logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 6 من 17 < 1 10 11 12 13 14 15 16 17 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية حلم السندريلا
  28-03-2022 09:01 مساءً   [37]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثامن والثلاثون

اجتمعت عائله مازن سويا استعداد للسفر بانتظار عز و ليلى و الصغيره شذى، كان هناك ضحكه سعيده تغزو وجوههم فما اجمل من شعور الذهاب لبيت الله!
ربتت نهال على كتف مازن الجالس بجوارها و اصدرت الاوامر الصارمه باسلوب الام الحانى: خد بالك من نفسك و بلاش ترهق نفسك في الشغل و اهتم بأكلك، لو رجعت لقيتك خاسس او متغير مش هعديهالك بالساهل، سامعنى؟

زم مازن شفتيه بطفوليه لينظر لوالده بابتسامه خبيثه هاتفا بمرح: خدى بالك من الحاج انتِ بس و متقلقيش عليا.
وكزته بكتفه ضاحكه و كذلك الجميع حتى نقل محمد بصره بين حنين و حياه و قال بابتسامه هادئه قاصدا ارسالهم بعيدا عنهم: ايه يا بنات مش هنشرب حاجه.
ابتسم كلاهما و نهضا للمطبخ فعاد محمد ببصره لمازن قائلا بهدوء: خد بالك من البنات يا مازن انا عارف ان الحِمل تقيل عليك بس انت راجل و قدها..

تنهد مازن بابتسامه بسيطه: حاضر يا بابا، انا هشيلهم في عنيا و ان شاء الله على رجوعكم من العمره هكون حليت كل حاجه و ترجع حياتنا لطبيعتها.
تبادل محمد و نهال النظرات فيبدو ان وقت القرار قريبا و ربما ذلك ما يبدو عليه الامر لكن الحقيقه انه مازال وقتا طويلا، و ربما طويلا جدا...
قطع حديثهم جرس الباب فنهض مازن ليفتح ليجد عز و ليلى و شذى امامه فابتسم و دعاهم للداخل...

اتجه مازن للمطبخ وجدهم يضحكون سويا فحمحم و وجه حديثه لحياه قائلا: حياه عاوزك ثوانى..!
التفتت كلتاهما له ثم استدارت حنين مجددا و اتجهت اليه حياه فمال عليها قليلا هامسا: عمى عز و الدكتوره ليلى وصلوا..
نظرت اليه بارتباك ثم نظرت لحنين و همست بتشتت: لو عرفت مش هتخرج.!
و بالمثل نظر مازن لحنين ليجدها منهمكه في تحضير المشروب البارد فغمغم: يبقى بلاش تعرفيها.

اومأت برأسها و نظر كلاهما لحنين بحزن تبعها خروج مازن و عادت حياه لحنين، جلس الجميع بعد تبادل السلام و بالطبع السؤال الاول عن حنين عندما بادر عز بقوله المتلهف: حنين فين؟! و اخبارها ايه؟
اجاب محمد بنبره معاتبه و هو يرمق عز بخيبه امل: لسه عايشه و يعتبر بخير..

ادرك عز مغزى كلامه جيدا و لكن محمد لم يتوقف عن العتاب فوقت الحدث لم يكن بقادر على التحدث حتى: انا مش فاهم ازاى تعمل حاجه زى دى؟ انت يا عز! و مع مين بنتك حنين اللى الغريب قبل القريب عارف انها بتتكسف من خيالها؟

طأطأ عز رأسه أسفا و لم يستطع الرد فبأى حق يرد فأردف محمد بحزن على تلك الصغيره التى قاست ما لا يتحمله كبار: بنتك كانت مغيبه عن الواقع تماما ما يقارب سنه بعد موت فارس، سنه يا عز بنتك رافضه ترجع لحياتها و نفسها، و بعد ما حاولت و بدأت تفوق تقوم انت تصدق فيها كده! ازاى قدرت تفكر حتى مجرد تفكير؟
رفع عز رأسه حزنا و ندما و لكن لم يعد وقته قائلا بخزى: كان غصب عنى اللى انا شفته مفيش اب يستحمله..

حرك عز رأسه بمعنى - يا خساره - و تمتم: انت عارف لو انت جوزها كان ممكن اعذرك، اسمك مش عارفها، مش عارف عاشت ازاى قبل كده و لا تصرفاتها و أفعالها ازاى...!؟

ثم هتف بنبره حاده متهمه و بالوقت ذاته مستنكره: انت ابوها يا عز، انت اللى ربتها و كبرتها، يوم عن يوم كانت بتثبتلك ان تربيتك ليها في محلها، بنت زى حنين فخر لأى أب و عزه لأى زوج، كنت دايما بتقول ولادى دول زرق ربنا ليا و خاصه حنين، كل دا غاب عن عقلك و قلبك لمجرد وضع شوفته..!

ارجع عز شعره للخلف ارتباكا و الندم يفتك به فأنهى محمد عتابه القاسى بكلماته الاكثر وجعا: انت كسرتها، في اكتر وقت كانت محتاجه لك فيه انت خذلتها، متتوقعش انها تنسى او تسامح بسهوله.
كان الحضور كأن على رأسهم الطير في ذلك الحوار فالكل مذنب، ليلى، نهال، عز، الكل شارك في كسرها، و لكن الغضب الذى تملك مازن الان تجاه عز فاق كل الندم الذى يشعر به الجميع،
لا يدرى ما سببه؟! و لا يدرى كيف يمحيه؟!

شعر برغبه عارمه في اخفاء حنين عنهم، طمأنتها و احتواء حزنها الذى لم يختفى حتى هذه اللحظه، رغم انها باتت تضحك، تشاركهم حياتهم، و لكن بداخلها قلب محطم و نفس باليه..
تجمد غضبه تماما عندما رأى ملامح وجهها فور ان رأت والديها، الضحكه التى كانت تشاركها مع حياه الان اختفت تدريجيا حتى حل محلها نظره مدَمره، عيناها التى حملت بصيص امل بالحياه تحولت لفضيه الحزن بدموعها..

انتفض جسدها فحملت حياه عنها ما بيدها و فور ان رأى الجميع ما حل بها بقلق، تقدمت ليلى خطوات مسرعه و دموعها تسبقها على وجنتيها و لكن حنين عادت مسرعه للخلف مبتعده عنها..
خُيل للجميع ان بمرور الوقت تضائل صدمتها و حزنها و لكن يبدو انهم اخطأوا فما يبدو عليه الوضع الان اشبه بذلك اليوم التى فقدت فيه ثقتها بهم..!

توقفت ليلى بعجز عن التقدم خطوه اخرى و طفلتها تركض منها، فأخذ عز نفسا عميقا متقدما من ليلى محتضنا كتفها بمواساه و نظر لحنين قائلا بندم: مش هقول حاجه و لا هبرر علشان عارف ان مفيش كلام هينفع!

ثم ترك ليلى متقدما خطوه اخرى بينما تجمدت حنين مكانها فقط دموعها هى التى لم تتجمد، وقف امامها ناظرا لعينها ثم اخفض رأسه بشبه انحناء امامها متمتا و دموعه تتجاوز كبرياؤه لتعلن عن حزن اب كان السبب بحزن ابنته: انا اسف، عارف انها مش هتصلح اللى حصل بس يمكن تصلح اللى جاى، سامحينى يا حنين، ابوكِ غلط بس ندمان و الله ندمان.

كانت تنظر لنقطه وهميه دون وعى حتى اخترقت كلماته اذنها لترفع عينها اليه عاقده حاجبيها مردده بدهشه: اسامحك!
ظلت تنظر لوجهه الذى اظهر مدى ندمه و الم قلبه و لكنها بدت كأنها لم تراهم عندما اردفت باستنكار: اسامحك على ايه؟
خرجت منها تنهيده عاليه تبعتها بانكماش وجهها بألم قاتل ناتج عن قلبها و هى تغمغم بتسائل: اسامحك على انك كسرتنى، و لا على انك قتلت كل ثقتى فيك.!؟

وضعت يدها على قلبها و نظرت اليه بوجع عاصف و هى تردف بشهقه عاليه: و لا على انك حرمتنى من انى افضل دايما لفارس..!؟
انتفض جسدها بقوه و تعالت شهقاتها و هى تردد و مازالت حتى اليوم لا تصدق ان والدها من دمرها هكذا: انت مشككتش في اخلاقى بس يا بابا، انت شككت في ايمانى و خوفى من ربنا..!
اختفى صوتها ليخرج مبحوحا: شككت في حبى لفارس..!

رفعت رأسها اليه و معه رفعت اصبع الاتهام لتواجهه به قائله بحده: مش هقدر اسامحك، عمرى ما هسامحك.

نقلت بصرها بين الجميع حتى توقفت على مازن ظلت تنظر اليه لحظات و هو ينظر ارضا غير منتبهاً لنظراتها، تحركت اليه حتى وقفت بجواره و هى تقول شاعره ان ها هنا بجواره منطقه الامان الخاصه بها: انا اكتر وقت احتاجتلك فيه اتخليت عنى، مكنتش ليا السند اللى اقدر اطمن و انا جنبه يا بابا، الموضوع مش موضوع شك او غلط تندم عليه لا الموضوع اكبر من كده، انت مرحمتش ضعفى و لا ساعدتنى وقت خوفى، كلكم جيتوا عليا، انت و ماما و جدى، حتى عاصم ملقتوش جنبى...!

اشارت باصبعها على مازن و هى تهتف بكلمات من شأنها قتل اى اب: البشمهندس بس اللى وقف معايا، قدر خوفى و حاول يطمنى، كان بيساعدنى و بيحمينى، ثم اضافت بسخريه: عارف من مين يا بابا!، من اهلى..! ،
اغلقت عينها و همست بلوعه: فارس غاب عن حياتى بس مازال هو اللى بيحمينى،
اختنق صوتها و انهت حديثها بقولها: لو قدرت اثق في حد بعده هيبقى في اخوه مش انت يا بابا.

اقترب عز منها محتضنا اياها هاتفا بسرعه و لهفه: متقوليش كده يا حنين، انا عارف انى وجعتك بس سامحينى يا بنتى افتكرى انى بابا عز و سامحينى..
ابتعدت عنه ببطء و رفعت عينها اليه هامسه بسخريه أليمه: انا يومها قولتلك كده يا بابا قولتلك انا حنين بنتك اسمعنى بس انت رفضت تسمعنى و كنت اول حد هاجمنى.

احتضن وجهها قائلا: و مستعد ارجع كل حاجه زى الاول، هترجعى البيت تانى و تبدأى صفحه جديده، تشتغلى و تجهزى بنفسك مرسم زى ما كنتِ بتتمنى، تحبى و تتجوزى، تكونى عيله ليكِ، هنرجع كل حاجه زى الاول و احسن، هننسى كل اللى حصل، كله.
ظلت تتطلع لوجهه قليلا و قلبها ينتفض رعبا من كلماته،
تُحب وتتزوج!
تكون عائله!
كيف هذا بدون فارس، كيف تفعل ما يقول؟!

ارادت معاتبته لتسامحه بعدها، و لكن يبدو ان مسامحته ستُدمر ما بقى من عقلها و قلبها..!
يبدو ان اللجوء اليه مجددا سينهى الانفاس الاخيره من روحها، و ان كان مسامحته ستجعلها تعيش لدقيقه واحده بعيده عن عشقها و زوجها لن تسامحه اذا...

ابتعدت عن مرمى يده واتجهت لمازن و وقفت خلفه لا يظهر منها سوى عينها و التى وجهتها ارضا، تعجب الجميع رد فعلها و خاصه مازن الذى لم يفهم سر اختبائها خلفه و الاصح اختبائها به، و عندما حاول الابتعاد من امامها تمسكت بقميصه من الخلف لتوقفه و تُزيد اخفاء لنفسها خلفه حتى لم تعد تراهم و لا هم يروها..
عقد عز حاجبيه متسائلا بدهشه: حنين انتِ...!

قاطعته بخفوت خائف: انا هفضل هنا و مش همشى و لا هرجع بيتنا، و انا مكتفيه تماما ان انا عايشه في البيت اللى قضى فيه فارس عمره كله، كفايه ان احس انى جنبه و حاسه بوجوده حواليا، و مش هسمح لحد يخطف منى الحق ده.
ادرك مازن السر الان فهى لم تختبئ خلفه سوى طمعا في علاقتهم التى تحمى حبها لاخيه الراحل، تمسكا بذلك الرابط بينهم و الذى يمنعها من اى رابط جديد يُفرض عليها..

ادركت هى انها فتاه صغيره مازالت في ريعان شبابها، دكتوره، جميله، ماذا يعنى ان يتوفى زوجها! و لا سيما مجرد عقد قران دون دخوله بها، بالتأكيد لابد ان تعيش حياتها و تستمر في طريقها و تبدأ صفحه اخرى و ربما مع رجل اخر.
ادركت انها لن تتحمل فكرهم و رأيهم هذا فلم تجد افضل من زواجها لتحتمى به و لسوء حظه او ربما حسن حظها هو زوجها، لن يفرض نفسه عليها و لن يحبها فبهذا ستعيش على ذكريات اخيه دون معضله.

يستطيع الان ان ينهى اختبائها هذا فهى من حقها الحياه دون حزن، من حقها الشعور بالحب و السعاده مع انسان اخر يمنحها حياته، من حقها ان تبتسم يوميا و تقضى ما بقى من عمرها فرحا...
و لكن صوت ما بداخله اخبره الا يفعل!

فلم يُحرك ساكنا و بقى واقفا امامها بينما عقدت حياه يديها امام صدرها لتبتسم ابتسامه جانبيه و هى ترمق كلاهما بنظره عميقه عندما لمحها مازن لم يفهمها، و كذلك محمد جلس مكانه و يتراقص بعينه نظره ضاحكه و هو يتطلع اليهم بينما نهال و ليلى و عز في حاله من عدم الاستيعاب...

تقدم عز خطوه اخرى منهم و عندما لمحته حنين تمسكت بملابس مازن اكثر فشعر بها فبادر هو قائلا: معلش يا عمى يمكن لسه الوقت مش مناسب، الدكتوره محتاجه وقت تهدى و تفكر و يمكن تنسى، و ان شاء الله مع الوقت كل حاجه هترجع زى ما كانت.
نقل عز نظره من حنين اليه و بقله حيله اومأ موافقا متمتما: ان شاء الله...

نهض الجميع استعدادا للخروج و بالفعل ما هى الا دقائق و انطلقت السياره بهم، جلست حنين على سلم مدخل المنزل و هى تفكر فيما قالت و فيما فعلت و ما شعرت به...
تشعر انها اخطأت و لكنه اصح خطأ بحياتها، تشعر بالخوف و لكنه منحها امان غريب..
فما هذا الذى تشعر فيه بالسعاده بقدر ما تشعر بالحزن؟
ما هذا الذى تشعر فيه بالامان بقدر ما تشعر بالخوف؟

لا تدرى السبب و لا تدرى من اين يأتى هذا الشعور و لكنه رغم انه مبهم فهو جميل!
نظرت لمحبس فارس بيدها و ابتسمت بحزن مغمغمه: وحشتنى قوى، و محتاجه لك معايا قوى.
شعرت بأحدهم يجلس بجوارها فنظرت لتجد حياه تنظر اليها بحنان هامسه: للدرجه دى كنتِ بتحبيه؟

نظرت حنين امامها مجددا و اجابتها بحالميه و عينها تلمع بالدموع: مش هلاقى كلام يعبر عن حبى و تعلقى بيه، انا خسرت نفسى لما خسرته يا حياه، خسرت فرحه قلبى، خسرت حاجات كتير جوايا انا متأكده ان مفيش راجل تانى هيعوضها، لان فارس مفيش زيه.

ابتسمت حياه و هى تتطلع اليها دون حياد و تمتمت تدفعها رغما خارج قوقعتها الصغيره التى فرضتها على نفسها و ترفض الخروج منها: مش يمكن تلاقى؟ ليه مش عاوزه تدى لنفسك فرصه، مش يمكن فرحه قلبك مع حد تانى!
غامت عين حنين في متاهه عشقها و غمغمت بثقه: قلبى لا يمكن يفرح مع حد تانى.

لحقتها حياه بسؤال اخر معقبه: و يمكن انتِ مش سامحه له بده و لو سمحتِ هيلاقى و هيفرح، صدقينى العشره بتفرق، انتِ حبيتِ فارس اكيد لكن حياتك مع حد تحت سقف واحد تختلف.

التفتت حنين اليها لتجد نظره عينها المشرقه و لم تمنحها فرصه الاعتراض عندما اردفت: انا بعد مشكلتى مع شادى اعتقدت ان الحياه انتهت بالنسبه ليا، قسوه بابا و اتهام شادى و جوازى غصب من مازن، اكدلى ان مفيش امل اضحك تانى كأن الدنيا اختارتنى علشان توجعنى، لكن بعد ما عشت مع مازن و شوفت قد ايه انسان كويس جدا و حانى عليا و على اهل بيته، عرفت ان مفيش حاجه بتنتهى...

تابعت حنين الابتسامه الرائعه على وجهها و التى تصاحب كلماتها المفعمه بالتفاؤل و التى اكملتها قائله بايمان: ادركت و أمنت تماما ان كل نهايه بدايه لحاجه جديده اجمل و احسن تخليكِ تنسى اى حزن و اى وجع حستيه، العبره مش بالحب بس يا حنين، العبره بالثقه و الامان اللى ممكن تحسيهم جنب شخص معين، شخص مستعد يضحى بحياته علشانك، شخص بيقدرك، و اعتقد انك كمان تستحقى تعيشى و تفرحى، و انا واثقه ان ربنا شايلك فرحه اكبر بكتير من اى فرحه شوفتيها قبل كده و الاهم انها اكبر من اى حزن عشتيه..

و علشان انتِ متفائله كده انا عندى ليكِ مفاجأه..!
التفتت الاثنتين على صوت مازن المرح و الذى تبعه بتحركه مسرعا ليقف امامهم و نظر لحنين ثوانى ثم نظر لحياه التى لمعت عينها بحماس و هى تهتف: الله، مفاجأه، ايه هى؟!

ابتسم و هو يعطيها عده اوراق بيده: شركه اعلنت عن مسابقه علميه لخريجى ألسن، هتختبر قدرات المتسابقين و اللى هيفوز و يوصل للنهائي هيفوز بمنحه عمل في فرع من فروع الشركه بشهاده رسميه من الشركه الرئيسيه، و انا واثق انك هتنجحى..
نظرت حياه للاوراق بذهول و تمتمت بعدم تصديق: يعنى ايه؟ يعنى انا ممكن اشتغل؟! ممكن احقق حلمى؟

نهضت واقفه بحماس و عينها تذرف دموع فرحه و مازالت لا تستوعب: مازن، انت بجد، قصدى انت بتتكلم جد، يعنى انا هقدر اشتغل و احقق كل اللى تمنيته!، يعنى..
قاطع مازن حماسها ضاحكا: يعنى كل لحظه بكيتِ فيها انا مصمم اعوضهالك بضحكه.

جذبت الكلمه حنين فرفعت عينها ترمقه بنظرات منبهره و ممتنه و كذلك حياه التى نظرت اليه ثوانى ثم اقتربت مسرعه محاوطه عنقه لتضمه و هى تضحك بفرحه عارمه و هتفت بامتنان: شكرا بجد، شكرا يا مازن..
خجلت حنين ناظره ارضا و كذلك مازن الذى لم يتوقع رد الفعل هذا و لكنه رفع يديه محتضنا اياها هامسا بصدق فرحته لفرحتها: افرحى يا حياه، علشان من غير ضحكتك الحياه هتقف.

ابتعدت عنه و صرخت بسعاده و هى تقفز مرتين متتاليتين: انا فرحانه قوى قوى يا مازن، انت بقيت سبب كل فرحه في حياتى.
ابتسم بهدوء فاقتربت حياه من حنين و اوقفتها فجأه على غفله منها و احتضنتها بقوه و هى تصرخ لا تصدق و السعاده تقفز قفزا من مقلتيها: مش قولتلك، الفرحه حلوه قوى، انا بطير يا حنين، حاسه انى بطير..

تفاجأت حنين بفعلتها و حاولت التوازن على درجه السلم الصغيره و لكنها لم تستطع فانحنت قدمها و مالت لحرف الدرج حتى كادت تسقط و لكن يد حياه التى امسكت ذراعها و يد مازن التى احاطت خصرها لتستند على صدره منعتها من السقوط مع صرخه ألم نشأت عن وجع قدمها..
رفعها مازن حتى اعتدلت واقفه و وضعت حياه يدها على فمها بأسف تعتذر جازعه: انا اسفه و الله يا حنين، بس من فرحتى، ااا، انا اسفه..

ضغطت حنين باطن وجنتها متألمه و رفعت رأسها قائله: محصلش حاجه انا كويسه..
جاءت لتتحرك و لكنه تأوهت مستنده على سور الدرج فمال مازن برأسه عليها قائلا: انتِ كويسه بجد؟
نظرت حياه لقدمها ثم اليها و تسائلت بقلق: انتِ رجلك اتلوت؟!
نقل مازن بصره مسرعا لقدمها ثم اليها مجددا و تحدث متخذا دورها في التأنيب: دكتوره، الموضوع مينفعش فيه مكابره..؟!

ربتت حياه على كتفه قائله: دخلها الاوضه بتاعتها يا مازن علشان مينفعش تدوس عليها و انا هجيب ثلج و أجى..
اشارت حنين بيدها مسرعه: لأ مفيش داعى انا هدخل..
نظرت حياه لمازن الذى اخذ ينظر لكلاهما دون ان يدرى كيف التصرف فابتسمت هاتفه بمرح: لو اقدر اشيلها كنت دخلتها، لكن انت عارف العين بصيره و الايد قصيره، ثم ضحكت: يالا يا مازن علشان لو داست عليها غلط ممكن لا قدر الله يبقى فيها حاجه..!

و قبل ان تُكمل كلامها وجدت حنين نفسها بين ذراعيه صاعدا الدرج متجها لغرفتها وسط خجلها الذى وصل اقصاه و غضبها من موقف حياه و فعل مازن، وصل لغرفتها وضعها على الفراش و قبل ان يعتدل واقفا وجدها تقول بصرامه: حصلت مره و ياريت متتكررش تانى..
نظر اليها و صمت كلاهما هى تطالعه بحزن عاقده حاجبيها بضيق و هو يتابع نظراتها دون المقدره على قول كلمه واحده..

يعلم ان ما حدث بسيط، و ربما بعد عده دقائق تتحسن قدمها و لكنه لم يستطع المخاطره بفكره اصابتها بشئ مهما كان هينا، و السؤال الان، هل هذا خطأ؟!

دلفت حياه فقطعت اتصالهم البصرى و جلست مسرعه بجوار حنين و بيدها كيس يحتوى على عده مكعبات من الثلج و دون سابق انذار قامت برفع طرف عباءه حنين و لكن حنين انتفضت معتدله و وضعت قدمها اسفل العباءه ناظره لحياه بحده استغربتها و لكنها ادركت مغزى نظرتها عندما نظرت لمازن خلفها فاستدارت حياه له و اغلقت عينها بهدوء باشاره منها ليخرج، اومأ بصمت نقلا بصره لحنين لحظات ثم تركهم سويا و خرج مغلقا الباب خلفه..

بدات حياه بوضع الثلج على قدم حنين و هى تمتم بهدوء: متقلقيش مازن مش من النوع اللى انتِ متخيلاه..
عقدت حنين حاجبيها استغرابا فأردفت حياه قائله: مازن لا يمكن يبصلك بأسلوب مش ظريف او اعجاب و رغبه، لا خالص.
اجابتها حنين مسرعه دون تفكير: لا انا متأكده انه مش كده انا واثقه فيه جدا..
ابتسمت حياه و دون ان تنظر لها اكملت بجديه: جميل، بس كمان لا هيحبك...

ثم تنهدت قائله ببساطه و الامر حقا لم يعد يعنيها: و لا هيحبنى..
ازداد تعجب حنين و انعقاد حاجبيها عندما اردفت حياه بضحكه: تخيلى، انا و مازن قربنا على سنتين جواز و عمره ما لمسنى.!
اتسعت عين حنين بصدمه فضحكت حياه على مظهرها و تركت الثلج جانبا و اعتدلت جالسه امامها تشرح باستفاضه: بيحضنى و احيانا بيمسك ايدى، بنهزر و نضحك، بس انا و هو اخوات.

ازداد اتساع عينها و ما زالت تحت تأثير الصدمه حتى رفعت حياه يدها ضاربه اياها على جانب رأسها صارخه: حنين، انتِ سمعانى؟
تمتمت حنين بتعجب و الفضول يتآكلها: ازاى؟ وليه؟ يعنى الظاهر انكم بتحبوا بعض جدا..
ابتسمت حياه و اجابتها: احنا بنقدر بعض، بنحترم بعض و طبعا بنحب بعض بس حقيقى اخوات انا و هو مش متقبلين اى فكره تانيه عن علاقتنا و لا عارفين نبقى زى اى اتنين متجوزين، ، عارفه ليه؟

بحماس فضولى سألتها مسرعه: ليه؟!
اشارت حياه لوجه حنين المتحمس الذاهل و انفجرت ضاحكه: انتِ عندك شيزوفرنيا يا بنتى، انتِ كنتِ مضايقه من دقائق على فكره..
تجهم وجه حنين فضحكت حياه مجددا و قالت تداعب انفها مغيظه: خلاص خلاص هقولك، ثم رفعت اصبعها محذره: بس يفضل سر بينا!

