logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 5 من 17 < 1 7 8 9 10 11 12 13 17 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية حلم السندريلا
  28-03-2022 08:47 مساءً   [28]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل التاسع والعشرون

ليس بإمكانى ان اجعلك تفهم، ليس بإمكانى جعل اى شخص يفهم ما بداخلى، ليس بإمكانى حتى تفسير الامر لنفسى.
فرانز كافكا
هتفضلى كده لحد امتى، و هتفضلى هنا لحد امتى؟
اشاحت بوجهها بعيدا عنه و هى لا تعرف الاجابه ثم تمتمت بهدوء تنهى الحوار: انا مش هرجع هناك تانى يا اكرم و دا اخر كلام عندى و علشان خاطرى بلاش كلام في الموضوع ده.

ترك يدها التى احتضنها لربما تخبره عن مكنونات صدرها برحابه هاتفا بحده نسبيه و هو يرى في موقفها دلال او ربما لا يرى ما تراه هى: انا تعبت بجد من الكلام معاكِ، تعبت احاول افهم فيكِ...
اطبق على كتفيها يصرخ بغضب بات صديقه منذ ان جاءت تلك الحمقاء لمنزله: يا جنه افهمي عاصم محتاجك جنبه، جوزك محتاجك، كل المشاكل و الضغوط اللى عليه محتاج ليكِ تسانديه فيها، افهمي انتِ كده بتخسريه..

دفعت يده عنها فالجميع يراها حمقاء لا تستوعب ما يُقال لها مره و اثنان و ثلاث و لكن لا احد يستمع لها، لخوفها، لاضطراب مشاعرها و الذى بحق خارج عن ارادتها، الكل يرى ما يحق لعاصم و لكن لا احد يرى ما بحقها، ماذا تريد و لماذا، لن يفهم احد مهما قالت و مهما فعلت و لن يُقدر احد ما عايشته مادام لم يختبره و بغضب من نفسها و منه صاحت: هو اصلا مفكرش يجي يرجعنى البيت، من يوم ما جه من الصعيد مفكرش يسأل عليا.

اقترب منها بعدم تصديق يصيح بها هو الاخر و هو يرى في حديثها تهربا من اصل ما تخفيه و لم يكن امامه سوى مجاراتها: هو انتِ هنا علشان غضبانه منه و مستنياه يصالحك، جوزك فيه اللي مكفيه، جده و المصيبه اللي فيها، الفضيحه اللي حصلت لاخته و جوازها، ضغط شغله و الشركه عليه، غير اثر موت فارس اللى لا اتمحى و لا هيتمحى، انت ايه يا بنتى؟ مش معقول توصل بيكِ الانانيه لكده!

نظرت اليه بتشتت و الدموع تهرب من عينها تعبر عن بعض ما يضغط روحها و الذى لا يراه احد: اللي وصل بيا لكده مش انانيه، دا خوف يا اكرم، خوف، بس انت عمرك ما هتفهم خوفي،.

و بتذكر لاحساس فتاه العشر اعوام التى فقدت والدها امام انظارها بل و اتُهمت بالتسبب بمقتله، بالاضافه لاصابه كل من يحبها بأضرار لها يد بها او لا لينتهى بموت فارس و الذى اكد لها ان الحب مقترن دائما بالفقد، اصابتها هتسيريا و هى تصرخ بضعف جسد نفسه على ملامحها: انا مفهمتش معني الموت غير لما حبيت، عرفت معنى الموت لما خسرت بابا، السند الوحيد في حياتى يا اكرم، و ملقتوش تانى غير و انا جنب عاصم و خايفه اخسره، خايفه و بأذيه بخوفى، خايفه فببعد و ارجع اقرب و بتعبه و بتعب نفسى معاه، انا برحمه منى لانى ضعيفه و بأذيه، انا بأذيه يا اكرم.

نظر اليها و هم بالاعتراض، محاوله شرح و محاوله اخرى لجعلها تفهم، و لكن ماذا يقول، ما ترسخ بعقلها و قلبها من افكار و مشاعر لا قدره له على تغيرها مهما فعل، و لهذا لم يتفوه بكلمه واحده اخرى في هذا الجدال و انهى حديثه بنظره شفقه تبعها بجمله قصيره كانت تدرك انها بالفعل ستحدث، جمله هى تعيشها الان لو يعرف و ربما لها اتباع اخرى ستتجرعها كامله مستقبلا: هتندمى يا جنه و وقتها مش هيفيد الندم بحاجه...

و سمعت صوت دفعه للباب خلفه تاركا اياها بالمنزل بمفردها، انحنت ارضا تبكى من الان دموع الندم،
روحها جاثيه و قلبها يأن و لكنها كُسرت سابقا و لا طاقه لها لترميم،
الكل يسعى لاصلاح خارجها و لا احد يرى داخلها و كم ما بها من شروخ،
يقولون الزمن دواء لكل داء و لكن داءها مزمن و لا يزيده الزمان الا سوءا،.

و اه لو يدرون ان سخونه قطرات دم والدها ما زالت على وجهها، حشرجه انفاسه و تقطعها ما زالت بصدرها، و نظراته المتألمه ما زالت بعينها و لا تستطيع التخلص منها، لا تستطيع الحياه بكم ما بها من خوف.
هى تدرك ان ابن الحصرى بها او بدونها قوى، و تدرك انها تضعفه و لكنها ايضا تدرك انه ان قرر حذفها من حياته كأنها لم تكن سيفعل بل و ببساطه و ستجعله يفعل هذا ببعدها ربما، بعنفها، او بكسر قلبه و قلبها...

و بعد عده ايام من التحقيق و لا بأس ببعض الاهانه و التعذيب استطاع عاصم اخيرا ان يعرف من المدبر الحقيقى للقتل بل و القاء التهمه لجده،.

اجل، كان مدركا لبراءه جده، فهو يعرف انه لا احد من كبار العائلات بقادر على ان يمس الاخر بسوء، ما بينهما كان تهديد غاضب فقط، و لكنه اراد ان يرى جده ما منى ان يعانى ظلما، ان يُشتت في محاوله لاثبات براءته، ان يرى الى اى مدى مؤلم هو ان يدفنك حيا اقرب الاقربين لقلبك، و قد كان بالفعل.

عطوه، مجرم سابق، له عده قضايا استطاع الافلات منها و اخرى لم يستطع، عدو لدود لعاصم منذ ان قُتل عمه الاكبر بسببه عثمان ذلك الرجل الذى فرغ عاصم به شحنه غضبه سابقا مجبرا اياه على الاعتراف عمن معه خلف مؤامره تفجير المترو، و الذى بسبب اعترافه تم تدبير عمليه لقتله بالداخل و قرر عطوه الاخذ بالثأر و قد فعل، روح بروح و دم بالدم و ان كان ظلما.

و كل هذا جانبا، الرأس الكبيره خلف ما يحدث اسم يجهله، اللواء عزت فتح الله ، احد اعمده مركز الامن، قوه خلفيه لهكذا مؤامره و لكن لاى غرض لا يدرى، ما علاقته بعاصم و لماذا يرغب بأذيته لا يدرى و لكن سرعان ما تذكر ذلك الاسم الذى اعطاه له عبد المنعم ، الظابط الذى حقق بقضيه مقتل خاله ماجد الالفى و الذى تكتم على الامر مدعيا عدم وجود ادله كافيه و غياب المشتكى و الشاكى و قد اردك عاصم الان انها بتدبير مسبق و لكن ما الرابط بين الماضى و الحاضر ليكن ذلك الشخص عامل مشترك بينهما؟

و هذا ما سيعرفه ان آجلا او عاجلا و لن يتوانى ابدا و سيصل...

جلس بشرفه المنزل ينظر للسماء فوقه بشرود لا يدرى كيف التصرف،
حياته معقده تماما، احب احداهن لتقتل قلبه بهدوء و دون درايه منها و تتزوج..
تزوج اخرى ليسعى بشتي الطرق لاعطاءها قوه هو بالكاد يمتلكها ليعجز عن كسب قلبها و منحها قلبه،
ليأتي الان و يُفرض عليه الزواج من ثالثه و الاسوء انها ارمله اخيه..
ماذا يفعل؟ وكيف يتحكم بذمام الامور؟
يشعر انه مشتت ربما ليست بالمره الاولى و لكنه هذه المره ضعيف، ضعيف جدا..

يد حياه على كتفه جعلته يرفع عينيه باضطراب اليها كما هو حاله منذ ذلك اليوم الذى شتت حياته بأكملها، امسك يدها و ما عاد يرى بها اخته الصغيره التى لابد ان يمنحها قوته بل بات يراها الكبيره التى يشكيها همه منتظرا ان تخرجه منه فجلست امامه مبتسمه تتسائل بحزن على ما وصل اليه من حال: بتفكر في ايه؟

تنهد بقوه و بشرود اجابها: في الوضع اللى فجأه لقيت نفسي فيه، حاسس اني زى طفل تايه خايف يقف مكانه محدش يساعده و خايف يمشي يتوه اكتر، حاسس ان الدنيا كلها بتقولى انت قوى بس نفسى و قلبى مصممين اني ضعيف...

شملته بنظره حنان يدرك جيدا انها اكتسبته منه كانها تدرك ان ما زرعه بداخلها حان وقته ليحصده تمتمت بصدق و هى تتذكر مدى ضعفها السابق و الذى لم يسمح لها هو بالبقاء فيه: بس انت فعلا قوى، قوى بقلبك و قوى جدا بحنيتك..
ضغطت يده مع ضغطها على اكثر الاوتار ايلاما له الان ربما تحاول مواساته و ربما تحاول شرح ما عليه الامور ان كان لا يراها اردفت تذكره: فاكر يا مازن لما شوفنا حنين وسط الاراضي انا قولتلك ايه؟

نظر اليها عاقدا حاجبيه يحاول الوصول لما تقصده و لكنه فشل فاكملت: قولتلك صعب اللى عاشته ربنا يجبر بخاطرها..
نظر اليها بترقب فاتسعت ابتسامتها تردف تخبره ما يجب عليه: انت جبر خاطرها يا مازن، ربنا اختارك علشان تساعدها، انت بس اللى هتقدر ترجع الحياه لحياتها تاني، انت اللى هتقدر تحييها تاني يا مازن و الا ربنا مكنش جمع طريقكم سوا..

عقد مازن حاجبيه بصدمه و ذهول تام و للعجب اصابه بعضا من الغضب و التوتر و لاحظت هي ذلك كله، فاردفت مجددا تصر على ما تشعر به: انا اكتر واحده فاهمه حنين حاسه بايه دلوقتي، انا عشت اللى هي عشته، بس رغم ذلك وجعي كان صفر بالنسبه لوجعها، حنين متدمره، موت فارس، صدمتها من اللى حصل، خذلانها من باباها، كل ده كسرها و في وسط كل ده ربنا قدر انك تكون جبر خاطرها، مش بحب او بصداقه بس بحنيه، بحنيتك انت، اللى مهما دورت عليها مش هتلاقيها غير عندك و خصوصا لانك اخ فارس و دى بالنسبه لها حاجه كبيره و زى ما قوتني هتقويها يا مازن..

ترك يدها و اخفي وجهه بين كفيه و هو يتعجب ان تكون هى تحديدا المفترض زوجته من تنصحه كيف و باى شكل شكل يجب عليه التعامل مع زوجته الاخرى : انتِ!
عقدت حاجبيها و لم تدرك مقصده متمتمه: انا ايه؟

رفع رأسه متعجبا جهلها لسبب سؤاله و هنا التقطت هى تعجبه فابتسمت هو يخشى حزنها ف بالنهايه هى زوجته و لا شئ اصعب على الزوجه من ان يتزوج زوجها باخرى: سيب الامور تمشى زى ما ربنا رايد، متفكرش كتير، و صدقنى في كل خطوه هتمشيها انا جنبك و اى قرار هتاخده انا معاك فيه، لانى واثقه تمام الثقه فيك و في رجولتك اللى عمرها ما هتخذلنى...

و انقلبت الايام و كما منحها حضنه وقتما احتاجت الان كان هو بين ذراعيها لانها تدرى مدى حاجته لهذا، و اه لو تعرف انها الان تذكره بفارس، بعقله، بقلبه و بكافه نصائحه له و تحديدا حضنه الذى دائما ما وجد فيه مازن الامان و رغم انه لا يعوض ها هى حياه تمنحه احساس يماثله،
ابتعدت عنه متسائله بعبث: ثم ان انت بتتهرب من الشغل و لا ايه، اتفضل يا باشا قوم شوف شغلك.

اومأ بضحكه خفيفه، و خرج من غرفته متجها للاسفل ليحضر ما تركه من اوراق بغرفه المكتب لتتابع هى ظهره المنصرف تهمس و بداخلها كامل اليقين: الشمس اكيد هتشرق يا مازن.
هبط للاسفل دلف للمكتب و اخذ الاوراق و هم بالصعود لشقته مجددا و لكنه وجد حنين تخرج من الغرفه، نظر اليها قليلا ثم اشاح بوجهه و هم بالصعود و لكنه توقف فور ان سمع همسها: بشمهندس مازن،.

اخذ نفسا عميقا و استدار لها مقتربا منها عده خطوات منتظرا ما ستقول، تلعثمت قليلا ثم حاولت بصعوبه اخراج صوتها و قررت اخباره بما تريد فعله: انا مش عايزه اقعد في الاوضه دى...
و اشارت على الغرفه التي كانت تقبع بها الايام الماضيه و التي لم تكن سوى غرفه مازن القديمه...
فنظر حيثما اشارت بيدها ثم عاد بنظره اليها متوقعا ما ستطلب: حابه تقعدى فين؟

ارتبكت عندما وصلها صوته و اشارت باتجاه غرفه فارس بصوت اشبه بالتوسل: اوضه ف..
و قبل ان تردف قاطعها بحسم: لأ
رفعت عينها اليه بدموع و حاولت اخراج صوتها و لكنها عجزت عندما اردف و لا نيه له للرجوع عن قراره: اوضتي موجوده و لو عاوزه اى اوضه في البيت براحتك، لو عاوزه تقعدى مع حياه فوق براحتك، غير كده لأ..

تساقطت دموعها ربما يتراجع، غرفه فارس تضمه، تحمل كل ذكرياته، ملابسه، رائحته و كل شئ بها كأنه مازال ها هنا و رفض الجميع التخلى عن هذا الامر، و الان لا قدره لاحد على تحمل البقاء بين ثنايا ماضى سيخنق الانفاس و يدمر ما بقى في القلوب سليم، فشدد قبضته غضبا من اندفاعه و اقترب منها خطوه و لكنه لم يستطع تقدم الاخرى، حنين ليست حياه، و ليس باستطاعته حتى ضمها لبثها الامان و الحنان بين ذراعيه، حتى التحدث معها لا يستطيع فعله.

نظر اليها بضيق يغلفه اسف ثم اعطاها ظهره و صعد لشقته بالاعلي تاركا اياها تبكي نفسها، قلبها و حتى روحها و بضعف شديد اتجهت لغرفته و دلفت اغلقت الباب ملقيه بجسدها على الفراش و ضمت ركبتيها لصدرها تردد و هى تشعر بنفسها وحيده: سبتني لوحدى ليه يا فارس، محتاجه لك جنبي قوى، محتاجه لك يا فارس...
صعد مازن للاعلي دلف و اغلق الباب بعنف فخرجت حياه له و هتفت بدهشه من معالم الغضب التى لونت ملامحه: خير يا مازن؟

اشاح بيده و صاح لتدرك ان غضبه من نفسه لا احد اخر: رفضت و خليتها تعيط..
عقدت حاجبيها تتسائل: رفضت ايه؟ و مين دى اللي عيطت؟، ثم اتسعت عينها بادراك: حنين!

اومأ بقوه و هو يجلس على الاريكه خلفه يوضح كانه يفرغ ما عجز عن توضيحه بالاسفل لتلك المكلوله: عايزه تقعد في اوضه فارس، ازاى اسمحلها تموت بدل المره الف مره، كل حاجه في اوضته هتقتلها، فارس مات و هى لازم تفهم دا، ماقدرتش اسمح لها تعمل في نفسها كده رفضت و زعقت فيها و سيبتها و طلعت..

ضرب على الاريكه بيده و صاح بعجز و هو لا يرى في نفسه مقدار واحد بالمائه من قوه: مش قادر حتى اقولها متزعليش، مش قادر اقولها متعيطيش، مش قادر اعمل حتى اللى عملته معاكِ، انا مش قادر اعمل حاجه، خالص، خالص
راها الف مره تبكى، و الف اخرى تشكى، رأى ضعفها، عجزها، صمتها و يأسها و لكنه لم يكن عاجزا،
منحها قوته، حنانه و ثقته بنفسه و بها حتى ما بات بمقدوره ان يفعل هذا مره اخرى،.

هو مشتت يحتاج الان لمن يمنحه قوه فكيف الحال و قد وقع تحت مسئوليه سند ضعيفه اخرى، من اين له بثبات، من اين له بطاقه، من اين له و لكن لابد ان يكون.

اقتربت منه جالسه امامه تحدق بعينه تجبره على الاستماع لها بل و الاقتناع بما تقول: الصبر يا مازن، حنين لسه في صدمه، متنساش انها مفاقتش من حاله اللاوعى اللى كانت فيها دخلنا في سنه اهه الا من كام اسبوع و فجأه بقت زوجه لحد تانى و مش اى حد دا اخوه و دا مش سهل عليها يا مازن، مش سهل و انت لازم تصبر..

نظر اليها يستنجد لتمنحه نظره اطمئنان سكنت روحه قليلا و هى تدعى التفكير هاتفه بحماس و اقرار: دلوقت تعال نفكر ازاى نعمل حاجه نفرحها بيها، حاجه تخليها تبتسم و لو شويه.
البر لا يبلى، و الاثم لا يُنسى، و الديان لا ينام، فكن كما شِئت فكما تدين تُدان.

هاجت و ماجت و جن جنونها عندما علمت ما صار مع شقيقتها و الذى حاول والدها اخفاؤه عليها و لكن بالاخير عرفت، و بجانب ما اصابها من غضب تألمت، تألمت لشعورها ان السند الذى كانت تعتقد انها ستلجأ اليه انحنى، و ان كان سند الوالد قد مال فسلاما على الدنيا جميعا.

عاد امجد من العمل، لم يجدها بانتظاره على غير العاده، دلف للغرفه ليجدها متربعه على الفراش، يهتزز جسدها للامام و الخلف بعصبيه رأها بها من قبل و لكنها لم تكن بكل هذا الكم من الوجع الذى رسم نفسه باحترافيه في دموعها الصامته المتساقطه على وجنتيها و التى تزيلها بعنف كلما شعرت بها، اقترب بقلق: مالك يا سلمى؟

رفعت عينها اليه، و ها هو ملجأها الثانى و لكنه يبدو انه بات الوحيد، عيناه بزرقه سماءها تعانقها لتطمئن فاقتربت منه محتضنه اياه بقوه و هنا خرجت شهقاتها ليزداد ضمه لها اكثر جاهلا سبب انتفاضتها تلك و لكنه تركها ففى بعض الاحيان الانهيار هو الحل الامثل للتخلص من الالم، تحدثت بتقطع بين بكائها: ليه بيحصل فيها كده، حنين ماتستهلش كل ده.

ابعدها عنه بصعوبه و حاوط وجهها بيده متسائلا و قد اخرجت قلقها ليصيبه: ايه اللى حصل بس فهمينى؟ حنين مالها!
اخذت تسرد له ما اخبرتها به والدتها و هى تبكي رغم ان كلماتها تقطر غضبا، حتى انتهت فصاحت بغضبها لا حزنها: ازاى بابا يعمل كده، ازاى ثقته فينا تنعدم بشكل ده،
ثم همست باكيه: ليه بيحصل في حنين كده!

احتضنها مجددا و هو يبحث عن كلمات لمواساتها: استهدى بالله يا سلمي، انا فاهم انتِ حاسه بايه بس باباكِ معذور بردو، ه...
دفعته عنها بحده قاسيه لتصرخ و هو تحدق بعينيه بقوه غضبها، وجعها و قلقها: معذور؟ يعني ايه معذور؟! دا مسمحش لها تتكلم و لا ادى لنفسه فرصه يسمعها، قال بنتى ماتت و لا همه اثر الكلمه عليها،.

نهضت بعيدا عنه و هى تشيح بيدها و كأنها وجدت الفرصه التى بها ستفرغ كل غضبها: تربيته لبنته و ثقته فيها لمده 23 سنه تختفي في لحظه كده، يبقى هو اول واحد يشك فيها، ببساطه كده يبقى اول واحد يرفع ايده عليها و يتهمها في شرفها، حنين اللي فضلت مش يوم و لا شهر دا سنه يا امجد في حاله لاوعي بسبب وفاه فارس، جوزها، هي حنين اللى الكل صدق انها تغلط و مع مين! مع اخو جوزها، و بعد ده كله تيجي انت تقولى معذور؟

حسمت موقفها تجاه والدها و الذى كسر لا ثقه حنين فقط و لكن ثقه سلمى ايضا التى تحطمت: لا يا امجد بابا ملوش اى عذر لا عندها و لا عندى حتى و بابا صورته متهزتش في عينها بس لأ دى اتدمرت في عينا انا كمان..
نهض و وضع يده على كتفيها ناظرا اليها بعمق يحاول الحد من تقدم مدى غضبها فهو يعرف متمردته وقتما تضع الحدود لا مجال لمحوها: باباكِ مش بيكرهكوا يا سلمي لكن الوضع اللى شاف اختك فيه، اجبره، يعنى معرفش يفكر..

دفعته عنها مجددا تمنعه تماما من الدفاع عنه: لا كان لازم يفكر يا امجد، كان لازم يثق في بنته و خصوصا حنين، لان حنين كانت في وضع الاعمى حتى هيشوفه و هيفهم انها لا يمكن تغلط غلطه زى دى، كان لازم على الاقل يسمع منهم يا امجد، كان لازم يفكر، و متحاولش تدافع عنهم قدامى.

جلست على طرف الفراش و حزنها يغلبها: انا عمرى ما هفكر الجأ لهم يا امجد، عمرى ما هقدر اتسند عليهم، من النهارده انت بس اللي هقدر اثق فيه، اوعى تخذلني يا امجد، بلاش تكسرني، عايزاك لباقى العمر تبقي ظهرى..
مسد ظهرها بهدوء و هو يشعر للمره الاولى بضعف سلمي و الذى يدرى ان ما تظهره تخفي مثله و اضعاف مضاعفه بداخلها.
فكلا منا بداخله نقطه ضعف، العائله، الاصدقاء، الزوج، الاولاد و ربما النفس ذاتها ضعيفه.

و القوى لا يظل دائما و ها هى المتمرده تتبعثر و يترك الاقرب اليها ندبه بقلبها لن تُمحى.

التردد ضعف مرده الى عدم الثقه بالنفس...
اقتباس
اغلقت مها عينها تستكين على مكتبها بعدما رحل محمود عنها اخيرا و بعد حوار طويل و نقاش اطول لاقناعها باتمام الزواج، لم تخبره بما حدث داخل عائلتها، لم تخبره بهشاشه و ضعف تفكير خالها، لم تخبره و لا يسأل احد عن السبب!
من المفترض ان تكون سعيده متحمسه و لكنها على النقيض تماما خائفه مشتته و كلما ذكر الزواج توترت، و هذا ما لم تفهم له سببا،.

تشعر برغبه عارمه في تأجيل الزواج و كذلك برغبه في تعجيله، تفيض نفسها بالخوف في نفس الوقت الذى يبثها فيه بالامان، الظروف الحاليه ستجعلها عذرا للتأجيل و لكن الا متى، ثم انها تحبه، تريده و على استعداد لتسليم كافه مشاعرها اليه اذا لما تتراجع، لماذا تتردد، حقا لا تعرف!

و لم يعد بمقدورها شرح نفسها، و لم يعد هناك من على استعداد لسماعها فكلٌ يبكى على ليلاه، أوليس هناك من ينصحها، ييوجهها، يفهمها او ربما فقط يجعلها تشعر بصحه او خطأ قرارها..؟
بشمهندسه!

