعصب كده، بتخوفنى.. نظر لعينها الطفوليه و التى اندمج عسلها برجاءها فزفر بقوه محتنضا اياها دافنا وجهه بعنقها ثوانى و ابعدها عنه هاتفا بالم صدره من عشقه اللامتناهى لها: انتِ دمارى..
ابتسمت طابعه قبله على وجنته و خرجت مسرعه من امامه مغلقه الباب خلفها فنظر هو للباب و تنهد بابتسامه ساخره، تبا يا ابن الحصرى تبا.. جلست جنه مع سلمى بالحديقه يتسامرون و كانت سلمى تحاول جاهده ألا تُظهر شيئا اندمجت جنه معها ثم هتفت متذكره: المفروض انك تكونى في الشركه دلوقتى؟! اومأت سلمى بالنفى و تمتمت بلا مبالاه: لا خلصت شغل.
ابتسمت جنه موافقه ثم اعتدلت ناظره لها بتفحص لتجدها شارده فأمسكت يدها متسائله بحنان: مالك يا سلمى؟ حاسه انك مش طبيعيه النهارده..؟! حركت سلمى رأسها يمنيا و يسارا نافيه و هتفت بمحاوله لاخفاء الواقع: انا كويسه جدا. ضغطت جنه يدها و ابتسمت و قد تأكد اعتقادها: فيكِ ايه يا سلمى؟ مش هتعرفى تخبى عليا، انا اكتر واحده خبيت وجعى جوايا صعب تضحكِ عليا بكلمه كويسه.
نظرت لعينها التى انطفأ بريق الضحك بها و عادت سؤالها مره اخرى: مالك؟ صمتت سلمى قليلا و لمعت عينها بالدموع ثم وضعت يدها اسفل بطنها و همست باهتزاز و توتر: انا حامل.. ابتسمت جنه بسعاده و ظهر ذلك جليا على وجهها و هى تصيح بفرحه: ما شاء الله لا قوه الابالله، انتِ بتتكلمى بجد، الله، الف الف مبروك يا سلمى.. ازدادت دموع سلمى و هى تضم جسدها بقوه و لتردد بتحشرج: بس امجد مش مصدق انه ابنه..!
اتسعت عين جنه و اختفت ابتسامتها بصدمه و هى تحاول استيعاب الكلمه و لكن لم تسنح لها الفرصه حيث وجدت عاصم يقترب عليهم فنهضت مقتربه من سلمى و تظاهرت بأنها تُمسك حجابها و لكنه بدأت تزيل دموعها و هى تقول بتصنع: حلوه لفه الطرحه دى.
ادركت سلمى ان عاصم قادم من نظرات جنه خلفها فأسرعت بازاله دموعها و اعتدلت كلتاهما جالستين فاقترب عاصم و وضع يده على كتف سلمى فنهضت واقفه فاحتضنها قائلا بود: اخبارك ايه يا متمرده هانم؟
و يا ليته لم يفعل ففور ان احتضنها تمسكت بملابسه بقوه و انهرت دموعها بغزاره جعلته يعقد حاجبيه تعجبا و شدد من ضمه لها و بدأ قلبه يُصدر انذارات قلق و عقله يصرح بامارات غضب، نظر لجنه ليجد عينها تتجنبه باصرار فأدرك ان الامر جدى و لو لم يكن كذلك لم تكن سلمى لتبكى فمرات بكائها على مدار عمرها قليله جدا، هناك ما يؤلمها، يؤلمها بقوه..
ابعدها عنه ببطء و هى تصر على اخفاء وجهها به فتمتم باصرار هو الاخر و هو يبعدها: بصي لى يا سلمى.. و بعد عده محاولات نظرت اليه ليجد عينها حمراء بشده و وجهها يخبره ان الامر كبيرا، هم بالتحدث و لكن جنه نظرت اليه لتؤشر له برأسها يمينا و يسارا رفضا كأنها تخبره انه ليس الوقت المناسب.. اخذ نفسا عميقا و رفع يده مزيلا دموعها و ربت على وجنتها متحدثا بهدوء ينافى غضبه الحارق: اطلعى ارتاحى شويه و نتكلم وقت تانى..
اومأت و تحركت للداخل فاحتدت عيناه مجددا و قبل ان يقترب من جنه ليقول حرفا واحده رفعت يدها هاتفه تبرأ نفسها و تقنعه انها لا تعرف: معرفش مالها كانت لسه هتتكلم و فجأه عيطت، متقلقش انت انا هتكلم معاها تقدر تعتمد عليا.. حاوط وجهها بيده طابعا قبله على جبينها متمتما بثقه: خدى بالك منها و انا مش هتأخر..
اومأت موافقه فتركها و رحل بينما هى كادت جمله سلمى الاخيره تُذهب بعقلها و لكن كيف حدث هذا؟ لابد ان تعرف و لكن ربما عليها الانتظار قليلا...
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث والأربعون
حنين انا ماشيه.. صرخت بها حياه و هى في طريقها للخروج و لكنها توقفت لتُجيب على رنين هاتفها و الذى اضاء باسم مازن و لكن قبل ان تتحدث وصلها صوتا غريبا: السلام عليكم... ابعدت الهاتف تنظر للشاشه لتتأكد ثم اعادته على اذنها مجيبه بتحفظ: و عليكم السلام، مين حضرتك؟ وصلها الصوت مجددا بتحفظ هو الاخر: حضرتك تعرفى صاحب الرقم دا؟! اضطربت حياه و هتفت بلهفه: ايوه انا مراته، مين حضرتك؟ و فين مازن؟
حمحم بحذر ثم القى بما حدث على مسامعها مما جعل حياه تشهق بفزع: انا اسف بس الاستاذ هنا في المستشفى، عمل حادثه بس.. انتفض قلب حياه و صرخت باضطراب: حادثه! و مازن عامل ايه؟ هو كويس؟! حاول تهدئتها هاتفا بما يُسكن قلبها: هو بخير الحمد لله انا لقيت تليفونه و قولت اكلم حد و كان رقم حضرتك اخر رقم، احنا في مستشفى اغلقت الهاتف مسرعه و صرخت بعلو صوتها: حنيييييين، يا حنييييين.
خرجت حنين من الغرفه ركضا على صوتها و اقتربت منها مسرعه تجيبها بقلق: في ايه يا حياه؟ ايه حصل؟ دفعتها حياه للغرفه و هى تصيح بها: البسى بسرعه، مازن في المستشفى.. تجمدت حنين و استدارت لها صارخه بذعر: مستشفى! امسكت بذراعها بقوه تصيح و قلبها يكاد يخرج من مكانه: مازن ماله يا حياه؟ قولى بالله عليكِ انه كويس. استمرت حياه بدفعها مسرعه: انا معرفش حاجه، البسى علشان نروح له بسرعه..
ركضت حنين للعرفه و اخذت ترتدى ملابسها مسرعه و هى تتمتم بخوف وجل أرعب قلبها فلا قدره لها على فقد مره اخرى: يارب متحرمنيش منه، يارب مش هتحمل بعد تانى، يارب تحميه و تحفظه، يارب... انتهت من ارتداء ملابسها و خرجت مسرعه و تحركت كلتاهما للخارج، و لاول مره تُغامر حنين و تستغل رخصتها و صعدت للسياره مسرعه باتجاه المشفى، بعد بعض الوقت كانت حنين تصف السياره و مازال لسانها يردد بالدعاء له..
دلفت للاستقبال و سألت بلهفه: مازن الشرقاوى، حادثه عربيه.. ابتسمت الممرضه و اشارت للخلف قائله: دا الاستاذ اللى جابه هنا.. اتجهت حنين اليه مسرعه و خلفها حياه تركض نظرت للرجل و عينها تنبض بالقلق تسأله بلهفه خائفه: مازن فين؟ ابتسم يطالع نظرات القلق في عينها متسائلا بهدوء: انتِ مراته؟ اومأت حنين مسرعه و هى تجيبه: ايوه انا هو فين؟ هو كويس؟
نظر لها ثم نظر لحياه و تحدث مطمئنا اياهم: متقلقوش هو بخير الحمد لله، الحادثه كانت بسيطه، الموضوع كان غصب عنى انا.. قاطعته حنين بغضب و هى تشير اليه باصبع اتهام تهدر صارخه: انت اللى خبطته! حاول التحدث مبررا موقفه و لكن بمجرد ان تحدث قائلا: ايوه، بس ا.. قاطعته مجددا و هى تزمجر غاضبه معنفه اياه: انت بنى ادم مستهتر، كان المفروض تنتبه، دى ارواح ناس، و لا كل حاجه عندكم بقت بالساهل؟
حاولت حياه تهدأتها هامسه و هى تدرك سبب غضبها جيدا: اهدى يا حنين.. نظر الرجل لحياه مستغيثا بها و حاول تهدأه حنين هاتفا باعتذار: انا اسف بس و الله الوضع كان غصب عنى عربيته ك..
نظرت اليه من اعلى لاسفل و تركته راحله لتسأل الممرضه عن غرفته فاخبرتها بها فركضت للاعلى و همت حياه باللحاق بها و لكن اوقفها رنين هاتفها لتجدها صديقتها بالعمل فضربت جبهتها بيدها متذكره و فتحت الخط لتندفع الاخرى بها صارخه: انتِ فين يا حياه؟ اتأخرتِ ليه كده؟ حاولت حياه التحدث و لكن اندفعت صديقتها مره اخرى هاتفه: انتِ حره، لما المنحه تضيع منك متبقيش تزعلى، انا هقفل علشان عليا الدور.
و اغلقت الخط دون ان تستمع لحياه حتى، نظرت حياه لمدخل المشفى ثم نظرت للطريق، و كأنها تنظر لمازن، و في الجهه الاخرى حلمها، فزفرت بقوه و اخذت نفسا عميقا و خرجت من المشفى اوقفت سياره اجره و انطلقت باتجاه المقابله التى سيتحدد عليها مصير حلمها..
اندفعت حنين لغرفه مازن لتجده جالسا يحاول ارتداء قميصه و جسده مضمد بعده اربطه شملت كتفه الايسر مائله للامام على صدره ثم تحاوط جسده، بالاضافه لضماد ابيض حول رأسه و الاخر حول معصم يده اليمنى..
لمعت عينها بالدموع و اقتربت منه و دون كلمه اخذت تساعده بارتداء قميصه بينما هو استسلم لها ناظرا لوجهها بدهشه لتذهله دموعها االتى تهدد بالسقوط حتى انتهت فدفعت كتفه بيد للخلف قليلا حتى يتسطح على الفراش فطاوعها و بيدها الاخرى عدلت من وضع الوساده خلفه ليستند عليها ثم امسكت يده لتجعله يعتدل، و بالنهايه جلست بجواره دون ان تنتبه انها مازالت تمسك يده اقرت بنبره متألمه: انت مش كويس!
ابتسم بوهن و رأسه يكاد ينفجر من ذلك الصداع بالاضافه لدوار خفيف يلفه و حاول اخراج صوته طبيعيا مجيبا اياها: بالعكس انا كويس خالص، متقلقيش.. اردفت كأنها لم تستمع اليه و بدأت دموعها تنساب تعاتبه: انت ليه بتأذى نفسك؟، بتهمل نفسك لدرجه توجع كل اللى حواليك، ليه بتنسى ان في ناس محتاجه ليك..!