اومأت حنين مستمعه اليها عندما اردفت حياه متذكره كيف اخبرها سابقا انه يحب اخرى و كيف اخبرها الا تضع للقلب مكان بينهما: لانه بيحب واحده تانيه بس بعيد عنه جدا، و معتقدش انه هينساها، و احنا اتفقنا نبقى صحاب و اخوات و هو نعم الاتنين الحقيقه.
عقدت حنين حاجبيها بدهشه مردده: بيحب!
ضحكت حياه ملئ فمها: أينعم، تخيلى بيحب واحده و متجوز اتنين، ثم غمزت بعينها بخبث قائله بملامح جريئه عابثه: جاحد.

نظرت حنين لوجه حياه العابث و انفجرت ضاحكه هى الاخرى لتشاركها حياه مجددا، اقترب مازن من الغرفه على صوت ضحكاتهم و قبل ان يطرق الباب تراجع و عندما هم بالرحيل وصله صوت حنين فتوقف، هدأت حنين و تجاوبت معها و هى تتسائل بابتسامه بسيطه: انا اول مره اشوفك مبسوطه كده، كل ده بسبب المنحه اللى كلمك عنها مازن؟

اخذت حياه نفس عميق بضحكه و اجابتها بسعاده لا يسعها قلبها من فرطها: دا حلمى يا حنين، من و انا في بدايه الجامعه و انا بتخيل اليوم اللى انجح فيه و اشتغل و ابقى مترجمه كبيره و ليا كيانى و مكانتى.

ثم ابتسمت بحزن: و لما بابا منعنى بقيت حاسه ان حياتى ادمرت، و ازاى يبقى في حياه بدون حياتى و حلمى، و لما شادى كسرنى بقيت متأكده ان كل حاجه انتهت، بابا حبسنى في البيت حسيت انى فعلا عايشه في سجن و استغنيت عن التفكير في الحلم حتى..

ثم ضحكت باشراقه مجددا: لحد ما اتجوزت مازن، عارفه احساس كده زى ما يكون كل الابواب المقفله اتفتحت فجأه، كان السبب في سعادتى، بقى امانى و سندى اللى متأكده انه مش هيتكسر، بقى ليا اخ و اب، و فعلا وجوده جنبى بيطمنى.

قفزت بسعاده و هى جالسه مردفه و هى تشعر بنفسها تملك الارض بما عليها الان: قدرت اواجه بابا و انا مش خايفه، قدرت ارد حقى من شادى و كل قلم مش هينساه طول عمره، قدرت ارجع لحياتى اللى كنت نسيتها، قدرت اضحك و افرح و انصح، و دلوقتى ساعدنى في تحقيق حلمى و انى اثبت نفسى و احقق ذاتى.
تنهدت بسعاده ممسكه بيد حنين بشغف: تعتقدى ان في فرحه اكبر من كده!

تابعت حنين نظراتها السعيده و فرحت لفرحتها و شعورها بالامتنان لمازن يزداد، حتى ضيقت حياه عينها و اكملت بتحذير و كما اظهرت حلوه تريها مره: بس ربنا يبعدك عن غضبه، او تجاهله، صعب صعب بجد، انا بتجنبه تماما في غضبه..
ابتسمت حينن موافقه اياها: اللى بيبقى حنين و طيب زى مازن كده بيبقى متوقع جدا ان غضبه يبقى جنونى، زى ما بيقولوا، الحلو مبيكملش..!

ضحكت حياه و هى تضرب كتفها بشغب: معاكِ حق، يالا هسيبك تنامى بقى، تصبحى على خير..
اومأت حنين: و انتِ من اهله..
تحرك مازن من امام الباب و بعدها بثوانى خرجت حياه و تدثرت حنين بفراشها متذكره ما مر بهم طوال اليوم، ثم امسكت بصوره فارس الموضوعه على الكومود بجوارها محتضنه اياها لتنام و على وجهها ابتسامه مشتاقه و عقلها يعيد تصوير كل ذكرياتها مع الفارس الذى اختطفه الموت قسرا من اميرته...

كان عاصم جالسا بغرفته عندما سمع طرق خافتا على باب الغرفه و دون تفكير ادرك الدالف و فور انتشار رائحتها حوله اغلق عينه مستنشقا اياها ثم استرخى بهدوء على فراشه منتظرا حديثا اخر منها، مرت دقائق لم تتحدث حتى قالت اخيرا و هى تضع مشروب ما بيده: القهوه بتاعتك..
و غيرها لم تنطق بكلمه واحده، عقد حاجبيه متعجبا عندما شعر بها تتجه لباب الغرفه فأسرع قائلا: الرسايل بتاعتك لسه هنا.

شعر بها تقترب منه ثم قالت و ادرك تعجبها من صوتها المتسائل: الرسايل! بتعمل ايه هنا!
عقد حاجبيه متوقعا ما فعله اكرم و لكنه تمنى ان يخيب ظنه لانه بهذا سيحرقه و ربما يحترق هو فسألها بحده: هو اكرم مأخدش الرسايل منك لما كان هنا؟
نظرت لوجهه قليلا ثم اجابته قائله بتذكر متعجب: لأ اخدهم، بس مكنتش اعرف انه هيجيبهم عندك هنا.
لانت ملامحه قليلا فتسائلت هى: كنت عاوزهم في ايه؟

اعتدل جالسا غير منتبها للقهوه بيده فاهتزت ليُراق الكثير منها على يده و قميصه، فركضت مسرعه لتحمل الكوب عنه ثم ابعدت قميصه عن جسده و اسرعت بسحب منديل ورقى لتزيل القطرات عن يده و هى تعاتبه بلهفه: مش تاخد بالك؟
صمت قليلا ثم ازاح يدها عن قميصه و سحب يده من يدها الاخرى: بسيطه الموضوع مش مستاهل.
ابتعدت عنه بابتسامه حزينه متذكره ذلك اليوم الذى اراق فيها بغير عمد القهوه على عنقها فتمتمت: اه ما انا مجربه.

اعتقد هو انها تتحدث عما سببته لها نجلاء من قبل فأخذ نفسا عميقا و هم بالتحدث عندما وصله صوت الباب يُغلق، صر اسنانه غضبا و تعجبا بالوقت ذاته، لماذا تتعامل معه بتجاهل هكذا؟!
ما الذى حدث؟ طوال المده الماضيه كانت تتوسل حبه لها و اليوم تتجاهل دون كلمه واحده؟
أمعقول ان اكرم اخبرها بما اخبره به؟ و تنتظر منه اعتذار؟
أمعقول انه شجعها على الخروج من حياته؟
لا، لن يسمح هو بشئ كهذا ابدا!

هو خسر نفسه، خسر بصره، خسر عمله - مع علمه ان كل هذا ربما مؤقتا - و لكنه خسر و في الواقع كل هذا يُحتمل..
لكن خسارتها هى، لن يتحملها ابدا..
غياب جنته عنه سيكسر ما بقى من عاصم الحصرى، اجل يعترف هو أبقاها معه، عاقبها و لكن بجواره، فهو لن يتحمل خسارتها ايضا..
كيف يؤلمها و هى بكل كلمه و كل اعتراف منها تذيب خلايا قلبه..
لم يكن يدرك ان الحب لامثاله مُهلك لهذا الحد!

ليته لم يستمع لقلبه، ليته لم يعرفها، ليته لم يحبها..
و لكن حتى هذه لا يستطيع الندم عليها..
هو حتى يعشق ألمه بجوارها...
أهذا هو العشق؟!
نتألم بقدر ما نتألم و لكن يظل القلب نابضا للمعشوق، نحاول التناسى بقدر ما نحاول و لكن يعارض العقل حتى النسيان!
أهذا هو العشق؟!
الذى يمحى كل الحزن مقابل ضحكه واحده، و يخفى كل الالم في سبيل سعاده حتى و ان كانت مؤقته!
أهذا هو العشق؟!

الذى يشعر فيه بأن روحه تحترق و مع هذا يُلقى نفسه بسعاده بنيران عشقه مستمتعا باحتراقه!
اجل لم يفكر عاصم الحصرى بمعاقبتها بابقائها بجواره..
بل فكر باحتياجه لها، رغبته في وجودها حوله، سلامه الداخلى الذى لا يعرفه في بعدها..
اجل، ألمته، جرحت كبرياؤه، تركته بمفرده، و حطمت قلبه بكلماتها..
ولكن ماذا يعنى كل هذا امام ابتعادها..
مستعد هو و بشده للقبض على الجمر لأجلها و لكن لا تتركه،.

يهددها ممكن، يستغل شعورها بالذنب محتمل، لكن يفقدها ابدا..
ربما يحدث و لكن بموت عاصم الحصرى وقتها محتمل ان تموت الجنه بداخله..
فالقلب ان يختبر العشق مره، لا يفرط فيه ابدا مهما كان مؤلما..
و هى ألمه، هى وجعه، و لكنها بالنهايه عشقه، عشقه الازلى،
هو سامحها، تراجع عن عقابه لها او اكثر دقه عقابه لنفسه بها..
و لكن ليختبر حبها اكثر و يستمتع بجنونها اكثر، ألا يستحق ذلك؟!

قطع افكاره صوت الباب يُغلق مجددا ليتتبع خطواتها حتى جلست بجواره على طرف الفراش و امسكت يده حتى شعر بشئ بارد يوضع عليها فابتسم متوقعا ما تفعله و لكنه اخفاها سريعا و تسائل بهدوء: بتعملى ايه؟
لم يجد شغفها المعتاد او مزاحها الذى اعتاد عليه بل وجدها تجاوبه بخفوت جديد عليها: مرهم حروق هيقلل الوجع و مش هيخليها تسيب اثر..
عاد يبتسم مره اخرى و لكنه ايضا اخفاها و قال بعبث لم تنتبه له: ماشى، بس في هنا كمان..

ثم اشار على صدره مردفا: اخرجى علشان احط عليه.
تركت الانبوب بيده و نهضت واقفه بالفعل موافقه: زى ما تحب...
عقد حاجبيه تعجبا لاعنا عجزه الذى يمنعه من رؤيه وجهها مما يمنعه امكانيه فهمها و لكنه تجاهل غضبه الان ليصيح بعنف و قد اثارت عصبيته: انتِ رايحه فين؟ مش هتعاندى؟
استدارت له و غمغمت بهدوء: هخرج و مش هعاند..

شعر بغضبه يتملكه فهى حتى لا تعطيه اجابه تمنحه الهدوء فصاح ينفس غضبه بها: غريبه يعنى بقيتِ فجأه كده بتسمعى الكلام؟
اقتربت منه بهدوء و جلست على الفراش امامه مجددا و همست بحزن تحاول استيعاب تقلباته: انا حاولت معاك بكل الطرق علشان تسامحنى بس انت كل يوم عن اليوم اللى قبله بتهلك روحى، و انا مبقتش قادره اتحمل، فا انا هريحك منى تماما، هبعد و مش هعمل غير اللى تطلبه منى يا، كابتن.

صُدم تماما متذكرا الرسميه المقيته التى كانت بينهم في بدايه وجودها في منزلهم و يبدو ان جنته عادت لحماقتها و وضعت تلك الحدود مجددا، دفع الانبوب بيده باتجاهها و قال مستغلا خضوعها المفاجئ هذا: تمام، كملى اللى جيتِ تعمليه بقى.

بدأ بفك ازار قميصه حتى نزعه تماما عنه و بقى امامها عارى الصدر و كم تمنى من صميم قلبها ان ان يرى وجهها، الذى تلون بالحمره خجلا و عيناها التى ارتجفت ككل مره تراه بها، و لكنه لا يستطيع..
تسارعت انفاسه الغاضبه حتى شعر بأصابعها الدافئه تلامس بشره جسده بهدوء و رغم بروده الدواء الذى تضعه، شعر بجسده يشتعل، ظلت قرابه ثوانى ثم ابتعدت عنه تحدثه برسميه و هدوء: خلصت، اى اوامر تانيه و لا اخرج؟

صمت قليلا ثم ارتفع جانب فمه بضحكه خبيثه قائلا بأسلوب آمر: قومى.
نهضت عن الفراش ليتبعها ناهضا هو الاخر و وقف امامها لحظات ثم بخطوات مدروسه بدأ يتحرك باتجاه المسجل على الطاوله في جانب الغرفه ليُدير موسيقى هادئه و تقدم خطوتين حتى صار بمنتصف الغرفه و مد يده هاتفا بلهجه متلاعبه: ليا مزاج ارقص.

تخيل مظهرها و هى تعقد حاجبيها، تتسع عينها بدهشه و حركه يدها المتوتره و ابتسم و بالفعل هذا ما حدث بل و كادت تشهق من دهشتها، ظلت ثوانى مكانها ثم ببطء تحركت باتجاهه..
وضعت يدها بيده فجذبها بقوه لتصطدم بصدره فرفعها قليلا حتى وضعت قدمها اعلى قدمه ليتحرك هو و يديه تتملك خصرها و انفاسها تصطدم بذقنه و بدايه عنقه لتثير بداخله الكثير من المشاعر التى استيقظت فجأه كأنها كانت تنتظر تلك اللحظه..

ظل يراقصها دون اى كلمه فقط عاود صمتهم الصاخب يصرخ بحبهم الصامت و لكن هذه المره مختلفه عن زى قبل، حرك يده بانسيابيه و دون رقيب على خصرها حتى كادت تدفعه عنها لتبتعد و لكنه اخفض رأسه بجوار اذنها هامسا: يوم عن يوم بهلك روحك ها!، طيب انتِ عارفه انتِ عملتِ و بتعملى فيا ايه؟
و قبل ان تُجيب اعتدل مستندا بذقنه على رأسها قائلا مغيرا الموضوع لاخر حتى كادت عينها الخروج جاحظه من فرط دهشتها: بتحبى الشعر!

ابلعت ريقها بذهولها و بصوت بالكاد يخرج مع حركه يده المستمره بحريه تامه: اه.
ضغط جسدها اليه مهمهما ثم اردف باستمتاع و قد عادت الكره لملعب ابن الحصرى يحركها كيفما شاء، اينما شاء عابثا: اممم، طيب ما تسمعينى حاجه حفظاها..!

ابتعدت للخلف تنظر لوجهه لتجد ابتسامه غريبه تداعب شفتيه فتمتمت بدهشه مازالت لم تغيب عن وجهها و ابتسامته تنتقل بعدوى اليها ذلك المجنون، المصاب بانفصام شخصى و قلبى و عقلى و كل شئ: اسمعك؟

اومأ برأسه متخيلا مدى انبهار و دهشه ابريقها العسلى الذى اشتاقه حد الجنون، صمتت قليلا ثم ابتسمت متذكره تلك القصيده التى راقتها حتى باتت تقرأها باستمرار فأخذت نفسا و ابتسمت بسعاده و هى تُسمعه الكلمات التى امتزجت بمشاعرها..
لى حبيب عشقه ذوبنى
شغل القلب سناه و النظر
رسم الحسن على اعطافه
صورا فتانه تتلو صور
ساحر العينين و اللحظ و كم
طاب لى في ضوء عينيه السفر،
و لكم آنست من ضحكته
رنه العود و انغام الوتر.

سل كؤوس الطيب عن مبسمه
فبها عن مبسم الحب خبر
و طواه الهجر عنى بعدما
رضى الحب علينا و القدر،
انا مشتاق له في وحشتى
شوق اشجار الصحارى للمطر
يا حبيبأً اتغنى باسمه
كلما هاج حنينى و استعر
ان تعد عادت لنا ايامنا حلمأً
يسبح في ضوء القمر..
( # عبد العزيز البابطين )
توقفت و على وجهها ابتسامه سعاده ربما لم تعيشها من قبل، ابتسمت بشوق لجنه الصغيره، ابتسمت بفرح لجنه الجديده، ابتسمت لان احساسها كان بين ذراعيه..

يا رجل سلب ما سلب منى و لكن بعطائك منحتنى الوعد،
يا رجل ظلمت قلبك و قلبى و لكن نبضك لأجلى الان حلم جميل كالورد،
يا رجل عجزت عن فهمه و لكن جهلى بك بين ذراعيك اجمل عهد،
يا رجل احبه بقدر ما احبه سيمر كل يوم ليصبح حبى له اكثر و اشد..

اما هو، لم يسعد لوجودها بين يديه بقدر سعادته باحساسها والذى شعر به انها تعود لجنه الجديده التى عهدها طوال الفتره الماضيه، لم يبتسم لشعوره بثوران قلبه بقدر شعوره بضحكه قلبها، لم يتنهد لاندماجه بصوتها بقدر اندماجها هى باحساس الكلمات..
فالجنه التى معه الان ليست كالسابقه، و ان كان احب السابقه فالتى بين يديه يعشقها...

حسنا هو لم يعتاد في نفسه ضعفا ليُعرى مشاعره امام نفسه، و مثلما اعترف بحبها الساكن داخله من قبل..
سيفعل الان، هو يعشق تلك الجنه الجديده..
يعشق قوتها الممزوجه بضعفها، يعشق محاولاتها المستميته لقتل خوفها، يعشق طفولتها التى حان الوقت لتحييها و ماضيها التى حان الوقت ليمحيه..
و للمره الأولى يعطى عاصم الحصرى لأحدهم وسام التأييد..
فأكرم محق، و هو مخطئ..
جنه لم تكن تريد قوته بل كانت تريد قوتها..

لم تكن تريد وقوفه امامها بل كانت بحاجه لوقوفه خلفها و ربما اكثر احتياجا لوقوفه معها..
لم تكن بحاجه لسطوته بقدر ما كانت بحاجه لحنانه و احتوائه..
لم تكن بحاجه للشيطان بل كانت بحاجه لملاك يسكنها...
و سارت هى بالطريق و رغم غضبه، رغم رفضه، رغم ألمه، هو معها..

و لكن، بداخله، حتى يحين ذلك الوقت الذى يصبح فيه على اتم استعداد ان يُعرى مشاعره امامها مجددا مستقبلا مشاعرها باحتواء لم تراه من قبل و لن ترى غيره من بعد..

ابعدها عنه و لكنها تعلقت بعنقه لتحتضنه بقوه طابعه قبله طويله على جانب عنقه اسفل اذنه ليغلق هو عينه و يمرر يده مجددا من اسفل عنقها حتى خصرها، و هى مستسلمه تماما لشعورها الرائع الذى مزج كلاهما في دوامه غريبه من مشاعر و تلك لم يعرفاها من قبل، دوامه شعرا بها تخبرهم ان البيت استقام عموداه، ابتعدت هامسه في اذنه: اللى يتخلى عن الفرحه يبقى مبيفهمش، ويمكن اكون جاهله في الدراسه بس صدقنى بفهم.

طبعت قبله اخرى على جانب شفتيه كأنها تتعمد اثاره جنونه بها ليعتصر هو خصرها ببقوه لتشهق مبتسمه تحاول الابتعاد عنه: ممكن اخرج ع..
قاطعها مبتلعا باقى كلماتها بشغف قاتل بها اخفاه كثيرا حتى لم يعد باستطاعته ان يفعل وتركها بعد لحظات دافعا اياها عنه مغمغما بفقدان سيطره: اخرجى حالا...

و للاسف لم تُدرك مقصده فاختفت ابتسامتها لاعتقادها انه كما قال لها مجرد مزاج و يبدو انها ارضت مزاجه الان فلم يعد بحاجه اليها فتمتمت بخفوت حزين: مش محتاج حاجه تانيه يا سياده النقيب..!؟
تعجب صوتها الحزين و لكنه لم يعد باستطاعته كبح جماح شغفه بها فأجابها وهو يعطيها ظهره: لا..
فخرجت مسرعه من الغرفه لتقف امام باب غرفته لتتساقط دمعتها بينما هو ترتسم على شفتيه ابتسامه عبرت عن مدى عشقه لها و فرحته بها..

و يا ليت الباب بينهم يختفى لعل كلاهما يمنح للاخر حُسن الشعور و يمحى عنه سوء الاحساس، و لكن يا ليت؟

كان اكرم جالسا بغرفته عندما طرقت مها الباب فأذن لها بالدخول، اقتربت منه و وضعت التصاميم التى بيدها امامه، نظر اليها ثم ابتسم قائلا: صباح الخير..
رفعت عينها اليه و اومأت برأسها ترد التحيه ثم اشارت بشمهندس مازن طلب منى اخذ موافقه حضرتك على التصاميم
كان اكرم ينظر اليها ثم ابتسم و اخفض رأسه متمتما و هو يرى التصاميم: كويسه بس مش ممتازه هتحتاج شويه تعديلات.

اومأت برأسها مجددا و اشارت تمام، بس انا حابه اعاين الموقع بإذن من حضرتك طبعا
ضيق عينيه متسائلا: انتِ اللى هتروحى؟!
نظرت اليه بثقه و حركت رأسها لاعلى و لاسفل موافقه، رفع احدى حاجبيه و استند برأسه على يده مغمغما و هو يرى فيروزيتها تلمع بثقه لاول مره: متأكده؟
عادت ترمقه بثقه و اومأت مجددا، تنهد ثم صرح: تمام، هقول لمازن و صاحب الموقع علشان يبقوا على استعداد.

وافقته و اقتربت ممسكه الاوراق من امامه و في الوقت نفسه صدع رنين الهاتف الداخلى فأجاب اكرم ثم رفع عينه لمها ثم اخفضها قائلا لهناء: تمام، دخليه.
استدارت مها لتغادر لتُفاجئ بالباب يُفتح و محمود يدخل، تجمد كلاهما فلم يتوقعا تلك المقابله و بهذا الشكل ابدا بينما استرخى اكرم على مقعده و هو يداعب جانب عنقه بأصابعه يرمقهم بنظره مترقبه..
تقدم محمود للداخل و حاول جمع شتات نفسه و ابتسم بارتباك: ازيك يا مها؟

صر اكرم اسنانه محاولا كتم غضبه الذى لا يعرف صواب او خطأ و حاول استيعاب انه هو من نظم تلك المقابله التى يبدو انها ستأتى بنتيجه و لكن فوق رأسه..

ظلت مها تطالعه قليلا ثم لمعت عينها بغضب و هى ترمقه بنظره حارقه توقعها هو و لكن لم يتوقع ان تحرق روحه لهذه الدرجه ثم تحركت بخطوات هادئه متجاهله اياه للخارج فأغلق عينه لحظه و فتحها متحركا باتجاه اكرم الذى ابتسم بقدر ما يحمله من غضب في نفسه، و اشار لمحمود بالجلوس بادئا الحوار بأسلوب شبه حاد: بص مش هنلف و ندور كتير، ايه سبب الاستقاله؟

ابتلع محمود ريقه ببطء ثم اجابه مرتبكا: حضرتك عارف السبب يا بشمهندس، وجودنا سوا في مكان واحد هيتعبنى و يتعبها.
استند اكرم بمرفقيه على المكتب امامه قائلا باستنكار: تقوم تقدم استقالتك كده؟ واضح انك ناسى ان في عقد، و في شروط.

عبث محمود بيده متوترا و قبل ان ينطق بادر اكرم باقرار: في شركتى هنا مينفعش تدخل حياتك في الحياه العمليه تحت اى ظرف و لأى سبب، انت محامى الشركه كل المعاملات القانونيه معاك، ببساطه كده تمشى و تَخرب الشركه باللى فيها، صح؟!

ازداد ارتباك محمود و لكن اكرم في العمل لا يعرف احد فهتف بصرامه: من بكره تستلم شغلك تانى و تحاول بأى شكل مش مشكلتى انك تظبط الامور اللى اتلخبطت في غيابك، و لما تنتهى مده العقد تقدر تقرر انت ناوى على ايه؟
شعر محمود بتأنيب الضمير فغمغم بأسف: انا بعتذر يا بشمهندس و ان شاء الله من بكره هظبط كل حاجه، و اسف على قرارى المتسرع..
اومأ اكرم متمتما: تمام تقدر تتفضل...

نهض محمود و بالقرب من الباب لم يستطع اكرم تمالك غضبه فهتف بصخب: محمود...!
استدار اليه فابتسم اكرم و تحدث بنبره محذره: في ألقاب نلتزم بيها مع موظفين الشركه، ، ثم غمز بعينه رافعا جانب فمه بضحكه متكلفه: فاهمنى طبعا..!
نظر محمود ارضا موافقا: حاضر يا بشمهندس، عن اذنك..

