رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثاني والثلاثون
ان اغرب شئ في هذه الحياه يا صاحبى، ان الناس السيئين لا يموتون، يعيشون اكثر مما يجب لكى يفسدوا حياه الاخرين. عبد الرحمن منيف تلك السيدتان، الاولى كارثه بكل ما تحمله الكلمه من معنى و الاخرى اشادت بكارثيتها فاقتربت علها تستفيد، اخذت نجلاء تقطع الغرفه ذهابا و ايابا و هى تهتف بحده غاضبه: سابها على ذمته لا و في بيته كمان!
نهضت الاخرى لتقترب منها قائله بسخريه: و انتِ من امتى بتنجح خططك؟، على حسب ما حكيتِ ليا، في الاول قولتِ لابوكِ على وجود جنه في بيت اخوكِ علشان يقتلها او يطردها لكن فشلتِ و في الاخر عاصم اتجوزها، عملتِ فضيحه لحياه بنت عبد الرحمن علشان يقتلها و تاخدى حقك منه لكن ببساطه بعدها اتجوزت و مين! مازن الشرقاوى، قولتِ تدمرى حياتها و حياه جوزها و حياه حنين بالمره و عملتلهم الفضيحه لكن في الاخر لا حياه اتطلقت و لا حنين اتقتلت و لا حتى اتفضحت و انتهى الموضوع بجوازهم، خليتِ راجل يهدد سلمى علشان جوازتها تتفركش و اهو الدكتور عجل جوازهم و لحد دلوقت من عارفه تاذيها لان جوزها واقف في ضهرها و متخلاش عنها، حرضتِ حبيبه ابنك القديمه عليه و شجعتيه يتجوزها و خلتيه يخدها شقته علشان تفركشى علاقته بمراته و في الاخر اهى عايشه معاهم لا و البنت التانيه تتصل تشتكى من انه مش عاملها اى اعتبار، و دلوقتى خليتِ شويه عيال يضربوا عاصم و يعموه علشان تكسريه و تكسرى اخوكِ و استفرد انا بجنه لكن في الاخر حتى و هو اعمى متخلاش عنها، قوليلى امتى بقى نجحتِ في خطه؟
استدارت نجلاء بعنف تحرقها بنظراتها ومعها تزلزلها بغضب صوتها و نبرتها العاليه: كووووثر، انتِ نسيتِ نفسك و لا ايه؟، لا فوقى، دا انا نجلاء..
اتجهت كوثر لمقعدها مجددا و اشعلت سجائرها تنفث دخانها متجاهله تلك المشتعله بجوارها: لا منستش بس كمان تهورك و المشاكل اللى ورا بعضها دى صدقينى هتوقعك انتِ اول واحده، يمكن موت فارس نجحتِ فيه لكن بردو رجاله العيله وقفوا جنب بعض، انا بس بقولك احذرى لان النهايه لو جات عليكِ هتبهدلك، نظرت اليها نجلاء بغضب تلعن ذلك اليوم التى وافقت على صداقتهم: انا غلطانه انى حكيت لك كل اللى انا عملته قبل كده..
ابتسمت كوثر و اضافت بسماجه: عدو العدو صديق و انا و انتِ هدفنا واحد يمكن انتِ هدفك اكبر لكن انا كسره ابن الحصرى عندى كفايه، انا بقول كده لمصلحتك انتِ... رمقتها نجلاء بضيق و تركت الشقه و خرجت مسرعه و الشياطين تتراقص امامها، عادت للمنزل لتجد عز و ليلى في غرفه المعيشه و معهم معتز و اكرم...
كان معتز اول من هاجمها فهى الوحيده التى شجعته و كانت تعرف و بجواره في زواجهم الثانى: انتِ ازاى تخبى عنى كل اللى حصل دا يا ماما؟ تعلقت عينها به تدعى الجهل بسذاجه: ايه اللى حصل؟! هتف معتز بحده: جواز مازن التانى، سجن جدى و حادثه عاصم..!؟ ابتسمت ببرود و هى تمنعه عتابها بابتزازه لينهى الموضوع و يصمت: هو انت كان حد عارف يوصلك بعد اللى عملته؟
اضطرب معتز و تنهد بقوه مغيرا مجرى الحديث و قال لعز يطمئنه على ما طلبه منه: انا مش عاوز حضرتك تقلق على الشغل انا هعمل كل اللى اقدر عليه ان شاء الله. اومأ عز فنهض معتز و استأذن منهم و رحل، نظر اكرم لنجلاء موجها حديثه لعز: مش انا زرت الحاج امين النهارده.. نظر اليه عز و نجلاء بترقب فأردف: التحقيق لسه مستمر، و شكله مطول.. اقترب من عز يُكمل بنبره جديه: بس في مشكله وصانى اقولها لك يا عمى..
استمع عز بتركيز: مشكله ايه؟ نظر لنجلاء بطرف عينه: الاراضى في الصعيد عليها مشاكل كبيره و خاصه الارض بتاع عمى اسامه و ممكن لا قدر الله تضيع من ايدينا ف... نهضت نجلاء بفزع مقاطعه اياه: تضيع يعنى ايه؟ انا مش هسمح بكده ابدا، انا هسافر الصعيد و اتابع الموضوع بنفسى.. كاد اكرم يبتسم و هتف ببراءه: ميصحش يا نجلاء هانم تروحى انتِ هو قالى اقول لاستاذ عز يهتم بيها و يضمها لارضه احتياطى.. شهقت بذعر: لااا...
تابعها عز و ليلى بتعجب للهفتها و لكن من فرط توترها لم تلاحظ و هتفت باصرار: لا انا هسافر، عز مشغول هنا في مشاكل ولاده و اسامه مش جنبنا للاسف، انا هكتبها باسمى لو زادت المشاكل بس ان شاء الله هنهى كل المشاكل عليها، عز فيه اللى مكفيه، انا هسافر بكره الصبح.. و تحركت من امامهم مسرعه باتجاه غرفتها فنظر عز لاكرم متسائلا بدهشه: ايه الكلام ده يا اكرم؟ ارض اسامه اصلا مكتوبه باسمى من زمان..
ابتسم اكرم، حقا الطمع يفعل الكثير: بس الكلام ده حضرتك و الحاج امين بس اللى عرفينه، لكن مدام نجلاء لأ.. ثم نظر للغرفه التى اختفت خلفها نجلاء و تمتم بتوعد ان يأخذ منها حق كل من اذته و خاصه والدته: الصبر يا عمى كل حاجه هتظهر بس محتاجين شويه صبر...
دلفت مسرعه للغرفه دون ان تستأذن حتى فنهض هو جزعا: ايه في ايه؟ جلست بجواره و تمتمت بابتسامه طفوليه بالطبع مصطنعه: انا اسفه.. نظر اليها امجد بطرف عينه ثم قلد اياها ساخرا بكوميديه: انا اسفه... ثم اعاد لصوته خشونته يردف: هو دا اللى ربنا قدرك عليه، مفيش طبق مايه بملح كده احط فيه رجلى و تقعدى قدامى كده و تقوليلى... وضع يده بخصره و عبث بصوته ليُحاكى صوتها الناعم: حقك عليا يا سى امجد..!
وضعت يديها الاثنتين بخصرها و شهقت بصوت قوى نسبيا متخذه وضعيه مسترجله: نعم يا سى امجد عايزنى اعمل ايه؟ ضرب بيده على جبينه و هتف و هو يحرك رأسه بقله حيله و خيبه امل: انا اوقات بحس انى متجوز سالم مش سلمى و الله. فصرخت به بغييظ: امجد..! فمال عليها قليلا يشاغبها: عيونه، قلبه، عقله اللى خلاص جننتيه.. فوكزته بكتفها و قالت بدلال و هى تحرك كتفها بليونه: بس بقى..
ثم نظرت لعينه قليلا ثم تحدثت بجديه تخبره عن حزنها لاحزانه: انا اسفه متزعلش منى انت عارف انى برمى دبش لما بتعصب و المشاكل في العيله بتخلينى متعصبه و متوتره عالطول.. فامسك يدها مقبلا اياها هاتفا بحنق: بس دبشك بقى كتير و بيوجع، ها بيوجع. ضحكت برعونه تجيبه: مهو بيلف يلف و يرجعلى في الاخر.. ضحك جاذبا اياها لتستند برأسها على صدره فتمتمت بتردد: ممكن اقول حاجه؟
همهم و هو يستند بذقنه على خصلاتها يسحب بعضا من رائحتها فهمست بصوت وصله بوهن: انا عاوزه اعمل تحاليل.. انتفض جالسا فنهضت هى الاخرى: تحاليل ايه؟ انتِ تعبانه؟ حاوطت وجهه بيدها و استقرت عينها بعينه تعرف انه سيرفض و لكنها ستصر: لا مش تعبانه، انا كويسه، بس.. تاهت عينها بعيدا عنه و ظهر التوتر جليا على وجهها، فرفع وجهها اليه و همس امام عينها يحثها على الاستمرار: قولى يا سلمى في ايه؟
تمتمت بتلعثم و هى تنظر اليه لتجده مترقبا لما ستقول و بعينه نظره متلهفه، قلقه و مشجعه، فتماسكت: تحاليل علشان الحمل..! عقد حاجبيه استغرابا فأردفت مسرعه تثنيه عن الرفض: انا الموضوع ده شاغلنى من فتره يا امجد احنا قربنا نكمل سنه و لسه مفيش حمل خالص، انا قلقانه وع... وضع يده على فمها مقاطعا اياها يتحدث بعمليه غير متعجلا: لسه بدرى يا سلمى، و بعدين كل شئ بأوان يا حبيبتى..
ابعدت يده عنها و نظرت للفراش بحزن و تمتمت و هى تخاف اقصى الخوف من ان تكون معيبه: طيب ايه المشكله انى اطمن؟ انا خايفه اكون... قاطعها مجددا و لكن بحده نسبيه: سلمى، بلاش توهمى نفسك و تخوفيها على الفاضى، لسه بدرى يا سلمى... امسكت يده و هتفت بترجى: بالله عليك يا امجد، انا كده هطمن بالله عليك..
اغلق عينه لحظات ثم جذبها مجددا لتستلقى و رأسها على كتفه: سلمى انسى الموضوع ده خالص دلوقت و عاوزك مطمنه على الاخر و ان شاء الله مش هيبقى غير كل خير... زفرت بقوه فضمها اليه اكثر و هو يفكر في سبب قلقها المفاجئ هذا و في الواقع لقد نقلت عدوى القلق اليه فهو يدرك مدى عشقها للاطفال و في الحقيقه مدى عشقه اليهم ايضا...
أعرف مسبقا ان الكتابه عنك شئ محكوم بالفشل مهما حاولت، امرأه مثلك يستحيل تحويلها الى ابجديه، امرأه مثلك أكبر من ان تُعتقل في نص، امرأه مثلك أكبر من ان تُحبس بين فاصلتين، لا يمكننى تحويل العطر الى لغه مهما حاولت، العطر يُشم و لا يُكتب...! اقتباس.
جلس معتز بغرفه الاستقبال واضعا يده على رأسه يفكر فيما اخبره اياه عز، فيما منحه اياه من مسئوليه، لم يعتادها من قبل و يخشاها، يخشى الفشل و لا مكان له حتى و لكن لا ثقه لديه في نفسه بالنجاح. اقتربت هبه منه و جلست بجواره تتسائل بخفوت: مالك يا معتز؟
نظر اليها و ابتسم و لسبب ما لم يستطه اخبارها بخوفه ربما لانه يرى بينه و بينها الان مائه حاجز يمنعها الوثوق به او ربما بثه الثقه: متشغليش بالك يا فلتى انا كويس. و بدون جدال وافقته: لو مش عايز تقولى براحتك انا بس حبيت اطمن عليك ربنا ييسرلك كل امورك.
نهضت لتدلف لغرفتها و نهض هو ليلحق بها و امام باب الغرفه خرجت سالى من غرفتها و استندت على باب الغرفه واضعه يدها بخصرها متمتمه بسخريه: النهارده هتنام عندى، مهو مش كل يوم عندها.. اغلق عينه و جز اسنانه بقوه ففوجئ بسالى تمسك بيده لتصطحبه لغرفتها مغلقه الباب بوجه هبه التى ابتسمت بسخط على ما وضعها و وضع نفسه به من حال، دنئ..
اجلسته سالى على الفراش وجلست بجواره تتصنع الضيق: في ايه يا ميزو ليه بتعمل معايا كده؟، اعطته ظهرها و هتفت بحزن مصطنع: انت معنتش بتحبنى زى الاول؟ عقد حاجبيه متسائلا، حب؟! هو عاش طوال عمره يبحث عن معنى الحب و عندما وجد هبه وجد اجابته.. فببساطه الحب بالنسبه اليه يتلخص في اسمها، لا يستطيع حتى المقارنه كما كان يفعل من قبل، فاحساسه يمنحه كل الاجابات كامله.
اقتربت سالى منه و وضعت يدها على كتفه هامسه بشغف تستدعى شغفه القديم: نفسى ترجع ميزو بتاع زمان، نخرج، نسهر، نشرب سجاير، نتمشى سوا و دلوقت بقى في ايدينا حاجات اكتر، ليه بقيت جد و ملل قوى كده. ترك كل هذا و استدار لها و نظر اليها قليلا يفكر ثم سألها يريد الوصول لنقطه ما، مقارنه ربما و لكن المغزى يختلف: عايز اخد رأيك في حاجه..؟
اومأت بحماس فأردف محدقا بها بجديه: خالى عايزنى انزل امسك فرع الشركه بدل عاصم الفتره دى، ايه رأيك؟ ضحكت بسخريه تكتم فمها كأنها القى مزحه: انت و شغل و شركات! انت طول عمرك عنوان الفشل يا ميزو و لا نسيت؟ ابتسم و همس يغريها او ربما يرى الى اى مدى قد تغيرها الاموال: بس كله بحسابه.!
هتفت بحماس و قد اتسعت عينها تلمع: نشتغل و ماله، طالما فلوس كتير و منصب كويس ايه المشكله، بس انت هتنجح و لا لا مش عارفه الصراحه.! تابعها بتفحص و اجابها و قد بدأ يصل لما يريده منها: بس هبقي مشغول تقريبا 23 ساعه في 24 ساعه هتستحملى؟ عبست و تمتمت بضجر: يعنى هفضل محبوسه هنا و مش هنتفسح و نخرج...؟
حرك رأسه يمينا و يسارا دلاله النفى، فأكملت بزمجره: لا انا عاوزه اخرج و اتفسح، مش مهم عندى الشغل المهم انى ابقى مبسوطه و مرتاحه و لا ايه؟ ضحكه صغيره فارقت شفتيه و اومأ موافقا و نهض يحدثها: اه طبعا، نامى انتِ انا عندى شويه شغل هخلصهم و اجى. هتفت بتزمر و هى تنظر لما ترتديه من قميص ملفت و اعدادها لليله لن تُكرر و ها هو يخبرها انه لم يأبه: انام!، ثم شغل ايه دلوقت؟!
و هو بالفعل لم يأبه، بل لم يجيب و خرج مغلقا الغرفه خلفه، و استكمالا لما يفعله اتجه لهبه و فتح الباب بهدوء و دلف، اعتدلت جالسه و نظرت اليه: خير يا معتز؟ جلس بجوارها على الفراش متربعا و قد حان دورها في الامتحان خاصته: عايز اخد رأيك في موضوع مهم؟ اعتدلت مستمعه اليه بتركيز و هو يتحدث: خالى عز عاوزنى امسك الشركه مكان عاصم الفتره دى لحد ما يقوم بالسلامه، انتِ ايه رأيك؟
صمتت قليلا تفكر و ترتب كلماتها ثم نظرت اليه لتحتويه امواجها الهادره دائما لتتعلق عينه بها طوال حديثها: بص يا معتز انا شخصيا بثق فيك و عارفه انى متجوزه راجل وقت ما يعوز يعمل حاجه بيعملها، واثقه في قدراتك جدا و عارفه انك لو وجهتها لصالح الشركه هتنجحها و يمكن اكتر من عاصم نفسه كمان.
و تعجب مدى ثقتها به رغم معرفتها بمدى استهتاره و الذى ما زال فيه و الاثبات تلك التى تقبع بالغرفه المجاوره، و تسائل يعيد عليها ما سمعه من الاخرى: يعنى مش شايفه انى بقيت جد و ملل...!؟ ابتسمت بالمقابل و تمتمت باستنكار: جد و ممل!، ثم اضافت بثقه و فخر: لأ انا شايفه انك راجل يُعتمد عليه..
اتسعت ابتسامته و هو يرى فخرها به و الذى تقريبا لم يراه بعين احد من قبل و تسائل مجددا و هو يريد ان ترويه بثقتها ربما لانه يثق بها اكثر مما يثق بنفسه: بس لو بدأت هبقى مشغول طول اليوم تقريبا، اه هنكسب فلوس اكتر بس مفيش فسح و لا خروجات كتير و لا سهر، دا مش هيضايقك و هستحملى..!؟
امسكت يده متحدثه باحتواء و كل ما عدد لا يمثل بالنسبه اليها اى فارق: اولا انا مش فارق معايا الفلوس قد ما فارق معايا نجاحك، الفلوس بتيجى و تروح لكن النجاح و السيره الطيبه هى اللى هتفضل للواحد حتى بعد ما يموت، ثانيا انا لو هقعد معاك دقيقتين بس هبقى مبسوطه، اه هتضايق طبعا من غيابك طول اليوم و هضايق كمان ان مفيش خروج بس دا علشانك انت، هيبقى ارهاق عليك و انت هتبقى محتاج لراحه، غير انك مش بتلتزم بالدواء و الاكل فا الشغل الكتير ده انا هتضايق منه، انت ممكن تشتغل ساعتين مثلا شغل مكثف وترتاح بعدها ساعتين زيهم تاكل بقي او تخرج حتى لو لوحدك المهم تبقى انت مرتاح، ثالثا بقى مش مهم انا هستحمل او لأ المهم انت، لان لو انت مرتاح و مبسوط انا هبقى مبسوطه.
صمتت متوقعه سؤال اخر و تنتظر هى بترقب و لكنه ظل يحملق بعينيها تلك، التى صدقت كل كلمه قالتها، لحظات و مازال لا يستوعب ما الذى تراه به لم يراه غيرها من قبل..! لماذا هو شخص مختلف بنظرها؟! اقترب منها ليضم وجهها يخبئها بين ذراعيه بكل قوته حتى كادت تشعر باختناق و لكن لن تنكر انها استكانت، استكانت و كم كانت تحتاجه و استقر هو على رأسها يهمس بصدق كأنه يدعى و بالفعل قد كان: ربنا يديمك في حياتى نعمه.
استكانت له و هى تشعر باعياء نفسى اكثر منه جسدى.. لكم مره ستكتم انفعالاتها، لكم مره ستتمزق بيده و بيده الاخرى يداويها، يقتلها بالبطئ و هى كالبلهاء بقتله حتى مستمتعه، اللعنه.
No gain without pain اوراق هنا و هناك، هنا توقيع و هنا صفقات و هنا محاسبات قانونيه، يفتح هذا و يغلق ذاك، عقله رغم تشتته يعى و جسده رغم ارهاقه يتحمل.. فنجاحه هنا ليس نجاح لشخصه فقط و لكن نجاح لثقتها به، نجاح لنفسه بمرآه عينها...! مكسب لتحدى تلك التى اخبرته انه عنوان الفشل و اثبات لنفسه قبل الاخرى انه يستطيع النجاح ..
دق الباب ليُخرجه من تركيزه المطلق بالاوراق امامه سامحا للطارق - الذى يعرفه جيدا - بالدخول.. دلفت مغلقه الباب خلفها و تركت ما بيدها على الطاوله و ابتسمت على مظهره المبعثر قليلا.. جاكيت بذلته على ظهر المقعد، ربطه عنقه منحله ليتساقط طرفاها على جانبى عنقه، ازرار قميصه العلويه متباعده ليظهر من خلفها بشره صدره، شعره المشعث قليلا يخبرها جيدا انه من وقت لاخر يعبث به...
اتسعت ابتسامتها و هى تقترب منه لتدور حول المكتب واضعه يدها على كتفيه تمسده برفق هامسه: وقت الاستراحه يا معتز باشا... ابعد عيناه عن الملف بيده اخيرا ليرفع رأسه للخلف سامحا ليدها ان تسحب من جسده عناء اليوم كله مغلقا عينه متمتما بيقين: دائما في ميعادك..! زادت من ضغطها على كتفيه و همست بعتاب كأنها تعاقبه: و انت دائما ناسى ميعاد الدواء..!
ابتسم رافعا يديه ممسكا بكفيها ليسحبها بسرعه لتسقط فوقه مستنده بصدرها على ظهره و ذراعيها حول عنقه و قبل كلتا يديها هامسا بصدق مس قلبها: علشان عارف ان انا مش ههتم بنفسى قد ما انتِ هتهتمى بيها، و عارف و مأكد انى لو نسيت انتِ مش هتنسى.
