رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد الفصل الثامن والعشرون الجزء الثاني من بنت القلب
قبل ساعات تحديدًا السادسة مساءً أنهى حديثه قائلًا بإرهاق شديد: - طيب يا إسراء شكرا إن شاء الله لو تم اختيارك هنبلغك على الايميل الخاص بيكِ رحلت وبقى هو مكانه، أغلق عينيه بتعب شديد ثم نهض من مكانه واتجه للخارج ليرى من متبقي فلم يجد أحدا حتى العاملين بالشركة .. رحل الجميع وبقى هو وحده، التقت أنفاسه وهو يقول بإرهاق: - يااه أخيرا .. ياربي ايه التعب ده، اه يا ضهري..
اتجه إلى الحمام المرفق بالشركة وقام بوضع رأسه أسفل الصنبور بعد أن فتح المياه لتنزل بغزارة، ظل على هذا الوضع لأكثر من دقيقة ثم رفع رأسه ونظر إلى نفسه في المرآة وظل على هذا الحال لأكثر من دقيقتين قبل أن يسحب هاتفه من جيب بنطاله وينظر إلى الساعة، تفاجأ أنها السادسة فقرر الرحيل وبالفعل اتجه إلى مكتبه مرة أخرى ليحضر مفاتيحه ثم هم بالانصراف، خرج من الشركة وسار بضع خطوات قبل أن يسمع هذا الصوت من خلفه: - نائل !
التفت بتلقائية ليرى من يناديه فتفاجأ به أمامه، قطب جبينه بتعجب ولم يتفوه بكلمة واحدة إلى أن اقترب والده وحضنه بحب وهو يقول: - ياااه وحشتني أوي يا نائل ثم ابتعد عنه وهو مازال ممسكًا بكتفيه وقال: - ما شاء الله كبرت وبقيت راجل واد المسئولية، كنت دايما اد المسئولية بس دلوقتي بقيت راجل يُعتمد عليك..
لم يتفوه بحرف واحد وكأن لسانه قد لُجم، لا يعلم هل يسعد بذلك أم يحزن ويبتعد ! رغم شعوره بالراحة وهو بالقرب منه إلا أن داخله يرفض ذلك، أدرك عقله أخيرا ما يحدث فابتعد عنه وعاد للخلف خطوتين مما جعله يقول بحنو: - أنا عارف إنك متضايق مني وده حقك، أنا آسف على اللي عملته معاك، أنا غلطت انا عارف بس اديني فرصة أصحح غلطي..
أخيرا وجد الكلام طريقه للخروج ونظر إليه برفض قائلًا: - غلطت ! الغلط ده لو عملت حاجة عادية زي إنك مثلا تشتم حد أو مثلا تاخد طريق غلط في الحياة ساعتها تقول غلطت لكن إنك ترفض ابنك وترميه يتعذب ويتهان ده مش غلط .. دي صفات شيطان مش بشر، بني آدم طماع عايش حياته علشان ينسط ويمتع نفسه ووقت ما يلاقي نفسه هيتحط في مشكلة أو حاجة هتجيبله وجع دماغ يتخلص منها فورا، غلط ايه اللي بتتكلم عنه وأنت ومراتك رمتنا في الشارع واحنا مالناش حد في عز المطرة والجو تلج!
احنا كنا هنموت اليوم ده من البرد ! متخيل شكلنا واحنا قاعدين في الشارع ضامين بعض علشان ندفي بعض والمطرة نازلة فوق دماغنا وسط الجو ده ! طيب بلاش دي .. أنا كنت بتشتم بأهلي وبتضرب في الشغل رغم إني كنت بشتغل عدل بس اللي مشغلني راجل مهزق كان بيشتمني وأنا رايح ووأنا جاي ولما اعترضت مرة ضربني بالقلم .. عمري ما هنسى القلم ده .. حسيت إني وحيد في الحياة وماليش حد، الطفل لما حد بيزعله كان يطلع يجري على أبوه ويقوله حصل واحد اتنين تلاته فأبوه يطبطب عليه وياخدله حقه إنما أنا أجري وأروح لمين ! رد عليا أروح لمين ؟ أنا بجد شفت كل أنواع الذل .. كنت فين كل ده ؟
حاول أن يقترب منه مرة أخرى إلا أنه رجع خطوة أخرى للخلف فقال: - أنت عندك حق أنا السبب في كل حاجة وحشة حصلتلك بس أنا دلوقتي جايلك وبقولك أنا آسف على كل إهانة اتعرضتلها في غيابي .. آسف على تعبك وزعلك اللي حصلوا بسببي .. أنا مستعد اعوضك عن كل ده .. مستعد أجيبلك الدنيا كلها علشان ترضى، علشان خاطري اديني الفرصة دي ابتسم بسخرية قبل أن يقول بألم: - مابقاش ينفع، صدقني مابقاش ينفع خالص .. أنت اتآخرت أوي، بعد اذنك..
تركه واستقل سيارة "ميكروباص" أوصلته إلى موقف ومنه اتخذ مواصلة أخرى إلى الموقف القريب من منزله، سار المتبقي من الطريق حتى وصل إلى منزله واتجه إلى غرفة والدته التي اعتدلت وقالت بابتسامة: - حمدالله على سلامتك يا حبيبي، اتآخرت كدا ليه ؟ اقترب منها وقبل يديها قبل أن يقول: - الله يسلمك يا حبيبتي .. معلش كان في شغل كتير النهارده ربتت على رأسه بحب وأردفت: - ربنا يعينك ياحبة عيني..
فكر في إخبارها بما حدث وتردد في ذلك فلاحظت هي صمته وقالت متسائلة: - فيه حاجة يا نائل ! حاساك عايز تقولي حاجة .. قول يا حبيبي أنا سامعاك انهمرت دمعة من عينيه وقال بحزن: - بابا قابلني النهارده بعد الشغل .. اتأسفلي وقالي هعوضك عن كل حاجة وإنه ندمان وعايز يصحح غلطه بس أنا رفضت وسيبته ومشيت، على اد ما أنا محتاج أب وحسيت بالأمان لما حضني بس مش ناسي كل اللي حصلنا بسببه .. مش قادر أسامح أبدا..
ابتسمت ومسحت على رأسه بحنو وهي تقول: - يا حبيبي طالما ندمان خلاص .. ربنا وصى الإنسان بوالديه أجابها من بين دموعه: - حتى لو هو ظالم ؟ مسحت دموعه بيديها وقالت: - بسم الله الرحمن الرحيم..
(وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا) ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ يعني تطيعهم حتى لو هم ظالمين .. ماتطعهمش في الشرك بالله بس غير كدا لازم تطيعهم وبعدين هو جايلك وندم عن اللي عمله .. سامح واديله فرصة قبل يد والدته مرة أخرى بحب ثم نظر إليها وقال: - حاضر يا ماما هديله فرصة كمان .. هديله فرصة
في الوقت الحالي تحديدًا الواحدة بعد منتصف الليل - بابا معني إنك بتقرأ الورقة دي دلوقتي يبقى أنا حصلي حاجة .. خلي بالك يا بابا اللي عندك دي مش نيران ! اعتدل في جلسته وحدق كثيرًا بتلك الورقة فهو لا يعلم المقصد من تلك الكلمات، نهض من مكانه واتجه إلى الخارج فتفاجأ بـ «نيران» التي دلفت إلى الشقة وصافحت «أسماء»، انتبهت لمراقبته لها فاتجهت إليه وهي تقول بحزن: - هنلاقيه يا بابا .. هنلاقيه حتى لو انهزمنا..
وكررت تلك الجملة مرة أخرى: - حتى لو انهزمنا اتسعت حدقتاه بصدمة بعدما استمع لتلك الجملة وتذكر كلامه قبل شهور ..
كان وسطهم بعدما تمت المهمة الأخيرة وردد بجدية: - الحمدلله المهمة الأخيرة تمت .. أنا عارف إنها كانت مستحيلة بس رجالتي ادها، دلوقتي هنتفق على كلمة سر بينا في أسوأ الظروف علشان لو حصل حاجة، كلمة السر هتبقى "حتى لو انهزمنا" هتبقى كلمة طبيعية جدا بالنسبة للظروف الصعبة اللي هنستخدم فيها الجملة وفي نفس الوقت أمل بإن كل حاجة هتبقى بخير.