رفعت رأسها مع شهقه انتفاضه لتجد اكرم امامها لتزدرد ريقها ببطء واضعه يدها على قلبها مما دفعه لابتسامه هادئه مع اعتذار صغير ثم وضع ما بيده من اوراق على المكتب امامها متحدثا بعمليه: دى ملف المشروع الجديد، ياريت تقرأيه و تبدأى شغل عليه.

انهى كلماته و هم بالمغادره فهو منذ ذلك اليوم بمكتبه بعدما امرها بالخروج و هو يتجنب كثير التحدث معها، نهضت واقفه و همت بالتقدم اليه لايقافه و كم كانت تتمني ان تجد صوتها الان لتستطيع النداء عليه تقدمت خطوه و على وشك ركض الاخرى من اجل ان تلحق به قبل خروجه و لكنها فوجئت به يقف و يستدير لها ليُفاجئ هو الاخر بانها على وشك التقدم اليه، نظره متعجبه من كلاهما للاخر باتت تربكها و تبعثره، ثم تمتم ببعض الاسى: عاصم اخباره ايه؟

توترت قليلا فهذا ما كانت ستسأل عنه او ربما لاجله و اشارت تجيبه ببعض الحزن بيحاول يبقى كويس , لحظه صمت انتظر فيها هو ما كانت ستقوله حتى فعلت و اشارت مجددا و هو يتابع حركه شفتيها قارئا اياها جنه مش هترجع البيت بقى!

تنهد اكرم بارهاق و نفي باشاره من رأسه، نظرت اليه و صمتت فهى تفهم عاصم جيدا و رصيد جنه بدأ ينفذ من قلبه او بمعنى ادق غضبه يزداد كل يوم عن الاخر و هو يتحمل ما لا يتحمله احد الان و مخاوف جنه بالنسبه اليه في الوضع الحالي ما هى الا تفاهات...

نظر اكرم إلى شرودها فيبدو ان مخاوفه تصيبها هي الاخرى و من افضل منها يعرف عاصم و هو متيقن ان صبره سينفذ لا محاله تنهد مطولا ثم اضاف بجديه: الوقت اتأخر تقدرى تتفضلي و اى شغل ممكن تكمليه بكره..
اومأت برأسها موافقه فخرج تاركا اياها تتوه في بحر افكارها الذي لا تعرف له بدايه و لا تدرى اين نهايته؟

اللوم و العتاب هو اقسى ما قد يواجه اصحاب الثقه، اما الندم فكلمه من ثلاث احرف تحمل معانى اكثر من احرفها بكثير و لكن يكفى انها شعور من بات فيه مات به.

و هى تعرف انها ستواجه الثلاثه، نادمه اشد الندم انها لم تسمع احد او ربما انها لم تفهم، نادمه انها كانت بعيده كل البعد عن قلبه و مع ذلك وثقت به، تعرف انها ستُعاتب على ما ندمت لاجله، سيعاتبها كل من حذرها قبلا، و اللوم سيكون رفيق لا مهرب لها منه، فهى من اختارت و لن يتأذى احد غيرها.
دلفت لمنزل والدها مع شقيقها فاستقبلها والداها بسعاده فهى نادرا ما كانت تذهب لزيارتهم و عاده ما يكون معتز معها.

اجلستها والدتها و انهالت عليها بالاسئله عن صحتها، حياتها الزوجيه، سعادتها، و زوجها و توالى الاهتمام و المزاح و تقبلته هى بصدر رحب بما ضاق به حتى صاحت ضاحكه: خلاص يا ماما و الله العظيم انا كويسه.
و قبل اى حديث اخر اجتمعوا على طاوله الطعام، حديث قصير عن عمل والدها و شقيقها، ارهاق والدتها معهم بدونها حتى عم الصمت لحظات عبث بها افكارها مجددا حتى تسائلت و هى تتدعى عدم الجديه: بابا ممكن اسألك سؤال؟

اومأ والدها يشملها بنظراته فأردفت و مازالت ابتسامتها تلون وجهها: ليه وافقت على جوازى من معتز؟
عقد محمود حاجبيه متعجبا سؤالها و الذى انبأه ان هناك خطب ما بها، بينما ابتسم والدها و اجابها ببساطه مكملا تناوله لطعامه: لانه عريس مايترفضش..
ضحكت بسخريه لم يلاحظها سوى محمود و الذى اكدت شكه و هو يتفحصها بعينيه جيدا: و ليه مايترفضش؟

فعاد والدها يجيبها و هو يحدق بها مبتسما يعدد مزايا و صفات صهره العزيز: طول بعرض، من عيله محترمه، بيشتغل و وظيفته ممتازه، مستواه الاجتماعى و المادى اكثر من ممتاز و هيقدر يعيشك احسن منى، و الاهم بقي انك كنتِ عاوزاه و انتِ اللى اصريتِ على تعجيل الجواز، ثم اضاف بمكر: كان واضح انك بتحبيه..

فضحكت بملأ صوتها بقوه احساسها فعقد الثلاثه حاجبيهم استغرابا حتى تمالكت نفسها و نظرت لمحمود و هتفت كأنها لا تعرف الاجابه: انا بحبه يا محمود، صح؟
تابعها محمود بعينه فعادت تسأله: انا كنت بحكيلك كل حاجه، فا قولى انا بحبه، صح؟
قرر مجاراتها ليصل بها لما تريد، اجابها بصدق: اه و بتحبيه جدا كمان..

ابتسمت ببرود وضح جليا على وجهها، تسائلت مجددا و كأنها تريد ان تعرف اين خطأها: طيب انت عارف انه مكنش بيحبني، فهل بعد جوازنا لاحظت اختلاف!
عقد والدها حاجبيه غضبا و تعجبا لم يكن يحبها اذا لماذا تقدم لخطبتها؟ بينما ابتسم محمود و اومأ برأسه متأكدا تمام التأكد من حديثه: اختلاف كبير قوى، معتز حبك جدا يا هبه و اتغير بجد علشانك، انا عمرى ما توقعت ان معتز يتغير كده علشان حد، كان عندك حق لما وثقتِ فيه...

ضحكت مجددا بصخب و لكن تلك المره امتلئت عينها بالدموع فتعجب الجميع منها فلم يكن واضحا ان كانت تبكي ام تضحك حتى صاحت بتسائل متألم و عينها تحدق بشقيقها تطلب منه اجابه تريح قلبها، اجابه مضمونها ان ما تعيشه الان مجرد كابوس على وشك الاستيقاظ منه: طيب ليه عمل كده، لييه؟
نظر اليها والدها بغضب و كذلك محمود بينما انقبض قلب والدتها تضمها بخوف: ايه اللى حصل يا بنتي!

توقفت هبه عن الضحك او البكاء على حد سواء لا فارق هاتفه بدهشه مصطنعه تسخر من نفسها قبل الجميع: ايه ده هو انا نسيت اقول لكم!
نهض محمود واقفا امامها موقفا اياها امامه يحكم قبضته على ذراعيها: فيه ايه يا هبه؟
نظرت لعينه و سرعان ما فاضت الدموع من عينها لتشهد امواجها الزرقاء على تمزق قلبها و نطقت بتلك الكلمه التى كان من شأنها تمزيق البقيه الباقيه من روحها: معتز اتجوز، ابقي باركله يا محمود...

اتسعت عينه بصدمه فترك يديها و عاد خطوتين للخلف ينظر لها و هى تسقط على الاريكه مجددا كأنه من كان يسندها لتنخرط في بكاء عنيف بينما شهقت والدتها و اتجهت اليها محتضنه اياها تواسيها و اه لو تعرف ان لا شئ الان من شأنه احياء ما مات بداخلها.
فيما نظر اليها والدها بغضب الدنيا و لو رأى معتز امامه الان لقتله حتما، صاح محمود بعصبيه مفرطه بعدما افاق من صدمته: و رب الكعبه ما هرحمه..

تحرك بغضبه المتقد باتجاه الباب ليفاجئ بهبه تقف امامه معترضه طريقه هاتفه بحسم و قد اختفت من عينها دموعها و كأنها لم تكن: انا اللى اخترت طريقى يا محمود و انا اللي هنهيه..
ابتعدت عنه و صرخت بكل الم حمله صدرها و قبل ان يعاتبها هو عاتبت هى نفسها: انت حذرتنى منه، قولتلي هيأذيكِ، قولتلى مبيفكرش غير في نفسه...

ضربت صدرها بعنف و هى تكاد تشعر بالضربه على قلبها الاحمق: و انا، انا كنت غبيه و معميه بحبه، مفكرتش غير في قلبي، لاول مره في حياتي اغلط و اعمل كده، و دلوقتى انا اللى اتكسرت بقرارى يا محمود، انا..
رفعت يدها و اخذت تزيل دموعها بعنف ثم هتفت بقوتها المتعاده التي كذبتها دموعها الان مهما حاولت جاهده: بس انا متعودتش اسمح لحد يكسرنى يا محمود، و لا هسمح..

اخذت نفس عميق و هتفت باقرار و قد اتخذت قرارها بالفعل: انا هرجع بيتى و هعيش فيه، معاه و مع مراته التانيه و جوزى هيرجع ليا تاني، لان انا متعودتش اخسر..
هتف محمود بغضب منها و عليها: كمان جايب لك مراته في شقتك؟

اتجه اليها والدها صارخا فيها ممسكا اياها من ذراعها دافعا اياها على الاريكه امامه: انتِ هتفضلي هنا يا هبه هانم، انا مش هسمح لابن انه يغلط فيكِ، يأذيكِ او يقلل منك، اقعدى متخلنيش اروح اقتله دلوقت و محدش هيلومنى.

نهضت وافقه بثباتها المعتاد تربت على كتفه تحاول تهدأته تخبره عن سبب ما اتخذت من قرار: متقلقش عليا يا بابا، انا اه حبيته بس عمرى ما هسمح له يهين كرامتى و اللى هيخليني جنبه مش حبى ليه لكن كرامتى...
هتف محمود بحده يقاطعها: فين كرامتك دى اللى بتتكلمى عنها؟ فين كبريائك اللى ياما دافعتِ عنه، هتتنازلى بسهوله كده و تفضلي على ذمته رغم انه اتجوز عليكِ و معملش اى اعتبار ليكِ و لحبك و لكل اللى عملتيه علشانه..!

صرخت تشعر بكلماته تخترق قلبها و تحرقه حرقا و لم يعد بها قوه حقا: و هى فين كرامتى لما تيجي واحده تسرق جوزى و بيتى و سعادتى و انا بكل بساطه اسيبلها الجمل بما حمل، فين كرامتى لما يتجوز عليا و يقولى بفعل مش بس كلام انتِ متسويش حاجه عندى و انا اقوله معاك حق انا فعلا و لا حاجه، فين كرامتى لما اتنازل عن كل احلامى بسهوله كده علشان تعيشها واحده تانيه غيرى، ها فين كرامتى كده يا محمود قولى؟

اخذت نفس عميق و صرحت عن صدق احساسها بمعتز الان فما بات يعنيها حب او قلب و لكن كل ما يعنيها ضمير سيعاقبها ان لم تلتزم بوعودها و هى بالفعل قطعت الكثير: فاكر قبل جوازى قولتلى ايه يا محمود، قولتلى ان معتز هيحتاجني، معتز مريض نفسى يا محمود..

اتجهت للاريكه حملت حقيبتها و اتجهت اليه مجددا بابتسامه تزين ثغرها: الدكتور لما بيتابع حاله مريض بيحاول بكل الطرق يعالجه، ممكن ييأس، يمل، يزهق بس عمره ما بيسيب مريضه و لما المريض بينتكس فجأه الدكتور بيحزن جدا بس عمره ما بيتخلى عنه و انا عمرى ما هتخلى عنه يا محمود الا لما..
صمتت لينظر اليها محمود و والديها بترقب و مع صمتها هتف والدها بصرامه: لما ايه يا هبه؟

اغلقت عينها ثوانى و اكملت بثقه او ربما شفقه: الا لما يبقى كويس يا بابا و وقتها دور الدكتور،
قاطعها محمود و قد ادرك ما بنفسها و ما هى على وشك فعله للاسف لقلبها قبل زوجها: هينتهي..
نظرت اليه هبه و ابتسمت بانكسار ثم اغمضت عينها للحظات لتعاود فتحها و لكن بقوه جديده باصرار وتحدى، بقوه قلب بقدر ما احب جُرح...
و لم يستطع احد منعها او ربما لم يريد احد ذلك من الاساس.

اتجه مازن لغرفه حياه طرقها بسعاده ففتحت له لتلاحظ ابتسامته فبادلته اياها بابتسامه اكبر فهتف بسعاده و هو يجذبها من يدها للخارج: لقيتها..
ضحكت وصاحت و هى تحاول تهدئته لتفهم منه: هى ايه دى؟
ابتسم و هتف كمن وجد كنزا و ربما هو له كذلك فهى امانه شقيقه و واجبه يحتم عليه اسعادها: الحاجه اللى هتفرح الدكتوره..

راقبت ضحكته و فرحته الجنونيه التى ربما تراها للمره الاولى بهذا الشكل و سرعان ما اتسعت ابتسامتها لتسأله و هى تعقد حاجبيها تتابعه: جميل جدا و ايه هى بقي؟
ضحك مجددا و اخرج من جيب بنطاله شئ ما احتجز اياه بيده ثم رفع يده امامها و بسطها لتتسع عينها بصدمه و نقلت بصرها عده مرات بين يديه و بينه لتفكك يدها تسأله بدهشه او ربما تحاول منعه فالطريق الذى قرر السير من خلاله سيؤذيها و يؤذيه: بس دى...

قاطعها بثقه فلا اهميه عنده لاى وجع و زوجه اخيه سعيده تضحك ربما لان هذا يشعره ان اخيه مازال على قيد الحياه: انا متأكد انها هتفرحها.

و تركها و خرج و هى خلفه تحاول جعله يتوقف و لكنه في فرط حماسه هبط للاسفل طارقا بابها عده مرات و لكن لا اجابه، طرق الباب مجددا و لكن ايضا لا اجابه، تبادل النظرات القلقه مع حياه ثم فتح الباب و دلف ليجدها جالسه امام الفراش على ارضيه الغرفه تضم قدميها لصدرها تحتضن صوره ما بين يديها و تنظر للارض بشرود...

عاود النظر لحياه ثم طرق الباب و لكنها لم تلتفت اليه حتى، اقترب منها و جلس على الارض امامها واتجهت حياه لجوارها و همست تعيدها للواقع: حنين!
انتفضت رافعه رأسها لتصطدم عينها بعينه فعقدت حاجبيها بنفور و اشاحت بوجهها عنه، فابتسم لحياه ثم تمتم بصدق فهو لم يكن ابدا يرغب ببكاءها: انا اسف..
ابعدت وجهها عنه اكثر، فأردف منتظرا تأثير ما احضره اليها: طيب انا هخرج بس ممكن تقبلي دى مني..

مد يده امامها و لكن على شكل قبضه و لكنها ظلت على وضعها تتجنب النظر اليه حتى همس ببطء و هو يفتح يده: دبلتك،.

عادت بوجهها تحدق بوجهه و الغضب يشتعل بعينها ثم نهضت بحده مبتعده عنه دون ان تنظر ليده حتى تصيح بقوه قاسيه: انا مرأه فارس يعنى مراه اخوك، و هفضل لاخر عمرى مراته و اوعى تفكر انى ممكن في يوم من الايام اعتبرك جوزى، انا كنت بحترمك و بقدرك لانك اخ جوزى لكن لو حاولت تاخد مكانة عمرها ما هتبقي ليك فانا عمرى ما هسمحلك بده..

اعطته ظهرها فابتسم هو ناهضا عن الارض واقفا خلفها ليرد لها اهانتها الخفيه بما يليق: لو كنتِ ناسيه هفكرك، انا راجل متجوز و الجوازه دى ان اتغصبت عليها زيك بالظبط و انتِ اخر واحده ممكن افكر اخد مكانه في قلبها، لانك زى ما قولتِ مراه اخويا الله يرحمه و بس...

استدار و وقف امامها و امسك يدها فعقدت حاجبيها بغضب و حاولت نزع يدها منه و لكنه تشبث بها حتى بسطتها و وضع بها دبلتها، دبلتها التي نزعها جدها منها عنوه، دبلتها التى تحتضن اسم فارس داخلها..

نظرت للدبله بيدها و امتلئت عينها بالدموع مع ابتسامه طفيفه غزت شفتيها ثم رفعت عينها اليه فأردف هو بحزم: و ياريت اى تقدير و احترام كان بينا في يوم يفضل موجود، لان انتِ عمرك ما هتعتبريني زوج و لا انا عمرى هعتبرك زوجه، يكفي يبقى بينا احترام يا دكتوره.
ترك يدها بل و ترك الغرفه كلها فنظرت هى للدبله بيدها شاعره بالاسف لما تفوهت به، و بداخلها تشكره فهو احضر اليها ما يعني لها اكثر من حياتها، ذكرياتها .

ارتدت الدبله و ابتسمت لاحساسها بها تحتضنها، رفعت يدها امام عينها تنظر لها و ابتسمت متذكره ذلك اليوم الذي البسها فارس اياها به، يوم ان اعترف بمدى حبه لها، ربتت حياه على كتفها و ابتسمت لها تاركه اياها مع فيض ما سال من ذكريات لنهايه عمرها ستحييها.

رُبَّ هجرٍ يكونُ من خَوْفِ هجرِ، و فراقِ يكونُ خَوْفَ فراقِ.
سيف الدوله
في صباح اليوم التالى استعد عاصم ليذهب لمقابله اللواء عزت ليحل ما تراكم من رواسب، انتهى من تناول الافطار، ليجد نجلاء تقف امامه اصدرت صوتا بفمها دلاله على السخريه،.

نظرت اليها ليلي التى كانت تتناول الطعام معه ثم تجاهلتها تماما و لكن نجلاء لم تصمت بل نظرت هنا و هناك و هو على وشك الخروج تمتمت بسخريه مقصوده: هى السنيوره لسه مجتش من عند اخوها..؟
تحرك عاصم و بمجرد خروجه من الغرفه استدارت نجلاء لليلي و هتفت بصوت جعله يتوقف مكانه على باب الغرفه: ايه الدلع ده يا ليلي، انا مش قصدى حاجه بس جنه فعلا مزوداها، عاصم عمره ما كان ضعيف كده...

نظرت بطرف عينها لباب الغرفه حيث يقف عاصم يستمع اليها و عروقه تكاد تفارق جسده من فرط غضبه و اردفت بحقد دفين لم يظهر في كلماتها: كنت دائما اشوف فيه قوه بس جات البنت دى و قلبت كيانه كله، ابتسمت ببراءه و بنبره حزينه مصطنعه: كنت فاكره انه هيمشى مراته على العجين متلخبطوش لكن يا عينى عليه هو اللي ماشى بامرها، عارفه يا ليلي البنت دى متدلعه بسبب معاملته و ياريتها بتقدر دى يا عيني مبهدلاه و واجعه قلبه، كلنا حاسين بحبه ليها الا هى، بس حب ايه بقي؟!، الحب ذل عاصم الحصرى بجلاله قدره، مش عارف حتى يقعد مراته في بيته، مسسسم على بنات الايام دى و عمايلهم...

احتدت عين عاصم و ازدادت وتيره تنفسه واخذ منه الغضب مأخذه حتى اصبح لا يرى امامه شدد قبضتيه و جمله واحده من كل هذا تتردد بأذنه الحب ذل عاصم الحصرى بجلاله قدره.

رفع يده دافعا باب الغرفه بعنف حتى كاد يقتلعه فانتفضت والدته و استدارت تنظر من فعل هذا لتفاجئ بمظهره فانتفضت واقفه و عندما وجدته يتحرك للخارج، انقبض قلبها و ركضت اليه، بينما وقفت نجلاء تتابع الموقف و عقدت ذراعيها امام صدرها و ابتسامه لعوبه تتراقص على شفتيها..
وقفت ليلي امام عاصم تمنعه التحرك تهدأه: انت رايح فين؟ اهدى يا عاصم.

انتفض جسده من فرط غضبه و صاح بصوت زلزل والدته امامه: هترجع بيتها و رجلها فوق رقبتها وتبقي تفكر تعترض..
و هم بالتحرك عندما امسكت ليلي ذراعه متوسله: علشان خاطرى متروحلهاش و انت متعصب كده، اهدى الاول، متعملش حاجه تندم عليها يا حبيبى.
ابعد يد والدته عنه و عيناه ترتجف بحده غاضبه غضب عاصف: مش عاصم الحصرى اللي واحده ست تذله...

و تركها و خرج و هى تنتفض لوعه و خوفا، اسرعت لهاتفها في نفس الوقت الذي اخرجت نجلاء هاتفها حتى اجاب الطرف الاخر فهمست: نفذ المطلوب منك في الوقت المناسب و اظن عارف هدفك كويس...
اغلقت الهاتف و اتسعت ابتسامتها ف جبروت ابن الحصرى، قوته و حتى حمايته لاهله ستنتهى اليوم..

حاولت ليلي الاتصال بجنه و لكن هاتفها مغلق فزفرت بقوه بحثت عن رقم اكرم و لكنها لا تملكه فاسرعت بمهاتفه مها و بالطبع لم تجيب و لكنها ارسلت رساله خير يا ماما
اجابتها ليلي ردى على تليفونك
وعاودت الاتصال بها ففتحت مها الخط فصرخت بها ليلي: لو اكرم في الشركه خليه يروح البيت فورا، عاصم رايح لجنه، بسرعه يا مها، عاصم على اخره و انا خايفه على جنه.

اغلقت مها الخط ونهضت مسرعه، صعدت لغرفه اكرم و همت بفتح الباب عندما هتفت هناء: البشمهندس اكرم لسه مجاش..
و في هذه اللحظه دلف اكرم نظر اليهم بتعجب: صباح الخير..
اسرعت مها اليه و بلهفه اشارت لازم ترجع البيت فورا عاصم رايح لجنه
ابتسم اكرم بهدوء: و ايه المشكله دى مراته؟
اخرجت هاتفها مسرعه و طلبت رقم ليلي حتى اتاها الرد فاعطت الهاتف لاكرم، تحدثت ليلي مسرعه: اكرم، لازم تروح لجنه عاصم مش في وعيه..

عقد اكرم حاجبيه متعجبا: مش في وعيه ازاى؟
ضربت ليلي على قدمها من فرط توترها: مفيش وقت احكيلك الحق جنه عاصم على اخره و انا متأكده انها لو نطقت حرف ضد رغبته هيبهدلها..

تضحك بصوت عالي يملأ قلبه فرحه و هو يشاركها ضحكاتها بابتسامه واسعه، ركضت اليه و ارتمت بحضنه فرفعها قليلا ليدور بها عده مرات متتاليه و هى تصرخ و السعاده تقفز قفزا من مقلتيها، ثم تركها حتى لامست قدمها الارض، ليدغدغها لتقهقه بقوه تبتعد عن مرمى اصابعه و لكنه لم يتركها، يعبث و تضحك، حتى توقف و ابتعد خطوه للخلف يستند بيديه على ركبتيه و هى تراقبه بذهول حتى اعتدل لتصرخ بفزع و هى ترى ملامحه ملطخه بالدماء تماما كما كان والدها، ليواجهها بغضب لم تدرى مصدره و عيناه تتهمها بأمر لا تعرفه و هو يصرخ بها دافعا اياه حتى سقطت ارضا: انا مش عاوز اشوفك تانى.

نهضت بذعر صارخه بالكاد تلتقط انفاسها و العرق يغزو جبينها بغزاره، و فورا تساقطت دموعها واضعه يدها على قلبها الذى انبأها ان خلل ما سيحدث.
صدع جرس الباب ليفيقها من شرودها فاضطربت خوفا لترى من و خلف الباب توقفت لتسأل بخفوت: مين؟
صدع صوته مزلزلا كيانها كله: افتحى يا جنه..

اضطربت و عادت خطوه للخلف، حلمها او بالاحرى كابوسها اخبرها بالوضوح ما يجب عليها فعله، وجودها اذيه له، سعادتها تضنيه و اختفاءها التام من حياته سيكون له جرحا ستكفى الايام لمداواته، تردد صوته بأذنها و هو يصرخ بها مش عاوز اشوفك تانى ، و له ما شاء و بأكثر الطرق التى ستجعل ابن الحصرى يتركها برغبته قررت المضى.