جذبت نفسها من بين يديه و اتجهت للطاوله امام المكتب و جلست على الاريكه امامها فنهض هو فاردا يديه منحيا بظهره قليلا للخلف ثم تقدم منها جالسا بجوارها متسائلا باهتمام: لسه مخلصه شغل دلوقت؟ بدأت بفتح حافظه الطعام امامه و هى تجيبه: لأ خلصت و روحت البيت جهزت الاكل و جيت. نظر لجانب وجهها و شرد قليلا، بماذا يصف هذه المرأه! سؤال يسأله لنفسه كثيرا و لكن لا يجد الاجابه...!؟
يقولون النساء ضعفاء و لكن ما يراه بها من قوه يجعله يكذبهم، يقولون ناقصات عقل و دين و لكن ما يراه بها من كمال يجعله يقول ان كن هن الناقصات فكيف هم الرجال! يقولون تتغلب عاطفتها على عقلها دائما و لكن ما يراه من اتزان عقلى لدى امرأته تجعله ينبهر بها دونا عن جنس النساء. امرأه واحده منحته كل ما تمناه، كل ما بحث عنه، كل ما افتقده في حياته يوما...
هى له الأم و الأخت، هى له العون و الصديق، هى كانت و مازالت و ستكون زوجته و امرأته و لن يسمح هو بغير ذلك.. تمر الايام ليجد كل يوم يلومه، كل ساعه تعاتبه، كل دقيقه تحاسبه و كل فعل منها يجعله يندم، يندم على ما صدر منه، يندم على جرح عميق اصابها به و لكن ها هى مازالت معه، تهتم به، تساعده، تخاف عليه و تاتى اليه كل يوم بمكتبه هذا لتُشرف بنفسها على طعامه و دوائه و كل هذا يجعل ندمه يتضاعف و ذنبه يتعاظم..
فاهتمامها اسوء من اهمالها، صمتها اقسى من صراخها و عقلها اطيب من قلبها، قالها هو يوما، هى امرأه بكل النساء.. تلك هى امرأته، تلك التى تفكر بقلبها و تشعر بعقلها، تلك هى الهبه الذى بأفعاله يبعدها بدلا من الحفاظ عليها، تلك التى بصمته يخسرها بدلا من التمسك بها...
اتى هو بأخرى ليثبت لنفسه انه قادر على فراقها، ليجرح هو بدلا من ان يُجرح، ليتخلص من عقده الخوف التى تسيطر عليه و تتملكه خاصه مع وضعها لكبريائها بينهم... و لكن ما النتيجه؟ و ماذا جنى؟! لا شئ سوى جذبها لنفسها من حياته بالبطئ، قتلها له بإهتمامها الذى يثق تمام الثقه انها سيأتى يوما و تحرمه منه و هذا ما لن يتحمله ابدا...
تعلقه بها اكثر من قبل و لم يتلاشى خوفه بل ازداد، فرغم وجودها، قربها، و اهتمامها هو خائف.. فما بال ابتعادها، جفائها و غيابها يكون؟! و لا يعرف لما و لكنه يشعر ان العد التنازلى قد بدأ. افاق من شروده و دوامه افكاره العاصفه التى تُزلزل قلبه عندما وضعت يدها على ركبتيه: كل يالا علشان ميعاد الدوا..
ابتسم بوهن يحمل من ضعفه و خوفه الكثير ثم نظر للطعام لحظات وعاد للخلف دافعا بالملعقه اليها، نظرت اليه بتعجب فاتسعت ابتسامته تاركا قلبه يستمتع بعثه معها فرفع يده مشيرا اليها ثم للملعقه ثم للطعام ثم الى شفتيه و انهى اشاراته بعقد ذراعيه امام صدره و بعينه نظرات تتراقص عبثا...
ظلت تحدق بوجهه قليلا تحاول استيعاب ما يشير اليه رغم ادراكها لمعناه جيدا و لكنها ربما تحاول استيعابه هو، ذلك الرجل الذى يوما بعد يوم يصير رجلا يصعب عليها فهمه، لم يمنحها الفرصه لتشرد اكثر ففرقع اصابعه امام عينها المحدقه به و هتف بحرقه طفوليه: انا جعااان.. عقدت حاجبيها و همست بسخط: طب ما تاكل! امسك الملعقه و وضعها بيدها و قربها من الطعام آمرا بمشاكسه: أكلينى يا فله..
حاولت جذب يدها لتعانده و لكنه تشبث بها متمتما بشرود حزين لامس قلبها المكلول ليُزيده قهرا و أسى: اعتبريها فرصه و يمكن متتعوضش.. رفعت عينها بسرعه اليه لتهدر امواجها لا بغضب و لا بتساؤل بقدر ما كان استياء و خوف، اجل لمح بعينها الخوف، و من افضل منه يفهمه و الخوف يسكن جنبات صدره و لم يُخفى عليها، هو نفسه الخوف الذى يتجسد في عينها و لأول مره لا يُخفى عليه..!
رفعت بيدها الاخرى يده عن يدها فاعتقد انها ستبتعد و لكنها ملئت الملعقه بالطعام لترفعها اامام فمه و هى تهمس و رغما عنها خرج صوتها مهزوزا مشبعا بوجع قلبها: معاك حق في فرص لازم نستغلها يمكن منلاقيش غيرها..! اذا احساسه صادق، خوفه محقق، ابتعادها قريب و قرارها منتهى، يا لا سوء حظك يا معتز، يا لا سوء حظك..!
بدات بإطعامه و كلاهما ترتكز عينه على الاخر، يتشبع بها ممكن، ينحتها بعقله ربما و لكن ان يكتفى منها مستحيل. امسك يدها الممتده امام فمه ثم ادارها ليدخلها لفمها و قال بدراميه: و طالما الفرصه لينا، اوعدك دائما نتشاركها و مش هسمح في يوم اعيش الفرصه لوحدى و لا اسيبك ابدا لوحدك. نظرت اليه قليلا ثم ابتسمت و قالت بخبث ساخر و هى ترفض ان تعيش دراميته: ايه الكلام الغريب ده، مكنش غداء عادى يعنى.؟!
حركت يدها لتترك الملعقه لكنه تمسك بها و همس و هو مصر على ان يطمئن قلبه او ربما يؤرق قلبها: بتحبينى يا هبه؟ ارتجفت عينها و اهتزت شفتاها ليُعلن قلبها عن ألمه دفعه واحده فينتفض بين اضلع صدرها، فعاد همسه من جديد و هو يقترب منها بجسده و عينه تحاصر امواجها باستماته: ردى عليا يا هبه، لسه بتحبينى؟ لسه؟ أ يسأل مازالت تحبه ام لا! هو من يسأل عن حبها! لمتى سيظل كفيف عنها؟! لمتى سيغلق عيناه عن إدراكه لحبها؟!
امرأه مثلها، تبقى معه، تظل بجواره، تمنحه اكثر مما يستحق، فإن لم يدفعها حبها فماذا يدفعها اذا؟ سيظل جاهلا بها، كان و مازال و سيظل جاهلا بها. شعرت برأسه على كتفها و بيده المحاوطه لخصرها بقوه و همسه الضعيف: عارف اجابتك و عارف ان اللى جواكِ ليا اكتر من حب، بس غصب عنى بحاول اطمن نفسى، بحاول اطمن قلبى، بحاول علشان اعرف اعيش يا هبه.!.
اغلقت عينها و هى تشعر بجسدها يخونها لتهتف، لتصرخ، لتعبر عن مكنونات قلبها التى اخفتها طويلا، اخفتها بنفسها و لكن داخلها لم يعد يتحمل..! كل خلاياها تصرخ بها لتتمرد، لتمنح لقلبها السكينه اما بالابتعاد التام او الاقتراب التام، فلقد وصل بها حالها حد التعب بل تجاوز الارهاق لتصبح في امس الحاجه للراحه، فقط راحه لها و لطفلها...
تسأله الراحه لقلبها و جسدها الذى انهكهما في محياه، اتعبهما في وجوده اكثر من غيابه، ارهقهما بضعفه و استسلامه، تسأله الان لمره واحده ان يمنحهم الراحه، لمره واحده فقط.. ظلت على صمتها و لكنها ابتعدت عنه فجأه و هى تشعر بألم شديد يمزق احشائها كادت تصرخ من شدته و لكنها تذكرت ان اب طفلها لا يعرف عنه فتماسكت و نهضت تحاول كتم وجعها: انا همشى بقى، اقعد انت كمل شغلك.
همت بالتحرك و هى تقاوم ألمها و قلبها هلع بشده على جنينها و لكنه نهض و امسك يدها: استنى انا همشى معاكِ، كفايه شغل النهارده.. نظرت اليه و هى تشعر انها في مأذق فهى لا تريده ان يعرف و لكنها لن تتحمل الصمود كثيرا، اتجه لمقعد مكتبه حاملا جاكيت بذلته و امسك يدها متحركا للخارج و هى بالكاد تسير بجواره، صعدت معه للسياره و ألمها يشتد و لكنها كالعاده تحاول التماسك،.
نظر اليها يرغب بالتعليق على صمتها ليجد وجهها شاحبا بشده، انفاسها متسارعه و العرق يتصبب غزيرا من جبهتها فأوقف السياره على جانب الطريق و استدار لها بجزع: مالك يا هبه؟
حاولت اخراج صوتها و لكن بمجرد ان فتحت فمها خرجت آه متألمه و لاشعوريا رفعت يدها تضغط بطنها بقوه و وجهها يزداد شحوبه، انتفض هو قلقا و اقترب منها محاولا تهدئتها و لكنها صرخت مجددا و ألمها يزداد و تساقطت دموعها من فرط خوفها، شده توجعها و قلقها على طفل لن تتحمل خسارته...! اعتدل هو و بيد مرتعشه ادار محرك السياره منطلقا بها باتجاه المشفى و يدها بيده يحاول بثها طمأنينه ربما لا يمتلكها هو...
انتهت جنه من صلاتها و جلست تقرأ بعض ايات القرآن الذى ما عاد يفارقها الايام الماضيه، منذ ذلك اليوم الذى ذهبت فيه لغرفه زوجها و هى تتلوى ألما و ندما.. جاءه خطاب مواساه و تمنى الشفاء العاجل من اصدقاءه بالعمل، العمل الذى ابتعد عنه بقرار رسمى مؤقتا حتى يطيب تماما و هذا ليس بالاكيد،.
اصر شقيقها على ان تمنحه اياه هى، رفضت، امتنعت، و ارادت الهرب من ان تمنحه بيدها ما يشعل غضبه و يكوى قلبه مجددا و لكن شقيقها ما زال مستمرا بعقابها رفض ان يمنحه غيرها اياه،.
و يا ليتها لم تفعل فبمجرد ان شعر بوجودها التى لا تدرى كيف يميزها قبل ان تتحدث حتى، صرخ، غضبب، طردها و صاح بوجهها، و عندما اخبرته سبب قدومها، هاج و ماج و قلب الوسط رأسا على عقب، صراخه ما زال يصم اذنها من طنينه الممزق لقلبها، رأت من غضبه الكثير و لكن غضبه لعجزه يختلف، و بفضل شقيقها و عقابه اصبحت السبب في ايصاله مره اخرى لانهيار عاصف...! لا تدرى الان ما الحل و لا كيف التصرف؟
لم يعد لديها قدره على تحمل قسوته و التى تشعر انه يعانى بسببها اكثر منها، فهو مقيد لنفسه بغرفته لا يخرج منها، لا يأكل معهم، لا يتحدث مع احد، فقط مكتفى بنفسه و آلامه بغرفته، فالحاله التى يعيشها الان لا يتحملها شخص عادى فما بال رجلا كعاصم الحصرى..؟! سمعت طرق خافت على باب غرفتها فجففت دموعها و نهضت آذنه للطارق بالدخول و التى توقعت ان تكون مها و التى تقضى اغلب الوقت معها و لكنها تفاجئت ب، أكرم.
نظرت اليه لحظات و امتلئت عينها بالدموع سريعا لما رأته في عيناه من لين، حنان و احتواء.. تساقطت دموعها متسارعه و هى ترى قسوته تتبدد و جفاؤه يتلاشى و لكنها لم تستطع عدم معاتبته عندما اقترب منها عده خطوات فهمست بحزن منكسر: في ايه تانى جاى توجعنى بيه، العقاب لسه مخلصش؟!
تقدم منها حتى وقت امامها اخيرا و ابتسم بدفئ و اجابها بعدما لانت نبرته و عاد لشقيقها التى كانت في امس الحاجه اليه: لأ انا النهارده جاى احضنك..! شهقت باكيه فاحتواها بين ذراعيه يدفن وجهها بصدره سامحا اخيرا لصغيرته بالشعور بحنانه و دفء حضنه لتتعالى شهقاتها و انتفاضه جسدها و هى تستسلم للامان الذى حرمها منه قصدا ليمنحها اياه الان دفعه واحده...
شدد من ضمه لها و هو يشعر بارهاق قلبه و روحه ربما مثلها و اكثر، فما فعله لم يكن هينا عليه و تمتم بنبره حملت من اللين بقدر ما حملت في فعله من قسوه: تعبتينى قوى يا جنه، دماغك الناشفه تعبتنى قوى، كنت بدلك على الطريق بس انا تهت في وجعك، تعبت معاكِ و منك قوى...! ازداد تمسكها بقميصه و دموعها تتقافز قفزا من عينها ليحكم ذراعيه حولها اكثر فحاولت اخراج صوتها: انا ك..
رفع يده على خصلاتها ضاربا رأسها بصدره عده مرات ملتقطا كلمتها مردفا بتنهيده طال انتظاره لها: انتِ مُتعِبه، و في نفس الوقت تايهه.. خرجت منها زفره عاليه تعبر عن تكبد روحها، تعبر عن عجزها امام ضعفها، تعبر عن حاجتها اليه ليحيى قلبها و يطمئنها، ابعدها عنه محتضنا وجهها بين كفيه متمتما بحسم: بس دلوقت لازم تداوى، وقت ضعفك خلص.
نظرت اليه بضياع التقطته هو بقلبه قبل عينه فأمسك بيدها و اجلسها على الفراش جالسا امامها ممسكا يدها رافعا شفتيه لجبينها مقبلا اياه يتحدث بحزن صادق و هو يعبر عن اسفه الذى يدرك انها ترغب بمعاتبته و لكن لم يعد لديها حتى الطاقه لهذا: اولا انا اسف..
نفت برأسها كلمته و دموعها ترفض التوقف و لكنه لم يصمت و اردف بضمير انهكه: اسف على كم الوجع اللى سيبتك تعشيه طول المده اللى فاتت، اسف على بُعدى وقت ما كنتِ محتاجانى، اسف على قسوتى، اسف على كل حاجه و اى حاجه خذلتك فيها.. نظر اليها بتوسل بادٍ بوضوح بعينيه: هتقدرى تسامحينى يا جنه؟
اومأت برأسها سريعا و القت بنفسها على كتفه تطلب حضنه مجددا، تشعر انها اليوم استردت اخيها، و لاول مره تختبر شعور الفوز بعدما ذاقت الخساره، شعور الامتلاك بعدما تألمت من الفقد، شعور الحياه بعدما استقبلت الموت حيه...!
ضمها اليه و ابتسامه راحه تشق طريقها لشفتيه فالحمقاء لا تستطيع الحزن منه حتى، هدأت نوبتها قليلا فأبعدها عنه و رفع يده يزيل دموعها و هذا هو دوره من الان و صاعدا قائلا بنبره حانيه افتقدتها به: عارفه انا عملت كل ده ليه؟ نظرت اليه ببراءه طفوليه يخالطها بعض العتاب فابتسم مداعبا وجنتها و اردف بثقه: لان الجزاء من جنس العمل، ثم اردف: و عايز اقولك حاجه كمان...!
اومأت برأسها مستمعه اليه فابتسم و هو يطالعها باحتواء: عاصم اول ما خرج من المستشفى كان رافض يرجع البيت هنا و صمم يروح المزرعه الاول، انا اللى وصلته و كنت متعمد مقولكيش علشان تحسى بالوجع في غيابه رغم انه ميساويش الوجع اللى كان بيعيشه في قربك و كمان هو مكنش يعرف كل اللى انا بعمله معاكِ، و بابتسامه جانبيه ساخره اضاف بصوت مبهم لم تفهمه: و لو كان عرف مكنش هيسمحلى اصلا!
امتلئت عينها بالدموع اكثر متذكره مدى تألمها ذلك اليوم فأزال دموعها مجددا و اردف يشرح لها نفسه: و حابب اوضح حاجه... عادت تتطالعه بترقب عندما اعتدل ممسكا كفها بين يديه: طبعا انتِ عارفه يعنى ايه شغل عاصم بالنسبه له و معنى انه يجيله من اصدقائه جواب يحسسه فعلا بعجزه و فكره انه ببساطه معدش يلزمهم في حاجه مؤلمه جدا له، طبعا انتِ هتسألينى طيب لما هى حاجه مؤلمه انت ليه اصريت ان انا اللى اقوله؟
عقدت حاجبيها بطفوليه متسائله فابتسم مردفا يمنحها اسباب افعاله التى رأتها منتهى القسوه: انا حاولت اساعده يا جنه، عاصم كان لازم يفرغ غضبه، يخرج الالم اللى جواه، لو اخته او انا او اى حد تانى كان مكانك كان عاصم ببساطه هيتعامل ببرود و هيكتم انفعاله و غضبه و وجعه جواه علشان منحسش بالشفقه تجاهه، لكن انتِ، عاصم فرغ وجعه في شكل غضبه منك، كسر، صرخ و انفعل من وجعه بس بان للكل انه بسببك، انتِ المره دى مأذيتهوش انتِ كنتِ السبب في انه يرتاح و لو شويه.
ضغط كفها لائما و شملها بنظره ذات مغذى بات واضحا لها: و دى كانت اول مره تقفى جنبه في وجعه، اول مره تساعديه و اول مره متتخليش عنه. انتفض جسدها من شده بكائها و هى تدرك مغذى افعاله، فهو لم يكن يؤلمها، لم يكن يتخلى عنها بل كان يساعدها، لا، هو كان يمنحها حق مساعده نفسها و يدلها على واجبها في مساعده زوجها..
اطرقت برأسها ارضا و ملامحها تنبض بالندم و همست بتحشرج و دموعها تغرق وجهها: انا خسرته يا اكرم، خسرته و خسرت كل حاجه معاه.. عقد ساعديه امام صدره و نظر اليها بتفحص قبل ان يردف بثقه: مكنتش متوقع ان حرم النقيب عاصم الحصرى تستسلم بالسرعه دى..؟!
رفعت عينها اليه و صدى لقبها يتردد بقلبها قبل اذنها لتشتعل نبضاتها و تغلق عينها لحظات متذكره سيطره صوته عندما يقول انتِ حرم النقيب عاصم الحصرى و رغم بساطه الكلمه الا انها تجعلها تشعر بالامان، فان كانت تشعر بلقبه فقط يحتويها فما بال يكون الاحتواء بين يديه!
ابتسم هو لرؤيه اشراقه وجهها لمجرد نسبها الى مالك قلبها، تلك الحمقاء العنيده، فأمسك يدها بين راحتيه و نظر بعينه لمحبس زواجها التى اخذته منه عنوه بعد ان حاول اخذه منها: مسألتيش نفسك عاصم قرر تبقى في البيت ليه؟ مفكرتيش للحظه انه حتى لما فكر يعاقبك قالك هتفضلى هنا جنبى؟ ليه مطلقكيش مثلا؟
كان وقع الكلمه عليها قاسى و لكنها صمتت تفكر في اسئلته و لكن لم يصلها الاجابه فورا و ظهر هذا عندما اجابته بعته جعله يكاد يصفعها: لانه كرهنى! رفع نظره للاعلى و تمتم بنفاذ صبر بصوت عالى: الصبر يارب.. ثم رفع يده ضاربا جبهتها بخفه و هو يهتف بسخريه: نفسى افهم بتفكرى ازاى؟
زمرت شفتيها بعبوس فاتسعت ابتسامته الحانيه و هو يعتدل في جلسته فالشرح سيأخذ منه الكثير: عاصم بيحبك يا جنه، بيحبك لانك انتِ، لانك جنته زى ما بيقولك دائما، بضعفك و هبلك، و لما اتوجع منك قرر ان حتى عقابك و انتِ جنبه و انتِ قريبه منه يمكن مش شايفك بس كفايه حاسس بوجودك حواليه، اه كل مره بيطردك من اوضته بس كفايه انه سامع صوتك و حاسس بيه..
تلئلئت عينها بالدموع و احتلت نبرتها كسرتها و ضعف موقفها و هى تقول و بأفعال زوجها العزيز معها مأخرا باتت تصدق كراهيته: دا كان يا اكرم، عاصم دلوقتى مش قابل حتى يسمع صوتى، كل اما ادخله قبل ما اتكلم حتى يطردنى بدون تفكير..! اغلق عينه لحظات و ابتسامته تزداد اتساعا و هو يتسائل بخبث متطرقا لنقطه اخرى: و بيعرف ازاى ان اللى دخل اوضته انتِ قبل ما تتكلمى حتى؟
عقدت حاجبيها تعجبا من تساؤله و همست بشرود و هى لا تدرى: مش عارفه! حمقاء، هذا ما كان يشغل تفكير اكرم الان، اخته بالتأكيد حمقاء.. تدرك جيدا ان زوجها يحبها، تدرك انها بالنسبه اليه انفاس لا يستطيع العيش بدونها.. و لكنها لا تدرك ان حبه لها لا ينتظر كلمات او وصف، فقد يحيى بالشعور.. ضغط انفها باصبعه و هى يصرح: لان روحه متشبعه بيكِ!..