فاق من ذكرياته عليها وهي تكرر الجملة للمرة الثالثة فحرك يده بمعنى "ما الذي يحدث ؟" فأجابته بالإشارة وأشارت إلى رأسها وأخفضت يدها بمعنى "لقد عادت لي الذاكرة"، اتسعت حدقتاه بعدم تصديق وحرك يده مرة أخرى بمعنى "كيف ؟" فأشارت إلى ظهرها وأجابت بالإشارة "هناك شريحة زُرعت في جسدي ويقومون بالتجسس علينا .. يجب نزعها وسأقوم بشرح الأمر بعدها"..
حرك رأسه بالإيجاب ودلف إلى الغرفة وبعدها قام بإغلاق الباب ثم اتجه إلى هاتفه وضغط عليه عدة ضغطات قبل أن يرفعه على أذنه، أجابه «رماح» بصوت نائم: - مين معايا أتاه صوت «أيمن» القوي والجاد: - مين معاك ايه يا رماح فوق وركز كدا انتبه رماح للصوت ونهض من سريره مسرعًا وهو يقول بأسف: - آسف والله ساعدتك كنت نايم .. أنا معاك يا فندم ومركز..
- عايز مستشفى خاص دلوقتي وكلم دكتور جراحة تبعنا وجهز أوضة عمليات ضروري وبلغني بالمكان وبعدين كلمني .. في أسرع وقت يا رماح هز رأسه بالإيجاب قائلًا: - أوامر سعادتك .. ربع ساعة وكل ده هيبقى جاهز يا باشا أنهى المكالمة واتجه إلى الخارج حيث الجميع ونظر إلى «نيران» التي خطر ببالها فكرة فأسرعت وقامت بإحضار ورقة وقلم ثم كتبت عليها: - طيف كان فاكرني تبعهم بسبب إن في وشم شبه نجمة على ضهري وهو شافه وشاف مكان الجرح وعرف إنهم زارعين شريحة بيتجسسوا بيها علينا كلنا، أنا ماكنتش فاهمة في الأول بس افتكرت كلامه قبل ما يتخطف جاب سيرة شريحة..
أخذ منها الورقة وقرأها ثم أخذ منها القلم وكتب: - الذاكرة رجعتلك ازاي ؟ أخذت منه القلم وتذكرت ما حدث منذ ساعات .. - لازم تبقي عارفة يا نيران إنك الوحيدة اللي قادرة على رجوع الذاكرة ليكِ .. الذاكرة موجودة بس محتاجة دافع قوي، أول مرة فقدتِ الذاكرة بمجرد ما شوفتِ فيلا رماح الذاكرة رجعتلك .. هل كدا الذاكرة طارت في الجو ودخلت دماغك ! لا صح ؟ .. الذاكرة هنا..
وأشار إلى رأسها وتابع: - دماغك مش كمبيوتر علشان المعلومات تتحذف بالكامل، لازم علشان ترجعلك الذاكرة تشوفي حاجة أثرت في غيابها من الأساس.. فكري وشوفي ايه ممكن يرجعلك الذاكرة لأني المرة دي فشلت فعلا ونفس المشهد بيتكرر، هي دلوقتي معاكي وفي دماغك بس ازاي هترجعيها !
فاقت من ذكرياتها ونظرت إلى المرآة وهي تكرر نفس السؤال: - ازاي هرجعها ! ازاي ؟ بدأت تبحث في يدها وقدمها على أي آثار للتعذيب لكنها لم تجد مما جعلها تخلع ملابسها وتنظر إلى ظهرها في المرآة فتفاجأت بتلك النجمة الغريبة وأسفلها يوجد جرح صغير، في تلك اللحظة هاجمت رأسها ذكريات كثيرة وأولها تلك النجمة التي كانت موجودة على حائط الزنزانة التي كانت بها أثناء اختطافها ...
نهض «طيف» من مكانه واقترب من الحائط وهو يضيء المكان باستخدام شاشة الهاتف الذي وجده فلاحظ وجود نجمة كبيرة على الحائط من أولها إلى آخرها فالتفت إلى «زين» وقال: - النجمة دي أنا عارفها كويس أوي .. دي بيستخدموها في السحر وتحضير الجن ! أنا قرأت كتير حاجات رعب وفيها النجمة دي ! معقولة دول دجالين ؟
نهض «زين» من مكانه بصعوبة واقترب من الحائط هو الآخر فتفاجأ بتلك النجمة، نظر إلى «طيف» وأكد ما قاله: - فعلا دي نجمة داوود وبيستخدموها في السحر السفلي، أنا مش فاهم حاجة خالص بدأ طيف في ربط كافة الأحداث ببعضها وتذكر حديث «غارم» له ..
بدل نظراته بينهما ورفع إحدى حاجبيه ليضيف المزيد من الغموض على شخصيته وأردف: - أنا شبح .. تقدروا تقولوا جن أو عفريت بس متجسد في دور بشر، عملت كل وأي حاجة حرام في الدنيا دي .. عايش علشان أنبسط وأتمتع بس وعمري ما خوفت من حاجة ولا خوفت أقع ولو اتسجنت هخرج أنت عارف ليه ؟ علشان أنا شبح ومش لقب .. دي ميزة، ها فهمتوا ولا احترتوا أكتر ؟
ظل «طيف» مسلطا نظره عليه بينما تحدثت «نيران»: - عايز تفهمنا إنك مش بني آدم مثلا يعني ! وبعدين لما أنت شبح بتعمل كل الجرايم اللي أنت مفتخر بيها دي ليه؟ علشان شبح برضه ولا علشان دي ميزة ! قهقه بصوت مرتفع وهدأ رويدا رويدا ثم نظر إليها وردد: - يمكن مش بني آدم وده اللي مخليني أعمل اللي مش عايزه بس في نفس الوقت أنا واحد من البشر .. ممكن تقولي ميزة أو صفة أو أنا كدا فعلا براحتك أما بعمل كدا ليه فدي بقى متعتي، أنا عايش علشان أتمتع زي ما قولت يعني أي حاجة هتبسطني بعملها يعني أنصب مش علشان محتاج فلوس..
هز رأسه بالنفي وتابع: - علشان أتمتع .. أشوف اللي فلوسه ضاعت وهو بيتحسر وبينتحر بسببي ببقى في قمة متعتي وسعادتي قاطعه «طيف» وقال بغضب: - اه أنت مريض بقى .. بما إني دكتور نفسي سابقًا فـ أنا بنصحك تشوف دكتور يعالجك لأنك مريض نفسي وفي حالة خطر كمان..
رمقه وردد بابتسامة: - عايز تسميها مرض نفسي اوك تمام، بس نصيحة بلاش تقفوا قصادي علشان هتخسروا .. هتخسروا جامد اوي ودي مفيش بعدها ندم، مش تهديد بس لو حبيت أتسلى وأكمل متعتي حد فيكم هيموت والتاني هيعيش باقي حياته يتحسر عليه حاجة كدا شبه خطيبك يا نيران اللي مات بسببك..
فاق من ذكرياته على صوت «زين» وهو يقول: - ايه ياابني روحت فين أنا بكلمك وأنت مش بترد، هنعمل ايه في اللي احنا فيه ده ! أنا جعت الصراحة وهموت من العطش ولازم اكل وأشرب علشان أعرف أفكر كويس هز رأسه بالإيجاب ووافقه الرأي قائلًا: - عندك حق فعلا أنا جعان أوي، مش هيدخلولنا أكل ولا ايه في ليلتهم المهببة دي ضحك «زين» وهز رأسه وهو يقول: - المشكلة مش هيدخلولنا ولا لا .. المشكلة الاكل هيجي منين ومفيش أصلا باب في أم الزنزانة دي..
في تلك اللحظة تم فتح نافذة صغيرة عن طريق سحب حجر من الأسفل وأدخل أحدهم طبقين بهما طعام ثم أُغلق مرة أخرى، نظر «طيف» إليه وقال مازحًا: - على الأقل عرفنا احنا دخلنا هنا ازاي .. في شباك بيتفتح كدا يبقى الباب هكذا، تعالى نشوف في أكل ايه اقتربوا من الطعام الذي كان طبقين وفوق كل طبق رغيف من الخبز، نزع «زين» الخبز واشتم رائحة الطعام وهو يسلط الضوء عليه وسرعان ما أبعده وهو يقول: - ايه ده سبانخ ! لا مش واكل مابحبهاش..