تعجب نبرتها الحزينه و الذى زاد تعجبه ضغطها على يده كأنها تخبره انها تقصد نفسها بما تقول، لم يستطع سوى ان يضم يدها بيده الاخرى لتنتبه اخيرا انها مازالت تحتضن يده ليتحدث بضعف و ارهاق: انا بقيت احسن صدقينى و هقوم و هبقى زى الحصان.. نظرت اليه و لاول مره تستسلم لدفء عينه لتمرر عينها عده مرات عليه و يزداد انهمار دموعها مغمغمه كأنها في حاله من اللاوعى: انا كنت هموت، مكنتش هتحمل ان حاجه تحصلك..
نظر لوجهها بذهول و كلماتها تصيبه في عمق قلبه، هو يدرك انها غير واعيه، يدرك انها تتذكر فارس الان و تهيم في ذكرى وفاته، و لكن كلماتها، نظراتها، و ارتجافه يدها، ارجفت قلبه، وجودها داخله خطأ، و لكن ماذا يفعل؟ دائما ما اختار قلبه كل صعب، دائما ما تعلق بما هو بعيد عنه، و لكن شعوره بحنين ليس مجرد تعلق، ليس افتتان، و ليس حب.. بل هو اكبر من ذلك، و لكنه وصل بمشاعره لما هو ابعد من هذا.
شعر بروحه تختنق و انفاسه تضطرب فجذب يده من يدها و اشاح بنظره عنها مدركا ان احساسها الان ليس له و لن يكون ابدا له.. و لكن ما الحل؟ اخيه قالها من قبل هى خُلقت من حب و خُلقت لتُحَب قطع تفكيرهم صوت الباب يفتح ففى الواقع لم ينتبه كلاهما للطرق، دلف الرجل محمحما: حمد لله على سلامتك.. اعتدل مازن ناظرا له مرددا بود: الله يسلمك، انا بعتذر جدا على...
نهضت حنين بغضب ترمق ذلك الرجل بحده و هدرت بعصبيه: المفروض هو اللى يعتذر على فكره مش انت..!؟ ابتسم مازن باحراج من اندفاعها فمازن المخطئ و لكن هى لم تعطيه الفرصه و اردفت بأسلوب اشبه بالطرد: متشكرين ان حضرتك ساعدته لحد هنا، كتر خيرك.
لم يستطع مازن الصمت امام الرجل الذى ابتسم بمكر ناظرا لكلاهما فجذب يد حنين لتنظر له و اشار بعينه لها ان تصمت و ضغط يدها علها تستجيب له و لكنها لم تفعل و همت بالتحدث عندما قال الرجل اخر ما يجب عليه قوله: ربنا يخليكم لبعض، واضح ان المدام بتحبك قوى، خافت جدا عليك ربنا يحميكم، و اه اخت حضرتك جالها تليفون تقريبا و خرجت، و حمدالله على السلامه مره تانيه، عن اذنكم..
تجمدت حنين و مازال مازن ممسكا ليدها لتنظر لوجهه بصدمه، ماذا سمعت للتو؟ شعر مازن بارتباكها فحاول تهدئتها فترك يدها و لا تدرى السبب و لكنها شعرت ببروده تجتاحها عندما قال و هو يُبعد عينه عنها: ياريت متتضايقيش انا عارف ان اللى وجعك مش خسارتى و اللى قلقك مش خوفك عليا، ذكرى فارس هتفضل وجعانا كلنا، و انا مقدر موقفك. ازداد اتساع عينها بصدمه اكبر، هى لم تتذكر فقدانها لفارس هى خشت ان تفقده هو..
لم ترى به فارس هى رأت مازن، فقط مازن.. وضعت يدها على وجهها تمسح عليه بتوتر و قلبها اعلن الخطر، زلت قدمها في منحدر خاطئ، عقلها و قلبها يتجهان له، و لكن ذكرياتها تجذبها للخلف.. ابتسمت بتردد بوجهه و اومأت موافقه، مهلا لما كل هذا؟ هى تحبه كأخ لها، لو كان عاصم بمحله لتصرفت بنفس الشكل، هى تقدره كأخ و تعزه كصديق، لا اكثر ولا اقل..
قاطع افكارها عندما تسائل: فين حياه؟، ، ثم اشار باصبعه بدهشه متعجبا و ساخرا بالوقت ذاته: هو قصده بأختى حيااه! هى جات هنا و مشيت؟! و هنا ادركت حنين للمره الثالثه مدى لهفتها لاجله فهى حتى لم تنتبه اين حياه؟ او ماذا تفعل؟ حركت راسها يمينا و يسارا بالنفى تجيبه: هى جات معايا بس مش عارفه راحت فين؟ ابتسم متذكرا و همس بصوت بالكاد يُسمع: اه صحيح عندها مقابله شغل، ربنا يوفقها.
حاول النهوض فوقفت امامه تسأله باهتمام: قايم ليه؟ ابعدها من امامه بهدوء و نهض فداهمه دوار و رأسه كاد ينفجر فترنح ثم سقط على الفراش مره اخرى فاقتربت تستفسر منه عما يريده: قولى محتاج ايه و انا اعمله؟!؟ وضع يده على رأسه متألما و هم بالتحدث و لكن قاطعه طرق الطبيب للباب دالفا: حمد الله على السلامه يا بشمهندس.. اجابه مازن مستسلما للطبيب و هو يتفحصه: الله يسلمك..
بدأ الطبيب يتفحصه بدقه مردفا بعمليه: الحمد لله جات سليمه مفيش اى اصابات داخليه هى شويه كدمات و مع الوقت و العنايه هتروح، و طبعا يُفضل تتجنب السواقه خالص الفتره الجايه، و يومين ثلاثه راحه و هتبقى كويس ان شاء الله.. اومأ مازن بلامبالاه و هتف بنفاذ صبر: ايوه يعنى هخرج امتى؟
نظر الطبيب اليه بخيبه امل فعاده الشباب الصغير مثله يتعاملون مع امورهم الصحيه باهمال ولامبالاه مثله تمام و كعادته دائما ابتسم قائلا بعمليه: تقدر تخرج دلوقتى لو حابب، بس.. اومأ مازن مسرعا و موافقا: حاضر ههتم بنفسى.. تركهم الطبيب و خرج بينما ساعدته حنين و حاول الهاء نفسه عن قربها منه بالاضافه ل لمساتها له و تسائل يشتت نفسه عنها: بابا و ماما عرفوا حاجه؟
اجابته و هى تتحرك بصعوبه فثقل جسده القاه عليها: لا، ماما كانت في الشغل و بابا خرج مع بابا عز تقريبا راحوا النادى.. اومأ برأسه و لم يجد بد من التفكير في وضعه الحالى معها و ربما توقف عقله عن التفكير حتى فاحساسه بها الان كافى...
بقيتِ احسن؟ تسائلت جنه و هى تعطى كوبا من العصير البارد لسلمى بغرفتها، فأخذته و اعتدلت جالسه و نظرت اليها متمتمه: الحمد لله.. نهضت جنه و اغلقت باب الغرفه و عادت جالسه امامها قائله بانصات: قوليلى الموضوع من اوله لاخره بالراحه و واحده واحده كده علشان افهم... تركت سلمى الكوب من يدها و نظرت لجنه بترقب هاتفه بتوجس: مش هتحكى لحد؟ ابتسمت جنه وطمأنتها و هى تربت على يدها هامسه بسريه مرحه: و لا حتى لعاصم..
بدأت سلمى تسرد عليها ما حدث بدايه من اصرارها على التحاليل حتى اتهام امجد لها.. صمتت جنه بدهشه تطالعها بتفحص ثم هدرت بغضب: انتِ غلط يا سلمى...
اشتعل غضبها و اشاحت بيدها صائحه بانفعال: انا اللى غلط! غلطت في ايه بقى؟ امجد كان هيتنازل عنى اول ما عرف بموضوع عجزه، فضل اكتر من اسبوع بيعاملنى كأنى مش موجوده دا مكنش حتى بيقرب منى يا جنه، و لما امورنا بقت تمام بدأ يراقبنى، انتِ متخيله يعنى ايه يراقبنى؟ و في الاخر يشكك فيا و في اخلاقى و الاسوء في شرفي يا جنه...
امسكت جنه يدها وضغطتها بحنان و هدأتها تحاول توضيح ما يصعب عليها فهمه: اولا انا مش هقولك اى راجل، انا هتكلم عن امجد، طبيعى انه يتصرف كده، صعب قوى عليه انه يحس انه بيدمر احلامكم سوا، ثانيا بعده عنك، اكيد هو كان بيتعذب اكتر منك و انتِ اكيد عارفه ده، ثالثا و الاهم مراقبته ليكِ، و في دى انتِ غلط لانك انتِ اللى دفعتيه يعمل كده..
جذبت سلمى يدها لتعود اليها احدى نوبات غضبها لتنهض واقفه لتصرخ بحده و عقلها يتمرد على قلبها يمنعها منحه اى عذر: لا انا مش غلطانه يا جنه، مش غلطانه و هو اللى غلط، هو اللى كسرنى بكلامه و اتهامه، هو اللى حرمنى من فرحه انى هبقى أم، هو السبب في وجعنا احنا الاتنين، و كده خلاص كل حاجه بينا انتهت..
تحركت باتجاه الباب لتخرج و لكن يد جنه التى امسكت يدها بقوه اوقفتها، لتفاجأها جنه بجذبها بقوه لتجعلها تجلس على الفراش بعنف تعجبته سلمى و ازداد تعجبها عندما صاحت جنه: انا كلامى لسه مخلصش يا سلمى، و طالما مش فاهمه غلطك فين يبقى لازم تسمعى، هو منعك تروحى شقق سكنيه، صح؟ صمتت سلمى و اشاحت بوجهها فوضعت جنه يدها على ذقنها لتجعلها تنظر لها و هتفت بانفعال: ردى عليا؟ صح و لا غلط؟! هتفت سلمى بغضب: صح..
اردفت جنه و هى ترمقها بحده و قسوه لاول مره تراها سلمى: و انتِ خبيتِ عليه و وافقتِ على الشغل من وراه و روحتِ، صح؟ هتفت سلمى مجددا و بدأت قوه غضبها تخمد: صح.. اكملت جنه بنفس القسوه و دون مرعاه لوجع سلمى فلا وقت للوجع الذى سيدمر كل شئ و هى اكثر من يُدرك معنى هذا: لما اكرم طلب منك وافقتِ بدون تفكير في امجد، و دا ادى انه لما طلب منك شهر عسل جديد رفضتِ، لأ و خلتيه غضب منك، صح؟
امتلئت عين سلمى بالدموع و انخفض صوتها و هى تهمس: صح.. نظرت جنه اليها لحظات و حاولت قتل عاطفه الحنان التى تتمنى اغراق سلمى بها الان و اردفت بنفس الحده: يوم ما روحتِ العماره كلمك و سألك انتِ فين و انتِ كدبتِ، صح؟ اختنق صوتها بدموعها التى انهمرت بضعف غريب عليها و مازالت اجاباتها ايجابيه: صح..
جلست جنه امامها على ركبتيها و امسكت يدها و خفضت من حده صوتها متمتمه بعتاب: حتى لو هو غلط بمراقبتك بس انتِ اللى اديتله الفرصه يا سلمى، كلنا و انتِ اولنا عارفه ان امجد بيحبك و بيحبك قوى كمان، بس الكذب و السكوت و الحاجات اللى بنعملها من ورا بعض دى فتح بينكم باب للشك و الشيطان استغلكم..
ضمت يدها بقوه و هى تنظر لها بابتسامه: انا عارفه انك بتحبى شغلك بس انك تفضليه على جوزك مش صح، افتكر انك قولتيلى ان هو قالك وقت ما تحبى تشتغلى اشتغلى بس متسمحيش لده يأثر على بيتك... رفعت سلمى بصرها اليها و تسائلت بوجع: يعنى انا اللى غلطانه و هو لأ يا جنه؟ امجد وجعنى وجع مش هنساه، اتهمنى باتهام حطمنى، انتِ فاهمه يعنى ايه يشك انى خنته يا جنه..؟!