ابعدت اصبعه عن انفها متزمره و لكن عندما استمعت لكلمته توقفت، لا يدها فقط و لكن انفاسها، لتعلو فقط دقات قلبها التى ارتوت بكلمته... تعلقت عينها بعينه بلهفه و لكن انطفئت لهفتها فور تذكرها ما يدور بينهم طوال الفتره الماضيه فهمست بحزن غلف صوتها: كان.! و برد فعل سريع بسط كفه امامها قائلا بمشاكسه: تراهنى؟
نظرت لكفه المبسوطه امامها ثم عادت بنظرها اليها عندما اكمل بحماس: هثبتلك انك لسه ساكنه قلبه و بيحبك، تراهنى؟ حدقت بعينيه التى تشع بثقه لا تراها بنفسها حتى و بدون تفكير وضعت يدها على يديه و بنبره يغلفها اليأس همست و قلبها يدعو: اتمنى اخسر..! ضمها اليه و همس بجوار اذنها بثقته التى استطاع زرع و لو جزء بسيط منها داخل قلبها: هتخسرى..
نهض و انهضها معه و اتجه لطاولتها المتراص فوقها زجاجات العطر و غيرها من اشيائها للعنايه بجسدها ليمرر عينه عليهم حتى استقرت على معطر الجسد متسائلا بتفكير: متعوده تستخدمى اى واحد فيهم؟
تعجبت ما يفعله و لكنها بخنوع اجابته: عاده ده تقريبا مش بستخدم غيره، و اشارت باصبعها على احدى الزجاجات فرفعها هو لانفه مستنشقا اياه و همس بصوت بالكاد يُسمع: زهره البنفسج، هاديه بس قويه، ثم نظر اليها غامزا بشغب: زيك بالظبط.. راقبت ملامحه بتعجب فاق الحد فها هى تكتشف امرا جديدا بشقيقها و لم تخفى تعجبها فصرحت به: انت بتعمل ايه؟
وضع الزجاجه بيده ليمرر عينه على الاختيارات الاخرى رافعا زجاجه استنشقها و همس مجددا: رائحه الياسمين، ناعمه و حالميه قوى، مش زيك للاسف..
عقدت حاجبيها بغيظ و لكن تعجبها بما يفعله منعها التعبير عما يختلجها، فتح غطاء الزجاجه و نثر قطرات على عنقها و ملابسها حتى انتشرت رائحتها بالغرفه، و هى تدفع يده مانعه اياه و الرائحه تضايقها، فاغلقها و ابتعد للخلف و تسائل و هو عاقدا يديه امام صدره: عاصم كان بيعرفك من غير ما تتكلمى رغم انه مش شايفك، صح؟
اومأت برأسها متعجبه فأمسك يدها و هم بالخروج من الغرفه و عندما استدار شعر بأحدهم يبتعد بسرعه عن الباب فعقد حاجبيه استغرابا و لكنه تجاهل الامر متحركا بجنه للخارج متجها لغرفه عاصم وقف امامها و اشار لها بالدخول: اول اثبات! طرق الباب و فتحه دافعا اياها للداخل، استمع عاصم للباب يُفتح فاعتدل في جلسته على الفراش و حرك رأسه باتجاه الباب متمتما بصوته الخشن: مييين؟
فتقدمت خطوه اخرى منه دون اجابته فعقد حاجبيه و هو يهتف بنبره اعلى: حنين؟ و هنا عقدت حاجبيها هى تعجبا من عدم معرفته لها رغم قربها فتقدمت اكثر حتى وقفت امام الفراش تماما، انتفضت و نبرته تتعالى بقوه: مين هنا؟ استدارت تنظر لاكرم خلفها وجدته مبتسما بظفور، فأعادت رأسها لعاصم و اجابته بخفوت: انا.. نهض عن الفراش بحركه سريعه حتى كاد يتعثر و صاح بعصبيه اصابته: في حد معاكِ؟
ارتجفت عينها و هى تطالع التشتت الظاهر على وجهه و اقتربت منه لتقف امامه مباشره: لأ لوحدى. رفع يده بارتعاشه و جسده يتشنج بضيق حتى لامس كتفها فقربها اليه و مال برأسه قليلا حد عنقها و رغم حجاب اسدالها شعرت هى بأنفاسه تكاد تحرقها بينما اغلق عينه مستنشقا عطرها و الذى اختلط برائحتها الشخصيه لاول مره هامسا بضياع: ليه؟
شعرت هى بارتجافه نبرته فأصابها بتشتت هى الاخرى و قبل ان تنطق بكلمه واحده اردف هو بهمس اشعرها بخوف غريب بصوته، همس بكلمات كأنه يكتبها على صفحه قلبها الجديده، كلمات ربما لو خطها على اوراق مجلده ما خرجت بصدق كوقعها على مسامعها: متعمليش كده تانى، متمحيش الحاجه الوحيده الباقيه منك جوايا، ليه مصممه تحرمينى راحتى، ليه!
انتفضت بشهقه خافته و دموعها تتراكم بعينها و بحركه عفويه صادمه ابتعدت عنه واضعه يدها على فمها تتطالعه بعينان يرويان عن ألم غزا القلب، اكرم محق، روحه حقا تتشبع بها.. عاصم مازال لها، يتذكر ادق تفاصيل ما يخصها، قلبه ما زال لها، هى مازلت تنبض بالحياه داخله، لم يقتلها، لم يمحيها بل و عندما فعلت رفض هو، رفض فعلها الذى يمحيها داخله، كأنها النور الوحيد الذى تبقى بعينيه، يعصم قلبه و لكنه اصر على العصيان.
ادرك هو ما قاله عندما ابتعدت، متفاجئا من شعور الخوف الذى غلف قلبه من عدم معرفته اياها، رائحتها هو ما بقى داخله ليعرفها به، ليميزها و ليشعر بها و ان كان لا يراها... و صدقا كل شئ قد يُنسى إلا رائحه امرأه يحبها.. و اليوم حتى هذا تحرمه منه، الى متى ستظل الجحيم بحياته!، الى متى ستظل التناقض الذى يؤلم الروح و القلب؟، الى متى هذا الارهاق؟
استدار معطيا ظهره لها و هتف بنبره ثلجيه قويه طمس بها كل مشاعره الان: ايه اللى جابك هنا؟ ابتسمت من جفائه، اجل ابتسمت، هو لا يفعل شئ سوى الادعاء، مازال يحبها، مازال...! حمحم اكرم دالفا اليهم و وقف بجوار جنه مبتسما رافعا احدى حاجبيه بمعنى أرأيتى؟ استدار عاصم مجددا فور سماعه لصوت مذكر اخر بالغرفه و عندما لمح اكرم تشنج ملامح وجهه تحدث قائلا بود: ازيك يا عاصم؟ هدأت ملامحه قليلا ليقول بخفوت: الحمد لله..
نظر اكرم لجنه و اشار باصبعه برقم اثنان و همس بجوار اذنها: تانى اثبات! حمحم مجددا و وجه حديثه لعاصم: عايز جنه في مشوار ضرورى، دا بعد اذنك طبعا.؟ عقد عاصم حاجبيه بقوه: يعنى انتِ جايه هنا علشان تقوليلى انك خارجه؟، ثم تذكر انها بحجابها فعقد حاجبيه بغضب يهدد بالخروج: و على كده بقى مستعده؟
نظر اكرم اليها بطرف عينه بينما هى لم تحيد بعينها عن عاصم الذى يصارع ليبقى هادئا على عكس براكين اشتياقه لها بين احضانه، توترت و نظرت لنفسها فهى ما زالت باسدالها عن اى استعداد يتحدث؟ ابتسم اكرم على توترها و اجاب بدلا عنها: اه جاهزه. اشتعلت حصونه السوداء بغمامات غاضبه و ازدادت وتيره انفاسه و زمجر بغضب: انا مراتى متخرجش متعطره...
اتسعت ابتسامه اكرم ناظرا لجنه بنفس نظره الظفور بينما هى تحدق بعاصم كالبلهاء أقال امرأتى؟ نسبها اليه، إعترف بها امرأته؟! لم يتوقف اكرم عند هذا الحد بل اضاف ضاحكا بسماجه: غيره على مراتك؟ و لا دينك؟ ارتجفت عينه و تهدل كتفاه بصدمه من سؤال لم يكن بمحله الان ابدا و لكنه بالنسبه لجنه كان في وقته تماما و لكن عاصم لم يمنحها ما ارادت بل هتف ببرود: عاصم الحصرى مبيغرش على حاجه ماتخصوش.
و كانت هى من تحدثت الان عندما اقتربت منه و وضعت يدها على صدره: و ايه ده اللى ميخصوش، مراته و لا دينه!، ايه منهم ميخصش عاصم الحصرى؟! و بكل شغف قلبها عانقت قلبه الذى اعطاها الاجابه بنبضاته التى لم تبخل عليها بصدق شعورها معارضه و معاديه ذلك الذى يحاول الهروب من جحيمها - كما يلقبه - و هو لا يدرى ان الجحيم مستعر داخله و لا مجال للهروب منه..
رفع يده ملامسا يدها لتشعر هى بارتجافتها التى ربما حاول اخفائها و لكنه لم يستطع و لكن ما استطاع فعله هو استجماع ما بقى لديه من قوه دافعا يدها عنه: مفيش خروج، و دا اخر كلام و اتفضلى بره بقى. انسحب اكرم بعد ما رآه مبتسما مغلقا الباب خلفه ليدرك عاصم انه رحل و لم يبقى سواه هو وجنه جحيمه، صمت خيم عليهم قليلا حتى هدر عاصم بها: انا قولت اطلعى...!
اقتربت خطوه منه حتى شعر بجسدها يلامس جسده و وقفت على اطراف اصابعها هامسه لتلامس انفاسها شفتيه: انت بتقول حاجه و ايدك بتقول حاجه تانيه، اسمع كلام مين؟ ادرك هو انه اخفض يدها عن صدره و لكنه لم يتركها بل تمسك بها، تمسَك بها تمسُك الغريق بالقشه، غريق لا يعرف النجاه سوى بها، غارقا، لا تكف هى عن جذبه و لا يسعى هو للنجاه..!..
رفع يده الاخرى على غفله محاوطا خصرها متناسيا نفسه و حاله و من هو فقط قربها اليه بقوه و نبرته امتزجت بمرارته: شفقه! ضغطت بيدها على كتفه بعنف شعر هو بها كأنها تعاقبه على كلمته عندما اجابته بالمقابل بصدق مس قلبه: انا معرفش يعنى ايه شفقه، لانى لو اعرفها كنت اشفقت على نفسى قبل ما اشفق عليك..!
اقترب بوجهه منها و يديه الاثنتان ارتفعتا لتبعدها عنه و لكنها خذلته و ضمتها اليه اكثر و هو يتمتم بكلمات كالهذيان: و ايه معنى ده.؟! تعلقت يدها بعنقه كأنها تتعلق بالحياه و تركت كل ما حولها و اغلقت عينها تداعب أذنه بصوتها: حب، عشق، احتواء، مش محتاجه افكر في معنى اى حاجه و انا بين ايديك، و انا معاك بحبك و بس..
شدد من ضمه لها بقوه كأنه يزرعها داخله و رغم خفوت صوته لكنه كان كالرعد الذى زلزل كيانها، كسهم غادر اصاب قلبها في مقتل و هو يقول بنبره قويه كلمات على لسانها هى: وافقت على الجواز بس لانى كنت حاسه انى مديونه ليكم، ازاى الناس اللي عيشونى في بيتهم ارفض طلب ابنهم، كنت حاسه انى ببيع نفسى مقابل الخدمات اللى قدمتوها ليا!
اتسعت عينها بذهول و انفاسها تختفى و تراخت يدها على عنقه كما تراخى جسدها لتحاول الفكاك من يده لترى وجهه و لكنه لم يسمح لها و لن يسمح، فالدمعه التى سقطت من عينه الأن لن تراها ما دام حيا.. فشدد من ضمه لها دافنا وجهه في عنقها و يُكمل ما قالته سابقا مانحا اياه اليها، فهكذا هم البعض لا ينسون و لا يسمحون لك ان تنسى: جوازى منك هيفضل اكبر غلطه انا عملتها في حياتى لانى بكرهك،.
شهقت مرات متتاليه و دموعها تغرق ملابسه لتصل لجسده ليصاب برعشه حاده لا تضاهى شيئا امام روحه التى تنزف الان و لكنه لم يرحمها او يرحم نفسه بل تحرك بيده على ظهرها ملامسا كل انشا به يبيعها بقيه كلماتها ببطء: لامساتك، كلامك، اسلوبك و تصرفاتك كلها بتتعبني...!
حاولت التملص من يده لتبتعد، يكفى لم يعد باستطاعتها التحمل ولكنه لم يسمح لها بل رفع وجهه عن عنقها مستندا بذقنه على كتفها و يده تهبط باحترافيه على ظهرها حتى تملك خصرها بقوه جعلتها تتلوى بين يديه عندما القى بكلماته الاخيره التى في الاصل هى كلماتها بنبره جعلتها تدرك ان طريقها مازال طويلا فهو لم يعد يصدقها: حاولت استسلم او اقنع قلبي بحبك لكن مقدرتش..
مرغ وجهه في عنقها ليُزيل دموعه بحجاب اسدالها ثم ابتعد عنها اخيرا و ابتسامته الغاضبه تخفى ملامح وجعه بجداره لا يملكها سواه و تسائل يسخر منها، كلامها و مشاعرها: كل ده كذب و المفروض انك دلوقت صادقه؟! ثم اتسعت ابتسامته و اعطاها ظهره يستهزأ: حب!، و ضحكه ساخره. ارتفع انينها و لكنها تركته و خرجت مسرعه من الغرفه و تفاجئ هو بصوت الباب يُفتح فاستدار متسائلا: مين دخل؟
و عندما لم يسمح صوت حتى انفاسها ادرك انها هى من خرجت فصرخ بعصبيه: هربتِ يا... قطع كلماته فماذا يقول! من هى؟ بل السؤال الاكثر اهميه، من هو! من هو من رجل كان لا يرى سوى نفسه، من هو من رجل لم تعرف امرأه لقلبه طريق، من هو من رجل كان في عز الضعف شديد، من هو!؟ لعنه الله على عشق أذاه و لم يجدها حتى تداويه، على اشتياق ألقاه في حضن جحيمها، و لكن لم تذله هى بقدر ما أذله قلبه الذى لا يهوى سواها،.
لم تدفعه اليها بقدر ما دفعه شغف بها عجز ان يمحيه، فعلام يلومها و الاولى ان يكون لنفسه لائما؟ ليس خطأها بأنها سجن فهو من اختار ان يكون مسجون، ليس خطأها بأنها كسر فهو من فضل ان يُكسر، ليس بخطأها امتلاك قلبه فهو من سلم القلب و مالكه لقلبها بخنوع..!
افاق من عاصفه افكاره التى ادمت قلبه عندما استمع لخطوات تقترب منه ليصله صراخها بصوت عالى يدل بشده على انهيارها الهستيرى: ايوه حب، حبى اللى سكن قلبك، انا جواك بمزاجك او غصب عنك، جنه هتفضل جواك، و هيفضل قلبك ملكها و دا الدليل...! قالتها و هى تدفع مجلده لصدره و الذى ادركه فور ان لمسته يده فانتفض جسده غضبا و امسكه منها بقوه صائحا هو الاخر: انتِ ازاى تجرأى تلمسى حاجه متخصكيش؟
ضحكت بسخريه اختلطت بدموعها و هتفت بحده بكلمات اصابت قلبه مباشره: اذا كنت تجرأت و خطفت قلبك، ف انت بتسألنى في ايه دلوقت؟ اقتربت منه ممسكه طرف منامته جاذبه اياه بقوه فمال بدهشه تملكت من كل اطرافه و همست امام وجهه القريب منها بقوه كانت له اكبر صدمه حقا: انت نفسك تخصنى يبقى كل اللى يخصك ملكى..
تركته و ضربت كتفه و صدره بكفها و صوتها يزداد اختناقا بدموعها و ثقه بمشاعرها: و بعدين يخصك ازاى و كل صفحاته فيها اسمى، كل كلمه فيه عنى، كل حرف بيوصفنى، يخصك ازاى و انا فيه وصلت لابعد مكان في قلبك، يخصك ازاى و انت بتعبر فيه عن حبك ليا، يخصك انت ازاى يا عاصم!؟
بكل كلمه تزداد ضرباتها و هو متجمد تماما، مشاعره اصبحت في العراء، عرته هى امام نفسه قبل ان يكون امامها، امسكت نقطه ضعفه التى ربما تكون نقطه قوتها...!
رفع المجلد امام عينها ليبدأ بتمزيق صفحاته و لكنها اسرعت تنزعه من يده و لكنه تمسك به جاذبا اياه بقوه ليمر سيفه الحاد على باطن يدها فيجرحها لتصرخ بألم و لكنها لم تتركه بل اخذته منه بسرعه محتضنه اياه لصدرها و صرخت تعنفه تخبره بصراخها انها لن تسمح له مجددا بطى حبها داخل روحه: حاول قد ما تحاول تمحينى من جواك، لكن انا مش هسمحلك تنجح ابدا و دا وعد من حرم عاصم الحصرى و انا جوزى علمنى مستسلمش ابدا.
و قبله قاتله على شفتيه و خرجت ركضا من الغرفه مغلقه الباب خلفها بعنف جعله يعقد حاجبيه تعجبا من قوتها الجديده، من تحديها و من تمسكها المهلك به،! اغلق عينه متذكرا همسها بحبها له، قبلتها و كلماتها، كم كان يرجو سماعها، و اليوم تقولها له بهذا الهمس الذى يصدقه قلبه او ربما يتمنى تصديقه مثلما تمنى من قبل قربها..
قلبه يستسلم و لكن عقله جامح و يبدو ان كالعاده عقله ينتصر، فتح عينه هاتفا بقوه و هو يشيح بيده ثم يرفعها ضاغطا على خصلاته: كذابه.
انتِ مستهتره يا هبه...! هتفت بها الطبيبه المتابعه لحالتها بغضب، متغافله عن دموع هبه القلقه على جنينها، اتجهت بعدها لمقعدها على المكتب و هندمت هبه ثيابها لاحقه بها متسائله بلهفه: البيبى بخير يا ريم ارجوكِ طمنينى!
نظرت اليها ريم صديقتها من الجامعه و التى تتابع هبه حملها معها و قالت بسخريه: و مابتهتميش بيه ليه لما انتِ خايفه عليه كده، البيبى ضعيف جدا يا هبه، انتِ لسه في الشهور الاولى و الحمل لسه مش ثابت و واضح انك بتجهدى نفسك نفسيا و جسديا زياده عن اللزوم، المره دى جات سليمه بس المره الجايه مضمنش، بلاش اهمال، حافظى على نفسك علشان خاطر طفلك لو مش علشانك.
وضعت هبه يدها على بطنها تمسدها بحنان و صوتها يختنق بالدموع: غصب عنى يا ريم و الله، الوضع حواليا صعب، انا مش قادره اساعد نفسى و غصب عنى مش قادره اساعد طفلى كمان.. نهضت ريم بعدما شعرت بالحزن لأجلها و جلست امامها ممسكه يدها: و ليه كل ده يا هبه؟ لهفه جوزك عليكِ تقول انه بيحبك جدا و بيخاف عليكِ كمان، محتاجه انتِ ايه من الدنيا غير زوج بيحبك و طفل منه؟ و ليه كمان رفضتِ انه يدخل معاكِ يطمن على طفله..!؟
بكت هبه بقوه و هى تلف يديها حول جسدها كأنها تحتضن نفسها وتمتمت بتحشرج: لأنه ميعرفش انى حامل، ميعرفش ان جوايا جزء منه.! عقدت ريم حاجبيها بتعجب: ليه يا هبه؟ ليه تحرميه من الفرحه دى؟
لم تستطع هبه اجابتها بسبب كثره بكائها و اختناق صوتها بكلماتها، نهضت ريم محتضنه اياها تحاول تهدئتها حتى هدأت تماما، فمسدت ظهرها و قالت بحزن لاجل صديقه عمرها: خدى بالك من نفسك و اكلك و حاولى بقدر المستطاع تقللى الضغط النفسى و الجسدى، حملك مش هيبقى سهل يا هبه، انتِ ضغطك دائما واطى، عندك انيميا، غير ان جسمك ضعيف و كل ده محتاج رعايه و اهتمام على الاقل لحد ما الحمل يثبت..
اومأت هبه برأسها موافقه و استدارت لها ممسكه يدها: معتز هيسألك عنى، قوليله اى حاجه بس متقوليش على الحمل، ارجوكِ يا ريم... حدقت بها ريم مندهشه و لكنها استسلمت لرغبتها و اومأت برأسها عائده لمكتبها و اعطتها الوصفه الطبيه اللازمه بأدويتها. خرجت هبه و ابتسمت لمعتز بوهن فنهض اليها مسرعا محاوطا وجهها بكفيه: حبيبتى انتِ كويسه؟ و لم يعطيها فرصه للرد بل اتجه مسرعا للداخل: طمنينى عنها يا دكتوره..!