بدأ «طيف» في الأكل بجوع شديد ونظر إليه قائلًا: - كل ياعم اللي ياكل على ضرسه ينفع نفسه وبعدين شايفنا في سيتي ستارز ! احنا مخطوفين هز رأسه بالنفي وابتعد قليلا لكن رؤيته لـ «طيف» وهو يأكل أشعرته أكثر بالجوع فاقترب من طبقه مرة أخرى وأمسك بالملعقة ورفعها لفمه، ابتلعها وأعجبه الطعم فنظر إليه وقال: - تصدق طعمها مش وحش أوي .. عندك حق اللي ياكل على ضرسه ينفع نفسه..
وبدأ في الأكل هو الآخر وبعدما أنهى جميع الطعام رفع إحدى حاجبيه وقال: - مش ممكن يكونوا عاملين سحر في الأكل طالما هم دجالين ؟ توقف «طيف» عن الأكل ونظر إليه بتعجب ليقول بعدم رضا: - أنت جاي تفتكر بعد ما شفطت طبقك كله ؟ وبعدين أنا بادئ أكل قبلك خلصت ازاي قبلي ؟ رفع «زين» يده وقال مازحًا: - أعوذ بالله هتقر ولا ايه
اقتربت منها «نايا» وقالت بحب وهي تضع يدها على كتفها: - كفاية عياط بقى يا ياسمين ! إن شاء الله زين هيرجع أنا حاسة بكدا وبعدين دي رقية أقوى مننا احنا الاتنين ومتحملة وهي اللي هدتني، علشان خاطري تبطلي عياط وتروحي الشركة بكرا .. أنتِ اللي ماسكة الشركة ومن غيرك هتقع مسحت دموعها ونظرت إلى نقطة بالفراغ وهي تقول بحزن بالغ: - أنا زعلته كتير أوي ووقت ما نرجع زي زمان وكمان يوم فرحكم اللي مستنياه من زمان يحصل كدا ! تفتكري يا نايا زين هيرجع فعلا ؟
ابتسمت بحب كي تبث الطمأنينة في قلبها وأجابتها بثقة: - أيوة إن شاء الله، هيرجع وهنتجوز وأنتِ هتفرحي بيه وكأن مفيش حاجة حصلت بس لازم تروحي شغلك علشان لما يرجع مايلاقيش كل حاجة واقعة نظرت إليها وقالت: - لا ماتقلقيش الشركة في أمان خلينا دلوقتي نفكر في زين
أصبحت الثانية بعد منتصف الليل وكانت «نيسان» تجلس أمام سريره بالمستشفى بعد أن ساءت حالته، استيقظت من نومها على صوت أنفاسه المرتفعة وكأنه يصارع الموت، وضعت يدها على يده بعدما اقتربت منه وقالت بخوف شديد: - أنت تعبان يا فهد ! أبلغ الدكتور ؟ قُل لي بالله عليك أنت حاسس بايه؟
بدأت أنفاسه تهدأ ونظر إليها بحزن وضعف قائلًا: - أنا آسف أوي يا نيسان إني خليتك تشوفيني ضعيف كدا بس والله غصب عني، غصب عني كل اللي حصل ولحد دلوقتي مش عارف حصل كدا ليه اتسعت حدقتيها غير مصدقة أن الذاكرة قد عادت إليه فقبلت يده بحب وهي تقول: - أنا أسعد واحدة في الدينا دلوقتي .. مش متخيل فرحتي دلوقتي عاملة ازاي لما نطقت اسمي من جديد، أنت عمرك ما هتقل من نظري يا فهد .. عمرك ما هتقل بالعكس أنت كل يوم بتزيد في نظري وبحبك أكتر، أنت قوي مش ضعيف أبدا .. اللي زيك شجاع وواجه صعوبات كتير ولسة زي ما أنت..
ابتسم بألم قبل أن يقول بحزن: - مش هيسيبونا في حالنا .. ماكانش ليهم وجود بس فجأة ظهروا ومش هيسيبونا غير لما يقتلونا واحد واحد نظرت إليه بخوف وقلق قبل أن تسأله بتردد: - هم مين دول ؟
نظر إليها وظل يحدق بها لوقت طويل كأنه يمتع بصره بالنظر إليها فعادت لتسأل السؤال نفسه: - رد عليا يا فهد مين دول ؟ أغلق عينيه وتذكر ماحدث قبل أن يجيبها بتلقائية شديدة: - عبدة الشيطان ...
رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد الفصل التاسع والعشرون الجزء الثاني من بنت القلب
انتهى الاثنان من الطعام ونظر «زين» إلى «طيف» قائلًا: - أنا فضفضتلك عني وعن حياتي احكيلي بقى أنت مين بالظبط واهو نتسلى بدل الخنقة اللي احنا فيها دي ضحك «طيف» وفرد ذراعيه في الهواء قبل أن يسند بظهره على الحائط وقال:
- طيب يا معلم، أنا طيف أيمن ضياء ابن اللواء أيمن ضياء .. كنت حابب طب نفسي ودخلته بس اكتشفت إن الشغلانة دي صعبة هنا جدا بس قبل الاكتشاف ده جتلي نيران كانت فاقدة الذاكرة وكنت أنا الدكتور بتاعها وأنا اللي ساعدتها إن الذاكرة ترجع وبعدين دخلت ضباط متخصصين وبقيت ظابط شرطة لغاية ما بقيت زي ما أنا وبعدها اشتغلت مع نيران ونفذنا عملية برا مصر ضد منظمة إرهابية وحبيتها واتجوزنا وفي نص شهر العسل حصل اللي حكيتهولك قبل كدا .. توتة توتة خلصت الحدوتة هز رأسه بالإيجاب ثم نظر إليه ونطق بهدوء:
- ماخلصتش ولا حاجة .. إن شاء الله ترجعلها من تاني وتكملوا حياتكم، هي حياة ظباط الشرطة كدا لازم تتعود عليها رفع «طيف» إحدى حاجبيه ونطق مازحًا: - أنت بتتكلم زي بابا كدا ليه اوعى يكون هو اللي مخطط يخطفني علشان أنت اللي تفهمني الكلام ده ! ضحك «زين» ورفع يديه ليدافع عن نفسه قائلًا: - لا لا ياعم أنت هتلبسني تهمة ولا ايه وبعدين مش هضرب نفسي رصاصة يعني .. روق كدا..
في تلك اللحظة فُتح باب في الحائط وكان بشكل دائري وغريب ودلف رجل لا يظهر وجهه، كان يضع سترة طويلة تغطيه من رأسه إلى قدمه، أضاء الضوء من الخارج المكان بنسبة ضئيلة ورفع هذا الرجل السترة من على رأسه ليكشف وجهه فتفاجأ «طيف» به ونهض من مكانه وهو يقول بغضب: - أنت ! أنا قلت عايز أفهم مش أتخطف وأترمي هنا .. أنتوا مين وايه خطتكم ؟
ابتسم نصف ابتسامة وأشار إلى الهاتف الذي بيده وقال: - هتعرف كل حاجة في وقتها بس دلوقتي الموبايل بقى فيه نت .. صور فيديو لنفسك وأنت بتقول لأبوك يتراجع عن اللي في دماغه علشان لو فكر يشيل الشريحة من جسم نيران هتموت قطب جبينه بعدم فهم وردد: - أنا مش فاهم حاجة ومش هعمل حاجة غير لما أفهم شبك «غارم» يديه أمامه وهز رأسه بالإيجاب قبل أن يجيبه:
- تمام .. الشريحة اللي في جسم نيران دي ليها تواصل مباشر مع المخ يعني بضغطة زرار واحدة نقدر نوقف دماغها وقلبها وتموت .. الشريحة دي هي اللي كانت مانعة الذاكرة بتاعتها ومحطوط عليها معلومات عادية كتير كأنها إنسان آلى واحنا اللي بنتحكم فيه واحنا برضه اللي رجعنالها الذاكرة بضغطة زرار، لما الذاكرة رجعتلها راحت لسيادة اللواء وقالتله وهو طبعا بيجهز دلوقتي علشان تدخل أوضة العمليات علشان يشيل الشريحة ولو أنت ماحذرتهوش هتخسرها للأبد، الاختيار في ايدك .. يا تسمع الكلام وتقوله اللي هقولهولك بالظبط يا إما هتندم باقي عمرك واه صح الشريحة اتزرعت في فهد وفيكم أنتوا الاتنين أثناء إغمائكم شعر «طيف» بالقلق ورفع الهاتف بتردد وضغط على تطبيق الكاميرا ثم انتقل لتصوير الفيديو ...