اخذت نفس عميق و فتحت و بمجرد ان طالعها وجهه ارتعدت اوصالها فمن امامها الان هو ذلك المغرور القاسى الذى دائما ما كانت تخافه و مازالت، تراجعت خطوه للخلف فأشار هو على باب الغرفه و هتف بحده لا تقبل نقاش: لمى هدومك و يالا علشان هترجعى معايا البيت..
نظرت اليه قليلا و ان كان سابقا ربما كانت تراجعت خوفا و لكن خوفها الان من اجله اعظم، وقفت بتحدى سافر مجيبه بهدوء: لا..

ازدادت عيناه حده بعقده حاجب كانت لها تحذيرا و تقدم منها عده خطوات عادتها هى للخلف و تحدث بصوت يشبه الرعد في قوته: اقسم بالله يا جنه كلمه زياده و هتشوفى منى وش عمرك ما تخيلتيه، ادخل لمى حاجتك بهدوء و يالا قدامى..
رغم ارتجافه جسدها بل و قلبها الذى اشتاقه حد الجنون اصرت على موقفها بثبات واهى: لا يا عاصم مش هرجع..
تقدم خطوه اخرى و هدر باسمها: جنه.

انتفضت هى و عادت للخلف عده خطوات و في هذا الوقت وصل اكرم و عندما وجد باب المنزل مفتوح وقف بجواره يراقبهم من الخارج ربما يستطيعوا الوصول لحل..
صاح عاصم مجددا: قدامى حالااااا
هنا قررت جنه افصاح كل الحقيقه، كل مخاوفها، كل ما يعتل بقلبها و لكن بشكل يجعله يكرهها لا يتمسك بها، ستصرخ بكل وجعها و لكن لتجعله يتراجع: افهم بقي، انا مش عايزه اعيش معاك، انا بكرهك، بكرهك..

حدق بها عاصم امام تصريحها الذي اذهب بغضبه منها و احل محله غضب عليها و لكنها لم تتوقف و صرخت مجددا و بدأت دموعها بالخروج من مقلتيها اسفا و حسره و ما بقلبها ينافى تماما ما تتفوه به و الذى يكويها كيا قبله: انت اسوء حاجه حصلت لي في حياتي، جوازنا دا كان اتفاق لو انت نسيت فانا منستش، انا كنت و مازالت و هفضل طول عمرى اكرهك..

اخذت انفاسها و هى ترى بعينه عدم تصديق و يا ليتها تخبره انها بالفعل كاذبه و لاسيما ما اردفته: اه وافقت على الجواز بس لانى كنت حاسه انى مديونه ليكم، ازاى الناس اللي عيشونى في بيتهم ارفض طلب ابنهم، كنت حاسه انى ببيع نفسى مقابل الخدمات اللى قدمتوها ليا، علشان اوفى حقكم، و فكرك لما عرفت الحقيقه فرحت بالعكس انا كرهتك اكتر، جوازى منك هيفضل اكبر غلطه انا عملتها في حياتى لانى بكرهك..

زواجها كان اصوب قرار اُجبرت عليه، علاقتها به كانت الاجمل و الاعظم شأن بحياتها، حبها له كان افضل ما اصاب قلبها و اه لو تخبره،.

كانت كلماتها كالنصال السامه التى تشق صدره لتنغرز بقلبه بعنف غير عابئه بالالم الذى يشعر به، موجعه حد الجحيم الذى اشتعلت به عيناه و هو يقترب منها ساحبا اياها بقوه لتصطدم بصدره ناظرا لعينها قائلا بقسوه كأنه يفرغ بها نفس النصال التي اصابته بها منذ قليل: مش انتِ شايفه انك بعتِ نفسك، و انا اشتريت، يعنى انتِ دلوقتى تحت طوعى، تعيشى بأوامرى و بس..

دفعت يده عنها و هى توافقه بقلبها و عقلها و جسدها و كل ما بها و لكن لسانها لا يفعل: لا انا مش جاريه عندك و انا خلاص زهقت من كل رابط بيربطنى بيك، افهم بقي انا مش عاوزه اشوفك او اعيش معاك، المكان اللى بتبقي فيه بيخنقنى، بقيت حاسه ان جوازنا طوق ملفوف على رقبتى، تعبت منك و من حياتى معاك، و لو فضلت عايشه جنبك هحس انى كل يوم بموت،.

تموت، تموت قهرا و هى تحزنه، تموت حسره لاجبارها اياه لاختيار كرامته لانها تدرك انه ابدا لن يتخلى عنها، تموت اسفا لانها تؤذى قلبه، و تموت قسوه لانها تكسر روحها انكسارا لن يكون بعده التئام،.

اعطته ظهرها فهى على وشك الافصاح عما بداخلها حقا، الركض لصدره تختبئ فيه، اخباره انها بالفعل تختنق بدونه، تضعف ببعده و تخسر نفسها ان خسرته، تحبه و لا تستطيع ان تفصح، اغلقت عينها ثوانى ثم استدارت بحده تصيح بنفور من حالها، كلماتها و ما جال بخاطرها لاتمام اجباره: لامساتك، كلامك، اسلوبك و تصرفاتك كلها بتتعبني، حاولت كتير انى اعيش معاك، حاولت استسلم او اقنع قلبي بحبك لكن مقدرتش، مقدرتش...

و قبل ان تنهى حديثها بأخر كلمه و التى تدرك جيدا انها ستكون القاصمه لعلاقتهما و لا بعدها عوده او نقاش او حتى اسف، وضعت النهايه لصبره و خوفها، لقبوله لضعفها و استسلامها له، و ضعتها بأقسى ما كوى روحه و نفته روحها: انا حتى يوم ما سلمتك جسمى كنت كاره...
اخرسى،
هدر بها بأعلى ما يملك من صوت لتتسع عينها بصدمه و هى ترى كفه العالقه بالهواء امام وجنتها مباشره..

كفه التى كانت ستطبع اثار كلماتها بصفعته على وجهها دائما، و يا ليته فعل فهى تستحق، تستحق الحرق و راضيه و لكنه حتى هذا لم يمنحه لها و قبض كفه و عينه تجوب عينها بصدمه و هى ترى بوضوح تلاشى عشقه لها بحصونه السوداء التى هدمتها دفعه واحده، حصونه السوداء التى تدرى جيدا انها لن تحتويها مره اخرى، لن تخبرها و تعدها بالامان مره اخرى، ترغرغت عينها بدموع عجزها و صدمتها بما فعلته به و بنفسها،.

يكفى، و لكنه لم يكتفى و ظل يحاوطها بحصونه و كأنه لاخر مره سيراها لتتابع دموعها ترجوه الا يسمعها، ليضربها، يكسرها بغضبه كما كان يفعل قبلا، راضيه بصفعه و غيرها و غيرها و لكن لا يناظرها هكذا، ليقتلها كما فعلت و لكنه بكل هدوء انسحب...!
خرج من المنزل بسرعه دون حرف واحد، وبمجرد خروجه سقطت ارضا تنتحب، ينتفض جسدها يرجوه الرجوع، تستمع لصوت تمزق قلبها، و لكن من اين لاحد اخر ان يعرف ما تشعر به الان،.

دلف اكرم و وقف امامها وجهه يشع غضبا و صدمه عارمه مما فعلت، قالت و حطمت للتو و تمتم باستغرابه: انتِ ازاى كده!
ثم هتف بعباره لم تلمس فقط قلبها المكلول و لكنها احيت كل جروحها القديمه ليترك هو الاخر بروحها ما يؤلمها ما تبقى لها من عمر: انا بشكر ربنا ان ماما مشافتكيش لان عمرها ما كانت هتبقى فخوره بيكِ..

شهقت بعنف و هى تحدق بوجهه ذاهله، لتنقطع انفاسها لحظه و هو يرمقها بنظرات قاسيه دون ان يأبه بها او بدموعها: تأكدى انك خسرتِ عاصم النهارده، بس اقولك انتِ اصلا متستهليش اى خير.
تركها و خرج من المنزل و اغلق الباب خلفه بحده بينما هى تكاد تنقطع انفاسها من شده بكاءها، تنظر للارض بشرود،
ان كانت والدتها بجوارها اليوم ما كانت لتفعل ما فعلت،.

ان كان والدها معها و تعيش في كنفه لكانت الان بحضن زوجها تخبره عما يعنى لها،
ان كان اكرم ذاته معها ما كان اصابها كل هذا الخوف،
عذرا فليس ذنبها انها تربت دون احد، و ليس بيدها خوفها.
انطلق يسابق الرياح بسيارته يحاول طرد صدى صوتها من رأسه، كل ما قالت، عنت و أكدت عليه، حتى توقف في احد الطرق الخاليه تماما ترجل من سيارته و استند عليها و كلماتها لا تزال تتردد ب اذنه..

هو يشعر ان زواجه منها افضل ما فعل بحياته و هى ترى انه اسوء ما حدث لها!
تنفر منه و من لمساته، هو يعشق و هى تكره،
فأى وجع هذا الذى يشعر به...!؟
دائما ما قال ليس هناك ما قد يُضعف عاصم الحصرى..
اذا ما هذا الذى فعلته هى؟ ما هذا الذى يشعر به؟
رفع يده واضعا اياها على قلبه ضاغطا اياه بقوه و غضب شديد، ليته يستطيع اخراجه، ليته ظل على تحجره، ليته لم يعشقها.

رفع رأسه ناظرا للسماء، كل شئ انتهى، كل شئ تدمر، هى انهت اللعبه، و لقد كسبتها بمهاره فائقه..
عاصم الحصرى كان مجرد بيدق بحبها،
لقد تمنى ان تمنحه ما ضاع من سنوات عمره حبا، تمنى ان تعيش معه و لاجله، تمني ان يعيش بها، تمناها حضن يلجأ اليه في شقاءه، سبب فرحته دائما، تمنى حبها و لكن ماذا فعلت هى، كسرته..!

لا يرى بنفسه قوه الان و لا يرى عزه او كبرياء فقط يرى بقيه باقيه من قلب قرر ان يعشق فكانت النتيجه قتله بلا رحمه.
اااااااااااااااااااااااااااااااااه
صرخ بها و هو يضع يده اسفل رأسه متألما من تلك الضربه التى جعلت رؤيته مشوشه تماما، خرج عده رجال امامه و دون اعطائه فرصه ليراهم حتى، تساقطت ضرباتهم على جسده و خاصه اسفل رأسه..

بينما سقط هو ارضا فاقدا لقدرته تماما اثر ضرباتهم الذى كانت سهوا مما خل بتوازنه، ازدادت الضربات بشكل جعله يوقن ان تلك هى نهايته فأنفاسه تكاد تزهق و الالم يفتك به و الرؤيه انعدمت تماما..
اليوم مات قلبه و ها هى حياته تودعه، سقط بعدها في تلك الظلمه التى غلفته بالكامل..

استمر الرجال بضربه عده مرات متتاليه حتى تأكدوا من فقدانه التام لوعيه ثم وضعوه بسيارته و تحرك احدهم بها و بالقرب من صخره كبيره القي بنفسه منها لتصطدم السياره بالصخره بعنف.
و الرجال يبتسمون مهنئين بعضهم على نجاح الخطه، ثم اخرج احدهم الهاتف و هاتف الاسعاف و انطلقوا من المكان راحلين بعدما تحقق مرادهم او هكذا اعتقدوا...

اجتمع الجميع بالمشفى و قلوبهم تكاد تتوقف من فرط التوتر، عاصم بالداخل منذ اكثر من ساعه و الاطباء يتوافدون على الغرفه باستمرار و وجوههم لا تنم عن خير ابدا..
كان المتواجد عز و ليلي و مها و التى كانت بالشركه عندما اخبرتها ليلي و اثناء خروجها صادفت اكرم فذهب هو الاخر...
اتجهت مها لليلي و جلست بجوارها تربت على يدها بخوف، فضمتها ليلي و انفجرت باكيه و هى تردد اسم الله داعيه له..

وقف اكرم امام غرفه العمليات يقطع الممر ذهابا و ايابا، حتى خرج الطبيب اخيرا فاقترب منه كل من اكرم و عز بلهفه: طمنا يا دكتور..
نظر الطبيب لهم بأسف و تحدث بعمليه: الحاله مش مطمئنه، الضربات على رأسه مكنتش هينه ابدا و اثرت على اماكن و اعصاب حساسه جدا، 12 ساعه الجايين مهمين جدا، ادعوله ان شاء الله يبقى بخير.

رحل الطبيب و بدأت ليلى تنتفض بكاءا على فلذه كبدها و مها تحاول تهدئتها بلا فائده، جلس عز بجوارها و وضع كتاب الارض بين يديها و همس و الدموع تجتمع بعينيه: اقري قرآن و ادعيله..
القت براسها على كتفه فضمها و بكا الاثنين خوفا، مضت ال 12 ساعه دون اى جديد حتى دلف الطبيب ليطمئن على عاصم و خرج و ملامح وجهه لا تبشر بالخير، فأسرع اكرم اليه: ها يا دكتور طمنا..

نظر الطبيب لليلي التى كانت على وشك الانهيار و قد كان عندما صرح الطبيب بذلك الخبر: الحمد لله هو دلوقت بعيد عن اى خطر، كدمات بسيطه و مع الوقت هيبقى في افضل حال،
تهللت اساريرهم و لكن تجمدت الدماء بعروق الجميع عندما هتف الطبيب مكملا و نبرته قاطعه بكل اسف: بس للاسف كابتن عاصم فقد البصر...!


look/images/icons/i1.gif رواية حلم السندريلا
  28-03-2022 08:47 مساءً   [29]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الثلاثون

أيا مؤمنا انك في أمان، ألا تدرى ان لا امان للدنيا،
ألم شديد يعصف به، ظلام دامس احاطه من جميع الجهات، حركه مقيده او ربما لا يستطيع هو التحرك، اصوات متداخله و هامسه من حوله...

ابعد جفنيه بهدوء و لكن ما زال الظلام يلفه، حرك رأسه ببطء ليعقد بعدها حاجبيه بألم غير قادر على تحريكها مجددا، حاول رفع يده ليجدها متصله بأسلاك لا يدرى ما مصدرها، ظل يفتح عينه و يغلقها عده مرات لعله يرى اين هو و لكنه لم يرى شئ و كأن هذا الظلام ملازما له حتى توقع اخيرا ان ضوء المكان ربما مغلق لهذا لا يرى، فاغلق عينه مجددا و هو يشعر بثقل كبير يداهمه، وصل لاذنه همس خافت: حضرتك سامعني؟

فتح عينه مجددا و لكن لا رؤيه ايضا فتح فمه ليتحدث و لكن قوته لم تساعده، حاول تحريك راسه و لكنها تؤلمه حد الجحيم فاكتفي بهمهمه، عاد الصوت مجددا: كابتن عاصم حضرتك سامعني؟
و هنا حاول اخراج صوته متجاهلا وجع كل خليه من خلايا جسده: اه...
شعر بعدها بيد احدهم على ظهره و يد اخرى خلف عنقه تسانده ليعتدل قليلا فاستسلم لتلك اليد و هو يكاد يصرخ من ألم رأسه..

تحدث ذلك المجهول مجددا بنفس الصوت الهادئ: حمدلله على سلامتك، حاسس بأى وجع؟
ظل عاصم يفتح عينه و يغلقها و بدأ يشعر بضيق شديد من عدم قدرته على الرؤيه فكان اول ما هتف به: انت هتفضل طافى النور كده؟
عقد الطبيب حاجبيه استغرابا ناظرا حوله ليرى ان اضاءه الغرفه جيده جدا و فجأه اتسعت عينه بادراك: انت من شايف اى حاجه..!؟
بدأ غضب عاصم يزداد فهتف و هو يجز على اسنانه من شده الألم: مهو انا لو شايف مش هسألك..

حرك الطبيب يده امام عين عاصم و لكن عاصم لم يبد اى رد فعل، مره اخرى و لكن لا استجابه ايضا، فنظر للممرضه خلفه يمد يده اليها لتمنحه ما بيدها من اشعه و تحاليل، قرأ التقارير ثم نظر للاشعه تبعها باغلاق عينه لثوانى ثم هتف: خليكِ هنا...
خرج الطبيب من الغرفه و ملامح وجهه لا تبشر بالخير، فأسرع اكرم اليه: ها يا دكتور طمنا..

نظر الطبيب لليلي التى كانت على وشك الانهيار و قد كان عندما صرح الطبيب بذلك الخبر: الحمد لله هو دلوقت بعيد عن اى خطر، كدمات بسيطه و مع الوقت هيبقى في افضل حال،
تهللت اساريرهم و لكن تجمدت الدماء بعروق الجميع عندما هتف الطبيب مكملا و نبرته قاطعه بكل اسف: بس للاسف كابتن عاصم فقد البصر...

شهقت ليلي و خارت قواها تماما بينما تجمد اكرم و عز مكانهم اما مها فسقطت على المقعد خلفها تبكي بحده غير مصدقه ما سمعته اذنها، تقدم اليه عز و صاح بقلب محطم: انت بتقول ايه؟
ربت الطبيب على كتفه بأسى: انا اسف، بس..
قاطعه عز و هو يجذبه من قميصه بقوه: بس ايه؟ انت عارف انت بتقول ايه؟
ثم دفعه بقوه لدرجه تراجع الطبيب للخلف عده خطوات يلاحقه صراخ عز: اتصرف، اعمل اشعه تانى، اطلب اى حاجه، اعمل اى حاجه، اتصرف.

اقترب اكرم منه يحاول تهدئته بينما دلفت مها مع ليلي لتلك الغرفه التى تم نقلها اليها بعدما فقدت خارت قواها، اجلس اكرم عز على المقعد و جلس بجواره و ربت على ركبته قائلا بصوت مهزوز يخونه فأى كلام يُقال الان: مينفعش يا عمى، مينفعش احنا نعمل كده، محدش عارف رد فعل عاصم هيبقى ازاى! احنا لازم نهدى لان عاصم هيحتاجنا كلنا جنبه...

نظر اليه عز بانكسار و همس بضعف يتخيل ما قد يصيب ابنه عندما يعرف: عاصم هيتجنن يا اكرم، عاصم كده هيخسر كل حاجه، كل حاجه و مجرد احساسه باحتياجه لينا هيجننه..
تنهد اكرم واضعا يده على رأسه يدرك تمام الادراك ما يتحدث عنه عز و خاصه بعد ما صار من شقيقته الحمقاء اليوم: بس لازم نقف جنبه...

بالداخل كانت الممرضه تتحرك هنا و هناك تعد الاجهزه و اخرى تعدل من وضع اللاصق الطبي على جرح ما بجبينه، بينما هو يكاد ينفجر غضبا و تألما يصيح بنفاذ صبر: افتحى النور..
فشعر بيدها تبتعد عن جبينه تبعها بسماعه لخطواتها بعيدا عنه فزفر بغضب و اغلق عينه بقوه حتى تناهى لاذنه همسها للاخرى و هى غافله عن وصول صوتها اليه: هنعمل ايه دلوقت؟

ثم الاخرى تجيبها: مش عارفه، الدكتور مانع حد يقوله على الاقل لحد ما يسترد صحته شويه،
فعقد حاجبيه باستغراب مغلف بطاقه غضب حاده عندما اردفت الاولى بنفس الهمس تشفق: شكله عصبى و انا سمعت كمان انه ظابط في الجيش، لو عرف هيتجنن
اجابتها الاخرى و هى تنهى حديثهم: ملناش دعوه، هو كده او كده هيعرف انه بقي أعمي.
شعر هو بدمائه تتجمد و انفاسه تتضطرب، كان وقع الكلمه عليه قاسى، قاسى جدا..
قاسى لدرجه رفضه لتصديقه، اعمى!

أهذا ما آل اليه أمره، أهذا ما اصبح عليه شأنه، مجرد أعمي!
مجرد بقايا شخص، مجرد عاجز، و هنا انتفضت عروقه برفض، بعصيان و كأنه بيده احاله الامر لمزحه، نهض عن فراشه بغضب عاصف، غضب خرج من قلبه ليحرق جسده كله...
اقتربت الممرضه منه جازعه لتحاول جعله يسكن على الفراش و لكنه دفعها عنه بقوه فسقطت ارضا تصرخ بألم فاتجهت الاخرى اليها تساعدها و كلتاهما تتطالعه بخوف...

بينما هو تحرك كالمجنون، نزع تلك الابره الموصله بيده لتخرج و يخرج خلفها عده قطرات من دمائه، نهض عن الفراش و لكن ما لبث ان سقط مجددا من دوار رأسه الذى صاحبه طنين فجر الالم بأذنيه و لكنه لم يستسلم للألم الذى شعر به، فما هو ألمه الجسدى بالمقارنه مع ذلك الالم الذى غلف روحه و التهم بقايا قلبه!..

نهض مجددا و تحرك بعشوائيه و هو يترنح، رأسه تؤلمه كما لم يتألم من قبل، جسده لا يقوى على انفعاله هذا و عقله يكاد يتركه، اتجه لا يدرى الى ان فاصطدمت قدمه بحافه طاوله بجواره فصرخ بغضب منخفضا عليها ليرفعها دافعا اياها بقوه لتسقط ارضا و يتهشم زجاجها و كل ما يعلوها، صرخت الممرضتان بفزع من مظهره هذا و كلتاهما تصرخ بالطبيب الحضور..

استمع اكرم و عز لصراخهم وصوت التهشم فدلفا ليجدا عاصم في حاله مزريه و عيناه رغم عتمتها الان الا انها تحكي قصصا عن الالم الذى يكتنف روحه قبل جسده، اقترب عز منه مسرعا و بمجرد ان لامس كتفه انتفض عاصم و تحرك من امامه كالمجنون الذى يبحث عن شئ لا يعرف ما هو...
فتعثر بقدم الفراش ليسقط ارضا على ركبتيه و تسقط يديه على قطع الزجاج المتهشمه فخرجت صرخه عاليه منه لا توجعا بقدر ما هى غضبا حارقا...

اقترب منه اكرم مسرعا و لكن عاصم دفعه فهو لم يسمح لاحد باسناده من قبل و لن يفعل الان، استند على الارض رغم الزجاج اسفل يده و نهض واقفا و لكن الدوار يهاجمه بقوه، رأسه تصرخ مثله ألما وثقلا، لا يستطيع ان يرى، لا يستطيع ان يتحرك، و لا ان يفعل اى شئ، هو الان لا شئ!

و عند هذا الخاطر دار حول نفسه بعشوائيه يذهب هنا و هناك، شعوره بالعجز أفقده صوابه، أفقده احساسه بالواقع من حوله، فهو لا يرى شئ و معه لا ترى روحه ملجأ، لا يعرف ما حوله و لا يستطيع معرفته لانه ببساطه اصبح اعمى!
توقف فجأه ينظر امامه بذهول و هذا الظلام يلفه اكثر و اكثر يشعر باختناق، يشعر بعجز يمزقه، هو عاصم الحصرى من كان يساند الجميع اليوم لا يستطيع ايجاد خطواته حتى بل و يتعثر بها ايضا!

هو من كان سندا و وتدا لمن حوله اليوم يجد نفسه عاجزا عن اسناد نفسه حتى، هو من كان يمنح الجميع القوه اليوم لا يرى في نفسه سوى الضعف، هو من كان و اليوم ما عاد...!
وضع يده على رأسه ثم بعنف شديد تحرك مسرعا رافعا يده يحركها حوله بعشوائيه مفرطه حتى اصطدمت بالحائط بقوه جعلت اصابعه ترتجف وجعاا، جسده يتلوى ضعفا، انفاسه تزهق و كم يتمنى ان تزهق روحه بالفعل..

حاول اكرم الحد من حركته التى تؤذيه و بشده و لكنه فقد إدراكه تماما و هو يتحرك ليحطم كل ما تقع يده عليه مع سقطاته المتعدده، صرخاته الغاضبه و لعناته المستمره، حتى اتى الطبيب و بمساعده استطاع الحد من حركته ليعطيه إبره مهدئه فيستكين عاصم اخيرا على فراشه و حوله الجميع يتمنى التخلص من هذا الكابوس...