نظرت ريم لهبه من خلف معتز و التى توسلتها بعينها الا تقول الحقيقه فعادت بعينها متنهده و ابتسمت بتكلف: هبه بخير الحمد لله شويه مشاكل نسائيه بس و ان شاء الله مع العلاج هتبقى كويسه، بس ياريت حضرتك تهتم بيها لانها مهمله جدا في نفسها و ياريت نبعدها عن اى ضغط نفسى او جسدى الفتره دى علشان صحتها و صحه..
قطعت كلماتها ناظره لهبه بينما لم ينتبه معتز لتشتتها من شده توتره فاجابها مسرعا: حاضر انا هاخد بالى منها، شكرا جدا يا دكتوره.. استدار بلهفه لهبه و حاوط كتفها بيده يساندها و خرج بها بينما ريم تتابعهم و هى تتعجب كيف لمن يكن لزوجته مثل هذا الحب ان تكون زوجته في شقاء هكذا؟
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثالث والثلاثون
وصلا للمنزل وبمجرد ان اغلق الباب جذبها لحضنه بقوه و يده تتملكها بجزع مرتجف و انفاسه تسارعت و هو يهتف بتوسل: بالله عليك متعمليش فيا كده تانى، انا كنت هتجنن يا هبه.. هى بالفعل فقدت عقلها، يطلب منها التوقف عن فعل لم تقصده و هو يقتلها بألاف الافعال قصدا! يطلب منها ادراك ما تمر به و هو يفعل بها الكثير مدركا!
لماذا يدفعها للاستسلام لذراعيه و هى لا ترغب، لماذا يتحكم بعقلها و هى رافضه تحكمه بقلبها، لماذا يجعلها تتخلى عن قوتها لاجل ضعفه، فمتى سيتخلى عن ضعفه لاجل قوتها و متى سيتمسك بقوته لاجل ضعفها! ابتعد عنها اخيرا لتُفاجئ بالدموع المتجمعه بعينه و التى تهدد بالسقوط فتناست كل افكارها و احتضنته مجددا و هتفت بسرعه و قلبها يغلبها اسفا: انا اسفه انى سببت لك القلق ده، انا كويسه و الله شويه ارهاق بس..
مرغ انفه بعنقها و طبع قبله طويله عليه ثم ابتعد حاملا اياها و اتجه لغرفتهم وضعها على الفراش و بدأ يفك حجابها حتى القاه جانبا و اعتدل مسرعا احضر الوساده و وضعها خلف ظهرها و القى بقائمه اوامره دفعه واحده: اولا مفيش حركه من السرير لحد ما تتحسنى تماما و اى حاجه هتتعمل انا هعملها، ثانيا الاكل هيبقى بمواعيد و لو فكرتِ تقولى في مره مش جعانه مش هتسلمى من ايدى و هتاكلى غصب، ثالثا انا هاخدلك اجازه من الشغل و مفيش خروج من البيت نهائى و اى طلبات انا كفيل بيها و اظن كلامى واضح يا مدام فله..!
ابتسمت بسعاده من اهتمامه الذى ربما تختبره الان بعد فتره طويله من جفاء قاسى، فصدق من قال رُب ضاره نافعه و لكنها منذ متى تستمع لشئ دون نقاش: اولا انا كويسه و عادى جدا اتحرك من السرير على فكره، ثانيا انا مبعرفش اكل كتير بس ان شاء الله ههتم بالاكل و الدوا، ثالثا مفيش داعى للاجازه انا هنزل الشغل عادى و مش هرهق نفسى فيه.
امسك يدها و قبلها هاتفا بخفوت و لكن بحسم: يمكن اول مره هعملها بس مضطر، انا كلامى دلوقت مش نقاش و انتِ كزوجه واجب عليكِ تسمعى كلام جوزك طالما مفيهوش معصيه لله، صح يا فله؟ نظرت اليه بضيق و همهمت على وشك الاعتراض: بس..
وضع اصبعه على شفتيها مانعا اياها من الاسترسال ثم استبدله بشفتيه بقبلات متتاليه و هو يهمس بصدق مشاعره ليس خجلا من خوفه او ضعفه فهى اغلى من كل شئ حتى نفسه: انا مش مستعد اشوفك زى النهارده تانى و لو كلفنى ده عمرى كله اخدمك..
لمعت عينها بتأثر خالص بكلماته التى احتوت قلبها و طمأنته بحنان، فابتسم هو ناهضا دون ان يمنحها فرصه الرد و اخرج ملابس بيتيه و بدأ بتبديل ملابسه ثم اخرج منامتها و اتجه اليها يساعدها على تبديل ملابسها ايضا ملاحظا زياده خفيفه في وزنها فتمتم بخبث يشاغبها: انتِ تخنتِ شويه و لا انا بتهيألى..!
ازدردت ريقها ببطء تتابع حركه عينه على جسدها خشيه ان يفهم و لكن بطنها لم يظهر بالشكل المُلفت بعد يبدو انها ستأخذ كثيرا حتى يظهر حملها جليا و لكنه لم ينتبه لارتباكها هذا و نهض يبتعد عنها هاتفا: دقائق و جايلك...! خرج من الغرفه بينما ظلت هى في تشتتها المعتاد، ماذا تفعل؟ هل لإمرأه يعاملها زوجها مثل هذه المعامله ان تكرهه؟، هل لإمرأه تشعر بحب زوجها لا بكلماته بقدر ما تتشبع به بأفعاله ان ترفض وجوده؟،.
هل لإمرأه يعشقها زوجها و يعاملها كما لو كانت جوهره ثمنيه ان تبتعد عنه؟ و لكن على النقيض تماما.. هل لإمرأه خانها زوجها وتزوج عليها ان تستمر معه؟، هل لإمرأه ادخل زوجها اخرى بحياتهم لتشاركها فيه ان تعشق وجوده؟، هل لإمرأه طعنها زوجها بخنجر سام أصاب قلبها ان تظل تحبه؟ و للاسف جمع زوجها الاثنان، فتاهت بينهم..! فهل لمن عاشت الحب و البغض، الراحه و التعب، الخوف والامان، ان تقرر، ان ترسو على بر؟
حتى اختيارها الان صار صعبا.. منقسمه نصفين، نصف يرغبه و لا يريد التخلى عنه و يؤيده قلبها، نصف يزهده و يريد الهروب منه و يؤيده عقلها، ماذا تفعل و من تناصر؟ أتسمع للعقل الذى يحرمها وجوده، حنانه، خوفه و حبه؟! ام تسمع للقلب الذى يحرمها سكينتها، راحتها، كرامتها و كبريائها! أتتبع عقلها وتخسره هو، ام تتبع قلبها و تخسر نفسها! هى بين شقى الرحى و هو حتى لا يشعر بها، ليتها تصل لحل، إما تريح قلبه و إما تخسر قلبها؟
و الاختيار صعب، مؤلم و مهلك لها...؟! استكانت على فراشها مغلقه عينها باستسلام في انتظار عودته. بينما هو في الخارج اتجه للمطبخ ليعد عشاء لها عندما استمع لقفل الباب يُفتح فخرج ليرى الدالف ليجدها سالى فعقد حاجبيه تعجبا و اندهاشا ليس فقط من عودتها للمنزل متأخره و لكن لانه نسى وجودها هنا من الاساس..!
نظرت اليه و اقتربت لتطبع قبله على وجنته و لكنه اوقفها متسائلا بغلظه: كنتِ فين لدلوقت؟ انتِ عارفه الساعه كام؟ نظرت لساعه يدها لتجدها الحاديه عشر ليلا فعدلت من خصلات شعرها و التى خرجت من حجابها - و لنُحسن النيه - سهوا بارتباك و اجابته بتوتر: عادى يا معتز لسه بدرى و بعدين انت عارف انى متعوده على السهر..
اقترب منها خطوه مردفا بحده فاجأتها: في بيتى هنا الساعه 9 حتى متأخر، عدم إلتزامك و احترامك لنفسك مش هسمح بيه كتير، حياتك انتِ حره فيها لكن شرفى و سمعتى مش هسمحلك تقربى منهم، مش هفضل طالع نازل الناس بتتهامس على مراتى، فاهمه؟ ضيقت عينها بضيق و اشاحت بذراعها و هى تشعر انها امام رجل لا يسعى سوى للتحكم بها خلاف ما كان عليه سابقا: انت اتجننت يا معتز انت ازاى تكلمنى بالاسلوب ده؟
قبض بيده على ذراعها حتى كادت اصابعه تخترق لحمها و هتف بحده: دلع زمان الماسخ ده انتهى، صوتك ميعلاش و انتِ بتكلمينى ابدا و ان صدفت و حصلت تانى هتشوفى منى تصرف مش هيعجبك يا سالى، لا انتِ بقيتِ مراهقه و لا انا معتز الصايع بتاع الجامعه، انتِ زوجه و مطلقه قبل كده مره و انا راجل صاحب بيت و مسئول، فاهمه يا مدام؟
حاولت تجنب غضبه فاقتربت منه اكثر و وضعت يدها على صدره باغواء هامسه تستجدى عطفه او ربما رجولته التى دائما ما تحكمت به سابقا: انا اسفه يا حبيبى مش هتتكرر تانى و تأخير مش هتأخر و كل اللى انت عاوزه هعمله. زفر ببطء و ابتعد عنها خطوه للخلف: اتمنى يا هبه.. اشتعلت عينها بغضب و تمتمت بصوت هادر و هى تدفع كتفه فبدل ان تثير رجولته اشعل هو انوثتها جارحا اياها و ان كان لا يقصد: سالى يا معتز، اسمى سالى، ؛!
و تركته و تحركت للداخل مسرعه حتى لا تنفجر في وجهه بينما هو اشاح بيده و زفر دالفا للمطبخ مجددا أعد الطعام و اخذه لهبه بغرفتها، دلف و اغلق الباب ليجدها نائمه بهدوء، وضع الطعام على الطاوله و اقترب منها جالسا على طرف الفراش بجوارها و مال عليها مقبلا جبينها مستندا عليه و انفاسه المضطربه تمتزج بانفاسها المنتظمه ليهمس بشجن: من غير ما تعاقبينى بتعاقب، حاسس بذنب كبير قوى يا فلتى...
اغلق عينه و حاوط جسدها بيديه الاثنتين و تهدج صوته و خفت همسه: عارف ان بوجع قلبك، عارف انى بجرح كرامتك و عارف انك لسه جنبى رغم انك قويه كفايه تبعدى علشانى انا، عارف انك بتحاولى تخلينى انسان و راجل..! ابتعد عنها لينظر لملامحها الساكنه و تساقطت دموعه لتتشربها وجنتها و هو يترجاها: سامحينى يا هبه، سامحينى.. ثم بدمعه هاربه رفع يده مناجيا و قلبه يكاد يموت خوفا من اصابتها بمكروه: يارب متعاقبنيش فيها يارب..
نظر اليها مجددا يتشبع بملامحها و امطر وجهها بقبلاته و دموعه و همس بتحشرج: ياريت اقدر اهرب بيكِ بعيد عن كل حاجه، ندمت، و الله العظيم ندمت، بس معتز اللى انتِ خلتيه انسان واعى هيعملها، هنهى كل الكوابيس و هنعيش سوا يا هبه، هعيش انا و انتِ حلمنا سوا، مش عاوز غيرك و مش هعيش غير بيكِ و ليكِ، و هنعيش و دا وعد منى ليكِ يا هبه..
هتخسر يا مازن متحاولش...! هتفت بها حياه و هى تلعب مع مازن بالحديقه الاماميه للمنزل، و ضحكاتهم تملأ المكان بشغب، كانت حنين ذاهبه للمطبخ لتروى ظمأها و لكن اوقفها الضحكات العاليه فخرجت لتراهم، فاستندت على الباب تراقبهم و صورتها مع فارس تتجسد امامها فوجدت نفسها تبتسم لتتسع ابتسامتها لضحكات مع ضحكاتهم..
اقتربت حياه منه تُمسك يده ترفعها عن رقعه الشطرنج امامها و هى تصرخ بطفوليه: متحركش بتوعى يا مازن...! و لكنه عبث بقطعها لتصرخ و هى تضع يدها على جبينها: بتغش، انت كده بتغش. اطلق صفيرا متجاهلا صراخها الغاضب ثم رفع الرقعه لاعلى لتتساقط القطع ارضا: فيل و حصان و ملك الغااابه هو انا قاعد في حديقه حيوان، دى لعبه دى! انا ناقص لعبكه مش كفايه شغل الشركه..؟!
وضعت يدها على وجنتها و عبست بيأس: ضيعت مجهودى كله يا مازن، الله يسامحك، كنت هكسبك على فكره. ضحك بعشوائيه و بصوت عالى: هاهاهاها، تكسبى مين يا شاطره عيب عليكِ.!.. نهضت واقفه لتدخل مغتاظه و لكنه امسك بطرف عبائتها و هو يضحك و يجذبها: خلاص اقعدى اقعدى. نظرت اليه بطرف عينها ثم جلست فهمس بعبث: سيبنى اكسب و انا اسيبك تلعبى، واحده قصاد واحده. وضعت يدها بخصرها و ضيقت عينها تشاغب: بترشينى يا بشمهندس..!؟
رفع يديه خلف عنقه غامزا و ضحكه ماكره تتراقص على شفتيه: حصل. ضحكت عاليا و هو كذلك ثم اشارت له على هاتفه بجديه: ممكن تليفونك؟ نظر اليها رافعا احدى حاجبيه و اقترب بوجهه منها متسائلا بشغب: هتفتشى ورايا و لا ايه؟ اسرعت بالرد عليه حتى تدافع عن موقفها فلا يفهمها خطأ: لا طبعا انا بثق فيك جدا، انا كنت هشغل حاجه نسمعها..
ارتبك هو من كلمتها و لكنه حاول تدارك الامر حتى لا يشعرها بتوتره فهتف ضاحكا: بتحبى تسمعى لمين؟ شردت قليلا ثم صفقت هاتفه: عبد الرحمن محمد، اممممممم، اصابك عشق.
حاول تجاوز الامر حتى لا يُخجلها و يُخجل نفسه و اخرج هاتفه و عبث به قليلا و لحظات و صدعت النغمات الهادئه ليصمت كلاهما، و استلقت هى ارضا تنظر للسماء و لمعان النجوم بها فنظر اليها لحظات و لراحتها هذه ثم تبعها مستلقيا هو الاخر، فنظرت اليه مبتسمه تفكر! ماذا تفعل باحساسها - اللامسمى - تجاهه، ليس حب بقدر ما هو امتنان..!.
تعلقت هى به، بوجوده، بحضنه حتى ضحكاته، أرست سفينتها على مرسى ليس لها، اجل تدرك انها لن تحتل ابدا بقلبه مكانه حب و هى حقا لا ترغب بهذا، لن تكون سوى اخت، ابنه و ربما صديقه، لم ينظر اليها ابدا كزوجته، فقد مر على زواجهم قرابه العامين و اكثر و لكن قلبها لم يتعلق بقلبه حبا..! الرجل امامها لم ينظر لها كامرأه، لم يرى بها جسد و لم يرى بها متعه و لم و لن تسعى هى لذلك..
هو رجل بوسامته الرجوليه، ملامحه الشرقيه، عيناه الثاقبه التى يتلألأ بها عبثه، قوه حنانه و احتوائه، تتمناه اى امرأه و محظوظه هى من يتمناها هو، و لكن ليست هى. اما هو فكان يتابع نجوم السماء و عقله مشتت تماما، يضحك هو الان و لكن داخله ضائع...
الجميله بجواره تشغل عقله لا ينفى هذا و لكنها لا تشغل قلبه، ما عاد يفكر بهبه و ربما ظروفه هى ما لا تمنحه رفاهيه التفكير بالحب، فلقد تعلق به حياه اثنتان، واحده منحها قوتها لتعود تدرك حياتها من جديد، و الاخرى يبدو انها هى من ستسحب قوته لتسحبه معها في دوامه فقد و حزن ربما لن يدرك لا حياتها و لا حياته بعدها.! فقدانه لفارس كان صعب عليه، خساره السند و الرفيق، البقاء وحيدا..
كل هذا منحه قناع حديدى من القوه ربما ان تصدع يظهر خلفه الاف البراكين من الضعف، سلبته الظروف ضحكته و روحه المرحه و ربما ان منحه القدر فرصه اخرى سيُظهر طوفان ضحكاته ليغرق كل من حوله به، و هذا ما سيفعل.. يتألم هو، لا فارق، و لكنه لن يهدأ حتى يساعد الجميع لتعدى آلامهم.. يصيبه الوجع، لا مشكله، و لكنه سيسعى بشتى الطرق ليمحى لمن حوله اوجاعهم..
و سيبدأ بأرمله اخيه، سيجلب حقها، سيطهر اسمها امام الجميع مجددا، سيجعل الجميع يعتذر و لها وقتها حريه الرفض او القبول... سيحلها من ربطه عنقها - زواجهم - و يخرج هو من دوامه الاعاصير الذى تجتاحه بسببها.. طالما اخبره اخيه انها ضعيفه و لكن هو لن يسمح بتمادى ضعفها، سيمحيه، حتما سيمحيه..! افاق من شروده على صوت والدته: مازن...
نظر للخلف متعجبا فوالدته لم تكن تحدثه او تحدث حنين طوال الايام الماضيه بل لم تكن تظهر بالمنزل اثناء وجودهم، نهض اليها مسرعا واقفا امامها باحترامه المعهود: نعم يا ماما.. نظرت اليه بحده و اشارت له ليسير امامها بجديه شبه حاده: تعالى عاوزاك في كلمتين...!
عقد حاجبيه تعجبا و لكنه باستسلام سار معها حتى غرفه الاستقبال و لكنه تفاجئ عندما رأى حنين جالسه بالداخل، جلست نهال و احدهما على يمينها و الاخر على يسارها فنقلت بصرها بينهم عده مرات و بدأت: انا بقالى فتره مراقبه وضعكم و اللى واضح انه مش وضع زوج و زوجه طبيعين و دا خلانى افكر كتير في اللى حصل في النجع...؟!
صمتت لحظات عدما رأت حنين تغمض عينها و تفرك يدها بتوتر و تضغط بقوه على دبله فارس فأردفت بثبات: انا عاوزه اسمع منكم اللى حصل معاكم بالظبط..!؟ امتدت يدها لتمسك بيد حنين بحنان و تحدثت و هى ترمقها بنظره ام: احكى يا حنين ايه اللى حصل معاكِ، احكى و اوعدك انى اسمعك للاخر و هصدق كل كلمه تقوليها..
ظلت حنين مغلقه لعينها متذكره ما صار ذلك اليوم و بخفوت بدأت تسرد ما صار، و نهال تسمعها بتمعن و مازن بلهفه حتى انتهت و دموعها تغرق وجنتها.. وقف مازن بحده و هو يتذكر الفتاه التى حدثته فاقترب من حنين و تسائل بحماس غاضب: البنت دى كانت في سن قد ايه كده، و كان شكلها ايه، اقصد يعنى لابسه ايه؟
نظرت اليه بتشتت و هى تحاول التذكر حتى اكتملت الصوره و اجابته بشرود كأنها تراها امامها: كانت صغيره يعنى ممكن 16 او 17 سنه، كانت لابسه عبايه فلاحى و رابطه شعرها بعمامه فيها كور حمرا كده، ... خبط على الطاوله امامه و صرخ بغضب: هى نفسها، هى.. نظرت نهال اليه و كذلك حنين وتسائلت الاولى: هى مين؟ انت ايه اللى حصل معاك؟
و بانفعال تام و هو يتحرك بالغرفه ذهابا و ايابا سرد تفاصيل مشاجره الاطفال و تلك الفتاه و انهى حواره: الموضوع مقصود اكيد، دا غير ان الباب كان مقفول من بره.. نظرت حنين اليه بضياع و هى تتمتم بتذكر: هى فعلا اصرت انى اقلع حجابى، ثم نهضت واقفه و هى تنظر للارض بتيه متألم: بس ليه؟ انا أذتها في ايه؟ ليه عملت معايا كده؟
اقترب مازن منها متابعا نبرتها الحزينه مرددا بتوعد: مش هسكت غير لما اعرف سبب الموضوع و مين البنت دى...!؟ نهضت نهال و اقتربت منهم و نظرت لحنين ثم احتضنتها بخجل و هى تردد تعاتب نفسها على قله ثقتها بزوجه فارس اول مهجه للقلب و محطمه: سامحينى يا بنتى محدش فينا سمعكم و كلنا اتهمنا بدون دليل.. اتجه مازن اليها و ابعد والدته عن حنين واقفا بينهم: لما حقها يرجع قدام الكل يا ماما وقتها يجى وقت الاعتذار.