أنهى حديثه مع الطبيب الذي سيجري العملية الجراحية ثم اتجه إلى «نيران» وربت على كتفها بحب ثم أشار بيده كي لا يستمع أحد ما يحدث وكانت إشارته بمعنى "لا تقلقي سيمر الأمر بسهولة .. أنا هنا بجوارك" فابتسمت وهزت رأسها بمعنى "أنا أعرف ذلك" ثم اتجهت إلى الداخل وجلس هو أمام غرفة العمليات وعاد بظهره إلى الخلف قبل أن يستمع لصوت رسالة من هاتفه فنزعه من جيب بنطاله وفتحه ليتفاجأ بفيديو من ابنه «طيف» والذي كان يقف في مكان مظلم ووجهه فقط الذي كان واضحًا، ضغط على زر التشغيل ليستمع إلى محتوى الفيديو الذي كان يحتوي على:
- بابا .. الشريحة اللي في جسم نيران متوصلة بالمخ ويقدروا يتحكموا فيها ولو حاولت تشيلها هتموت، بابا أرجوك انقذها وماتخليهاتش تشيلها، كل حاجة هتبقى بخير حتى لو انهزمنا توقف عن الكلام قليلا ونظر وراء الكاميرا كأنه يتلقى أمر ثم عاد يتحدث مرة أخرى: - بابا خليك فاكر .. العهد الرابع تم تنفيذه انتهى الفيديو وأسرع «أيمن» إلى غرفة العمليات وهتف بصوت مرتفع: - استنى يا دكتور ماتعملش حاجة !
التفت الطبيب الذي كان على وشك البدء في إجراء الجراحة وردد بتساؤل: - في حاجة يا سيادة اللواء ؟ هز رأسه بالإيجاب ونظر إلى نيران التي انتبهت له وقال: - الشريحة لو اتشالت هتموت، طيف لسة باعت فيديو يحذرني دلوقتي ..
نهض «زين» من مكانه قبل أن يرحل «غارم» واتجه إليه وهو يقول: - استنى هنا ازاي هتسيبنا وهتمشي ! احنا هنا ليه وأنتم مين ؟ أقسم بالله لو ما نطقت لأدفنك هنا ابتسم «غارم» ونظر إلى مكان الجرح وهو يقول: - ايه اخبار الجرح دلوقتي ! ثم نظر إلى طيف وتابع: - برافو يا طيف أنت دكتور شاطر .. عقل صاحبك وقُل له إنكم هتفهموا كل حاجة في وقتها..
التفت بهدوء وتحرك إلى الخارج فتقدم «زين» ليلحق به لكن «طيف» أمسك بذراعه ونظر إليه قائلًا: - استنى يا زين ومتتهورش .. هنفهم كل حاجة ثم غمز له بمعنى فتعجب وصمت حتى رحل «غارم»، نظر إليه وردد بتساؤل: - أنت في خطة في دماغك ؟ هز «طيف» رأسه بالإيجاب وأجابه بصوت منخفض للغاية يكاد أن يكون همس: - بابا مش هيسكت وهيعرف الفيديو ده اترفع منين بالظبط وهيوصلولنا.
ابتسم «زين» وهز رأسه بالإيجاب وهو يؤكد على كلامه: - عندك حق سهل أوي يعرفوا مصدر رفع الفيديو عن طريق حجمه .. أنا نفذت الحوار ده قبل كدا في مهمة عبث وجهه مرة أخرى وتابع: - بس الشريحة اللي في جسمنا دي دلوقتي أكبر خطر، احنا كدا كأننا لعبة في ايديهم يحركونا مكان ما هم عايزين ولو حبوا يتخلصوا منا هيعملوا كدا بضغطة انتراية نظر «طيف» إلى نقطة بالفراغ وردد بتعب: - سيبها على الله، كل مشكلة وليها حل
نظر «أيمن» إلى رماح الواقف أمامه وحضرت «فاطمة» وركضت تجاههما وما إن وصلت إليهم حتى رددت: - تمام سعادتك تؤمرنا بايه رفع هاتفه وبدل نظراته بينهما قبل أن يقول بجدية: - عايز مباحث الإنترنت كلها تعرف مصدر الفيديو ده واترفع منين بالظبط وتبع أنهي شركة وكل حاجة عن الفيديو ده .. في أقل وقت عايز المعلومات دي كلها حرك الاثنان رأسهما ورددا في نفس الوقت: - تمام سعادتك
مرت تلك الليلة وأشرقت الشمس لتعلن عن بداية يوم جديد، أنهى نائل ارتداء ملابسه بعدما عاد من المسجد ونظر إلى والدته فوجدها نائمة وهذا على غير عادتها فهي دائما ما تؤدي صلاة الفجر، اقترب ليطمئن عليها ووضع يده على رأسها فوجدها تتنفس، هنا ابتسم وقبل رأسها وقرر عدم إيقاظها فهي من الممكن أن تكون مرهقة، تنفس بأريحية ثم انطلق إلى الشركة بصحبة «وحيد» وما إن وصل حتى تفاجأ بعدم حضورها لليوم الثاني على التوالي تأفف بضجر واتجه إلى مكتبه ليجري بعض التجهيزات قبل اجتماع اليوم..،
مر الوقت وكان هو فقط من يُعد التجهيزات حتى أصبحت الساعة الثانية عشرة فاتجه إلى المسجد ليؤدي صلاة الظهر ثم عاد ليكمل العمل مرة أخرى، أصبحت الواحدة إلا عشر دقائق وحضر ممثلوا الشركات فأدخلهم إلى غرفة الاجتماعات وهو لا يعلم ماذا يفعل في غياب «ياسمين» اتجه إلى مكتبه مرة أخرى وأمسك بالورق ونزع الذاكرة الخارجية من جهازه والتفت ليجدها أمامه، ظل محدقًا بها لا يتحدث إلى أن اقتربت هي منه وقالت: - شكلك متوتر وعمال تلف حوالين نفسك..
رسم ابتسامة خفيفة وهو يجيبها: - أول مرة أحضر اجتماع وبعدين أنتِ ماجيتيش امبارح وافتكرت إنك مش هتيجي النهارده فكنت متوتر ومش عارف أعمل ايه، المهم يارب يكون مانع حضورك خير نظرت إلى الأسفل والتقطت أنفاسها بصعوبة وهي تجيبه: - زين اختفى .. اتخطف يوم فرحه أول امبارح وده سبب غيابي اتسعت حدقتاه بصدمة ونطق مسرعًا: - طيب ورجع ولا لا ! أكيد علشان كدا ماردش امبارح لما اتصلت بيه..
هزت رأسها بأسف وأجابته: - للأسف مارجعش ولولا إن في إجتماع النهارده وعارفة إنك هتبقى متوتر وكدا ماكنتش جيت اتسعت حدقتاها ورددت مسرعة: - اه صح أنا نسيت الانترفيو بتاع امبارح خالص .. أنت عملت ايه أجابها بهدوء كي لا تشعر بالقلق:
- ماتقلقيش عملت الانترفيو أنا ودخلت على النت عرفت طبيعة الأسئلة وكدا وكتبت كل التفاصيل عن كل واحد ومعاه الـ CV بتاعه علشان تختاري أنتِ منهم ابتسمت ابتسامة خفيفة ونظرت إليه لتقول بجدية: - اختار أنت .. أنت نائب رئيس مجلس الإدارة وأنت اللي عملت المقابلة معاهم فاختار اللي شايفها كويسة ويلا بقى علشان نلحق الميتنج ابتسم وهز رأسه وهو يقول: - طيب تمام .. يلا بينا..
