رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد الفصل التاسع عشر الجزء الثاني من بنت القلب
نقطة تلاقي الأحداث
في صباح اليوم التالي اتجهت «ياسمين» إلى الشركة ودلفت وسط همس العاملين بسبب ماحدث فهم علموا بكل ما حدث ليلة أمس بالشركة، لم تعطهم أي اهتمام واتجهت إلى مكتبها بينما نظرت «مايا» إلى «سمر» وقالت: - الراجل كان هيموت بسببها وهي جاية ولا على بالها - فعلا أنا كنت فاكرة إن النهارده مش هيبقى في شغل بسبب اللي حصل..
تدخل جاسر وقال: - سيبكم من الكلام ده .. في أكتر من كدا، أنا سمعت إن نائل ويوسف أخوات بس من أم مختلفة وحصل بينهم خلاف ويوسف هو اللي عمل كدا في نائل اتسعت حدقتيها بصدمة مما سمعته لكن سرعان ما رسمت ابتسامة على وجهها وهي تقول: - بقى يوسف أخو نائل ! ده كدا كل حاجة وضحت على الآخر...
فتحت الحاسوب الخاص بها وباشرت عملها إلا أنها توقفت لفترة من الوقت بسبب وصول بريد الكتروني من الشركة التي كانت تنوي التعاقد معها، اخطرتها الشركة بإلغاء نية التعاقد معهم بسبب تعاقدهم مع شركة مصرية أخرى مما سبب صدمة كبيرة لها، تركت مكانها واتجهت إلى مكتب «نائل» لتخبره بالأمر لكنها تفاجأت بعدم تواجده فتذكرت في الحال ما حدث بالأمس وأنه لن يأتى للعمل إلا بعد فترة زمنية لا تقل عن أسبوع..
على الجانب الآخر دلف «زين» إلى مكتب زميل له ليتابع التحقيقات فأسرع «محمد» وقال: - اتفضل يا زين باشا كانت «هايدي» تبكي بصوت مسموع فصاح الضابط المسئول «محمد» قائلًا: - ممكن تنقطينا بسكاتك وكفاية عياط ! تحدثت من بين بكائها بصوت متقطع: - أ..نا ليا الحق أكلم المحامي بتاعي، لو سمحت عايزة أكلم المحامي بتاعي..
مل من بكائها المستمر وطلبها لمهاتفة المحامي الخاص بها فمد يده بالهاتف الخاص به قائلًا: - خدي الموبايل اهو كلمي المحامي .. يارب نخلص بقى تناولت منه الهاتف وكتبت رقم «يوسف» وضغطت على زر الاتصال قبل أن تنتظر للحظات حتى أجابها: - أيوة يا يوسف الحقني أنا اتقبض عليا في قضية مخدرات .. يعني ايه مش هينفع ! مشاكل ايه اللي أنت فيها ؟ بقولك اتقبض عليا .. تصدق أنت ندل وجبان..
نظر «زين» إلى «محمد» وقال مازحًا: - ايه ده يا باشا هي بتكلم الاكس بتاعها ولا المحامي نهض وأخذ منها الهاتف وهو يقول: - كفاية عليكِ كدا وقبل أن يضعه بجيب بنطاله مد «زين» يده قائلًا: - بعد اذنك يا محمد باشا عايز بس أشوف الرقم يمكن حد تبعهم..
وبالفعل أخذ الهاتف وكتب الرقم على هاتفه فتفاجأ أنه رقم «يوسف»، ارتسمت ابتسامة واسعة على ثغره وهو يقول: - ما شاء الله ده أنا فيا حاجة لله .. تعرفي يوسف ده منين يا قطة صمتت قليلًا بسبب قلقها وأجابته: - ده .. ده خطيبي وقف واتجه إليها بعدما رفع إحدى حاجبيه بابتسامة: - خطيبك ! هو يوسف ده بيخطب كام واحدة بقى على كدا !
حاولت تغير مجرى الحديث وقالت: - والله يا باشا أنا الحبوب دي باخدها تعاطي مش تجارة رفع حاجبيه وقال مازحًا: - يعني هو تعاطي شاي بلبن ! دي مخدرات يا ماما ... وبعدين بقى خلي الباشا يكمل التحقيق معاكِ وأنا هشوف الأمور خطيبك ده
"طيف أنا في مكان ضلمة أوي .. أنا خايفة .. أول مرة أكون خايفة كدا، أنا اتخطفت .. أيوة اتخطفت، طيف أنا سامعة صوت برا .. صوت خطوات بتقرب مني .. طيف خليك فاكر إن العهد الأول تم تنفيذه"
استمع لهذا التسجيل مرارا وتكرارا ولم يمل منه، كان يفكر في صوتها ويدقق السمع لعله يجد ما يفهمه من حديثها، كانت جملتها الأخيرة غير مفهومة، لماذا تحدثت بهذه الطريقة ؟ وما هذا العهد الذي تم تنفيذه ؟، زادت أسئلته حتى إنه قام بإحضار ورقة وقام بكتابة كل الأسئلة التي تدور برأسه وكتب أيضا تلك الرسالة التي اعتقد أنها كلمة سر لتتواصل بها معه وأثناء انشغاله بهذا دلف اللواء «أيمن» إلى المكتب ومعه «رماح، فاطمة» واقترب منه قائلًا: - طيف معني الرسالة دي إنها لسة عايشة وده المهم عندنا..
هز رأسه رافضًا لحديث والده ونظر إلى الورقة التي بيده وهو يقول: - الرسالة دي مش دلوقتي .. مش معقولة هتبقى محبوسة أو مخطوفة بقالها شهرين وتيجي تقولي أنا اتخطفت .. على الأقل كانت هتقول أنا بقالي فترة كبيرة في المكان ده وصيغة الرسالة كانت هتتغير ... الرسالة دي اتسجلت أول ما اتخطفت وبعتوها دلوقتي وأكيد في حاجة ورا كدا، عايزين يخلونا نلف حوالين نفسنا، في مليون سؤال أهمهم هي جابت الموبايل منين أصلا وايه الصيغة اللي قالتها في نهاية الرسالة دي ! دي نفس طريقة كلام البنت اللي انتحرت في الفندق .. جابت سيرة عهد برضه، أنا مابقيتش فاهم حاجة..