امسك بيد حنين متحركا خارج الغرفه و وقف بها امام باب غرفتها و ترك يدها ليرحل و لكنها امسكت بيده مجددا فتعجب و استدار لها فصمتت قليلا ثم قالت بخجل: ممكن اطلب منك طلب؟
الرياح حولهم تعبث بملابسها، صوت حفيف الاشجار و تساقط اوراقها، الظلام الدامس المحيط بهم، لا اضاءه حولهم سوى كشاف هاتفه الذى بالكاد يُريها الطريق امامها، تتوقف فجأه على بعد خطوات ممن أتت لأجله، اسمه منحوت على الصخره امامها، هنا - معه - حيث تركت روحها...! امتلئت عينها بالدموع و اقتربت بخطوات مضطربه حتى وقفت امامه مباشره لتسقط ارضا و دموعها تهرب من مقلتيها لتناديه بصوت مذبوح: فارس..!
اغلق مازن عينه لحظات مقاوما رغبته في مشاركتها الدموع على من اختفى خلف التراب لكنه ظل داخلهم و جلس خلفها و هو يناجى اخيه بقلبه.. رفعت هى يدها لتمررها على قبره امامها لتخرج نبرتها مرتعشه بعاطفتها المشتاقه: وحشتنى قوى يا فارس، وحشتنى قوى.. شهقت بحده و مالت لتُلقى برأسها عليه كأنها تحتضنه و صرخت: يارب.. ظلت تبكى دون توقف و كأنها ادخرت تلك الدموع لتفرغها على قبره و الذى ربما لا تراه الان سوى صدره ..
و دون ان ترفع رأسها دندنت بصوت مختنق كأنها تهدهد طفل صغير: انت نصى التانى، انت حته منى، انت كنزى الغالى، انت ابنى.. رفعت رأسها و دموعها تنساب لتغرق وجهها و تسائلت بعدم استيعاب: مش هترد عليا يا فارس، ازاى تبعد عنى كده؟ ازاى سيبتنى لوحدى؟ انت عارف انا حصلى ايه و انت مش جنبى، انا عمرى ما كنت محتاجه لك قد دلوقت، محتاجه لحضنك قوى يا فارس، قوى..!
ضربت بيدها بقوه على التراب امامها و هى تهتف بانهيار: انا عايزه نفسى يا فارس، ليه اخدتها معاك؟ مفضلش منى حاجه خلاص، حتى نَفَسى بقى عبء على قلبى، حنين تاهت يا فارس، حنين ضاعت من غيرك..
انتفض جسدها بقوه و شهقاتها تتعالى، فنهض مازن بجزع فانهيارها هذا لا تُحمد عواقبه، اقترب منها و ناداها عده مرات و لكنها لم تجيبه، فلامس كتفها لينهضها حتى وقفت معه و نظرت اليه بتيه و عينها تفيض بدموع حسرتها و فقدها و اشتياقها هامسه بلوعه و مازال تصديقها للواقع صعب جدا على قلبها: فارس..
ثم القت براسها على صدره في حركه مفاجئه و تمسكت بقميصه بقوه و ارتعاشه جسدها تزداد، اتسعت عينه بصدمه محاولا رفع يده ليحاوطها و لكنه لم يستطع، تجمدت اطرافه كلها و اصابعه تحارب لتبثها حنانه و احتوائه و لكنه لم يفعل.. لاول مره يشعر بنفسه عاجزا عن منح الاحتواء، لاول مره يشعر بتوتر قلبه الذى انتفض خلف ضلوعه، لاول مره يشعر بتيه عن التصرف و ضعف عن العطاء!
رغم حاجتها الماسه له، رغم انتفاضه جسدها التى ارجفت جسده، رغم بروده اطرافها التى تتشبث به، لم يستطع ضمها! ربما لشعوره انه لا يجوز له فعل هذا، ربما لانه لا يريد لجسده الامتزاج بجسدها، و ربما لانه لا يريد لها ان تتخلص من برودتها بدفئ احضانه!
تراخت يدها عن قميصه و لكن رأسها لم تفعل، تساقطت يديها بجوارها و لكنها لم تبتعد عنه و اضافت هامسه بتشتت و كأنها غير منتبهه للواقع حولها: كان اقرب حد ليا، كان الامان لقلبى و الفرحه في حياتى، وحشنى قوى، صوته، كلامه، هدوء اعصابه و، حبه! رفعت يدها لتمسك بقميصه من كلا الجانبين و ضربت رأسها بصدره مرات متتاليه ليخرج صوتها مكسورا ضعيفا مشتاقا بلوعه: وحشنى حضنه و لمسته، وحشنى قوى..
و هنا تساقطت دموعه و هو يشاركها لوعتها ليتنهد بألم و تتحرك يده تلقائيا لتحاوط جسدها بقوه كأنه يسكنها داخله لترتفع صرخاتها و يزداد تساقط دموعه.. اختفت تماما بين ذراعيه و تاه هو في وجعهم، شعرت بالامان بين يديه و عجز هو عن الشعور به، و تمتمت مجددا بنفس الهمس التائه: مكنش مجرد زوج او حبيب، كان بالنسبه لى حياه، حياه كامله من غيرها انا مش موجوده، نبض قلبى، جوزى و صاحبى و حبيبى، كان كل حاجه، كان!
و انتفض جسدها مجددا ليشدد مازن ضمها اليه و تخرج منه أه خافته، اه عن روحه المعذبه بسبب فقده و بسببها، اه عن قلبه الممزق بسبب وجعه و ضعفها، و اه عن نفسه التائهه بين عجزه و بينها...
كان اكرم منهمكا في عمله عندما ارتفع رنين هاتفه ليجده جده مجدى فأخذ نفس عميق و اجابه: السلام عليكم.. وصله اولا سعال جده الخافت او المكتوم على حد سواء ثم حمحمه و صوت باهت: كيفك يا ولدى؟ شعر اكرم بالقلق قليلا فتسائل و لم يخفى جزعه: بخير الحمد لله، حضرتك اخبار صحتك ايه؟ ابتسم الجد على الطرف الاخر: زينه يا ولدى زينه..
اعتدل اكرم على مقعده و وضع يده الاخرى على وجهه متنهدا بارهاق: خير يا حاج الاوضاع عندك عامله ايه؟ ضحك مجدى ضحكه قصيره و اجابه بفرحه: الحرمه متلوعه يا ولدى، بتجرى اهنه و اهنه، بتدور على الفلوس بجل طاجتها و انى خبرت الحاج مدحت و الحاج عبد الحميد بالحجيجه، كانوا هيجتلوها بس انى جدرت امنعهم زى ما جولتلى و كل حاجه ماشيه زين كيف ما انت رايد...
زفر اكرم بقوه و اضاف بتخطيط نوى تنفيذه: ربنا يهدى الحال، انا هبعت لجوزها بره علشان ينزل في اقرب وقت، كفايه تضيع وقت اكتر من كده.. اومأ مجدى برأسه على الجانب الاخر و ردد: يارب يا ولدى، ثم ابتسم بفخر: ربنا يحميك يا ولدى كنت متوكد انك هتبجى راجل و هتجدر ترجع الحجوج لصحابها..
اغلق اكرم الخط و هو يشعر بنفسه مستنذفا، يشعر بقلبه يتألم من كل ما حوله، المسئوليه كبيره و فاقت كل تحمله، الاحداث متلاحقه و هو اُرهق.. كل شئ يرهقه، اهله، اخته، عمله و قلبه، كل شئ.. و كم يتمنى ان يكون بقادر على تخطى الامر، و في خضم افكاره ارتفع رنين هاتفه مجددا ليجده رقم الطبيب الخاص بعاصم فاجابه مسرعا: طمنى يا دكتور التقارير وصلت..
بدأ الطبيب يتحدث عن حاله عاصم: اه يا اكرم و حسب الموجود فيها، في احتمال يرجع بصره بنسبه 60%، بس الموضوع هيحتاج وقت لان الاصابه جديده و في مكان حساس و بالتالى اى عمليه جراحيه دلوقتى ممكن تؤدى لنتيجه أسوء، ممكن كمان يحتاج اكتر من عمليه، و للاسف ممكن الامر كله يفشل.. نهض اكرم بفرحه عن مقعده و هتف بسعاده لم يستطع التحكم بها: بس فيه امل، فيه امل يرجع يشوف تانى، صح؟
ابتسم الطبيب مقدرا لهفته و اجابه بصدق: فيه امل، و بنسبه كبيره كمان... تمتم اكرم بخفوت و هو يتخيل سعاده اخته و بالطبع زوجها المعتوه بهذا الخبر: اللهم لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك و لعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد.
ممكن ادخل؟ رفعت مها بصرها للمتحدث و الذى لم يكن سوى محمود و على وجهه جل علامات الارتباك و التوتر.. فأومأت برأسها فاقترب منها و جلس على المقعد امامها، أغلقت التصاميم و استندت على المكتب تنظر اليه، طال صمته فعقدت حاجبيها تعجبا و اشارت خير يا محمود؟ ظل يحدق بوجهها قليلا ثم هتف بكلمه واحده بصدق خالص: بحبك..
اتسعت عين مها بذهول ليندفع الخجل لبحر الفيروز بغزاره و تتورد وجنتها الملساء فأخفضت رأسها تعبث بيدها بتوتر.. قالها، اعترف بها صريحه و لكن قلبها لم يستقبلها، لم؟ صادق هو و يتجلى صدقه بعينيه و لكن عينها لا تصدق باحساسها، لم؟ رفعت رأسها تدريجيا اليه لتجد تعبير غريب يشمل ملامح وجهه، تعبير بالندم و الخجل، بالتوتر و الخوف، بالاستسلام و الشفقه.. اجل هنالك شفقه بعينيه، يشفق عليها! و لكن لماذا؟
متى ستختفى تلك النظرات من عينه ربما وقتها يصدقه قلبها، متى سينظر لها بفخر ربما وقتها ترى عينها صدق احساسه، لم يُشعرها دائما انه لسبب ما يمن عليها؟ قطع افكارها عندما صرح بكلمه اخرى زدات تعجبها: انا اسف يا مها..! عقدت حاجبيها تطالعه بتساؤل متعجب، ماذا به؟ لم تعجز اليوم عن فهمه و قراءه فكره! هه ضحكه ساخره، منذ متى تفهمه هى؟ تعجز دائما عن فهم نفسها بجواره فكيف ستفهمه هو؟
صدق على كلامها عندما تحدث بهدوء: انا عارف انك مش فاهمه انا عاوز اقول ايه، و عارف انك مستغربه، بس كان لازم اقولك انا اسف قبل ما اقولك السبب... خفت صوته قليلا و نظر ارضا يردف بخزى يشمل حديثه: و كان لازم اقولك انى و الله العظيم بحبك، بحبك من اول يوم شوفتك، من اول كلمه بينا سوا، بحب جمالك، و بحبك رغم كل حاجه فيكِ!
شعرت بكلمته تصيبها بألم حاد، كلمه تذكرها بعجزها الذى لا دخل لها به، كلمه تخبرها انه يحبها و كأنه يقوم بمعروف لها،! امتلئت عينها بالدموع فما اصعب من ان تتزوجى برجلا يجدك ناقصه، ترتبط حياتك بحياه من يرى انك معيبه، يرى انك مجرد جميله بوجه حسن و لكن لستِ بكامله! رفع بصره اليها و نظر لعينها التائهه بمتاهات وجعها الذى سببه ربما دون قصد: بس..
نطرت اليه منتظره التالى، منتظره الالم اللاحق، منتظره العيب الجديد الذى سيذكرها به.. و لكنه لم يفعل بل كوى اوجاعها كلها و احرقها حيه لتتلوى هى صدمه و ألما: بس انا منفعش ليكِ يا مها.!.. انفرجت شفتيها بدهشه تملكت من عقلها فشُل تماما عن التفكير و اتسعت عينها بصدمه تحملق به و بدا لها انها لا تراه، توقفت يديها عن التحرك بارتباك لتتجمد على المكتب امامها..
و لكنه لم يستوعب ما مر بها بل اردف دون اهتمام بوجعها او ربما صدمتها: كل الظروف حوالينا و اللى بيحصل بيمنعنا نكمل سوا.. ظروف! عن اى ظروف يتحدث، مر الكثير على خطبتهم ليأتى الان و يقول ظروف تمنعنا! علقها به و تعلق بها ليأتى الان و يقول ما يحدث يمنعنا! منحها الطمأنينه ليأتى الان و ينتزعها دون تفكير بها!
نظر اليها مترددا يتابع خلجات وجهها المتعجبه و المتألمه ثم نظر ليده و اخرج محبسها الذى يعانق اصبعه و وضعه على المكتب بجوار يدها: لحد هنا و انتهينا يا مها.. و دون حتى ان يسمح لها بابداء رأيها، دون ان يعيطها الفرصه للتمرد، الصراخ او حتى التحدث بصوتها اللامسموع ببساطه، رحل! ترك لها ما كان يربطه بها و رحل، اخبرها انه لم يعد يريدها و رحل، اوضح لها انه ليس من حقها ان تتمنى شيئا و تجده و رحل،.
وضح لها ان ناقصه مثلها لا تستحق حياه كامله و رحل، اخبرها ان الحب للكاملات و هى ليست كامله فلا حب لها و رحل، ترك خلفه حطام امرأه، كسره قلب، لوعه عقل و كبرياء ممزق و رحل! ببساطه رحل! و معه رحلت قناعتها، فرحتها، ضحكتها و بقى شئ واحد فقط، و هو دموعها.
خرج محمود مسرعا من الشركه بعدما اعطى ورقه ما لهناء - السكرتيره الخاصه بأكرم -، وقف امام الشركه و نظر خلفه يطالعها و عينه تلمع بالدموع، يشعر بالخزى من نفسه و يشعر بالعار من ضعفه و لكنه خائف عليها لهذا ابتعد..!
خائف ان يجرحها مثلما فعل يوم عرف بما فعل اخيها، خائف ان يقتل فرحتها بقربهم بالابتعاد عنها مثلما فعل اخيها، خائف ان يكون سببا في تعاستها بدون قصد كما اتعس اخيها اخته، باختصار خائف عليها من نفسه! فلم يرى حل سوى الابتعاد، منحها الحريه لتتنفس بعيدا عنه، منحها نفسها الذى ربما يُفقدها اياها، يعلم انه جرحها، و يعلم انها تتألم الان.. و لكن وجع يوم و راحه اعوام، افضل بكثير من راحه عام و وجع طوال الحياه..
منحها قلبها و للاسف قلبه، احبها هو بكل جوارحه و لهذا ابتعد..! احب ضحكتها التى لن يسمح لنفسه بتبديدها، احب عينها الذى لن يسمح بدفع الدموع اليها، احب قلبها الذى احتضن قلبه و لن يمنح لنفسه فرصه بجرحها، لهذا فقط ابتعد، ربما لاجله و لكن ايضا لأجلها.. اتخذ القرار عنه و عنها و لم يأبه حتى برأيها.
تحرك ليبتعد عن الشركه و لكنه اصطدم بسيده في الاربعين من عمرها تحمل طفلا صغيرا على كتفها تبكى بحده فاعتذر بخفوت: انا اسف.. و هم بالتحرك عندما وقفت امامه و هتفت ببكاء: ممكن تساعدنى يا استاذ؟ نظر اليها بتعجب و اجابها: اكيد اتفضلى..! بكت بحده وترته قليلا ثم هتفت بجزع: تعرف واحده اسمها مها، هى تقريبا مهندسه..!. عقد حاجبيه بقلق و اومأ برأسه: ايوه عارفها مين حضرتك؟
انخفضت و وضعت طفلها على الارض و رفعت يدها متوسله اليه: دلنى عليها ربنا يسترك، عاوزاها تساعد جوزى و تتنازل عن القضيه، انا مليش غيره و الله، ساعدنى الله يكرمك.. حدق بها بذهول قليلا يحاول استيعاب ما تقول، زوجها، تنازل، قضيه، و مها! عما تتحدث تلك المرأه! و عن اى قضيه تتحدث! تابعت المراه توسلها له فهدأها قليلا قائلا بجهل عما تعنيه: حاضر انا هساعدك بس ممكن تفهمينى ايه اللى حصل؟
ضمت السيده طفلها لصدرها و همست بخجل و عجز: انا عارفه ان جوزى عينه زايغه و يوم ما اتعدى على البشمهندسه كان اصحابه منهم لله مشربينه ممنوعات و مكنش في وعيه، انا عارفه انه غلطان و يستاهل بس انا و ابنه ملناش غيره، لو اتسجن هنتبهدل اكتر ما احنا. زاغت عين محمود هنا و هناك و هو يشعر بالارض تميد به لا يصدق ما سمعته اذنه.. حاول احدهم الاعتداء على مها و ايضا قامت برفع قضيه ضده! و هو لا يعرف؟
لم تخبره و لم تشاركه مصيبتها؟ لماذا! خافت الا يصدقها! ام لم ترى انه يستطيع الوقوف بجوارها! خير يا محمود؟ التفت محمود سريعا لصوت اكرم الذى جذبه عنوه من صدمته و ارتجفت عينه و لم يستطع الاجابه، لاحظ اكرم شروده و ارتباكه فاقترب من السيده و سألها عن الامر فقالت ما قالته لمحمود فاخذ اكرم نفسا عميقا مدركا سبب دهشه محمود و قال للسيده بهدوء: تمام انا اللى رفعت الدعوه و انا اللى هتصرف فيها اتفضلى انتِ دلوقت..
حدق محمود بأكرم بذهول ثم رفع يديه يشدد على خصلات شعره متمتما بتسائل مندهش: حضرتك كنت عارف؟، ثم اضاف بتشتت: و انا لأ؟ تحرك اكرم اليه مجددا و هم بالتحدث عندما اشار له محمود بيده: مفيش داعى لتبرير حاجه يا بشمهندس كده كده كل حاجه منتهيه، اه كنت فاكر انها انتهت النهارده بس واضح انى كنت غلطان، انا كنت بره من زمان...
و تحرك من امامه مسرعا يتابعه اكرم بضيق و غضب منها و من نفسه و من هذا الذى لم يستمع له و لكنه شرد في كلمته كده كده كل حاجه منتهيه ليتمتم بشرود متعجب: يقصد ايه؟
ضحكت بسعاده كبيره و معتز يُجلسها امام المرآه و يمشط شعرها بنفسه فهتفت بضحكه عاليه: نفسى افهم بتعمل ايه؟ حرك الفرشاه يمنيا و يسارا يحمل بها عده خصلاتها ليضعها على الاخرى بعشوائيه و هو يصب جم تركيزه عليها: رغم انه قصير و مش محتاج بس لازم يتسرح.. قهقت بصوت عالى و امسكت بطرف خصلاتها القصيره التى تصل اسفل اذنها بقليل: تتسرح ازاى دى افهم؟!
رفع الفرشاه دفعه واحده فصرخت بتألم لجذبه خصلاتها معه فهمس بتشفى: تستاهلى، سبينى اعيش اللحظه، نفسى افهم شعرك قصير ليه كده؟ ضحكت ناظره لانعكاسه بالمرآه لنصيح بغيظ: بحبه كده.. فمال طابعا قبله على كتفها العارى تبعها بعده قبلات على عنقها بينما اغمضت هى عينها مستسلمه لاكتساحه الحار و الذى اشعل قلبها شغفا به ثم قَبَل اسفل اذنها هامسا باغواء: وانا بحبك بكل حاجه فيكِ.
جلس خلفها على ركبتيه محاوطا خصرها بيده يتحدث معها: اقولك على حاجه.. همهمت و هى تستند برأسها على ذقنه فطبع قبله اعلى شعرها و حرك يده على بطنها متمتما بشغف: امبارح لما كنا في العياده، كان حواليا صور اطفال كتير و ستات كتير حوامل.. حرك اصبعه بحركه دائريه على بطنها مردفا بحراره: تخيلتك مكانهم، يبقى جواكِ طفل منى، طفلنا..!
ابتعد عنها و أدارها بلهفه و صرح بشوق: نفسى يا فلتى، نفسى اشوفك ام لابنى او بنتى، ابن شبهك في قوتك و جديتك و بنت تاخد منك كل حاجه.. رفع يديه مداعبا خصلاتها القصيره: شعرك..! مرر يده على جبينها الذى يختفى معظمه اسفل غرتها ثم ارتفع قليلا مقبلا عينها اليسرى ثم اليمنى هامسا بحراره اغرقتها: تاخد بحر عنيكِ..
هبط بشفتيه على انفها بقبلات عشوائيه تبعها بمداعبته بأنفه متحركا على وجنتيها ليطبع عده قبلات متفرقه عليهم: خدودك و خصوصا لما بتتكسفى.. ابتعد ناظرا اليها ليجد عينها مطبقه و انفاسها اللاهثه تخبره باضطراب قلبها فلامس شفتيها بشفتيه بنبره رجوليه بحته هدمت كل حصون انوثتها: بس متاخدش جمال شفايفك، لانها مش هتكون ابدا لغيرى..!..
طبع عليها عده قبلات متتاليه ثم تحولت لاجتياح لذيذ فحاوطت هى عنقه لتستسلم لدموعها التى تساقطت تباعا.. امنيته تحققت، قلب صغيره ينبض بداخلها، يداه داعبته منذ قليل و لكنه لا يرغبه كما يرغبه هو، لا يرغب بوالد يجرح والدته دون تهاون، لا يرغب به... ترك شفتيها ليزيل دموعها بشفتيه و يردف: عايزها زيك في كل حاجه، كل حاجه...