بدأ الاجتماع وبدأ كل ممثل لشركة في التحدث عن مميزات شركته وعن المكسب الكبير لشركة الجيار إن تعاقدت مع تلك الشركة وما إن انتهوا حتى وقف «نائل» وبدأ شرح خطة الشركة ومتطلباتها ثم أشار إلى «ياسمين» وقال: - وأنسة ياسمين هتوضح ليكم طبيعة المنتجات اللي هنحتاجها بكميات كبيرة حسب احتياج السوق..
بالفعل نهضت من مكانها وبدأت في شرح كافة النقاط الهامة واستمر الاجتماع لأكثر من ساعتين، انتهى الاجتماع ورحل الجميع وبقى «نائل» الذي تنفس بارتياح وهو يقول: - الحمدلله عدى على خير اقتربت منه وقالت بابتسامة: - مبروك على نجاحك في الاجتماع، كلامك بثقة وتوضيحك لكل حاجة خلاهم متمسكين أكتر بالتعاقد معانا ابتسم هو الآخر وردد:
- الله يبارك فيكِ .. الحمدلله كدا مابقاش باقي غير بعض الحاجات الصغيرة قبل ما نبدأ في الفرع الجديد هزت رأسها وكادت أن تتكلم إلا أن هاتفه ارتفع صوت رنينه فنزعه من جيب بنطاله ونظر إلى شاشته فوجد رقم غير مسجل، أشار لها قائلًا: - بعد اذنك هرد هزت رأسها فضغط على زر الإجابة ورفعه على أذنه وهو يقول: - الو ! مين معايا ؟ يارا ! بتقولي ايه ! طيب طيب أنا جاي حالا أسرع ووضع هاتفه في جيب بنطاله ثم نظر إليها وقال بلهفة:
- أنا أسف يا أنسة ياسمين هضطر أمشي علشان ماما تعبانة جدا وقبل أن يتحرك أوقفته قائلة: - استنى استنى أنا جاية معاك هوصلك وهكلم الدكتور يجي يكشف عليها في البيت وقف ولم يعرف بماذا يقول لكنه ردد بعدم تركيز: - أنا مش عايز أتعبك .. أنا هروح اخدها على المستشفى..
هزت رأسها بالنفي وأمسكت حقيبتها وقالت: - لا هاجي معاك وهكلم الدكتور ومش باخد رأيك .. يلا تحرك معها بقلة حيلة وهو يدعو الله بأن يمر هذا اليوم على خير وأن لا يُصيب والدته مكروه، ضغطت على الريموت الخاص بسيارتها وأشارت له قائلة: - اركب يلا..
بالفعل استقل المقعد الأمامي واستقلت هي السيارة خلف المقود قبل أن تنظر له قائلة: - هات العنوان علشان أعرف هنمشي ازاي أعطاها العنوان وانطلقت بسرعة إلى منزله بعد أن هاتفت الطبيب وأبلغته بالعنوان، مرت نصف ساعة في الطريق ووصلت إلى منطقة شبه عشوائية فنظرت له وقالت: - هنتحرك ازاي ؟
نظر أمامه وأشار بيده قائلًا: - ادخلي شمال وبعد كدا امشي على طول وادخلي أول يمين، بس هتضطري تركني بعدها ونكمل مشي لأن الشارع ضيق جدا والعربية مش هتدخل فيه هزت رأسها بالإيجاب وسارت في طريقها كما أرشدها ثم أوقفت السيارة ونظرت إليه ففهم وأشار إليها لكي تسير معه إلى منزله، سارت معه ونظرت حولها بذهول فهو أخبرها بضيق الشارع وكانت تعلم أن المنطقة عشوائية لكنها لم تتخيل هذا، سماع الأمر شيء ومشاهدته على أرض الواقع شيء آخر..،
وصلا أخيرا إلى المنزل وصعد إلى الأعلى وهي من خلفه، كان الدرج ضيق للغاية ويسمح بشخص واحد فقط وليس اثنين مجاورين لبعضهما مما دفعها للصعود خلفه، فتح الباب باستخدام مفتاحه وانطلق مسرعًا إلى غرفة والدته ومال عليها وهو يقول بقلق شديد: - ماما حبيبتي أنتِ كويسة ؟ هزت رأسها بضعف وأمسكت بيده وهي تقول بصوت خافت: - خلي بالك من أختك يا نائل..
انهمرت دموعه وقبل يدها قبل أن يقول باعتراض: - لا يا ماما ماتقوليش كدا بالله عليكِ أنتِ هتبقي كويسة زي كل مرة، أنتِ اللي هتخلي بالك منها .. ماتتعبيش نفسك بالكلام الدكتور جاي دلوقتي تقدمت «ياسمين» بتردد ودلفت إلى الغرفة ورأته بتلك الحالة فحمحمت قبل أن تقول: - الدكتور على وصول، هو على أول الشارع هنا اهو..
التفت إليها وهز رأسه بابتسامة يشوبها الألم ثم عاد لينظر إلى والدته التي أغلقت عينيها فظن أنها أغلقتها من التعب وسند برأسه على يدها حتى حضر الطبيب فاقتربت منه هي وترددت في فعل ذلك لكنها وضعت يدها على كتفه وقالت بهدوء: - الدكتور وصل يا نائل ممكن تقوم وتسيبه يشوف شغله ! هز رأسه بالإيجاب وابتعد عن السرير ومازالت عينيه متعلقة بها بينما اقترب الطبيب وبدأ في الكشف عليها واتسعت حدقتاه بصدمة قبل أن يقف ويلتفت إليهما قائلًا بحزن: - البقاء لله..
لم يصدق ما سمعته أذنه ونظر إلى والدته بعينين مفتوحتين بشدة ثم نظر إلى الطبيب مرة أخرى وهز رأسه قائلًا: - البقاء لله ! ازاي ؟ ماما ! لا لا ماما هتقوم وأسرع إلى سريرها وهزها بقوة وهو يقول: - ماما قومي .. ماتسيبينيش لوحدي يا ماما بالله عليكي أنا ماليش غيرك في الدنيا دي كلها، أنتِ هتقومي وتبقي بخير زي كل مرة صح ! ردي عليا بالله عليكي ماتسكتيش كدا .. ماما أنتِ كنتِ بتدعيلي إن ربنا يسعدني وأنتِ سعادتي في الدنيا دي .. بالله عليكي كلميني عايز أسمع صوتك علشان خاطري..
خرج الطبيب واقتربت هي منه بحذر وقد انهمرت دموعها ورددت بخفوت: - اهدا يا نائل ده أمر ربنا هتعترض ! نظر إليها بعينين غارقة بالدموع وقال بدون وعي: - ماما ماتت يا ياسمين ! ماما سابتني ومشيت ! سابتني لوحدي في الدنيا دي .. امبارح لما اتآخرت في الشغل لقيت القلق في عينيها وهي بتسألني اتآخرت ليه ودلوقتي مش هسمع السؤال ده تاني..
زادت دموعه في الانهمار وتابع: - كانت بتحس لو متضايق أو عايز أقول حاجة وكانت مهونة عليا تعب الدنيا والحياة .. معقولة مش هتكلمني تاني نظر إلى والدته وردد كأنه ينتظر منها إجابة: - ردي عليا يا ماما أنا مش حمل ده والله، والله أنا لو أعرف ماكنتش قمت من جنبك ! مااتصلتيش بيا ليه وقولتي إنك تعبانة طيب وأنا كنت هسيب الدنيا كلها وأجيلك، ردي عليا يا ماما، ردي علشان خاطري ..
جلست بجواره ووضعت يدها على يده وقالت: - بالله عليك اهدا يا نائل .. ماما ماكانتش هتحب تشوفك بالمنظر ده، أنت دلوقتي راجل البيت والمفروض تقوم وتقف على رجلك وتخلص كل إجراءات الدفن وكل حاجة مش تقعد وتعيط كدا، ادعيلها بس دلوقتي وبلاش عياط أمسك بيد والدته ورفعها قبل أن يقبلها بعينين دامعتين ثم أنزلها مرة أخرى بهدوء وقام بتغطية جسدها بالكامل ...
رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد الفصل الثلاثون الجزء الثاني من بنت القلب
خرجت من المطبخ وهي تحمل كوب ساخن من الليمون، دلفت إلى الغرفة وما إن رأت وجه والدتها مُغطى حتى تركت ما بيدها ليقع على الأرض واتسعت حدقتاها غير مصدقة، هزت رأسها ونظرت إلى أخيها الذي كان ينظر لها بعينين دامعتين وانتظرت منه إجابة، لم تتحدث لكن نظراتها كانت تعبر عن داخلها مما دفعه لأن يقترب منها ويضمها إلى صدره دون أن يتحدث، كل هذا ولم تستوعب ما حدث فأبعدته عنها بخفة ونظرت إليه بصدمة وهي تقول: - أنت مغطي وش ماما كدا ليه ! هتتخنق كدا..
وانطلقت إلى السرير ونزعت هذا الغطاء من على وجهها وهي تقول: - حرام عليك مش علشان تعبت شوية تغطي وشها كدا ! ماما هتقوم وتبقى كويسة ثم نظرت إلى والدتها وتابعت: - قومي يا ماما أنا عملتلك حاجة سخنة تشربيها بس وقعت مني غصب عني، هعملك تاني بس قومي يا حبيبتي..
هزتها بخفة لكنها لم تجبها فنظرت إلى أخيها وقالت بعينين تهددان بسقوط الدموع في أي لحظة: - هي مش بترد عليا ليه ! رد عليا علشان خاطري، أنتوا بتعملوا فيا مقلب صح ؟ قُل لها تتكلم بقى هعيط والله اقترب منها مرة أخرى ومسح على رأسها وهو يقول بحزن: - ماما في مكان أحسن دلوقتي يا حبيبتي، وصتني عليكِ قبل ما تموت .. آخر لحظة في عمرها كانت بتوصيني عليكِ، كانت بتحبك أوي..
اتسعت حدقتاها أكثر وبدلت نظراتها بين أخيها ووالدتها ورددت تلك الكلمة التي قالها مرة أخرى: - تموت ! ماما ! ظلت للحظات وكأن عقلها يرفض استيعاب أو تصديق هذا الأمر فهي لم تفكر في حدوث هذا مطلقًا فاقتربت منها «ياسمين» وأمسكت بكتفيها بحب وهي تقول: - اهدي يا حبيبتي وماتفكريش كتير، تعالي معايا برا يلا.
في تلك اللحظة استوعب عقلها الموقف ونظرت إلى والدتها وألقت نفسها عليها وبكت بصوت مرتفع وهي تقول: - قومي يا ماما .. لا ماتسيبينيش لوحدي، ماما أبوس ايدك اصحي وردي عليا نظرت إلى أخيها ورددت باكية: - صحيها معايا يا نائل .. هي أكيد هتقوم وده تعب زي كل مرة، حاول معايا وهتصحى..
حاول منع دموعه لكنه لم يستطع واقترب منها ليحضنها بحب حتى تشعر بالأمان وظل لوقت ليس بطويل هكذا إلى أن تحدثت «ياسمين»: - سيبني أنا معاها وروح حضر كل حاجة نظر إليها بضعف فتابعت: - يلا يا نائل قعدتك دي مش هتفيد بحاجة هز رأسه بالإيجاب ونهض من مكانه فجلست هي مكانه وضمت شقيقته إلى حضنها ...
قبل ساعتين طرق «رماح» باب مكتبه بعجالة شديدة فسمح له بالدخول، دلف إلى الداخل وردد بلهفة: - حددنا مكان رفع الفيديو يا باشا ومعانا إحداثيات المكان بالظبط نهض اللواء «أيمن» من مكانه والتف حول المكتب وهو يقول: - حلو أوي اجهز أنت وفاطمة وأنا هتواصل مع الوزارة وفي خلال دقايق القوة هتبقى جاهزة للتحرك
على الجهة الأخرى فتح «طيف» عينيه على صوت حوله فوجد «غارم» يقف أمامه وكلتا يديه مشتبكتان خلف ظهره وما إن وجده قد استيقظ حتى قال: - أنا جاهز لأي سؤال والمرة دي هجاوبك بكل دقة مش غموض زي آخر مرة سألتني فيها نظر حوله بحثًا عن «زين» فلم يجده مما دفعه لأن ينظر إليه ويقول متسائلًا: - فين زين ؟ راح فين ؟
ابتسم نصف ابتسامة وأجابه: - ماتقلقش هو في الزنزانة اللي جنب دي وبياخد كل الإجابات اللي عايزها زيك وبمجرد ما ننتهي هيرجع هنا تاني، يلا اسأل واستغل الفرصة ولا أنت رجعت في كلامك هز رأسه بالنفي والتقط أنفاسه قبل أن يسأل سؤاله المعتاد: - أنت مين ؟ أنتوا مين ؟
ابتسم وهز رأسه بحركة خفيفة قبل أن يجيبه: - أولا السؤال غلط علشان مفيش حاجة اسمها أنتوا مين ولا أنا مين لأننا بشر زينا زيكم بس لينا تفكير ومعتقدات غيركم شوية بس هجاوبك بكل وضوح زي ما وعدتك، احنا بشر ولينا معتقدات غيركم زي ما قلت، لينا تفكير خاص بينا .. عبادة خاصة بينا، احنا كنا قلة في البداية بس انضم لينا كتير وانتشرنا في العالم كله ومنهم مصر في آخر فترة، هدفنا ؟
هدفنا ننشر عبادتنا ومعتقداتنا عند أكبر عدد في كل الدول ونبقى جماعة كبيرة جدا لا يستهان بها ومش قصدنا أي شر لأي حد بس اللي بيحاول يقف قصادنا بنتصدى له بس على طريقتنا وطريقتنا دي متطورة عنكم شوية .. بنستخدم عقلنا وعلمنا مش سلاحنا وعضلاتنا، ليه حصل معاك كدا ؟ علشان حاولت تقف قصادي وافتكرت إنك ممكن تهزمني أو تهزمنا، أنا ناسي ايه ؟ ما تسأل ولا أنت مستمع بس..
هز رأسه بالنفي وأجابه بثقة: - لا مش مستمع بس، أنت قلت إنكم ليكم عبادتكم ومعتقداتكم .. ايه هي عبادتكم ومعتقداتكم دي ؟ أغلق عينيه ثم فتحها مرة أخرى ليجيبه بثقة: - كنت واثق إنك هتسأل السؤال ده، عبادتنا هي عبادة لوسيفر ومعتقداتنا هي إن لوسيفر هو المحرر وهو حامي العهود الأعظم ومحدد الأقدار شعر «طيف» بالصدمة مما سمعه واتسعت حدقتاه وهو يقول بعدم تصديق: - لوسيفر ! قصدك إبليس !؟ الشيطان !
عبثت ملامحه بعد تلك الكلمات وردد بعدم رضا: - ده الاسم اللي أنتوا مسميينه ليه لكن احنا بنسميه لوسيفر لأنه عمره ما كان شيطان ولا إبليس ضحك «طيف» بصوت مرتفع وهز رأسه بأسف قبل أن يقول: - عمره ما كان شيطان أو إبليس ! امال اتطرد من الجنة ليه ؟ مارضيش يسجد ليه ! اتكبر واتغر ليه ؟ ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ أنتوا بجد بتعبدوه ؟ ازاي وليه ؟
ازداد غضبه وردد بتحذير: - مالكش دعوة .. دي عبادتنا ومعتقداتنا، لو أنا سألتك نفس السؤال هتقولي ايه ؟ قبل أن ينطق «طيف» أوقفه بيده وقال: - مش عايز أسمع إجابة، أنت اللي بتسأل وأنا بجاوبك لم يعجبه هذا الحوار فردد بصوت مرتفع: - لا مش أسئلة بس .. ده حوار ولازم أقنعك وتقنعني لكن لما تحس نفسك ضعيف في الإجابة ماتتهربش .. الشيطان اللي أنتوا بتعبدوه ده هيجي يوم القيامة ويتخلى عنكم ويقول إنكم اللي اتبعتوه وهو ماأجبركوش على كدا .. أجيبلك دليل من القرأن !