في تلك اللحظة دلفت «نيسان» إلى المكتب وكانت تتنفس بصعوبة وهي تقول: - ج..الي رسالة من ف..هد تجمد «طيف» في مكانه بينما تقدمت «فاطمة» وأخذت منها الهاتف قبل أن تنقر على زر التشغيل ..
" نيسان أنا فهد .. أنا في مكان ضلمة أوي .. أنا معرفش حصل ايه وجيت هنا ازاي .. أنا معرفش ازاي معايا موبايل أصلا .. أنا سامع صوت خطوات بتقرب مني .. نيسان خليكِ فاكرة إن العهد التاني تم تنفيذه" انتهى التسجيل ونظر «طيف» إلى كلٍ منهم وهو يقول: - زي ما اتوقعت .. اللي خطفها له علاقة بالقضية اللي كان بيحقق فيها فهد .. نفس صيغة الرسالة وعهد برضه بس نيران عهد أول وطيف عهد تاني..
نظرت «نيسان» إلى اللواء «أيمن» وقالت بخوف شديد: - معنى الكلام ده ايه! نيران هي كمان بعتت رسالة ؟ ازاي أنا مش فاهمة حاجة اقترب منها ورسم ابتسامة على وجهه ليبث الطمأنينة في قلبها وأردف: - روحي أنتِ دلوقتي واحنا هنحاول نعرف مصدر الرسالتين دول وهنوصل لمكانهم قريب إن شاء الله
نظرت إليه بصدمة وهي تحاول إقناع عقلها بما قاله لكنها لم تقتنع، هزت رأسها وقالت بعدم تصديق: - ازاي يعني يا غيث ! أنا مش فاهمة كلامك، أنت مقتنع باللي بتقوله ؟ هز رأسه بالإيجاب وقال بثقة: - أيوة مقتنع .. مفيش حل ليها غير كدا لو عندك حل ليها غير كدا قوليه..
جلست ونظرت إلى الفراغ بتفكير ثم رفعت رأسها وقالت: - أنت عايز تفهمني إننا بنتعامل مع أشباح وعفاريت ! والنبي أنت شكلك اتجننت .. أشباح ايه يا غيث ! وايه علاقة الأشباح أصلا بقضية الديب ويب، في نقط كتيرة محتاجة تتحط على الحروف..
جلس هو الآخر وأمسك يديها وهو يقول: - لو قرأتي كلام طيف اللي في الملف غارم قال بالنص كدا أنا شبح وبعمل اللي بحس فيه بمتعة ليا وفي نفس الوقت هدد أنه يبعد حد منهم عن التاني وده حصل، معني كدا إن غارم شبح فعلا أو جن وفي الحالة دي احنا خسرانين مهما عملنا.. دول مش عصابة ماسكين أسلحة واحنا بنطاردهم زي ما كنا بنعمل .. لو اللي بقوله ده صح يبقى نيران وفهد عمرهم ما هيرجعوا تاني ولو مش مصدقاني شوفي على النت قواضي اختفاء الناس مرة واحدة ومحدش بيسمع عنهم حاجة سحبت يدها وقالت معترضة: - يعني أنت عمرك سمعت عن عفاريت بتخطف ظابط شرطة ! سيبك من فيلم الرعب اللي فتحته ده وفكر بعقل شوية
مر يومين وقام «زين» بإعادة «نائل» ووالدته إلى المنزل بسيارته، نظر «نائل» إلى والدته وقال: - اطلعي أنتِ يا ماما وأنا جاي - طيب يا حبيبي صعدت واتجه هو إلى «زين» قائلًا بابتسامة: - تسلم يا سيادة الرائد على كل اللي عملته - على ايه يا نائل مفيش حاجة، المهم ريح أنت ومترجعش الشركة غير لما تبقى كويس..
هز رأسه بالرفض وقال: - أنا هرجع بكرا إن شاء الله، أنا كويس ومفيش حاجة خرج من سيارته وقال معترضًا: - يا نائل هتاخد إجازة بمرتب عادي المهم ريح نفسك بس كام يوم كدا وبعدين ارجع عادي ابتسم وأصر على موقفه قائلًا: - مش حكاية مرتب .. أنا لازم أروح علشان أكمل كذا حاجة كنت بجهزها وأنا والله كويس ومش حاسس بتعب ولا حاجة، أنا خلاص قررت أرجع بس مستغرب إني من ساعة ما خرجت من العمليات مشوفتش أنسة ياسمين خالص ولا حتى اتطمنت عليا..
توتر قليلا من جملته لكنه أخفى ذلك وقال بابتسامة: - بالعكس هي اتطمنت عليك وكانت عايزة تيجي تزورك بس كانت مشغولة جامد في الشركة وبتقولك ألف سلامة ابتسم «نائل» بلطف قائلًا: - الله يسلمها دلف إلى داخل السيارة مرة أخرى وهو يقول: - طيب هضطر أمشي أنا وحمدلله على سلامتك يا بطل - الله يسلمك يا باشا.
اتجه بسيارته إلى المنزل ليلحق بـ «نايا» قبل أن تصطحب شقيقته الصغرى إلى منزلها، وصل فوجدها تمسك بيد شقيقته وتسير على الطريق فقاد سيارته حتى وصل إليها وخرج منها وهو يقول: - في قمرتين يمشوا تحت الشمس دي ! أنتوا ماشين في نار جهنم دي ازاي ده الجو نار تفاجأت بوجوده وضحكت وهي تقول: - ماله الجو يا زين ما هو جميل اهو .. مفيش أحسن من الصيف أصلا..