وضع يده على بطنها و هو ينظر لموضع يده: انتِ هتحسى بنبضه، بحركته و هتتعبى علشانه، و في الاخر تبقى شبه الكرنبه...! ضحك باشتياق: و بعدين ينور حياتى نسخه صغيره منك.. مال عليها طابعا قلبه على بطنها ثم وضع رأسه عليها و هو يضمها له: هفضل احضنه كده و اتكلم معاه، احكيله عننا و اسمع منه لو اشتكى منك... تنهد بقوه و ضحكه متلهفه: هحبه قوى يا فله، هحبه قوى..
زاد من ضمها اليه لتشهق بعنف و دموعها تهرب من مقلتيها وجعا عليه.. و شعورا بالذنب يلفها... هو متلهف لطفل موجود بالفعل، وهى تخفى! هو يشتاق لفرحته بصغير داخلها حقا، وهى ايضا تخفى! تسلبه حقه في سعادته بطفله.. مهما كان خطأه لا يحق لها سلبه حقه! تريده ان يعرف ولكنها خائفه ومتردده..! خائفه ان يهتم بها لطفلها.. خائفه ان يمحى الاخرى من حياتهم لطفلها.. خائفه ان يتعلق بها لطفلها.. خائفه ان تختفى هى بمجرد وجود طفلها..
اجل خائفه! ماذا تفعل؟ تخبره وتجعل قلبه يدرك فرحته! ام تظل على صمتها! لم تعد تعرف أيستحق ام لا؟ فقلبها يؤكد لها انه يستحق! ولكن عقلها يؤكد لها انه اقل من ان يستحق! وهى كعادتها بينهم تائهه! رفع رأسه اليها لترى الدموع المتساقطه من عينيه وهو يهمس بتسائل: تعتقدى ربنا ممكن يعاقبنى و يمنعنى الفرحه دى يا فلتى؟ شهقت باكيه وهى تضمه اليها و صرخت به: لأ..
تمسك بها وصوته يختنق: مبقتش شايف انى استحق اى سبب يخلينى افرح..! ضربت ظهره بيدها و هى تميل للامام عليه ونهرته باكيه بكل وجع قلبها و بكل عجزها: اسكت بقى. ليهمس بأخر ما مزقها و جعل ذنبها يقتلها: نفسى في يوم احضنكم سوا، انتِ وطفلنا..! ويا ليتك تدرك انك بالفعل تفعل!
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الرابع والثلاثون
نرغب فنخسر! و نخسر فنرغب! و نظل هكذا بين كان و كان.. فقد يمنحنا القدر فرصه لنضحك و لكنه يمنحنا آلاف الفرص لنبكى! قد يمنحنا فرصه لنعيش و قد يسلبنا الفرص فنموت! و ما بين الحياه و الموت، قدر! تخلى عنها، آلمها، اخمد نار حبه بقلبها و الاسوء انه ببساطه حطم كبريائها.. ابتعد بشكل جعلها تتسائل!
ما حاجتها له في الرخاء ان لم تجده في الشده، ما حاجتها له في النور ان لم تجده في العتمه، و ما حاجتها له ان لم تجده في نفسها؟ تسير بخطوات متعثره، دمعه هاربه تلاحقها الاخرى، عينان تضج بالشعور بالألم و الخذلان، شفاه مرتجفه و عقلٌ مشتت.. اى ألم هذا؟ كلماته كانت بسيطه و لكنها سهام حاده مزقت النفس، قرارات متعجله انهت ميلاد الفرحه في قلبها، بسطت يدها امام عينها المغرورقه بالدموع تطالع محبسه..
ذلك الذى اعطاه لها مبتسما لينزعه الان غير آبه بها، ذلك الذى اخبرها به انه يحبها لينزعه الان و هو يدعى انه مازال يحبها، ذلك الذى شعرت به يحتوى خوفها و عجزها و لكنه لم يمنحها سوى ذل النفس و كسرها من جديد. اغلقت عينها لحظات ثم اتجهت لغرفته، لغرفه من تجد في حضنه الامان رغم فقدانه اياه الان، لغرفه من اصبح حوارها معه مستحيل، ذاك الذى لم تراه منذ سجن نفسه بغرفته..
طرقت الباب بخفوت و دلفت وجدته جالسا على سجاده الصلاه رافعا يده للسماء مغلقا لعينه تكاد تجزم انه لا يشعر بمن حوله.. اقتربت منه ببطء و لسماعه خطواتها اخفض يده و استدار عاقدا حاجبيه متسائلا بغلظه: ميين؟
ابتسمت و دموعها تغادر مقلتيها تباعا و هى تتجه بعجز حتى سقطت على قدميها بجواره و دون كلمه ألقت برأسها على كتفه ممسكه ذراعه بتشبث، رفع يده ليضعها على رأسها ضاما اياها لصدره و هو يهمس بخضه و قلب مضطرب: مها! انتفض جسدها بين ذراعيه ليعتدل في جلسته محاوطا جسدها كله حتى كادت تختفى داخله و هى فقط تنتفض باكيه بكل وجع قلبها، ادرك من انتفاضتها انها تتألم، ألم يفوق تحملها..
و مره اخرى شعر بعجزه يغلفه و هو لا يراها، كيف يحدثها الان، هى لا تستطيع التحدث و هو لم يعد يراها!؟ شدد من ضمه لها و كلا منهما يتمزق بعجزه و ألمه، حتى هدأت قليلا فابتعدت عنه ممسكه كفه لتضع به محبس محمود، قلبه عاصم بيده يمينا و يسارا، ادرك انه محبس و لكن لمن و لماذا تعطيه اياه هذا ما لم يستطع ادراكه!
امسكت يده لتقربها من يدها و تجعله ينزع محبسها ايضا فعقد حاجبيه و بدأ يتدارك الامر فهتف بغضب مكتوم: دى دبله محمود؟، ثم صمت ثوانى قائلا ببطء تقريرى اكثر منه متسائل: انفصلتوا! القت برأسها على كتفه ليلامسه جبينها و حركته بمعنى نعم، شعر هو بحركتها الموافقه فقبض يديه بغضب و هو لا يستطيع حتى سؤالها عن السبب فماذا و كيف ستقول؟
ابعدها عنه و نهض شاعرا باختناق يقتله، تلجأ اليه وهو عاجز عن مساعدتها، تطلب قوته و هو لا يستطيع حتى ان يطمئنها، نهضت هى الاخرى مقتربه منه و امسكت بيده لتضعها حولها و تضمه بقوه كأنها تخبره انها لا تريد شئ سوى حضنه، سوى امانها بين ذراعيه، لا تريد غضب او ضعف او حزن فقط بعض الاحتواء لها و لقلبها المظلوم...
تنهد بقوه و هو يضمها اليه و صمت كلاهما ثوانى هو يحاول السيطره على شعوره الحالى بالضعف و هى تفرغ مكنونات قلبها على صدره، حتى تنهد ببطء هامسا بعقلانيه ربما لا يعرفها سوى معها: كل قرار بناخده في حياتنا لازم نتحمل عواقبه، انتِ زرعتِ نفسك في ارض بور فكان لازم تذبل، كنتِ شايفه نفسك ناقصه و محتاجه حد يكملك، و دا غلط، افتكرى كلامى كويس يا مها، يوم ما تحبى نفسك زى ما هى هتلاقى وقتها اللى هيحبك بجد..!
تمسكت بملابسه اكثر و كلماته تتسلل لروحها تسكنها، هى بالفعل لم ترى نفسها سوى امرأه ليست بكامله، هو لم يشعر بالشفقه بل هى من دفعته لذلك، هو لم يخذلها بل هى من فعلت اولا.. هى من خذلت نفسها، سلمت لانتفاضه قلب دون تفكير عقلى.. وافقت على ارتباط اخبرها عقلها بفشله و لكن قلبها اندمج بفرحته.
ربت عاصم على شعرها بحنان و هو يهمس بفخر: مها، المهندسه المميزه، الجميله جمال مش طبيعى، القويه بنفسها، بشخصها حتى بعجزها قويه، ربنا اختار ليكِ حياتك و مينفعش تحسى بضعف لانك مش ضعيفه، بلاش تعيشى نفسك في مكان مش مكانك و بلاش تحبسى نفسك في وضع مش وضعك، انتِ مينفعش تنكسرى او تضعفى، بعقلك و قلبك و اكيد جمالك هتفضلى قويه، بلاش تعيشى دور مش دورك، مش لايق عليكِ يا بشمهندسه.
اخذ نفس عميق و ابعدها عنه ممسكا بيدها و ضغطها بخفه كأنه يمدها بالقوه و القى بسؤال اجابته يتوقف عليها حزنها: اسألى نفسك و جاوبيها يا مها، انتِ مضايقه دلوقت علشان محمود انفصل عنك و لا علشان جرح كرامتك؟ راقبت وجهه بصدمه تتملك منها و سؤاله يتردد بكلا من قلبها و عقلها ليصرخ عقلها بالاجابه و لا يجد القلب ما يرد به، فأعاد عاصم سؤاله بنبره اشد تخصيصا: يعنى علشانه، و لا علشانك! لاجله!؟
لا لم تفكر به، لم تفكر سوى بنفسها، بجرحه لها، انكار بحياته وجودها.. اجل لم تفكر به، لم يؤلمها حب بقدر ما ألمها فكره الوحده، لم يحزنها بعد بقدر ما احزنها احساس العجز، لم يعتب عليه قلبها بل رجمه عقلها بآلاف الرجمات! هى لم تحزن لأجله هى حزنت فقط و فقط لأجلها!
رفع يده ببطء حتى وصل لوجهها فحاوطه مردفا بنبره قويه مهيمنه: لو تفتكرى يوم ما اتقدملك انا سألتك متأكده من قرارك و لا؟، قبل ما افاتح والدتك في الموضوع اتكلمت معاكِ و قولتلك بلاش تندفعى ورا فرحه مؤقته فكرى كويس، عارف انك وافقتِ و انتِ مش مقتنعه تماما بس وقتها مكنتش اقدر اجبرك على التفكير لانك ببساطه مكنتيش مستعده..
ابتعد عنها و تحرك للخلف بشرود و هو يتمتم بعاطفته التى يغلفها بقوته: الحياه مبتقفش على حد، و لا على حب يا مها..!. ثم ابتسم بمرارته التى امتزجت بنبرته: انتِ وافقتِ على محمود لما فكرتِ بقلبك لكن لو اديتِ لعقلك مساحته هتعرفى ان دى النهايه المنطقيه لعلاقتكم..
وضع يده على قلبه كأنه يُحدث نفسه قبلها: حكمى الاتنين علشان تقررى صح، حكمى عقلك في مشاعرك و قلبك في قرارتك و صدقينى وقتها هتوصلى لاول طريقك، اول الطريق اللى هتلاقى نفسك في اخره..! ثم اغمض عينه حسره و ألم و ربما ندم: بس اوعى تتوهى في النص و متسمحيش لحد يتوهك.. اقتربت منه و هى تشعر بروحها تُرد اليها و لكن لم تتوقف دموعها ليس لأجلها فقط بل لأجله..
لأجل الرجل الذى يعذب نفسه بنفسه كأنه يعاقبها، الرجل الذى عشق قلبه فشعر بنفسه مذنبا، و يا ليته يفهم ان ضعف القلب في محراب العاشق ليس ذلا.. ينصحها و هو يقوم بالنقيض، يحكم عقله بمشاعره و قراراته و حياته و يتلافى قلبه.. قلبه الذى امتلكته تلك الجنه الذى يحاول قدر ما يحاول اخراجها من داخله فلن تفعل..
رفعت يدها و وضعتها على قلبه لتصدمها دقاته المشتعله قهرا و عشقا، ضغطت يدها على صدره ثم ضربته عده مرات متتاليه و هو مستسلم ليدها تماما حتى رفعت يده بيدها لتضعها موضع قلبه لعله يشعر بدقاته الذى يتجاهلها، نظرت اليه لتجد عينه شارده تماما، الحصون تهدمت و معها يتهدم داخله.. لمعت عينه بالدموع و هو يُتمتم بمراره امتزجت باشتياق فخرج صوته مفعما بعاطفته: مصمم يعصينى، مصمم يدق لجنته..
اغلق عينه بقوه و همس بحراره متذكرا همسها بحبها له: و مبقاش بايدى حاجه اعملها..!؟ فتح عينه تائها في الظلام الذى لم تتوه فيه هى، بل هى النور الوحيد الذى يعذبه اضعاف عذابه، ضحكتها الذى تنير عتمته كأنها بدر مكتمل، ابريقها العسلى الذى يشتاقه حد الجنون ليغرق به مجددا يرسل اطيافا مزهره لظلامه، شفتاها الذى يشتهيها حد الهوس لتطبق انفاسه و تذوب هى بين يديه عشقا فتمتزج روحيهما لا فارق داخله ام داخلها..
شدد يده على شكل قبضه ليضرب بها على قلبه و هو ينهى كلماته بنبره كسيره: هى اللى ملكت القلب و هى اللى قتلته...! تنهدت مها ناظره له لترى تلك الدمعه التى فارقته تدرى جيدا انها احساسا بالألم، و لكنها لا تدرى اهو ألم لعجزه ام لعجز قلبه؟ عجزه الذى يختبره ربما بل اكيد لأول مره بحياته، عجزه الذى أحال النسر المحلق بانطلاق لعصفور جريح داخل قفص كالسجين، عجز يشعره بأنه انتهى كأن من حوله احبوه لقوته..!
و من سئ لاسوء، عجز قلبه.. قلبه الذى لم يرى في النساء امرأه تستحقه، قلبه الذى تمرد على الحب وشغفه طوال سنين عمره، قلبه الذى احتقر الحب لعلمه انه لا للاقوياء مثله و ها هو عندما احب اصبح الحب تعويذه ضعفه و تغريده آلامه.. عندما احب ادرك صدق تفكيره لا مكسب في العشق فهو عنوان الخساره، فإما تخسر قلبك و إما تخسر نفسك و في الحالتين ستخسر و المؤلم انك تسعد بالخساره.
نظرت لتشتته قليلا و لم تجد قدره بنفسها على تحمل وجعه فعانقته بحنان ليعانقها هو بقوه... آمنت لكِ يا جنتى، فخنتِ الامانه و الآمن.. منحتكِ القلب غاليا، فرددته الىّ ناقصا.. وهبتكِ الروح عزيزه، فقتلتِ العزه وجعلتنى بها زاهدا.. عشقتكِ بنفس راضيه، فأثبتلى ان العشق لمن مثلى خطيئه.. و في النهايه ابتعدتِ، لاكتشف انك هكذا كفائتنى...
ابتعدت مها عنه و ضغطت يده و همت بالخروج لكنها توقفت بدهشه عندما رأت جنه تقف امام باب الغرفه التى تركته مفتوحا و دموعها تشاركها ألم قلبها و ندمه..
نظرت مها لعاصم و ابتسمت وتحركت للخارج و بجوار الباب اتسعت ابتسامتها لجنه و غمزت لها بعبث و لكن جنه لم تحيد بنظرها عن ذلك العنيد امامها و بمجرد ان رحلت مها دلفت جنه و اغلقت الباب خلفها فاستدار عاصم و صمت قليلا و رائحتها تنتشر حوله بقوه فتحرك بخطوات بات يحفظها حتى وقف امام الشرفه.. رفعت يدها مزيله دموعها متذكره حديث اكرم معها و كلماته و خاصه بس دلوقت لازم تداوى.
اقتربت منه و وقفت امامه لتصبح محتجزه تماما بين جسده و بين الزجاج خلفها و هتفت بضحكه: انا جيت.. ظل مكانه ثوانى ثم استدار معطيا ظهره لها متسائلا بسخريه: و جايه ليه؟ ابتلعت ريقها متحركه اليه لتقف امامه مجددا و تهتف بنفس الضحكه التى ربما لا يراها و لكنها ظاهره في عفويتها: دا سؤال ده؟ دا بدل ما تقولى وحشتينى؟
اقتربت منه و طبعت قبله سريعه هادئه على وجنته تكمل دون ان تأبه بتيبس ملامحه: دا بدل ما تقولى كنتِ فين دا كله اتأخرتِ عليا؟ عقد حاجبيه و انفاسه بالكاد تخرج و لكنه ظل على جموده الثلجى ليعطيها ظهره مره اخرى و هو يأخذ نفسا عميقا: اخرجى علشان عاوز انام.. اتجهت اليه ممسكه بذراعه تحركه معها باتجاه الفراش: طيب يالا.
تجمد مكانه و هو يسحبها من يدها لتصطدم بصدره و هو يصيح معنفا اياه على تصرفها بعدم اهتمام و كيفما شاءت: مش هنبطل لعب بقى؟ انتفضت من صرخته و لكنه لم يتوقف بل جذب ذراعها اكثر و بنفس النبره القويه اضاف يزيد ضيقها ضيقا: انا مش طايق وجودك جنبى ابدا، ليه مش عاوزه تفهمى؟
كان صوته يعلو تدريجيا حتى صرخ بالكلمه الاخيره لتشعر بقلبها يكاد يتوقف هلعا و عندما اقتربت منه و كادت تتحدث فوجئت به يضع يده على عنقها ضاغطا عليه هاتفا بنبره ادخلت الذعر لقلبها: مش عاصم الحصرى اللى يتلعب معاه يا بنت الالفى.. وضعت يدها على يده مبتسمه و ضغطت يده اكثر و تمتمت بخفوت شديد تبعثره قاصده: بحبك.
ثم ازدردت ريقها بصعوبه شديده اسفل يده لترتجف على عنقها و تتفكك اصابعه ببطء حتى ابعد يده عنها فاتسعت ابتسامتها و ظلت تحرك عينها على ملامحه كلها متابعه ما تفعله: ايوه يا عاصم انا بحبك، هفضل اقولها كل يوم و كل ثانيه، هعوض كل مره كان نفسى اقولها و منعت نفسى، هعوض كل مره اتمنيت تسمعها و انا خذلتك، هقولها لحد ما تصدقنى حتى لو اضطريت استنى لاخر يوم في عمرى..
استدار معطيا اياها ظهره و بنبره شديده البطئ، قويه زلزلت تماسكها: خلصتِ، يلا اطعلى بره. تشنجت اعصابها قليلا و لكنها لم تستسلم و اتجهت لتقف امامه و وضعت يدها على قلبه لترتوى بدقاته الجامحه التى للاسف لم يستطع ترويضها فابتسمت بطمأنينه: قلبك بيعارضك يا كابتن.. دفع يدها عنه و ابتسم بسخريه رافعا يده يمسح جانب فمه بحركته المعتاده منحنيا عليها قليلا: كل حاجه مع الوقت بتتغير.
ضحكت بصوت عالى استفزه و ادهشه بالوقت نفسه هامسه بثقه بقدر ما بها من تمنى: مش هتقدر..! هدر بصوت غاضب جعلها تجفل منتفضه كأنه يذكرها بمن يقف امامها، او ربما يحاول تذكر من تقف امامه: جنه.. اقتربت منه خطوه لترفع يده على عنقها مجددا و تضغطها بقوه و تمتمت بصوت يجاهد ليخرج: اقتلها، عاصم الحصرى في غضبه مبيشوفش، اعتبرها لحظه غضب و امحى جنه من حياتك تماما، لان مفيش حاجه هتبعدنى عنك غير انك تموتنى يا عاصم..!.
كانت يده محاصره بيدها و بعرقها النابض بعنف و قوه جعلت يده تضغطه بتحدى و تلذذ و نبرته تصدمها حقا: انتِ انتهيتِ بالنسبه لى من زمان. ضحكت و هى تقترب منه اكثر و همست و انفاسها تصطدم بعنقه: كذاب..
انتفض جسده بعنف غاضب مبتعدا عنها عندما بدأت هى تضعف بالمقابل و دموعها تتساقط و مع ارتجافه جسدها صرخت به: ايوه كذاب، انا عمرى ما هنتهى جواك مهما حاولت، و مهما لسانك عاند و مقلهاش عينك بتقولها يا عاصم، كفايه ان كنت بتنادينى جنتى. ضربته بكتفه بقوه لتصيح بهستريا باكيه: انت مكنتش بس بتنادنى انت كنت بتوصفنى، بتوصف مكانى عندك، كنت جنتك يا عاصم..
امسك يدها التى تدفعه بحده و همس و هو يقربها اليه كأنه يراها و عينه تحاصر اللاشئ الان: كنتِ...! و صمت كلاهما، صمت اصخب من اى كلام، صمت كان حديث خاص للقلب.. و ما اجمل من الصمت لغه، لغه بلا غضب بلا صراخ فقط تحمل الحب و الكثير الكثير من الاشتياق.. حتى ابتعدت عنه و هى تضع يدها بيده لترفعها بينهم في وضع المراهنه و تتحداه بقوه: خلينا نشوف مين هيكسب!