{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} تخيل كدا شكلك ساعتها هيبقى ازاي ؟ ده مش من عندي، رد عليا واقنعني لم يرد عليه وغير مجرى الحديث قائلًا: - لو اتكلمت في الكلام ده تاني أنا هخرج ومش هجاوب على باقي أسئلتك، اختار بقى يا إما أخرج أو أقعد وتكمل باقي أسئلتك وتفهم كل حاجة هز «طيف» رأسه بالإيجاب وسأله سؤالا آخر بعيدًا عن هذا الحوار: - والشرايح اللي في جسمنا دي هتخليكم تتحكموا فينا على طول ولا ايه !
ابتسم بمكر وضم شفتيه بفخر زائد قبل أن يجيبه: - دي هتضمن إن شغلنا في مصر مش هيتضر يعني لو حد حاول يمنعنا أو يصدنا هتموت أنت وزين ونيران وفهد بكل بساطة، وحاجة تانية .. هنتجسس عليكم منها شوفت أنا صريح معاك ازاي ! ولو حاولت تشيل الشريحة هيصدر أمر تلقائي بتوقف دماغك من غير أي تدخل منا، يعني احنا اللي منتصرين مش أنتوا شعر بالقلق قليلا لكن خطر سؤالا آخر بباله فأسرع وسأله: - ايه علاقة الديب ويب بيكوا ! لما فهد حقق في القضية دخل معاكم بالصدفة كدا ؟
شبك يديه مرة أخرى وهو يجيبه: - الديب ويب يعتبر احنا اللي أسسناه أصلا وأي شغل بيتم فيه بيبقى بشروط وأولها إنه ينضم لينا ويبقى جزء مننا وأي حد مش مننا بيحاول يدخل على الديب ويب بيموت فورا، يلا اسأل تان... وقبل أن يكمل كلمته استمع لصوت عبر السماعة التي يضعها بأذنه فابتسم وتقدم خطوة تجاهه وهو يقول: - للأسف فقرة الأسئلة خلصت لأن سيادة اللواء أبوك حدد مكانك وفي قوة كبيرة جاية على هنا دلوقتي بس تفتكر هيلحقوك !
على الجهة الأخرى قبل دقائق فتح عينيه ببطئ فتفاجأ بهذا الذي يقف أمامه، بحث بعينيه عن «طيف» فلم يجده مما دفعه لأن يسأل بتلقائية: - فين طيف وايه المكان اللي أنا فيه ده ؟ أتته الإجابة من الذي يقف أمامه: - هترجع له بس دلوقتي اسأل كل الأسئلة اللي عايزها دار الحوار بينهما كما دار مع «طيف» إلى أن سأل «زين» هذا السؤال: - ايه علاقتي بكل ده وايه اللي جابني هنا، أنا عمري ما اتعاملت معاكم ولا شوفتكم .. ليه أنا..
ابتسم ورفع إحدى حاجبيه قبل أن يجيبه بسخرية: - ايه علاقتك بكل ده ! ده أنت أساس المشاكل، أنت وقعت أكبر داعم لينا في مصر، أنت قفلت شركة الأدوية وسجنت كل اللي شغالين فيها فاضطرينا نقتلهم كلهم، أنت خسرتنا كتير أوي .. عرفت ليه أنت هنا ؟ ابتسم هو الآخر بسخرية: - عرفت بس عايز أقولك حاجة في نهاية الحوار ﴿وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا﴾ خلص الحوار بينا ...
انطلقت قوات الشرطة بأعداد كبيرة وذلك بقيادة «رماح»، انطلقوا إلى المكان المحدد وهم على أتم الاستعداد للاشتباك مع هؤلاء وبعد وقت قصير وصلوا أخيرا إلى هذا المكان الذي كان عبارة عن منزل وهذا ما أشعر الجميع بالتعجب، أشار «رماح» إلى البعض بالذهاب في اتجاه اليمين والبعض الآخر في اتجاه اليسار والبقية معه، سار بخطوات حذرة وهو ممسكًا سلاحه الرشاش ودلف إلى هذا المنزل الذي تم تحديد مكانه، كان المنزل عبارة عن طابقين فقط لكنه كان مهجورًا، انتهى رجال الشرطة من تفتيش المكان ولم يتم العثور على أحد مما جعل «رماح» في حالة دهشة، هز رأسه برفض واتجه إلى الخارج لكن في تلك اللحظة تذكر تلك المهمة في السابق مع «طيف» ...
نظر «طيف» بدقة حتى وقع نظره على حائط بالطابق الأرضى اقترب منه وأخذ يتحسسه بيده بعدما لاحظ شىء غريب به، طرق بيده عدة طرقات وهو يتحرك بجواره إلى أن سمع طرقات يده بصوت مرتفع فابتسم ونظر إلى السيدة وهتف بتساؤل: - الحيطة كلها مش أسمنت، في خشب ؟ هزت رأسها بعشوائية غريبة وهتفت بتلجلج وقلق: - ده ...ده، ده باب، كان باب للمحلات بس قفلناه علشان بيجى منه حشرات وكدا..
تحرك «طيف» بنظراته إلى «رماح» الذى فهم ما يرمى إليه وأشار إلى باقى القوات بالدخول، أمر أحد الرجال بالتحفظ على السيدة واقترب من الباب هو و «طيف» وفى نفس اللحظة ركلا الباب الخشبى بقدميهما بقوة ليقع إلى الداخل معلنًا عن وجود رجال مسلحين ...
تذكر «رماح» هذا الموقف فالتفت وأشار إلى رجال الشرطة من حوله وردد بجدية: - الإشارة ماكانتش موجودة في الموبايل اللي اترفع منه الفيديو يعني واي فاي معني كدا إن المكان ده تحت الأرض، عايزكم تدوروا في الدور الأرضي كله عن باب سري... بالفعل بدأوا في تنفيذ الأمر وساعدهم هو و «فاطمة» في ذلك إلى أن أتى أحدهم وردد بجدية: - لقينا باب خشب في الأرض في الأوضة اللي جوا يا فندم.
ابتسم بإنتصار واتجه مسرعًا إلى الداخل وتم فتح الباب بسهولة، جهز سلاحه واتجه إلى الأسفل ومن خلفه باقي رجال الشرطة ومعهم «فاطمة»، كان المكان عبارة عن طرقة طويلة وفي منتصفها بابين من الحجر وكل باب لغرفة مختلفة عن الأخرى، تقدم «رماح» بحذر ومعه بعض رجال الشرطة إلى الغرفة الأولى بينما تقدمت «فاطمة» ومعها البقية إلى الغرفة الأخرى، دلف «رماح» إلى الغرفة بسلاحه الذي يضيء فوقه مصباح لينير له المكان فتفاجأ بـ «طيف» الذي كان مقيدًا على الأرض ولا يوجد أحدا معه، انطلق إليه بسرعة وفك قيده وهو يقول: - طيف أنت كويس ؟
هز رأسه بالإيجاب قبل أن يقول: - أنا كويس .. المهم بس اتأكدوا إن زين كويس لأني ماشفتهوش من ساعة ما صحيت عقد حاجبيه بتعجب وقال بتلقائية: - الرائد زين الجيار ! هو موجود معاك هنا ؟ في تلك اللحظة دلفت «فاطمة» إلى الغرفة ومن خلفها «زين» الذي أسرع بإتجاه «طيف» وهو يقول: - أنت كويس ! أنا خفت يكونوا قتلوك..