خرج محمود و اغلق الباب لينهض اكرم بخطوات سريعه للمرحاض الملحق بغرفته ليُلقى برأسه اسفل المياه لعل النار المشتعله داخله تهدا قليلا، حتى استكان نوعا ما.
خرج و جلس على مكتبه مجددا و امسك هاتفه طالبا احد الارقام حتى جاءه الرد: عاصم انا اكرم..
على الطرف الاخر ابتسم عاصم مرحبا: يا اهلا..
حمحم اكرم و لكنه لم يتخاذل و سأل مباشره: ايه الاخبار موافقه و لا رفض؟!

ازدادت ابتسامه عاصم و صمت حتى هتف اكرم بحده: عاااصم!
و لكن يبدو ان عاصم اصر كامل الاصرار على اتلاف اعصابه فقال بمكر: انت متوقع ايه؟
استند اكرم على مكتبه و صاح بغضب: انت اختك مينفعش معاها توقع!..
ضحك عاصم و لكنه منحه الاجابه الاخيره: زى ما تمنيت، رفضت.
لانت ملامح اكرم كثيرا بل و اتسعت شفتيه معلنه عن ابتسامه فرحه: قالت ايه بالظبط؟ و انت عرفتها مين العريس؟

ابتسم عاصم ايضا و اجاب بهدوء: قالت انا مش مستعده دلوقت، اما مين العريس ف لأ متعرفش.
نقر اكرم بأصابعه على المكتب مرددا: جميل.
وافقه عاصم معقبا: جميل جدا كمان، تقريبا كده مها وقفت على اول السلم.
ضحك اكرم بارتباك هافتا بمرح: نقول نصفه انا لسه هستنى من اول السلم..!.

ازدادت ابتسامه عاصم و عقب بخبث قائلا يعجبه المراوغه فهى تعيد اليه قليلا من عناد روحه: و بعدين.!، مش يمكن تترفض، وقتها مش هيفرق فين على السلم.!؟
ضحك اكرم و هو يداعب خصلاته بثقه مسترجله: عيب عليك انا مش هتقدم غير لو متأكد من الاجابه، دا انا تربيه ماجد الالفى يا عاصم.
غمغم عاصم بخفوت: ربنا يرحمه، تمام اى جديد هبلغك و لما تبقى تتقدم رسمى للحاجه نجلاء حماتك المستقبليه نبقى نبلغ العروسه.

ضيق اكرم عينه بشرر و صاح بغيظ: احنا نقتلها و نتجوز انا و مها يوم الدفن.
انفجر عاصم ضاحكا و شاركه اكرم ثم اخذ دور المراوغه و قد شعر بحياه بصوت ذلك العاصم: بس انت مزاجك رايق واضح ان في مفاجأت تخصك قريب.!
مسح عاصم على فمه عاضا جانب شفتيه رافعا احدى حاجبيه هاتفا بغموض: عارف طريق الخير..!
هتف اكرم بضحكه عاليه: عارفه جدا..
ضحك عاصم ايضا متمتما بلوع: امشى فيه، يالا سلام عليكم..

قهقه اكرم ثم اغلق الخط، و استند على مقعده مبتسما و متعجبا يتمتم باستنكار: مين يصدق ان عاصم اللى قابلته اول مره يبقى ده! فعلا اعشق يا قلب لتصنع المعجزات..
ثم رفع رأسه لاعلى صارخا بدعاء مرح: سامحكم الله يا بنات حواء...


look/images/icons/i1.gif رواية حلم السندريلا
  28-03-2022 09:02 مساءً   [38]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل التاسع والثلاثون

احذر من الشخص الذى لا ينتقم منك
فهو لم يسامحك،
و لم يسمح لك ان تسامح نفسك.
جورج برنادر شو
مر اليومان و لا يوجد اى حوار يُذكر بينهما فقط تدعى النوم و هو يدرك جيدا انها ليست، كلما حاول التحدث معها لا تمنحه الفرصه و هو لا يستطيع حتى الضغط عليها فما فعله بها مأخرا ان ندم عليه طوال عمره لن يستطيع تعويضها عنه..

انهى صلاته و جلس يقرأ في كتاب الله لعله يهدأ و يرتاح قليلا، وجد باب الغرفه يُفتح و قبل ان يرفع رأسه حتى وجدها تقول بحده: لازم نتكلم...

و مثلما دخلت دون سابق انذار خرجت ايضا، انهى ما كان يقرأه و اغلق كتاب الله و اخذ نفسا عميقا ناهضا اليها، وجدها جالسه بغرفتها على طرف الفراش تنتظره، قدمها تهتز بتوتر و ربما بغضب و يديها تتمسك بملابسها بقوه كأنها تحاول كبح جماح شعورها الذى لا يدرى ماهيته الان، جلس بجوارها و مال للجانب قليلا حتى يراها و همس بندم: هبه انا...

قاطعته و هى تميل بجانب هى الاخرى ليخرج صوتها قويا بنبره حاده جديده عليها: انا و لا مره قصرت في حقك، و من يوم ما اتجوزنا و انا بحاول اعمل كل حاجه هتسعدك و تريحك، حتى لما كنا بنختلف و نتخانق عمرى ما قللت منك، كنت دايما حريصه انى اكون سبب ضحكه و امنع عنك اى وجع.
ثم استدارت لتنظر امامها و عيناها تنظر لنقطه وهميه و هى تردف بسخريه: لكن انت..!

استدارت اليه مره اخرى لترفع احدى حاجبيها ناظره اليه من اعلى لاسفل قائله و مشاعر المرأه التى كتمتها طوال الشهر الماضى تعلن عن عدم تحملها: تقدر تقولى انت عملت ليا ايه؟
اغلق عينه ثوانى و هو يشعر انه على وشك الغرق بالطوفان الذى اخفته بداخلها طوال تلك المده و هم بالكلام و لكنها اوقفته بيدها هاتفه بقوه: لأ، ثوانى هقولك انا...

رفعت يدها لتعدد عليها: كنت شايف انى واحده زى اى واحده عرفتها قبل كده، كنت كل يوم والتانى بتصرفاتك تقولى انتِ هنا علشان انا عاوز اتجوزك و بس، كنت بتحسسنى انى بتوسل حبك، في كل مره بنتخانق كنت بترمى من الكلام اللى تحبه و مش فارق هتضايق او لأ، في الاخر كملت جميلك، و اتجوزت عليا..

اعتدل مسرعا جاذبا يديها ليحتضنها بكفه هاتفا مقاطعا اياها بنبره معتذره: هبه، انا عارف انى وجعتك بس و الله ندمان و مش عارف ممكن اعوضك ازاى؟
جذبت يدها من بين يديه لتصيح بسخريه لاذعه: ندمان! لأ و كمان هتعوضنى!
عقدت حاجبيها متسائله و هى تبتسم ابتسامه جانبيه متهمه: انا موافقه، تعوضنى عن كل اللى فات، و مستعده اسامحك...

ثم نظرت لعينه بقوه و ملامح وجهها تحتد لتهتف بهدوء قاسى و نبره لا تقبل النقاش: بس تعوضنى عن ابنى..!
اخذ نفسا عميقا و هو يحرك رأسه بعيدا عنها لكنها لم تمنحه الفرصه بل أمالت رأسها امامه لتتسائل باستنكار: هتقدر يا معتز بيه..!؟
رفع يديه الاثنتين و حاوط وجهه و هدوءه هو الاخر على وشك التصدع فهى بداخلها براكين غضب على وشك ان تثور و هو يحمل مثلها من الالم..

ضحكت بسخريه و هى تواجهه: ايه مش لاقى كلام تقوله؟ مش لاقى مبرر مقنع علشان تضحك عليا بيه زى ما بتعمل كل مره؟ انا هوفر عليك كل ده..
نظر اليها مسرعا عندما نهضت هى واقفه عاقده ذراعيها اامام صدرها لتهفت بعزم: انا مش هتحمل اعيش معاك لحظه واحده زياده، طلقنى يا معتز، ،!

انتفض واقفا كمن لدغته افعى ممسكا اياها من ذراعها ليجعلها تلتفت له بحده صارخاا: انتِ عارفه انتِ بتقولى ايه؟! اللى انتِ بتطلبيه ده مش هيحصل ابدا، انا لا يمكن اتخلى عنك يا هبه..
ابتعدت عن يده لتعقد ذراعيها امامها مجددا و تعطيه ظهرها هاتفه ببساطه و كأنها لم تعد تأبه: يبقى بينى و بينك محاكم..

عقد حاجبيه بدهشه مرددا و قوه ثورانها تصيبه بدوار غير قادر على ملاحقته: محاكم! للدرجه دى يا هبه مش متاح حتى الكلام بينا، مش من حقى اتمسك بمراتى.!؟
استدارت بحده و عيناها تلمع بالدموع ف إلى اى مدى ستتحمل اخفاء ما بداخلها لتصرخ بوجع غلف صوتها: مراتك، مراتك انت كسرتها و في أغلى ما تملك وجعتها، مراتك انت قتلت جواها كل حلم حلمت تعيشه معاك، مراتك انت وصلتها لسابع سما و في لحظه واحده رميتها لسابع ارض..

تقدمت اليه ممسكه اياه من ملابسه لتصرخ و قد ضاق صبرها و فاض كأس المسامحه: ليه عملت كده؟ انا وثقت فيك و سلمتلك قلبى، حبيتك اكتر من اهلى و من نفسى و من حياتى كلها، وقفت في وش اهلى علشانك.
دفعته بقوه لتنهار صارخه بقوه زلزلته: انت دمرتنى و كسرت قلبى يا معتز..

اتجه اليها ممسكا ذراعها ليجذبها لحضنه و هى لم تقاوم فلم تعد تجد في نفسها القوه و همس و هو يدفن وجهه بجانب عنقها: مينفعش تبعدى عنى، انا هعوضك عن كل لحظه حزن، هساعدك تنسى و انا متأكد انك هتنسى، اسمحى لحبنا يعيش و اديله فرصه..

وضعت يديها الاثنتين على صدره دافعه اياه عنها ومن قوه دفعتها سقط على الفراش خلفه لتصيح و دموعها تنهمر لتُغرق وجهها: فرصه! و لحبنا، هو فين ده؟ فين الحب اللى بتتكلم عليه؟ انت تعرف ايه عنه؟ الحب اننا نفهم بعض، نسعد بعض، نمحى وجع بعض، نثق ببعض لكن انت مكنتش كده، انت كسرت و بدل ما تفرحنى جرحتنى، بدل ما تخلينى اثق فيك ذرعت شك عمره ما هيتمحى.

نهض غاضبا جاذبا اياها بقوه ليقذف لها بكلمات اتهامه: و انتِ كنتِ بتثقى قوى لدرجه انك تراقبينى، صح؟
حاولت جذب يدها لألمها منه و لكنه ازداد بضغطه عليها صارخا يحاول اثنائها عن عصبيتها، تشتيتها و ربما تراجعها: ما تردى، ازاى كنت هثق و اطمن انك دايما جنبى و انت بتهددينى انى لو دوست على كرامتك هتدوسى عليا؟ فين الثقه اللى بتتكلمى عنها و انتِ نفسك محتيها؟

تحركت بجنون لتسحب يدها عنه لتهتف بهستريا: انت سامع انت بتقول ايه؟ انا و لا مره شكيت فيك و بعدين بتحاسبنى على كلام طلع منى وقت غضبى و غيرتى عليك، انت بجد مصدق ان اللى انت عملته كان عقاب مناسب يعنى و لا انت بتحاول توصل لمبرر و السلام..!؟!

اقترب منها و عيناه تطلق حمم غضب كادت تحرقها فتراجعت خطوه للخلف: لما راجل يزور امه و مراته تروح وراه و بكل بجاحه تقوله حبيت اتأكد يمكن روحت هنا و لا هنا، دا يبقى اسمه ايه؟ هى دى الثقه؟

عقدت حاجبيها تحاول تذكر ما يشير اليه حتى استطاعت اخيرا و اتسعت عينها باندهاش من تفكيره الغريب بالنسبه اليها فهتفت بعدم تصديق: انت مصدق اللى انت بتقوله ده؟ انت اللى طلبت منى اجى، و طلبت منى مقولش قدام والدتك، بتلومنى على ايه دلوقتى؟
عقد ما بين حاجبيه و حرك عيناه يمينا و يسارا تعجبا مما قالت و تمتم باستنكار: انا اللى طلبت منك؟!

ثم احتدت ملامحه بغضب: بتحاولى تهربى ف بتتحججى، بس انا مش هصدق غير اللى شوفته بعنيا.
تحركت بغضب باتجاه الفراش لتُمسك هاتفها و تعبث به و هى تهتف لا تصدق انه يتهمها بعدما طلب منها: انت اللى طلبت و لو مش مصدقنى اتفضل شوف بنفسك...
اعطته الهاتف ليقرأ الرساله التى ارسلتها والدته لها ذلك اليوم قرأها لتتسع عينه بصدمه و هو يردد بنفى متعجب: مش انا اللى بعت الرساله دى،.

نظر اليها و ملامحه تنبض بالالم لتخيله من الفاعل: مش انا يا هبه، انا مبعتش حاجه.
اتسعت عينها هى الاخرى و هى تتوقع الفاعل من ملامحه المتألمه لتغمغتم بدهشه: لا مش ممكن، تكون..!

غامت عيناه ليعود لحواره مع امه ذلك اليوم ليهمس بعدم استيعاب: كانت بتقول انت متأكد ان مراتك بتثق فيك، خلتنى اشك انك هتيجى عندها علشان تتأكدى من وجودى هناك و لما انتِ جيتِ سألتك لانها عارفه انك هتقولى سبب تانى و انتِ بعفويه جاوبتيها بأكتر اجابه اكدت شكى، انا مكنتش قافل تليفونى بس انتِ قولتِ تليفونك مقفول ليه.؟.

عقد حاجبيه و رمش بعينه عده مرات يحاول الاستيعاب و لكن كيف يمكنه ذلك فصاح و هى يحرك رأسه بذهول: ماما السبب..!؟!
توترت هبه و لم تدرى كيف التصرف و نجدها من هذا رنين هاتفه و ربما اخذها للاسوء..

اخرج هاتفه بنيه غلقه و لكنه فوجئ بسالى المتصله، بغضب شديد اغلق الاتصال بوجهها و لكنها عاود و مره اخرى اغلقه حتى بعثت برساله، و يا ليته لم يفتحها فلقد تشنجت ملامح وجهه و ارتجفت عيناه مما قرأه، اقتربت هبه منه و قبل ان تنطق بكلمه اعطاها الهاتف وعينه تلمع بالدموع و تمتم بنفس ذبيحه: ماما!

اخذت هبه الهاتف لتقرأ محتوى الرساله انا عاوزه حقوقى كلها و ياريت تكلم الست والدتك و تقولها تكمل باقى الفلوس و تبعتها ليا، اه صحيح نسيت اعرفك، اصل امك هى اللى طلبت منى الف و ادور حواليك تانى، و هى اللى قالتلى اعمل ايه و ادخلك من اى اتجاه، تقول ايه مفيش ادرى بالابن من امه و خصوصا لو كانت زى نجلاء هانم، هستنى فلوسى متتأخرش عليا يا ميزو.

وضعت هبه يدها على فمها و رفعت عينها اليه مسرعه لتجده يتراجع بجسده حتى اصطدم بالباب و هو يردد و عقله يكاد يجن: أمى يا هبه، أمى اللى دمرت حياتى، أمى اللى لعبت بيا، أمى..
تركت هبه الهاتف و دموعها تغلبها هذه المره ليس على حزنها او كسرتها و لكن عليه، و على ما يشعر به من وجع..

تساقطت دموعه و هو يقترب منها ممسكا بكتفيها متسائلا بعصبيه غير مصدق: انتِ مش قادره تسامحينى لانى حرمتك من ابن لسه مشافش الدنيا، هى ازاى بتعمل كده؟
حاولت كتم شهقاتها و لكنها لم تستطع فرفع يديه مسرعا يزيل دموعها هاتفا بلهفه: لأ متعيطيش، قولتلك قبل كده دموعك اغلى منى.

انتفض جسدها و لكن انتفاضته هو كانت اكبر عندما سقط ارضا على ركبتيه و دموعه تنهمر لا تعرف عزه او كبرياء فقط تسقط ذليله تطلب المساعده و هو يهمس بصوت بالكاد يخرج ليعكس روحه المتألمه: ساعدينى يا هبه، ساعدينى انا محتاجلك جنبى، انا تعبت..

سقطت هى الاخرى على الفراش امامه ليُردف هو و دموعه و دموعها تذيب الصدأ الذى تجحر على قلبه: انا كنت طول حياتى ضايع، بعمل كل اللى انا عاوزه، بهرب من الوجع بأى حاجه حتى لو كانت غلط، بقابل بنات و بشرب سجاير و فاشل.

اقترب منها ممسكا بيدها لتشعر هى برتجافه جسده لتحاول بأقصى ما تملك من قوه التماسك و كتمان صوتها و وجعها عليه و هو يهتف بتأكيد: بس انتِ، انتِ هديه ربنا ليا، غيرتينى لانسان تانى، انسان انا فخور بيه و انا مكنتش اتخيل انى ممكن افتخر بنفسى يوم، عملتِ منى راجل و ساعدتينى اقف على رجلى و انسى يعنى ايه ضعف، انتِ كنت توبه لقلبى العاصى..

ترك يدها ليعود بجسده للخلف حتى كاد ينحنى ظهره رافعا رأسه لاعلى صارخا بكل ألمه الذى لم يعد بقادر على تحمله: بس انا قلبى مش عاصى، انا كنت مصر على الالحاد، رفضت ألجأ ليكِ و جرحتك، نسيت انك سكنى و راحتى و اذيتك، كسرتك و وجعت قلبك اللى مفكرش غير في سعادتى.
نظر اليها و تهدل كتفاه ليرى حمره عينها و دموعها المنسابه ليهمس بصوت ذبيح و هكذا هو قلبه: انا قتلت ابنى..

لم تعد تتحمل فخرجت منها شهقه عاليه و صوتها يرتفع ليُذيب البقيه الباقيه من صدأ قلبه، تدعوه ليتوب عن ذنبه، و تُذيب جليد الخوف عن روحه..
حتى اقترب منها ممسكا كفيها مجددا و استند على ركبيتها و هو جالسا امامها هاتفا بثقه: كنتِ دايما تقولى افعل يا بن ادم ما تشاء فكما تدين تُدان ، كنتِ واثقه ان ربنا هيجيبلك حقك وهو نصيرك دايما.

ابتسم بوجع و شفتاه ترتعش و دموعه ترفض التوقف و هو يهمس بطمأنينه: ربك اخد حقك يا فلتى، كل يوم بكيتِ فيه بسببى و انا مقدرتش امنع دموعك هبكيه دم و محدش هيفرق معاه، كل ساعه وجعت قلبك فيها هيتوجعها قلبى و مش هيلاقى حد يواسيه، كل ثانيه مرت بيكِ في قلق هعانيها انا في خوف و مش هلاقى حد يطمنى.
ابتسم مجددا بتنهيده مؤمنه: ربنا انتقم ليكِ يا هبه...!

صمت ثوانى ثم القى برأسه على ركبتيها ليهمس بصوه بالكاد سمعته و جسد يرتجف: بس انتقام ربنا صعب قوى، صعب قوى يا هبه..
انتفض جسده بين يديها و هو يردد بنفس تلومه، تعاتبه و تكاد تقتله: قتلت ابنى يا هبه، انا قتلته..
ليصرخ كل جزء منها لتبتعد تتذكر حزنها، تتذكر ما عايشته من وجع و لكن يدها قاومتها و احتضنته، قلبها خانها و سامحه، و عقلها تمرد و تألم لأجله..!

ظل يُفرغ ما بداخله من غمامات الوجع و ضباب الحزن في سماء حبها و هواء حنانها، حتى ابتعد عنها محاوطا وجهها بيده هاتفا بلهفه خائفه: عاقبينى وانتِ جنبى، اعملى فيا كل اللى تتمنيه، مستعد اتحمل كل حاجه إلا بعدك عنى يا هبه..

نظر لعمق عينها الغارقه بهياج امواجها: انا مليش غيرك اتسند عليه، مليش غيرك اثق فيه، انتِ امى و اختى و بنتى و مراتى، متحرمنيش من قلبك وخوفه يا هبه، افضلى معايا، خوف، حب، حتى لو شفقه بس افضلى معايا، انا بحبك و مش هقدر استغنى عنك، بلاش اخسر مكانتى في قلبك يا هبه..

احتضنته بقوه ليتمسك هو بها بقوه اكبر و هو يبتسم، ما زال له مكانه بقلبها، ما زال حبه يسكنها، لا يهم ان غضبت، ثارت، عاقبته، و لكن يكفى الا تبتعد عنه..

ابتعدت عنه لتقف و توقفه و ابتسمت بضعف رافعه يدها لتُزيل دموعه ثم احتضنت وجهه بين كفيها تحدثه بصدق ما بداخلها، بقوه عشقها و حنان حبها له: ازاى هخرجك من قلبى و انت السبب في انه عرف الحب، انا قلبى بيدق ليك يا معتز و هيفضل يدق ليك، مهما انا حاولت او غضبت انا متأكده انه هيعاندنى و هيسامحك..!؟
ابتسم بسعاده و هو يحتضن كفيها الموضوعه على وجهه فأردفت هى بتهاون متعَب: انت معنى حياتى يا معتز.

ازدادت ابتسامته ليُمسك هو بيدها ليقبلها بعمق و لكنها جذبت يدها من بين يديه لتعود عيناها تحمل ثقتها و قوتها و هى تكمل بنفس القوه و لكن هذه المره لكبريائها، لعقلها و لوجع قلبها: بس انا حياتى اتدمرت..
اختفت ابتسامته و هو ينظر لعينها بترقب قلق عندما هتفت بثقه و صدق: قلبى مسامحك، ثم اردفت بنفى و هى تبتسم بحزن: بس عقلى لا يمكن هينسى او يقف في صفك..

صمتت ثوانى ثم همست بقوه عشقها له و عيناه تصرخ بلهفته لحضنها: هتفضل في قلبى دائما، ثم اغلقت عينها لحظات لتهمس بقوه ألمها و وجع قلبها و عيناه تصرخ بالرحمه: بس مينفعش تفضل في حياتى، يا معتز..

نهضت سلمى بتعب و هى تضع يدها على رأسها من شده الصداع الذى صار يلازمها منذ ذلك اليوم، امجد لم يخرج من تلك الغرفه سوى ليتوضأ و من بعدها لا تراه..
لا تستطيع التحدث معه، لا يسمح لها بالجلوس معه او الاطمئنان عليه، لم يعد يذهب للمشفى و هاتفه لا يتوقف عن الرنين و لكنه لا يلتفت لاحد..
لماذا يُضخم الموضوع لهذا الحد؟!
لماذا يرفض حتى التأكد مجددا ربما هناك خطأ ما؟!

لم تكن تدرى انها من الممكن ان تراه في مثل هذا الضعف؟
انه حتى لا يقترب منها؟ كأنها ليست هنا؟
اصبحت الايام تمر بصعوبه و الليالى بالكاد تنتهى، تذهب للعمل و تعود و هو لا يفعل شيئا جديدا، ماذا تفعل معه حتى يعود لامجد الذى افتقدته حد الجنون؟

تنهدت و نهضت لتخرج لتجده جالساا امام التلفاز في الصاله الخارجيه فابتسمت فيبدو ان هناك تحسن ما، اتجهت اليه جالسه بجواره و اقتربت منه طابعه قبله على وجنته هامسه بحب: صباح الجمال..
ظل نظره معلق بالتلفاز و اومأ برأسه مجيبا: صباح النور..
اعتدلت جالسه مستنده برأسها على كتفه المجاور لها: تحب تتغدى ايه النهارده؟
لم يحرك ساكنا و اجابها بهدوء: انتِ مش هتروحى الشركه؟

ابتسمت و رفعت رأسها اليه لتتوه في امواجه الهادئه رغم علمها ان خلفها امواج هادره: عاوزه اخذ اجازه يومين كده، ايه رأيك؟
حرك رأسه بلامبالاه و اجابها ببساطه: ليه خير؟، ثم استدار لها مبتسما: هتعملى ايه في البيت؟
حاوطت وجهه بيدها و همست بدلال و هى تحرك رأسها بضحكه: هقعد معاك، نقضى اليوم سوا، لانى بحس ان اليوم بيضيع، و انت بتوحشنى..

ابتسم امجد مستديرا لها بنصف جسده و نظر اليها قليلا ثم هتف بشبه سخريه: بشمهندسه سلمى هتقضيها اجازات و لا ايه؟ هو ده شغفك بالشغل؟!
همت بالرد و لكنه قاطعها بجديه تامه و هو يعتدل فلم يعد يهتم: انزلى شغلك يا سلمى و انا مش هطير، انا في البيت مش هخرج..
قاطعته سلمى مسرعه: والله ان..