ضربت يديهما المتعانقه بصدره ليشعر كلاهما بنبضاته و تمتمت بصوت عالى، قاسى كما لم يعتاده منها من قبل: عاصم الحصرى...؟! ثم ضربت يديهما بصدرها هى ليشعر كلاهما بنبضاتها و ابتسمت و بنبره اكثر قوه و دفئا: و لا قلب عاصم الحصرى؟
متمردتى الجميله... خرجت سلمى من غرفتها على صوته لتجده يتقدم اليها بلهفه محتضنا اياها ليرفعها و يدور بها عده مرات و هى تتمسك به و تضحك بسعاده حتى اوقفها ارضا، اخذت انفاسها قليلا و هتفت تتسائل بفرحه: ربنا يديم الفرحه بس قولى السبب افرح معاك. اتجه للاريكه و جلس عليها براحه رافعا قدمه مستندا بها على الطاوله الزجاجيه امامه و ضيق عينه بخبث يلاعبها و يتلاعب بفضولها: هتدفعى كام؟
عقدت حاجبيها بغضب و زمت شفيتها و اقتربت منه هاتفه و هى تضغط على حروفها غيظا: كام واحده يا حبيبى؟ جذبها من يدها لتسقط فوقه لتشهق بخضه و هو يأرجحها بقدمه كطفله صغيره و اشار لوجنته: هنا.. فنظرت اليه بغيظ ثوانى ثم اقتربت طابعه قبله على وجنته اليمنى ليستدير بوجهه مشيرا لوجنته اليسرى فاقتربت طابعه قبله اخرى عليها، لينظر اليها قليلا ثم ينظر لشفتيها و يهتف بعبث: دى بقى باخدها بدون طلب.
تبعها بأسر شفتيها بين شفتيه بشقاوته المعتاده و هى تذوب تماما اسفل لمساته الحاره و انفاسه المشتعله التى اشعلت قلبها بنبضاته المجنونه التى تروى عن عشق تملك منها، عشق لهذا العابث. حتى ابتعد مستندا بجبهته على جبهتها و مازال كلاهما مغلقا عينيه فهمس بحراره مشاعره الان: انتِ بتعملى فيا ايه؟
فتحت عينها بهدوء لتمررها على ملامحه القريبه منها فتبتعد للخلف قليلا ثم اقتربت بشغف تطوقه بقبلات متفرقه تاه هو بها مصدرا تأوه خافت جعلها تضحك بعبث و هو يدفعها فجأه لتسقط على الاريكه و هو يطل عليها من عليائه و يبتسم و عيناه تحاصرها تماما: انتِ عارفه عقاب السرقه ايه؟ عقدت حاجبيها و ضحكت برعونه مدعيه الاستغراب و هى تتسائل بصدمه مصطنعه: سرقه!
هبط بقبله اخرى على شفتيها لتستسلم له تماما لحظات هادره ثم ابتعد هاتفا بغمزه مشاكسه: اه سرقه و بدون اذن صاحبها كمان. كانت مخدره تماما بفعل اقتحامه لوعيها بطوفان مشاعره الجياشه التى دائما ما يُنسيها نفسها في وجوده، هبط بقبله ثالثه بثتها مشاعره الهوجاء ليتمتم بين شفتيها بعشق: سرقتِ قلبى، عقلى، حزنى، سرقتِ روحى، كنتِ جريئه قوى و متمرده..
ضحكت بسعاده مطلقه لتتوه ضحكتها معه في عنفوان لفهما معا، حتى ابتعد و همس امام شفتيها بعشق جارف اذابه و اذابها بسعاده معه: شكرا بجد يا سلمى، شكرا على وجودك في حياتى، شكرا لانك نورتِ ايامى كلها بيكِ، يمكن عصبيه و لسانك عاوز يتقص، بس طيبه و جدعه و انا بحبك زى ما انتِ كده..
ضحكت بسعاده عده مرات متتاليه و مازالت عينها مغلقه و هو يطالعها بفخر و اعجاب و عاد يهمس بامتنانه لها بنبره مختنقه: انتِ غيرتِ كل حياتى، لونتيها بألوان الفرحه، بدلتِ الخوف من المستقبل لراحه و امان، انا وجودى بيكِ و ليكِ يا سلمى و هفضل طول عمرى ليكِ.. فتحت عينها لتواجه عينه المحمله بمشاعره، مشاعر حب و خوف، راحه و ألم، مكسب و خساره و اخيرا فقد و امتلاك.
ملامحه التى يرتوى بها قلبها، نظراته العاشقه التى تغلفها بالسعاده، هو خسر الام ليتبعه اهمال الاب فمجافاه و كره زوجه الاب فبات يرى بها كل ما يملك، و هل هناك افضل من روحين يجمعهما عشق ليصبحا روح واحده، هل هناك اجمل من زوجين يرى كلاهما بالأخر نفسه؟!
اقتربت منه محاوطه وجهه بين يديها لتستند بجبهتها على جبهته و تهمس بصدق و حقيقه مشاعرها هى الاخرى: و انا مش محتاجه غير وجودى جنبك، ثم ابتعدت و عبثت بوجنته بدلع: و اذا كانت دى سرقه يبقى انا متهمه و بعترف يا فندم. ضحك بسعاده ضاما اياها لتتسائل بابتسامه متفهمه و من معرفتها له قد استنبطت ما سبب فرحته العارمه رغم ما تنبض به ملامحه من تعب: كنت خايف منها و لا فاقد الامل في نجاحها؟!
عقد حاجبيه قبل ان يبتسم مجيبا و قد ادرك انه تجاوز مرحله ان يُدهش لفهمها له و لكنه عبث: هى ايه دى؟ اتسعت ابتسامتها هى الاخرى تردف مانحه اياه صك بصدق احساسه: العمليه اللى مفرحه قلبك بنجاحها كل الفرحه دى.!
لمعت عينه بسعاده و اومأ برأسه بحماس و هو يشرح لها مقدار ما كان فيه من توتر و خوف لا قله ثقه بقدراته بقدر ما كانت قلق لصعوبتها: الحاله كانت صعبه جدا، كتير حذرونى منها و ان ممكن فشلها يأذى المريض اكتر من حالته دلوقت، بس كان كلى ثقه انى هقدر انقذه، كنت واثق في ربنا قوى و فعلا نجحت يا سلمى، كان اهله فرحانين جدا، كم الدعوات اللى جازونى بيها خلتنى اسعد انسان على وش الارض، احساسى انى قدرت ارسم الضحكه على وشوشهم كان ميتوصفش يا سلمى..
امسكت بياقه قميصه تهندمه بفخر و نظراتها تمطره بعشق و دعم: انت كل مره بتفرح كده يا امجد، كنت بتعجب سبب فرحتك خصوصا ان انت بتأدى واجبك مش بتعمل حاجه زياده لكن خلتنى افهم يعنى ايه اعيش شعور ناس افرح لفرحتهم و احزن لحزنهم، انا فخوره بيك جدا جدا يا دكتور.
و لحظه صمت تنظر فيها هى ارضا، ثم امسكت يده بينما هو حاوط خصرها منتظرا الاتى فعينها اخبرته انها ترغب بشئ و قد كان عندما تمتمت بجزل: عاوزه اقولك حاجه و اطلب منك طلب؟ اومأ برأسه ضاربا جبهته بجبهتها موافقا دون تردد، هو يميلها للخلف قليلا صائحا بمرح: استغلال ده بقى، بس عموما كل طلباتك مجابه النهارده..
قهقهت عاليا لتطرب ضحكاتها اذنه حتى اعادها باستقامه بين يديه فأمسكت يده واعتدلت جالسه مما اخبره ان الامر جادا فانتبه لها: الموضوع الاول، انا عاوزه انزل الشغل تانى!
ابتسم باحتواء و اومأ برأسه رافعا يدها مقبلا اياها قائلا و هو يعبث باصابعها: يوم ما قررتِ تقعدى انا وافقتك و قولتلك وقت ما تحبى ترجعى تانى انا مش همنعك، انا كده كده ببقى مشغول طول اليوم و انتِ بتبقى لوحدك و انا متأكد انك بتزهقى و علشان كده انا معنديش مانع بس طبعا عارفه المطلوب بالمقابل..
حركت رأسها سريعا موافقه و على وجهها ابتسامه بلهاء، فرغم عدم قناعتها بطلباته و رغم عدم موافقتها على تنفيذها تجاريه حتى تتجنب حوار طويل ممل و عقيم و لن تعمل به في النهايه.! فابتسم بالمقابل و رفع يدها لفمه مجددا ليقبل الاصبع التانى و يقول باستعداد: و ايه الطلب؟
ارتبكت قليلا و نظرت ارضا بينما يتابع هو ملامحها المضطربه و عقد حاجبيه مترقبا و ضغط يدها بين يديه مطمئنا فرفعت بصرها اليه لتمتلئ عينها بالدموع و هو تمتم بصوت خفيض: بالله عليك توافق.. ازداد قلقه فرفع وجهها اليه ليرى حزنها بوضوح قائلا بنبره حانيه: على ايه يا حبيبتى قولى؟
لحظات صمت ايضا حتى هلكت اعصابه و ازداد ضغطه لكفها و معه ازداد ارتباكها متوقعه رفضه القاطع كالايام الماضيه و لكنها ستطلب و تطلب حتى تطمئن فتمتمت بخفوت: اعمل تحاليل! زفر بقوه تاركا يدها و هم بالنهوض من جوارها فأمسكت يده مسرعه و نبرتها تختنق بخوفها: بالله عليك يا امجد، انا التفكير هيموتنى، مليون هاجس و مش هعرف اتعايش مع الموضوع كده..؟
تقدمت لتقف امامه و نظرت اليه برجاء لم يراه في عينها سوى بهذا الموضوع و محقه فكونها ام او لا امر ذات شأن عظيم: انت دكتور و عارف يعنى ايه خوف من المرض، ليه مش بتساعدنى؟ انا مش عاوزه اعمل حاجه من وراك لانى محتاجه لك جنبى، ارجوك وافق..
امسك بكتفها يهزها بقوه: احنا بقالنا قد ايه متجوزين يا سلمى، كام سنه ها، انتِ ليه بتتوقعى البلاء قبل وقوعه، فين حسن الظن بالله، دا رزق يا سلمى ايه المشكله رزقنا اتأخر شويه؟ ازداد انهمار دموعها و تمتمت بعجز: انا مش معترضه على قدرى بس خايفه، ايه المشكله انى اطمن، ليه لا؟
ابتعدت عنه تهتف بجزع و قلبها ينبض بعنف: عارف يعنى ايه افضل افكر ليل نهار انا هبقى ام و لا لأ؟، طيب لو ربنا كاتب لى لأ انت هتفضل جنبى و لا لأ؟، عارف يعنى ايه مش عارفه انام من كتر تفكيرى و خوفى؟ انا تعبت يا امجد... ثم اقتربت منه ممسكه بقميصه برجاء خالص لتهتف بسرعه متلهفه: التحاليل مش هتاخد وقت و النتيجه لو طلعت ايجابيه يبقى انا اطمنت و هصبر لو لاخر العمر لكن لو النتيجه سلبيه...
قطعت كلماتها و انتفض جسدها بكاءا لتضع يدها على وجهها تخفيه و لحظات لتشعر به يجذبها بقوه ليضمها لتتمسك به مخفيه نفسها بين ذراعيه تحاول بشتى الطرق اقناعه: عاوزه اوصل السما او ارسى على الارض مش متحمله افضل متعلقه كده، بالله عليك.. شدد من ضمها و عقله يكاد يفارقه، هو لا يخشى سوى عليها..
ربما تعنى نعم او لا، ربما تعنى اما تصل لعنان السماء و اما تصل لاعماق الارض، ربما تعنى اما راحتها و اما كسرها، كيف يجازف بشئ هكذا، كيف؟ و لكن امام انهيارها هذا ماذا يفعل! يعلم جيدا ان زوجه ابيه لا تتركها و ليس بيده شئ الان سوى، الموافقه.. مسد ظهرها بحنان و داعب اذنها بكلماته يعيدها لقوتها و تمردها من جديد: انا مش متعود عليكِ كده، فين سلمى مراتى يا ست انتِ؟
و عندما ابتسمت بخفوت تنظر لعينه بترقب منحها ما تريد بحزم و هو يخشى العواقب عليها: انا موافق يا سلمى، نعمل التحاليل. ابتعدت عنه مسرعه لتنظر لعينه بلهفه و كأنها تستشف صدقه من مراوغته لتصمت: بجد موافق اعملها؟ ضم وجهها بكفيه و ابتسم بطمأنينه و أردف بحسم قاطع: هنعملها يا حبيبتى..
الليل بوعوده قاسى، و يا ويلي من ساعاته.. و الصبر لسه ساكت، و يا ويلى من سكاته.. الليل بدموعه قاسى، و يا ويلى من ساعاته.. و الصبر لسه ساكت، و يا ويلى من سكاته..
خيم الظلام على الجميع ليستكين كلا منهم في فراشه، منهم من يغلبه عقله و يستلم لافكاره التى ربما تدمر ما بقى من وعيه، منهم من استسلم لوجع القلب لتشاركه وسادته حزنه و دموعه، منهم من راقب السماء و داخله يعصف به و رغم سكون الليل يرى داخله اعاصير، و منهم من يرى ان لا فائده من التفكير و لا شئ يمنع النوم من مغازله الجفون.. ليل واحد و نفوس مشتته، قمر واحد و قلوب متفرقه..
و من بين الجميع رفضت تلك المتسلله الاستسلام لفراشها، النوم او حتى التفكير بعد اداء صلاه الفجر بل حملت كل ما بها و اتجهت اليه بخطوات قلقه و لكنها متحفذه، فتحت باب الغرفه بهدوء شديد رفعت طرف قميصها الطويل لتسير للداخل على اطراف اصابعها و تغلق الباب خلفها بحذر اشد..
اقتربت منه لتجده نائم بسكينه لتبتسم بحب و هى تقترب منه لتجلس امامه على الفراش تراقب ملامحه التى سمح لها ضى القمر برؤيتها، عيناه المغلقه و التى اشتاقب للتيه بين حصونها، شفتاه التى رغم سكونها تشعر بها تصرخ بصرامه، لحيته الصغيره التى تراه بها لاول مره فهو منذ الحادث لم يهندمها بل تركها لتضيف وسامه قاتله و جاذبيه مهلكه عليه و على قلبها المسكين الذى يدفعها الان للعبث بها..
اخفت وجهها بين كفيها خجلا من افكارها ثم ابعدتهم لتتطلع لملامحه مره اخرى ثم رفعت يدها لتلامس يده الخشنه بنعومه مفرطه تهمس بشجن: ان قلت انت يا ريت مره فأنا بقولها دلوقت ألف..
ثم اقتراب، فقبله صغيره على يده تبعتها بآه خافته و اعتدلت رافعه شعرها بهدوء لتستكين رأسها على ذراعه الاخر المفرود على الفراش ثم تترك خصلاتها لتلامس يده بعشوائيه و تمددت بجواره كليا ممسكه يده الاخرى بهدوء تنظر لوجهه بحذر لتضعها على خصرها، اغمضت عينها و قلبها يرقص فرحا، فكم من مره تمنت ان تغفو بين احضانه!
وضعت يدها على يده الموضوعه على خصرها و تنهدت بارتياح غير عابئه برد فعله صباحا و تمتمت بضعف بعدما طغت افعالها السابقه على ذاكرتها: يمكن لانك متعرفش معنى الخوف مفهمتش خوفى.!؟
ثم ابتسمت بهدوء متذكره ذلك اليوم الذى لجأ لحضنها ليسألها ان تعتق قلبه فضغطت يده و هى تحتويها بين كفيها لتهمس بعاطفتها المفرطه: الليله دى، الليله دى عاوزه انسى كل حاجه هنا، هنا بين ايديك، انسى خوفى، انسى غضبك، انسى نفسى و افتكر حاجه واحده بس، انى بحبك.
استدارت ببطء ليصبح وجهها مقابلا لوجهه لترفع يدها لتضعها على وجهه و تردف و دمعه هاربه تفارق جفنها لتتساقط على طول انفها حتى تذوقتها شفتيها: قلبى اللى عاش طول عمرى خايف يطمن جنبك، عقلى اللى تعب من التفكير في البعد يستسلم لحبك، نفسى اللى خسرتها سنين كتير ترجع ليا من تانى علشانك...
وضعت رأسها على كتفه و اكملت و دموعها تترك الاثر على ملابسه و ابتسامه صغيره تزين شفتاها المبلله بالدموع، ابتسامه منكسره، نادمه و عاجزه: عارف ايه اكثر حاجه بتمناها!، اقتربت تسند رأسها على ذقنه لتلامس انفاسها عنقه و هى تهمس بشغف: انى اعيش اللى باقى من حياتى في حضنك، اعيش يوم واحد بس احس فيه تانى بحبك، يوم لو انتهت حياتى بعده انا راضيه..
شعرت بتتشدد قبضه يده على خصرها فرفعت رأسها مسرعه لوجهه و لكنه كان ساكنا تماما فزفرت ببطء و عادت تستسلم لدفئ يديه و بدأ النوم يداعب جفونها حتى غطت في نوم عميق... انتفض قلبه الرابض خلف ضلوعه بألم و حسره، تتمنى يوم واحد تشعر فيه بحبه، حبه الذى حاوطها دائما لا يوم بس اعوام، حبه الذى فنى نفسه ليصلها، و لم يصل، كم انها انانيه، كانت و لا زالت و ستظل انانيه!
تريد يوم واحد و لكنه يتمنى ألف عمر ليحياه معها، تريد ان تحيى ما تبقى من عمرها في حضنه و هو لو بيده لاعاد الماضى، جمع الحاضر و طوع المستقبل ليكون لها طوال عمره، لها هى فقط.. هذا اكثر ما تتمنى و لكنها كل امنياته!
ود لو يضمها اكثر و لكن أبت يداه فإن صعد لأول درجه سيهرول نحو الباقيه، ود لو يبثها اشواقه و لكن البقيه الباقيه من صبره انتصرت فلو انفرط الان لن يُكبح جماح شوقه لها ابدا، ود لو يغمرها بقبلاته و لكن ربما ان فعل يغرق بها و معها في دوامه لن يستطيعا الخروج منها اذا يبتعد و الاجابه داخله ضحكه ساخره..
لذلك استسلم بهدوء لانفاسها المنتظمه على صدره و لعبق رائحتها الذى اعاد احياء روحه و هو يعيد شريط انجازاتها بحياه عشقه و تلاعبها السخى بكل قوانين حياته... هدمت قلاع ظلمته لتستكين اما مرآه عينه التى لا تحمل من الملامح سواها، عبرت اسوار قلبه لتجلس بفخر على بحر مشاعره و طوفان اشتياقه الذى لم و لن يكون لسواها،.
اخمدت براكين لوعته و بددت جبال احزانه لتسير برعونه على رمال عشقه تبعثر صمته و تلملم اصداف حبه التى اعدها لها و فقط لاياها، تربعت على عرش قلبه و جعلت كل النساء جوارى عداها، ف كيف يكون للجنه شبيه و كل الحسن احتكرته سماها، و كل السهاد لها فالليل و القمر و النجوم فداها، فإن كان العشق دلالا فلمن يكون الدلال ايلاها...!
اشرقت الشمس صباحا لتداعب جفونها بحريه و سعاده لترفرف اهدابها و ينير ابريقها العسلى بنور الصباح و هل هناك اجمل من صباح برائحته و ضى الشمس! نظرت له بتوجس و لكنه مثلما وجدته بالامس مطبق لعيناه مستكين تماما فابتسمت و طبعت قبله على وجنته متمتمه بهمس شديد: صباحك جميل..!
ثم طبعت قبله اخرى و تسللت بهدوء من اسفل يده المحاوطه لخصرها و نهضت لتقف امام الفراش تهندم ملابسها لتنظر له بعدها بلهفه و ابتسامه ناعمه ثم بنفس هدوئها تتسلل للخارج، و بإغلاقها للباب كأنه قد حان الوقت ليستيقظ، و لكن عجبا فلم يستيقظ عابسا و لم يعقد حاجبيه بل ابتسم باشراقه يتلذذ بملمس شفتيها على وجنته..
نهض عن الفراش و لكن بمجرد ان افاق لعتمته تجهم وجهه و عادت شفتاه تنحنى بغضب و يداه تشدد قبضتها بضيق.. فالجوله الاولى، ربحتها - قلب عاصم الحصرى -...! بالاسفل جلست مها تتناول فطورها لتتجه للشركه و الجميع يراقبها بتعجب بعدما اخبرتهم عن انفصالها المفاجئ و لم تخبرهم سبب مقنع فكيف تفعل و هى حتى لا تعرف سبب فعله لهذا..
رفعت رأسها لتجد نظرات عز و ليلي مركزه عليها بينما شذى مندمجه بطعاهما بتلذذ فابتسمت و اشارت تغير مجرى التفكير حضرتك كنت بتقول هتقدم على عمره السنه دى يا خالو، صح؟ نظر اليها لحظات ثم اومأ برأسه و اجابها و قد تحدثت في احب المواضيع لقلبه: انا حجزت فعلا، هنطلع انا و ليلى و هناخد شذى معانا و ربنا ييسر احتمال كبير محمد و نهال يطلعوا زينا..