تتحرك ذهابا و ايابا و هى تعبث بأصابعها بقلق شديد حتى استمعت لقفل الباب يُفتح فاتجهت مسرعه اليه و بمجرد ان دلف نظر اليها لحظات ثم تحرك للاريكه و القي بجسده فوقها بانهاك بدى بوضوح على وجهه، وقفت امامه تهتف بحده: ممكن افهم انت كنت فين يا اكرم انا مت من القلق عليك؟
ثم رفعت هاتفها امام عينه و صاحت تعاتبه: و كمان برن عليك تليفونك مقفول، ممكن تقولى قفله ليه؟

رفع رأسه ناظرا اليها دون كلمه ثم اخفضها مجددا متجاهلا اياه، نظرت اليه تحثه على اجابتها ببعض العنف: رد عليا يا اكرم، انت ساكت ليه!
نهض واقفا و احتدت عيناه بغضب و احتجز كتفيها بيديه ضاغطا عليهم بقوه و همس بصوت ارعد مفاصلها: عاوزه تعرفي كنت فين؟، ثم حدق بها قليلا و هى تنظر اليه بذهول قلق و تألم من ضغط يده حتى تحدث بجبروت و قد قرر حرقها كما فعلت: كنت في المستشفى يا جنه...

شهقت بقلق و همت بسؤاله عندما اكمل هو بما اوقف انفاسها: علشان عاصم..
تشنجت اطرافها و اتسعت عينها بارتياع عندما القي هو على مسامعها: عاصم عمل حادثه و في المستشفى يا جنه...
تمتمت بذهول: لا..!
حركها بغضب و صرخ بها: عاصم اتدمر يا جنه، اتدمر..

تساقطت دموعها و هى تحاول ابعاده عنها و لكنه لم يتركها بل زاد من ضغط يده على كتفها: كنتِ عايزاه يبعد، كنتِ شايفه انك لما تبعدى عنه هيرتاح، كنتِ فاكره ان قربك هو اللى هيأذيه، كنتِ خايفه عليه!
دفعها بعنف فسقطت على الاريكه خلفه و هى تحرك رأسها بانهيار و لكنه لم يصمت بل اردف و هو يعاقبها اضاف ما تستحق: انتِ بعدتِ اهه، كسرتيه و قولتِ كل اللى يخليه يكرهك، دمرتِ اخر خيط كان ممكن يربطكم سوا...

انخفض ممسكا كتفها مره اخرى موقفا اياها امامه يصرخ بوجهها بقدر وجعه: ايه النتيجه يا جنه، استفدتِ ايه بقي؟
هزها بحده اطلقت صراخها مسموعا: انطقى استفدتِ ايه؟
ثم اضاف بسخريه: عاصم بقى كويس، عاش و مفيش حاجه أذته، قدرتِ تحميه و توقفى قدر ربنا اللى عمرك ما أمنتِ بيه!
شهقت بصدمه و هى تبكى بانفعال تام و لكن ان تستعطفه، لا لم يعد وقته..

امسك يدها بقوه رافعا اياها امام عينه و نظر لمحبسها و علق بسخريه لاذعه: لابسه دبلته ليه؟
اخرج المحبس من اصبعها بقوه و دفع به ارضا و صرخ بها: انتِ نهيتِ كل حاجه حلوه كان ممكن تعيشها، نهيتِ نفسك و نهتيه معاكِ، انتِ لو كنتِ تستاهلى حبه كنت حافظتِ عليه، لكن انتِ،
نظر لعينها بقسوه و هدر: حسبى الله و نعم الوكيل في قسوه قلبك،.

انتفض جسدها و تعالت شهقاتها فتحرك من امامها و لكنها امسكت يده و سقطت ارضا تتوسله من بين دموعها: ابوس ايدك طمنى عليه، عاصم كويس يا اكرم؟، قولى ان هو كويس...!؟
ارتجفت عينه و رفعها بيده و هو يكاد يقتلها من فرط غضبه منها: بتسألى عنه بأى حق؟ هو جوزك و لا حاجه، هو انتِ مثلا بتخافى عليه، يهمك امره؟، ثم صرخ بقوه: تبقي بالنسبه له ايه؟
صرخت هى الاخرى و كأنها تمنعه تهميشها و خاصه في علاقتها بعاصم: انا مراته.

ضحك بسخريه ألمت قلبها و هو ينظر اليها بسخط و اشمئزاز: مراته! من امتى و ايه يثبت؟
ثم باقسى ما يملك قذف بوجهها اخطاءها دون رحمه: هو انتِ فكرك لما تسلميه جسمك تبقي قمتِ بوجبك كزوجه...؟!
وضعت يدها على أذنها و جحظت عينها بصدمه تملكت منها و هى لا تصدق ان اكرم، شقيقها، من يقف امامها..!

ابعد يدها عن أذنها بقوه، فهو سيصرخ و هى ستسمعه مرغمه: رافضه تسمعى ليه، هو انا بقول حاجه غلط!، غلطينى يا جنه و قوليلى ايه يثبت انك مراته؟!، انطقى.
ابتعدت من امامه و ركضت لغرفتها ليغلق هو عينه متعبا، و ضع يده على رأسه و عقله كاد يجن، خرجت بعد لحظات لا تعد، و عادت ترجوه بضعف: عاوزه اشوفه...

نظر اليها من اعلى لاسفل وجهها الشاحب، الخوف الساكن بعينها، ارتجافه شفتاها المبلله بدموعها و انتفاضه جسدها الهلع، فتح فمه ليجيبها و لكنها اوقفته قائله ببكاء حاد تتوسله و لو اراد ان تحب على قدمه لفعلت: بالله عليك قلبي هيقف، بالله عليك اطمن عليه مره واحده، مره واحده بس..

نظر امامه ثوانى ثم اومأ برأسه و تحرك خارجا و هى تكاد تركض خلفه، وصلا للمشفى الذي يرقد بها عاصم و صعدوا الدرج مسرعين وقفت هى على اول الممر الجالس به عز و ليلى و مها و قلبها ينبض بحده يُعلن ثورته خوفا عليه...
تقدمت اليهم فنهضت ليلى و احتضنتها تبكى بقوه: انا معرفش قالك ايه لما جالك بس حتى لو زعلانه منه ادعيله يا جنه، و الله بيحبك قوى، علشان خاطرى لو زعلك سامحيه و ادعيله..

انتفضت جنه بين يديها و تشبثت بملابسها متذكره ما تفوهت به من خناجر سامه مزقت قلبه، اه لو تعرف انها من يجب عليها الاعتذار،
اه لو تستطيع العوده بالزمن لاحتضنه طوال العمر دونما السماح له بالابتعاد خطوه، اه لو تستطيع اعدام خوفها لينطلق قلبها حرا طليقا يعانق قلبه لاخر عمرها، اه لو فقط تستطيع.

جذبها اكرم من حضن ليلي و همس بحده و لم تنتهى معاقبته لها بعد بل ها هى تبدأ: مابترديش ليه؟، مبتقوليش ليه ان مش هو اللى زعلك دا انتِ اللى كسرتيه؟، مبتقوليش ليه مش انا اللى هسامح دا انا محتاجاه يساامحنى؟، مبتقوليش ليه انك انتِ السبب في اللى حصل بسبب اللى قولتيه؟

انتفضت جنه و الكل يحدق بها بصدمه فهتفت بانهيار متذكره اتهام كوثر لها بأنها السبب في قتل والدها فشعرت بقلبها يكاد يخرج من مكانه هلعا و خوفا و اضعاف اضعاف وجعا: مش انا السبب يا اكرم مش انا، انا اه قولت كلام جرحه، اه كسرت قلبه و خليته يندم على كل حاجه عملها ليا، و اه جرحت كبرياؤه ووجعته، بس مش انا السبب يا اكرم، مش انا، ربنا...

قاطعها اكرم بغضب ظهر بوضوح عندما نفرت عروقه بقوه و هو يصيح غير آبه بمكان تواجدهم: ربنا!، دلوقت عرفتِ ربنا يا جنه؟ دلوقت بس امنت بقضاء ربنا!
امسكتها ليلي من ذراعها جاذبه اياها بدهشه ممزوجه بحسره قلبها على ولدها: انت قولتِ ايه لعاصم؟

بكت جنه دون توقف و هى تشعر بنفسها كالريشه في مهب اعصار اتٍ اليها لا محاله، , فحركتها ليلي بعنف تجبرها الرد و هى ترى للمره الاولى زوجه الابن لا ابنه الاخ: انطقى يا جنه، عملتِ ايه في عاصم و قولتيله ايه؟!، اتكلمى، اذيتِ ابنى ليه يا جنه؟!، انطقى.
ارتجفت جنه و حاولت التحدث فخرج صوتها مهزوزا ضعيفا: . ا. انا، م..

جذبها اكرم من ذراعها و صرح عما بقى لم تعرفه ليقتل ما تبقى من نفسها سليم: عاصم فقد بصره يا جنه...
شهقت بصدمه واضعه يدها على فمها و اتسعت عينها بعدم تصديق، تشعر بالزمن يتوقف من حولها، و لكن اكرم لم يسمح لها بصدمه حتى و اردف ضاغطا بقوه على جرحها: فاهمه يعني ايه عاصم يفقد بصره؟

ظلت تحدق به و عينها متسعه حتى شعرت بظلام يلفها و لم تحملها قدمها فترنحت و كادت تسقط و لكن اكرم تشبث بذراعها دون اظهار لهفه عليها او حتى خوف بل ظلت عيناه تنطق بالقسوه، اتجهت مها اليها و قبل ان تقترب لتسندها اخذت منه نظره صارمه اجبرتها على الرجوع و هى للمره الاولى تخاف منه، نظرت اليه مها بترجي و شفقه على حال جنه و لكن نظرته الحاده جعلتها تتراجع مرغمه و هى تراه بهذه القسوه..

جذب اكرم جنه من يدها عده مرات يحرك جسدها بعنف يحاول اعادتها للواقع، يحول بينها و بين فقدانها التام للوعى، او ربما بالنسبه اليه هربا لن يسمح لها به: مش هسمحلك تغيبى عن الواقع، مش هسمحلك تهربى من الالم يا جنه، مش هسمحلك بالرحمه حتى..
كان دوار شديد يلف رأسها حتى انها لم تكن تستوعب ما يقول، لا تصدق ما سمعته عن عاصم، بل لا تستطيع حتى التفكير به...!

جذبها بقوه معه حتى وصل لباب غرفه عاصم و كانت هى شبه مدركه: شايفه الاوضه دى، مش عايز اشوفك جنبها حتى، ممنوع تدخليها، مش مسموح ليكِ لأى سبب او بأى شكل انك تدخلى، سامعانى..
تساقطت دموعها انهارا تغرق وجهها و قلبها الذبيح يصرخ بأخيها ليرحمها و لكنه لم يشفق او يبدى حتى حزن لاجلها فقط يعاقبها، و ما اقساه من عقاب!

عاد بها و دفعها بقوه لتسقط على المقعد فتتعالى شهقاتها و انتفاضه جسدها و لكن احد لم يقترب منها، و عندما حاولت مها وقف اكرم امامها و بعينه نظره غاضبه جعلتها لا تقدم على اى فعل سوى الاشفاق..

نهضت جنه و اتجهت اليه تقاوم ضعف بنيانها و نفسها: بالله عليك يا اكرم اشوفه مره واحده، ، انقطعت انفاسها و شهقت بعنف ثم اردفت: مره واحده بس اطمن انه بخير، ، رفعت يده تقبلها بخوف عصف بكيانها كله: بالله عليك يا اكرم مره واحده، ابوس ايدك..

جذب يده منها فارتدت للخلف فاقترب بوجهه منها لترى بعينه نظره عاتبه لائمه و لكنها جد غاضبه و بأى منها لم ترى اخيها و تحدث بسخريه و استنكار: ازاى تقربي منه، ازاى تبقي جنبه؟ فين خوفك يا بنت الالفي؟ و لا دلوقت ما بقتيش خايفه، مش خايفه تقربى منه يموت مثلا؟
انتفضت باكيه و صرخت به و هى تدفعه للخلف: بالله عليك كفايه،
و جاء الامن بعدما استدعاه احد المرضى لازعاجه يحذرهم من الصوت العالى..

صمت و عندما تحركت باتجاه غرفه عاصم اقترب منها مانعا اياها فهدرت بانهيار تام و هى تحاول اثنائه عما يفعل لعله يرحمها: سيبنى افضل جنبه يا اكرم، من حقى افضل معاه، انا مراته و دا دورى و انت ملكش حق تمنعنى..
اقترب منها ممسكا يدها بقوه صرخت لها ألما: انتِ فاكره انك هتعيشى حياته و حياتك على مزاجك، دلوقت مش عاوزه يبقى تمام، دلوقت عاوزه يبقى حاضر!

ضغط يدها اكثر و صاح بانفعال: و كنتِ فين يا مدام لما قلبه اتكسر بمووت فارس، وقفتِ جنبه و لا جيتِ عليه، كنتِ فين لما كان بيعانى من ضعف اخته و انكسارها، كنتِ فين لما كان مضغوط في شغله و في اشد حاجته ليكِ، كنتِ فين لما اخته اتظلمت و اتجرحت حتى من ابوها! كان فين دورك وقتها؟، ترك يدها و همس باستنكار: و لا لحظه! انتِ كنتِ خايفه، كنتِ خايفه تخسريه علشان كده وجعتيه، نسيتِ دورك و واجبك و أذتيه، ثم اضاف باهانه: بس عارفه انا بشفق عليكِ، لانك قبل ما تأذيه أذيتِ نفسك بقله ثقتك بربنا..

و ضحكه ساخره معلقا على حديثها الذى بات تافها بالنسبه اليه: هه، دورى و بحبه.
ثم بأخر كلماته اخبرها ان نيته بعقابها لن تتغير، صرح بغضب عاصف: عاصم مش محتاج لكِ، انتِ اللى محتاجه له دلوقت، محتاجه تطمنى قلبك، و انا مش هسمح لك بده يا جنه...!

قالها دافعا اياها لتسقط على المقعد و انفاسها تكاد تتوقف و كل كلمه منه تُميت روحها و تمزق نياط قلبها دون رحمه او شفقه، نظرت اليها ليلي ببعض الحزن ولكن وجعها على طفلها غلب قلقها عليها، اتجه اكرم لعز متمتا بهوان: انا كلمت امجد و مازن و هما هيتولوا مسئوليه حنين و سلمى، و اضاف بحده: و يارت حضرتك متبقاش موجود لما حنين تيجى علشان الموضوع مش متحمل.

تحرك باتجاه جنه مجددا يجذبها لتنهض معه: يلا علشان تمشى من هنا..
هتفت من بين شهقاتها ممتنعه: مش همشى غير لما اشوفه..
نظر اليه بغضب و بأعلى ما يملك من صوت او ما تبقى لديه من صوت: قدامى يا جنه...
خرجت الممرضه هذه المره تصيح بعصبيه: لو سمحت يا استاذ الصوت مينفعش كده...

نظر اليها اكرم و اومأ ثم نظر لجنه بحده و تحرك بعدها ليقف بجوار غرفه عاصم و من حين للاخر ينظر لاخته التى يؤلمه قلبه لاجلها بقدر غضب عقله عليها، يرغب بضمها لصدره ليطمئنها بقدر ما يرغب بإيلامها ليلقنها درسا، يتمنى ان يصير حانيا ليسع قلقها بقدر ما يصير قاسيا لينهى خوفها، و لكنه لن يفعل شيئا يطمئنها و لن يدع قلبها يعرف الراحه و لن يسمح لعقلها بتيه مجددا ما بين الخوف و عدم الثقه...

فاليوم ان لم تثق بأن كل ما حدث و ما يحدث لا بيد احد و لكن كلٌ قضاء و قدر سيخسر ايمانها للابد امام تلاعب الشيطان بخوفها، و هو لن يسمح بهذا...
سيؤلمها ان تطلب الامر، سيجعل قلبها قلق اضعاف ما يفعل الان، سيمنعها الهدوء و السكينه حتى يتركها خوفها للابد، فهو يريدها ان تحيى و هذا لن يحدث الا اذا امات خوفها او ربما يدفنه حيا...

اجتمع الجميع بالمشفى و قلوبهم تنبض بالقلق، انهارت حنين بين يدى سلمى عندما علمت عن فقدانه للبصر، و لكن لم يستطع ان يطمئنها احد...
فمن كان يطمئنها دائما بحاجه ماسه الان لمن يطمئنه!
ما كان يمنحها القوه يفتقد الان حتى مجرد الشعور بها!
ولهذا لم تطمئن و لن يطمئنها إلاه...

هو كان، مازال و سيظل امانها التى كلما ضعفت لجأت اليه لتستمد من قوته قوه، هو السند الذى مهما بحثت عن غيره لن تجد سواه، هو ليس مجرد اخ هو وتد قائم عليه قوامها وان سقط لن تصمد بل ستلاحقه متساقطه،.

رفعت راسها من حضن سلمى الذى لم يختلف احساسها كثيرا عن حنين ممسكه كتاب الله تضمه لصدرها و تمتم بالدعاء له حتى وقعت عينها على جنه التى تجلس بعيدا عنهم جميعا بجوار باب غرفته و دموعها لا تتوقف و يدها لا تتحرك عن موضع قلبها، ف رق قلبها لها و نهضت متثاقله متجهه لجنه جلست ارضا بجوارها و ضمتها لصدرها فانفجرت جنه باكيه بحرقه، فكم كانت بحاجه لمثل هذا الحضن، كم كانت بحاجه لمن يفهم و لو القليل من خوفها، هى تكاد تموت رعبا عليه و لا تستطيع التخيل حتى بما يشعر الان، هى حطمته تعرف و لكنها ايضا تحطمت معه، أوليس لها بعض الرحمه؟!

مسدت حنين ظهرها و دموعها هى الاخرى لا تتوقف و ان لم تشعر بها حنين فمن غيرها يفعل: انا حاسه كويس قوى باللى انتِ عايشاه دلوقت، صعب قوى انا عارفه، بس احمدى ربنا يا جنه، احمدى ربنا انه اداكِ فرصه تانيه تشوفيه، في امكانك تسمعيه و تحسى بيه، احمدى ربنا انه لسه جنبك...

ابعدتها عن حضنها و حاوطت وجهها بيدها و تمتمت بابتسامه بين دموعها و هى تتذكر لوعتها بفقدان فارس: احيانا ربنا بيدينا فرصه تانيه علشان نفوق، علشان نقدر قيمه الحاجه اللى معانا و اللى كان ممكن في لحظه نخسرها و نفضل طول عمرنا نندم عليها...

تساقطت دموعها و هى تردف بألم أزاد جنه ألما: انتِ ربنا بيحبك يا جنه و اداكِ فرصه تانيه، اداكِ فرصه غيرك اتحرم منها للابد، عاصم مش هيحتاج غيرك، هيحتاج لك قوى جنبه و قريبه منه، خليكِ معاه يا جنه، انا خسرت فارس و مفيش فرصه يرجع تانى بس انتِ لسه في ايدك فرصه، لسه قدامك طريق يمكن صعب بس لازم تمشيه لازم و اوعى تخسرى لان روحك هتتدمر و قلبك هينتهى و هتعيشى طول عمرك تندمى..

اومأت جنه برأسها و همست بترجى تتوسلها: نفسى اشوفه،
استدارت لاكرم و هى تكاد تنهض لتقبل قدمه: بالله عليك عاوزه اشوفه، بالله عليك يا اكرم.

نظر اليها قليلا و ما زال قلبه لم يرق، لم يحنو عليها و لم يرحمها: عاصم مش محتاجك انتِ تحديدا، انتِ اللى وقفتِ في وشه و قولتيله انا بكرهك، بكره كلامك، وجودك جنبي بيخنقنى، انتِ بقيتِ و لا حاجه بالنسبه له، و بالنسبه لاى راجل كان هيبقى مكانه و انا قولتلك انى اول واحد هقف معاه..

انتفض جسدها فتابعتها حنين بصدمه مما قاله اكرم و لكنها لم تتحمل بكاءها فضمتها لصدرها مجددا مدركه ان بكلمات اكرم تلك فعاصم سينفى جنه من حياته تماما، مر الوقت حتى ارتفع الاذان فاتجه الرجال للمسجد بينما ظلت الفتيات بالاعلى، استغلت جنه فرصه رحيل اكرم و نهضت باتجاه غرفه عاصم لم تمنعها اى من الفتيات فحتى ان كانت مخطئه فوجع قلبها الان يشفع لها..

فتحت باب الغرفه و بمجرد ان رأته مسجى على الفراش وضعت يدها على فمها تمنع صوت شهقاتها و عينها لا تتوقف دموعها، اقتربت منه بخطوات مضطربه حتى وقفت بجواره تنظر اليه بعين امرأه تبكى دما على من دمرته بيدها، امرأه قتلت قلبها فلم يجد قلبه ملاذ لديها، امرأه حكمت على نفسها بالاعدام حتى لا تجد روحه بها حياه، امرأه لن يشعر بألم قلبها سوى زوجها ربما لانه يحبها، و لكن أمازال حقا يحبها؟!

سقطت على ركبتيها بجواره و رفعت يده الموصله بذلك المحلول جوارها لتحتضنها بكفها و انخفضت طابعه قبله عليهاا و لم تقوى على رفع رأسها مره اخرى، خارت قواها و انحنت روحها تهمس باعتذار ينبع بصدق: هو انا ينفع اقولك انا اسفه، هتقبلها منى و لا لا...!؟
صمتت و ضغطت شفتاها بقوه لكى لا تخرج شهقاتها ثم القت بجبينها على جانب صدره و انتفضت عده مرات تكتم شهقاتها به،
شعر هو بها بهمسها، انينها و دموعها التى لامست صدره.

أسف!
اهذا ما تتسائل عنه! يحق لها الاسف ام لا..!
رائحتها حوله، يشعر بانفاسها، يده بين يديها و صوتها يداعب اذنه و لكنه لا يراها و لن يستطيع، لم يعد يستطيع رؤيتها، ابريقها العسلى الذى دائما ما تاه به لن يراه مجددا، خصلاتها البندقيه التى لم يحظى بملمسها سوى مرات معدوده لن تتلذ عينه برؤيته مجددا، ضحكتها التى كان يسعى دائما اليها لن تتمتع عينه برؤيتها مجددا و مع كل هذا تبحث هى عن اسف؟
لم تتأسفِ؟

ألانها حكمت على قلبه بقتل حبها، و هو فعل!
ام لأنها حكمت على يده الا تقترب منها كأنها اثم، و هو وافق!
ام لأنها حكمت على شفتاه الا تفكر مطلقا بنطق اسمها، و هو اقتنع!
اتعلم انها لابد ان تتأسف حقا...!
ولكن لانها تمكنت من روحه التى تراها حتى و هو لا يرى، اختفت كل الالوان من عينه عداها، فهى النور الوحيد الذى مازال يضوى في عتمته..
يجب ان تتأسف، لانها سكنت القلب فحتى ان مات ستظل ذكراها معه..

يجب ان تتأسف، لانها مذنبه بحق عقله الذى مازال يفكر بها..
و بعد ان تتأسف، لن يمنحها هو شرف مسامحته..
ابتعدت عنه و نظرت لوجهه هامسه و هى تلامس وجنته بضعف: انا اسفه يا عاصم، اسفه على كل كلمه و كل فعل عملته و أذيتك بيه، اسفه انى ظلمت نفسى و ظلمتك معايا...

ابتسمت من بين دموعها تعده بما رغب ان تمنحه اياه منذ اليوم الاول الذى دق قلبه به لها: ارجع لى بالسلامه و انا اوعدك انى هفضل دائما جنبك، مش هسمح لاى خوف يبعدنى عنك تانى، اوعدك انى ثقتى فيك هتبقي دائما مطمنانى، هطلب من ربنا يسامحنى يا عاصم و هطلب منك تسامحنى...

قبلات عشوائيه على كفه تبعتها بتعبير صريح عما يعنيه لها لتكن المره الاولى التى تقولها صريحه: انا مقدرش اعيش من غيرك، انت امانى و سندى، انت حياتى و كل ما فيها يا عاصم، ارجوك..
طفله...!
هذا ما عليه هى،
طفله ما شاءت حصلت و ما كرهت نبذت، و لكنه لن يسمح لها بهذا،
هى انتهت بالنسبه له، انتهت نهايه لا عوده بعدها.

كانت تنظر هى لملامح وجهه بعاطفه طالما اخفتها بقلبها، لتجد نفسها فجأه بحصار حصونه السوداء و لكن هو لم يغرق بابريق العسل، مما ادى لتشنج كفه بين يديها و انتفض جالسا بغضب..
فانتفضت هى وافقه عن الارض لتجده يضغط بقوه شديده على يدها، حاولت اخراج يدها و لكنه لم يسمح لها و شدد ضغطه عليها فأطلقت تأوه مكتوم اثر تألمها، انهضه واقفا امامها و عقله يكاد يفارقه...