تجهمت تعابير وجهه وقال بعدم رضا: - طيب يلا هوصلكم في عربيتي حيث التكييف والدلع والروقان بدل الفرن اللي ماشيين فيه ده بالفعل اتجهوا إلى السيارة واستقلت هي المقعد الأمامي بجواره بينما استقلت شقيقته المقعد الخلفي، تنفس بأريحية وهو يقول: - ياااه ما أحسن التكييف وما اجمله..
ثم نظر إليها وقال بحب: - وحشتيني يا قمر أشارت بوجهها على «رقية» فتحدثت هي: - نحن هنا يا زين نظر إلى الخلف حيث توجد ثم وجه بصره إلى الطريق أمامه وهو يقول: - ما تسدي ودنك يا رورو وبحبحيها علينا شوية ده أنا بقالي أسبوعين في قضايا ومهمات وماشوفتهاش ماتبقيش قاسية كدا..
ضحكت «نايا» ونظرت إلى «رقية» قائلة: - لا يا رورو ماتسمعيش كلامه وقوليله عيب كدا نظرت شقيقته إليه ورددت ما قالته «نايا»: - عيب كدا - عيب ! ماشي ماشي ده أنا كنت ناوي اخدكم أنتوا الاتنين ونتغدى بكرا مع بعض بس خلاص بقى مالكمش في الحلو نصيب نظرت «نايا» إليه وقالت: - نتغدى بكرا ايه يا زين ! بكرا أول يوم في رمضان ياابني ! صباح الخير..
اتسعت حدقتيه وخبط بيده جبهته وهو يقول: - اخ .. نسيت خالص والله، طب ايه رأيكم نفطر مع بعض كلنا .. أنا وأنتِ ورقية وخالتي هزت رأسها بالموافقة على الفور وقالت بسعادة: - طبعا موافقة بس كلم ياسمين تفطر معانا اختفت ابتسامته وقال بضيق: - ياسمين مش هترضى أنا عارف أنا بقولك ايه وعلى العموم كلميها وأنا هكلمها ولو رضيت تمام
حل المساء وغير «نائل» ملابسه واتجه إلى الخارج فأوقفته والدته قائلة: - رايح فين يا نائل ؟ ابتسم وهو يجيبها: - نازل أجيب سحور يا ماما .. مش عايزة حاجة أجيبهالك معايا ؟ هزت رأسها بالنفي واقتربت منه وهي تقول: - لا بلاش تنزل أنت .. ابعت يارا تجيب هي السحور واستريح انت .. ده أنت حتى لسة خارج من المستشفى النهارده..
تقدم ورفع يدها ليقبلها قبل أن يقول بابتسامة: - أنا كويس جدا وبخير يا ماما .. أنا أقدر أجري كمان أنتِ بس قلقك زيادة وبعدين أنا زهقت من المستشفى وقعدة البيت عايز أنزل أشم شوية هوا كدا وافقت على طلبه وربتت على كتفه قائلة: - طيب يا ضنايا ربنا يسترك دنيا وآخرة ويحفظك من كل شر يارب..
قبل يدها مرة أخرى ثم انطلق إلى الأسفل واتجه إلى مطعم صغير بالقرب من منزله وهتف بصوت مرتفع: - عايز بـ 7 جنيه فول ياعم رفعت واتوصى - حاضر يابني بالفعل أعد له ما طلبه ثم اتجه إلى أحد المحلات وقال: - معلش يا ست أم نعمة عايز 6 بيضات - طيب يا حبيبي .. خد اتفضل..
أخذ منها ما طلبه وعاد إلى المنزل مرة أخرى، نادى على شقيقته التي حضرت على الفور وقال: - خدي يلا يا يويو جهزي السحور .. اخ نسيت أجيب عيش تدخلت والدته التي خرجت من غرفتها وقالت: - مالهوش لزوم يا نائل في هنا عيش كتير هنسخنه ونتسحر ابتسم ثم نظر إلى شقيقته وقال: - طيب يلا جهزيه يا يارا وأنا هسخن العيش عقبال ما تجهزيه
أعدت الخادمة السحور وجلس «زين» على السفرة وتبعته شقيقته التي جلست بجواره، تعجب من غياب شقيقته الكبرى «ياسمين» فوجه بصره إلى «هانم» وسألها عنها قائلًا: - امال فين ياسمين يا هانم ! هي لسة نايمة ولا ايه ؟ نظرت إلى الأسفل وهي تجيبه: - طلعت أصحيها يا زين باشا بس قالتلي إنها مش عايزة تتسحر..
نظر إلى الأمام وشرد للحظات فهو افتقد اجتماع العائلة وخاصة في شهر رمضان، انتهى كل هذا بفقدانه لوالديه والآن شعر بأنه فقد شقيقته الكبرى أيضًا، فاق من شروده على صوت الصغيرة «رقية» وهي تقول: - هي ياسمين مابقتش تحبنا خالص ! حاول رسم ابتسامة لكنه فشل وقال بحب: - ياسمين هتبقى كويسة وترجع زي زمان تاني .. ماتقلقيش يا رقية ويلا نبدأ سحور علشان عاملك مفاجأة حلوة أوي بعد السحور..
تحمست الصغيرة وبدأت في تناول الطعام، مر الوقت وانتهوا من تناول الطعام وغسل الاثنان أيديهم قبل أن تقول الصغيرة بحماس: - فين المفاجأة دي يا زين .. احنا خلصنا أكل اهو ابتسم واصطحبها إلى الخارج بعدما وضع يده على عينيها حتى تكتمل المفاجأة وما إن وصل إلى الخارج أمام الفيلا حتى نزع يده لترى هذا المشهد الرائع فنظرت إليه بانبهار وسعادة، نظر إليها بحب وسعادة وقال: - ايه رأيك في الزينة والفوانيس دي ؟ أنا فضلت أعلقهم ساعتين كاملين علشان يعجبوكي..