جذبت يدها من يد جنه لتنهض جنه مسرعه موضحه موقفها: انا مبدافعش عن امجد ابدا، لانه غلط، انا بس كنت بوضح لك صوره غايبه عنك، و انك لازم تسمعى امجد يا سلمى، لازم تسمعيه لانه ممكن يكون معذور... استدارت لها سلمى بعنف صارخه: معذور! عذر ايه ده اللى يخليه يتهمنى كده؟! مهما كان عذره انا مش هسامحه ابدا..
وضعت جنه يديها على كتفيها جاذبه اياها لتجلس على الفراش امامها مجددا موافقه اياها: انا موافقه، بلاش تسامحيه، بس هسألك سؤال واحد يا سلمى و باجابته اتصرفى مع امجد زى ما تحبى..!
نظرت اليها سلمى مترقبه سؤالها و جنه تتطالعها لحظات ثم القت بسؤالها و حاولت ان تخرجه بكل حرص: حطى نفسك مكانه، لو راقبتيه في مره و لقتيه داخل عماره و منها لشقه واحده عازبه، كلمتيه تسأليه انت فين؟ كدب عليكِ رغم انك شايفاه بعينك، هتفكرى في ايه؟ و هتفكرى فيه ازاى؟ و ضيفى لكده نقطه انه عقيم و انتِ بقيتِ حامل...
نهضت جنه تاركه اياها بعدما وضعت الملح على الجرح و خرجت من الغرفه بعد ان قالت تطلب منها التفكير: فكرى يا سلمى، احيانا احنا اللى بنجبر اللى حوالينا يوجعونا، ممكن بخوف و ممكن بكدبه و ممكن بفعل، فكرى وافتكرى كل مواقف امجد معاكِ، و لما توزنى الامور بعقلك كويس اوعدك انى هبقى جنبك في اى قرار تاخديه، و خدى بالك عاصم لازم يعرف بس هسيبك تقوليله وقت ما تحبى..
خرجت جنه تاركه سلمى تكاد تفقد عقلها بسبب كلماتها، فحتى ان كانت محقه، هذا لا يمنحه حق اتهامها اتهام كهذا، وضعت يدها على رأسها بألم و انهمرت دموعها بغزاره و هى تلعن ذلك العمل الذى وافقت عليه. يا ليتها رفضت او على اقل تقدير اخبرته بالحقيقه لربما كانت الان تحتفل معه بخبر حملها، و لكن بعد ما فعله هى لا تستطيع حتى التفكير..
مش هاجى يا عزت، مش هاجى دلوقتى خالص.. صرخت بها نجلاء في الهاتف عندما طالبها عزت بالقدوم مثلما فعل طوال الاشهر الماضيه منذ وفاه كوثر تحديدا و هى تستمر بالرفض... هتف بحده هو الاخر و هو يشعر ان الطاوله تنقلب عليه: انا هفضل لامتى اقنع فيكِ؟ انتِ لازم تيجى و إلا قسما عظما، ما هتلاقينى في ظهرك و هبقى اول واحد ابيعك..
انتفض قلب نجلاء فعزت أفعى سامه و ان قرر لدغها ستموت حتما فصاحت بخوف: يعنى ايه؟ ها يعنى ايه؟ انت بتهددنى؟ صرخ بغضب هو الاخر و هو يضرب على مكتبه بقوه: و الله زى ما تفهميها بقى، ابن اخوكِ فتح و هيستعيد منصبه، فاهمه ايه ممكن يحصل؟ الورقه التانيه و اتحرقت، و مبقاش فاضل غيرى انا و انتِ و لو فكرتِ بس تتعشى بيا انا هتغدى بيكِ الاول، و انتِ عارفه عزت يا نوجه، و لا ايه؟
حاولت تهدأه نفسها لتحدثه بترجى: انا بقالى شهور هنا، بعدت عن بيت اهلى و بهرب منهم، ابويا عرف حاجه و مأجر ناس تلاقينى، لو اتحركت هتبهدل، عايزنى انزل القاهره و اروحلهم البيت برجلى، افهمنى يا عزت، هيموتونى. اخفض صوته هو الاخر و هتف بعدم تقدير لما تقوله: كل دا ميهمنيش، انا يهمنى فلوسى، كل الشيكات و الوصلات و المجوهرات و الاراضى و الكاش اللى في خزنة بيتك يتقسموا بالنص و كل حى يروح لحاله..
هدرت به و هى تنهض من مجلسها فقد اقترب مما قتلت، كذبت و فرقت عائلات لاجله: نعم يا عزت، فلوس ايه دى اللى بتتكلم فيها؟ انت ملكش حاجه في الفلوس دى، دا انا بعت اهلى كلهم علشان الفلوس و انت تقولى النص، لا انسى.. ابتسم بغضب و هتف بتسائل حذر: دا اخر كلام عندك؟ صرخت بغضب و اندفاع: اه يا عزت و اللى عندك اعمله، و متنساش يا كبير انى اتعلمت منك مسبش ورايا ادله..
و اغلقت الخط بوجهه، نظر للهاتف و ضحك بغضب عاصف: بقى كده يا نوجه، طيب ورينى هتفرحى بالفلوس ازاى؟ مرت دقائق حتى طُرق باب الغرفه و دلفت العامله لتقول بتحفظ: في ضيف عاوز حضرتك بره يا فندم.. نظر اليها و عروق وجهه بازره بغضب جعلها ترتد خطوه للخلف خوفا و هو يسألها بحده: ضيف مين؟ تمتمت بخفوت و هى تنظر للارض باضطراب: معرفش يا فندم لما سألته قالى قوليله عميل خاص..
عقد ما بين حاجبيه متسائلا ثم اشاح بيده و قائلا بلا مبالاه: قوليله مش فاضى.. بس انا شايف انك فاضى! قالها عاصم و هو يدلف بهدوء لداخل غرفه المكتب الخاصه به و استند بمرفقه على الحائط مداعبا جانب فمه بيده بابتسامه هادئه مخيفه، تسمر عزت مكانه ثم اشار للفتاه امامه بيده دون ان يحيد بنظره عن عاصم: اخرجى انتِ..
خرجت الفتاه و اغلقت الباب خلفها فنظر عزت لعاصم متمتما بقوه حاول استدعاءها بأقصى ما يملك: ايه اللى جابك هنا؟ اتسعت ابتسامه عاصم مشيرا عليه باصبعه قائلا ببطء: جميل، لا بجد جميل، توقعت انك هتنكر معرفتى، بحكم اننا اول مره نتقابل مثلا.. ارتبك عزت و استدار ليجلس خلف مكتبه هاتفا بمحاوله لاصلاح خطأه: عيب يا سياده النقيب حد يتوه عن النقيب عاصم الحصرى برده؟
ازدادت ابتسامته و هو يتحرك بخطوات متزنه حتى اقترب من المكتب فوضع قدمه على الطاوله الصغيره امام المكتب و اخرج سلاحه واضعا اياه على المكتب فاستند عزت بظهره على المقعد باضطراب، وجه عاصم فوهه المسدس لنفسه، ثم اداره قليلا ليوجهه لعزت، ثم مره اخرى لنفسه و ثبته على هذا الوضع، ثم جلس على سطح المكتب و مازالت قدمه على الطاوله متمتما بهدوء: تحب نتكلم و نجيب من الاخر، و لا نلف و ندور، انا معاك من هنا للصبح..!
نظر عزت للسلاح ثم اليه و هتف بارتباك بدى عليه بوضوح: انت عارف ايه ممكن يحصل لو استخدمت سلاح الخدمه في امر شخصى؟ و كمان لقتل لواء شرطه؟ بلل عاصم شفتيه ببطء محركا رأسه يمينا و يسارا بخيبه امل قائلا بسخريه حزينه: لا لا، دا مش تفكير اللواء عزت، خيبت ظنى! انا لو قتلتك هقتلك بسلاحك انت، عيب عليك.
و سحب مسدس عزت الذى كان موضوعا على الطاوله جانبا، فضرب عزت على المكتب و اعصابه تكاد تتلف من التوتر فمن امامه لا رحمه في قلبه و هو يعلم ذلك جيدا و لكنه لم يكن يتوقع ان يقف امامه يوما ما شخصيا، هتف بحده و ثبات مازال يحافظ عليهم: انت عاوز ايه؟ بكل برود و في الواقع يُحسد عليه تسائل مجددا بنبره هادئه اثارت القلق في نفس عزت بشكل اكبر: هنجيب من الاخر، و لا هتلف و تدور..؟!
اخذ عزت نفسا عميقا و حسنا طالما قررت التخلى عنه فلا داعى ليحافظ هو عليها، , اعتدل مستندا بمرفقيه على المكتب و هتف بثقه: هنجيب من الاخر... فرقع عاصم اصابعه و حرك رأسه بموافقه و صاح باعجاب ساخر: هو ده الكلام.. نظر لعزت بتفحص و هو يرمقه بنظرات سوداء ثاقبه: مين السبب في موت ماجد الالفى؟ و ليه؟
صمت عزت قليلا ثم اخذ نفسا عميقا مقررا وضع النقاط على الاحرف فحتى ان كلفه الموضوع عمره لن يكتفى بعمره فقط ستكون معه بالتأكيد: نجلاء الحصرى.. عقد عاصم ما بين حاجبيه مطالعا اياه بغضب حارق فهو توقع كوثر و لكن نجلاء؟ لماذا؟!
واتته الاجابه فورا عندما اردف عزت بشرح ما حدث: علشان عرف انها بتسرق ابوها عن طريق محاميه اللى كان على تواصل مستمر بيه و طبعا بدون علم حد، هتقولى ايه السبب؟ هقولك معرفش، ماجد مات و ماتت معاه اسراره.. حاول عاصم بكل ما يملك من قوه كبت غضبه، و لم يساعده في هذا سوى رغبته بالبقيه فقال بصوت جاهد ليخرج طبيعيا: قولى كل اللى تعرفه و بدون كلمه نقص..
اومأ عزت برأسه و جمع نفسه ليسرد كل ما فعلته نجلاء و هذا في الحاضر فقط: هى اللى طلبت منى ادبر قتل ماجد، هى اللى حاولت تبعد مراتك عنكم، هى اللى دبرت فضيحه حياه عبد الرحمن انتقاما من ابوها، هى اللى بعتت راجل يهدد البشمهندسه سلمى، هى اللى دبرت قتل فارس الشرقاوى، و هى اللى دبرت جواز اخوه من اختك بفضيحه، هى اللى عملت خلاف بين ابنها و مراته، و هى اللى حرضت البت التانيه عليه علشان يتجوز، و الاهم هى اللى اتسببت في الحادثه و الضرب اللى حصل لك، باختصار هى السبب في كل مصيبه حصلت في عيلتكم، و ما خفى كان اعظم.
شعر عاصم برأسه يكاد ينفجر من شده اندفاع الدماء اليه و نهض واقفا بعدما برزت كل عروق وجهه و بحركه سريعه حمل مسدس عزت و اتجه لعزت ممسكا اياه من قميصه جاذبا اياه ليسقط على ركبتيه ارضا و وجه السلاح لرأسه و صدقا لم يكن يمزح او يهدد بل بالفعل وضع اصبعه على الزناد و هم باطلاق النار و لكن صرخه عزت المفزوعه: هتضيع نفسك، فكر في نفسك و منصبك و اهلك، فكر في حياتك، قتلك ليا و حتى ليها مش هيكسبك حاجه، صدقنى انت الخسران، انا هساعدك تاخد حقك، هقولك نقط ضعفها و انا متأكد انك هتعرف تستغلها..