قاطعها هو عندما نظر اليها بطرف عينه نظره تحمل لها رجاءا الا تُشعره بضعفه و همس بحزم: مفيش داعى لكده يا سلمى انزلى شغلك يا حبيبتى.
تنهدت باستستلام و اومأت موافقه: حاضر يا امجد..
ظلت بجواره و لكنه نظر اليها مجددا رافعا احدى حاجبيه: يالا قومى اجهزى.
نظرت اليه برجاء و هى تشدد من ضمها له: طيب افضل جنبك النهارده..
دفعها عنه قليلا ثم وقف و اوقفها ليدفع بها للمطبخ قائلا: يلااااا الفطار علشان هتتأخرى.

اعدت سلمى الفطور ليجلس كلاهما سويا لتناوله و اثناء ذلك طُرق الباب نهضت سلمى و فتحت لتجد مروه امامها فابتسمت بتكلف و اشارت لها بالدخول: اهلا يا طنط اتفضلى..
دلفت مروه و قالت بابتسامه بالتأكيد متكلفه هى الاخرى: اهلا بيكِ، عمك مصطفى جاى متقفليش الباب، اومأت سلمى فدلفت مروه و انتظرت سلمى قليلا حتى صعد مصطفى - والد زوجها - واستقبلته ثم اغلقت الباب و دلفوا..

اجتمعوا جميعا بالصاله و احضرت سلمى ما يلزم للضيافه و بعد الكلام المعتاد من السؤال عن الاحوال و الصحه و العمل وإلخ إلخ..
تحدثت مروه بعفويه ضاحكه تجيد اصطناعها امام زوجها منذ زمن: يعنى مفيش مره كده تجيب مراتك و تيجى تزورنا و تقعدوا معانا يومين يا امجد و لا هى زيارات عابره كده تطمنوا على باباك و خلاص؟

ابتسم امجد بالمقابل و اجابها مدركا انه هذا الاهتمام لحظى لوجود ابيه فقط: معلش بقى حضرتك عارفه شغل المستشفى و شغل سلمى، احنا تقريبا طول اليوم بره.
ابتسم مصطفى بوهن بعد جوله مرضه الاخيره التى اصابته من بعد زفاف امجد: انا اول ما قدرت اتحرك قولت لازم اجى اشوف الغالى و مراه الغالى و جينا بدرى قولنا نلحقكم قبل ما تنزلوا الشغل.

و شكره امجد صنيعه هامسا بصدق عاطفته المشتاقه لوالده: ربنا يبارك في صحتك و يديمك لينا يا حاج..
ربت مصطفى على كتفه و ابتسم متسائلا بقلب الجد المشتاق لاحفاده: ايه يا امجد مش ناوى تفرحنى بولادك يا بنى؟
اغلق امجد عينه لحظات ثم ابتسم و هو يعد اجابته و لكن سبقته سلمى قائله بثقه تحاول انهاء و تجاوز الموضوع بلطافه: ربنا يبارك في عمرك يا عمو، ب..

قاطعها امجد بنظرته المحذره و استدار لوالده قائلا بجديه صريحه: ربنا مش رايد يا حاج.
اغلقت سلمى عينها تعتصرها بقوه متوقعه ما يعتل بصدره الان من ألم حارق، عقد مصطفى حاجبيه بينما اندفعت مروه بحماس متوقعه السبب: يعنى ايه يا امجد؟
ثم وجهت نظرها لسلمى بابتسامه شماته اخفتها سريعا و هى تقول باضطراب مصطنع: ليه يا ابنى بتقول كده؟

رمقتها سلمى بنظره غاضبه ثم عادت بنظرها لامجد التى اختفت تعابير وجهه ليبدو خاليا من الحياه و هو ينظر لوالده ثم ابتسم بهدوء ممسكا بيده قائلا بخفوت: انا عقيم يا بابا.

انكمشت ملامح سلمى و لمعت عينها بالدموع بينما شهقت مروه ضاربه صدرها بقوه فيما تجمد مصطفى ناظرا اليه بدهشه، نقل امجد بصره بينهم و ابتسم هامسا برضى: الحمد لله يا بابا انا راضى بقدر ربنا، الولاد رزق و ربنا اراد ان يحرمنى منه و انا متأكد ان رزقى في حاجه تانيه اكبر، الحمد لله.
تمتم مصطفى و هو ينظر لابنه باشفاق: طيب ما تتأكد تانى يا بنى، و بعدين العلاج اتطور و انت دكتور و عارف.

ابتلع امجد غصه مؤلمه تمكنت من قلبه و هو يُجيبه بهدوء: دا عقم يا والدى مش ضعف.
كلمات مواساه، دعاء، نظرات مشفقه، نظرات شماته و حديث لا جدوى منه بعدها، و سرعان ما انتهت الزياره.
و بمجرد ان رحلا استدارت سلمى لامجد تعنفه بنظراتها و التى تبعه حديثها بعصبيه: كان ايه الداعى انك تحط نفسك و تحطنى في الموقف دا يا امجد، انت مبسوط كده، عاجبك ان الكل يبقى شايفك ضعيف..!

شملها بنظراته لحظات و هو يشعر ان من يتصرف، يعيش و يتحرك الان ليس هو..
فما اسوء من ان تبحث عن نفسك فلا تجدها!
ما اقسى من ان تشعر بأنك اخر لا تعرفه!
ما الذى قد يواجهه اكثر من ان يتشتت، يعجز، و يرى نفسه نصف رجل!
ما الذى قد يؤذيه اكثر من انه اقنع نفسه انه ما عاد ذات شأن و كأن الرجال هم الاباء فقط و دونهم من الناس دون!

و مع صمته هاجت هى و اقتربت تضرب صدره تعاتبه، تغضب عليه و ربما توقظه من غفله احبها و استكان بها حتى بات يؤذى لا نفسه فقط بل و يؤذيها: كل ايمانك و قبولك لكل اللى بيحصل في حياتك و صبرك، خلصوا!، كل طاقتك و قوتك انتهت!، انت اللى دايما كنت تقنعنى ان مفيش حاجه تستاهل و تقولى دا رزق و ايه المشكله رزقنا يتأخر، دلوقت رافض ترضى باللى ربنا كاتبه و حابس نفسك كأن الدنيا انتهت..!

و بتمرد قاسى و نبره ثقيله على قلبه تجلده و تمحى بقايا فكره المتهالكه: انا عاوزه جوزى يا امجد، عاوزه الراجل اللى بيسلم امره لله و يقبل بقدره، و بيعافر علشان يعيش.
و استكمالا لدرسها له القت بفيض كلماتها الغاضبه علها تغسله من ظنونه و قبوله للامر الواقع بهوان: اما الراجل السلبى، اللى شايف نفسه ناقص، اللى مبقاش حابب في حياته غير الخمول و روتين ممل، انا مش عاوزاه، سامعنى يا امجد مش عاوزاه!

صمتت قليلا و نهضت مبتعده عنه و لكنها عادت و كأنها ادركت انها لا تقربه بل تضع عده حواجز فكريه بينهما، ليهدأ عنفها متحدثه بهدوء تلومه خذلانها: انت كنت متجوزنى علشان تجيب اطفال بس امجد؟
ترددت الكلمات، نبرتها، حزنها بأذنه تجلد قلبه بسياط ظُلمه لها،
هى عشق قلبه المتمرد
عن اى اطفال تتحدث!
هو اختارها و يشهد الله عليه انه ما كان ليتركها ما دام حيا ان كانت العله بها،
لكنه يفعل لاجلها...!

و كأنها قرأت ما يقوله دون ان يتحدث فصاحت تكذبه و تجرده امام نفسه: و متكدبش على نفسك و عليا و تقول انك بتبعد عنى علشانى، متقولش انك مابقتش تلمسنى علشانى، متقولش انك بقيت لامبالى و مبتهتمش بنفسك و بالبيت و بيا علشانى، انت بتعمل كده علشان خاطر نفسك يا امجد، نفسك و بس!
هو بالفعل كاذب!
لم يعد يقربها لشعوره بضعفه،
لم يعد يأبه بأى شئ لانه السبب بخساره كلاهما لحلمهما بطفل!
لم يعد يطيق نفسه و من يلومه!

نهض لينهى حوارها الذى يدفعه ليلوم نفسه و لكنها وقفت امامه تذكره بما قاله سابقا بحده: طيب يا امجد بما انك هتفضل ساكت كده، و هتفضل تهملنى و تهمل روحك بالشكل ده، انا هسمع كلامك و مش هحرم نفسى من حلمى!؟

و صمتت لتمنحه الفرصه ليُدرك مغزى كلامها و بمجرد ان فعل رفع عينه اليها بترقب قاسى على قلبه يُكذب ما وصله من معنى و لكنها القت بظنونه و خوفه عرض الحائط و اخبرته بما خشى ان تقوله: طالما انت حابب كده، فأنا هسيبك براحتك و همشى يا امجد، هجرب ادى لنفسى فرصه تانيه، مع راجل تانى، غيرك!
ارتجفت عيناه غضبا و قلقا، ارتج قلبه غيرة و هلعا، و ماد عقله به تفكيرا و تخيل.

و لم تدعه يستمر بأفكاره فأعطته التخيل حديثا بقصد: راجل تانى ابقى مراته، انام في حضنه، اكون معاه في حزنه و فرحه، و افضل جنبه في المره قبل الحلوه، يقول عليا متمرده و يحب عنادى، ابقى معاه دايما في بيته و يبقى عندى اغلى من حياتى،.

ثم اكملت بما يراه نقص يريد هدم زواجه بها لاجله: راجل اجيب منه او مجبش اطفال، هكتفى بيه و هيكتفى بيا، هيتمسك بيا مش زيك، هيبقى وجودنا احنا الاتنين سوا اهم مليون مره من اى حاجه تانيه، اصل الجواز مش اطفال بس يا دكتور.

و رمقته بنظره اخيره و هى متيقنه من وصولها لهدفها - لقلبه لتُوقظه - و - لعقله ليعاود التفكير مسرعا - و - لرجولته التى لن تسمح لغيره باقتناء انوثتها - و بالنهايه - لحبه الذى ابدا و ابدا لن يتركها لرجل اخر - و قد كان عندما هب واقفا يقبض على معصمها بغضب لم يكن يوما طبعا من طباعه و هى تُوشك على اعطائه ظهرها لترحل من امامه، لتتوقف محلها و ابتسامه صغيره تلون شفتيها اخفتها سريعا و هى تستدير لتواجهها زرقه سماء عينيه التى رعدت و برقت و عصفت بها و قبل ان يصيح بها سبقته هى: في ايه امجد.! عاوز تقول ايه تانى!؟ طالما انت مش هتتمسك بيا و تقدرنى انا مش هتحايل عليك، و اعتقد انى مش هغلب و اكيد الف واحد يتمنى ابقى مرات...

و اه عاليه صدرت و هو يعتصرها بين ذراعيه يمنعها من قول ما كاد يقتله من مجرد تخيله حتى، كُتمت انفاسها بكتفه و اختنق صدرها بصدره و هو يهدر بها و نبرته تزلزل كيانها كله: انتِ مراتى انا، و هتفضلى لحد اخر يوم في عمرى، و عمرك كمان.

ابعدها يضم وجهها بلهفه لتشهق بعنف تلتقط انفاسها التى رضت خالص الرضا بكتمها به، ليردف بحرقه و قد احرقت قلب عاشق و هو ليس بامر هين: حسك عينك تفكرى كده تانى، محدش هيحبك قدى و ميحدش هيتمسك بيكِ زيى، انتِ مراتى انا، فاهمه!
و عندما همت بزياده لوعته عتابا على ما فعل بها طوال الاسابيع الماضيه، تملك جسدها بعنوه و ذراعيه تحكم خصرها بسطوه لتُعلن شفتاه عن ملكيتها له و له فقط ما بقى من عمريهما!

اتصلت نجلاء بعزت و هى في قمه غضبها لتصرخ بمجرد ان فُتح الخط: بيلعبوا عليا يا عزت، بيعاملونى على انى مغفله..
تنهد عزت فنوبات غضبها هذه الفتره ازدادت بشكل كبير و هتف بهدوء: تعرفى تهدى و تفهمينى ايه حصل تانى؟

حاولت التحكم بانفعالها و هى تصيح بعنف خرج رغما عنها: الارض مكتوبه باسم عز من زمان، و المحامى كان بيستغفلنى و المحامى اللى انت بعته هو اللى قدر يوصل لكده واتأكد كمان، ، ثم صرخت و هى تقذف بما في يدها ارضا: انا، انا يعملوا معايا كده، ، ثم ضغطت اسنانها هامسه بتوعد: ماشى، انا بقى هعرفهم مين هى نجلاء..!؟

جلس عزت على كرسيه ببرود ثلجى و هو يصرح قائلا بتفكير شيطانى: اعملى اللى انتِ عاوزاه بس بالورقه التانيه.
عقدت حاجبيها تحاول استيعاب كلماته و عندما لم تستطع صرخت به: بقولك ايه انا مفيش دماغ تفكر، تقصد ايه؟

ابتسم بتلاعب قائلا بخبث اسود اعمى قلوبهم: يعنى اى خطوه منك دلوقت هيفهموا انك فهمتِ لعبتهم لكن لو صاحبتك اللى اتحركت مش هيفهموا حاجه و يفضلوا على عماهم شويه كمان لحد ما تهدى و تفكرى هتتصرفى ازاى، علشان بغضبك ده هتوقعى نفسك و انا معاكِ تحت ايديهم، فهمانى يا نوجه!
اخذت تُدير كلماته في رأسها حتى اقتنعت به فهتف بتأييد: تمام، حتى الهبله دى مستنيه منى اذن..

ضحك عزت قائل بتسائل مستنكر ساخر: اه لو تعرف انك انتِ اللى قتلتِ جوزها زمان!
ضحكت نجلاء و هى تستمع بالوضع الساخر التى اصبحت فيه كوثر و قالت و لم يأنبها ضميرها مقدار اُنمله: تمام انا هكلمها علشان نخلص منهم بقى، و اولهم ابن الحصرى و حرمه.
اغلقت الخط بعدما دارت الافكار الشيطانيه في رأسها مجددا ثم بابتسامه متوعده هاتفت كوثر التى انفجرت بها بمجرد الرد: ايه يا نجلاء كل ده تأخير؟

ادعت نجلاء الهدوء و تحدثت بخفوت: الموضوع اللى هنا هياخذ وقت بس انا مش عاوزاكِ تستنى اكتر من كده، اعملى اللى تحبيه انتِ.
عقدت كوثر حاجبيها متسائله و قد سعدت لمجرد توقعها ان عنق ابن الحصرى بات بيدها اخيرا: قصدك ايه؟
ابتسمت نجلاء و عينها تنبض بالشر و انفاسها تتسارع بغضب متوعد و حقد اعمى: يعنى عز و مراته سافروا، يعنى البيت فاضى، و السندريلا الصغيره مع الاعمى دا لوحدهم، يعنى الكوره في ملعبك..

ابتسمت كوثر بسعاده: انتِ بتتكلمى جد؟!
اومأت نجلاء و هى تبتسم ثم اجابتها بنبره آمره: بس مينفعش الرد يبقى بسيط زى ما انتِ عاوزه، انتِ تنفذى اللى قولتلك عليه..
اضطربت كوثر و تمتمت و لم يطاوعها قلبها لتفعل تلك الفكره الابليسيه: بس دى ممكن تموت فيها، الراجل ده مش سهل و باين انه مبيرحمش و الرغبه هتعميه..!

ضحكت نجلاء و صرخت بها بسخريه: انتِ قلبك هيرق و لا ايه؟ لا، تموت، تتحرق مش مشكلتى، انتِ تنفذى الاتفاق و خلاص، هتلاقى الجرعه اللى هتظبطه في خزنه المكتب عندك، خليه يشمها كلها، و سيبى الكلب على اللحمه، و استمتعى باللى هيحصل فابن الحصرى.
توترت كوثر و شعرت بعدم راحه لما هى مقدمه عليه: بس..

سارعت نجلاء بملئ رأسها من سمها الذى لا يعرف الرحمه: لو عاوزه تنسى انه ضربك و بهدلك، خسرك الشركه، اخذ فلوسك، هددك، اضطريتِ تبعدى ولادك عنك، و تردى القلم بقلم، انتِ حره بس تعتقدى دا انتقام يليق بكوثر الحديدى؟
احتدت عين كوثر متذكره كل ما جعلها عاصم تمر به، متذكره وقوف جنه بوجهها، متذكره الذل و الاهانه التى عانتها بسببه فهتفت بحده و توعد: لأ كوثر الحديدى بترد القلم بعشره..

صفقت نجلاء و هى تحيى نفسها على قدرتها العاليه بالاقناع و صاحت بترقب: هو ده الكلام، هستنى منك خبر و انا مش هرجع من الصعيد غير لما تطمنينى..
ابتسمت كوثر باستمتاع و همست بحقد: عن قريب..
و اغلقت الخط و بدأت كوثر بالتحرك للاستعداد للاخذ بالثأر من سياده النقيب و حرمه المصون...

مساءاً عادت مها للمنزل بعد انتهاء عملها وجدت جنه بالاسفل تعد كوبا من القهوه الذى لم يعد عاصم يستغنى عنها، اقتربت منها ضاحكه و اشارت مساء الحلاوه
ابتسمت جنه رافعه احدى حاجبيها بمشاكسه: خير الضحكه دى وراها ايه؟
ضحكت مها بشده و هى تدعى البراءه و ترفرف برموشها بطفوليه لتشير نفسى في فنجان قهوه
وكزتها جنه بكتفها و هتفت مستوعبه الاستغلال بمرح: قولى كده بقى، صحيح اللى يلاقى الدلع و ميدلعش يبقى غلطان.

ابتسمت مها و جلست بجوارها على المقعد حتى تنتهى من اعداد القهوه لعاصم و عندما انتهت اعطتها لمها قائله بغمزه: طلعيها انتِ على ما اعمل بتاعتك..
اومأت مها و اخذتها متحركه للخارج و منه للاعلى، بينما بدأت جنه تعد الكوب الاخر و هى تبتسم حتى صدع جرس الباب فأغلقت الموقد و ارتدت حجابها و خرجت لترى من؟.

اقتربت من الباب لتفتحه و بمجرد انا فتحته تراجعت للخلف بصدمه و الخوف يتمكن منها و هى تحدق بالقادم لتهمس بتقطع و ارتباك: ك، و، ث، ث، ر.

عشقت يا قلبى، و العشق معضله!
ان تُهتَ تُهتُ، و ان عشتَ عشتُ،
فلا النفس تهدأ و لا الروح هانئه،
أثرتُ الهروب و العقل مطاوعا،
ولكن حكم القلب فيك يا قلبى معاندا،
رسم الهوى اطياف عشقا أبهرت،
أنفاس روح للحب متعطشه،
ف سل المحب عن سعاده حبه،
لن تجد بالعشق سوى نفوس متأزمه..!
اقتربت جنه من الباب لتفتحه وبمجرد ان فتحته تراجعت للخلف بصدمه و الخوف يتمكن منها وهى تحدق بالقادم لتهمس بتقطع وارتباك: ك، و، ث، ث، ر.

ابتسمت كوثر ابتسامه جانبيه و هى تطالعها بعينها من اعلى لاسفل و تمتمت ببطء و هى تدفعها لتدلف: كوثر هانم...
فوجئت بعدها بثلاث رجال قبالتها دفعها احدهم للخلف بقوه لتسقط ارضا و هى تصرخ بألم ليدلفوا ليقف ثلاثتهم امام الباب بعدما اغلقوا اياه، تجولت كوثر بعينها على جميع انحاء المنزل بانبهار و هى تغمغم بحقد: حرمنى من حياتى و هو عايش هنا في النعيم ده..

ثم ضحكت بغل و عيناها تنبض بحقد قلبها: بس انا هخربها، كان فاكر انى هسكت، بس انا هنهيه النهارده..
نهضت جنه عن الارض و هى تشعر بخوف يُرعد مفاصلها و لكن ليس لاجلها بل لاجله هو، حسنا شاءت ام أبت، اعترفت او انكرت، هو الان عاجز، لن يستطيع التحرك حتى امامهم، ستتمكن كوثر منه هى و الابواب البشريه خلفها، ماذا يجب ان تفعل؟

التفتت كوثر لها و اقتربت منها ببطء، فرفعت جنه رأسها بثبات لاعلى و عقدت ساعديها بقوه امام صدرها تحاول اخفاء توترها الذى بدأ يزداد رويدا، رفعت كوثر حاجبا دلاله على انبهارها مع ابتسامه استنكار تبعتها بقولها: واضح ان القطه لسه بتخربش؟
استجمعت جنه قوتها و اقتربت منها خطوه و تمتمت بهدوء حاولت اصطناعه: جايه ليه؟ عاوزه ايه تانى؟!

تحركت كوثر اليها لتدور حولها ببطء مردده بنبره بطيئه ساخره: عاوزه ايه؟ عاوزه ايه؟
ثم توقفت خلفها و بحركه مفاجأه سحبت جنه من حجابها محتجزه خصلاتها بين يديها بقوه لتميل جنه للخلف بصراخ متألم و كوثر تهمس بجانب اذنها: عاوزه حقى، منك و من جوزك الغالى..

رفعت جنه رأسها لتُمسك بيدها و تضغط عليها بأظافرها حتى تركتها كوثر متألمه فابتعدت جنه عنها صارخه بغضب: حقك؟ انتِ كمان اللى ليكِ حق؟! فلوس ابويا اللى سرقتيها منى، توقيعى اللى اخدتيه غصب، حياتى و طفولتى اللى حرمتينى منهم، مستقبلى و شبابى اللى دمرتيه، كنت هخسر جوزى بسبب عقده الخوف اللى زرعتيها و ربتيها جوايا!
ثم اشاحت بيدها في عنف متهكمه: و انتِ جايه تقوليلى حق؟

و قبل ان تنطق كوثر او تتحرك تحركت جنه باتجاه الباب الذى يقف امامه الابواب البشريه الثلاثه و قالت باقرار: اتفضلى انتِ و هما من هنا، و يا ريت متحاوليش تيجى هنا تانى؟

ضحكت كوثر بصوت عالى و جنه تحدق بها بارتباك و قوه ينافى كلا منهما الاخر، بينما في الاعلى، طرقت مها الباب بتلك الطرقه المميزه التى يعرفها عاصم جيدا و دلفت لتجده يجلس على فراشه و بجواره تنبعث ايات قرآنيه من المسجل بصوت رخيم، ابتسم و همس بهدوء حانى: اتفضلى يا جميله الجميلات..

تقدمت منه لتجلس امامه على الفراش و وضعت القهوه على الكومود بجواره لتُمسك بيده لتكتب حروف متفرقه يستشعرها هو ليعرف ما تريد قوله ح، ل، و، ا، ل، ا، س، م، د، ه
ابتسم و هو يحتضن كفها بكفه القويه لتغرق داخلها مشعره اياها بحنان و امان مفرط و قال بخبث: العريس اللى بيقول كده.

حاولت اخراج يدها من بين يديه لتكتب على يديه شيئا ما و لكنه لم يمنحها الفرصه و اردف متوقعا ما كانت ستكتبه: العريس اللى اتقدملك و انتِ رفضتيه قالى انه شايفك جميله الجميلات، مليش دخل انا.
زفرت بقوه ليضحك هو رافعا يده بهدوء باحثا عن وجهها امامه حتى لامس انفها ليداعبه بأصابعه هامسا بمكر: بيحبك مش ذنبى!

ابتسمت هى ابتسامه ساخره لم يلحظها و خصوصا عندما قال غير مدركا شعورها الان و لكن ما سيخبرها به يستحق الفرحه: عندى خبر حلو..
ابتسمت بانطلاقه هذه المره فطالما ضمن عاصم انه حلو اذا ستفرح بالتاكيد، ضغطت كفه دلاله منها انها تسمعه فابتسم و هتف بسعاده: انا...
قطع كلماته عندما وصله صوت صراخ بالاسفل فانتفض كلاهما فصرخ عاصم قلقا: دا صوت جنه.!

و تحرك مسرعا للخارج حتى كاد يتعثر بخطواته و هو يحرك يديه في الهواء فهو رفض رفضا تاما الحصول على عصا ليستند عليها، اقتربت منه مها مسرعه و جعلته يستند عليها ليتحركا للاسفل..
اخذت جنه انفاسها الضائعه بصعوبه و هى تنهض عن الارض بعدما نالت ضربه قويه من يد احد الابواب البشريه و التى القتها ارضا امام كوثر التى اقتربت منها رافعه اياها من خصلاتها و جنه تصرخ بوجع: انا مجتش هنا علشان امشى.

تسمر عاصم اعلى الدرج و صوت كوثر يخترق مسامعه لينتفض قلبه غضبا و الاسوء خوفا و هو يصيح بغضب مكتوم: كووثر..
استدرات كوثر لاعلى الدرج لتضحك بتصفيق مرحبه باستهزاء: اهلا اهلا بسياده النقيب، تعبت نفسك ليه بس انا كنت هاجى لحد عندك بنفسى.!؟!

اضطربت مها فالوضع لا ينم عن خير بينما تحرك عاصم فتحركت معه حتى وقفا امام كوثر مباشره فركضت مها لجنه و ساندتها لتقف و كلا منهما تنظر للاخرى بقلق، شدد عاصم قبضه يده بغضب، قلق و المعضله بعجز، بعجز لم يشعر به قبلا كما يشعر به الان..