قفزت في الهواء بسعادة غامرة ثم حضنت قدميه وهي تقول: - حلوة أوي .. أنا بحب الفوانيس والزينة انخفض حتى يقترب منها ووضع رأسها بين كفية وهو يقول: - ها بتحبيني اد ايه ؟ أشارت بيدها وهي تقول بسعادة: - اد العالم كله ابتسم وضمها بسعادة إلى صدره وهو يفكر ما الذي سيحدث لها إن أصابه مكروه بسبب عمله
أعدت «أسماء» السحور بمساعدة «رنة» واقترب «طيف» من السفرة وجلس، كان بداخله حزن شديد فهو كان يخطط لقضاء شهر رمضان الأول معها لكن ماحدث لم يتوقعه أحد، فاق من شروده على صوت «رنة» التي قالت: - بقولك ايه يا طيف تعرف حد في مباحث الإنترنت ؟ ضيق حاجبيه بتعجب وأيضا كان ذلك نفس رد فعل «أيمن» وقال الاثنان في وقت واحد: - ليه ؟
حاولت رسم ابتسامة وهي تمد يدها بهاتفها وتقول: - الرقم ده بيغلس عليا وشتمته مرة وحطيته على البلاك ليست بس كلمني من رقم تاني .. الرقمين أهم هز «أيمن» رأسه بالإيجاب وقال: - بعد ما نخلص سحور اكتبي الرقمين في ورقة وهاتيها وأنا هتصرف نظر «طيف» إليها وقال مازحا: - ده أكيد أمه داعية عليه علشان يعاكس بنت لواء وأخوها رائد .. لما تجيب الواد ده قُل لي يا بابا علشان أمسي على قفاه شوية..
هنا تحدثت أسماء قائلة: - يلا كلوا بلاش كلام فاضل على الفجر نص ساعة علشان تلحقوا تشربوا مياه بدأوا في تناول الطعام وكانت «رنة» تأكل بسرعة شديدة فصاح «طيف»: - ايه يابنتي هتفطسي كدا هو حد بيجري وراكِ ؟ لم تنظر له وأجابته وهي تضع الطعام في فمها: - أعوذ بالله .. عايزة أخلص علشان ألحق آكل الأيس كريم بتاعي ارتفع حاجباه بتعجب وقال بتردد: - قصدك الأيس كريم اللي كان في الفريزر ؟
تركت الطعام ونظرت إليه بقلق وهي تجيبه: - اه هو اللي في الفريزر .. اوعى يكون اللي في بالي ؟ ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهه لم يستطع إخفائها وقال: - للأسف كنت زهقان وبفتح الفريزر بالصدفة لقيته في وشي بس ايه ماأقولكيش .. طعمه تحفة أنتِ بتجيبيه منين الأيس كريم ده ؟ رمقته بغضب وقالت بعدم رضا: - حرام عليك يا طيف ده سابع أيس كريم ليا تاكله .. أخبيه منك فين بس..
ضحك رغمًا عنه وأيضا ضحكت «أسماء» ومعها «أيمن» قبل أن يقول «طيف»: - ماهو في حل وهو إنك تجيبيلي معاكِ وبالتالي مش هطمع في نايبك، ولا أنتِ عندك رأي ت... قاطعه صوت رنين هاتفه فسحب منديل ليمسح يده ثم دس يده بجيب بنطاله وسحب هاتفه ليتفاجأ برقم غير مسجل لديه فضغط على زر الرد ورفعه على أذنه وهو يقول: - أيوة !
جاء الصوت من الجهة الأخرى: - سيادة الرائد طيف أيمن معايا هز رأسه بالإيجاب وهو ينظر إلى والده وأجاب: - أيوة أنا الرائد طيف جائه الخبر الذي لم يكن يتوقعه على الإطلاق من هذا الشخص الذي تحدث برسمية: - احنا لقينا زوجة حضرتك نيران ...
رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد الفصل العشرون الجزء الثاني من بنت القلب
- احنا لقينا زوجة حضرتك نيران كانت تلك الجملة كافية بأن تجعله يقوم مسرعًا من مكانه وهو يقول بلهفة: - فين المكان ! بعد اذنك فين المكان وهي كويسة ولا لا ؟ أجابه المتصل بجدية: - قسم شرطة الدرب الأحمر وهي كويسة أيوة لكن مش فاكرة حاجة - مش فاكرة حاجة ! طيب طيب أنا جاي حالا أنهى المكالمة وقبل أن يصعد ليبدل ملابسه أوقفه والده الذي سأله على الفور: - في ايه يا طيف ! لقوا نيران ؟
هز رأسه بالإيجاب ليقول: - أيوة يا بابا لقوها وهي دلوقتي في قسم شرطة الدرب الأحمر .. أنا هطلع أغير هدومي علشان أروحلها وصعد مسرعًا إلى الأعلى حيث شقته دون أن ينتظر رد والده وبدل ملابسه بسرعة شديدة ثم اتجه إلى الأسفل فوجد والده أيضًا قد بدل ملابسه وردد بجدية: - يلا أنا جاي معاك..
هز رأسه واتجه إلى سيارته واستقل والده المقعد الأمامي بجواره ثم انطلق بسرعة شديدة إلى القسم الذي كان قريبًا من مديرية أمن القاهرة، وصل واتجه إلى رجل الأمن الذي كان يسد الباب وقال: - الرائد طيف أيمن فأفسح له الطريق ليمر إلى الداخل ومعه والده، صعدا إلى الطابق الثاني وتحدث والده تلك المرة قائلًا: - فين المقدم أحمد خالد ؟ قُل له اللواء أيمن ضياء برا ومعاه ابنه الرائد طيف أيمن.