داهم عقل عاصم بكاء جنه و سؤالها الخائف مش هتبعد عنى يا عاصم؟ انا مش حمل خساره تانيه،.
صرخ بأعلى ما يملك من صوت و جسده ينتفض غضبا كاد يحرقه حرقا فوجه المسدس لقدم عزت لتنطلق رصاصته و معها تنطلق صرخات عزت بوجع قاسى، و لكن عاصم لم يكتفى، دفع بالسلاح بعيدا و اقترب رافعا اياه عن الارض و هو بالكاد يلتقط انفاسه و اخذ يكيل له الضربات و زمجرته تعلو بشكل غاضب حتى اصبح عزت اشبه بخرده قديمه فدفعه عاصم ارضا و استند بيديه على المكتب امامه يأخذ انفاسه بصعوبه.. كيف لمخلوق ان يفعل كل هذا؟
كيف يمكن لعمته ان تكون بمثل هذا المستوى من الانحطاط؟ و ان كان هذا الحاضر فكيف يكون ماضيها؟ و ان كانت تكره ابنائها فكيف ستحب الغريب؟ من اى جنس هى؟ فهى ليست ببشر ابدا؟ مسح على فمه بقوه رافعا يده يشد خصلاته بعصبيه مفرطه و لكنه لم يستطع لجمها فاقترب من عزت و رفعه عن الارض هاتفا بانفعال: تعرف ايه تانى؟ انطق. كان عزت يجاهد ليتحدث و لكنه لم يستطع، و بغضب شديد دفع عاصم رأسه للمكتب بشده صارخا: انطق، انطق،.
حاول عزت ايقافه بيده حتى ابتعد عاصم مدركا انه هكذا يقتله لا يستجوبه، استند عزت على المكتب بانفاس متقطعه و همس بتحشرج: شق، شقتها، شقتها، في، المعادى، فيه، فيها كل حاجه، نجلاء هدفها الفلوس و انتقام من اللى حصل زمان، عبد الرحمن السبب، هو السبب.. ارتكز عاصم على ركبتيه امامه و هتف و هو يُمسك بياقه قميصه: عبد الرحمن العيسوى! لييه عمل ايه؟
جاهد عزت ليتحدث و لكنه لم يستطع فضرب عاصم على وجهه ليجد انه لن يستطيع قول كلمه اخرى فضرب على وجنته هاتفا بتحذير: انا هرأف بحالك و هوديك مستشفى، تطلع باعاقه تطلع باتنين مش مشكله، لكن ان سمعت اسمى في التحقيق هخليهم اربعه و اظن انت دلوقتى عارفنى، سامعنى..
اوما عزت مسرعا بضعف فأمسك عاصم برأسه و دفعها بقدم المكتب فسقط عزت فاقدا وعيه، نهض هو و اخذ سلاحه و تحرك باتجاه خزينه الاموال الموضوعه في الخلف و جذب مفاتيح عزت من فوق المكتب و بعد عده محاولات استطاع فتحها ليُسقط بعض الاموال ارضا ليبدو الامر كسرقه، ثم اتجه لزجاج الغرفه و بظهر مسدسه دفعه ليسقط و تتناثر اشلائه حوله و للاسف اصابه بعضها و لكنه لم يكترث..
خرج من الغرفه ليجد العامله تقف باضطراب امام باب المطبخ فنظر اليها نظره جعلتها ترتجف فاقترب منها ناظرا اليها بعمق هاتفا و نبرته تخبرها انها ان خالفت ما يريده لن يصبح حالها افضل من حاله المسجى بالداخل: شوفتِ حاجه.. حركت رأسها نفيا فابتسم متسائلا مره اخرى: جميل، سمعتِ حاجه؟ حركت رأسها نفيا مجددا فاتسعت ابتسامته: اتصلى بالاسعاف و الشرطه، بسرعه قبل ما الحرميه يهربوا، و بصمات المسدس...
قاطعته مسرعه و كأنها كانت تتمنى ان يفعل احدهم ما فعله هو منذ زمن: اتمحت يا باشا متقلقش... غمزها بعبث و انطلق خارجا فكانت الابتسامه من حقها هى ثم تحركت لداخل الغرفه لتجد عزت غارقا في دمائه فنظرت اليه باحتقار وتمتمت بسخريه: يا ريته كان قتلك..
ثم اتجهت للاموال المتساقطه ارضا و حملت بعضا منها و اخفته داخل ملابسها ثم رفعت سماعه الهاتف و فعلت مثلما اخبرها عاصم و هو تبتسم بتشفى، و بدأت بازاله اى اثر و كلها. خرج عاصم من منزله و صعد لسيارته و تحرك بها مسرعا و عقله لا يستوعب ما سمعه للتو قتل، قتلت، سرقه، سرقت، تدمير منازل و تخربها، فعلت! لم ينجو احد من يدها، و لكن ان تحدث الان ستتدمر فرحه ابنتها...
هو يعرف مها جيدا منذ زمن و هو يعلم انها تكن مشاعر لاكرم ربما تتجاهلها هى، ان كانت والدتها من قتلت والده فهذه مصيبه، ماذا يفعل؟ لابد من التفكير جيدا فعاقبه الامر لن تكون هينه، و لكن ما عرفه للتو جعله غير متزنا و غير قادرا حتى على التفكير، هو فقط يحتاج لهدنه.
يا ليت هناك من يفهم! من ينظر للامور محاولا فهم رؤيه الاخرين بعيدا عن رؤيته، من يستمع بصدر رحب لمشاعر غيره - و التى يعتقد انها تفاهات - لربما ادرك ما بداخل القلب حقا، من ينوى الحكم بإنصاف و ليس كما يعتقد انه يجب، من يُقدر ما نحتاج حقا و ليس ما يعتقدوا اننا نحتاجه، يا ليت!
كان الجميع جالسا بالاسفل عندما دلف عاصم من الخارج ولم ينتظر ليتحدث مع احد بل صعد مباشره للاعلى بعدما القى السلام، تعجبت جنه موقفه و استأذنت منهم صاعده للاعلى خلفه..
بمجرد ان دلف للغرفه زفر بقوه و بدأ في نزع قميصه بعصبيه ادت لقله صبره مما دفعه ليمزق ازرار قميصه و من شده اندفاعه لم يستطع اكمال نزعه حتى فاتجه للطاوله المقابله له ليرفع الفازه الخشبيه المزخرفه اعلاها يدفعها ارضا بغضب شديد، ليصله شهقه جنه التى استقرت الفازه امام قدمها لتنظر اليها بذهول و صدرها يعلو و يهبط باضطراب..
استدار لها مسرعا و لرؤيه اضطرابها و خاصه بعدما رفعت عينها اليه ليغرق ابريقها العسلى بدهشه متوتره، تمتم بكلمات غير واضحه و هو يضغط اسنانه بقوه مشددا قبضته ثم اشاح بوجهه عنها فأغلقت الباب مبتلعه ريقها ببطء و اقتربت منه حتى وقفت امامه..
نظرت اليه بقلق غلف عينها و هى تتطلع لملامحه لتستقر على حصونه السوداء التى اشتعلت ببراكين غضب عاصفه و التى سرعان ما اخفاها عنها مديرا وجهه للجهه الاخرى، رأت هى نوبات غضبه من قبل، رأت اندفاعه و نظراته القاسيه و لكن مثل هذه المره لم يحدث، لم ترى عينيه بمثل هذه القسوه و لم ترى ملامحه بمثل هذا الجحيم من قبل، لن تنفى ارتباك اوصالها و لكنها تماسكت و وقفت امامه مجددا و لكن قبل ان تتحدث تحرك هو خطوتين متجاوزا اياها و حاول التحدث بهدوء فبعد كل شئ هى لا ذنب لها: اخرجى دلوقتى يا جنه و نتكلم بعدين.
اقتربت منه واقفه خلفه و هى تنظر لانتفاضه جسده الغاضبه و حركه قدمه المتتاليه و التى تدل على عصبيته الشديده و باستماته يحاول اخفائها و تمتمت بهدوء قلق: عاوزه اطمن عليك بس، فيك ايه يا عاصم؟ لاحظت هى اغلاقه لعينيه بمحاوله منه للهدوء ثم استدار لها صارخا بانفعال لم يستطع التحكم به: انا قولت اخرجى دلوقتى.
انتفضت و اتسعت عينها تحدق به و عينها تجوب ملامحه و التى ادركت منها انه ليس بوعيه الكامل فيبدو انه للمره المائه تغلب عليه غضبه... و لكن كفى هى لم تعد تهرب، لم تعد تختبئ و ان كانت ستفعل سيكون به، و بحركه سريعه لفت يديها حول خصره مستنده بأنفها على صدره تخفى وجهها و انفاسها به، متمسكه بقوه لتغمغم ببطء تدرك تأثيره عليه جيدا: انا خايفه..
تجمدت يديه بجواره و هو يغلق عينه، متذكرا انها السبب بحمايه حياته الان، لولا وجودها و تمسكها به لربما كان تخلص من ذلك القذر لتخسره للابد، حبها و وعده لها هو من منعه من تدمير نفسه فقط لاجلها.. رفع يديه يحاوطها مستندا بذقنه على رأسها متمتما بيأس من هزيمته دائما امام غضبه: منى؟! مرغت وجهها بصدره نافيه لتهمس بقلقها عليه و انفاسها تلفح بشره صدره: عليك...!
ازداد من ضمها له و شعرت هى بارتجافه صدره و انفاسه المتقطعه و التى تدل انه يحمل هما كبيرا، ليس كبيرا على ابن الحصرى بقدر ما هو قويا، قويا لدرجه جعله يخرج عن طوره و يهاجمها هى ايضا...
استندت بوجنتها على صدره و يدها على موضع قلبه كأنه تحدثه بعتاب: من كام ساعه بس قولتلى ان انا انت، و انت انا، ليه دلوقتى في تعبك و وجعك بتبعدنى عنك؟ ليه مصمم تحسسنى انى متاحه وقت ما يكون مزاجك مرتاح، ليه مصمم تسيب بينا فواصل يا عاصم؟
زفر بقوه و اخفض رأسه اكثر رافعا اياها ليدفن وجهه بين خصلاتها برائحتها التى تمنحه بعضا من الراحه و الامان و تمتم بنبره بقدر ما تحمل من ثقه تحمل من قلق: عارفه انك انتِ الوحيده اللى بتقوينى، الوحيده اللى بتقدر تمتص كل وجعى و غضبى بحضن، كل يوم عن اللى قبله بتأكد انى مقدرش استغنى عنك. ابتعد عنها محاوطا وجهها بيده ليروعها ما رأت في عينيه من ألم، ماذا حدث ألم روحه بهذا الشكل؟
ما الذى يحمله قلبه من وجع لتعكسه عينيه بهذا الحزن؟ ماذا يخفى عنها؟ دفعته من كتفه بهدوء لتُجلسه على الفراش و تجلس امامه و لكنها قبل ان تفعل جذب يدها ليجعلها تجلس بحضنه كطفله صغيره و رغم ما اجتاحها من حياء دفع الدماء لوجنتها بغزاره، لم تفكر سوى في وجعه الذى اصابها في مقتل... اخفضت عينها على يده لتُمسك بها و لكنها شهقت بفزع و هى تنهض عنه لتصرخ بخوف: ايه ده يا عاصم؟ ايه اللى حصل؟
نظر ليده ليجد عده قطع زجاج منغرسه بها و خيوط من الدماء لونت يده، و ربما الان فقط شعر بألمها ففى ثوره غضبه تلك لم يشعر بشئ، جذب يده منها و احتدت عيناه متذكرا ما قاله عزت ليقبض يده بعنف ليزداد خروج الدماء منها، فجذبت جنه يده بقوه جعلته يناظرها بتعجب ثم نظرت اليه و لاول مره، لاول مره يرى بعينها مثل هذا الغضب و رمقته بنظرات متوعده بحده شديده، ثم اخفضت عينها و زمت شفتيها متمتمه بأمر: قوم معايا..