تحركت مها و جنه بجوار عاصم لتضع جنه يدها على كتفه لتشعر بارتجافه جسده التى تدرى جيدا سببها و بمجرد ان همست باسمه، رفع يده محاوطا كتفها ضاما اياها لصدره بينما تتمسك مها بها من الجهه الاخرى و هتف بحده متسائلا و لا يدرى ان كان اتجاه نظره لها ام لا: جايه هنا ليه؟

عادت للخلف خطوه و نظرت لثلاثتهم بأسى محركه رأسها يمينا و يسارا هاتفه بأسف: شكلكوا جميل قوى، عيله رائعه، ، ثم صاحت بغضب تملك منها بعدما رأت عاصم امامها: بس للاسف مش هتفضل كده كتير..
شعرت جنه بيد عاصم تشدد ضمها و يد مها ترتجف و هى تضغط على يدها اكثر، فأخذت جنه نفسا عميقا و اجابتها بثبات ينافى انتفاضه قلبها: مش هتقدرى تعملى حاجه صدقينى.

نظرت كوثر لاحد رجالها فتقدم ليسحب مها من بين يدى جنه للخلف فحاولت مها الصراخ و لكن من اين لها بصوت عالى الان، فابتسمت كوثر و هى ترى جنه تُفلت يد عاصم لتتحرك بغضب باتجاه مها و عاصم ينتفض فزعا و هو لا يدرى حتى ما يصير حوله إلا عندما استمع لصوت جنه تصرخ: مها ملهاش دخل بحاجه يا كوثر، حقك و عقابك و غضبك منى انا بلا...

قاطعتها كوثر و هى تشير بيدها لرجل اخر و هى تتكلم باستهزاء واضح: بلا، بلا، بلا، كلام كتير مفيش منه فايده...
تحرك عاصم خطوتين للامام هاتفا بغضب عاصف و عروق وجهه كلها تظهر لتدل على غليان الدماء بعروقه: اقسم بالله تمسى شعره منهم هقتلك يا كوثر.

اتجه الرجل لعاصم و على غفله منه كبل يديه الاثنيتن خلف ظهره ليتحرك عاصم بعشوائيه محاولا تخليص ذراعيه و لكن استطاع الرجل تقيد حركته ضاربا ركبتيه من الخلف حتى سقط ارضا، صرخت جنه بفزع و همت بالتحرك و لكن كوثر وقفت امامها بوجه ينكمش أسفا ساخرا و هى ترمق مها تاره و عاصم تاره اخرى لتهتف باستنكار: يا حرام، شكلهم صعب قوى، يا حرام، قلبى هيضعف.

انتفض عاصم محاولا النهوض و عندما بدأ يتحرك بعشوائيه مفرطه محاولا تشتيت الرجل و التى كاد بالفعل يفلته لولا اقتراب الرجل الثالث ليكبله كلاهما حتى عجز عن الحركه تماما، فغام قلبه داخل ضباب عجزه و لوعه خوفه، و لاول مره يحنى رأسه غير قادرا على الحركه، حتى وصله همس جنه القوى و الذى اذهله فرفع رأسه متابعا مصدر صوتها و هى تهتف بحده ساخره: هو انتِ فكرك لما تستغلى الضعف و تهاجمى تبقى انجزتِ حاجه!

بدأ غضب كوثر يتصاعد حتى وصل لاقصى درجاته عندما تحركت جنه حولها حتى وقفت خلفها لتهمس بأذنها هامسه: هو انتِ فكرك انى مش فاهمه انك مرعوبه يمكن اكتر منى دلوقت!، فكرك ان مش باين في عنيكِ الخوف و التردد!، فكرك انك لو من غير رجالتك هتقدرى تقفى في وشى او تفكرى حتى تقربى من مكان يخص عاصم!

استدرات لها كوثر بغضب و رفعت يدها لتهبط على وجه جنه في صفعه مدويه و لكن هيهات رفعت جنه يدها ممسكه بيد كوثر بقوه هاتفه بتهديد صريح و قوه ربما حتى جنه تختبرها في نفسها للمره الاولى: لأ، دا كان زمن و انتهى، جنه اللى كنتِ بتضربيها زمان انتهت، اللى قدامك دلوقتى مش جنه ماجد الالفى، اللى قدامك دى، جنه عاصم الحصرى، اللى لا تعرف يعنى ايه خوف و لا هتسمح لواحده زيك تخوفها..

ثم دفعت يدها بغضب فتراجعت كوثر للخلف خطوتين بذهول تام، نعم هى كانت مدركه ان جنه لم تعد كالسابق لكن تلك القوه، لم تكن تتوقعها ابدا..

نظرت جنه لمها لتؤازرها بعينها لتقوى، فنظرت اليها مها باضطراب ثم اعتدلت من انحنائها الكسير بين يدي ذلك الرجل لتخفى دموعها خلف ابتسامه ثقه دفعتها جنه دفعا لوجهها رغم اطنان الخوف داخل قلبها، و كذلك عاصم رغم براكين الغضب داخله وجد نفسه يبتسم فخرا و اعتزازا بامرأه رغم ضعفه هى قويه، و يكاد يجزم انه لولا ضعفه هذا لما رأى قوتها ابدا..
ثارت كوثر و هتفت بغضب حارق بأحد رجالها: اعمل اللى قولتلك عليه.

و على غفله من الجميع و بحركه سريعه كان عاصم ملقى ارضا اثر ضربات الرجلين الجحيميه فصرخت جنه و هى تقترب منهم و لكن يد كوثر التى تشبثت بمعصمها منعتها من الحركه لتستدير جنه لها صارخه بلوعه: انتِ عاوزه ايه؟
صرخت كوثر بالمقابل و هى تشير للرجال بالتوقف و تنظر لجنه بتحدٍ سافر: انتِ..
توقفت جنه عن التملص منها و همست باستغراب: انا!

تركتها كوثر و تمتمت مؤكده بكل كره و غا دفنته لهذا اليوم: اه انتِ، جوزك خسرنى حياتى و انا مش ههدى غير لما يخسر حياته هو كمان، مش ههدى غير لما اكسره، بيكِ.

ثم نظرت لعاصم الذى يحاول النهوض رغم تيقنها من ان جسده يصرخ ألما فما فعله به الرجال كان اكثر من مؤلم و ضحكت تسرد بتشفى: خسر شغله، خسر بصره، خسر اسمه و قوته، و لما هيخسرك هيخسر كل حاجه، ، ثم استدارت لجنه مجددا و اردفت مسرعه تطمنها بسخط: متقلقيش هرجعك ليه بس بعد تعديلات بسيطه، ، ثم ضحكت بسخريه و انتصار: تعديلات هتكسرك و تنهيه..

نظرت جنه لعاصم لتتشبث بقوتها الجديده و تستمد منه قوته المختفيه تماما خلف حاجز عجزه الان و صرحت بتحدٍ واثق: مش هتقدرى لا تأذينى و لا تأذيه يا كوثر، مش هتقدرى.

اشارت كوثر للرجل الممسك بمها فدفعها لتسقط ارضا فاصطدمت رأسها بالدرج لتشعر بدوار شديد يلفها بينما تحرك الرجل باتجاه جنه ليُمسك بذراعيها ليلويه بقوه خلف ظهرها و رغما عنها خرجت منها صرخه متوجعه، فضرب عاصم بقبضته ارضا و هو يصرخ بانهيار روحه و صوته يخرج مهزوزا مضطربا: جنه.

ضحكت كوثر عاليا و هى تزيد من الضغط على جرح عاصم المعنوى و هى تريه كم ستعانى جنته: ايه يا كابتن، حلو صوتها و هى بتصرخ؟، ، ضغطت اسنانها و همست بتذكر: فاكر لما ضربتنى بسببها؟!
اشارت للرجل فرفع يده لتسقط بصفعه مدويه على وجه جنه جعلت عاصم ينتفض ناهضا رغم آلامه و لكن كبله الرجلين ليسقط ارضا مجددا و هو يصرخ بكلام يُدرك جيدا انه لن يستطيع تنفيذه الان: أقسم بالله يا كوثر ما هرحمك..

ضحكت مجددا بصوت عالى و الرجل يرفع جنه عن الارض لتقف بترنح و جانب فمها ينزف اثر صفعته القويه و عيناها تزوغ بضعف و لكنها نظرت لكوثر بثبات محاوله تجاوز المها فعاصم بحاجه لقوتها الان..
نظرت للرجلين و قالت بأمر لامبالى: سيبوه، ، ثم تحركت للخارج و اشارت لجنه: و هاتوها.

تحرك عاصم على الارض زحفا لعله يصل لهم و عندما رأته جنه استغلت تشتت الرجل بأمر كوثر و دفعته لتركض لعاصم و تجعله يقف صارخه بقوه و غضب: لأ، مهما حصل، لأ، عاصم الحصرى لأ، و لا حتى علشانى يا عاصم، انا مش هسيبك صدقنى، انا مستعده اخسر حياتى و لا انى ابعد عنك.
تمسك بها بقوه ضاما اياها لصدره بقوته الضعيفه كأنه يزرعها بداخله و لا يدرى ما الحل ماذا يفعل او كيف يتصرف؟

ابتسمت كوثر و هى ترى عجزه و لكى تشعره به اكثر ارادت ان تتركه جنه بمفردها لا ان تجبرها كوثر على ذلك، ارادت اشعاره بأن زوجته تلك تراه ضعيفا عاجزا، ارادت قتل ثقته و قوته للابد، فأمسكت بسلاح احد الرجال معها و رفعته لتضعه على رأس عاصم و هى تهتف بهدوء: طيب حياته، و لا حياتك؟

نظرت جنه اليها لتشهق بفزع لم تستطع اخفاؤه هذه المره و انهمرت دموعها بسرعه و هى تضم عاصم بقوه لتهتف ببكاء متوسل: لأ، لأ الله يخليكِ..

كادت كوثر تتراجع خوفا و اربتاكا، و لسبب ما تخيلت احدى ابنتيها محل جنه الان، عاطفه الامومه داخلها تحركت للحظات و لكن سم نجلاء الذى يسير داخل رأسها الان اعمى عينها تماما و قتل شعورها بالذنب و الخوف فقربت السلاح منه اكثر تستمر فيما نوته: قدامك اختيار من اتنين، يا تمشى معايا من سكات، يا تفضلى جنبه و تقرأى الفاتحه عليه..

شهقت جنه و بحركه مفاجأه دون تفكير ابتعدت عنه و هو في حاله من الذهول لا يدرى ما يحدث؟ أو ما الذى دفعها لتبتعد؟
فصرخ و هو يحرك يده في الهواء باحثا عنها: جنه، جنه..
تمتمت ببكاء و هى تخرج من المنزل معهم: انا اسفه..

بينما هو استمع لكلمتها من هنا و اخذ يتحرك كالمجنون خلفهم حتى اصطدمت قدمه بطاوله يعلوها فازه زجاجيه فسقط لتسقط الطاوله بجواره و تسقط الفازه متكسره لتتنشر حوله و تتطاير شظياها فتصيبه احدهما بيده ليصرخ بكل ما يعتل بصدره من الم و عجز و لم يجد غير اسمها يكوى قلبه و يحرق نفسه: جنه!
و دون مقاومه و دون تفكير تساقطت تلك الدمعه الهاربه من جانب عينه، لا يدرى لما؟
ألأجلها ام لاجله؟!

ام لأجل احساس قلبه المذبوح بخنجر ضعفه و قوتها، و عقله المترنح بين عجزه و مقاومتها؟!.
فعجزه لم يقتصرعليه فقط بل ادرك الان انه اصبح نقطه ضعف لها..
شعر بيد تربت على كتفه ادرك انها مها ساعدته يعتدل جالسا و هى تبكى و امسكت يده تضغط عليها كأنها تطالبه بالقوه فاختفت الحياه من معالم وجهه تماما و نهض واقفا هامسا بهدوء ينافى احتراق قلبه: تليفونى فوق، اتصلى بأكرم..

ابتعدت عنه و ركضت للاعلى احضرت هاتفه و بعثت رساله لأكرم و ثوانى معدوده و ارتفع رنين الهاتف بأسمه فأسرعت لعاصم تعطيه الهاتف الذى بمجرد ان فُتح الخط قال باختصار: مستنيك في البيت يا اكرم بسرعه..
و اغلق الخط بعدها و تكاد مها تُجزم انه حتى لم يستمع لرد اكرم، عيناه ازدادت ظلمه على ظلمتها، انفاسه بطيئه لكنها حارقه، هدوءه مطمئن لكنه يسبق عاصفه هوجاء، ضعفه أعجزه و لكن هناك قوه لن تستمر كثيرا بالاختفاء..

و السؤال هنا ليس ماذا سيفعل؟ و لكن بما يُفكر؟ و هذا اسوء.
جلست مها امامه تتفحصه و عقلها عاجز عن مجرد تخيل ما ينوى فعله سواء بكوثر او برجالها او حتى بجنه التى لا تدرى ماذا فعلت بعد اغمائها...

جلست تضم ركبتيها لصدرها بخوف و دموعها تنهمر بغزاره و تردد اسم الله باستمرار فهى مدركه تماما انه لن ينجدها احد من هنا سواه و على لسانها دعاء لا يفارقها اللهم اكفينهم بما شئت و كيف شئت ..

استمعت لصوت الباب يُفتح فاعتدلت وافقه و جففت دموعها مسرعه فمهما كانت خائفه و مهما ارتعب قلبها لن تسمح لكوثر برؤيه خوفها ابدا، حسنا هى في موقف ضعف لا تقوى على التصرف و لكن ان ترى كوثر بعينها تلك النظرات الكسيره الذليله لن يحدث ابدا..

ربما حطمت قلب ابن الحصرى مرات و مرات و ربما فشلت في علاقتها معه، و لكنه لم يفشل ابدا في دعم ثقتها، لم يفشل في منحها قوته، و بالتأكيد لم يفشل في جعلها اقوى من السابق بمراحل فمن تقدر على مجاهده نفسها و قتل كل سعادتها و فرحها ألن تكون قادره على مجابهه شخص اخر؟

اقتربت كوثر منها لتعقد حاجبيها بابتسامه خبيثه تتحدث بتعنت: ها، اكيد وحشتك ايام زمان، ايام ما كنتِ بتنامى على الارض، تروحى و تيجى بأمر منى، تاكلى يوم و عشره لأ، اكيد اكيد وحشتك، ايام جميله، صح يا بنت الالفى؟
عقدت جنه ساعديها امام صدرها لترفع رأسها لاعلى هاتفه بكلمه واحده بابتسامه ماكره استدعتها بأقصى ما تملك من قوه حتى تصدقها كوثر: ماتت..

ازاداد انعقاد حاجبيها و دارت عينها على ملامح تلك الصغيره الواثقه و المتماسكه لحد كبير فأردفت جنه و هى تتقدم منها خطوه: بنت الالفى ماتت، و اللى بيموت لا بيرجع و لا بيشتاق..
ضحكت كوثر عاليا و هى تتنهد باعجاب صائحه بفخر ساخر: حلو جدا الكلام اللى انتِ حافظاه ده، بس معتقدش ان مفعوله هيستمر كتير.!

اومأت جنه بلامبالاه و احتدت عينها ببريق غاضب لا يتناسب مع طفوليه ابريقها العسلى و هى تهمس تحاول بقدر الامكان اشعارها هى بالارتباك و الخوف: فاكره اخر مره اتقابلنا فيها يا كوثر..؟!؟
اختفت ابتسامه كوثر تعبس و غضبها يتفاقم و احداث ذلك اليوم من صدمتها، خوف جنه، غضب عاصم و يده التى طبعت اثارها على وجنتها و حتى ان لم تعد تظهر فاثارها حُفرت بعقلها و قلبها...

ابتسمت جنه و هى ترى الغضب الذى ارتسم على وجهها فجأه فاردفت: يومها انا رفضت اقلل من تربيتى معاكِ، رفضت اقلل من احترامك، رفضت و قولت مهما كان عليا دَين ليكِ و لازم ارده، مهما كان انتِ ربتينى و تُعتبرى امى..

صمتت لحظات و كوثر يزداد توترها فهى من الاساس لا ترغب بما تفعله و لكن نجلاء قالت وهى وافقت و انتهى الامر، ، أكملت جنه بقوه: لحد النهارده انا بسدد الدَين ده، لا اشتكيت عليكِ و لا طالبتك بأى حاجه، و لا فكرت اذيكِ، و..

قاطعتها كوثر صارخه: بس جوزك فكر و عمل، خسرنى فلوسى و كتبها باسمك، قفل الشركه و خلى حسابها و تصفيتها كلها باسمك، خسرنى البيت و حتى بحصتى من الورث بقيت بسدد ديونى، كان السبب فانى ابعد عن بناتى علشان يعرفوا يعيشوا، كل ده و عاوزانى اغفر له ببساطه..!
راقبت جنه اضطرابها و هى تتحدث بسرعه مفرطه و انفاس لاهثه كأنها تعدو في سباق فقالت بتسائل متعجب: و ايه اسبابه؟ و لا مفكرتيش في ده، مفكرتيش تستحقى او لأ؟

هاجت كوثر تماما و هى تعيد خصلاتها للخلف بغضب: لا مستحقش و مش هسامحه و لا هسامحك لانك السبب، ثم اشارت على وجهها باصبعها قائله بثقه: الثقه اللى على وشك دى هتختفى دلوقت و انا هعرفك يعنى ايه خوف.

و دون كلمه اخرى تركتها كوثر و خرجت مسرعه ذهبت لغرفه مجاوره لتجد ذلك الرجل الذى يبدو في الاربعين من عمره جالس ارضا و امامه طاوله تعلوها تلك الممنوعات التى اعطته كوثر اياها و هو يستنشقها بنهم رافعا رأسه لاعلى ليتنفس بصوت عالى مغلقا عينه بانتشاء حتى انتهى من الكميه تماما..

دلفت و اشعلت احدى سجائرها تنفث دخانها بقوه تعبر عن غضب عقلها و ارتياب قلبها، نهض الفتى يترنح بنشوه حارقه و جبينه يتصبب عرقا و هو يطالعها من اعلى لاسفل، ذلك البنطال الضيق الذى يرسم قدميها باحترافيه و اغراء مفرط و عيناه تموج تمويجا من انحناء جسدها ثم لاعلى و ذلك القميص الحريرى الذى ينساب بنعومه حد خصرها لينحت جسدها و يجعهلها اشبه بلوحه لا تقدر بثمن، اغلق عينه برغبه عارمه و هو يتابع تقاسيم وجهها التى رغم سنها لازالت تبدو في ريعان شبابها، راقبت عينه حركه اصابعها المتوتره على شفتيها عقب استنشاق نفسا عميقا من سجارتها ليداعب شفتيه مراقبا خروج الدخان باحترافيه من انفها، تقدم منها خطوه و جسده يشتعل لها حتى شعرت به،.

فاستدارت لتُفاجأ به خلفها و عيناه تجول عليها بنظرات اقل ما يقال عنها وقحه فارتبكت قليلا و تحركت بعيدا عنه و قالت بحده: اذا كنت خلصت الهباب ده.!؟
صمتت قليلا لتستجمع شجاعتها و خاصه اسفل نظراته تلك و اردفت و هى تغلق عينها غير راضيه عما تفعله: البنت في الاوضه التانيه، اعمل اللى نجلاء هانم قالتلك عليه.

ابتسم غامزا اياها بوقاحه قائلا و هو يقترب بوجهه منها و رائحته تنتشر حولها لتشعر هى باشمئزاز خصوصا مع كلمته: طيب و انت يا جميل؟
ابتعدت خطوات اخرى للخلف ثم تحركت من خلفه باتجاه الباب و قالت بقوه غاضبه: يالا انجز، اخرج..
تحرك بعدم اتزان مقتربا منها ثم مال عليها مستنشقا عطرها مغلقا عينه مصدرا صوتا متلذذا و همس بأسى: يا خساره..

ثم تركها و خرج متجها لغرفه جنه التى كانت تجوب الغرفه ذهابا و ايابا تفكر كيف تتصرف؟! كيف تطمئن عاصم على الاقل.؟! كيف تطلب النجده.؟!

اقتربت من النافذه لتجدها مغلقه بقطع خشبيه متلاصقه حاولت النظر من خلالها لتجد انها في مكان ما يقع على مقربه من فندق كبير، حاولت رؤيه اسمه و لكنها لم تستطع، حاولت دفع الخشب و لكنها ايضا لم تستطع، ضربت قدمها بالارض بغضب تحاول التفكير و القاء شعور الخوف جانبا و لكن قلبها قلق لسبب ما تشعر ان امر سيئا على وشك الحدوث..

و قد كان عندما استمعت لصوت الباب يُفتح استدارت مسرعه لتتفاجئ بذلك الشخص الذى دلف و اغلق الباب خلفه متقدما باتجاهها و عيناه تشتعل ببريق لم تستطع فهمه لكن ما ادركته جيدا انه ليس ببريق غضب و بالتاكيد ليس شفقه و انما شيئا اخر لو علمت مغزاه داخله حقا لقتلت نفسها..
تراجعت حتى التصقت بالجدار و هى تطالعه بخوف لم تستطع اخفاؤه هاتفه بحده: انت مين؟ و عاوز ايه؟

نظر اليها من اعلى لاسفل، عبائتها الواسعه التى لا يظهر من اسفلها اى شئ و لا ترسم ملامح جسدها حتى، فقط اشبه بطفله ترتدى عباءه امها المهلهله، رفع عينه لوجهها ليجد برائه لا تحرك بداخله شئيا بالاضافه لحجابها الذى اخفى عنه حتى رؤيه عنقها و خصلاتها، زم شفتيه بخيبه امل فشتان بين من رأها منذ قليل و بين تلك الطفله امامه، و لكنه ابتسم قائلا بنبره خبيثه متلاعبه و غير متزنه: مش مشكله اهو نكشف المتغطى و نعرى المستور!

جحظت عينها و نبضات قلبها تطرق بعنف شديد و هى تبتعد عن مرمى خطواته لتصرخ بخوف مرتعد: انت اتجننت، اخرج بره..
رفع يده واضعا اياها على اذنه و هو يترنح بضيق و حاله من اللاوعى تسيطر عليه: بصى بقى انا عامل دماغ متكلفه، فخليكِ حلوه كده و انجزى في يومك..

تساقطت دموعها رغما عنها لتصرخ بتوسل: بالله عليك اخرج، اتقي الله و ابعد عنى، ثم ركضت باتجاه الباب تحاول فتحه و تطرق عليه بقوه صارخه ببكاء فأسرع هو يتمسك بها حتى لا تستطيع فتحه: كوثر، الله يخليكِ ساعدينى، معدش فيه ثقه، انا خايفه بالله عليك خرجينى..

و في الغرفه المجاوره جلست كوثر على الكرسى و هى تضع يدها على اذنها و صوت جنه لا يخترق اذنها فقط بل قلبها، عقلها و انوثتها، جعلها تفكر بالتراجع و لكن ربما لم يعد هناك وقت، حاولت الابتعاد و منع صوت جنه من الوصول اليها و لكنها لم تكن تدرك ان الصوت ينبع من داخلها، اغلقت عينها و هى تتذكر حياتها، و اول ما جاء بخاطرها، امل و ماجد، كيف كانا، كيف احبا بعضهما، كيف اشعل حبهم الغيره في قلبها، و الحقد في نفسها؟

تعالت صرخات جنه بشكل جعل كوثر تفقد اعصابها تماما لتدخل في نوبه حاده من البكاء و هى تردد بهستريا: انا اسفه، انا اسفه..

اما بالغرفه فأخذت جنه تحاول الفكاك منه و هى تركض يمينا و يسارا و تقذف كل ما يقع تحت يدها بوجهه حتى يبتعد بينما هو يكاد يرى و كلما تقدم خطوه يسقط الاخرى، حتى امسك بها مقيدا حركتها و هى تدافع بكل ما تملك من قوه حتى كادت تنفذ كل محاولتها، جذب حجابها بقوه و دفعها ارضا ليلقى بحجابها جانبا و خصلاتها تنهمر على كتفها و ظهرها، و دون تفكير دفعت بقدمها في وجهه ليسقط ارضا على ظهره صارخا بسباب و هو يلعن تحت انفاسه،.

فنهضت تحاول فتح الباب حتى استطاعت و خرجت راكضه و عندها نهض هو بتثاقل و جسده لا يحمله ليخرج مترنحا وجدها تركض على درج خارجى و لكنه لم يأبه بها فليلته لن تنقضى بهذا الشكل ابدا، نظر للغرفه المجاوره و اندفع بخطوات مستهويه راغبه اليها و دون ان يطرق الباب حتى دلف على غفله و اغلقه مسرعا و هو ينظر لها بعدما انتفضت واقفه بارتباك و قلبها يدق كل اجراس الخطر و الخوف و هى تصيح به يتملكها الرعب: انت، انت بتعمل ايه هنا؟

و كانت الاجابه تبدو بوضوح في عينيه و لكنها ربما لم تستطيع تصديقها..