هو لا يراها، لا يرى ملامحها التى طالما تأملها، لا يراها هى، الجنه التى احالت حياته جحيما...
ابتسم بكل ما يملك من غضب دافعا اياها بعنف لتصرخ قبل ان تسقط ارضا فتصطدم جبهتها بحرف الاريكه خلفها، و لم يأبه بصراخها فبداخله اصوات تمزق، انكسار، حطام و صراخ خرج منه عاليا: انا مش عاوز اسمع صوتك ابدا و اى مكان انا فيه، مش عاوز احس بس بوجودك فيه، انتِ فاهمه!

صمت و صمتت هى الاخرى و لكن عقله لم يصمت، ماذا تفعل الان أتبكى ام تضحك ام تنظر اليه بشفقه ام تشمت بعجزه! ماذا تفعل؟ و ماذا يفعل هو؟!
هو لا يرى و لن يستطيع الانفعال امامها، لن يستطيع التحرك و السقوط امامها، لن يستطيع تحمل ضعفه امامها، لن يستطيع ابدا و مع شعوره بالعجز يلفه و عضلات جسده كلها تتمرد عليه هدر بها: اخرجى بره، حااااااالا.

نهضت واقفه و هى ترتجف رعبا و قلقا عليه تحاول تهدأته، مساندته و منحه بعض الاطمئنان: عاص...
دار للجهه الاخرى لعلها خلاف ما تقف و صرخ بعنف يتلوى من فرط قهره: مش عاوز اسمع كلمه واحده اخرجى من هنا، اطلعى بره.
اقتربت تحاول مره اخرى و رفعت يدها واضعه اياها على طرف كتفه و بمجرد ان لامسته استدار دافعا اياها بيده لتسقط ارضا مجددا و هو يصرخ بزمجره عاليه: انا قولت اخرجى بره..

دلف اكرم ومازن بسرعه فور وصولهم و سماعهم صوته، اقترب مازن من عاصم ليمنعه عنها و اقترب اكرم من جنه جاذبا اياها للخارج، دفع عاصم مازن عنه و هتف بحده: مش عايز حد هنا..
استسلم مازن و تركه و خرج مغلقا الباب خلفه، و هنا حاول عاصم العوده للفراش و لكن قدمه تعثرت وسقط ارضا جز اسنانه بغضب ضاربا يده بالارض عده مرات مع صرخات غاضبه ولكنها مكلوله عاجزه تخرج منه،.

دفع اكرم جنه لخارج الغرفه و هتف بها بعنف: انا مش قولت متدخليش الاوضه دى...
انتفضت و شهقاتها تكاد تقطع انفاسها: ان، اناا، انا
صاح بقوه: ابعدى عنه و مش عاوز اشوفك هناااااااااااا، سمعانى؟
اغلقت عينها بقوه و تساقط جسدها ارضا تجيبه بقله حيله: كنت عاوزه اطمن عليه، عا.

قاطعها اكرم بكلماته القاسيه التى لم تشفع دموعها لها عنده: ملكيش اى حق في كده، ملكيش حق تشوفيه حتى، خلاص انتِ وجودك في حياته انتهى و للابد و هو بنفسه قالك كده، اعتقيه لوجه الله بقى.
وضعت وجهها بين كفيها تبكي بحرقه اشفق الجميع عليها و لكن بغضب اكرم امامهم لم يستطع احد التقدم منها، جذبها من ذراعها فحتى دموعها لن يسمح لها بالتخفيف عنها، انهضها: يلا علشان ترجعى البيت..

حاولت الابتعاد عن يده: لا بالله عليك عاوزه افضل جنبه، مش هقدر امشى و اسيبه بالله عليك يا اكرم ارحمنى..
و لكنه تمسك بها و جذبها للخارج و لكنها تماسكت و توقفت و قالت بحده تمنعه تعنيفها اكثر، اجبارها و الزامها بما يريد فاللعنه على عقابه هذا: مش هرجع يا اكرم، انا هرجع مع جوزى لبيتى.

توقف اكرم ثوانى ثم استدار لها دافعا يدها و اومأ رافعا يديه لاعلى: براااحتك خالص، ارجعى بيتك مع جوزك، بس عاوز اقولك كلمه واحده، اللى مبيثقش في ربنا عمره ما هيثق في مخلوق، يا مؤمنه.

لمست كلماته قلبها لتحطم البقيه منه، بالفعل هى لم تخذل احد بقدر ما خذلت نفسها، لم تظلم احد بقدر ما ظلمت نفسها، بين متاهات خوفها تاه نور ايمانها، بين همسات شيطانها تاه حب ربها، لم تستطع العيش لان قلبها لم يكن على قيد الحياه و لكنها اليوم ستُحيه، ستجعل قلبها يعمر بأمانه و إيمانه مجددا، ستهزم شيطان خوفها و تشفى ضعف قلبها..

رفعت رأسها اليه و تمتمت بحزم ربما هى نفسها تختبره للمره الاولى و لكن لا بأس فلكل امر مره اولى: ايوه غلطت، غلطت قوى كمان بس النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ‏: ‏ ‏ ‏ مَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ عَبْدٍ نَدَامَةً عَلَى ذَنْبٍ إِلَّا غَفَرَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ مِنْهُ ‏ ‏‏. و انا هطلب من ربنا يغفرلى يا اكرم، يغفرلى تقصيرى في حقه و حق جوزى، يغفرلى ذنبي اللى عملته غصب عنى، و يغفرلى قله ثقتى و ضعفى.

‏نظر اليها اكرم قليلا ثم ابتسم بسخريه ملقيا اخر ما بجعبته لليوم: ممكن ربنا يسامحك، بس عاصم عمره ما هيسامحك يا جنه...!

نظرت اليه مدركه ان كلماته صحيحه فرد فعل عاصم الان يدل انه لن يفكر حتى في مسامحتها و لكنها فقط من تدرك قوه حبه لها و ايضا مدى عشقها له الذى اخفته عن الجميع و لذلك بثقه اجابته و هى على يقين انه ليس بأمر هين بل سيستنفذها كل طاقتها و اقصى مجهودها و ربما تنجح و ربما تفشل: هيسامحنى يا اكرم، اكيد هيسامحنى...

كذبت على و زعمت انى عاصمة قلبك
و اكتشفت اننى كنت ضاحيه مهمله من ضواحيه
غاده السمان
وقفت هبه بالمطبخ تعد مشروبا باردا ليساعدها على التركيز بعملها التى قررت اليوم ان تقضيه بالمنزل، عندما شعرت بيد معتز تلتف حولها كالمعتاد و ذقنه تستند على كتفها، تشنجت قليلا و لكنها سكنت بين يديه عندما تمتم بهمس كان سابقا يرجف قلبها: فله..
اغلقت عينها لحظات و همهمت، فهمس مجددا و هى يقبل جانب عنقها: بحبك.

ابتسمت فها هى لمساته التى كانت تعشقها اصبحت اليوم تنفرها،
ها هى الكلمه التى طالما تمنت سماعها اصبحت اليوم لا تصدقها،
ها هو حضنه التى كانت تشعر انه لها وطن اصبحت اليوم تشعر به سجن يقيدها،
و ها هى الحياه التى ظنت انها تعيشها اصبحت اليوم قبر ضيق دُفن به عشقها.

فتحت عينها و رسمت ابتسامه على شفتيها و استدارت له و بمجرد ان تلاقت عينه و عينها رفع يده واضعا اياها على عينها مقربا اياها منه اكثر حتى ارتكزت جبهتها على ذقنه ليجاعلها بكلماته المتلهفه: انسى كل حاجه، سيبى قلبك ليا، سيبى احساسك بيا ليا يا فلتى.
ابتسمت بهدوء، هذه المره لو تركت احساسها لصاحبه سيذهب و لكن ليس له فهو لم يعد صاحبه الذى طالما ألفه قلبها،.

هذه المره ان سمحت لقلبها ليحلق بسماء عشق سيحلق و لكن ليس بسمائه فقلبها لم يعد يعرف لقبله طريقا،
هذه المره ان تركت عقلها يتناسى كل شئ بالتأكيد سيفعل و لكن سينساه هو و لن ينسى عمق جرحه.

اتسعت ابتسامتها لتشعر بعدها بيده تُزاح ببطء عن عينها و انفاسه تقترب من شفتيها و بالفعل احتضن شفتاها في قلبه رقيقه، شعرت هى بها انها تستعيد ذكريات حب قُتل بيد صاحبه، ذكريات عشق طُمس باختيار من احبته، ذكريات رجل يرى نفسه فاز بها و لو نظر بعينها لعرف انه للابد خسرها..
حاوطت عنقه بيدها مستمتعه بضعفه امام قوتها و التى للحظه شعرت بها قوته امام ضعفها..
احم احم...!

صوت اسقط كلاهما على ارض الواقع ليجعل هبه تدرك انها على حق و يجعله يدرك انه لم يُجلب لنفسه سوى معضله لن يقوى على حلها، ابتعد معتز عن هبه و لكنه لم يلتفت لسالي التى نظرت لهبه و لاثار القبله الواضحه على شفتيها، لمعان عينها و اضطراب انفاسها فعقدت حاجبيها بغضب ثم خرجت من المطبخ تاركه اياهم..

فزفر معتز متوقعا ابتعادها، غضبها او حتى تزمرها و لكنها لم تفعل اى منهم بل وضعت يدها خلف عنقه تحركها بدلال و همست بالقرب من وجهه لتلفح انفاسها شفتيه و شفتاها تتحرك باغواء قاسى على رجولته: فله مكتفتش.

ثم رفعت امواجها ليغرق هو بهم ليعترف لنفسه، روحه، عقله و قلبه انه يحبها بل يعشق كل ما بها، جذب خصرها اليه اكثر و اقترب بوجهه مره اخرى و لكنه توقف عندما صاحت سالى باسمه و هم بالابتعاد و لكنها جذبته و بادرته هى بقبلتها الغاضبه فاستسلم هو لاجتياحها له متناسيا تماما ان هناك اخرى تستشيط غضبا بالخارج..

اخذت سالى تقطع الغرفه ذهابا و ايابا بضيق، فهى لم تقضى سوى يوم واحد بهذا المنزل و هى عروسته الجديده و ها هو ينعم مع الاخرى و كأنها ليست هنا، لم يمسسها هو منذ الامس، لا تدرى ماذا تعنى له تلك الفتاه، هى سعت كثيرا ليتزوجها، ضعفت، توسلت و ناجته ليفعل حتى خضع لسلطان حبها القديم و لكنها كانت مخطئه فهو احب اخرى و كعادته البلهاء لا يعرف ما بقلبه،.

ماذا تفعل لابد ان تتصرف، لابد ان تصنع حاجزا كبيرا بينهم، لابد ان تبعده عن الاخرى لتفوز به هى، هى تطلقت مره و لن تسمح بالاخرى و لن تسمح حتى بابتعاده عنها، و بينما هى تموت غيظا هنا، كان هو ينعم بأمواج فلته الهادره التى عصفت بكيانه كله بقبله واحده..

ابتعدت عنه هبه و داعبت انفها بانفه مع ابتسامه صغيره على شفتيها، تباعد جفناه ببطء ناظرا لابتسامتها و نظراتها التى ارتوت بعشقه مجددا و هم بالتحدث و لكن صرخه سالى بالخارج جعلته ينتفض تاركا هبه ناظرا اليها لحظات باعتذار ثم طأطأ رأسه خارجا من المطبخ..

اغلقت هبه عينها و استدارت مستنده على الطاوله الرخاميه قبل ان تفتح صنبور الماء تحمل منها بيدها غاضبه تمسح شفتيها بعنف كأنها تُزيل اثار قبلته، سامحه لتلك الدمعه بالفرار من عينها لتضع بعدها يدها على فمها مانعه صوتها من التعبير عن ثورته، فلم يحن الوقت بعد..
اتجه لسالي وجدها تجلس ارضا تمسك قدمها بألم فهبط اليها بلهفه: مالك! قاعده ليه كده؟!

مدت يدها اليه بدلال و هتفت بألم مصطنع: وقعت و رجلى اتلوت و بتوجعنى قوى...
قالتها بدلال زائد مدركه تأثيرها عليه فدائما ما كان يخبرها ان دلالها يرهقه، و لكنه لم يحرك ساكنا بل نهض و انهضها نظرت خلفه لتجد هبه تخرج من المطبخ تتجه لغرفتها فمرت بغرفتهم فابتسمت سالى و ترنحت بخبث: اه..
رفعت يدها لتحيط عنقه فتنهد معتز حاملا اياها، نظرت هبه اليهم، امامها...!

معتز - زوجها، حبيبها و حلم سنوات عمرها - يدلل اخرى، يده تلامس جسدها، يديها تلتف على عنقه الذى لامسته هى منذ قليل كأنها تمحى اثارها، اخرى تستند على كتفه، بين يديه، اخرى تحمل اسمه و لقب زوجته، اخرى تعيش حياتها و تنعم بدلال زوجها.

ابتعدت من امام الغرفه مسرعه و دموعها تغلبها لتخرج و بالفعل بمجرد ان اغلقت باب غرفتها تساقطت دموع حسرتها و وجع قلبها، جلست على الفراش و وضعت يدها على بطنها موضع جنينها تحدثه فلن يكون معها احد بمعركتها سواه: شايف بابا بيعمل فينا ايه، احنا مش هنسامحه ابدا بس، ، اختنق صوتها بقدر ما اخفت بداخلها من وجع: بس ماما بتحبه قوى، قولى اعمل ايه؟، ساعدنى، ماما محتاجه ليك.

لفت يدها حول نفسها تحتضنها بقوه كأنها تمنح القوه و الحنان بنفسها لنفسها اما بالخارج بعد ان وضعها معتز على الفراش جاء لينهض و لكنه تشبثت بملابسه مقتربه منه حتى شعر بانفاسها على بشرته و همسها المغرى ببحه انثويه مالت نفسه لها من قبل كثيرا و ها هى تفعل مجددا: متبعدش عنى يا ميزو..

لامست شفتاه ببطء و لمعت عينها بانتصار و هى تجذبه ليميل عليها و لكن انتصارها اختفى تماما عندما ابتعد عنها و نهض دون ان ينظر لعينها و تمتم بتهرب تعجبه هو بنفسه قبل ان تفعل هى: عندى شغل ضرورى و لازم اخرج..
تركها و خرج من الغرفه مغلقا بابها خلفه فانفعلت هى و امسكت بالوساده و قذفتها خلفه بغضب،.

وقف معتز امام الغرفه زافرا بقوه، هو لا يطيق لمسها، فاتنه و لكنه لا يريدها، يشتاق لفلته، لضحكتها، يتلهف لحضنها و يهوى مداعبتها و مشاغبتها..

تحرك بعاطفته تلك لغرفتها و لكنه تجمد امام بابها لا يقوى على فتحه و صوت انينها رغم خفوته يصم اذنيه، حرك يده ليضعها على المقبض و لكنه لم يجرأ، رفع اياها ليطرق الباب و لكن ايضا لم يجرأ، فضرب يده بالحائط و ابتعد عن الباب متجها لصاله الاستقبال و جلس هناك ينظر لباب غرفه سالى لا يرغب بالذهاب اليها ثم ينظر لغرفه هبه لا يستطيع الدخول اليها و ها هو جالس هنا لا يتحمل الاقتراب من هذه و لا يتحمل الابتعاد عن هذه و لكنه لا يستطيع الاقتراب.

خرج محمود من المنزل وهو يقسم انه ان رأى معتز سيقتله على ما فعل بأخته و لكن ما يحرقه الان هو كيف تخفى مها امرا كهذا عنه، اخرج هاتفه و بعث اليها برساله عايز اشوفك دلوقت يا مها.

في هذا الوقت كانت مها بالمشفى تحاول الاتصال بمعتز و لكن هاتفه مغلق ارسلت اليه بالعديد من الرسائل و لكنه لم يجيبها حتى وصلتها رساله محمود فتحتها متوقعه انها من معتز و عندما قرأتها تنهدت بخيبه امل و اجابته بأخرى مش هينفع دلوقت
رأى محمود الرساله و جن جنونه و بعث لها خلاص يا مها مفيش داعى تخبى انا عرفت كل حاجه خلاص.

قرأت رسالته بتعجب فكيف عرف هو، لم يخبروا احد بالاضافه لان معتز لا يعرف فكيف عرف محمود و مع اندهاشها اجابته انا مش بخبى يا محمود بس مكنتش لاقيه فرصه اقولك
ضرب ركبته بيده عده مرات من فرط غضبه و ارسل و هو يكاد يفقد عقله فرصه ايه يا مها، كان المفروض تقوليلي اصلا اول ما عرفتِ و بعدين ازاى محدش فيكم منعه.

نظرت للهاتف بتعجب احد يمنعه! ارسلت بتعجب ساخر نمنعه ازاى يا محمود؟ هو نصيبه كده و ربنا كاتب له كده، مش المفروض نقول ايه السبب و ليه، المفروض ان كلنا دلوقت نقف جنبه و نساعده يكمل حياته و كأن مفيش حاجه اتغيرت
ضغط محمود الهاتف بيده بغضب اعمى و لو كانت امامه الان لهشم وجهها فهى لا تجد معضله فيما فعل اخيها، لا بل ستسانده ليمضى بحياته و كأن شيئا لم يكن..

اغلق الهاتف لكى لا يبعث بشئ يندم عليه لاحقا بينما هى انتظرت رده فهى تكاد تجن مما يقول، كيف كان بإمكانهم منع عاصم مما حدث له؟ و ما سبب غضبه المفاجئ هذا؟
جلست سلمى بجوارها قائله بنفاذ صبر و قله حيله: عاصم مصمم يرجع البيت عالطول رافض تماما يقعد هنا..
اومأت مها برأسها ثم اشارت لجنه، تنهدت سلمى: اكرم مانعها من الدخول تماما..
شردت مها فاردفت سلمى: عمرى ما شوفته عصبى كده و كمان جنه صعبانه عليا قوى..

خرج اكرم من الغرفه قائلا بجديه و الارهاق يقطر من عينيه: عمى لو سمحت ياريت الكل يرجع على البيت و انا هجيب عاصم معايا.
اومأ عز و نهض الجميع ليرحلوا عدا جنه فاقترب اكرم منها: بلاش يشوفك دلوقت و لا انتِ حابه تتعبي اعصابه و خلاص اتفضلى معاهم و احنا هنيجى وراكم..
نظرت اليه دون رد فعل فزفر جاذبا يدها بقوه حتى هبط بها للاسفل فصعدت بالسياره معهم و عاد اكرم للاعلى..

اتجه محمود في ثوره غضبه تلك لمنزل هبه دق الجرس، فنهض معتز من جلسته ليفتح في نفس الوقت التى خرجت فيه هبه من الغرفه مرتديه اسدالها، نظر كلاهما للاخر قليلا ثم اتجه معتز للباب و بمجرد ان فتحه عاجله محمود بلكمه و هى يصيح باستحقار: يا ندل، يا واااطى..

سقط معتز ارضا و هى يضع يده على انفه و لكن محمود اقترب منه ممسكا بملابسه و لكمه مره اخرى، صرخت هبه و اقتربت منهم بجزع تحاول ابعاد محمود عن معتز و لكنها لم تستطع في ثوره همجيته تلك و لكن توقف دون ان يوقفه احد عندما صدع صوت سالى من خلفهم: يالهوى ايه اللى بيحصل ده؟
رفع محمود رأسه اليها ليصطدم بوجهها، ملابسها و بها فتمتم بذهول صادم: ساااالى!

نظرت هبه اليها و غلت الدماء بعروقها فالزوجه المبجله خرجت امام محمود بقميصها القصير دون ادنى خجل او حياء، و لكن فورا عادت هبه برأسها لاخيها و هتفت بدهشه هى الاخرى: انت تعرفها يا محمود؟

نظر محمود لهبه بتشتت ثم استدار لمعتز الذى استطاع التخلص من يده و انقض على قميصه مجددا و صرخ به و قد وصل بهم الزمن ليخبره محمود انه كان محق بشأن ندالته: قولتلك هتفضل تحبها، قولتلك ملكش دخل بأختى، قولتلك مش هسمحلك تأذيها يا حيوان.
رفع يده يلكمه مجددا و لكن تحركت هبه مسرعه لتقف امامه تصيح هى به بحده ادراكها: يعنى انت كنت عارف انه بيحب واحده تانيه؟

نظر اليها محمود بارتباك فاردفت صارخه و وجعها يزداد بمعرفه شقيقها: قولتلى مستهتر و مبيفكرش غير في نفسه بس مقولتش انه بيحب واحده تانيه و لو ظهرت في حياته هينساكِ..
ازداد غضب محمود و مد يده ليضرب معتز و لكن هبه منعته تزمجر بعصبيه: بس بقى.
نظرت هبه لسالى باحتقار مشيره لباب الغرفه: ادخلى يا مدام يا محترمه استرى نفسك بدل قله الادب دى..
احتقن وجه سالى بغضب و هى تتقدم في مواجهه غاضبه: و انتِ مالك يا...

قاطعها معتز بحده و بعينه نفس الاستحقار: ساااااالى ادخلى و لمى الدور علشان ميجيش على دماغك، ادخلى.
اقترب منه محمود مجددا و قال باستهزاء و هو يشمله بنظره متهمكه من اعلى لاسفل: بتحاول تعمل فيها راجل يا.
اندفعت سالى للداخل بينما دفعت هبه محمود ليجلس و اشارت لمعتز بالجلوس هو الاخر و جلست هى امامهم و قالت بحسم: انا عاوزه اعرف ايه حكايه سالى دى من الاول،.

نظر كلاهما للاخر و بدأ محمود الحديث: معتز كان بيحب سالى من ايام الجامعه، كان بيحبها و نفسه يتجوزها و هى كذلك بس نجلاء هانم رفضت لان سالى مش من عيله معروفه زى عيلتهم و طبعا معتز محاربش علشانها خصوصا ان سالى قالتله ان في عريس متقدم و باباها موافق عليه و هى مش عارفه ترفض، و فعلا سالى اتجوزت، معتز وقتها كان تعبان و مضايق جدا، سجن نفسه بين السجاير و البنات و الاستهتار، حاولت معاه على قد ما اقدر لحد ما استوعب الموضوع شويه و بدأ نوعا ما يفوق لنفسه بس كان بيحس بتأنيب الضمير تجاه سالى لانه مدافعش عن حبه ليها و بعد جوازها بحوالى 6 شهور، فاتحنى في جوازه منك، انا اه حذرتك منه بس مقدرتش اقولك الموضوع ده بس مكنتش اعرف انه هيبقى بالنداله دى.

نظرت هبه لمعتز الذى ينظر امامه بشرود دون تعابير على وجهه و لكن هناك ألم، ألم لا تخطئه عينها، ألم جعل قلبها يتألم لاجله و لكنها ما عادت تأبه.
رفع رأسه فالتقط عينها بعينه فتسائلت و نظراتها اصعب ما يكون عليه فهمها: اتجوزتها ليه دلوقت يا معتز و فين جوزها؟
نظر اليها قليلا ثم تحدث بهدوء: اول مره اشوفها تانى كان يوم خروجتنا سوا و بعدها قابلتها في مكان قريب من الشركه،.

صمت قليلا ثم اردف و هو يدرك خطأه: قابلتها و قعدت معاها، حكت لى انها اتطلقت بعد جوازها بشهرين لانها متحملتش معامله جوزها، كان بيضربها و يهينها و يستغلها و بس، هربت منه و هددته بانها تفضحه فطلقها، رجعت لاهلها رفضوا انها تعيش معاهم بعد الفضيحه دى و فضلت قاعده مع واحده صحبتها طول الشهور اللى فاتت ف..