ابتسم بسخرية وأجابه: - ماتقلقش عمر الشقي بقي يا وحش، المهم إننا رجعنا لنقطة الصفر .. عرفنا كل حاجة بس يافرحتي هربوا وقف «رماح» ومد له يده لكي يساعده على الوقوف وبالفعل ساعده على ذلك قبل أن يردد بجدية: - نبقى نكمل كلامنا في المديرية المهم نطمن سيادة اللواء إننا لقيناكم
خرج الجميع من هذا المنزل ورفع «رماح» جهاز اللاسلكي الخاص به وردد: - لقيناهم يا فندم .. الرائد طيف والرائد زين لكن أفراد العصابة مالهمش أثر تنفس «أيمن» بأريحية لنجاتهما وأصدر أمره قائلًا: - تمام يا رماح هاتهم وتعالى على مكتبي بالفعل انطلقت قوات الشرطة في طريقهم إلى العودة وعلى رأسهم «طيف، رماح، زين، فاطمة»
على الجهة الأخرى كانت تجلس بمكتبه ورددت بتساؤل: - تفتكر سعادتك هربوا ازاي وعرفوا أصلا إننا جايين منين ومفيش أي حاجة تمت قدامي ولا حد اتكلم جنبي يعني مش الشريحة ! هز رأسه وأجابها: - مش عارف يا نيران .. بنسبة كبيرة حد بيوصلهم أخبارنا وده اللي مخليهم متفوقين علينا أخفضت صوتها وأشارت إلى ظهرها وهي تقول: - معلش يا فندم حاول تقلل صوتك علشان مايسمعوش ابتسم بسخرية وهز رأسه قبل أن يقول: - كل حاجة بقت مكشوفة دلوقتي واللي هيكسب هو الأكتر ذكاء، يجي طيف وزين وبعدين نفهم ايه اللي حصل.
وصل الجميع وأذن لهم «أيمن» بالدخول ووقفت «نيران» متحمسة لرؤية «طيف» بعد غياب طويل، افتقدته كثيرًا وتسارعت ضربات قلبها استعدادًا لرؤيته، فتح الباب وكان أول الداخلين إلى المكتب وما إن رأها حتى انطلق إليها وحضنها بحب أما هي فأغلقت عينيها وهمست بشوق: - وحشتني أوي .. ذكريات لما كنت مع نيران اللي فاقدة الذاكرة موجودة بس كأني ماشوفتكش من زمان أوي، من ساعة اللي حصل في الفندق - وأنتِ والله نفس الكلام .. وحشتيني أوي.
تركها واتجه إلى والده الذي حضنه بشوق ولهفة قائلًا: - حمدلله على سلامتك يا طيف ابتسم وردد بهدوء: - الله يسلمك يا بابا.
اطمأن «أيمن» على سلامة «زين» وبدأ في سماع ما حدث منهما حتى قال «طيف»: - شوفت طلعوا عبدة الشياطين واحنا ماكناش نعرف حاجة خالص ابتسم «أيمن» وقال: - أنا عرفت قبل ما تقولوا .. نيسان كلمتني وقالتلي إن فهد افتكر كل حاجة وروحتله المستشفى وقالي مين دول وعايزين ايه في نفس الوقت اللي رماح والقوة رايحين يجيبوكوا.
تذكر «طيف» شيء فهتف مسرعًا: - اه صح زين مضروب رصاصة في بطنه، أنا شيلت الرصاصة وخيطت الجرح بس لازم برضه يكشف علشان مش ضامن ايه المضاعفات اللي ممكن تحصل وهل المعدات دي أصلا متعقمة ولا لا نظر له «زين» بقلق وقال: - ايه ! يعني ايه هموت ؟
ضحك «طيف» وهز رأسه بالنفي قبل أن يجيبه: - لا يا باشا بس زيادة اطمئنان مش أكتر ثم نظر لأبيه وردد بصوت منخفض جدا: - وأنا هشيل الشريحة نظرت له «نيران» بعينين متسعتين ورددت بقلق: - تشيل ايه ! ده أنت بنفسك محذر سيادة اللواء بفيديو إني لو شيلت الشريحة هموت !
هز رأسه بالإيجاب وأكد ما قالته: - أيوة فعلا ده حصل بس مش غريبة إنهم يطلبوا ده مني مع إن الشريحة لو اتشالت أصلا ونيران لا قدر الله ماتت ماكانوش هيبقوا مضررين بحاجة .. أعتقد ده مجرد تخويف منهم لينا علشان نفضل تحت طوعهم ويقدروا يلعبوا بينا، أيوة الشريحة ممكن تتحكم في العقل وتحجب الذاكرة زي ما عملوا معاكِ يا نيران وعملوا مع فهد وممكن برضه بضغطة زرار يوقفوا دماغنا بس إننا نشيلها من غير ما يعرفوا مش هيحصل حاجة.
هنا تحدث اللواء «أيمن» وقال باعتراض: - أيوة بس أنا كلمت حد متخصص في الكلام ده وقالي إنه ممكن يحصل وموجود وإننا لو حاولنا نشيل الشريحة هنعرضكم للخطر هز «طيف» رأسه بالنفي وأصر على رأيه: - معلش يا بابا ادينا هنجرب ولو حصلي حاجة هننقذ الباقي ثم نظر إلى «نيران» وتابع: - وبعدين أنا جربت الأكل اللي شكينا إنه مسموم في الفندق وعدت على خير .. إن شاء الله دي كمان هتعدي على خير.
ثم ابتسم وقال مازحًا: - خلونا نخلص من فيلم اللمبي 8 جيجا اللي احنا فيه لايف ده صمت الجميع لبضع ثوانٍ حتى تحدث اللواء «أيمن»: - طيب تمام بس قبلها تطمن والدتك وأختك عليك ثم نظر إلى «زين» وردد: - وأنت يا زين اجهز علشان هبلغ الإسعاف وتروح المستشفى..
وانتقل نظره إلى «نيران»: - وأنتِ يا نيران روحي دلوقتي لأهلك اتطمني عليهم وطمنيهم برجوع الذاكرة ليكِ وبعدين تعالي التقط أنفاسه ونظر أخيرا إلى «رماح» وهتف: - وأنت يا رماح جهز كل حاجة، كل حاجة لازم تتم النهاردة بالليل - أوامر سعادتك.
مر الوقت سريعًا وحضر الجميع إلى المستشفى «أسماء، رنة، نيران، رماح، أيمن، فاطمة»، قام بطمئنة الجميع ثم اتجه إلى نيران التي كانت تشاهد ما يحدث دون أن تتفوه بكلمة واحدة وأمسك يديها بحب وهو يقول: - شايفك قلقانة أوي .. ماتخايفش يا نيران عمر الشقي بقي وبعدين احنا عملنا عمليات كتير كنا مهددين فيها بالموت .. اعتبري دي عملية برضه انهمرت دمعة من عينيها ونظرت إلى عينيه قائلة: - مالحقتش أشبع منك يا طيف، أنت يادوب لسة راجع النهارده.. مالحقتش أتكلم معاك .. مالحقتش أبقى في حضنك لوقت طويل زي ما أنا متعودة، خايفة تسيبني.
ترك يدها وضم وجهها بين كفيه بحب قائلًا: - أنتِ اللي كنتِ بتديني الثقة وتقوليلي انشف يا طيف وماتخافش وواجه كل حاجة، اديني مابقيتش أخاف وبواجه مشكلة بتهددنا كلنا اهيه ولو نجحت العملية هنقذك أنتِ وفهد وزين ولو فشلت هنقذكم برضه وأنا متأكد إنكم هتلاقوا الحل، إن شاء الله كل حاجة هتعدي زي ما عدت قبل كدا وبعدين مش أنا اللي هقولك الكلام ده .. فين نيران القوية اللي واثقة من نفسها واللي كانت بتدخلنا من شباك الفندق كأننا بندخل الملاهي ضحكت بهدوء على كلمته وظلت هكذا تنظر إلى وجهه فسألها سؤاله المعتاد والذي يعرف إجابته: - بتبصيلي كدا ليه؟
حاوطت رقبته بذراعيها وقالت بحب: - بحب أبصلك .. بحب أشوفك، بحس إني فرحانة طول ما أنا شايفاك قدامي، علشان خاطري ماتسيبنيش وارجعلي مش هتبقى موتة زي دي ابتسم وردد تلك الجملة التي قالتها سابقًا: - صح احنا عايزين موتة أشيك من دي، سيبيها على الله .. يلا علشان ألحق..
حضنته بقوة وكأنه حضنها الأخير له فضمها هو الآخر بحب وظلا هكذا حتى ابتعدت عنه وقالت: - يلا علشان تلحق .. هستناك ! ابتسم وهز رأسه بالإيجاب قائلًا: - وأنا إن شاء الله هرجعلك تاني تراجع بظهره إلى الخلف ونظر إلى الجميع وكأنها نظرة الوداع ثم التفت ودلف إلى الغرفة .