اتسعت ابتسامتها و لكنها قبضتها مجددا و ليلي تحدثها بحزن و قلق: متعرفيش اخبار عن حنين يا مها؟ اضطربت مها ثم نظرت اليها بحزن و عتاب فلمعت عين ليلي بالدموع: نهال كلمتنى و قالتلى ان الموضوع مدبر، كلنا ظلمناها.. طأطأ عز رأسه و هو يشعر بذنب عظيم ارتكبه و صراخها له ذلك اليوم لا يختفى من اذنيه..
كيف طاوعه قلبه ليشكك بابنته!، كيف اطاعته يداه لتترك اثارها بصفعه على وجهها!، كيف استجاب له تفكيره بفرض اتهام كهذا على صغيرته!، كيف؟ تابعت مها حزنهم البادى بوضوح على ملامحهم ثم اشارت و هى تؤمن بحديثها حنين قلبها طيب، و مع الوقت هتسامح، اللى حصل كان كتير قوى عليها بس الوقت كافى يطيب وجعها، اسمحولها بشويه وقت و بعدين الامور هتتحسن اكيد.
اومأ كل من عز و ليلي لتنهض مها لتغادر، دلفت للشركه و اتجهت مباشره لمكتبها لتجلس بتنهيده على مقعدها لتخفى بعدها وجهها بيدها و شعور بالوجع يغزوها... اجل ادركت ان ابتعاد محمود عنها كان حتميا ولكن هى تعلقت به، قلبها احب وجوده بجوارها، مغازلته و دلاله، جرأته و حبه، اهتمامه بها و خوفه عليها.. هى جميله و لكن جمالها لا يخفى عجزها، هى قويه و لكن قوتها لا تمحى ضعفها..
هى متاكده انه احبها، و ربما لم تحبه بقدر ما احبت حبه لها و لهذا تلك هى النتيجه النهائيه لاختبار ضعفه و ربما ضعفها.. قطع افكارها صوت الهاتف الداخلى رفعته ليصلها صوت هناء تخبرها ان اكرم يطلبها بمكتبه، اغلقت الخط و نهضت و هى تحمل عده اوراق و تصاميم كانت تعمل عليهم الايام الماضيه، اخذت نفس عميق و رسمت الهدوء بجداره على وجهها و اتجهت اليه..
طرقت الباب و دلفت و بمجرد ان فعلت نظر اليها و اغلق الاوراق بيده و نهض عن المقعد دار حول المكتب واقفا امامه مستندا عليه لينظر لها بتمعن و هتف بنبره جديه دون اى مقدمات: محمود قدم استقالته ليه؟ توترت قليلا و ظهر ذلك واضحا عندما ارتجفت عينها و ضمت الاوراق بيدها لصدرها اكثر، تابعها قليلا ليعود يقول بضيق يحاول تخمين السبب: عارف انى مليش حق اتدخل في حاجه تخصكم لكن كمان كلامه معايا اخر مره خلانى اسأل.!
ثم اعتدل مقتربا منها خطوه هاتفا بتحفز و غضب: و بعدين انتِ حطتيني في موقف انا محبش اكون فيه، ليه مقولتيش له عن الحادثه اللى حصلت يوم ما روحنا الموقع، مش عارف!، و لو وقتها خوفتِ يتهور على الراجل ليه مقولتيش له بعدها، برده مش عارف! انتِ متخيله موقفى لما وقف قدامى يقول انت عارف و انا لا؟
ثم اشاح بيده يُزمجر بشرود و تعجب يخالطه بعض الارتباك: انا مليش حق اتدخل في حياتك بس انا بقيت في حياتك و انا مش عارف ايه السبب و ليه و دا معناه ايه؟ رفع عينه اليها و اشار باصبعه تهديدا بعنف: انا من حقى اسأل، ثم وجه اليها اصبعه بحده: و انتِ لازم تجاوبى.!
و مع كل كلمه منه كانت تشعر بالارض تميد بها و الدموع تتجمع بعينها و بعد ان انتهى رفعت رأسها اليه لتجده يراقبها منتظرا اجابتها على اسئلته و هى لا تفهم ما هى الاسئله من الاساس فقد كان يبدو كمن راكم بداخله العديد حتى ما عاد لديه طاقه فانفجر كل شئ متتاليا حتى ما عاد واضحا لتفهمه، و يا ليتها تعرف انه هكذا بالفعل..!
تراكمت الدموع بشكل اكبر بعينها ليلاحظها هو مع ارتجافه ذقنها دلاله على انها على وشك البكاء ليعقد حاجبيه فورا و يهدأ قليلا من انفعاله و جال بعينه بالغرفه محاولا اصلاح الموقف: انا...
قطع كلماته عندما وصله انينها لتعود عينه اليها ليجد الدموع انهمرت من عينها تباعا و هى حتى لا تُحاول ازالتها فقط تقف تضم الاوراق لصدرها كتلميذه معاقبه امام معلمها، و حقا كم كانت تحتاج لانفجاره الذى فجر وجعها علها تهدأ و ترتاح، انتفض قلبه و اشار لها و هو يعتدل ليقف باستقامه او ربما ليمنع الارتباك الذى اصابه يفرد اليها كفيه يمنعها و هو يهتف بجزع: لا، لا اوعى، متعيطيش، لا متعيطيش، خلاص..
ازداد انهمار دموعها بشكل زاد ارتباكه اضعاف مضاعفه فاقترب منها خطوه اخرى و قلبه يتلوى الما عليها احسنت يا اكرم امطر بحر الفيروز بسببك احسنت وقف امامها و هو يبتسم و يعبس على التوالى، يعقد حاجبيه و يبسطهما، يفتح فمه ليتحدث ثم ما يلبث ان يغلقه حتى طاوعه لسانه اخيرا و هتف بضحكه ساذجه رأيتها هى واضحه: و الله ما عاوز اعرف، خلاص متعيطيش، انا غلطان اعتبريني مسألتش، لكن متعيطيش..
رفعت عينها اليه و دموعها تزداد و هو يقف بلا حيله حتى استدار للمكتب مسرعا و امسك بكوب الماء و باليد الاخرى حمل عده مناديل ورقيه و تقدم منها مجددا، نظرت ليديه الاثنين ثم اليه و هى تعجز عن التوقف كأنه اعطاها الرخصه لافراغ هم قلبها، وقف امامها مباشره و مد يده بالمناديل الورقيه قائلا بتلعثم: اتفضلى اشربى مايه..
نظرت ليده بتعجب و دموعها لا تتوقف فنظر هو الاخر ليرى انه يعطيها المناديل فاعاد يده و مد يده الاخرى بكوب الماء قائلا بلهفه مرتبكه: طيب خدى المناديل.. نظرت ليده مجددا فأدرك انه اخلط الامور مره اخرى فزفر بقوه و مد يده الاثنين اليها هاتفا بنفاذ صبر و قد اختبر لاول مره معنى ان يرتبك و قد زال كل وقاره، هدوءه و ضاعت كاريزمته امامها: خدى المناديل و اشربى مايه..
نظرت ليده الممدوده ثم رفعت عينها لملامحه المتوتره و لم تستطع كبح جماح ضحكتها لتنطلق تضحك بقوه على ما فعل و الارتباك الذى اصابه و التى تراه لاول مره بأكرم الالفى - الهادئ الوقور صاحب كاريزما الاتزان - بينما هو امامها تسمر تماما و الدماء تتجمد بعروقه و صورتها الضاحكه تغتال قلبه المتيم بها.. هى اجمل من القمر في حزنها، فكيف تكون في سعادتها! ان اضحى القلب شهيد دموعها، فكيف يصير بفتنه ابتسامتها!
ان تاه العقل في عبوسها، فكيف يغدو باشراقه وجهها! و ان فقد نفسه في بعدها، فكيف يلقاها جوارها! هدأت ضحكاتها اخيرا بعدما ادركت الوضع حولها فامسكت المناديل الورقيه من يده و كذلك كوب الماء، ثم اشارت له برأسها كأنها تشكره و على وجهها تتراقص ابتسامه تحاول اخفائها..
فحمحم و عاد للخلف ليعطيها ظهره للحظات يحاول استجماع نفسه حتى اقتربت هى منه و وضعت الكوب على المكتب و كذلك اوراق المشروع فأخذ نفس عميق يشعر انه فقده منذ قليل و نظر لها فأشارت و هى ترفع يدها اليمنى التى اصبحت خاليه امام عينه انا و محمود انفصلنا يمكن علشان كده استقال،.
اخفضت يدها و هى تراقب تجهم وجهه و صمتت ثوانى ثم اشارت مجددا و هى حقا تعنى ما تقول اما ايه سبب انى خبيت عليه، مش عارفه!، و ايه سبب وجودك الغريب و المفاجئ ده برده مش عارفه!، بس اكيد يوم ما اعرف الاجابه هبقى اجاوب حضرتك نظرت اليه نظره غريبه لا تدرى هى ماهيتها و لا يدرى هو سببها ثم اشارت بكلمه اخيره قبل ان تخرج شكرا.
و تحركت للخارج مسرعه بينما ظل هو واقفا يراقب الباب باندهاش و ضيق و يا للعجب لا يوجد فرحه..
حنيين، تعالى بسرعه.. صرخت بها حياه بالخارج لتنتفض حنين ركضا لمصدر الصوت لتجد حياه تقف امام غرفه محمد و هى تضحك و تبكى بنفس الوقت... اقتربت حنين منها و امسكت ذراعها بلهفه و قالت و قد اثارت صرختها توترها: فيه ايه يا حياه؟
اشارت حياه للداخل باصبعها لتنظر حنين بالمقابل لترى محمد يقف على قدميه و يتحرك ببطء بمساعده نهال، فاتسعت عينها باشراقه و الفرحه تطرق ابواب قلبها المغلقه فركضت للداخل هاتفه: بابا، انا مش مصدقه، حمدلله على السلامه.. ابتسمت نهال بسعاده و كذلك محمد ليتمتم بضعف: الله يسلمك يا نواره بيتنا..
اتجهت اليه ليستند عليها من الجهه الاخرى ليتحرك معهم للخارج حتى وصلا للحديقه الخارجيه للمنزل ليُسقط ذراعيه عن كتفهم و يرفع رأسه لاعلى مستنشقا الهواء بافتقاد فمنذ اشهر عده لم يغادر فراشه.. احضرت حياه مقعد مسرعه لتضعه خلفه و صاحت بجم سعاده قلبها: اقعد يا عمو.. جلس و قلبه ينبض فرحا، ها هو اليوم بدون اجهزه تخنقه، ها هو يستنشق هواء الطبيعه، ها هو يعود لتلامس قدميه الارض، ها قد عاد لحياته..
وقف ثلاثتهم حوله و اعينهم تفيض فرحه حتى صرخت حياه و هى تقفز بسعاده: مازن، لازم اكلمه هيفرح قوى لما يعرف.. ضحكت نهال و نظرت اليها: هيسيب شغله و هيجى يا بنتى خليه لما يجى نقوله.. ابتسمت حنين بالمقابل و اجابتها متناسيه حزنها منها: و ايه المشكله يسيب الشغل و يبقى وسط اهله في الفرحه دى، و بعدين دا حقه.. اشارت حياه بيدها و هتفت مؤيده: صح، انا هكلمه..
و ركضت للداخل مسرعه لتهاتفه و عادت بعد دقائق تضحك بسعاده فنظر الجميع اليها فهمست من بين ضحكاتها: مصدقش، كان رد فعله غريب قوى...! ضحك محمد و تمتم فمن افضل منه يعرف اولاده جيدا: قفل التليفون من غير ما يجاوبك و بعدين اتصل بيكِ يتأكد انك اللى كلمتيه فعلا، صح؟ نظر الجميع اليه و خاصه حياه هاتفه بتعجب: صح، بس حضرتك عرفت ازاى! ضحك ضحكه قصيره و اضاف بثقه: ابنى و حافظه..
ضحك الجميع و بعد قليل دلف مازن و هو يركض وبمجرد ان رأى والده امامه هتف بصياح مرح و صوت عالى: اللهم صلى على النبى، الحديقه نورت.. ثم رفع يده ليضعها اعلى فمه و يزغرد بلهفه مرحه و صوت انثوى، لتندفع كل من حنين و حياه بضحكات صاخبه و كلتاهما تراقبه بذهول على رد فعله الغير متوقع..
بينما هو لم يأبه بأحد بل اتجه لوالده و جلس على ركبتيه امامه و امسك رأسه مقبلا اياها تبعها بتقبيل كفيه ليهمس بتحشرج: حمد لله على سلامتك يا حاج. ربت محمد على كتفه وابتسم بحنان ابوى: الله يسلمك يا ابنى.. نظرت نهال اليهم و دون تفكير اضاءت صوره فارس في مخيله ثلاثتهم لتمتلئ عينهم بالدموع، ويمتزج حزن القلب بفرحته...
نظرت حياه لحنين و التى كانت على وشك الانفراط معهم و قالت بصوت عالى: انتِ واقفه ليه كده تعالى نعمل حاجه نشربها و احنا قاعدين في الجو الجميل ده.! فرفع مازن رأسه مبتسما و صاح و هو يرفع يده: انا عاوز قهوه.. بينما ضحكت نهال و هى تجلس على مقعد بجوار محمد رافعه يدها هى الاخرى: و انا عصير فراوله.. عقدت حنين يدها امام صدرها و هتفت بغيظ مثلما كانت تفعل مع ابيها و امها: اى طلبات تانيه!
نظر اليها مازن من اعلى لاسفل و هتف باستفزاز: بسرعه علشان ورايا مشاغل مش فاضى.. تلاقت عينها معه هى بغيظ سافر و هو باستفزاز عابث ثم ارتبك كلاهما فاخفض مازن رأسه و اسرعت حنين للداخل، احضروا ما يلزم و بدأت حياه باعداد العصير قائله: اعملى انتِ القهوه مبعرفش اظبطها.. ثم استدارت لها و اضافت: مازن بيحبها باللبن..
اومأت حنين و اخرجت اللبن واضعه اياه ليغلى واقفه امامه تراقبه، بينما انتهت حياه من اعداد اكواب العصير فقالت: هخرج انا لهم و انتِ هاتِ القهوه.. ابتسمت حنين موافقه وخرجت حياه، صعد مازن ليبدل ملابسه و عندما هبط وجد حنين مازالت بالمطبخ فاتجه اليها ليجدها شارده تماما و اللبن على المقود على وشك الغليان، فأسرع و هو يهتف: اللبن..
و لكنها كانت في عالم اخر لم تنتبه له حتى اقترب منها و كان اللبن قد غلى على الموقد ليتساقط على جوانب الاناء فصرخ بجزع و يأس: فار، فار انتفضت على كلمته و عينها تتسع بصدمه و هى تراه امامهاا و لكلمته اخذت تركض بعشوائيه و هى تصرخ: فين؟ فين ده! نظر اليها بتعجب من حركتها البهلوانيه الشبه راقصه و ملامحها المذعوره حتى وجدها تقف خلفه تتمسك بملابسه و تصرخ خائفه: هو فين الفار؟
و همت بتركه لتركض خارج المطبخ حين نزع هو يدها عن ذراعه المتشبثه به بعدما ادرك سبب خوفها و همس باستنكار و قله حيله: فار ايه بس؟، اللبن فار يا دكتوره..! اتجه لموقد الغاز مطفئا اياه بينما هى شهقت مستوعبه ما فعلت و اثار سقوط اللبن خير دليل فعضت على شفتيها واضعه يدها على فمها هامسه بخفوت: انا اسفه مأخدتش بالى..
استدار لها ليحرك رأسه يمينا و يسارا بمعنى يا خساره و خرج من المطبخ فضربت هى جبهتها بعتاب و خجل لتجده يدلف مجددا ناظرا ليدها على جبينها باستنكار فأخفضتها مسرعه فقال بتحذير صارم: القهوه ان فارت مش هشربها.. و خرج لتنظر هى للموقد بحسره لتجده يدلف مجددا فنظرت اليه فقال بتهديد جدى: و وقتها هجيبلك فار حقيقى..
اتسعت عينها بجزع فأشار اليها باصبعه مرتين متتاليتين و هو يرفع احدى حاجبيه ثم خرج ليقف امام المطبخ يبتسم لا يدرى السبب ثم حرك رأسه يمينا و يسارا و تحرك للخارج.. بينما في الداخل ظلت حنين تراقب الباب الذى اانصرف من جواره بذهول و تمتمت بعدم استيعاب: هو ممكن يجيب فار بجد؟! ابتسمت و هى تشيح بيدها هاتفه باستنكار: اكيد لأ يعنى.. ثم نظرت لارضيه المطبخ و همست بعدم تصديق: بس ممكن يعملها فعلا!
رفعت رأسها محركه اياها بنفى مبتسمه بثقه: لأ لأ اكيد لأ... انتِ بتكلمى نفسك يا حنين.. افاقها من تساؤلاتها العابثه صوت حياه الضاحك، فنظرت اليها و ابتسمت و قامت باعداد القهوه و هى تنظر اليها بتركيز شديد و عندما لاحظتها حياه قالت متعجبه: انتِ مركزه قوى ليه كده؟ نظرت اليها تلقائيا و همست بحرص: علشان ميجبش الفار.. عقدت حياه حاجبيها وتمتمت بدهشه: فار! هو مين ده؟
اطفأت حنين الموقد و وضعت القهوه بالكوب و حملته ناظره لحياه هاتفه بسذاجه ضاحكه: البشمهندس مازن قالى انى لو سيبت القهوه تفور هيجيب ليا فار حقيقى و انا بخاف منهم..
نظرت اليها حياه ثوانى ثم قهقهت بصوت عالى و هى تضع يدها على معدتها لا تستوعب كم البراءه التى تتحدث بها تلك المرأه التى وصل عمرها لربع قرن تقريبا و مازالت يسهل اخافتها كطفل صغير ثم وضعت يدها على كتف حنين متحركه بها للخارج: طيب يلا يا نواره بيتنا.. ابتسمت حنين فهذا هو لقبها الجديد لا يناديها محمد بسواه، لا تدرى السبب و لكنها تتلذذ بسماعه..
اتجهت لمازن و اعطته القهوه فأخذها منها ناظرا لها بحده رافعا احدى حاجبيه متسائلا باسلوب جدى: فارت؟! اشارت بيدها و رأسها مسرعه و قد اخبرها بنظرته مدى جديته فهذا احد الامور التى يجيدها مازن: لأ لأ والله.. انفجر ضحكا و شاركته حياه بينما يتباعهم محمد و نهال بابتسامه، تسائلت حياه ضاحكه: انتِ ازاى بتخافى منهم يا حنين؟ تقريبا في كليتكم بتمسكوا الفار!
ضحكت حنين بالمقابل متذكره مغامراتها مع الفئران و تمتمت بقله حيله: متسألنيش ازاى! بس على فكره فئران المعامل غير الفئران بتاعتنا دى، كنت بمسكهم بصعوبه جدا و مكنتش بتشغل غير يوم الامتحان بس، بس مازلت بخاف منهم جدا..! نظرت لمازن لتجده يبتسم بعبث و هو يتلذذ بالقهوه ثم رفع عينه لها مضيقا اياها ثم قهقه على منظرها الهلع مما دفعها للخجل فأخفضت رأسها و هى تبتسم..
جلس جميعهم في جو من الموده و الالفه، فهناك دائما لحظات في الحياه نأخذها عنوه.. فعندما تعاندنا الحياه و تُصر على جعلنا نرتدى رداء الحزن و نغرق ببحر الدموع.. تحارب روحنا لتنتزع لحظات سعاده غلابا.. لحظات تمنحنا الضحكه و تهمس لنا باغراء انزع عنك رداء الحزن فأنت تبدو افضل بثياب السعاده.
ربت محمد على كتف مازن موصيا اياه: احنا هنسافر عمره يا مازن، عاوزك تهتم بالبيت و تاخد بالك من البنات، عارف ان سايب ورايا راجل.. اومأ مازن وامسك بيد والده عن كتفه مقبلا اياها مصدقا على كلماته: متقلقش يا بابا، هحافظ على الامانه.
نظرت نهال لمازن و تاره لحياه و تاره اخرى لحنين الذين اندمجوا سويا في شغبهم ثم نظرت لمحمد لتجده يتابعهم مثلها تفعل هى فهمست و هى تضع يدها على يده: خايفه حد فيهم يظلم التانى، مازن اختياره هيبقى صعب...!؟ نظر اليها ليهمس بدوره: انا خلفت رجاله بتراعى ربنا كويس و انا واثق ان ابنى مش هيظلم اى واحده فيهم و مفيش حد هيختار غير قلبه يأم فارس..
نظرت اليه بشجن فرفع يدها مقبلا اياها متمتما بطمأنينه: ربنا مبيظلمش حد، موت فارس كان قدر، يمكن اللى دبر الفضيحه لحنين كان قاصد يأذيها بس في الاول و في الاخر دا قدر، ان يرتبط اسمها باسم مازن قدر، اللى حصل لحياه زمان و وجودها في حياه مازن قدر، و اختيار مازن قدر، قدر قلبه...! ابتسمت و عادت بعينها لثلاثتهم امامها، مازن و حياه يتشاكسون بشراهه و ضحكاتهم صاخبه و حنين تشاركهم نادرا و ابتسامتها لا تفارقها..