قاطعته هبه و دموعها تتجمع بعينها بابتسامه جانبيه ساخره: فصعبت عليك بقيت تكلمها و تتطمن عليها و بقيت تتخانق معايا في البيت كتير لانك بتغلط بره لحد ما نجحت هى في استعطافك و اتجوزتها، صح؟!
نظرت اليه قليلا ثم تحركت من امامهم لتدلف لغرفتها و لكنها توقفت و عادت اليهم، نظرت لمحمود قائله بثبات: اتفضل دلوقت يا محمود من فضلك؟

نظر اليها و كم كان يود جذبها من يدها عنوه ليرحل بها من هنا و لكنه حتى هذه لن يستطيع فعلها، نهض مسرعا و خرج من المنزل، تحركت هى للداخل و لكن نهض معتز و تحدث من خلفها: هبه..!
توقفت و وضعت يدها على موضع جنينها تستمد منه قوتها حتى شعرت به يقترب منها ليهمس اخيرا بصدق شعرت به و لكن لا فارق: انا اسف..
ابتسمت بخفوت فهذا كل ما يفعله، يتأسف...!

ابتعدت متجهه للمطبخ احضرت قطع ثلج و خرجت اليه مجددا امسكت بيده و اجلسته على الاريكه ثم جلست بجواره و بدأت تضع قطع ثلج على انفه و جانب فمه التى تحمل اثار لكمات محمود بينما هو يتابعها بعينه و هو يشعر بقلبه نادم..
نادم على فعل لا يدرى ان خطأ فيه ام لا و لكنه يدرى جيدا انه ألمها به و هذا يكفى لشعوره بقيه عمره بالندم.

انتهت و نهضت فوجدت سالى تخرج من الغرفه كالاعصار لتقف امامها و تصيح بهاا: اسمعى بقي و افهمى كويس ان فكرتِ تعلى صوتك تانى عليا لاى سبب كان، صدقيني مش هتردد في انى افرج عليكِ امه لا اله الا الله، سامعه!

همت هبه بالرد و لكن معتز وقف امامها و هدر هو بها: و انتِ اما تبقي ست مش محترمه و مفيش لا خجل و لا خشى انك تخرجى قدام راجل غريب بلبسك ده وقتها مش هى اللى هتتكلم وقتها مش هيحصلك طيب منى انا يا سالى، فاهمه!
ثم رفع اصبعه امام وجهها و هتف بتحذير صريح و واضح: و حسك عينك تفكرى تعلى صوتك على هبه تانى و إلا و الله العظيم لتشوفى منى تصرف مش هيعجبك...

استدار لهبه ممسكا يدها و تحرك بهم لداخل غرفتها مغلقا الباب خلفه و بمجرد ان اغلق الباب وضع يده على اعلى بطنه ضاغطا عليها بقوه و جز اسنانه بألم، نظرت اليه هبه بقلق متسائله باهتمام حقيقى: رجعت توجعك تااانى؟
اسندته حتى اجلسته على الفراش و سطحته و سألته بعتاب: اخدت الدوا بتاعك يا معتز؟
اغلق عينه بألم، فضربت على الفراش بضيق اصاب قلبها حقا: انا غبيه انا السبب ازاى نسيت...!

نهضت مسرعه و اخرجت ادويته و احضرت كوب ماء و اتجهت اليه لتجده يمسك باحد المحارم البيضاء و يسعل دما، اخذت تمسد ظهره بحنان و قلبها يتوجع لوجعه حتى هدأ فأعطته دوائه و كوب الماء حتى استكان اخيرا...
جلست بجواره تقرأ بعض ايات القرآن لتجده فجأه يتقوقع ضاما ركبتيه لصدره ملقيا برأسه على فخذها محتضنا كفها بيده هامسا بضعف: اطلبي من قلبك يغفرلى يا هبه، انا مش ضامن عمرى يا فلتى.

اغلقت عينها لتتساقط دموعها على جانب وجهه فاعتدل رافعا رأسه اليه و ابتسم بضعف فأكثر ما يهده و يجعله يشعر بضعف لامثيل له هو مرضه: مش علشانى يا هبه دموعك دى اغلى مني..!
ضمت رأسه اليها و همست بصوت شبه مسموع و هى تتحرك به للامام و الخلف بحسره: حراام عليك يا معتز، حرام عليك ضعت و ضيعتنى معاك...

جلست نهال مع محمد في غرفته و قد بدأ في استرداد القليل من صحته، استيقظ من سباته و ابتسم لها متمتما بضعف: لسه مابتكلميش الولاد برده؟
اخفضت وجهها و تحدثت بخفوت، امومتها تنكر و ترفض التصديق و لكن ما رأت الاعين يفوز: مش قادره اصدق ان ابنى يعمل كده بس كمان كباره العيله شافوهم بعنيهم...

ابتسم محمد و مد يده لها فأمسكتها فأخذ هو نفس يحاول به استمداد بعض القوه و نصحها بثقه و ثبات: انا مش قادر افهم ازاى تصدقوا فيهم كده!، و لو افترضت ان مازن يعملها، حنين لأ، انا متأكد ان الموضوع ده مش زى ما هو واضح...!
اومأت نهال باتفاق و لكنها جادلت ربما لتُثبت لنفسها قبل الجميع ببراءتهم: انا معاك بس ايه يخليهم يقعدوا في المكان المهجور ده لوحدهم، هى من غير حجابها و هو من غير قميصه؟

ابتسم مره اخرى و اضاف بمكر عائدا بذاكرته و بها للخلف قليلا بل كثيرا: فاكره لما كنا مخطوبين يا ام فارس، فاكره لما خرجنا نجيب الفستان و البدله بتاع الفرح، فاكره اللى حصل يومها...

شردت بفكرها لذلك اليوم عندما كانت تقيس احد الفساتين و بعد ان ارتدته، استدعته ليراها و اثناء ذلك شعرت هى بدوار يلفها، اتى هو و ابدى اعجابه بما ترتديه و بها هى و لكنه فوجئ بها تترنح و تسقط بعدها بين يديه فسقط بها ارضا، كانت معهم امل شقيقتها فأحضرت ماء له و حاول هو افاقتها و تركتهم امل لتأتى بأحد العصائر لها و بالفعل استيقظت نهال لتجد نفسها بين يديه داخل غرفه قياس الملابس...

اردف هو بعدما ابتسمت هى و تسائل عائدا لموضوعهم: لو كان الحاج مجدى او الحاج مدحت شافونا في الموجف ده، كانوا جتلونا و غسلوا عارنا بيدهم..

ضحكت على لهجته الصعيديه التى لم يتحدث بها منذ زمن فأكمل و هو يقنعها تمام الاقناع و من ذا يقدر على هذا دونه: يعنى محدش عارف ايه حصل معاهم، غلط قوى انكم تتهموهم قبل ما تسمعوهم انا مش مصدق ان عز عمل كده و مع حنين بالخصوص و بعدين انا ملاحظ من كلامك ان الكل جه على حنين و محدش عاتب مازن و لا علشان هو الراجل و هى الست يعنى؟

طأطأت نهال رأسها خجلا فضغط يدها بخفه لتنظر له: انا بثق في ولادى يا ام فارس، بثق فيهم لابعد الحدود و حنين كانت اختيار فارس و انا ابنى مايخترش غلط ابدا، فكرى في الموضوع كويس، حنين من يوم ما جت هنا و انتِ قافله على نفسك جنبى هنا و محاولتيش تطيبى خاطرها، هى بتحبك خليكِ جنبها و ارجعى فكرى في اللى سمعتيه تانى و انا متأكد انك هتوصلى لحاجه تدلك على الحقيقه و ابقي اقعدى مع مازن و حنين و اسمعى منهم، انتِ وقفتِ جنب حياه و ساعدتيها و عرفتِ اتعذبت ازاى لما ابوها ظلمها و دلوقت حنين محتاجه ليكِ تكونى مكان امها، ماشى يا ام فارس..!

ابتسمت نهال و كلامه يترسخ بعقلها ثم تركته ونهضت لتخرج و جدت حياه تجلس بمدخل المنزل تنظر لساعه يدها حينا و لباب المنزل حينا اخر، اقتربت منها و ربتت على كتفها فانتفضت حياه فهمست نهال تهدأها: اهدى يا حبيبتي، انتِ قاعده ليه كده؟
تمتمت حياه: منتظره مازن..
عقدت نهال حاجبيها: هو لسه بره؟
اومأت حياه فهمهمت نهال مضيفه: طيب تعالى معايا نشوف حنين..
تنهدت حياه بقلق: حنين مع مازن بره يا ماما.

نظرت اليها نهال بتعجب فأردفت حياه: الكابتن عاصم في المستشفى عامل حادثه.
شهقت نهال بفزع: استر يارب، استر يارب، شردت قليلا ثم اضافت: ايه اللي بيحصل في العيله دا! كل حاجه في وقت واحد، الرحمه يارب، ارزقنا القوه و الصبر يارب..
وضعت حياه يدها على كتفها: انا كلمت مازن من شويه و قالى انه كويس و هيرجع البيت النهارده..
تنهدت نهال بارتياح: اللهم لك الحمد، ثم جلست على الاريكه: انا هستناهم اطمن عليهم.

اومأت حياه مبتسمه و قلبها يقرع قلقا من عودتهم فخبر اصابه عاصم بفقدان البصر هى لا تتحمله فكيف بأهله؟


look/images/icons/i1.gif رواية حلم السندريلا
  28-03-2022 08:48 مساءً   [30]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية حلم السندريلا للكاتبة عليا حمدي الفصل الحادي والثلاثون

كان الجميع بالمنزل بانتظار عوده عاصم عدا حنين التى رفضت الدخول للمنزل و عادت و مازن لمنزلهم بعدما اوصت مها تطمئنها عليه اول ب اول، مرت ساعه حتى استمع الجميع لصوت سياره اكرم تدلف للمنزل و لكنهم تفاجئوا به يدلف بمفرده..
نهضت جنه و اقتربت منه بلهفه قلقه: فين عاصم؟
تنهد بضيق محركا رأسه يمينا و يسارا: معرفش..
اقترب عز منه و هتف بتعجب مستنكر: يعنى ايه متعرفش، مش انت قولت هيرجع معاك!

وضع اكرم يده يشدد على خصلاته بقوه: انا نزلت معاكم و لما طلعت فوق تانى ملقيتوش في اوضته، سألت عنه محدش شافه..!
اندفعت جنه تنهره بخوف: يعنى ايه محدش شافه و يعنى ايه ملقتوش؟ يعنى راح فين! ايه اللى انت بتقوله ده!

سقطت ليلي على الاريكه بانهيار فاقتربت منها سلمى و مها يطمئنوها رغم ان كلتاهما اجهدهما الخوف و القلق، اقتربت جنه من اكرم و دفعته بكتفه و صاحت بشبه انهيار: انت هتفضل واقف كده؟ اتصرف، اسأل، دور، اعمل اى حاجه، ثم امسكت بقميصه بقوه: عاصم راح فين يا اكرم؟ بالله عليك طمنى...!؟

نظر اليها و ابعد يديها عنه و قال باستنكار و مازال عقابه لم ينتهى و لن ينتهى و سينتهز من كل امر فرصه ليقتلها مرارا: انا مبقتش فاهمك، انتِ عايزه منه ايه بعد اللى عملتيه؟ عاصم مش هيسيبك على ذمته لحظه.
نظرت اليه بغضب و ابتعدت خطوه للخلف تصرخ بثقه باتت مهزوزه: انت متعرفش عاصم، عاصم مش هيسيبني انا متأكده، ثم صرخت: انا عاوزه بس اشوفه، كل ده مش مهم المهم اطمن عليه، اتحرك، اعمل حاجه..

ابتعدت عنه و اتجهت لامجد بانهيار: و انت الله يخليك اعمل حاجه...
ثم اتجهت لعز تصيح و هى تشير لصدرها ضاربه اياه: انا موافقه انه يعاقبني، موافقه انه يوجعنى و يجرحني زى ما عملت و اكتر بس بالله عليك يا عمو اتصرف و طمنى.
وضعت يدها على وجنتيها و اتسعت عينها و هى تنظر لملامح الجميع بذهول خائف، و كأن الخوف شريك حياتها متى ما ارادت التخلى عنه تمسك بها: هيكون راح فين، هيمشى ازاى، هيشوف ازاى!

صاحت بها بشكل هستيرى و هى تنتفض لشده بكاءها ثم توقفت فجأه و عقدت حاجبيها واضعه يدها على رأسها و دوار شديد يعصف بها و غمامات سوداء تصر على جذبها، ترنحت و سقطت ارضا شبه فاقده للوعى فهرع اكرم اليها فلم يعد يتحمل انهيارها هذا، اسندها على كتفه بينما ركضت مها للداخل لتحضر كوب ماء..

ضرب اكرم على وجنتها و هى تغيب عن وعيها تدريجيا و تهمس بتقطع يقتله الرعب من فكره اصابته بمكروه: ط، م، طم، طمنى، ع، طمنى، عليه، بالله، باالله عليك...
احضرت مها الماء و بدأت تنثر قطرات على وجه جنه حتى استعادت وعيها قليلا فانهمرت دموعها و هى تتمسك بقميص اكرم تتوسله عله يسمعها: عااصم فين يا اكرم؟ انا موافقه يأذينى بس ميأذيش نفسه، قلبى واجعنى يا اكرم و محدش هيطمنى غيره، بالله عليك اعمل حاجه بالله عليك..

اختنق صوتها بدموعها و انتفض جسدها فرفع يده ليحاوطها لكن رغبته في تعليمها هذا الدرس لم تسمح له، رغبته في جعلها تختبر الالم التى تسببت به لغيرها لم تمنحه الفرصه، توقف بيده على شكل قبضتين خلف ظهرها و لم يحاوطها، ثم اخفض يديه متجمدا مكانه هى تنتحب فوق صدره و هو مغلقا لعينه يتشبع بألمه لعدم منحها حنانه و يكتوى بألمها الذى يزيده بقسوته بينما في الواقع يتلهف شوقا ليمحيه، نظرت مها و سلمى ليده المتجمده خلف ظهرها و نظرت كلتاهما للاخرى متعجبه قسوته المفاجئه و على من، جنته الصغيره!

نهض اكرم و انهضها معه و اجلسها على الاريكه ثم استدار لعز الذى بارده بقوله: احنا لازم نبلغ البوليس؟
كاد اكرم يبتسم من اقتراح عز و لكنه تماسك موضحا: الشرطه مش هتعمل حاجه قبل 24 ساعه يا عمى خصوصا اننا هنخليهم يدوروا على نقيب في الجيش عنده 30 سنه..
هتفت ليلى بحسره: بس اعمى...!

شهقت جنه و ضمت ركبتيها لصدرها و هى تدعو بقلبها اليه و لكنها ما لبثت ان ركضت مسرعه للاعلى و دلفت لغرفتها توضأت مسرعه و خرجت وضعت سجاده الصلاه على الارض و بدأت تصلى و دموع عينها تكاد تجف و اثناء سجودها انتحبت بصوت عالى تدعو له حتى انقطعت انفاسها و تعالت شهقاتها و هى تشعر بروحها تزهق و قلبها يتمنى الاستسلام للتوقف عله يسكن، و اثناء سجودها شعرت بالظلام يلفها مجددا فسقطت مكانها مستجيبه له تماما...

وسط نسمات الهواء الهادئه، رائحه الاشجار و الازهار الملونه، صهيل اسود بجواره، يجلس هو بعتمته التى ستظل تصاحبه من الان و للابد، يداعب رأس حصانه بيده بينما قلبه و روحه يتصارعا ليهدأ...
تمتم بخفوت: كله اسود يا اسود ، مبقاش فيه ابيض و لا رمادى، كله اسود، عارف انت اسمك اسود بس حياتك لأ، لكن انا، استنى احكيلك من الاول، فارس ماات..!

اضطربت انفاسه و لكنه قرر انهاء قلبه و حرق روحه الان حتى يعود لعاصم اخر، عاصم بلا قلب بلا رحمه بلا مشاعر، عاصم اخر اعمى و لن يكون عماه بالرؤيه فقط و لكن بكامله.
فأردف ببطء: مااات قدامى، كنت جانبه و مش قادر اساعده، مقدرتش اكلمه او حتى اودعه، صديق عمرى بقى ( كان )، ماضى لو عملت ايه مش هيرجع، دى كانت بدايه نهايتى، ادركت فعلا ان لما بتخسر شخص عزيز على قلبك بتخسر جزء من قلبك معاه..

تحرك اسود برأسه اسفل يد عاصم فابتسم عاصم بألم ثم اردف ببطء اشد و بانفاس متقطعه رغم هدوئه: حنين، الورده اللى ياما اهتميت بيها، كنت برويها علشان تكبر و تفتح و لما فتحت، اتقطفت، هى كمان خسرت فارس، خسرت راجل حتى انا لا يمكن هعوضه في حياتها، شفتها قدامى ضعيفه و مكسوره و مقدرتش اعملها حاجه، لقيتنى فجأه متقيد زيها، هى خسرت زوج و انا خسرت اخويا، احنا الاتنين غرقنا في سفينه واحده، هساعدها ازاى؟

صمت قليلا بل طويلا طويلا، و اى كلام هذا يُقال الان، فأحيانا يكون صمتنا اصخب من كل ما يُقال، فالاحرف بُعثرت و الابجديه انتهت، عند هذه النقطه و لا يستطيع حتى تجميع ما يشعر به و لكنه جاهد ليفعل فان اراد المضى قدما عليه بتخطى كل ما بطريقه من حواجز: جنتى...!
اغلق عينه ليرى صورتها امامه، ضحكتها، عينها، شفتاها، و طفولتها،.

هناك ثقافه واحده
هى ثقافه القوة..
حين اكون قويا
يحترم الناس ثقافتى
و حين اكون ضعيفا، اسقط انا
و تسقط ثقافتى معى..
نزار قبانى
نظرت اليه بدهشه و عدم استيعاب لما يقوله و لكنها تجاهلت كل شئ و هتفت رغم تألمها من قبضه يده على ذقنها: انا مش فاهمه حاجه يا عاصم و بعدين، غشت عينها الدموع و همست بصدق وجع قلبها: كنت فين امبارح قلقتني جامد عليك؟!

قربها اليه اكثر ضاغطا جسدها بقوه، فتفرق الجميع من حولهم تاركين اياهم بمفردهم، مُعتقله بين يديه و هى تتلوى ألما من قبضته و تمتم بسخريه و خشونه: قلقتِ عليا! جديده دى يا حرمى المصون.
نظرت لعينه التى لم تعد تعج بمشاعره بل انطفئت تماما، كم ترغم بالاحتماء بحصونه السوداء و لكن كيف تحتمى بحصونه و هى مهدمه!
تماسكت قليلا لتتحدث و لكن قلبها لم يفعل: انا...
قاطعها ملتقطا كلمتها: انتِ بتتخنقى في وجودى،.

اتسعت عينها بصدمه وعُقد لسانها تماما ونظرت لعينه بتشتت فأكمل هو: جوازنا طوق ملفوف على رقبتك،
ابتعلت ريقها بصعوبه و اخرجت صوتها بالكاد: ان...
قاطعها مجددا يمنع حديثها كأنه لا يرغب بسماع صوتها: انتِ بتكرهيني، قالها بنبره ارعدت اطرافها، فحدقت بعينه لتجدها مركزه على اللاشئ فاغمضت عينها بألم ثم فتحتها و اقتربت منه لتضع يدها على صدره موضع قلبه وهمست و انفاسها تصطدم بعنقه: عاصم، ارجوك انا..

رفع يده ممسكا يدها مثبتا اياها على قلبه اكثر لتُفاجئ هى بهدوء دقاته على غير المعتاد كلما كانت بقربه، رفعت نظرها اليه فاردف بتذكر و هو يخبرها انه ابدا و ابدا لن ينسى كلماتها و لن تدمل ما تركت من ندوب به: انتِ تعبتِ و لو فضلتِ جنبى هتحسى انك بتموتِ،.

رفع رأسه للخلف و اتسعت ابتسامته بشكل جعلها لا تفعل شئ سوى التحديق به مرتعبه مما قد يفعل، ضغط يدها على صدره اكتر حتى ظهرت عروق يده و هنا اشتعلت نبضات قلبه مجددا و معها اضطرب جسدها كله عندما مال للامام قليلا يخاطبها كأنه يراها بل و تحرقها نظراته ايضا: شايفه ان بعدك عنى هيريحك، هتعيشى مبسوطه، جوازنا هو اللى مقيدك و مانع سعادتك؟!

اخفض يدها عن صدره معتصرا كفها بقسوه: انا بقى بكل سرور هحرمك راحتك، همحى سعادتك، هعرفك يعنى ايه قيود بجد، قبل يوم واحد بس كنتِ مراتى، حرم النقيب عاصم الحصرى لكن من النهارده انتِ ولا حاجه، لا له و لا لغيره...

رفع يده ممسكا كتفها مقربا اياها منه فشهقت بعنف متألمه فشعر هو بأنفاسها تصطدم بوجهه فاتسعت ابتسامته و خاصه مع انتفاضه جسدها الذى يدرى جيدا انه خوفا منه و استمر بسرد ما ينوى عليه معها: هتفضلى هنا، جنبى، تعيشى تنفذى اوامرى و بس، هتعيشى بدون هويه كأنك ولا حاجه، لا مراتى و لا لغيرى، لا انتِ عايشه و لا حتى ميته، لا هسيبك تبقى في سما و لا هرميكِ للارض..

جز اسنانه بقوه و اكمل و هى ترى عرقه الاسود ربما بقدر ما رأت من قسوته تختبر هذا للمره الاولى: كان في حاجه واحده بس هتحميكِ منى، و انتهت و انتِ اللى اختارتِ و انا مفيش افضل منى في تدمير حياه حد، بستمتع جدا..
دفعها عنه و شدد قبضتيه بغضب، كم كان يود رؤيتها الان، يود رؤيه الخوف المتجسد بعينها، يود الاستمتاع بنظرات الألم التى تصف نفسها بوضوح على وجهها،.

ابتسم بسخريه فالرجل الذى طالما تمنى رؤيه ابتسامتها اليوم يريد التلذذ بألمها، و القلب الذى طالما ارتجف لمجرد وجودها حوله اليوم يتصلب حتى بقربها..

اتسعت ابتسامته و رفع يده و امسك بالمحبس الذى يُزين اصبعه بإسمها و يعلن عن ملكيتها له و الذى لم يفارق يده منذ ان اصبحت زوجته بينما راقبت هى حركه يده و قلبها ينتفض حسره و الم و عقلها يتلوى ندما و لكن انفاسها تجمدت حين اخرج هو المحبس من يده و ضغط عليه باصبعه بقوه حتى تعرج قليلا ثم القاه ارضا ببروده لاذعه اصابت قلبها في مقتل و هى تراقب حركته الدائريه على الارض حتى سكن اخيرا فرفعت نظرها اليه بذهول متوجع و لكن لم ترى ما رغبت على وجهه، لم ترى تألم و لا حزن، لم ترى لهفه او ندم، لم ترى نفسها بعينه مثلما اعتادت فحصونه السوداء تهدمت و معها تهدم حبها داخل قلبه و تدمرت صورتها بمرآه عينه...

نقلت بصرها للمحبس على الارض مجددا فضمت يدها التى تحوى محبسه و لكنها شهقت بلوعه عندما وجدت اكرم يتقدم منهم داعسا المحبس بقدمه فنظرت اليه اعتقادا منها انه لم ينتبه و لكنها وجدته ينظر للارض متعمدا ثم رفع نظره اليه و بعينه نظره جعلت قلبها يتمزق اربا، نظره يقول بها انتِ لا تستحقِ سوى هذا، انتِ لا تستحقِ سوى الالم..

نقلت بصرها بينهم فأحدهم هو اخيها و الاخر زوجها، هذا يقتلها ببطء و الاخر يضحك على تألمها، هذا كان سندا لها واصبح اليوم محطمها، و الاخر كان سبب فرحتها و اصبح اليوم هو منتزعها..!؟
تساقطت دموعها و هى تشعر بيتمها جوارهم،
تشعر بحاجتها الماسه لحضن ابيها، ليضمها و يخبرها الا تحزن فهو لا يتحمل دموعها،
تشعر برغبتها الملحه في اللجوء لحضن امها التى لم تعرفه يوما و لا تملكها الان لتفعل،.

رفعت يدها واضعه اياها على فمها و عينها تنظر لهم كغرباء عنها، تعجز عن رؤيه من اعتادتهم فيهم، تعجز عن رؤيه حضن دافئ يحتويها..
فاليوم للمره الثالثه تيتمت
و الاسف الاكبر انها تشعر بهذا و هم معها...!