ارتفع حاجبيه تعجبا و لكنه انصاع لامرها و نوعا من التسليه يجتاح كيانه، فمهما مر من الزمن عليهم معا سيظل يكتشف بها شيئا جديدا، شيئا يجذبه بقوه و طغيان..
دلفت للمرحاض وضعت يده تحت الماء لترتجف بين يديها فور ملامسه الماء لها و لكنه لم يبالى بل ظل على صمته يراقب ما تفعله فقط، تحركت من امامه و اخرجت صندوق الاسعافات الاوليه من الخزانه فوق الحوض لتُخرج منها ملقط طبى و عادت لتقف امامه ثم رفعت يده و حاولت بحذر اخراج قطع الزجاج العالقه بيده و مع حركتها كانت يده ترتجف بألم و لكنه لم يطلق صوتا واحدا، انتهت و وضعت يده اسفل صنبور الماء فقرر ممازحتها لعلها تُبدى اى رد فعل فجذب يده بخفه متأوها بخفوت منتظرا لهفتها و لكن عينها لم ترمش حتى بل تمسكت بيده جيدا مثبته اياها اسفل المياه ثم رفعت عينها اليه لتطالعه بانفعال تبعته بالضغط على جرحه لينكمش وجهه ألما و يضيق عيناه متعجبا من تصرفها و لكنه يدرك انها تعاقبه و يا له من عقاب لذيذ..
اغلقت المياه و جذبت الصندوق و دفعته للخارج و هو مستسلم ليدها تماما اجلسته و جلست امامه ضمدت جرحه و هى تضغط عليه بقوه تؤلمه بحق و لكنه حافظ على ابتسامته التى تُزيدها استفزازا... حتى انتهت فنهضت واقفه امامه و هى تعقد ذراعيها امام صدرها متسائله بحده لا تقبل النقاش: ايه اللى حصل؟
ظل يطالعها بتلاعب و هو يستند بكفيه على الفراش خلفه ناظرا اليها باستمتاع، فعقدت حاجبيها هى الاخرى و هى ترمقه بصمت منتظره الاجابه و عندما لم يفعل اومأت و تحركت لتخرج من الغرفه و لكنه امسك يدها يمنعها فجذبتها منه بحده تهدر به: هيفضل كبريائك و غضبك اهم منى يا عاصم..!
و همت بالخروج لكنه جذبها بقوه وافقا متملكا خصرها بينما هى تشيح بوجهها عنه لتلمع عينها بالدموع فرفع يده يزيلها فوجدها تلتفت اليه بحده و تصيح بعتاب: وعدتنى انك مش هتسمح انى اعيط تانى، و للاسف خلفت بوعدك في نفس اليوم، و كمان مش مستعد حتى تشاركنى وجعك.. رفع يده مسرعا مزيلا دموعها ثم ضمها اليه فهو لا يستطيع اخبارها، ماذا يقول؟ يقول لها ان كل ما حدث في حياتها عمته السبب به؟
يقول لها انها حُرمت من والدها بتدبير رخيص ادى بحياتها هى للجحيم؟ ماذا يقول؟ هو يمنع عنها الحزن الذى لن تتحمله ابدا، يمنع عنها وجع اشتعلت روحه هو به، وعدها الا يحزنها فا هو يحافظ على وعده.. تنهد ليقول بصلابه و صوته يحمل قدرٍ متساوٍ من القسوه و اللين جعلها عاجزه عن تمييز اى منهم يطغى على الاخر: احيانا بنكسر وعد علشان ننفذ وعد تانى.
ثم ابعدها عنه محاوطا وجهها ناظرا بعمق ابريقها العسلى الذى لمع بخوفها عليه و حزنها لاجله و هتف بقوه عشقه لها: ثقى فيا يا جنه، و افهمى حاجه واحده بس، انى معنديش اغلى منك في حياتى.. نظرت لوجهه ليستقر صدقه بقلبها فرفعت يده مقبله اياها من فوق الضماد: لو مش عاوز توجعنى فعلا بلاش تأذى نفسك يا عاصم..
اومأ موافقا و غمغم بغموض و هو يحاوطها بأسهمه السوداء: محدش بينقذنى من نفسى و غضبى غيرك، انتِ بتحمينى وانتِ مش مدركه حتى.! ابتسمت بارتياح مؤقتا و لكنها لن تهدأ حتى تعرف ما صار و لكن مهلا فالصبر يأتى بخير..
طبعت قبله على وجنته ثم بدأت بفك باقى ازرار قميصه و الذى مزق معظمها، نزعته عنه محاوله تجنب خجلها لتساعده في ارتداء ملابسه و لكن مهلا فهذا ابن الحصرى فكيف يتنازل عن هكذا فرصه، حاوط خصرها مقربا اياها منه بينما هى تحاول الفكاك من بين يديه و لكنه لم يمنحها الفرصه و يده تسبح في ملكوت خاص لا يعرفه سوى جسدها لتسرى رعشه لذيذه تجعلها ترفع عينها اليه ببطء لتسقط في قلاعه المتينه و التى احتوتها مسرعه بابتسامه خبيثه ثم امتدت يده بعبث ليتلاعب برباط بيجامتها و هو يهمس بدراميه محببه لقلبها يمنعها اكمال مساعدته ليرتدى: انا بقول ملوش داعى، الجو حر قوى.
ابتسمت بخجل و اخفضت عينها لتصطدم بصدره العارى، فأسبلت جفنيها متمتمه باخر ما توقعه منها بنبره دلال مثيره بنفس نبرته الدراميه المتلاعبه: متأكد انه الجو برده؟ قهقه بصوت عالى ارتجف له قلبها و ابتسامتها تتسع لتوبخ نفسها بشده على ما تفوهت به فضغط جسدها اليه اكثر فرفعت وجهها اليه لتغرق في ملامحه القريبه.. عيناه السوداء بحصونها المنيعه و التى دائما ما تحاوطها بتملك خاص به و لا يجوز الا لها،.
بشرته الداكنه و التى تمنحه جاذبيه خاصه تجعل قلبها يشتعل بمجرد ملامستها، ذقنه المهندمه و التى اضفت ساحريه مهلكه على ملامحه القويه، انفه الذى يستقيم بحده و كبرياء لا تليق سوى بابن الحصرى، شفتاه...
و عند هذا اخفضت بصرها بارتباك متنهده بحراره و لم تنتبه انه كان يراقب نظراتها المتفحصه و قبل ان تبتعد بعينها التى استقرت على شفتاه، اسر هو شفتيها ليمنحها وصف خاص بهما معا، وصف يخبرها انها له كما هو لها جمله و تفصيلا.. تاهت معه في عالم غير الذى يحاوطهم، عالم استغرقا الكثير ليصلا اليه.. ربما ليست المره الاولى التى يقبلها بها و لكن جمال هذا اللحظه و هذا المره لم يسبق له مثيل..
فاليوم لا يتحدا جسد بجسد فقط و لكن روح بروح و قلب بقلب.. قلبه الذى عرف الحب و ان تاه عنه قليلا فأخيرا استقر في فضاء قلبها. تحرك بها يدفع جسدها للخلف حتى سقطت على الفراش و هو بجوارها، مال عليها ينظر لها من علو ثم انخفض يطبع قبلاته المشتعله على وجهها بالكامل، جبينها، عينيها، انفها، وجنتها الا ان استقر امام شفتيها لتندمج انفاسهما معا، ناظرا لملامحها بنهم، رغبه و عشق سكن عيناه طويلا..
ففتحت عينها ببطء لتواجهها شرارات عشقه و لهفته و التى اخبرتها انه بالفعل يحترق و لن يطفئه ايلاها...
ابتسمت بهدوء و هى تتذكر جميع ما مر بهم لتتحول ابتسامتها لضحكه فطالعها بتساؤل فمنحته الاجابه بحنين جارف اسر قلبه بين شفتيها مراقبا حديثها و ربما فتنتها: كل مره ابص في عينيك اشوف عاصم القديم، عاصم اللى كان مجرد ما بسمع اسمه بترعب، بفتكر ضحكاتك القليله و مواقفنا سوا، بفتكر كل مره قريت حبى في عينيك بس تصرفاتك كانت العكس تماما، ذكرياتنا كتير قوى يا عاصم، كتير لدرجه انى على استعداد اعيش افتكرها باقى عمرى كل اما ابص في عينيك، كأنها دفتر ذكرياتى، سجلت فيه كل لحظات سعادتى و كل حياتى، و لو، اااه.
قطعت كلماتها بآه خافته اختفت سريعا بمعانقه شفتاه لخاصتها ليغمرها بفيض ذكرياته هو الاخر مؤكدا لها ان ذكرياتهم معا لم تنتهى بل ما زالت تبدأ بعد...
صوت طرقات متتاليه على باب الغرفه جعله ينازع ليفتح عينيه و فور ان ادرك وضعه ابتسم باستمتاع متذكرا لحظاتهم المهلكه منذ قليل، نظر اليها و هى تحتضنه و تتمسك به كما يتمسك الطفل بجلباب امه، ثم اعتدل قليلا ليفرد ذراعه التى تحاوطها لتستقر رأسها عليه ليطل عليها من عليائه يتأمل ملامحها التى تخطف انفاسه خطفا...
عيناها المغلقه و التى منعت عنه فيض حنان ابريقها العسلى و الذى يعشق غرقه به، انخفض ليغمرها بقبلاته المستمتعه مع ابتسامه سعاده تجد طريقها لقلبه، انفها الصغير و الذى اكتسب لونا احمرا اثر ارتكازها به على صدره فداعبه بأصبعه و ابتسامته تتسع لتتململ قليلا ثم تسكن مره اخرى،.
وجنتها الممتلئه قليلا و التى تدعوه دعوه صريحه ليداعبها بشفتيه و لم يبخل هو بل اعطاها بسخاء حتى انزعجت هى متحركه باعتراض لتتسع ابتسامته المشاغبه، و لكنه ابتعد عنها قليلا حتى تعود لسباتها فهو مازال لم يُكمل اكتشافه لملامحها و الان الهدف الاغلى، الاهم و الاكثر اغراءا و فتنه.. نظر لشفتيها بعبث ليحرك اصبعه ببطء فوقهما ليهمس بافتتان: مستبده انتِ يا امرأه!
انخفض متملكا اياها بقبله ناعمه استيقظت على اثرها لتدفعه ببعض العنف تدفن وجهها في صدره فيضمها اليه بقوه متناسيا ان ما افاقه طرقات على الباب و لم ينتبه لذلك الا عندما عادت الطرقات مره اخرى.. ابتعدت عنه و ما زال النعاس يداعب جفونها لتمط ذراعيها بدلال ثم نظرت للشرفه لتجد الظلام قد حل و لكن في الواقع بحياتها و قلبها مازالت الشمس تشرق بعد فابتسمت هامسه بنبره خافته: مساء الخير يا سياده النقيب..