ازاى تتجرأ تعمل حاجه زى دى؟ احنا فين؟! هو احنا عايشين في الغابه؟ ماشيين بمبدأ البقاء للاقوى!
صرخ بها اكرم و هو يجوب المكان بتوتر و غضب و حوله العديد من رجال الشرطه بالاضافه لمازن الذى استمع لصوت سياره الشرطه فخرج مسرعا على اثرها، اقترب مازن منه رابتا على كتفه: ان شاء الله هتبقى بخير، حاول تهدى يا اكرم..

ضرب على رأسه بغضب و هو يدور حول نفسه صارخا: اهدى ازاى و انا بقالى ساعتين مش عارف اعمل حاجه؟ اهدى ازاى و انا مش عارف هى فين و حالها ايه؟
ثم صرخ بصوت جعل الجميع ينتفض من حوله: اهدى ازاى؟
كان عاصم جالسا على الدرج مستندا برأسه على حرفه، لا ينطق بحرفا واحدا منذ قدوم اكرم و التى تكفلت مها باخباره كل شئ، لا حركه، لا كلمه و لا اى رد فعل صغير حول اى شئ..

لم يستطع احد منهم التحدث معه، لم يستطع احد معرفه ما يجول بخاطره و لكن هو، هو وحده يعرف،
يعرف الى اى مدى يحترق قلبه لدرجه يعجز عن التعبير عنها،!
يعرف لاى مدى تهشمت روحه على جدار عجزه لكن كانت هى النتيجه و هى الضحيه،!
يعرف لاى مدى هو عاجز، ضعيف، خائف بل يكاد يموت رعبا.!

يشعر ان انفاسه سُرقت، لا هواء حوله، هو يختنق، لم يكن بحياته بحاجه لنور عينيه بقدر هذا اليوم، لا ليثبت قوه او يدافع عن غرور او كبرياء بل لينقذها و بعدها لا فارق فلتذهب روحه، ليستطيع معرفه طريق الوقوف امامها لتلقى اى سهم عنها و لتذهق روحه بعدها..
اى كلام قد يعبر عما يشعر به!، اى وصف هذا الذى يستطيع ان يصف ماذا تحكى انفاسه عن الوجع حد الموت!،.

صرخاتها لا تفارق اذنيه و تمسكها به ما زال يشعر به، اى حب هذا الذى بحث عنه، و الله لو منحوه كل نساء العالم و عرضوا عليه كل حبهم ما يكفيه سوى وجودها، حتى و ان كرهته، تحمل من الالام ما يفوق قدره تحمل الكثير و لكنه لا يستطيع تحمل خذلانه لها، لا يستطيع تحمل انها قدمت نفسها مقابل حياته، لا يستطيع تحمل ان يكون نقطه ضعفها، لا يستطيع..

اعلق عينه و ما زال على حاله كما هو ساكنا فنظر اليه مازن ثم نظر لاكرم هامسا محاولا تهدأته: ارجوك يا اكرم، انت شايف عاصم، ارجوك لازم تهدى.
اقترب ظابط الشرطه من اكرم و هو يقول عبر سماعه بلوتوث في اذنه برسميه: تمام اتحركوا على المكان بسرعه و لو في جديد عرفنى.!

ثم نظر لاكرم قائلا برسميه: في اتصال وصل للقسم من سكان عماره بيشتكوا ان في صوت صريخ و تكسير في بيت مهجور وراهم، و في قوات اتحركت على هناك، طبعا مش مؤكد انهم اللى مطلوبين بس كمان ممكن يكونوا هما.
غطى اكرم وجهه بيديه هامسا بقلب يبكى: يارب، مليش غيرك، يارب احميها، يارب..
اقترب أكرم من عاصم و بيده كوب ماء و انحنى امامه مقرفصا دافعا بالكوب ليده فأمسكه قائلا بنبره لينه: هترجع يا عاصم، جنه هترجع..

ترك عاصم الكوب من يده ليسقط على الدرج و همس لاول مره منذ ساعتان تقريبا بنبره تحمل من وجع روحه اضعاف مضاعفه: هترجع كويسه؟
ثم رفع يده القابضه على شيئا ما و بسطها قائلا بصوت خفيض و بحه جريحه: انا مدين لها باعتذار يا اكرم، مدين لها بكتير قوى.!
وضع اكرم يده على ركبتيه رابتا عليها بمؤازره: مش هيحصلها حاجه يا عاصم.

اردف عاصم كأنه لم يسمعه: انا مش عاوزها ترجع علشانى، انا عاوزاها ترجع علشانها، جنه محتجانى و انا مش عارف ابقى جنبها، انا متأكد انها محتاجه حضنى دلوقتى، محتجانى و انا...
و لم يكمل و كما تحدث صمت و عاد مستندا برأسه على حرف سور الدرج و لكن لم يغفل اكرم عن تلك الدموع التى تساقطت على جانب وجهه لتتشربها شفتيه باستسلام حارق..


look/images/icons/i1.gif رواية حلم السندريلا
  28-03-2022 09:02 مساءً   [39]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الأربعون

احذر ان تؤذى روحا لا تستطيع دفع الاذى عن نفسها الا بأنين لا يسمعه الا الله
انت اتجننت، انت بتعمل ايه؟
صرخت بها كوثر و هى تبتعد عنه و لكن يده كانت اسرع في الوصول اليها حتى تمكن منها وطاقه صبره تُستنزف فدفع بها ارضا لتعافر هى و لكنه انهى تلك المحاولات و امسك رأسها دافعا اياه للارض بقوه عده مرات متتاليه حتى تخدر جسدها تماما و كانت تلك فرصته ليستولى عليها..

ركضت جنه على الدرج مسرعه حتى وصلت للباب الخارجى و قبل ان تخرج وصلها صراخ كوثر الحاد فتجمدت مكانها و رفعت عينها لذلك الباب الذى هربت منه للتو، ظلت مكانها تتطالع الباب بخوف غير مدركه ماذا تفعل؟ صوت بداخلها اخبرها الا تهرب، و صوت اخر اخبرها ان تصعد مسرعه لتساعدها اى كان ما يحدث، و صوت ثالث كان نداء علقها بالهروب و الابتعاد بأقصى ما تملك عن هذا المكان.

اختفى صوت الصراخ فتجمدت الدماء في عروقها و لم تستطع تجنب قلبها فصعدت الدرج مجددا بخطوات بطيئه و هى تدعو الله بداخلها الا يحدث سوء ما، دلفت للمكان و قلبها ينتفض خوفا لتُفاجئ بذلك الرجل يخرج من الغرفه وبيده كيس ابيض صغير يحتوى على مسحوق ابيض يفرغه بسرعه كبيره على يده ليستنشقه بنهم و هى متجمده مكانها تماما لدرجه منعتها حتى من الهرب من امامه و هى تتطالع ملابسه الملطخه بالدماء الذى لا تدرى مصدرها، و فجأه وجدته يتشنج تماما و يضع يده على رأسه تبعها بسقوطه ارضا دون حركه، شهقت بفزع و هى ترتد خطوه للخلف تبعتها بركضها لتلك الغرفه لتصرخ بذعر و هى ترى كوثر مضرحه بدمائها المنسابه اسفل رأسها و ملابسها الممزقه و انفاسها التى تكاد تختفى..

تساقطت دموعها و هى تقترب منها مسرعه لتسقط بجوارها لتهتف بفزع: كوثر، ردى عليا، كوثر..!

همهمت كوثر ببطء و هى تفتح عينها التى خلت تدريجيا من الحياه لتهمس بخفوت شديد و صوتها بالكاد يخرج: صدقينى يا جنه مستحقش، مستحقش ان راجل يبعد عنى بعد ما حبيته و اتعلقت بيه و انا في ايدى بنتين و مفيش حد جنبى غيره و السبب انه حب زميلته في الشغل و اتجوزها و بدون حتى ما يفكر طلقنى، اتنقلت لبلد تانيه و عيشت لوحدى اربى بناتى و دا يتكلم و دا يتكلم و مفيش مخلوق متكلمش في شرفى و اخلاقى و سبب طلاقى، و مع ذلك استحملت و حاولت اعيش، لحد ما اهلك اتنقلوا قصادى..!

قُطع صوتها و عينها تغرق بدموعها و تلهث لتأخذ انفاسها و جنه امامها لا تفعل شئ سوى انها تبكى خوفا، ذعرا و ايضا حزنا حتى اردفت كوثر: كنت بشوف ازاى ماجد بيعامل امل و ازاى بيخاف عليها، كنت بحسدها و بغير منها و كان نفسى اعيش اللى هى عاشته، اُعجبت بماجد بس كنت عارفه انه لا يمكن هيكون ليا، بس اتمنيت لحد ما ربنا استجاب ليا و امل جت و عرضت عليا نتجوز، مكنتش مصدقه نفسى و اتصرفت بأنانيه و طلبت منه يطلقها، بس هو رفض و هددنى و املى عليا شروطه و هى انه عاوزنى مجرد خدامه له و لولاده..

صمتت تتنفس بصعوبه و صدرها يعلو و يهبط بعنف حاولت جنه ايقافها قائله و بكائها يزداد: قوليلى اتصرف ازاى انا لازم اطلب الاسعاف انتِ..
ابتسمت كوثر ان كانت تعتبر كذلك و همست بصوت مبحوح: وافقت علشان ابقى جنبه و قولت يمكن مع الايام يحبنى، بس محصلش، علشان كده كرهتك لانى كنت حاسه انى بيكِ بحارب شبح امل، كانت حاسه انها دايما وسطنا، حاولت اكسر حقدى ليها بيكِ، لحد ما ماجد مات..

تساقطت الدموع من جانب عينها و همست باخر كلماتها: انا مابحبكيش، معرفتش احبك، بس كرهك خسرنى كتير يا جنه..
و اغلقت عينها معلنه النهايه، ان الله يمهل و لا يهمل ..
انهارت جنه تماما و لم تستطع بأى شكل كان تمالك اعصابها، فنهضت بعدم ثبات ثم اخذت تركض بسرعه للخارج و بمجرد ان فتحت الباب كانت سياره الشرطه امامها فهبط الظابط مسرعا و بيده صوره لها و اقترب منها قائلا: مدام جنه انتِ ك...

و قبل ان يكمل كلمته سقطت جنه مغشيا عليها فحملها مسرعا و باقى الفريق صعد للاعلى ليتمم التحفظ على كل الادله..
لا تحفر قبرا بيديك فربما لا يسكنه من حُفر له بل من حَفر.

فتحت عينها ببطء لتغلقها مسرعه و الضوء يعاكسها حتى اعتادت عليه و بمجرد ان فتحت عينها وجدت اكرم امامها اقترب منها مسرعا محتضنا اياها: الحمد لله يارب، الحمد لله، ، ابعدها عنه محاوطا وجهها بيده هاتفا بلهفه: انتِ كويسه؟
نظرت اليه قليلا ثم همست و دموعها تغزو عينها: هى ماتت يا اكرم؟
نظر ارضا يحاول تمالك غضبه و لكنه لم يستطع فرفع رأسه هاتفا بحده لم يقصدها: خرجت من حياتنا و حياتها و ريحت الكل..

تساقطت دموعها و غمغمت بشرود مؤلم: ماتت قدامى يا اكرم، اخر كلمه قالتها انها بتكرهنى، هى، ،
احتضنها اكرم مانعا اياها من الاسترساال و همس محاولا بثها الطمأنينه: اهدى يا حبيبتى كل حاجه هتبقى تمام، كابوس و انتهى، انسى.
سكنت قليلا بين ذراعيه ثم ابتعدت عنه و نظرت اليه و عينها تفضح عن سؤالا عجزت شفتاها عن نطقه فقال هو مبتسما: يالا على البيت في ناس كتير مستنيه تطمن عليكِ.

غمغمت بخجل و قلبها يهفو للاجابه: عاصم عامل ايه؟
اخذ نفس عميق و ساعدها على النهوض و خرجا سويا و هو يجيبها: ان قولت بخير ابقى كداب، ثم خرجا عائدين للمنزل و الذى ينتظرهم به الجميع..
دلفت حنين للمطبخ و احضرت مشروب لهم بالخارج فدلف مازن اليها متمتما و هو يستند على الطاوله الرخاميه بظهره واضعا يديه بجيب بنطاله: اكرم كلمنى، جايين في الطريق..

وضعت حنين الصينيه بيدها و تمتمت هى الاخرى بقلق: مش عارفه ليه مش مرتاحه لعاصم، حاسه انه هيفاجأنا كلنا ب رد فعل محدش اتوقعه خصوصا بعد سكوته ده..!
نظر اليها مازن متسائلا يفهم: ليه بتقولى كده؟

تنهدت بحزن و هى تجيبه و من يفهم ذلك الارعن سواها: عاصم باللى حصل ده اتواجه اسوء مواجهه بضعفه و عاصم متعودش على كده، كلنا شوفنا انكساره و دا حاجه خارج الطبيعى عند عاصم، سكوته مش من فراغ، انا متأكده انه بيفكر في تصرف، قرار او هيعمل ايه لما جنه ترجع؟ و رد فعله هيبقى كبير، كبير قوى..

غمغم مازن بشبح ابتسامه و هو يتذكر عاصم القديم الذى كان يشبه الانسان الالى المدرب على الغضب في كل اوقاته: اللى يشوف عاصم زمان ميعرفوش دلوقتى، فعلا الحب بيعمل كتير..

ابتسمت حنين متذكره ثم تنهدت و خرجت، جلست بجوار عاصم لتقترب منهم مها و نظرت كلا منهما للاخرى و هى ترى الخوف، الضعف و التشتت يختفى عن وجهه تماما و تتبدل ملامحه لاخرى ساكنه و لكنها حاده الى حد كتير مع انحناء شفيته بشكل غاضب و قبضه يديه تزداد، وضعت حنين يدها على يده فارتجفت لحظه قبل ان تهمس هى باسمه ببطء: عاصم..

لم يجيبها و لكنه رفع يده الاخرى ضاغطا على يدها عده مرات متتاليه كأنه يطمأنها فادركت ان التحدث الان لا طائل له فجلست بجواره صامته تدعو الله ان يخيب احساسها، انتبهت كل حواسه عندما استمع لصوت احتكاك سياره اكرم بالارض فضم قبضته بشكل اكبر و هو ينهض واقفا ببطء...

دلفت جنه مع اكرم للمنزل لتجد حنين و مها ينتظروها بابتسامه و مازن يقف في نهايه الصاله و عاصم يقف امام الدرج مباشره و بدون تفكير انطلقت راكضه باتجاهه لتلقى بنفسها بين ذراعيه حتى كاد يسقط و لكنه استطاع التماسك متوقعا منها فعلا كهذا، كانت يداه متجمده بجواره و لكن اغلاقه لعينه مستندا على كتفها اخبرها انه احترق خوفا، شددت من قبضه يدها حوله و دموعها تنساب لتُغرق ملابسه، ثوانى مرت و هو متجمد بلا الا فعل حتى تنهد بصوت عالى و رفع يديه محاوطا اياها بكل ما يملك من قوه كأنه يغرسها بداخله و هو بالفعل يفعل..

اضطربت انفاسه قليلا ما بين اطمئنان بعد قلق، و امان بعد خوف، ظلا هكذا دون كلمه حتى همست هى بخفوت: ماتت يا عاصم..
ابتسم بسخريه و هو يتمتم بنبره اكثر غضبا من اى مره سبقت، وصدره يتشنج بشكل جعلها هى حتى تخاف و هو يهمس بتوعد كان ينويه و لم يكن ليرحمها احد منه لولا اراده الله: ربنا رحمها.
رفع يده محاوطا وجهها ليتسائل بهدوء ينافى تماما شعور الاحتراق خلف ضلوعه: انتِ كويسه؟

اومأت برأسها بين يديه و تمتمت بشرود: عمرى ما تخيلت انى اعيش حاجه زى كده، كنت حاسه انى في كابوس و مش عارفه اصحى منه، كل حاجه كانت غريبه..
صمتت ثوانى ثم همست هى بتسائل تدرى انه لا يملك اجابه له: انت عامل ايه؟
طبع قبله على جبينها و غمغم رافعا جانب فمه بسخريه: تتوقعى ابقى عامل ازاى!

ثم اخفض يديه عن وجهها و رفع رأسه للاعلى قليلا ثم اخفضها طابعا قبله اخرى على جبينها هاتفا بجديه: بعد كل اللى حصل، و اللى تقريبا كنت انا السبب فيه، معنديش غير كلمه واحده هقولها و بدون ما ابررها حتى.
شعرت بلهجه غريبه بصوته، لهجه جعلتها تنظر اليه بخوف و للاسف محقق، قلبها اخبرها انه لن يقول ما تستسيغه، سيقول شيئا جديدا مخالفا لما تتوقعه و سيؤلمها، يبدو انه سيؤلمها..

ازدردت ريقها ببطء و هى تنظر لوجهه مترقبه ما سيقول و عندما طال صمته همست بهدوء ينافى دقات قلبها المشتعله: تقصد ايه؟

شدد اكرم قبضته بغضب فعاصم اخبره بما ينوى فعله، لا يستطيع منعه و لكن ايضا لا يستطيع ان يسمح له بان يتلاعب بها هكذا، محق هو من اتجاه و مخطئ من اتجاه اخر، و لكن عقب كل ما حدث اليوم لا يصح ابدا ما ينوى عاصم فعله حتى و ان اصر، اقترب اكرم من جنه ليُمسك بيدها جاذبا اياها قائلا باشاره منه لعاصم بأن يصبر: ارتاحى شويه الاول و بعدين تتكلموا..

كادت جنه تتحرك اثر جذب اكرم لها و لكن عاصم امسك بيدها الاخرى ليصيح بقوه مخبرا اياه انه لن ينتظر، لن يصبر يوم اخر بل لن يفعل دقيقه اخرى: انت عارف انى مش هصبر يا اكرم؟

اغلق اكرم عينه زافرا بقوه جعلت جنه تُدرك ان ما ينويه عاصم اكرم على علم به و لكن مها و حنين و مازن كانت نظراتهم متعجبه متسائله و ايضا قلقه، تحدث اكرم بهدوء يحاول اثناء عاصم: عاصم جنه محتاجه ترتاح و تهدى، و قرار زى ده مينفعش تاخده لوحدك..
ابتسم عاصم بسخريه و ملامح وجهه تزداد ثلجيه و همس باستنكار: و دى المشكله ان جنه مش بتشاركنى قراراتى.!

هنا اعتدلت جنه جاذبه يدها من بين ايديهما لتقوم بحده و باتت تكره ان تكون لعبه: ممكن افهم انتم بتتكلموا على ايه؟، ثم نظرت لعاصم هاتفه: في ايه يا عاصم؟

مسح جانب فمه بيده و لاول مره يشكر الله على انه لا يستطيع رؤيه ابريقها العسلى الان و خاصه بعد ان تنطلق منه نهايه الخط، نهايه هذا الواقع الذى قيده بها، نهايه جوله بدأت بدون رغبتها و هو مدرك تماما انها تنتهى الان بدون رغبتها ايضا، و لكن حان الوقت لوضع نهايه لهذا الضعف لانه لم يعد يجدى نفعا و لن يجدى يوما، امسك يديها الاثنتين ليهتف بجديه تامه و نبره ثابته: انتِ طالق..

فما نفعه كل هذا العناق؟ و نحن انتهينا،
و كل الحكايا التى قد حكينا، نفاق، نفاق
ان قبلاتك البارده على عنقى لا تُطاق..
نزار قبانى
طرق معتز الباب ثم ادار المفتاح به ليفتحه ثم دلف مغلقا اياه خلفه و تقدم منها و هى تجلس على الفراش و جلس امامها واضعا الطعام و قال بمرح غير آبه بمدى ثورانها لما يفعله معها: اكيد جعتِ؟

رفعت هبه رأسها التى كانت تضعها على ركبتيها و نظرت اليه بغضب لم يعد يرى غيره بعينها التى اختفى عشقه منها نهائيا، ثم اشاحت بوجهها عنه دون ان تجيب..
اقترب منها و وضع يده على وجهها فابتعدت بوجهها عنه لتنهض صارخه بغضب: انت واخد بالك انك حابسنى هنا بقالى ايام، انت فاكر انك بكده هتخلينى انسى او اسامح..

نهض معتز هو الاخر هاتفا بهدوء يُحسد عليه: انسى فكره انك تخرجى من حياتى، او تخرجينى من حياتك، انا مش هسمحلك بكده يا هبه مهما حاولتِ.
هتفت بحده و هى تشيح بيدها في وجهه: افهم انا مش عاوزاك، خلاص مش طايقه وجودك في حياتى..
اقترب منها ممسكا يدها لتحاول جذبها بقوه و لكنه امسكها بقوه اكبر هامسا: قلبك سامحنى، يبقى عقلك محتاج وقت بس و هيسامح، انا مش هقدر اخسرك يا هبه و مش هجازف حتى بمجرد تفكير..

جذبت نفسها بقوه صارخه باستنكار: معتز افهم انا مش هقدر اثق فيك تانى، مش هقدر أءتمنك على نفسى، مش هقدر اعيش معاك بعد كل اللى حصل، انت بجد انتهيت من حياتى..
همس بلامبالاه و هو يعطيها ظهره ليجلس على الفراش: بس انتِ لا يمكن تنتهى من حياتى..
ضربت بقدمها الارض لتصيح بجنون: انا بقيت بكرهك ليه مش عاوز تفهم بقيت بكره...

قاطعها واقفا محتجزا اياها من كتفيها صارخا بغضب مماثل: انا مش هسمح ليكِ يا هبه، مش هسمح ليكِ تكسرى قلبك و قلبى، مش هسمح ليكِ تبعدى عنى غصب عنى و عنك..
تركها لتهتف هى بذهول: يعنى ايه؟! يعنى هتفضل حابسنى كده يا معتز؟ واخد تليفونى و قافل عليا الباب كأنى طفله صغيره، حتى اتصالات اهلى بترد انت و مانعها عنى.

ثم عقدت حاجبيها هاتفه بثقتها مستنكره: انت فاكر انك كده هتخلينى استسلم و انسى و كأن شيئا لم يكن؟ فاكر كده انك هتضغط عليا فانا هتراجع عن قرارى؟
اقتربت عده خطوات منه حتى وقفت امامه مباشره لتلمع عينها ببريق تحدى و هى تصرح بعنف واثق: غلطان، مش هبه يا معتز، مش هبه اللى هتقدر تضغط عليها..

جذبها اليه محاوطا خصرها بيده متوقعا ارتباكها و ربما استسلامها لدفء حضنه الذى طالما اخبرته انه يحتويها بحنان لن تجد مثيل له و لكنها حتى في هذا حطمت توقعه عندما نظرت اليه بثباتها و عيناها مازالت على تماسكها المتحدى، مال بوجهه عليها اكثر لربما يُضعفها ليستطيع حتى التعبير عن مكنونات قلبه المحترق لها في هدوء افضل من تلك العاصفه و لكنها ايضا على وضعها بل و بدلا من ان تستند بيديها على كتفيه عقدت ساعديها امام صدرها بينها و بينه ناظره له ببرود جديد عليها، نظر لعينها قليلا ثم انخفضت عيناه لشفتيها هامسا بعاطفه حقا تشملها: سامحينى يا هبه، و الله العظيم بحبك، بحبك بس انا اتصرفت غلط، معقول مفيش لحظه بينا تساعدك تسامحينى..

حركت شفتيها لتتحدث و لكنه اسكتها بشفتيه متملكا اياها للحظات معدوده و هى متجمده بين ذراعيه دون حركه حتى ابتعد عنها و نظر لوجهها لربما يرى اشتياق او خيط عشق رفيع و لكنه صُدم عندما وجدها تتطالعه باشمئزاز و رفعت يدها لتدفعه عنها هاتفه بنفور: ها، اخدت اللى انت عاوزه..!؟
تحركت للفراش و جلست عليه و قالت بلا مبالاه: اخرج بقى عاوزه افضل لوحدى..

ظل يطالعها باندهاش تام جعل عقله يُشتت تماما، مع شعوره بألم معدته يزداد سوءا فهو لم يهتم بعلاجه او نصائح الطبيب طوال الفتره الماضيه و التى ادت لتدميره ألما، , و قبل ان تشعر هى بشئ تحرك هو للخارج و لكنها اوقفته صارخه باقتناع: و انا موافقه يا معتز..
توقف محله اخذا انفاسه بصعوبه و جبينه يتصبب عرقا و همس بإعياء: على ايه؟

عقدت حاجبيها بتعجب من هدوءه المفاجئ و وقفت خلفه تخبره قرارها: انت شايف ان وجودى جنبك هيخلينى اسامحك، ماشى انا هفضل يا معتز، بس هرجع شغلى و هعيش حياتى من غير الحبسه دى و نشوف هقدر و لا لا؟
استدار لها وعندما رأت وجهه جزعت و قلبها الاحمق و الذى مهما حاولت قتله يعصى امرها: مالك يا معتز؟ انت كويس!
ابتسم باشراقه و هو يرى القلق يتجسد بعينها و غمز بشغب: ليه؟ قلقانه عليا و لا حاجه؟

نظرت له قليلا و ادركت انه يتعمد هذا لكى يقلقها فحركت فمها بلامبالاه و تحركت باتجاه الفراش مجددا فقال بنبره آمره: كلى علشان علاجك، و وقت ما تحسى انك كويسه تقدرى تنزلى الشغل، و تليفونك في درج الكمودينو جنبك ان مأخدتوش كل الموضوع قفلته، و اهلك لما كلمونى عرفتهم اللى بينا و قولتلهم ان في مشكله و بنحاول نحلها و كلمت محمود كمان اينعم اتفاجأت بهدوءه اللى انا شاكك ان وراه حاجه بس فهمته اللى حصل و هو وافقنى في قرارى، انا مش حابسك يا هبه، انا بس بحاول اضمن انك تبقى معايا، علشان انا مش هقدر اخسرك..