السلام عليكم..
القاها مازن وهو يقترب من حنين الجالسه مع حياه بحديقه المنزل، اجابته الاثنتان فاقترب جالسا امامهم متسائلا باهتمام: لسه مش ناويه تروحى تطمنى على عاصم يا دكتوره؟
اشاحت بوجهها و اجابته بنفى قاطع: لا مش هروح..
اومأ مازن برأسه و اردف باحتواء موافقا اياها و معارض بالوقت ذاته: معاكِ حق جدا، و محدش يقدر يلومك على قرارك ده بس كمان واجبك كأخت بيحتم عليكِ حاجات لازم تعمليها..

صمتت حنين و لم تتحدث فنظرت اليه حياه و منحته نظره هادئه بمعنى اصبر و نهضت هى و لكنها توقفت خلفه عندما استمعت ما همس به بحنان مفرط: يمكن مليش حق اتدخل بس هقولك كلمتين كان دائما فارس يقولهم ليا...

استدارت حنين بسرعه مستمعه بلهفه عندما ابتسم مازن بشوق للماضى و عينه تشرد بعيدا ربما لذكرى يوم جمعته بأخيه: كان دائما يحط ايده على كتفى و يقولى، احيانا بنضطر نفكر في الناس اللى حوالينا اكتر من نفسنا، بننسى حزننا و ألم قلبنا حتى لو منهم، علشانهم، علشان هما في الوقت ده محتاجين لنا جنبهم، رغم جرحنا منهم بنفكر بس انهم في لحظه كانوا السبب في رسم ضحكه على وشنا و وقتها بنتأكد تماما انهم يستحقوا انك تتخلى عن وجع حزنك و لو لمره علشانهم.

عاد ببصره اليها و عينه تفيض بشوقه لاخ لن يجد له بديل اينما بحث ليجد عينها تفيض بعشق لم يراه و لن يراه سوى لاخيه فلا يوجد من يستحقه غيره، فرفع يده ليزيل الدموع العالقه بجفنيه و ابتسم بود مضيفا: بلاش والدك او والدتك، فكرى في عاصم و وقتها بس قررى اللى هتعمليه..

رفعت يدها لتضعها على قلبها و اغلقت عينها ثوانى لتسقط تلك الدمعه التى ما عادت تفارقها ثم قالت بثقه تجيبه و هى تنظر اليه مزيله تلك الدمعه: انا مش هروح هناك مش علشان اهلى بس، لا علشان عاصم كمان، عاصم دلوقتى وجودنا جنبه و لهفتنا و حزننا عليه هيحسسه بالعجز و ده هيتعبه و هيغضبه اكتر، احنا لازم نتعامل مع الموضوع ببساطه علشان هو ميحسش باننا مشفقين عليه لان عمره ما هيفهم خوفنا عليه و مش هيشوف حاجه غير العجز و الشفقه...

صمتت لحظات و ابتسمت بحنين قاتل و هى تردف كأن ما تحكيه لم يمر عليه اشهر و اعوام: فارس كان دايما يقولى كده، قالى ان التجاهل لمشاكل عاصم او وجعه هيخليه يتعامل معاها بتجاهل زينا على عكس لو جزعنا هيغضب و هيشوف المشكله مش موجعه قد ما هتحسسه بعجزه و بشفقتنا..

اخفض مازن نظره و اومأ برأسه موافقا و كلاهما شرد في فارس و حديثه معهم، فهكذا هم بعض الاشخاص، رغم بعدهم قريبون، اشخاص كالماء تماما لا يعيش احد بدونها...
وهكذا هو فارس سواء معهم - من قبل بجسده اواليوم كذكرى - دائما يساعدهم، دائما معهم وسيظل..

و خلفهم تنظر حياه اليهم بابتسامه فيبدو ان فصل الشتاء اوشك على الانتهاء، سيتوقف المطر و يهدأ الرعد، لتشرق الشمس بقوه لتفرض نفسها بانفعال و عنفوان لتُنير السماء رغما عنها، و ربما حتى على غفله منها..

استيقظ معتز من نومه ليجد نفسه متسطحا على الفراش و رأسه ترتكز على جسد هبه فرفع رأسه لاعلى ليجدها تطل عليه من علو و هى تداعب خصلاته بيدها فتنهد بابتسامه صافيه: صباح الخير..
ابتسمت و تمتمت تجيبه: صباح النور، اتأخرت في النوم النهارده، الساعه دخلت على عشره..
نهض بتكاسل ثم عقد حاجبيه بدهشه متسائلا بتعجب: انتِ مش هتروحى الشركه؟

ابتعدت عنه واقفه تفرد جسدها بتعب و ارهاق فتحمل جسده طوال الليل كان مؤلم نفسيا و جسديا: لا هروح بس كنت مستنياك تصحى..
نظر اليها لحظات ثم نهض عن الفراش و اقترب منها ضاما اياها لصدره بقوه و احتياج و همس بنبره متمنيه: ربنا يخليكِ ليا يا فلتى..
ابتسمت بخفوت ثم ابتعدت عنه: يلا علشان تنزل الشركه انت كمان..

اومأ برأسه و اتجه للمرحاض وعندها وضعت هى يدها على بطنها و شردت بحزن: نفسى بابا يعرف عنك بس مش قادره اقوله، سامحنى يا حبيبى غصب عنى..

تنهدت و خرجت و هى تدعو الله الا ترى وجه تلك الفتاه و لكن دائما ما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن فعندما خرجت من غرفتها كانت سالى تخرج من الغرفه المجاوره هى الاخرى فنظرت كلا منهما للاخرى ثم تركتها هبه متحركه للمطبخ اعدت عده شطائر و كوبين من العصير و حملته للخارج لتجد سالى تقف امام معتز تهندم خصلاته بشكل عصرى احمق و هذا ما لم يروقها ابدا و يبدو انه لا يروق معتز ايضا فهو على ما يبدو يقف متأفأفا يزيح يدها مرارا عن خصلاته..

فابتسمت هبه فها هى معركتها تبدأ اليوم مبكرا، لملمت كبريائها، غضب قلبها و صبرها كله و اتجهت لغرفتها وضعت الطعام على الطاوله الصغيره بالداخل و خرجت مجددا اقربت منهم و تأبطت ذراع معتز تجذبه معها و هى تبتسم لسالى بسماجه مغيظه اياها: هنفطر...
و تحركت بمعتز من امامها فامسكت سالى بيد معتز الاخرى و صاحت بغيظ هى الاخرى ترغب بحرق مشاعرها و جعلها تشيط غضبا و غيظا: و هو انا مش هفطر و لا ايه؟

وقفت هبه امام معتز قليلا و وضعت يدها على يد سالى و ازاحتها تجيبها بلامبالاه: تفطرى او ماتفطريش ميشغلنيش،
و تحركت بمعتز مجددا و لكن سالى اوقفتهم و باحتقار اضافت بتعالى: طيب يلا بقى حضرى الفطار ليا..
و هنا كان معتز من ازاح يدها و امسك بيد هبه و اوقفها خلفه ليقول باستنكار ساخط: بأى حق ده؟ هو انتِ صغيره و لا ناقصك ايد تعملى او رجل تقفى؟! المطبخ جوه اهه اعملى اللى انتِ عاوزاه..

ثم مال عليها قليلا و همس بتحذير اخر يخبرها به ان هبه لديه خط احمر: ماتختبريش صبرى يا سالى، علشان اخره مش هيعجبك...
استدار لهبه متحركا بها لداخل غرفتها و اغلق الباب خلفه و جلس على الاريكه الصغيره امام الطاوله فاحضرت مقعد و وضعته امامه تحدق بوجهه قليلا قبل ان تتسائل متعجبه معبره عن عجزها في فهمه: انت اتجوزتها ليه يا معتز؟

اغلق عينه و صمت مستندا برأسه على حرف الاريكه فعاودت سؤالها مجددا و رغم انها قررت ان لا تفعل هذا و لا تسأله و لكن امام مواقفه الغريبه لا تتحمل صمتا: جاوبنى يا معتز، اتجوزتها ليه؟
و ايضا لم يجيبها فنهضت لتجلس بجواره و وضعت يدها على ركبته هاتفه بحده: انا بسألك يا معتز، رد عليا، ليييه؟ اتجوزتها لييه؟
اعتدل بغضب ممسكا يدها بقوه و صاح بنفاذ صبر، قوه و طاقه: بسببك...

اتسعت عينها بدهشه و هى تراقب غضبه الذى تراه الان و همست باستنكار متعجب: بسببى انا!
لمعت عينه بخوفه و نهض مبتعدا عنها و هو يشيح بيده صارخا معبرا عن مخاوفه و ان لم تستوعب: ايوه بسببك انتِ، بسبب حبى ليكِ و خوفى من خسارتك، بسبب كرامتك اللى اختارتِ انها تبقى حاجز بينى و بينك، بسبب عجزك انك تطمنى قلبى بوجودك جنبه، بسبب عقده اتولدت جوايا و للحظه حسيت انك هتمحيها بس انتِ غذتيها اكتر لحد ما اتغلبت عليكِ...

ضرب يده بالحائط و هتف بوجع: و اتحكمت فيا..
ظلت تتابع ظهره المنتفض غضبا و يده المرتجفه بذهول ثم اخذت نفس عميق فوقت الحديث لم يحن بعد نهضت و وضعت يدها على كتفه و ادارته اليها و ابتسمت بخفوت و كأنه لم يتحدث و كأنها لم تسأل: يالا علشان تفطر..

نظر لها بغضب يمتزج بذهوله من تغيرها المفاجئ هذا و في فوره غضبه هذه لم يستوعب هدوئها فابتعد عنها و هم بالخروج من الغرفه و لكنها امسكت يده تجلسه مردفه: لازم تفطر علشان علاجك..
نظر اليها قليلا و حاول تركها و الخروج مجددا و لكنها اوقفته مره اخرى و تمتمت بعاطفتها الحانيه على قلبه: علشان خاطرى يا معتز..

زفر بقوه و استسلم بالنهايه و جلس تناول افطاره معها و اخذ ادويته ثم نهض و اخرج اغراضه راحلا لعمله، فأمسكت يده مجددا فقال دون ان ينظر لها: ايه تانى؟!

دفعته باتجاه المقعد امام المرآه واجلسته لتُمسك بعدها بفرشاته و بدأت بتصفيف خصلاته و هى تبتسم بحالميه تزيل ما فعلته تلك البلهاء بشعره بينما ظل هو يتابع انعكاسها في المرآه و عينه تفيض بمشاعره المضطربه و دواخله المشتته حتى انتهت و مالت عليه تستند برأسها على رأسه: تعتقد هتفضل المرايه دايما جامعه صورتنا كده، هتفضل محوطانا جواها كأنها بتقول مكانكم سوا و بس، تعتقد المرايه مش هيجى يوم و تتكسر يا معتز؟

و كأنها تزيد خوفه خوفا و تخبره ان لصبرها، محاولاتها و تمسكها به نهايه، حتما و نهايته معها ستكسره يعلم جيدا، ضم يديها حول عنقه و عبر عن ملخص حياته بدونها او ما الذى قد يدفعه ليكون بدونها: يوم ما المرايه هتتكسر انا هتكسر معاها يا هبه و انا يوم ما هتكسر مش هفضل في حياتك ابدا...

نظرت لعينه بقلق و نظر هو اليها بخوف، فأحيانا يجرح الورد زارعه، احيانا يقتل الاسد مروضه و احيانا تلدغ الافعى مربيها، و هكذا هو القلب يمزق صاحبه و من عشقه ايضا..

خرج معتز من المنزل و لاحظ ان هاتفه مغلق ففتحه ليجد كم هائل من الاتصالات و الرسائل من مها، فبعث اليها برساله، و في هذا الوقت كانت هى تستعد للذهاب للشركه فحسب معرفتها بعاصم هو لن يتحمل ان يظل الجميع حوله، العلاج الوحيد له الان ان تستمر حياته و حياتهم كما كانت حتى اشعار جديد قد يمنحه فرصه ليُنفس عن غضبه و لربما عن شعوره بالعجز الذى يخفيه خلف قلاع من قوه..
وصلتها رساله معتز خير يا مها؟

اسرعت بالرد انت فين يا معتز بقالي يومين بحاول اكلمك تليفونك مقفول؟!
جلس بسيارته و استقبل ردها ليجيبها موجود اهه يا مها، خير!
لم تدرى كيف تخبره هكذا فارسلت مأجله الامر لاجل مسمى انا هروح الشركه دلوقت هستناك هناك، لازم تيجى ضرورى
قرأ رسالتها بدهشه و لكنه ادرك ان الامر جلل و لهذا نبض قلبه بقلق من كونها عرفت ما فعل فهو مدرك جيدا ان الامر لن يمر عليها بسلام و لكنه بعث خلاص ماشى، مسافه السكه.

ف هذا الوقت هبطت هبه وجدته ما زال بالاسفل فنطرت اليه بتعجب فأشار لها لتصعد فاقتربت منه: اركبى هوصلك..
فعقدت حاجبيها و هى تقصد المعنى الحرفى لما قالت: بس احنا طريقنا مش واحد..!
و لكنه نال منه معنى مجازا و انقبض قلبه من ان تعينها يوما ما فصاح باصرار: اركبى يا هبه، حتى لو طريقى مش طريقك هكمل معاكِ للاخر..
عقدت حاجبيها باستغراب اكبر فهتف بنفاذ صبر: يلا يا هبه..

صعدت للسياره بجواره فتحرك بها هو و هو يشعر بقلبه جزعا بشده فما اعتقد انه سيهون عليه ابتعادها ان فعلت، اصبح هو هاجسه الاكبر الذى حتما في يوم ما سيُسبب ابتعادها..

أُحبكِ
هذا احتمال ضعيف، ضعيف
فكل الكلام به مثل هذا الكلام السخيف
أُحبكِ، كنت أُحبكِ ثم كرهتكِ
ثم عبدتكِ، ثم لعنتكِ
ثم كتبتكِ، ثم محوتكِ
ثم لصقتكِ، ثم كسرتكِ
ثم صنعتكِ، ثم هدمتكِ
ثم اعتبرتكِ شمس الشموس، و غيرت رأيى
فلا تتعجبى لاختلاف فصولى
فكل الحدائق فيها الربيع و فيها الخريف.
نزارقبانى.

دلفت نجلاء و بيدها شذى لمنزل عز فاستقبلتها ليلى و هى تحتضن ابنتها التى قضت الايام الماضيه بمنزل نجلاء حتى لا تعاصر ما يحدث بالمنزل..
اقتربت منها نجلاء هاتفه بجزع مصطنع: ايه اللى انا سمعته دا يا ليلي، هو فعلا عاصم اتعمى...!؟
عقدت ليلى حاجبيها بألم و نظرت ارضا بضعف و عجز..
اصابه مؤقته و انا متأكده انها مش هتطول..

استدارت نجلاء لجنه التى تقف خلفها عاقده ساعديها امام صدرها بثقه، نظرت اليها من اعلى لاسفل تسخر: انتِ شرفتِ هنا تانى؟
ابتسمت جنه و هى تحتضن شذى التى ركضت اليها و تكلمت بثقه و ثبات: و هفضل مشرفه هنا عالطول..
عقدت نجلاء حاجبيها بضيق فهذا ما لا تريده: و عاصم هيسمحلك بكده؟
اقتربت منها جنه خطوه تجيبها بنفس الثقه التى لا تدرى ما مصدرها: انتِ متعرفيش ان هو اللى طلب منى!

اقتربت نجلاء الخطوه الاخرى حتى وقفت امامها تتعجب: طلب منك ايه؟
ارتجفت عين جنه متذكره تصريحه برغبته بتدمير حياتها و انتزاع سعادتها و لكنها ابتسمت و هتفت تمنح كل ذى غرض غرضه: قالى بالحرف كده، انتِ هتفضلى هنا، جنبى.

احتدت عين نجلاء و نقلت بصرها لليلى التى كانت تراقب قوه جنه المفاجأه بعدما علمت منها ان نجلاء كانت السبب في انطلاق عاصم اليها بغضب، زفرت نجلاء و تركت المنزل و خرجت و هى ترى بوضوح فشل خطتها، تتابعها عين جنه التى ادركت انها لابد ان تدافع عن حقها طالما تنازلت عنه مره...
مرت ام على من امامهم و هى تحمل كوب من القهوه فاوقفتها جنه بلهفه: دا لمين يا ام على؟
تمتمت ام على و هى تنظر لاعلى: لكابتن عاصم يا بنتى.

اقتربت منها جنه و حملته عنها قائله و اشتياقها لرؤيته يعصف بها: انا هطلعه له يا داده..
وضعت ليلي يدها على كتفها و تحدثت بقلب ام خائف: بلاش يا جنه، انا مش عاوزه ابنى يتعصب هو فيه اللى مكفيه..!
استدارت اليها جنه و همست ببراءه طفوليه: انا مش هعصبه يا ماما انا هسيب له القهوه و همشى..
نظرت اليها ليلى بدهشه و تمتمت خلفها: ماما!

ابتسمت جنه بارتجاف و دارت عينها يمينا و يسارا و الدموع تتجمع بها و هى تقرر فتح صفحه جديده تماما بحياتها و القاء الماضى خلف ظهرها عنوه: هتسمحيلى و لا مش هتقدرى؟
لمعت عين ليلي بالدموع و همت بالاقتراب منها و لكنها تذكرت ما قاله اكرم عما فعلته و ما قالته هى لعاصم، فعادت للخلف مجددا و هتفت بحده متجاهله فرحه قلبها: لو اضايق من وجودك ان مش هسمحلك تقربى منه تانى..

و بيأس اجابتها تحارب عن حقها به و ان كانت قد تأخرت: عاصم جوزى، يمكن اتأخرت قوى على ما فهمت ده بس كمان اللى انا خربته ب ايدى هبنيه تانى ب ايدى، يا ماما.
و تركتها متحركه لاعلى باتجاه غرفته فراقبت ليلى انصرافها و همست بترجى: يارب احمى ولادى يارب..
وقفت جنه امام غرفته متذكره امره انا مش عاوز اى مخلوق يقرب بس من باب اوضتى.

طرقت الباب بهدوء و قلبها ينتفض خوفا و لهفه و لكن لم يصلها اجابه، طرقت الباب مجددا و لكن لم يجيبها ايضا، فتماسكت قليلا و وضعت يدها على مقبض الباب و فتحته بهدوء لتجده مسطحا على الفراش يضع ساعده على جبهته مخفيا عينه بها و يده الاخرى على صدره مستكينا تماما، اغلقت الباب ببطء و اقتربت منه وضعت كوب القهوه على الطاوله بجوار الفراش و جلست على طرف الفراش بجواره، ظلت لحظات تنظر اليه فقط ثم رفعت يدها لتضعها على خصلاته بالكاد تلمسها و اوشكت على التحدث: ان..

و لكنها انتفضت بقوه عندما ابعد يده عن رأسه ممسكا يدها بتلك القسوه التى بات يعاملها بها فشهقت بألم و هو يعتدل و مازال ممسكا بيدها ليقف موقفا اياها امامه لتتساقط دموعها تباعا عندما هدر بها: انتِ مين سمحلك تدخلى هناا؟
انتفضت بين يديه فعقد حاجبيه و غضبه يتصاعد مع عجزه عن رؤيتها و صاح و هو يدفعها عنه: انا مش قولت مش عاوز مخلوق يهوب هنا، انتِ ايه مبتفهميش؟

سقطت ارضا اثر دفعته لتصطدم رأسها بحرف الطاوله لتصيح بعدها بألم حارق و قطرات القهوه تراق على عنقها و كتفها اثر اهتزاز الكوب، و بالطبع من لا يرى لا يعرف فصاح مجددا بقوه: اخرجى بره..
ثم انخفض اليها ممسكا بها لا يدرى من اين: مش عاوز احس بس بوجوك حواليا، فاهمه؟
ثم دفعها مجددا لتسقط مره اخرى: اخررجى..

استندت على الطاوله خلفها و هى بالكاد تلتقط انفاسها و جسدها ينتفض خوفا، الما و حزنا، استندت بهدوء على الارض لتنهض و عنقها يصرخ وجعا و لكنها لم تستسلم نهضت و اقتربت منه لتقف امامه و بدون مقدمات وضعت رأسها على صدره و يديها حول خصره لتبكى بصوت عالى لعل قلبه يسمعها فيحن، او يشفق عليها صدره فيضمها، او حتى تحزن لاجلها يداه فتحتويها، و لكنه لم يجد في نفسه سوى نفور و غضب فدفعها عنه بحده فتراجعت للخلف حتى كادت تسقطت مجددا و هو يصيح بعنف: اطلعى من هنا و الا انا مش عارف ممكن اعمل فيكِ ايه، اطلعى بره..!

انتفضت و هى تشعر بنفسها كطفل ابعدوه عن حضن امه، او ورده اقتلعوها من حضن بستانها، فهى بعيدا عن حضنه كشخص عارى في يوم قارص البروده، بعيدا عنه هى يتيمه حُرمت تماما من حضن امها و لكنها بحضنه الان كيتيمه تُلقى بنفسها بين احضان زوجه ابيها لعلها تجد حنان امها، و جعلها هو تدرك الفارق!

خرجت من الغرفه مسرعه مغلقه الباب خلفها لتستند بظهرها عليه من الخارج ليتساقط جسدها عليه حتى جلست ارضا تضم ركبتيها لصدرها تبكى و هى تحاول كتم شهقاتها بين طيات ملابسها، لم تعد تتحمل...
قيد خلف قيد و ألم يتلوه اخر..
قلبها يعانى و لا احد بجوارها..

نهضت مسرعه لتتجه لغرفتها لتخرج صندوق رسائل والدتها لها و لوالدها و همست و هى تضمهم لصدرها: كنت دائما بتقولى يا بابا انى جنه صغيره، اى حد بيدخلها بيحبها و ميتحملش يخرج منها و انا صدقتك وقتها..
انتفض جسدها و اخذت تحركه للامام و للخلف و هى تردف بطفوليه ضائعه: بس انت كدبت عليا يا بابا، كله خرج منها، ماما خرجت منها، انت خرجت منها و اكرم كمان و دلوقت...

اختفى صوتها بشهقات حاده و هى تضم صورتهم لها و دموعها تحكى البقيه من كلماتها، و يدها تمسد عنقها التى تركت القهوه ندوبها عليه بجوار سلساله، لتتعجب ايزين جيدها ام يشوهه؟
اما هناك بغرفته عاد بخطوات متعسره للفراش ليُلقى بجسده فوقه لاعنا ذلك الظلام الذى يغلف روحه قبل عيناه، كل ما به صار معتم، حتى قلبه،
لم يعد يرى نورا بجوارها، لم يعد يصعب عليه قربها البعيد، لم يعد يعرفها...

كانت حتى الامس جنته و لكنها اليوم ليست بجحيمه حتى...
لم يعد يجد لها تعريفا داخله و الاسوء انه لم يعد يجد لنفسه حتى تعريفا..
عاش 30 عاما دونها، سعيدا هانئا، لتأتى هى لتجعله اخر لا يعرفه، عاش قبلها حياه و لكن ما عاشه معها ليس بحياه واحده و لكن اين هذا ما عاشه قبلها!
وضع يده على عينيه يضغطها بقوه، حياته اصبحت حياه بعدما دخلتها هى، قلبه ظهرت نبضاته عندما عبثت بها هى، عقله ادرك تشتته عندما سيطرت عليه هى،.

لم يعرف قلبه الهوى الا بيدها، لم يهفو جسده لعشق الا اليها و لم يعرف يوما عجزه الا امامها..
هى امرأه جمعت كل النساء بها، لتسكنه و لا مكان لاحد بعدها، فهو عشقها ف تاه العشق عنها فكان للجميع بَيّن ايلاها و اليوم تاه عشقه عنه و ربما تاه هو عن عشقه..
و رغم الالم، رغم الجرح و رغم الوجع لم يكرهها قلبه و لن يفعل..
فقلبه ببساطه اختارها و تركه،
اصبح هو عاصم لنفسه و قلبه عاصم اخر لها،.

يعيش هو بلا قلب و يحيى قلبه بجوار قلبها...