اتسعت ابتسامته و قبل ان ينطق عاد طرق الباب من جديد فنهض بحركه سريعه غاضبه و هم بفتح الباب و هو على وشك قتل من يطرقه او ربنا يكسر الباب لكى لا يطرقه احد و لكنه توقف فور ان تصاعدت ضحكتها العابثه و التى بدت لاذنيه ضحكه ماجنه اشعلت نيرانه المبطنه بها فاستدار لها بغيظ واضح لتشير على صدره العارى برفع حاجبيها تراقصهما بابتسامه تجاهد لتمنع ظهورها: هتفتح كده؟!
نظر لصدره و رغما عنه ابتسم مدركا وضعه فهو يرتدى بنطاله فقط ثم نظر للباب هاتفا بصوت يصل للخارج: مين؟ وصله رد والدته و هى تقول و يكاد يجزم ان بنبرتها مكر: انا يا عاصم.. وضعت جنه يدها على وجهها مسرعه ناهضه عن الفراش بقميصها القصير لتُمسك بملابسه متجهه اليه تساعده على ارتدائها و هى تجاهد لتمنع ضحكتها و همست بصوت خافت بجوار اذنيه حتى لا يصل للخارج: افتح لها..
اعتقل خصرها بيده مانعا اياها من الابتعاد و هو يمطرها بسيل متواصلا من قبلاته المشاكسه و هتف من بينها مخاطبا والدته فان كان هى تمكر فهو يملك منه اكثر منها بأضعاف: خير يا ماما؟ لم تستطع ليلى منع ضحكتها فوصلت اليه ليكتم غيظه بقوه بينما اخفت جنه وجهها بصدره و لم تستطع منع ضحكتها اكثر، فصوته كان كافيا ليعبر عما يجيش بصدره من انفعال...
حمحمت والدته قائله بشبه اعتذار: انا عارفه انه مش خير ليك خالص، بس اكرم تحت و عاوز يشوف جنه... ضغط شفتيه بعصبيه و هو يحاول امتلاك كل قوته لكى لا يقتل اكرم الان و تلك التى انهارت ضحكا بين ذراعيه ليعلو صوتها فيصل لوالدته فتضحك هى الاخرى متمتمه قبل ان ترحل: متأخرهاش يا حبيبى.. و رحلت و ضحكاتهم معا تكاد تحرقه هو فأمسك بكتفيها ناظرا اليه بضيق صارخا بنفاذ صبر: بتضحكِ؟ بتضحكِ يا جنه؟
كتمت فمها قليلا حتى تمكنت من التحدث فغمغمت ببراءه: طب انا ذنبى ايه؟ طافت عيناه على ملامحها مقربا ايها منه اكثر و هو يهدر بغيظ: و انا ذنبى ايه؟ اقتربت و طبعت قبله دافئه على وجنته اليمنى، تبعتها بأخرى اكثر عمقا على وجنته اليسرى ثم همست و هى تداعب وجنتيه بيدها معتقده انها هكذا تواسيه او ربما تمنحه بعض الصبر: انت حبيبى، بس..
ازداد احتضانه لخصرها بكلتا يديه لترتفع يديها حول عنقه ليهمس بخبث لتدرك ان ما فعلته لم يكن الفعل المناسب الان: انت كده بتصبرينى يعنى..! ابتعدت مسرعه بعد منازعه و هى تتحرك باستعجال واضح لتُخرج ملابسها: اكرم مستنى تحت، عيب يا عاصم. اتجه اليها مسرعا ليُمسك ثيابها من بين يديها ليلقيها ارضا صارخا بغضب مكتوم و هو يحملها متحركا باتجاه الفراش: ايوا عيب، عيب اللى اخوكِ بيعمله..
القاها على الفراش وسط ضحكاتها و هى تحاول الهروب من بين يديه و لكنه تمكن منها عندما احتجزها بين جسده و الفراش مختطفا قبله من شفتيها مردفا بعدها: عيب اللى انتِ بتعمليه فيا ده! اقترب مختطفا قبله اكثر عمقا لتذوب هى بين ذراعيه بعجز يعشقه قلبها و يهواه قلبه فرفع وجهه ناظرا اليها و بدا استسلامها يروقه و همس بصوته الرجولى و نبرته الخاصه التى بات يدرك تأثيرها عليها: عيب تسبينى كده!؟
و قبل ان تنطق أسر شفتيها للمره الثالثه بقوه اكبر و اعمق دفعتها للغرق اكثر و اكثر و لكن طرقات على الباب تبعها صوت شذى الطفولى تقول بتأفأف: يالا يا ابيه، الكل بيسأل عليكم تحت، انت اتأخرت ليه كده؟
انتفضت جنه اسفل يديه و هو يضغط شفتيه بقوه لتجذب جسدها من اسفله بسرعه لتسقط ارضا و يتبعها هو على طرف الفراش لتصدع ضحكتها و هى تنهض، حملت ملابسها التى القاها ارضا و ركضت للمرحاض و ضحكتها تدق الطبول و تعلن الحرب بقلبه، بينما يتابعها هو بغيظ شديد متأفأفا و صاح بغضب مستحب: خلاص نازلييييين..
وصله ضحكات جنه بالمرحاض فشدد قبضته بقوه و لكنه لم يستطع منع ابتسامته من الظهور فيبدو ان من قبل كان كلاهما يمتنع عن الاخر و لكن الان يبدو ان الجميع اتفق على الوقوف بينهم، تبا، سيخطفها، اتسعت ابتسامته ها قد وصل لحل، سيخطفها.
بعد قليل كان عاصم يجلس مع اكرم بالحديقه الخارجيه في انتظار نزول جنه لهم، اخذ اكرم يلعب بالعشب الصغير امامه و هو شارد تماما فنظر اليه عاصم بتفحص ثم نظر امامه متمتما: ايه اللى شاغل بالك؟ نظر اليه اكرم بنظره ذات مغزى و التقطها عاصم على الفور فابتسم بسخريه: واضح ان الستات دى حالفه تجنننا.. ابتسم اكرم بسخريه مماثله ثم اعتدل ناظرا اليه هاتفا بضيق: مش فاهم انا، اختك دى عاوزه ايه بالظبط؟
نظر اليه عاصم لحظات ثم شرد قليلا مغمغما بتسائل اكثر دقه: السؤال الانسب هو انت عاوز ايه؟ تنهد اكرم بحيره و هو يفكر قليلا ثم هتف بقله حيله: عاوزها. ربت عاصم على كتفه هاتفا بحزم متذكرا ما قيل له صباحا: لازم تاخد خطوه يا اكرم، و النتيجه يا رفض يا قبول و كفايه مماطله..
تعجب اكرم نبره الغضب التى شملت كلماته و نظر اليه قليلا قائلا بانزعاج: انا مش بماطل يا عاصم، انا مش هقبل اتجوز واحده قلبها مع حد تانى، مش هسمح انها كل اما تشوفه تخونى بقلبها، انا لو ارتبطت بمها مش هتخلى عنها مهما حصل بس كمان لازم اتأكد انها مش هتتخلى عنى.. تطلع عاصم لنظرات القلق و الالم التى شملت ملامحه ثم منحه الثقه: مها بتحبك يا اكرم..
عقد اكرم ما بين حاجبيه و هو يحاول استيعاب ما يقوله عاصم ليهتف مسرعا بلهفه: هى قالت لك كده؟!
ابتسم عاصم مشيرا بنفى ثم اردف بنبره واثقه تماما فمن ذا الذى يفهم مها خيرا منه: مها بتحبك حتى لما كانت مخطوبه، مها اتعلقت بمحمود تعلق وهمى لكن مكنش حب، و الدليل على كده انها لما اتوجعت من بعده اتوجعت لاحساسها انه جرح كرامتها، ان قرر عنها بدون رأيها و اللى وجعها اكتر انها فهمت انها محبتوش هى حبت اهتمامه و حبه ليها اللى كان بيعوض عندها احساسها بالنقص و انها مش مرغوبه، مها لو كانت حبت محمود مكنتش هتتحمل فكره بعده عنها و تانى يوم تكمل حياتها عادى لان مها على قد قوتها على قد ما هى حساسه جدا...
اخذ نفسا مردفا بقوه: كفايه تتعب قلبك و عقلك في تفكير ملوش لازمه و بلاش تغلط غلطتى علشان هتندم، وخد بالك البنات بتحب الراجل الصريح، و مش قصدى بالصراحه انك تقول، لأ، بالعكس، قصدى انك تعمل و تثبت حبك حتى لو مقولتش طول حياتك كلمه بحبك.. صمت اكرم قليلا يزن كلمات عاصم و قبل ان يجيبه وجد جنه تتقدم منهم بابتسامه واسعه و ربما يلاحظ الاثنان للمره الاولى اشراقتها فصدق من قال.
المرأه ورده كلما اعتنى بها زوجها و روى قلبها عشقا كلما ازهرت و تلألأت كأجمل الازهار في بستان حياتهما ابتسم اكرم بسعاده لمرآها بهذه السعاده الباديه بوضوح لا على وجهها و ابتسامتها فقط و لكن في عينيها ايضا، نهض مرحبا بها محتضنا اياها ثم قرب وجهها اليه مقبلا جبهتها بعمق هامسا بصدق عاطفته تجاهها: ربنا يديم الضحكه في عنيكِ..
ابتسمت بسعاده لتُمسك بيده ثم جلست بجوار عاصم و هو بجوارها لتنظر لكلاهما و تشعر ان عالمها بهم يكتمل... نظرت لعاصم فطالما كان شعورها به يتأرجح ما بين شعور بخوف مرضى بدايه بخوفها منه ثم خوفها عليه و خوفها - الذى لم يفهمه احد - من خسارته و فقدانه و رغم رغبته بحبها فهو دعم شعورها هذا و نماه بداخلها..
و بين شعورها بنفسها طفله يتوجب عليها ان تكون في ظل ابيها لتحتمى به من بطش الدنيا و التى لم تتعلم مجابهتها طوال حياتها.. و لكنها الان تجرب شعورها بنفسها و كيانها المستقل معه، شعورها بأنوثتها و دلالها، شعورها بقلبها الذى دُفن قهرا خلف ضباب و غيوم الماضى ليأتى هو بسطوته و سيطرته المعتاده ليزيحها متحملا مطرها حتى اشرقت بنهار مشمس انار قلبيهما معا..
ابتسمت برضا و هى تردد الحمد لله بداخلها، منعها الطفوله ليمنحها شبابا مزهرا، اعطاها الالم ليمنحها لذه الشعور بالسعاده، و ربما واجهت الفشل و لكنها ستسعى الان لتتذوق طعم النجاح، ليس نجاح قلبها فقط و لكن عقلها، كيانها وشخصها كإمرأه.. افاقت على همسه المشاغب لها و الذى رافقه ضحكه ماكره من اكرم حيث انتبه كلاهما على تفحصها الحالم به بالاضافه لابتسامتها العاشقه: واضح ان زياره اكرم مش في وقتها خالص..
احمر وجهها خجلا لتخفضه عنه و هى تكاد تضرب نفسها على شرودها و ازداد شعورها بالخجل حتى اخفت وجهها بكفيها عندما وافقه اكرم بخبث: طول عمرى بختار الوقت الغلط..!
صمتت قليلا تتحاشى النظر اليهما و لكن هاجمها شعور غريب برغبه عارمه تجتاحها الان فنهضت وافقه لتقول بطلب صريح و لهفتها تظهر واضحه في نبره صوتها: عاوزه اخرج، عاوزه امشى في كل شارع اسيب فيه ضحكه من قلبى، عاوزه ازور داده زهره و اقولها انى فرحانه، عاوزه اجرى و اصرخ و اقول انا بضحك و سعيده و الاهم مش خايفه، عاوزه ارجع جنه الصغيره اللى دائما كان بابا يدلعها، عاوزه اضحك بجد، معاكم.