و بدون كلمه اخرى خرج من الغرفه و بمجرد ان اغلق الباب ضغط اسنانه بألم مفرط و يديه تعتصر معدته بقوه و عيناه تغيم من شده الوجع حتى سقط امام باب غرفتها ارضا، نظرت هى للباب و بدأ جليد قلبها يتصدع و بدأت دموعها بالهبوط متمتمه: نفسى اسامحك بس وجعى مش مسامح يا معتز غصب عنى...

اتجهت للفراش و اخرجت ادويتها و حاولت تمالك نفسها لتأكل و بعدها تناولت دوائها، نهضت حامله صينيه الطعام لتذهب بها للمطبخ و بمجرد ان فتحت الباب وجدته جالسا ارضا يستند على الجدار و يبدو الوجع على وجهه فوضعت الصينيه من يدها على الطاوله داخل الغرفه و ركضت اليه صارخه و هى ترتكز بركبتيها ارضا: معتز، معتز انت كويس؟

فتح عينه بهدوء لترى احمرار عينيه و ضعفها لتضع يدها على ظهرها و رفعت يده لتضعها على عنقها لتقول و هى تساعده على النهوض: قوم معايا..
نهض مستندا عليها فأدخلته الغرفه و اجلسته على الفراش تتحرك بتوتر تسأله: ادويتك فين؟
اشار بعينه بتعب على الكومود: في مكانها..
نظرت اليه بدهشه و صاحت بغضب و هى تركض لتحضرها: انت طول الفتره دى مبتاخدش علاجك؟

احضرتها و اسرعت باعطائه اياها و هتفت به بحده و هى تجلس بجواره: هتفضل لحد امتى مستهتر كده؟
نظر بعمق عينها هامسا بارهاق: طول ما انتِ بعيده عنى..
اغلقت عينها و زفرت بلوم و نهضت لتخرج و لكنه امسك يدها و جذبها لتجلس و اعتدل نائما على فخذها ليسحب يديها و يضمهما معا على صدره: خليكِ هنا..

اخذت نفسا عميقا ثم سحبت يدها و وضعتها تحت رأسه لترفعها و وضعتها على الفراش و نهضت و ما عاد بها قدره لتحمل حتى ضعفها بحبه فحتى هذا قد استنفز طاقتها فيه: مش هبقى موجوده دائما يا معتز، الفله دبلت..
و تركته و خرجت فتابعها هو بعينه و همس مأكدا لنفسه و قلبه الخائف قبلها: هرويها تانى يا هبه، هستعيد فلتى، اكيد.

تقدمت حنين من حياه الجالسه على الارض و امامها طاوله صغيره عليها عده اوراق تعمل بها فابتسمت و جلست بجوارها هاتفه بمزاح: امممممم حياه هانم المشغوله دائما..
ابتسمت حياه و مازالت تدفن وجهها بين الاوراق فأردفت حنين بعتاب: مش واخده بالك انك طول اليوم على الحال ده، احنا تقريبا بنتكلم معاكِ بميعاد..
تركت حياه الاوراق و نظرت لحنين ضاحكه: ايه ده؟ نواره بيتنا زعلانه منى و لا ايه؟

اومأت حنين بطفوليه تمرح فضحكت حياه مجددا و هتفت بأسف: متزعليش منى، بس انا لازم اخلص الموضوع ده علشان المسابقه قربت و انا لازم استعد لها كويس جدا..
ابتمست حنين رابته على رأسها بحنان و هى تقول بثقه: انا متأكده انك هتنجحى، انا واثقه فيكِ..

ابتسمت حياه بامتنان وعادت لاوراقها مجددا فنهضت حنين و دلفت للمطبخ لتعد السفره لتناول الغذاء فمازن على وشك الوصول و قد حان وقت الوجبه الثانيه فهى تحرص كل الحرص على اوقات وجباته و دواء الضغط حتى لا يحدث مالا تُحمد عواقبه، لكنها تفاجأت بالمطبخ فارغا، نظرت على الموقد الذى لابد ان يحمل عده طواجن من الطعام فاليوم كان يوم حياه في الطبخ و لكنها لم تجد شيئا، عقدت حاجبيها استغرابا و اتجهت للخارج وقفت امام حياه متسائله بدهشه: حياه، انتِ طبختِ النهارده؟

رفعت حياه عينها ثم اخفضتها مسرعه و هى منهمكه في عملها لتجيب باختصار: لأ، معلش يا حنين هسيب الموضوع عليكِ النهارده، انا مش فاضيه..
ابتسمت حنين بتعجب و تمتمت باستنكار: مفيش مشكله بس مقولتيش من بدرى ليه؟ البشمهندس على وشك الوصول و الاكل هياخذ وقت.
اجابتها حياه و عينها بين اوراقها و خرجت نبرتها لامباليه او هكذا ظنت حنين: مش هيحصل حاجه ان اتأخرنا شويه، انا نسيت اقولك خالص و الله.

انخفضت حنين امامها و امسكت يدها عن الاوراق و رفعت رأسها اليها هاتفه بحده نسبيه: العلاج و التعب مينفعش معاهم مش هيحصل حاجه يا حياه، بتحبى الشغل و فهمنا لكن توصل لاهمال، اظن ده مش صح، و خصوصا لو الموضوع صحه جوزك.
نظرت اليها حياه بتعجب ثم ابعدت يدها هامسه بتسائل ساخر تقصده تماما: مهو جوزك انتِ كمان مش هيحصل حاجه ان اهتميتِ بيه انتِ..!

اتسعت عين حنين بضيق و هى تنهض صائحه باندفاع و انفعال لم تكن تعرفهم من قبل: حياااه، ياريت تلاحظى كلامك، انتِ عارفه كويس العلاقه بينى و بين البشمهندس ازاى؟
زفرت حياه ثم هتفت بهدوء و قج ادركت ان حنين لا يفيد معها هذا: خلاص يا حنين مش هتتكرر تانى، بس ممكن اطلب منك طلب؟

نظرت اليها حنين بتسائل و ما زالت ملامحها غاضبه فأردفت حياه بترجى: بما انك دكتوره ممكن اعتمد عليكِ في الاهتمام بمازن علشان انا بجد مشغوله الفتره دى جامد، على الاقل لحد ما ماما نهال ترجع بالسلامه ممكن؟
عقدت حنين حاجبيها بصدمه و نظرت لحياه بتشتت ثم عبست و نهت الحوار: ماشى يا حياه، زى ما تحبى..

ابتسمت حياه بامتنان و عادت لاوراقها و حنين تراقبها بتعجب و عندما استدارت فوجئت بمازن خلفها فتلعثمت قليلا فابتسم ملقيا السلام بمرحه المعتاد: السلام عليكم يا اهل الدار..
تنفست الصعداء شاكره الله انه لم يستمع لحوارهم المهاجم و تمتمت بابتسامه: و عليكم السلام، حمد لله على السلامه..
اومأ برأسه مجيبا و هو يتقدم ليجلس بجوار حياه يضرب رأسها من الخلف ببعض العنف: الله يسلمك، ست هانم المشغوله..

رفعت حياه رأسها بغيظ تبعد يده عنها تجيبه بضحكه: تصدق حنين لسه مسمعانى نفس الكلمه دى، ابتسم ناظرا لحنين ثم عاد بنظره لحياه متسائلا باهتمام: ها ايه الاخبار؟، الدنيا الجديده دى عامله معكِ ايه؟
ضحكت باشراقه و عينها تلمع بسعاده و اشارت على الاوراق تصيح بفرحه طفوليه تُشبه كثيرا فرحه طفل صغير بلعبه جديده: تمام جدا جدا جدا، و انا فرحانه جدا كمان..

ابتسم متمتما باعجاب بها و بحماسها: ممتاز، واضح كده انك هتنجحى و لا ايه؟
نظرت حنين اليهم و الى الابتسامه التى ارتسمت على وجه كلاهما بحوارهم هذا فابتسمت هى الاخرى متذكره مؤازره فارس لها دائما هكذا و لكنه كان يكره عملها بشده فكم من مره تشاجرا على هذا الامر، فهو لا يرغب بامرأته و خاصه حنين ان تعمل..

اتسعت ابتسامتها و تحركت باتجاه المطبخ تاركه اياهم سويا لتعد الطعام سريعا فلا يجوز تاخره عن ميعاد الدواء و الطعام اكثر من هذا، بعد مرور بعض الوقت حملت الطعام و وضعته على المائده و اتجهت لحياه قائله بقلق لاجلها فارهاقها كل عذا القدر ليس بأمر جيد: الاكل جاهز ممكن تاخدى استراحه و نقعد ناكل سوا..

اشارت حياه بيدها نافيه بانشغال و لم تنتبه لقلق حنين في نبرتها او نظراتها: كلى انتِ و مازن انا هاكل بعد شويه..
حاولت حنين تمالك نفسها فهى تكره كثيرا هذا الاهمال فهمست بهدوء ينافى رغبتها بالصراخ بها الان: خلاص انا هستناكِ ناكل سوا، بس البشمهندس لازم ياكل دلوقتى..
اجابت حياه باختصار: مفيش مشكله..

شددت حنين قبضتها فهى ترى امامها مدمنه عمل مثلما كان اخيها تماما و هى الان غاضبه مثلما كاانت تغضب على اخيها دائما، اعدت صينيه بالطعام و اتجهت لحياه مجددا متسائله: هو فين؟
اجابتها حياه مسرعه: دخل مغاره على بابا بتاعته دى، نادى عليه بلاش تدخلى لانه بيتضايق..
لم تنتبه حنين للكلمه و لكن شغل تفكيرها الغضب و هى تهمس متوعده: شغل تانى؟

فتحت الباب بهدوء و دلفت لتجده جالسا بشرود بالغرفه الخارجيه لا بغرفه المكتب ممسكا بلوحه الالوان و بيده الاخرى فرشاه و لا يفعل شيئا سوى انه يبللها و يعبث بلوحه امامه، حمحمت و لكن يبدو انه لم ينتبه فوضعت الطعام عن يدها على الطاوله و اقتربت منه و حمحمت بصوت اعلى فانتفض انتفاضه بسيطه مستديرا لها فهتفت بابتسامه تعتذر بعينها عن افزاعه: الاكل.

نظر على الطاوله ثم عاد ببصره اليها متمتما بشكر: متشكر جدا، تعبتِ نفسك.
نفت بابتسامه و لم تقاوم فضولها فتسائلت و هى تشير على اللوحه المبعثره و لا تحمل رسما واضحا: المفروض تنتهى بشكل ايه؟
ابتسم بسخريه ناظرا للوحته و بدأ يعبث بالفرشاه مجددا مغمغما بغموض: في بعض اللوحات بتفضل بدون نهايه، او بتنتهى بعشوائيه بحيث انك متبقيش فاهمه هى ايه بالظبط..

عقدت حاجبيها مبتسمه بتعجب و هى تتطالع الشرود على وجهه فهمس مردفا: زى حياه بعض الناس كده، مبعثره و عشوائيه و ملهاش معنى..

نظرت حنين للوحته قليلا ثم امسكت لوحه الالوان من يده و الفرشاه من يده الاخرى و اخذت تنظر لها من عده اتجاهات ثم بللت الفرشاه بلون اخر غير الذى استخدمه هو و بدأت بايصال عده خطوط معا و اضافت عده خطوط اخرى باندماج و تركيز بينما هو ينظر اليها و يتابع حركه عينها و ابتسامتها حتى انتهت و نظرت اليه مشيره الى اللوحه تضيف بثقه: اكيد هيبقى ليها معنى، و يمكن البعثره تبقى سبب التجمع، و يمكن العشوائيه تبقى اساس الترتيب..

نظر لها و لتفائلها قليلا ثم نظر للوحته ليجدها اكملتها و اصبحت على شكل منزل صغير اشبه بالكوخ يضم حوله عده اعشاب عشوائيه، تمتمت بابتسامه و هى تنظر اليها هى الاخرى: لو تاخد بالك انا معملتش حاجه غير شويه خطوط بس لكن الاساس هى البعثره بتاعتك..
اتسعت شفتيه عن ابتسامه بل و تحولت لضحكه و هو ينظر للوحه بفرحه لا يدرى مصدرها هاتفا بحماس: انتِ كملتِ اللوحه، انتِ اديتيها معنى..!

رفعت يديها الاثنتان باستسلام و هتفت كأنها تُبرأ نفسها من ذنب ما: هى كان ليها معنى من الاول انا بس ساعدت.
تركت الالوان و الفرشاه و اشارت على الطعام ببعض الجديه و الحده: ممكن بقى تاكل علشان العلاج و علشان المفروض نقيس الضغط النهارده.
اوما برأسه و تذكر امر ما فعاد يسألها باهتمام: كلمتِ عاصم؟ من يوم الحوار اللى فات ده و انا مش عارف اوصله.!

تنهدت حنين و رفعت كتفيها دلاله على جهلها و لا اجابه لديها: و انا كمان مش عارفه اوصله و لا اى حد مننا محدش يعرف مكانه غير اكرم و رافض تماما يقول لحد حتى جنه، و انا مش عارفه اروح ازورهم لان جدى هو اللى قاعد هناك دلوقت بس بطمن على جنه كل يوم تقريبا..
زفر مازن موافقا و غمغم: عاصم كان محتاج ينظم افكاره الاحداث الاخيره كانت قويه ورا بعد بس سفره و بعده المفاجئ ده محير الكل.

اومأت برأسها موافقه مع صمت لحظات ثم نظرت اليه قائله و هى تتحرك للخارج: تمام هسيبك تاكل و انا هخرج اشوف حياه..
اومأ برأسه فتركته و خرجت تفاجئت بحياه و قد انهت عملها و نهضت عنه فهتفت: واخيراااا.
ابتسمت حياه ثم عقدت حاجبيها و تمتمت بذهول: انتِ كنتِ فين؟ انتِ دخلتِ؟
ضيقت حنين عينها متسائله فأشارت حياه على الغرفه اسفل الدرج فنظرت حنين خلفها ثم عادت بنظرها لحياه و اومأت: اه دخلت عل...

شهقت حياه بصدمه متمتمه بصراخ ضاحك: مش معقول و مازن مقلش حاجه!
نفت حنين بتعجب فضحكت حياه مره اخرى تعبر عن دهشتها: وااااو، واضح انك مميزه يا مدام حنين، ثم رفعت يدها بدراميه لتُصيح و هى تُضخم صوتها: من سبقك لهذه الغرفه يا ابنتى، كان يُطرد.

امسكتها حياه و اجلستها بجوارها و تكلمت بانطلاق و شغب: عارفه كان دايما يقول - مازن كتاب مفتوح جوه الاوضه دى و انا مبحبش حد يدخل جوايا -، ، ثم غمزت ضاحكه مغمغمه بطفوليه ساخره: من يومها و انا بقول عليها مغاره على بابا..
ضحكت حنين متذكره هاجس عاصم و غضبه عندما يقترب احدهم من غرفه مكتبه: عاصم كان كده، له مغاره على بابا و محدش قدر يدخلها غير جنه.

ضيقت حياه عينها و هى تستنبط معنى خفى من وراء تلك المقارنه و لكنها حاولت تجاهله و نهضت تفرد جسدها بارهاق: هقوم ارتاح شويه علشان لسه عندى شغل...
اومأت حنين و سرعان ما اختفت ابتسامتها فور رحيل حياه و شيئا خفى يعبث بداخلها و ربما بعدما اطلقت هى المقارنه انتبهت لما تهدف له من معنى و الذى بالتأكيد لن تسمح بحدوثه..

اما بالداخل اخذ مازن يتناول طعامه و عيناه تراقب اللوحه التى اكملتها بابتسامه متذكرا كلمتها يمكن العشوائيه تكون اساس الترتيب ،
اتسعت ابتسامته و هو يتناول الطعام بنهم و لكن سرعان ما تجهم وجهه و هو يدرك انه ينحدر لمنحنى لا يحق له مجرد النظر اليه،
قلبه ينجرف مع تيارات حنانها و هو لا يستطيع حتى التفكير بها...

ترك الملعقه من يده و وضع يديه على وجهه متنهدا و قلبه يعلن عن الطريق لجرح جديد، لحب جديد، لألم اخر و ياله من ألم...

لنعترف ان الغيره عاطفه جامحه، بل لنقل أكثر من ذلك: انها كارثه حقيقيه.
فيودور دوستويفسكى
جلست سلمى و مها سويا في غرفه مها و كلتاهما تنظر امامها بشرود دون كلمه حتى قالت سلمى بتفكير: طيب يعنى انا مش فاهمه ايه يخلى عاصم يطلقها فجأه كده و يسيب البيت و يسافر؟ عاصم متعودش يهرب فأكيد هدفه مش هروب..

زفرت مها بشرود و غمغمت متذكره حال عاصم ذلك اليوم الذى يصعب نسيانه و اشارت انتِ مشوفتيش عاصم يومها كان ازاى، انا متوقعتش في حياتى انى اشوفه كده
صمتت سلمى و هى تحاول تخيل ما تتحدث عنه مها ربما صدقت ضعفه و ربما قدرت عجزه و ايضا حزنه و خوفه و لكن ما لا تتخيله ابدا صمته و هدوءه، عاصم لم يكن يوما ساكنا متحكما بأعصابه دائما ما يهزمه غضبه...

انتبهت كلتاهما من تفكيرها عندما طُرق الباب و دلف الساعى و اقترب منهم و بيده باقه ورد كبيره وضعها على المكتب فنظرت اليه سلمى بتسائل و هتفت بابتسامه ساخره: ايه ده؟ و لمين؟ مين جابه؟

نظر الرجل ارضا و قال بعمليه: معرفش يا بشمهندسه انا لقيتها قدام الباب و جبتها لحضرتك، ثم ابتسم و خرج من الغرفه، حملتها سلمى و اخرجت الكارت المصاحب للباقه و قرأته ثم انكمش وجهها بغضب هاتفه بتمردها الذى لا ينتهى سوى امام حبيب القلب امجد: هو فاكر ان الامور هتتحل بورد..!

نظرت اليها مها بتساؤل فاعطتها سلمى الكارت و دفعت بالورود على المكتب بضيق، فتحت مها الكارت و قرأت ما به انا يمكن مش عارف اتكلم معكِ او بالاصح انتِ مش عاوزه تدينى فرصه، بس نفسى تسامحينى يا مها انا لسه بحبك، و قوى كمان، اتمنى لو تفتحى قلبك ليا و اوعدك مش هخذلك تانى ابدا، محمود.

ابتسمت بسخريه و امسكت باقه الورد بعدما وضعت الكارت جانبا و قربته لانفها تستنشق رائحته و اغلقت عينها مستمتعه بها و في هذه اللحظه طُرق الباب فأذنت سلمى للطارق فدلف اكرم و القى السلام ثم نظر لمها بتعجب و هو يرى الورد بيدها فابتسم قائلا بمشاغبه: ورد، في المكتب!
فتمتمت سلمى بسخريه و هى تحرك رأسها باستهزاء: ورد الاحبه و الاعتذار..!

نظر اليها اكرم بعدما اختفت ابتسامته متعجبا بينما رمقتها مها بنظره غاضبه فحدقت سلمى بها قائله بهتاف متعصب: ايه؟ انتِ عارفه انى مش طايقه اسمع حاجه عنه بعد اللى عمله، و بعدين خارج الشغل اكرم مش غريب..

برقت مها بعينها لسلمى لعلها تصمت و لكن سلمى لم تفعل و امسكت بالكارت الخاص بمحمود و اعطته لاكرم تهزأ بما فعله ذلك المراهق: انت اكيد عارف اللى الاستاذ محمود عمله و دلوقت بكام ورده و كارت اعتذار عاوز يكسب قلب الحلوه تانى، المفروض ابقى هاديه و اتعامل ببساطه على حاجه زى دى؟

انتفضت مها واقفه بعدما رمقها اكرم بطرف عينه و فتح الكارت ليقرأه ثم اغلق عينه معتصرا الكارت بين يديه و انفاسه تتسارع بشكل يدل على غضبه الشديد و قبل ان ينطق بكلمه واحده امسكت مها الورود و دفعت بها لسله المهملات بجوارها و نظرت لسلمى بعناد و تحدى كأنها تخبرها ان كل هذا لا يمثل فارق بالنسبه اليها و ان الماضى غُلق و انتهى، نظر اكرم لمها ضاغطا اسنانه بقوه هاتفا بتسائل جاد و عينه تشملها بغضب حقيقى: حاول يكلمك في الشركه؟

تلعثمت مها قليلا فاقترب اكرم منها خطوه قائلا بحده و عيناه تحرقها حرقا: سألتك سؤال و مستنى اجابه، محمود حاول يعترض طريقك في الشركه و يكلمك؟
ارتجفت عينها و اومأت برأسها فضرب بيده على المكتب فانتفضت كلتاهما بفزع فنظر اكرم لمها و عيناه تشتعل غضبا: مقولتيش ليه؟ انتِ عارفه ان طول ما عاصم مش موجود انتِ مسئوله منى.

عقدت حاجبيها بضيق من صوته العالى و كلامه الآمر و اشارت مُوقفه اياه بأى حق حضرتك بتزعق كده، حضرتك مسئول عن جنه لكن انا اقدر اهتم بنفسى كويس يا بشمهندس، و ياريت اسلوب الكلام يبقى افضل من كده يا بلاش خالص.

نظر اليها اكرم قليلا ثم تحرك خارج الغرفه و لكن قبل ان يغلق الباب عاد للداخل مجددا ليُفاجئ كلتاهما بحمله لباقه الورد و اتجه للنافذه و فتحها بحده دافعا بالباقه للخارج ثم عاد اليها هاتفا بتحذير: ليا حساب معاه اما حسابى معاكِ، لما اخوكِ يرجع، و هيبقى ثقيل، ثقيل قوى.

ثم تركها و خرج و هى تنظر له بذهول بينما سلمى ضيقت عينها بخبث و هى تنظر لها ثم وضعت اصبعها على ذقنها مدعيه التفكير رافعه حاجبيها بتلاعب تستنتج و كأنها خليفه عاصم الحصرى في الملاعب لا يخفى عنها عينها شئ و خاصه غيره ابن الالفى: هو انا ليه حاسه ان في حد غيران؟
نظرت اليها مها باستهزاء ثم جلست على مقعدها تنظر للباب بضيق و تشعر بنفسها على وشك ان تصفع وجه احد ما..

خرج اكرم متجها لغرفه محمود ثم توقف لحظات و وجهه يبعث اشارات غضب كثيره ثم اتجه لغرفته قائلا لهناء قبل دخوله: اطلبى محمود لمكتبى فورا..
و بالفعل فعلت هناء كما اخبرها اكرم و دقائق و طرق محمود الباب دالفا: حضرتك طلبتنى يا بشمهندس..!

كان اكرم ينظر اليه بضيق شديد تعجبه محمود فجلس اكرم على كرسيه و اشار لمحمود بالجلوس، فهم محمود بالجلوس و لكن اكرم نهض واقفا و هو يزفر بشكل متتالى ثم تحرك بعدم راحه حول المكتب، وقف امام محمود لحظات ثم زفر بقوه و استند بيديه على المكتب و اخذ نفسا عميقا ثم صاح بجديه و غضب: خلاص يا محمود تقدر تتفضل على مكتبك..
عقد محمود حاجبيه تعجبا و تمتم بدهشه: افندم؟

اخذ اكرم نفسا عميقا اخر و اخرجه ببطء و هكذا عده مرات محاولا الهدوء ثم استدار له و همس بابتسامه غاضبه حاول جعلها لطيفه و لكنه فشل: هقولك على سر بس يفضل بينى وبينك، ،
تراجع محمود للخلف خطوه متعجبا فأردف اكرم بابتسامه متكلفه و هو في الواقع يرغب بشده في تحطيم وجهه و لكن لا يصح: بس الاول لازم اقولك، ،.