أدى التحيه ودلف إلى داخل المكتب ليبلغه بما قاله «أيمن» فأسرع إلى الخارج وقال مرحبًا: - اللواء أيمن بنفسه ! اتفضل سعادتك اتفضل ثم وجه بصره إلى رجل الأمن وقال بلوم: - ازاي مادخلتش سيادة اللواء على طول ! اتفضل سعادتك دلف «أيمن» إلى مكتبه وخلفه «طيف» الذي تسارعت ضربات قلبه لأنه سيراها أخيرا بعد فراق دام أكثر من شهرين .. لم يتحمل الانتظار ونظر إلى المقدم «أحمد» وقال بلهفة: - فين نيران يا سيادة المقدم..
ابتسم وأشار إليه بالجلوس ثم قام بإحضار زجاجتين من المياه ومد بهم يده وهو يقول: - هي في المكتب التاني خدوا اشربوا بس مياه علشان فاضل دقيقتين على الفجر وأنا هروح أجيبها تحدث «أيمن» وقال بابتسامة: - تسلم يا أحمد - على ايه سعادتك أنا ماعملتش حاجة والله أنا لو أعرف إن حضرتك جاي كنت استقبلتك بنفسي على باب القسم .. بعد اذنكم هروح أجيبها..
لم يجلس «طيف» وظل يتحرك ذهابًا وإيابًا بتوتر وخوف شديدين خاصة أن الضابط أخبره بأنها لا تتذكر أي شيء، لا يعرف كيف يتصرف وماذا سيفعل عندما يراها كل ما يفكر فيه الآن هو رؤيتها وضمها إلى صدره مرة أخرى، نظر إليه والده وقال: - اقعد ياابني خيلتني بحركتك دي .. ماتفضلش رايح جاي كدا نظر إليه وأجابه قائلًا بتوتر شديد: - مش قادر يا بابا .. أقعد ازاي ومراتي اللي ماشوفتهاش بقالي شهرين موجودة هنا وهشوفها كمان لحظات .. أنا مش مصدق نفسي وحاسس إني متوتر ومش عارف أظبط نفسي..
ابتسم وارتشف المياه وهو يقول: - طب خد اشرب علشان الفجر خلاص هيأذن هز رأسه بالرفض وقال: - لا لا أنا مش عطشان وماليش نفس أشرب .. عايز أشوف نيران بس .. يارب استر أنا قلبي هيخرج من مكانه وفي تلك اللحظة فتح المقدم «أحمد» الباب ودلف إلى الداخل وهو يقول: - تعالي يا نيران..
دلفت إلى الداخل وهي تقول بغضب غير موافقة على هذا الاسم الذي يناديها به: - لو سمحت أنا مااسميش زفت نيران ومش عارفة أنا بعمل ايه هنا .. ممكن تسيبني أمشي رآها طيف ولم يصدق ما رأته عيناه، إنها هي نعم هي، هي من احببها وافتقدها لشهرين مروا عليه سنتين، التقت أعينهما للحظات لكن بدت له أعوام، لم يشعر بنفسه وانطلق إليها ليضمها بحب شديد وهو يقول: - نيران حبيبتي وحشتيني أوي، مش مصدق نفسي ومش مصدق إنك في حضني دلوقتي .. قولي إني مش بحلم .. قولي إن ده حقيقة وأنتِ معايا دلوقتي..
أبعدت نفسها عنه بصعوبة وتراجعت وهي تقول بغضب شديد: - أنت حيوان .. ازاي تحضني كدا ؟ أنا هبلغ عنك الشرطة وأقول إنك كنت بتتحرش بيا اتسعت حدقتيه بصدمة مما قالته وصحح لها: - أتحرش بيكِ ايه يا نيران أنا جوزك يا حبيبتي خبطت بكلتا يديها على بعضهما وقالت بعدم رضا: - برضه هيقول نيران .. ياعم أنت أنا مش نيران بتاعتك، أنت مُصر ليه إنها أنا ؟ نظر «طيف» إلى والده بتعجب الذي قام بدوره ونظر إلى «أحمد» وقال متسائلا: - أنتم لقيتوها فين وازاي ؟
جلس «أحمد» وبدأ سرد ما حدث: - جالنا بلاغ من بيت قريب من هنا إن في بنت قاعدة قدام البيت ومش بتنطق ولا بتتحرك ولما يسألوها هي مين تحدفهم بالطوب فروحنا جيبناها وفوجئنا إنها نيران اللي المواصفات بتاعتها وصورتها عندنا .. باين عليها فقدت الذاكرة أو حصل مشكلة معاها هز «أيمن» رأسه بالإيجاب ونهض من مكانه وهو يقول: - شكرا يا سيادة المقدم على الاهتمام ده، احنا هناخدها ونمشي..
نهض مسرعًا واتجه إليه وهو يقول: - لا أبدا سعادتك أنا عملت الواجب واسمحلي أوصلك لبرا ابتسم واتجه إلى الخارج وخلفه طيف الذي اصطحب نيران التي رفضت أن يمسك يدها وفضلت السير وحدها، استقلت المقعد الخلفي للسيارة واستقل «أيمن» المقعد الأمامي بجوار «طيف» الذي قاد سيارته عائدًا للمنزل ...
اتجه «زين» إلى المسجد ليؤدي صلاة الفجر واصطحب شقيقته الصغرى معه بسبب إصرارها، بالفعل أنهى الصلاة ونظر إلى الصغيرة «رقية» وقال مبتسمًا: - مبسوطة يا ستي إنك جيتِ معايا ؟ هزت رأسها بالإيجاب وقالت: - أيوة مبسوطة قبل رأسها ونهض من مكانه واتجه إلى سيارته وفتح الباب الأمامي وهو يشير بيده بطريقة لطيفة: - اتفضلي يا سنيوريتا..
ابتسمت الصغيرة ودلفت إلى السيارة فأغلق الباب ودلف هو من الجهة الأخرى وقاد سيارته عائدا إلى الفيلا، وصل وساعدها على الخروج واتجه إلى الداخل بصحبتها فتفاجأ بـ «ياسمين» التي ارتدت ملابسها استعدادًا للذهاب إلى الشركة، لم يتحدث معها لكنها صاحت قائلة بغضب: - رقية صاحية لغاية دلوقتي ! ازاي تسهرها كدا نظر إلى شقيقته وقال: - اطلعي يا حبيبتي أوضتك ونامي يلا تصبحي على خير ابتسمت وقالت: - وأنت من أهل الخير..