ابتسم اكرم بحنان اغرقها بنظراته التى امتلئت بذنبه بتقصيره في حقها و فرحته لاجلها بينما شملها عاصم بنظرته الدافئه العاشقه التى رأت من خلالها موافقته على اقتراحها و الذى اكدها قائلا: هنأجل زياره داده زهره ليوم مخصوص..
ثم نهض واقفا مقبلا رأسها بفخر ملئ عينه لها و قام بثنى ذراعه امامها لتتأبطه ضاحكه لينهض اكرم على الجانب الاخر و اثنى ذراعه هو الاخر لتتأبط ذراعه ايضا و ضحكتها تتسع بمشاكسه طفوليه، و بمجرد ان تحركت خطوه توقفت و ابتسامتها تتلاشى تدريجيا فتبادل اكرم و عاصم النظرات المتعجبه و نظرا اليها مجددا بينما هى احتل عقلها مشكله سلمى التى ابقتها في غرفتها طول اليوم بعد حديثهما الاخير و كم سيكون تقصيرا منها ان سعدت هى تاركه اياها في بحر احزانها، بالاضافه لمها التى عادت من عملها لتستقر بغرفتها هى الاخرى و لم تراها ابدا بعدها، و ايضا لشذى فان كانت تستحق هى التدلل فالصغيره اولى به..
رفعت نظرها لهما لتتسع ابتسامتها مجددا لتهتف باقرار: و البنات كمان هيجوا معانا.. ابتسم اكرم بينما رمقها عاصم بخبث متسائلا يشاغب و قد اشتاق حد الجنون جنونه: خفتِ نستفرد بيكِ.؟! و حمره دلال لونت وجنتها مع ردها بسخريه و اكرم يلكزه بخفه مانعا اياه من اخجالها فضحك و ترك يدها مقبلا اياها ثم غمزها بشقاوه قائلا: 3 دقائق و تكونوا قدامى انتم الاربعه..
رفعت احدى حاجبيها لتهتف باستنكار: 3 دقائق في عُرف النساء 3 ساعات يا سياده النقيب.. و انطلقت راكضه للاعلى لتجمع الفتيات و التى تدرك جيدا انها ليست بمهمه يسيره و خاصه مع سلمى، صعدت اولا لغرفه شذى و اخبرتها لتنطلق مسرعه ترتدى ثيابها، اتجهت بعدها لغرفه مها لتقول بحماس: خروجه و مش عاوزه اعتراض و يالا لانهم مستنين تحت..
و همت بالخروج عندما نهضت مها مسرعه و امسكت يدها لتشير بتعجب خروجه ايه؟ و مين اللى مستني؟ ضربت جنه جبينها بدهشه مصطنعه: لسه هتسألى؟ ثم اجابتها على عجاله: هنتفسح سوا، و اكرم و عاصم مستنين تحت.
انتفض جسد مها انتفاضه خفيفه لذكر اسمه فهو لم يغب عن عقلها او قلبها ثانيه واحده منذ حوارها الصباحى مع سلمى، لا تعرف كيف تنظر في وجهه الان، و ان كان ما قالته سلمى صحيحا فذلك يجعلها تتورط اكثر فاشارت بارتباك مش لازم انا يا جنه نظرت اليها جنه باستنكار هاتفه بغيظ: ليه ها ليه؟ حلو البيت..! وحشتك الاوضه؟! يالا يا مها بقى عاوزين نسهر سوا، علشان خاطرى.
ابتسمت مها و اشارت بيدها و ان كانت لم تكن بحاجه لتحايل فهى و قلبها يرغبون بهذه السهره خلاص خلاص هاجى و امرى لله ضحكت جنه بعدما قبلتها بقفزه سعاده و هى تصرخ: ايوا بقى..
و خرجت ركضا لغرفه سلمى ثم توقفت امامها قليلا لتأخذ انفاسها و ابتسامتها الكبيره تختفى تدريجيا ثم طرقت الباب و دلفت لتجدها نائمه على الفراش تحتضن نفسها و دموعها تنساب بصمت، فاقتربت منها و جلست بجوارها لتربت على رأسها بحنان: لو العايط هيفيد كنت هعيط معاكِ و اخلى كل اللى في البيت يعيط معانا، بس مش هيفيد بحاجه، انتِ قويه و مازلتِ قويه يا سلمى، و مينفعش عنوان التمرد تبقى بالضعف ده..
وضعت يدها على كتفيها ترفعها عن الفراش حتى جلست فلملمت جنه خصلاتها المشعثه قليلا بفعل نومها و مسحت بقايا دموعها العالقه: الطير الحر مبيقبلش السجن، مبيعرفش يعيش في قفص حتى لو اتكسر جناحه، و انتِ طير حر، قومى يا سلمى و سلمى امرك لله و هتلاقى الحل من عنده..
ثم نظرت بعاطفه لبطنها تمسد موضع الجنين ببطء و ابتسامه حانيه تداعب شفتيها تردف تلامس عرق الامومه لديها: و بعدين فرحه الطفل لازم نحتفل بيها حتى لو انتِ زعلانه، هو او هى ذنبه ايه حضرتك؟
رفعت سلمى عينها الحزينه اليها بابتسامه باهته و هى تضم نفسها كأنها تضم جنينها فاكملت جنه و هى تدرك انها تضغط على وتر حساس لدى سلمى فهى رغم صلابتها تحمل قلبا رقيقا: هتندمى على الحزن وقت الفرحه ده، و اتهيألى الندم بعيد شويه عن سلمى..
ابتسمت سلمى بضعف فوقفت جنه و اوقفتها معها هاتفه باصرار و حزم: انتِ محتاجه وقت و امجد محتاج زيه، بس مش معنى كده انك تدفنى نفسك جوه اوضتك، فا يلا علشان هنخرج، و تصفى ذهنك كده علشان تعرفى تفكرى بعقل.. تحدثت سلمى لاول مره منذ بدايه حديث جنه و هى تضغط عينها برفق فكثره بكائها اصابتها بصداع حاد: نخرج فين؟ دفعتها جنه للخارج و هى تصرخ بها: انتم ليه ناويين تجننونى؟ اتحركِ و انا هقولك في الطريق..
توقفت سلمى بتململ و هى تحاول التهرب: مليش مزاج يا جنه، اخرجوا انتم.. وقفت جنه امامها و وضعت يدها بخصرها لتهددها تهديد صريح: هتمشى قدامى و لا اقول لعاصم انك رفضتِ و هقوله الاسباب..! رمقتها سلمى بحذر لتفاجأها نظره التهديد الصريحه بعينها و التى أكدتها جنه عندما اردفت: ايوا حصل، انا بهددك، ها هنخرج و لا ايه؟
و نظرت اليها بابتسامه ساذجه و عينها تجمع براءه الطفوله بعبث الشباب فابتسمت سلمى و اومأت برأسها متحركه بتكاسل باتجاه المرحاض فصرخت جنه من خلفها قائله: عاصم قال 3 دقائق.. فنظرت اليها سلمى باستنكار فضحكت جنه محركه كتفيها بشغب مردفه بطفوليه: بس انا خدت اذن ل 3 ساعات..
اتسعت ابتسامه سلمى و بدأت تستعد للخروج، هبطت الاربعه الدرج بعض حوالى ساعه و هن يضحكن و حاولت سلمى بقدر الامكان اخفاء ما يشتعل بصدرها و نجحت بجداره و من افضل من المتمرده على هذا و خاصه عندما تتمرد على نفسها و صدقت جنه عندما قالت الطير الحر لا يقبل السجن ..
و قبل ان يهبطا الدرج توقفت مها مكانها بصدمه و عينها تنظر للامام بذهول تام نظرت اليها سلمى و جنه بتعجب ثم وجها نظرهما لما تنظر اليه لتبتسم سلمى بسخريه بينما تتأملها جنه بخبث، فمحور نظرها كان اكرم، و حقا هى محقه..
اكرم منذ ان عرفته مها لم تراه سوى بحلته الرسميه البذله العمليه بالوانها الداكنه التى دائما ما تترواح ما بين الاسود، الرمادى، و الكحلى مع ربطه العنق المحكمه، مع القميصان التقليديه و التى لا يتعدى الوانها نفس الالوان السابقه بالاضافه للابيض و النيلى و السكرى، مع حذائه الكلاسيكى اللامع و نظيف باحترافيه لم يغفل عنها يوما، و لكن الان..
كان اكرم يرتدى حذاء رياضى باللون الابيض يحمل من الجانبين خطين باللون الازرق، بنطال من الجينز الازرق الداكن يعلوه تيشرت ابيض يرسم جسده بدقه مظهرا عنقه كاملا مع جزء من عضلات صدره و فوقه قميص مفتوح بنفس لون البنطال، حسنا لم تكن الملابس مميزه بقدر ما كان هو بها مميزا..
لا تعلم لماذا و لكن الان بدا لها شخص اخر، شخصا بعيدا كل البعد عن المهندس الاكرم المدير ليبدو لها شابا يحمل من الجاذبيه ما جعل قلبها ينتفض و نبضاته تخونها ليعلو دويها، اخفضت بصرها و وضعت يدها على صدرها ناشده انتظام انفاسها و لكنها لم تستطع..
اليوم ترى اكرم جديدا و لكن يبدو ان اليوم يوم كل جديد، اغلقت عينها لحظات حتى لا ترتكب ذنب النظر اليه من جديد و لكن قلبها يدفعها لتفعل، و لكنها توازنت قليلا و رفعت عينها لجنه لتتحدث وتنوى رفض تلك السهره وخاصه بعد ان ادركت ما تكنه، بعدما ادركت ما يعنى انفعال قلب محب، بعد ان ادركت ان ما تحمله تجاهه لم يسبقه اليه احد، فهى وقعت بكامل قواها عاشقه لها و انتهى الامر..
تفاجئت بجنه تعقد ذراعيها امام صدرها تتابعها بخبث ثم بهمس تحدثت و عينها تشملها بعبث: هو حلو و يتعاكس بس غض البصر يا بشمهندسه. اقتربت سلمى من اذنها الاخرى لتدرف بنفس الهمس: يارب تكون الهانم فهمت، و عيب بقى لو لمحك هيبقى شكلك وحش.. نقلت بصرها بينهم و بحرج شديد اندفعت تصعد الدرج مجددا و لكن هتاف عاصم اوقفها: على فين يا مها؟ مش يالا بقى؟!
التفتت بتردد لتجد الجميع يحدق بها و لكن نظره اكرم كانت مختلفه شعرت بها تحمل شيئا من الاعجاب، الاشتياق و مغلفه بعتاب... فاخفضت بصرها و هبطت الدرج مره اخرى باستسلام و لا تدرى ان كانت ستتحمل قربه و شعورها الغريب هذا..؟!
خرج الجميع و استقلوا سياره عاصم بعد عراك مع اكرم ليترك سيارته بعدما كان ينوى اصطحاب جنه معه ليتحدث معها على انفراد و لكن عاصم لم يسمح له، توجهوا لمطعم هادئ على ضفاف النيل حيث قال عاصم: نتعشى الاول و بعدين نكمل!
جلس الجميع حول الطاوله و انشغلت الفتيات بالحديث معا بينما اكرم و عاصم ينظر كلاهما للاخر بضيق فحديثهم هذا لا ينفذ و لم يسمحوا باشتراكهم ايضا، نظرت شذى اليهم ممازحه لتهتف بطفوليه: زهقتوا زيى صح؟ قالتها و هى تضع يدها اسفل ذقنها مرتكزه على الطاوله امامها بنظرات محبطه، نظر اليها كلاهما بينما لم تنتبه الفتيات، فوضع اكرم يده مثلها مقلدا اياها هاتفا باحباط هو الاخر: جدا..