في غرفه صغيره، يغزوها رائحه كريهه، اربعه جدران تطبق على انفاسه..
يجلس ارضا ناظرا لشعاع الضوء الذى يمر من فتحه النافذه الصغيره قُرب سقف الغرفه..
شعور الظلم لا يُحتمل...
فما اشد وجعه و ما اقساه من شعور...!
تشعر بروحك تصرخ ببراءتك و لكن لا احد يصدقها..
عندما تحارب ظلمك لا صوتك فقط و لكن كل جسدك يصرخ معك و لكن من ظلمك ظلمك و قضى الامر، و لكن ان يفعلها الحفيد!

ذلك الصغير الذى تربى على يديك، ذلك الصغير الذى طالما منحته القوه و حفزته للشجاعه، ذلك الصغير الذى طالما داعبته و نام بجوارك..
هو نفسه ذلك الذى القى بك بين اربعه جدارن ليشهد كل واحدا منهم على ضعفك امام من منحته القوه، هو نفسه من وقف امامك ليوجه اتهامه بقسوه و قوه ليتألم قلبك قبل جسدك..
فتشعر بالعجز عن الدفاع فليس هناك من يستمع اليك حتى..

قطع افكاره صوت صرير الباب العالى اثر فتحه لينظر امين للعسكرى القادم و هو يجذبه معه للخارج: قوم معايا في ضيف مستنيك بره..
نهض امين بتثاقل و سار معه حتى دلفوا لغرفه اخرى يجلس بها ظابط القضيه و الذى ترك المكتب و خرج تاركا امين مع ضيفه الذى لم يكن متوقع ابدا..
جلس امين امامه فبدأ اكرم بالتحدث باحترام مقتضب: ازيك يا حاج امين؟
اجابه بهدوء غريب على رجل بمثل جبروته: نحمد الله يا ولدى..

اقترب اكرم منه و تسائل بقوه و هو يشعر ان في الامر امور اخرى: انت اللى قتلت فارس يا حاج امين؟
وضع امين يده على وجهه و تمتم بضعف اظهره سنه و الذى اخفاه دائما خلف اقنعه القوه: يشهد رب الخلج عليا، محُصلش، و الله العظيم ما حُصل...
لم تتغير نظره اكرم الثاقبه و قال بنفس النبره القويه: و ليه المتهم اعترف عليك انت؟

امسك امين بجلبابه و رفعه واخفضه عده مرات و هو يصيح بعدم استيعاب: مخبرش، انى معرفهوش واصل و مخبرش بيلبسنى في التهمه دى ليه عاد...!؟
صمت اكرم قليلا ثم اقترب منه رابتا على كتفه بهدوء: اسمعنى كويس يا حاج امين انا جاى النهارده علشان احكيلك الى اعرفه لانى محتاج مساعدتك..
نظر اليه امين بترقب: تحكيلى على ايه يا ولدى!، و مساعده ايه و كيف و انى مسجون اكده؟

اعتدل اكرم بجلسته ينظر اليه بجديه و يستعيد ما سرده جده مجدى على مسامع امين و الذى يدرك جيدا انها ستقلته غضبا: فاكر اللى حصل من اكتر من 25 سنه يا حاج، لما طردت ابنك من البيت و لما جدى مجدى حاول يقتل امى فهرب ابويا بيها..؟
عقد امين حاجبيه متذكرا احداث الماضى التى لم تغفل عن عقله يوما: فاكر كل حاجه زين، بس ليه بتسأل دلوجت؟

راقب اكرم اضطرابه و لا ينكر انه ايضا ارتجف من وقع ما سيقوله على اب، خانته ابنته لتجعله يتخلى عن ولده و ليس عام فقط بل عمر كامل، و لكنه قرر افصاح الحقيقه ليعيد الحقوق لاصحابها مهما كلف الامر: بنتك يا حاج امين، بنتك السبب في كل حاجه..
نهض امين واقفا بذهول و صاح يمنعه من اتهام صغيرته المحببه كما يراها: بااااااه، انت بتجول ايه، انت خابر كيف بتتحدت؟

نظر اكرم اليه و استعدى كل ما يملكه من هدوء و تحدث بصبر و طول بال لا يمتلكه الكثير: اقعد يا حاج امين و اسمعنى للاخر.
جلس امين و هو يكاد يفقد عقله رغم ان اكرم لم يخبره بشئ بعد و لكنه يشعر ان ما سيسمعه الان لن يجعله يرتاح البقيه الباقيه من عمره، نظر اليه اكرم قليلا ثم فجر ما بجعبته بقوه و دون تردد فهى يدرى مدى صعوبه ما سيقوله على اب بل و صعيدى: بنتك هى اللى دنست شرفك..

انتفض امين كمن لدغته افعى و هدر به و هو يعتقل ياقه قميصه بين يديه: انت اتجننت واصل، كيف بتجول اكده؟!
وضع اكرم يده يمسك بيد امين و صاح هو الاخر: اهدى يا حاج و اسمعنى...
صاح امين بغضب يرفض المزيد: لاااااااه اسمع ايه بجى، انت خابر انك بتتكلم عن شرف امين الحصرى.
ابعد اكرم يده عنه و اجلسه مجددا و هو يحاول ادراك الموقف: لا تقعد و تسمعنى، الكلام اللى هقوله لك ده الحاج مجدى هو اللى قالى عليه..

نظر اليه امين بغضب: جول، انى سامعك اهه..
شدد اكرم قبضتيه يردف بأكثر الكلمات لباقه: فاكر قبل المشاكل دى كلها لما اجتمعت العائلات كلها وانت اعلنت فيها قرارك انك هتكتب لكل ولد من ولادك نص املاكك و مدام نجلاء تعيش تحت طوعهم..
عقد امين حاجبيه متذكرا: ايوه فاكر..
اردف اكرم: و بعدها باسبوع بس حصلت الفضيحه بتاع ابنك اسامه و طبعا تمسكه ببنت الشرقاوى خلاك مصمم تطرده من العيله لحد ما عملت كده فعلا، صح؟

اجابه امين: صوح..
نظر اليه اكرم بحده موضحا: الفضيحه اللى حصلت دى بنتك اللى دبرتها علشان تخلص من الاخ الاول و يزيد ورثها و المشاكل اللى حصلت بين باقى العائلات هى اللى دبرتها برده، باختصار هى اللى ضربت كل العصافير بحجر واحد...
صاح امين بدهشه: كيف؟

وضع اكرم يده على جبينه و بدأ بسرد ما فعلته نجلاء و واقع الحقيقه التى اخفتها عنهم طوال تلك السنوات، حتى انتهى و كان امين في وضع لا يحسد عليه من احساس بمدى ظلمه لابنه، غدر ابنته و اهدار شرفه، كان يعتقد انه من وجه الطعنات و تخلص من المخطئ و لكنه ادرك الان انه لم يوجه الطعنات سوى لنفسه و بل و دافع عن المخطئ ايضا..

يتلوى هو قهرا الان من الظلم و لكن ما يحدث له الان لا يساوى شيئا بجوار ما اذاق غيره اياه، داين تدان، و كم كان دينه كبير و يبدو انه لم يدفعه بأكمله بعد..
تنهد اكرم مشفقا عليه: انا اسف بس انا كان لازم اقولك لانى محتاج منك خدمه..
همهم امين دون ان يلتفت له فبأى قوه يضع عينه بعين اكرم الان، بأى فخر يواجهه و هو من القى برأسه داخل الوحل، اردف اكرم: عاوزك تبعد نجلاء عن القاهره..

نظر اليه امين و لكن لم يسمح لاعينهم بالتلاقى: كيف اكده؟ انا لو هملتونى عليها هجتلها ومهخدلهاش عزا..
نهض اكرم و سار بعيدا عنه عده خطوات يتحدث بشرود: انا مش قادر اصدق ان اللى بيحصل في العيله دلوقت صدف، هو قدر و انا مؤمن بده بس حاسس ان نجلاء هانم هى اللى ورا كل الكلام ده...!
نهض امين ذاهلا و هتف باستنكار بعد تفكير قصير: بنتى اللى جتلت فارس؟!

استدار اكرم مسرعا ينفى: انا مقولتش كده بس انا مش مطمن لوجدها وسط العيله دلوقت و خصوصا في الظروف اللى بنمر بيها..
تمتم امين بترقب: عاوزنى اعمل ايه يا ولدى؟
ابتسم اكرم و اخبره: هقولك...

كانت سلمى تعمل بالمنزل عندما صدع جرس الباب، فتحته لتُفاجئ ب انجى و مروه فرحبت بهم على مضض: اهلا و سهلا اتفضلوا..
دلفت الاثنتان و جلستا و بدأت مروه التحدث: هو امجد لسه مجاش؟
ابتسمت سلمى و اجابتها باقتضاب و هى ترمق انجى بطرف عينها: لا يا طنط لسه، ثم نهضت و بواجب الضيافه اضافت: ثوانى اعمل حاجه نشربها،.

تمتمت مروه و هى تمسك بيدها لتجلس و على وجهها ابتسامه خبيثه: لا مفيش داعى خالص، اقعدى احنا جايين نشوفك بس..
نظرت اليها سلمى باستنكار متعجب و لكنها قالت بهدوء و ابتسامه جانبيه: تسلمى يا طنط و الله..
لحظات صمت و نظرات متبادله حتى تحدثت انجى بسخريه: الا قوليلى يا سلمى هو انتِ مش حامل؟

اتسعت عين سلمى بدهشه مردده خلفها: حامل!
نقلت مروه نظرها بين انجى التى تبتسم بخبث و سلمى التى تطالعها بدهشه و اجابتها هى: مالك اتخضيتِ كده هى بتسألك على حاجه عيب، انتِ داخله على سنه جواز و لسه مفيش حمل، و لا انت و امجد متفقين على كده بقي!

اشتعلت اوداج سلمى و كادت تنهض لتقتلها و لكنها تماسكت بأعجوبه و هتفت تنهى الحوار او هكذا اعتقدت: و الله يا طنط دا موضوع بينى و بين امجد و انا متعودتش ادخل حد في حياتى تحت اى ظرف..
احتدت عين مروه بغضب و هى ترمقها بنظرات تحتقرها تصيح بصوت عالى نسبيا: انتِ ازاى تتكلمى معايا كده يا بت انتِ؟! انا غلطانه انى بطمن على مستقبل ابنى...

عقدت سلمى حاجبيها هاتفه بذهول: بت! و ابنك!، هو انتِ بتتكلمى عن مين يا طنط معلش...!؟
قاطع كلامهم او بالاحرى المشاداه التى كانت على وشك الحدوث بينهما و هو يفتح الباب دالفا ليتسمر بدهشه عند رؤيتهم فليس بعاده هى حضورهم و لكنه تمتم و ابتسم جالسا معهم: السلام عليكم.
نهضت انجى من فورها مقتربه منه: و عليكم السلام حمدلله على سلامتك يا امجد..

نهضت سلمى هى الاخرى و اقتربت منه، اخذت حقيبته فابتسم لها و اتجه لمروه و جلس بقربها: ازيك يا طنط اخبارك ايه؟
اشاحت بوجهها متخذه موضع المظلومه: انا بتهان في بيتك يا دكتور، و من مراتك كمان..
نظر امجد لسلمى التى حدقت بها بذهول متمته بعدم استيعاب تتباع تلون تلك المرأه من حال لحال: بتتهانى؟!

ثم عاد ببصره لمروه و امسك يدها مقبلا اياها جابرا بخاطرها دون ان يسأل حتى: حقك عليا انا، متزعليش منها هى اكيد متقصدش..
نظرت سلمى لامجد باندهاش لتصديقه قولها و لكنه نظر اليها بمعنى اصمتى الان فصمتت بالفعل و لكن على مضض، ابتسم امجد بوجه مروه: منورانا و الله يا طنط..

بادلته مروه الابتسامه باخرى مصطنعه و هى تعيد فتح الحوار مره اخرى و كأنها لم تتعظ من المره الاولى: تسلم يا حبيبى، انا كنت لسه بسأل مراتك، هو احنا مش هنفرح بخلفتكم بقى..
ابتسم امجد دون اى تغير على ملامح وجهه و كأنه كان متوقع للسؤال: كل شئ بأوان يا طنط و لسه ربنا مأردش اكيد مش هنعترض.

اصدرت صوتا بجانب فمها تسخر: مسسم، ماشى يا حبيبى ربنا ينعم عليكم، بس انا شايفه ان المفروض مراتك تحلل و تطمن على نفسها اصلها اتأخرت و يمكن تكون...
قاطعها امجد محاولا التماسك بكل ما يملك من قوه فزوجه ابيه المبجله اخر من يحق لها التدخل بحياته بل اخر من تنصحه حتى: ادعيلنا انتِ بس يا طنط و باذن الله خير..

و لكنها لم تصمت و اضافت فيبدو انها راغبه بمزيد من الاستخفاف بها او ربما تسعى لاهانتها: قصدى يعنى تتطمنوا لا اكتر و لا اقل..
هدرت سلمى بعدما طفح بها الكيل و طال صمتها و هذا لم يكن يوما طبعها: حد قالك انن..
قاطعها امجد مانعا اياها من الاسترسال ممسكا بكفها: ربنا يطمنا جميعا، ان شاء الله..
ثم نظر لسلمى التى كانت تشتعل غضبا منه قبلهم: مش هتجبيلنا حاجه نشربها يا سلمى؟

نهضت سلمى بغيظ و لكنها توقفت عندما نهضت مروه و انجى التى لم تفارق عينها اياه مما دفع سلمى للاشتعال اكثر: لا ملوش لزوم احنا هنمشى و نبقى نيجى وقت تانى..
و خرجت كلتاهما و خلفهم امجد حتى اغلق الباب فعاد لسلمى التى نظرت اليه بغضب الدنيا و اتجهت مسرعه لغرفتهم فلحق بها مستعدا لصراخ و غضب كالمعتاد، فلقد اصبح هذا روتين حياتهم، اقترب منها و ادارها لتستقر امامه قائلا بمرح: غضبانه ليه يا ست المتمرده؟

دفعت يده عنها تصيح بعنف: غضبانه ليه! انت بتهزر يا امجد، بعد اللى انت عملته ده و بتقولى غضبانه ليه؟
اخذ نفس عميق محاولا المحافظه على بقيه تماسكه فارهاق اليوم كان شديد عليه: في الاول و في الاخر دى في مقام امى بتحبنى او لا ميخصنيش، لكن لازم انا و انتِ نحترمها تحت اى ظرف..

ابتعدت عنه خطوه و هدرت و هى لا تقتنع بكلامه فمن يحترمها فوق رأسها و من يفكر في اهانتها تحت قدمها: بس انا مغلطتش فيها هى اللى اتكلمت بإسلوب مش كويس و بعدين انا مبحبش حد يتدخل في حياتى يا امجد لا امى و لا امك دى بقي تتدخل بصفتها مين؟

اغلق عينه ثوانى لكى لا يصيح هو الاخر و لكنها لم تصمت بس صاحت بصوت اعلى: و بعدين ازاى اصلا ابقى بتكلم و انت تسكتنى كأنى عيله صغيره، انا عمر ما حد تجاهلنى كده و مش هسمح بكده يا امجد..
فتح عينه دفعه واحده يصرخ بها و قد فاض هدوءه بصراخها: صوتك ميعلاش يا سلمى، مش معنى انى بسكت و بسمعك انك تنسى انى جوزك مش واحده صاحبتك بتخنقيها..

نظرت اليه سلمى بدهشه فلأول مره يعلو صوته عليها، دائما ما كان يمتص غضبها، يحاول تهدأتها، يحتويها بسكونه و لكن كما قيل للصبر حدود !
نظر اليها لحظات ثم اردف و قد استعاد بعضا من هدوءه: اسمعى يا سلمى، انا عارف انها مبتحبنيش و لا بتحبك، بس اللى اعرفه انى اتربيت على احترامها و على فكره انا متأكد انك مغلطيش فيها بس لما اجى على مراتى هتستحملنى لكن لما اجى عليها يبقى انا محترمتش تربيه اهلى ليا..

جلس بارهاق بادٍ بوضوح على وجهه يكفيه من الجدال ما ناله: انا باجى من المستشفى مش شايف قدامى مش كل يوم مشاكل يا سلمى علشان خاطرى..
نظرت اليه قليلا ثم بعنف خرجت مغلقه الباب خلفها بقوه فتنهد ملقيا جسده على الفراش فاليوم جسده لا يتحمل اى ضغط اخر، و لا يتحمل نقاشات و دلال.

جلس معتز امام مها بغرفتها بينما القت هبه عليها السلام و دلفت لغرفتها مما اثار اندهاش مها فأشارت لمعتز في ايه انتم متخانقين؟!
ادرك معتز انها لا تعرف فأخذ نفس عميق و صمت فشعرت مها ان الامر غير مطمئن فنهضت عن المكتب و جلست على المقعد امامه و اشارت ببعض القلق في ايه يا معتز مالك؟

هم معتز بالرد عندما دلف محمود منطلقا للداخل و هتف بسخريه لاذعه منها و من زوج شقيقته المبجل: ماله؟ هو بعد اللى عمله بتسأليه ماله؟ صحيح ما انتِ شايفه انه يكمل حياته ببساطه كأن مفيش حاجه حصلت..
نهض معتز غاضبا يمنعه الاسترسال: انت بتزعق كده ليه يا محمود؟ مها متعرفش حاجه..
نظر اليه محمود بغضب ممسكا بياقه قميصه: و كمان ليك عين تتكلم يا ندل، و بتدافع عنها ليه؟ هى بنفسها كتبت لى انها شجعتك على اللى عملته..

نقلت مها بصرها بينهم بتعجب و قلق و هى لا تفهم عما يتحدثوا حاولت ايقافهم باشاراتها و لكن لم يلتفتا لها بل دفعها محمود بعيدا عنهم و تعارك مع معتز، و لكن معتز اوقفه و صاح هادرا: اتعلم تسمع يا بنى ادم انت...
اتجه بعدها لمها التى سقطت على الاريكه و معها تساقطت دموعها و انهضها: فيه ايه يا مها عاوزه تقوليلى ايه؟

نظرت لمحمود بطرف عينها و لم تساعدها ارتجافه جسدها على الاشاره فجلست على الاريكه فاتجه معتز لدفترها و احضره لها بينما شعر محمود بالندم لاندفاعه، اخذت مها الورقه و حاولت تثبيت يدها و كتبت و هى تواسى نفسها كى لا تحزن انا كنت بتكلم عن عاصم و الحادثه اللى عملها و انه اتصاب فيها بفقدان البصر
اعطت الورقه لمعتز الذى قرأها و هتف بدهشه: اتعمى!

اخذها محمود منه ليقرأها ففرغ فاهه من الصدمه، ثم اقترب منها يتسائل و هو يعاتب نفسه لتسرعه: انتِ كنتِ بتتكلمى عن عاصم في الرسايل؟
اومأت برأسها و دموعها تنساب ثم اخذت الدفتر من معتز و كتبت بضيق انت كنت فين الفتره اللى فاتت حصل حاجات كتير قوى و مكنتش قادره اوصلك؟ و بعدين ليه محمود متضايق منك كده؟! فيه ايه يا معتز؟

قرأها و اغلق عينه زافرا بقوه و هو يوبخ نفسه فماذا يقول لها الان، انه انشغل عن العائله ليتزوج بأخرى، ابتسم محمود باستهزاء شاملا معتز بنظره من اعلى لاسفل: طالما متعرفيش اللى اخوكى عمله انا هقولك..!
نظر معتز لمحمود يمنعه بتحذير: انا هتكلم مع مها يا محمود من فضلك خليك بره الموضوع..

هم محمود بانقضاض عليه مجددا و هو يصيح به فركضت هبه على صوتهم لتصرخ بمحمود ليبتعد، نظر الجميع اليها فاقتربت منه و وقفت بينه و بين معتز تتحدث بحزم و تحذير للمره الثانيه: انا قولت الموضوع ده يخصنى لوحدى، معتز اتجوز و خلاص و دا مش هيأذى حد غيرى فرجاءا كفايه بقى، متنسوش اننا في الشركه و كفايه فضايح...

اتسعت عين مها بصدمه و تراجعت بجسدها للخلف فاصطدمت بشاره اسمها على المكتب لتسقط ارضا فاستدار الجميع اليها و قبل ان يتفوه احدهم بكلمه اعلنت مها عن استسلامها من جميع الاحداث التى مرت بها طوال الايام الماضيه و سقطت فاقده لوعيها امام اعينهم هم، الاربعه.

تقدم اكرم منهم، فأحد الموظفين قد اخبره بمجرد رؤيته لعراك محمود و معتز ليهبط مسرعا فيُفاجئ بمها تسقط و هم الثلاثه متجمعين حولها، اقترب معتز منها رافعا اياها عن الارض ليجد خدش بسيط بجبينها اثر اصطدامها بحافه المكتب فحملها و وضعها على الاريكه فامسك اكرم بيد محمود و جذبه للخارج و قلب كلا منهما ينتفض جزعا على تلك المسجيه بالداخل..

احضرت هبه الماء و بدأت بسكب قطرات متتاليه على وجه مها و لكنها لم تستجيب و بعد عده محاولات استجابت لهم اخيرا و نهضت بتثاقل ممسكه بجانب رأسها، احتضنها معتز و همس بندم: انا اسف و الله اسف..
ابتعدت عنه و امتلئت عينها بالدموع واشارت بضعف فهى اكثر من تعرف شقيقها، لن يفعل ما قد يؤذى استقراره الا اذا كان يهرب ليه، ليه عملت كده؟

احتضنها مجددا فدفعته عنها و وقفت مسرعه فترنحت لتسندها هبه بينما هى اشاحت بوجهها عن معتز متجاهله اياه جمله و تفصيلا و اشارت له على باب الغرفه ليخرج، ففهم معتز انها بهذا تطرده، اتجه اليها مقبلا رأسها متمتما و هو يشعر بالاسف حقا، فأخر من قد يرغب بحزنها هى شقيقته ثم عزيزته الاخرى الذى قد كسرها بالفعل: انا اسف..
و تركهم و خرج وجد اكرم و محمود امام الباب فلم يعريهم انتباه حتى و تحرك مسرعا لخارج الشركه..

جلست مها و نظرت لهبه و اشارت لها بسؤال واحد و هى تنظر لعينها مباشره و يدها تتحرك ببطء متوقعه الرد بالايجاب حبيبته القديمه؟
اغلقت هبه عينها تسخر من تغفيلها فالجميع يعرف عداها: حتى انتِ كنتِ عارفه عنها!
اخذت مها تشير باندفاع تلومه على تسرعه و لكنه منذ ان اشتكى هبه لها و هى تدرى انه سيأذى نفسه و من حوله غبى، فاكر انه ظلمها زمان و بجوازه منها ضميره هيرتاح
ثم نظرت لهبه بترقب و اشارت انتِ هتبعدى عن معتز؟

صمتت هبه و لم تجيبها فاحترمت مها صمتها و اشارت لها موافقه اياها تماما ان اختارت الانفصال معتز بيحبك و محتاج لك جنبه بس مفيش واحده تتحمل اللى هو عمله و انتِ ليكِ حق و هيرجعلك يا هبه
دلف محمود و اكرم بعدما طرقوا الباب، اقترب محمود منها يطمئن باندفاع: حبيبتى انتِ كويسه؟
اخفضت رأسها و اومأت و ان جئنا للحق فلا رغبه لها برؤيته و خاصه و هى لن تنسى ابدا غضبه و دفعه لها...

وصلها صوت اكرم المتهدج يطمئن بلهفه: الف سلامه يا بشمهندسه..
رفعت رأسها لتتلاقى اعينهم و دون ان تعرف السبب امتلئت عينها بالدموع فاخفضت راسها عنه مسرعه، و من موقفها هذا خرج اكرم من الغرفه دون كلمه اخرى مدركا انه غرق سهوا ببحر الفيروز و لن يجد لقلبه منقذا...

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 5 من 17 < 1 7 8 9 10 11 12 13 17 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
رواية صغيرتي الحمقاء زهرة الصبار
39 2072 زهرة الصبار
رواية انتقام ثم عشق زهرة الصبار
38 1523 زهرة الصبار
رواية حبيب الروح زهرة الصبار
39 1549 زهرة الصبار
رواية لا ترحلي زهرة الصبار
36 1396 عبد القادر خليل
رواية أحببت فاطمة زهرة الصبار
74 2610 زهرة الصبار

الكلمات الدلالية
رواية ، السندريلا ،











الساعة الآن 05:12 PM