اتجهت إلى الأعلى ونظر هو إليها وقال بهدوء: - أولا أنا ماسهرتهاش وصحيتها على السحور واتسحرنا وخدتها معايا المسجد علشان نصلي الفجر ثانيا بقى من امتى وسعادتك مهتمة بيها ؟ دي البنت كرهتك بسبب إهمالك ليها ولولا إني بقولها إن كل ده غصب عنك كان زمانها مش طايقاكي دلوقتي..
تألمت من جملته الأخيرة لكنها أخفت ذلك وردت عليه بغضب: - طيب يا سيدي أنا الشريرة اللي عايشة معاكم هنا .. خليكوا بقى كدا ونايا كلمتني علشان أفطر معاكم النهاردة بس أنا رفضت وياريت ماتدخلونيش معاكم في الحوارات العائلية الفاضية دي .. وسع بقى علشان أروح الشركة تركته واتجهت إلى الخارج وبقى هو مكانه غير مصدق الحالة التي وصلت إليها شقيقته ...
خرج من سيارته وفتح لها الباب فخرجت، أشار إلى الطريق أمامه وقال: - اتفضلي البيت أهو .. ماتخافيش أنا ظابط شرطة على فكرة يعني مش هأذيكي وادي البطاقة بتاعتي نظرت إليها وتابعت الطريق معه إلى المنزل، فتح الباب وجذبها للداخل فصاحت «رنة» بعدم تصديق: - ايه ده نيران وحشتيني أوي..
وضمتها بحب لكن «نيران» كانت تنظر إليهم بخوف، هي لا تعرف مَن هؤلاء ولماذا يدعونها بهذا الاسم، اكتفت بالصمت فقط حتى حضرت «أسماء» وقبلتها وضمتها وهي تقول: - يا ألف نهار أبيض .. نورتِ بيتك يا حبيبتي لم تجبها فنظرت إلى «طيف» وقالت بتعجب: - هي مش بترد ليه هي زعلانة مني ولا حاجة ؟ ابتسم واستعد لاصطحابها إلى الأعلى وهو يقول بهمس: - معلش يا ماما أصلها فقدت الذاكرة..
اتسعت حدقتيها بصدمة وقالت بحزن: - ياعيني عليكِ يابنتي مالحقتيش تفرحي بشبابك صعد درجتين من الدرج ونظر إليها قائلًا: - ايه يا ماما أنتِ هتشحتي عليها ثم نظر إلى والده وقال: - بعد اذنك يا بابا..
هز «أيمن» رأسه بالإيجاب وقال: - طيب وماتنساش علشان الشغل .. هاتها معاك هنوديها لبيتها علشان يتطمنوا عليها وأنت راجع من الشغل عدي عليها وهاتها هز رأسه بالإيجاب واصطحبها إلى الأعلى فوقفت في منتصف الدرج وهي تقول: - أنت رايح بيا على فين ؟ ابتسم وقال بحب: - على الشقة يا عروسة اتسعت حدقتيها بصدمة وابتعدت عنه حتى التصقت في الحائط وقالت بخوف: - أنت واخدني على شقتك ليه! أنا مابدخلش شقة حد غريب وبعد اذنك رجعني بيتي..
عقد ذراعيه أمام صدره وقال بتحدي: - وفين بيتك ده وأنا مستعد أرجعك له صمتت قليلًا لتفكر لكنها لم تجد إجابة فتحدث هو مرة أخرى: - شوفتِ يبقى ده بيتك بقى .. يلا يا حبيبتي وأنا هفهمك كل حاجة علشان برضه تفهميني كل حاجة ترددت كثيرا لكنها تحركت في النهاية معه إلى الأعلى ودلفت إلى داخل الشقة بخوف شديد، أمسكها من يدها وجذبها إلى الداخل بحب قائلًا: - نورتِ شقتك يا عروسة، يلا علشان أحميكي من التراب اللي على وشك ده..
سحبت يدها وتراجعت بخوف وهي تقول بصدمة: - أنت قليل الأدب .. ايه تحميني دي ! أنت اتجننت ولا ايه، اوعى تكون فاكريني زي كل البنات اللي تعرفهم يا حلو ارتفع حاجباه ورفع كفيه ليدافع عن نفسه قائلًا: - أنا آسف، أيام سو سوري .. هتستحمي أنتِ لوحدك، مبسوطة كدا ولا لسة هتردحيلي كمان ؟ هدأ خوفها قليلا وتقدمت إلى الأمام وهي ترمق الشقة بإعجاب فلاحظ هو ذلك وقال بابتسامة: - دي كانت شقتي قبل ما نتجوز وبعدين لما اتخطبنا أنتِ اللي اختارتِ الديكور ده ودي أول مرة تدخليها بعد ما اتوضبت علشان كنا في شهر العسل..
نظرت إليه بحيرة وقالت متسائلة: - ازاي يعني ده كله حصل وأنا مش فاكراه أساسا .. أنت بتجيب الكلام ده منين جلس وأشار إليها بالجلوس لكنها ترددت قليلا قبل أن تأخذ قرارها وتجلس بجواره، نظر إليها بحب وقال متسائلًا: - عايزك تقوليلي فاكرة ايه بقى ؟ أغلقت عينيها وفتحتها عدة مرات وهي تتذكر ما حدث معها لكنها تعجبت وقالت: - أنا كنت قدام بيت وبعدين ناس كتير اتلمت عليا وأنا اتعصبت عليهم..