ثم اضاف بجديه و الغضب كله يتصاعد لوجهه ليظهر لمحمود واضحا وضوح الشمس ساعه الظهيره: ابعد عن مها يا محمود..!
فرغ فاهه و هو يتطلع لاكرم و لم يجد سببا واحدا يمنح عقله الاجابه عما يقوله او يفعله اكرم الان فهتف بذهول: ليه؟ وب..
فرقع اكرم بأصابعه مقاطعا اياه هاتفا بتوضيح: قولت ليه؟ انا هقولك ليه، و خد بالك دا سر، ،
ثم مال عليه و جز على اسنانه بغيره مفرطه: لانى اتقدمت لها، فاهمها دى و لا اوضح؟..

فشدد قبضته و هو يؤكد على كلماته التاليه بابتسامه غاضبه: لانها هتبقى مراتى، اظن دى واضحه..!؟
اتسعت عين محمود بادراك و ايضا بألم، قلبه يؤلمه، و لكنه من سمح لهذا بالحدوث.
هو من تخلى و ابتعد، و هو من وضع خط نهايه لقصته معها، اذا هو من يتحمل النتيجه. و لكن دقيقه، ماذا ان اختارته مها؟

عند هذا الخاطر ابتسم و نظر لاكرم بابتسامه و اومأ مطاوعا: اعتقد لمها رأى في الموضوع ده، ، ثم اضاف بعبث شبابى ينافى تماما فكر اكرم الثلاثينى: تحب نتراهن؟
ضحك اكرم بغضب عاصف و غيره ظهرت جليه في صوته عندما صرح بقوه: البشمهندسه مها متنساش، احنا اتفقنا قبل كده ان في القاب نلتزم بيها، و مها مش رهان يا محمود، ثم اشار لباب الغرفه قائلا بغضب و هو على وشك لكمه: اتفضل على شغلك..

حمحم محمود قليلا و رأى ان افضل ما يفعله: لو حضرتك حابب انى اقدم استق..
قاطعه اكرم بجديه: قولتلك قبل كده انا حياتى الخاصه حاجه و حياتى العمليه حاجه تانيه، و انا حاليا بتكلم مع شاب عادى مش المحامى بتاعى، اتفضل على شغلك.

ابتسم محمود باعجاب ثم اومأ وخرج من الغرفه، رفع اكرم يديه كأنه على وشك ان يخنق احدا ثم ضم اصابعه بقوه ضاربا يده بالمكتب عده مرات هاتفا بلوع يكاد يحطم وجهها هى ثم يضمها بكل هم قلبه: كان مالى و مال الهم ده ياربى؟، ،
ثم اغلق عينه صارخا بغضب: منك لله يا اللى في بالى..

لعلى اريد فقط ان انسى اننى احببت مره رجلا خطوط يده تُشبه خارطه وطنى، و اريد ان انسى انه حين سُلب منى سُلبت انا من وطنى.
غاده السمان.

نهضت هبه صباحا لتذهب للعمل فالايام اصبحت روتينيه بشكل ممل لا جديد بها سوى محاولات معتز معها و لكن بها شيئا جميلا و هو رسائله الورقيه، فكل يوم صباحا تجد امام باب الغرفه خطاب منه، و يُرسل اليها اخر في منتصف دوامها بالشركه، و الثالث تجده بجوار فراشها مساءا، لا تدرى متى يكتب كلماتها؟ و كيف بكل حرف من كلماته يتدفق احساس يغرقها و يذيب اعماق قلبها بعشقه اكثر.

هى مريضه به و ليست بقادره على الشفاء منه، حاولت كثيرا تجاهله، تقطيع خطاباته، اهمال اهتمامه و لكنها لم تستطع. و في المقابل حاولت نسيان ما فعل، الثقه به مجددا، مسامحته و ترك الماضى و لكنها ايضا لم تستطع..

فكلما مرت بخيالها لحظه حزن تمر امامها لحظات سعاده مفرطه، كلما تذكرت جرحه لها تذكرت عشقه الذى ابداه لها كما لم يفعل رجل، كلما تألمت لمنح اخرى اسمه تندمل الامها عندما تتذكر كيف كان يتجاهل الاخرى و يتوه بها..
هو رجل معقد و عقد قلبها و عقلها معه، ارتدت ملابسها و خرجت لتجد رسالته على الارض فحملتها و وضعتها بالحقيبه و اتجهت للشركه، قابلت مها في طريقها لغرفتها فتقدمت منها: صباح الخير يا مها..

اشارت مها بابتسامه صباح النور.

توطئت علاقتهما بعدما تجاهلت كلا منهما غلطه اخيها بحق الاخرى، فهبه صُدمت تماما فور علمت بما فعله محمود و كانت اكثر من وبخه و وجه اليه اللوم التى تدرك انه يضرب به نفسه يوميا فعيناه ما زالت تعكس حبه الذى ضيعه بيده، و كذلك مها لم تعد علاقتها بمعتز كالسابق فكلا منهما يعتمد ترك الاخر حتى يهدأ و بالتالى لا يتقدم احدهم، و مها و هبه لن يخسرا ما بينهما من صداقه لمجرد ان اشقائهما اغبياء..

دلفت كلتاهما للغرفه و تناولا القهوه سويا ثم نهضت هبه تجهز اوراقها متحدثه بتوضيح: عندنا presentation متنسيش، العرض بتاعك جاهز..

اومأت مها موافقه فتركتها هبه و خرجت دلفت لغرفتها و جلست، اخرجت رسالته الصباحيه التى بداها بتحيته المعتاده و لكن فحوى الرساله لم يكن كلمات منه و انما كلمات من اغنيه ربما تصف ما يشعر به تجاهها او ربما ما فعلت من اجله صباح الورد يا فله حياتى، المره دى الرساله مختلفه، انا عايزك تسمعى الاغنيه دى و اكيد هتفهمى انا عاوز اوصلك ايه؟، و اه بحبك.

انهت قرائتها و اخرجت القرص المدمج و وضعته بالجهاز امامها لتنساب كلمات الاغنيه بهدوء و صوت الطفل يخترق قلبها..
انا حدا عادى متلى متل باقى الناس
مافى شى زياده و عم ابنى لحياتى اساس،
انا حدا عادى متلى متل باقى الناس
مافى شى زياده وعم ابنى لحياتى اساس،
ليش بعيونك عم شوف العكس!
كأنى اهم و انجح شخص
و بالدني ما في غيرى، بالدنى ما في غيرى، بالدنى ما في غيرى، غيرى وبس
اللى عندو متلك بحياتو من شو يعنى بدو يخاف.

حبى اللى منك انا شفته مانو حكى و تحريك شفاف
اللى عندو متلك بحياتو من شو يعنى بدو يخاف
حبى اللى منك انا شفته مانو حكى و تحريك شفاف
بكره الايام بتثبتلك انى قد الثقه،
و ان الاحلام بهى الدنى خلقت لنحققا
بكره الايام بتثبتلك انى قد الثقه،
وان الاحلام بهى الدنى خلقت لنحققا
انى بشبه كلامك، حبك و اهتمامك
وعد منى ايامك بالسعاده غرقااا..
اللى عندو متلك بحياتو من شو يعنى بدو يخاف.

حبى اللى منك انا شفته مانو حكى و تحريك شفاف
انا حدا عادى متلى متل باقى الناس
مافى شى زياده و عم ابنى لحياتى اساس
انا حدا عادى
توقفت الكلمات و معها دفنت هبه رأسها بين يديها تصرخ بصوت تكتمه بين طيات ملابسها: ربنا يسامحك يا معتز، ربنا يسامحك..
سامحينى و هندعيه سوا يمكن يسامحنى..!

انتفضت واقفه على صوته و هو يغلق الباب ليدلف و يقف امامها فنهضت مسرعه و جففت دموعها واقفه بصمودها المعتاد امامه فما فعله بها لا يُنسى بسهوله هكذا، لقد كسر قلبها مره و لن تتحملها هى مره اخرى..
اقترب منها و احتضنها من الخلف كعادته التى حتى رغم امتناعها دائما لا يتخلى عنها هو و همس و حقا روحه تشتاقها: وحشتينى يا فله..

دفعت يده عنها مستديره بغضب و قالت بحده و جديه: اولا ياريت تحترم المكان اللى احنا واقفين فيه، ثانيا انت مين سمح لك تدخل المكتب هنا بدون اذنى؟، ثالثا انا اسمى هبه، مدام هبه و مبحبش الدلع، ، ثم اعطته ظهرها لتتحرك باتجاه مقعدها صائحه: و ياريت تتفضل علشان عندى شغل.

اقترب منها خطوه غير مدرك انه بهذا يضغط على اعصابها بشكل اكبر يحاول التحدث معها و لكنها لم تعد تمنحه الفرصه حتى لهذا: هبه ارجوكِ بقى، كفايه انتِ..

نهضت و هى تصيح بغضب و دموعها اعلنت التمرد و تساقطت تباعا: انا اكتفيت منك، انا راهنت نفسى عليك و خسرت الرهان، انت خسرتنى يا معتز، واجهت الكل و وقفت في وش اعز الناس ليا و قولت هنجح و هيتغير بس انت اثبت انى غلط و كل اللى حذرونى منك كانوا صح، اثبت ان مفيش راجل زيك بيحب بجد، انا كنت بالنسبه ليك تجربه جديده، فقولت تجرب، ،.

اقتربت منه و همست بضعف و ألم قلبها يُعلن نفسه: انا حبيتك من و انا عندى 19 سنه، حبيتك من اول يوم شوفتك، لما اتقدمتلى كانت الفرحه مش سيعانى، كنت حاسه ان حلمى اتحقق، انى بقيت السندريلا اللى لقت الامير بتاعها، بس انت اثبتلى ان سندريلا مجرد قصه، مجرد حلم لا يمكن يتحقق..
ركضت للخارج مسرعه تاركه اياه يدرك انه على وشك خساره ما يعيش لاجله الان، و لكن كفى، و لكل ذى حق حقه، و حان وقت رد الحقوق..

كانت سلمى نائمه بجوار امجد على الاريكه الخارجيه يشاهدون احد الافلام سويا فضمها اليه اكثر هاتفا بمرح: ايتها المتمرده...
ابتسمت سلمى و قد اشتاقت بالفعل لمشاعره و كلماته التى بات يمطرها بها اكثر من قبل، رفعت رأسها اليه و رفعت احدى حاجبيها تجيبه بنفس المرح: نعم يا دكتور.
ضحك يغمزها هامسا بغموض بجوار اذنها: عندى ليكِ مفاجأه.!

اعتدلت مسرعه و جلست القرفصاء امامه مبديه حماسها و هتفت بفرحه: بجد بجد، ايه هى؟
عقد حاجبيه استهزاءا و تمتم بسخريه: اعتقد ان محدش قالك يعنى ايه مفاجأه!
زمت شفتيها بغضب فاقترب سارقا حصته اليوميه منها لتذوب معه في اكتساحه المهاجم دائما حتى تركها و تحدث بتنهيده و هو يستند بجبينه على جبينها: عاوز نقضى شهر عسل تانى..
ضحكت و لكنها حاولت اخفائها مستنكره ما قال مردده: شهر عسل تانى؟ دا اللى هو ازاى؟

داعب انفها بيده يوضح معنى كلماته و يسرد لها ما فعله: حجزت لنا شاليه في شرم نقضى شهر محترم نستعيد فيه الذكريات اصل انا نسيتها..
عقدت حاجبيها بدهشه و تحدثت بجديه من فرط حماسه لم يلاحظها: حجزت؟ و شهر؟ امتى و ازاى؟
ضمها اليه مجددا و اجابها و هو يتناول بعض حبات العنب بجواره: نزلت النهارده قدمت اجازه مرضيه شهر و حجزت و قولت اعملها لك مفاجاه..

دفعته عنها ناهضه بضيق و هتفت بحده هجوميه: ازاى تعمل كده من غير ما تاخد رأيى يا امجد؟
عقد ما بين حاجبيه مع انحناء شفيته بابتسامه متعجبه و اندفاعها هذا يثير ضيقه: ايه المشكله يا سلمى هنقضى يومين حلوين و نغير جو و حبيت اعملها لك مفاجأه!؟
زفرت بقوه عاقده يديها امام صدرها و زاد اندفاع حده تنظر بعيدا عنه: و انا مش موافقه يا امجد..!

نظر اليها قليلا يحاول استيعاب ما قالت ثم نهض واقفا اامامها متسائلا باستنكار و هو لا يجد مبرر لاندفاعها، ضيقها و رفضها: مش موافقه! ليه يا سلمى ايه المانع؟
تلعثمت قليلا و فركت يديها بتوتر و ارتباك لاحظه هو ليعقد حاجبيه بشده و تسائل مجددا: فيه ايه يا سلمى انتِ مخبيه عنى حاجه؟ مالك؟

حاولت استجماع نفسها فهو لن يمرر فعلتها بسلام، اى كان مبررها لم يكن يجب عليها الموافقه، اخطأت هى و الان لن تستطيع اخباره بالحقيقه، ماذا تفعل و كيف تبرر؟

راقب هو ارتجافه عينها و التى لا تصيبها ابدا مهما كان ما يحدث مما يدل ان هناك ما لا يعرفه او ربما ما اخطأت به، ازداد انعقاد حاجبيه من توترها الذى نادرا ما يراها به، حتى رفعت عينها اليه و بتشتت اردفت: عندى شغل يا امجد مش هينفع اسافر، في صفقات جديده في الشركه الفتره دى، و اكرم مش هيوافق باجازه تانى انا زودتها.

اوقفها رافعا كفه امامها بدهشه قائلا بسخريه: انتِ عاوزه تقولى ان شغلك اللى هيمنعنى من انى اخد مراتى و اسافر..
هاا، اخيرا وجدت طرف خيط لتتمسك به انكمش وجهها غضبا و قالت بدفاع يعلم جيدا هو مدى تعلقها و حبها لعملها و لن تسمح بتهميشه: بلاش تستهون بالشغل يا امجد انت عارف هو مهم عندى قد ايه.
اشاح بيديه بغضب متسائلا بذهول و متوقعا الرفض، الاعتذار: اهم منى يا سلمى؟

لا، يبدو ان الامر خرج من يدها، لا اهدأى، ابتسمت بتوتر و امسكت يده هامسه بهدوء: ممكن بس تسمعنى، انا معنديش اهم منك بس صدقنى انا بجد عندى شغل و الله مش هقدر اخد اجازه دلوقت..
ترك يدها مبتسما محركا رأسه لاعلى و لاسفل عده مرات متتاليه و صاح بغضب تاركا اياها مع رفضها تتلوى ندما: براحتك يا سلمى، اعتبرى الحجز اتلغى..

و تركها و دلف للغرفه مغلقا الباب خلفه بقوه جعلتها تنتفض مكانها فوضعت يدها على وجهها بارتباك: ايه اللى عملتيه ده يا سلمى؟ هتعملى ايه دلوقتى يا مجنونه؟

طُرق باب غرفه حنين فنهضت و فتحت هاتفه باعتياد: ادخلى يا حياه..
فُتح الباب فجأه فارتبك مازن و هو يقول بهدوء: انا مازن يا دكتوره..

انتفضت حنين و كادت تغلق الباب بوجهه لانها كانت تجلس بمنامتها البيضاء ذات اكمام قصيره و بنطال يصل اسفل الركبه بقليل و خصلاتها لاعلى و لملمتها بتبعثر، و لكنها لم تستطع اغلاقه فوقفت بارتباك لعله يرحل تاركا اياها تبدل ملابسها على الاقل و ادرك هو ذلك و لكن ان كانت ستظل امراته فيجب عليها الاعتياد على وجوده بأى وضع كانت، لان انتفاضتها هذه تجعل قلبه ينتفض معها و هو لا يريد هذا، لذلك رفع يده بورقه ما ملفوفه بصوره دائريه هاتفا بصوت رخيم: عاوز اتكلم معاكِ..

ارتبكت و تصاعد خجلها لاقصى حد فدفع هو الباب بهدوء دالفا للغرفه فاتسعت عينها بذهول و اضطرت آسفه للدخول هى الاخرى و لكنها كادت تصفعه لدخوله المفاجئ هذا، جلس على الفراش و قال بجديه: انا عارف ان انتِ كنتِ عاوزه تشتغلى، فارس كان اتكلم معايا في الموضوع ده، و طبعا اكيد عارفه وجهه نظره فيه و انه كان رافضه، بس انا عكسه تماما، انا شايف ان طالما دى رغبتك يبقى حقك تشتغلى بدراستك و مجهودك..

اخذ نفسا عميقا و اخرج بطاقه خاصه بمكان ما و اعطاها لها يشرح ما يقصده و خاصه مع انعقاد حاجبيها بعدم فهم: اتفضلى، دا الكارت بتاع شركه ادويه بيشتغل فيها واحد صاحبى تقدرى تروحى تشوفى الوضع و لو اقتنعتِ تقدر تقدمى و تبدأى شغلك، انا هكلمه وتقدرى تروحى في الوقت اللى تحبيه..
اخذت البطاقه من يده و همست بحماس: انت بتتكلم جد؟!

اومأ براسه موافقا فاتسعت ابتسامتها و هى تعيد خصلاتها خلف اذنها فتابع هو حركه يدها و يا ليته لم يفعل، حسنا هو يريد منهاا الاعتياد عليه كأخ مثلما اعتادت حياه و لكن يبدو انه هو من لا يراها كأخت له، تحركت عينه على ملامحها الضاحكه بفرحه و هى تقرأ البيانات المكتوبه على البطاقه بيدها، ثم عنقها الذى تداعبه عده خصلات متطايره بعبث، لينخفض لمنامتها التى تحتضن جسدها بحريريه اصابته في مقتل فاللون الابيض يمنحها اطلاله رائعه، ساحره و مغويه..

اغلق عينه و هم بالنهوض و لكنه تذكر اللوحه بيده و عندما هم بالتحدث مجددا كانت هى بسابقه له عندما نهضت خلفه هاتفه بسرعه: ممكن ثانيه..!
جلس امامها مره اخرى فحمحمت هى تتكلم بهدوء: انا اكيد هروح لانى فعلا حابه جدا اشتغل بشهادتى، بس ياريت متكلموش حاليا، يعنى ممكن بعد فتره كده..

عقد حاجبيه و شبك يديه امامه متسائلا بنبره هادئه على عكس نبضاته التى تخونه كلما كان بجوارها: فتره قد ايه يعنى؟ يوم او يومين على ما تفكرى!
هزت رأسها نفيا فضم هو يديه محاولا تجاهل مدى برائتها المسيطره التى تلاحقه ثم هتفت بابتسامه: لحد ما حياه تخلص مسابقتها و ان شاء الله تنجح و تتعين في الشركه.
صمت قليلا يفكر ربما يصل للسبب لكنه لم يستطع فسألها بحاجه لتوضيح: و ايه السبب؟

نظرت ارضا و اجابته بخفوت بما هى مقتنعه به: لانها مشغوله جدا الفتره دى مينفعش انا كمان انشغل عن البيت هناا، غير طبعا مواعيد اكلك و الدواء مينفعش اهمل فيهم، فلما حياه تخلص المسابقه نوعا ما الضغط عليها هيقل و بالتالى اقدر اسلم ليها مهمتى و ابدء انا اشتغل..
حاول تمالك كم الاسئله التى انفرطت بين شفتيه و لكنه الجمها بقوه و نهض قائلا بلامبالاه مُدعيه: زى ما تحبى، عن اذنك.

نهض و لكنه توقف قرب الباب و استدار لها ليجدها تتطالع البطاقه بابتسامه رائعه فنادى باسمها: يا دكتوره..
استدارت له لينظر لوجهها قليلا ثم مد يده بالورقه المطويه بيده هاتفا بنبره حانيه: الورقه دى كمان هديه علشانك..
نهضت واقفه قبالته مردده بتعجب خالطه بعض الضيق: هديه! ليا انا!

اومأ موافقا فاخذتها منه و لكنه لم ينتظر حتى تراها بل اغلق الباب خلفه و خرج، وقف امام الباب زافرا بقوه مغمغما يلوم نفسه و يأنبها: احساس قاسى قوى يارب..

اما بالداخل فجلست على الفراش و قامت بفتح الصوره لتتسع عينها بصدمه و هى تراها ثم ابتسمت بسعاده مفرطه و ضمتها لصدرها بقوه فلقد قام بترميم تلك الصوره التى اهداها فارس اياها و التى مزقها عاصم على ارضيه غرفه فارس يوم اراد اعادتها للواقع و الان اعطاها اياها مازن فأعاد لها جزء من الحياه التى لن تعد الا بعوده فارس و بالتالى لن تعد ابدا، و لكن هى مكتفيه بذلك الجزء فقط، حقا يكفيها...

كانت جنه جالسه بالحديقه الخارجيه، تنظر للعشب امامها بشرود مرت ايام، اسابيع و هى لم ترى عاصم، لم تحادثه و لا تعرف عنه شيئا...
تهاتفه يوميا لعله يجيبها و لكنه لا يفعل، تسأل الجميع عنه و لكن لا يعرف احد شيئا، تعرف ان اكرم يعرف و لكنه لا يريد اخبارها فقط يطمأنها انه بخير..
اين هو؟
هل سيتركها حقا، هلى سيتركها حتى يتحرر اسمها و شخصها منه، لتعود مجددا لتكون جنه ماجد الالفى..

كيف يتركها دون ان تعطيه حبها و تتلقى حبه، كيف يتركها دون ان تروى عطش رجولته و يزهر هو زهره انوثتها، كيف يتركها و هى لم تخبره بعد الا اى مدى روحها معلقه فيه و بيه!؟!
بأى حق يتركها؟
بأى جرأه يتخذ عنها قرارها؟
من هو ليمزق قلبها مجددا، من هو ليحرمها منه، من هو حتى فعل ما فعله؟
ارادت حبه، حضنه، حتى خووفه و غضبه كانت راضيه و لكنه القى باليمين و تركها.

فقط لتراه و لن ترحمه من اسألتها حتى يخبرها بأى حق يفعل بها ما فعل؟
قاطع افكارها صراخ سلمى خلفها فانتفضت بفزع و نظرت لها لتجد انها ليست سلمى فقط بل و حنين و مها و شذى ايضا، ابتسمت ونهضت مرحبه بهم و صاحت بدراميه: خيرا، اى رياح عاتيه القت بكم الى هنا؟
سخرت سلمى كالمعتاد: رياح و عاتيه؟ الاتنين سوا!
ابتسمت حنين و همست بمشاغبه: جايين نقعد معاكِ و نفرحك و نفرفشك و نقوم بالواجب المطلوب..

هذه المره كانت السخريه من نصيب جنه و التى اصدرت صوتا ساخرا تبعته بقولها: مسسسم، دا على اساس ان النهارده فرحى، انا بقيت طليقه عاصم، فاهمين؟
امسكت مها يدها و جذبتها و استدارت حنين من الجهه الاخرى لتحتضن يدها الاخرى وسارت سلمى خلفها و قالت عابثه: فاكرين يوم المزرعه و اغنيه بتنادينى تانى ليه؟

ابتسم جميعهم متذكرين جنونهم و الذى انهاه عاصم متمما عمله كظابط و لكنه كان كظباط الاداب و قد امسكهم متلبسين، تعالت ضحكاتهم مع استعاده بعض من مشاكساتهم السابقه حتى دلفوا للمنزل لتتفاجئ جنه بجميع العائله حضور..
نظرت للجميع بدهشه فمتى اجتمعوا و هى بالمنزل طوال اليوم، أخلال ساعه جلستها بالخارج، حضر الجميع، كيف؟ و لماذا؟

نقلت بصرها بينهم و الامر العجيب ان الكل يضحك و الفرحه كبيره فتمتمت بذهول: مش معقول تكونوا جايين تحتفلوا بطلاقى؟
انفجر الجميع ضحكا و لكن هى لم تكن تمزح فهى اعتادت من الجميع الفرح بألامها و هذا ما خُيل لها الان، اقترب اكرم منها و حاوط كتفها بيده هامسا بجانب اذنها: هو في مناسبه اسعد من كده؟
نظرت اليه بحزن و دهشه: هو طلاقى مناسبه سعيده؟
ثم ابتعدت عنه و همست بخفوت: انا...

اقتربت سلمى منها ضاحكه و اكملت جملتها بدلا عنها: عاوزه تشربى.
نظرت اليها جنه بتعجب و نفت محركه رأسها يمينا و يسارا، قاطعتها حنين و هى تدفعها باتجاه المطبخ: لا عاوزه تشربى صدقينى..
و استمرت بدفعها حتى دلفت جنه للمطبخ و هى في قمه تعجبها، استندت على الطاوله الرخاميه بظهرها هامسه بصدمه: معقول كله جاى يحتفل بطلاقى؟، ثم اختنق صوتها و هى تردد: هو ايه اللى بيحصل؟

و فجأه شعرت بأحد ما خلفها و قبل ان تستدير كبل حركتها تماما واضعا يده على فمها ملصقا ظهرها بصدره و اخذت هى تعافر و لكنها استسلمت سريعا و اغلقت عينها..

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 6 من 17 < 1 10 11 12 13 14 15 16 17 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 2072 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 1523 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 1549 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 1396 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 2610 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، السندريلا ،











الساعة الآن 05:14 PM