لينظر عاصم لهم بغيظ و عوضا عن تقليدهم ضرب على الطاوله بحده لتنتبه الفتيات له فصاح بسخط: اظن الرغى بتاعتكم ده ينفع في البيت، و لا انتم مأجلينه لما نخرج، علشان نقعد احنا نتفرج عليكم! تناقلوا النظرات بينهم ليبتسموا بخبث فنظر اكرم لهم بضيق فنهضت جنه واقفه لتقول بضحكه: لا ازاى بس، يالا نمشى من هنا.. تسائل اكرم: هنروح فين؟ نظرت لشذى و غمزتها لتجيب شذى بجذل و هى تضحك بسعاده: الملاهى..
اغلق عاصم عينه لحظات و ملامحه تهتف برفض شديد بينما تبادلت مها و سلمى النظرات فعاصم لم يوافق سابقا على اصطحابهم فهو ينفعل دائما من ازدحام تلك الاماكن و صخبها.. نظرت جنه اليهم لتشير مها بعينها على عاصم فنظرت جنه اليه لتجد الرفض الواضح على وجهه فابتسمت بخبث خفى و اتجهت لتجلس على المقعد بجواره هامسه بصوت يسمعه فقط: فاكر يوم ما خطفتنى للمزرعه و طلبت منى أسلمك نفسى بدون اعتراض..!
نظر لعينها التى لمعت بلهفتها و اومأ موافقا فتحولت نظراتها لبراءه طفوليه و لمعت بشغفها قائله بنبره حزينه راجيه: ممكن تسمحلى انت نبدل الادوار النهارده، انا مروحتش الملاهى بقالى سنين يا عاصم، تحديدا من يوم ما بابا توفى، بالله عليك انا نفسى اروح تانى، ارجوك. امسك يدها ليفاجئ الجميع بتقبيل باطنها بحنان واضح و هو يصرح بحزم و نبره مسيطره: مراتى متترجاش حد، حتى انا، انتِ تأمرى بس.
ثم قبل يدها مره اخرى مع نظراتها الحانيه و التى شوبها بعض الخجل و بعدما لاحظت نظرات الجميع لها بالاضافه لبعض زبائن المكان و الذى جذبهم مظهره هذا، ابتسمت لتلمع عينها بفرحتها ليس من كلماته التى منحتها جزء من السعاده و الذى اشعرتها بأنها قويه به و له، و الاهم لاجل نفسها، بل لانه استجاب لها و هذا امر تصادفه نادرا فأمر ان يتنازل عاصم الحصرى عن قراره ليس بشئ هين و ان يفعل من اجلها، منحها سعاده مطلقه..
استند اكرم بعبث على كتفه ليهمس بسماجه: مش كفايه و لا ايه، احنا كده نرجعكم البيت اضمن!
وكزه عاصم بقوه ليكتم اكرم تأوهه راغما بضحكه عاليه جعلت مها تنتفض مع انتفاضه قلبها و هى ترى اشراقه ضحكته لا تدرى اهى حقا المره الاولى ام هى من كانت غافله عنها، و لكنها منذ متى كانت غافله، فهى تعرف عقده حاجبيه جيدا، تستطيع ابتلاع ملامحه الغاضبه و التى تُربك اطرافها، تتحمل صراخه و عنفه في العمل و الذى لا يعرف تهاون فيه بالاضافه لتقبلها لابتسامته الجانبيه و التى دائما ما يرمقها بها، لكن ان يضحك و بمثل هذه الطريقه التى تطرب قلبها..
انتبه لتفحصها به ليرمقها بنظره جانبيه لتختفى ضحكته تدريجيا ليعتدل بنظره ثاقبه شملتها لتخفض عينها ارتباكا لتتسع ابتسامته و كلمات عاصم تترسخ بداخله محق هو كفى مماطله.
نهضوا جميعا لينطلقوا للملاهى كما ترغب سمو الملكه فمن رأى الدلال و لم يتدلل ظالم ، و بكل مكان تخطوه جنه كانت ابتسامتها تنيره بفرحه عارمه لتطبع بصمات سعادتها، انطلقت الفتيات بمرح لتتسابق على الالعاب، بينما جلس اكرم و عاصم على مقعد جانبى امامهم.. حتى قطع عاصم الصمت و مازالت عينه تتابعهم في هذه اللعبه العاليه و التى ينبعث منها صرخات الجميع: عمتى السبب!
نظر اليه اكرم بعدما ابتعد بنظره عن الفتيات ليرمقه بتعجب ليتمتم بتساؤل: عمتك! سبب ايه؟!
اخذ عاصم نفسا عميقا ناظرا اليه و للاسف مجبر هو على اخفاء امر ماجد الالفى فأكرم سيتألم كثيرا لهذا و هو لن يسمح، بالاضافه لتأثير هذا الامر على امر علاقته بمها، فأخبره بالتفاصيل الاخرى مما دفع اكرم لتتسع عيناه بصدمه غير مستوعبا كم بشاعه تلك المرأه و انهى كلماته قائلا: و لولا ستر ربنا كنت هقتله و لو هى قدامى مكنش هيمنعنى عنها حد..
حدق به اكرم ليعبر عن دهشته بصراخ ذاهل: انت بتقول ايه؟ توصل لقتل و سرقه و نصب و لعب بأعراض الناس!، مش كفاياها اللى حصل زمان، الانسانه دى مخلوقه من ايه؟! دى مريضه نفسيا..! غطى وجهه بيده قليلا ليستعيد نفسه ثم تسائل: عملت فيه ايه؟
اشاح عاصم بيده في لامبالاه و تمتم بقسوه و كأنه يتحدث عن امر هين لا يستدعى الاهتمام: رصاصه في رجله و على ما اعتقد بقت غير صالحه للاستخدام، وشه بقى غريب شويه، و جسمه تقريبا سلم نمر مهما كان الراجل كبير.. نظر اكرم لجرح يده المضمد و اشار اليه بذهول: دا سبب جرحك؟
نظر ليده متذكرا عقاب جنه اللذيذ له و يتخيل كيف ستتصرف ان عرفت الحقيقه بالتأكيد ستغضب فقسوته و لا مبالاته في ايذاء نفسه او الاخرين امر لن تتهاون فيه ابدا، و اومأ برأسه موافقا، دار اكرم برأسه حوله بخيبه امل مدركا ان غضب عاصم هو عدوه الوحيد و لكن تجمدت عينه خلفه عندما رأى جنه واقفه و عينها متسعه بدهشه و دموعها تنساب ببطء، فاستدار عاصم مسرعا لترمقه بنظره متخاذله ثم تحركت من خلفهم مسرعه..
زفر عاصم بقوه و نظر لاكرم بضيق فهم اكرم بالنهوض خلفها و لكن عاصم اوقفه مترقبا مكانها بعينه حتى وجدها تقف في مكان هادئ بعيد قليلا عن صخب المكان، فأشار للفتيات بالاقتراب و دون كلمه اشار لهم بالتحرك امامه حتى صعدوا للسياره غير مدركين ما حدث و ما سبب الضيق البادى على وجهه، و نظر لاكرم نظره ذات معنى فاومأ اكرم و وقف خارج السياره مستندا عليها بينما تتبادل الفتيات نظرات متسائله...
تحرك عاصم باتجاهها حتى وقف امامها ليرى بعينها نظرات لوم و لكن ما فجأه بشده نظرات الخوف التى كست عينها مره اخرى فاقترب ممسكا يدها لتنظر اليه قائلا برفق: جنه، انا مرضتش اقولك علشان مكنتش حابب اشوف دموعك. رفعت عينها اليه لتنظر لوجهه بنظره غريبه و لاول مره يصعب عليه فهم ابريقها العسلى الذى غرق بدموعها و تمتمت بحزن ذاهل: انت اذيت الراجل يا عاصم!؟
رمقها بتعجب مستنكر ليهتف بسخريه غلبته: و المفروض كنت اعمل ايه اسقف له و لا اهنيه على خططه الممتازه! دا واحد قاتل. لتحرك رأسها بمعنى لا فائده و تغمغم بخيبه امل: هتفضل مندفع، هو قاتل، مجرم، يستاهل الحرق بس انت مش هو يا عاصم، امتى هتفهم ان غضبك هيأذيك؟
حاول بقدر امكانه التماسك و لكن اعصابه لم تسعفه في هذا فهو يتفهم خوفها جيدا و لكنه لم يعتاد ان ينتقده احد او يملى عليه ما يفعل و ماذا لا، و تجنبا لجدال قد يؤدى لعواقب وخيمه، أشار لها على الطريق امامه ثم امسك مرفقها و هم بالتحرك بها هاتفا و هو يضغط اسنانه بقوه: يلا على البيت..
نظرت لوجهه ثم جذبت يدها منه بعنف لتتحرك امامه تاركه اياه خلفها يحاول تجاوز غضبه، ، اغتصبت ابتسامه لتسير بها حتى لا تدفع الفتيات لسؤالها و لكنها بمجرد ان اقتربت من السياره وجدت اكرم و شذى في وضع اشبه بوضع المهرجين بضحكاتهم العاليه و التى تراقبها عين مها و سلمى بضحكات مستمتعه و هى يتسابق معها في اكل غزل البنات، فشقت ابتسامه حقيقيه شفتيها مترقبه نهايه السباق..
حتى رفع اكرم يده مستسلما قائلا بهتاف ساخر: انا اكل غزل بنات ليه؟ ها ليه؟ دا عقاب، بتحبوه ليه مش عارف؟! ضحكت الفتيات بينما اقتربت جنه و وضعت يدها على كتفه مبتسمه و هى تهمس بسخريه: مش قادر تاكل غزل بنات..؟! يا خساره.
نظر اليها بغيظ هاتفا بتهرب: مبحبش اكل سكريات انا، ثم اضاف بكلمات تدل على نفوره منه حقا: انا اشرب قهوه، اكل حاجه سبايسى، اشيل حديد و اطلع عماره 30 دور على السلالم، و لا انى اكل غزل البنات دا تانى. رمق مها بنظره جانبيه لم تغفل عنها عينها و تعجبها قلبها الذى اتنتفض فور ان اكمل و هتف بحنق مقصود: هو اصلا البنات و غزلهم متعب.
ضحك جميعهم حتى تقدم عاصم ليركب السياره بملامحه العابسه يرمقها بنظره غاضبه و كأنها هى من اخطأت، صعدوا للسياره و اتجهوا للمنزل لتتجه الفتيات للاعلى قبل ان يميل اكرم على عاصم قائلا قبل ان يرحل: قول للحاج و الحاجه انى جاى اطلب عروستى بكره.. ابتسم عاصم غامزا متجاوزا ما سيحدث من جنته و التى ستصبح جحيمه بعد قليل: اخيرا.!
ليشيح اكرم بلا مبالاه مصطنعه كأن الامر لا يعنيه: اقتنعت انا، كفايه مماطله، ، ثم هتف بغيظ: علشان انا لو فضلت كده هتجوز و انا عندى 60 سنه و الصحه مطلوبه دا زواج مش رقص على السلم، ، ثم اضاف بغمزه مشاكسه: بس اهم حاجه السريه يا سياده النقيب، مش عايز عروستى تعرف، ، تنهد بعدها بعمق ليبتسم بخبث مغمغما: بتعجبنى المفاجأت..