تابع هو: - اه وحدفتيهم بالطوب .. أنا أقصد قبل كدا نظرت إليه ولم تعرف ماذا تقول فهي لا تعرف متى أتت إلى هذا المكان وما الذي حدث قبل ذلك، هزت رأسها وقالت: - مش عارفة .. هو أنا فعلا زي ما بتقول ! ولو أنا ناسية كل حاجة زي ما الظابط قال فده كله حصل ليه ! ممكن تفهمني ؟
ارتدى ملابسه الخاصة بالعمل واتجه إلى غرفة والده ليطمأن عليها فوجدها مستيقظة، اقترب منها بحب وقال: - ايه اللي مصحيكِ يا ست الكل ابتسمت وأجابته بحب: - صليت الفجر وفضلت شوية أقول الأذكار .. هنام دلوقتي بس قُل لي أنت لابس كدا ليه أجابها بتلقائية: - رايح الشغل اتسعت حدقتيها وقالت معترضة: - لا يا نائل أنت لسة تعبان شغل ايه اللي تروحه ! بلاش شغل دلوقتي لو بتحبني..
رفع يدها وقبلها وأقنعها بهدوء: - يا ماما أنا بقيت كويس جدا وزي ما قلتلك امبارح أقدر أجري كمان .. علشان خاطري سيبيني أروح وماتقلقيش خالص ترددت كثيرا لكنها وافقت في النهاية وقالت بقلق: - طيب خلي بالك من نفسك علشان خاطري قبل يدها مرة أخرى وقال بابتسامة: - حاضر يا حبيبتي، يلا هسيبك بقى علشان ماأتآخرش عن الشغل..
تركها واتجه إلى العمل بصحبة «وحيد» الذي تعجب من عودته سريعا، وصلا إلى الشركة فوجد البعض ينظرون إليه بتعجب والبعض الآخر يتهامسون فلم يعط أي اهتمام لهم واتجه إلى مكتبه، جلس على مقعده وبدأ في العمل لكنه قرر الذهاب إلى مكتب «ياسمين» لمعرفة ما تم خلال أيام غيابه عن العمل...
تعجبت من عطل مكيف الهواء فنهضت من مكانها وخرجت من مكتبها متجهة إلى الفني الخاص بالشركة وأثناء مرورها من أمام مكتبه فتح هو الباب فصرخت بصوت مرتفع لأنها تعلم بغيابه والآن فاجأها بوجوده، تسارعت دقات قلبها ونظرت إليه بغضب قائلة: - أنت حيوان ! ازاي تخضني كدا ؟
رفع يده ليدافع عن نفسه وقال بهدوء: - أنا آسف والله مقصدش .. كنت جايلك المكتب ومعرفش إنك معدية من قدام الباب وماأقصدش أخضك خالص هدأت من غضبها قليلا ونظرت إليه بحدة ثم رحلت من أمامه، لم يتعجب فهو اعتاد على طريقتها في المعاملة وانتظر حتى عادت إلى مكتبها مرة أخرى ثم توجه إليها ودلف إلى الداخل بعدما أذنت له، جلس على المقعد المقابل لها وقال: - عايز أعرف ايه المستجدات اللي حصلت في الأيام اللي أنا ماجيتش فيها علشان أقدر أتابع الشغل .. ممكن ؟
مدت يدها وفتحت إحدى الأدراج ثم سحبت ملف وألقت به إليه وهي تقول: - الشركة الأمريكية بخ .. اتعاقدوا مع شركة تانية غيرنا ارتفع حاجبيه بصدمة وتذكر في الحال ما حدث في المكتب، مَن فعل هذا ؟ مؤكد هو لا أحد غيره، لاحظت صمته فقالت بتساؤل: - سرحان في ايه ! مش عارف تبرر فشلك صح..
نظر إليها بتعجب ونهض من مكانه بعدما أخذ الملف، قال بشيء من الحدة: - أولا أنا مافشلتش .. ثانيا أنا كنت هموت علشان الشركة .. ثالثا وده الأهم ياريت تغيري طريقتك دي معايا لأني مابحبهاش ثم تركها ورحل على الفور دون أن ينتظر أي إجابة منها ...
أخذت حمامها وكان هو في انتظارها بالخارج وما إن خرجت حتى اتجه إليها وقال: - قمر وربنا .. ايه الجمال ده ابتعدت قليلا عنه بعدما رفعت يديها بخوف: - بعد اذنك يا أستاذ سيف نظر إليها بدهشة قبل أن يصحح لها: - طيف يا نيران .. طييييف وبعدين منا قلتلك إني جوزك مالك بقى، طيب ايه رأيك أوديكي لبابا وماما وأختك يتطمنوا عليكِ ؟
شعرت بالغرابة قليلا من حديثه لذلك قالت متسائلة: - أنا عندي أب وأم وأخت ؟ هز رأسه بالإيجاب وقال بابتسامة: - اينعم .. هوديكي عندهم علشان أروح الشغل وبعدين وأنا راجع هاخدك علشان نفطر مع بعض يا قلبي هزت رأسها بالإيجاب ولم تقول شيء، ارتدى هو ملابسه وانتظر حتى تنتهي من ارتداء ملابسها، خرجت أخيرا بعدما ارتدت ملابسها فاتجه إليها وقال بابتسامة: - طول عمرك بتتآخري في اللبس بس هتفضلي جمل يابا الحاج جمل..
اشارت إلى الباب وقالت: - مش هنمشي بقى اقترب أكثر منها حتى شعرت بأنفاسه المحترقة وقال: - ياما نفسي ألتهم هاتين الكرزتين بس هتقولي عليا متحرش وتلمي عليا الخلق فأنا هعمل بأصلي وأدوس على نفسي وهستنى لغاية ما تاخدي عليا ابتعد قليلا ثم اقترب مرة أخرى فتراجعت بخوف قبل أن يقول هو: - بذمتك ينفع أروح الشغل بعد ما لقيت حب حياتي ! انا هعيط يا ناس .. هروح أشوف رماح والمجرمين وأسيب العسل ده .. يرضيكي كدا ؟
هزت رأسها بالنفي دون أن تتحدث فابتسم بخبث قائلًا: - طب ايه رأيك في لبسي ؟ رمقت ملابسه بنظرة سريعة و أجابته باقتضاب: - حلوة - حلوة علشان أنا اللي لابسها صح ؟ ضيقت نظراتها وقالت بتحدي: - لا حلوة علشان حلوة وبس ابتعد عنها ومثل البكاء وهو يقول: - ياعيني وأنا اللي فاكرك هتقولي أيوة أنت قمر ومز، أنا على طول الدنيا جاية عليا .. ايه يا نيران كل دي أحزان ؟
حاولت التحدث فقاطعها ببكاء كاذب: - اقفلي الموضوع أصل أنا موجوع مدت يدها بحذر ولمست كتفه وهي تقول بحزن: - آسفة مش قصدي أزعلك .. خلاص أنت قمر ومز ماتعيطش بقى اتسعت ابتسامته ونزع يده من على وجهه وهو يقول: - وربنا ما في قمر ومز غيرك يا نيران قلبي .. أنا شمعة تحترق لأجلك يا قطتي انتبهت لكلمته الأخيرة وقالت بسعادة: - أنت قلت قطة صح ؟
اختفت ابتسامته وتبدلت تعابير وجهه ورجع خطوتين إلى الخلف قبل أن يشير بيده قائلًا: - لا لا اوعي يكون اللي في دماغي صح أصل لو اللي في دماغي صح يبقى أنتِ شايفاني معزة قدامك !
رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد الفصل الحادي والعشرون الجزء الثاني من بنت القلب
- أنت قلت قطة صح ؟ اختفت تبتسامته وتبدلت تعابير وجهه ورجع خطوتين إلى الخلف قبل أن يشير بيده قائلًا: - لا لا اوعي يكون اللي في دماغي صح أصل لو اللي في دماغي صح يبقى أنتِ شايفاني معزة قدامك ! اتسعت ابتسامتها وقالت بسعادة: - تصدق فعلا حاساك من معزة..
خبط بيده على يده الأخرى وقال بحزن: - لا حول ولا قوة إلا بالله ..الناس كلها لما بتفقد الذاكرة بتنسى كل حاجة ماعدا أنتِ بتنسي كل حاجة وتشوفي الناس حيوانات يلا يا نيران .. يلا ياحبيبتي علشان أوديكي لأهلك وربنا يستر الزمن مايكررش نفسه بالفعل اصطحبها إلى منزل عائلتها وطرق الباب ليفتح له «أمجد» الذي كان متجها إلى شركته فتفاجأ بها بجواره، ظل لثوانٍ يحاول تصديق ما رأته عيناه قبل أن يقترب منها ويضمها إلى صدره بحب وهو يقول: - بنتي حبيبتي .. مش مصدق إنك هنا، أنا كنت فقدت الأمل في إني أشوفك تاني..
حاولت التخلص منه وابتعدت لتقف خلف «طيف» خوفًا منه فنظر هو إلى «طيف» وحرك رأسه بمعنى ماذا يحدث ولماذا هي خائفة فأجابه بابتسامة: - معلش يا عمي أصلها فقدت الذاكرة زي ما حصل زمان للأسف بس أوعدك إنها تبقى كويسة، أنا جيبتها تقعد معاكم اليوم كله لغاية ما أخلص شغل وهعدي عليكم قبل الفطار اخدها..
هز رأسه بالإيجاب وأشار إليها بالدخول وهو يقول: - ادخلي يا نيران .. أنا أبوكي يا حبيبتي نظرت إلى طيف بقلق فابتسم وحرك رأسه بالإيجاب قبل أن يقول: - متخافيش ده أبوكي ودي الفيلا بتاعة عيلتك كلها .. ادخلي..
تحركت إلى الداخل بحذر وكانت والدتها تنزل الدرج إلى الأسفل أثناء دخولها فلاحظتها ولم تصدق عينيها فأسرعت إليها وضمتها بحب وظلت تقبل رأسها وجبينها بحب قبل أن تقول: - نيران روحي وعقلي وحياتي كلها .. وحشتيني أوي استسلمت تمامًا لها دون أن تبادلها نفس الشعور فنظرت إلى عينيها وقالت بتعجب: - مالك يا حبيبتي ! أنتِ تعبانة أو فيكِ حاجة ؟
أقترب «أمجد» منها وضمها إليه بحب قبل أن يقول ما سيحزنها: - نيران فقدت الذاكرة .. طيف كان لسة هنا وسابها وفهمني كل حاجة شهقت بصوت مرتفع وهي ترمق ابنتها بصدمة: - ياعيني يابنتي، أنتِ ذنبك ايه يحصلك كل ده ثم مدت يدها وقالت: - تعالي يا نيران أنا أمك يا قلبي، تعالي نطلع لأختك نيسان فوق دي هتفرح أوي أول ما تشوفك ...
أنهى مراجعة كافة الأعمال التي حدثت أثناء غيابه وباشر عمله حتى حان وقت صلاة الظهر، ترك مكتبه واتجه إلى المسجد الملحق بالشركة وأدى صلاته ثم عاد إلى مكتبه وتابع عمله حتى جاء وقت الاستراحة فقرر عدم ترك مكتبه واستغلال هذا الوقت في قراءة القرآن، بالفعل سحب المصحف من جيب بنطاله وبدأ في تلاوة القرآن بصوت شبه مرتفع فهو يعشق قراءته بصوت مسموع، كان صوته عذب وجميل ووصل إلى جميع العاملين في هذا الطابق من الشركة ...
دققت «مايا» السمع قبل أن تنظر إلى صديقتها «سمر» وتقول بتعجب: - أنتِ سامعة اللي أنا سامعاه ؟ حاولت الاستماع فوجدته صوت تلاوة القرآن ولكن بصوت رائع وجميل، نظرت إلى صديقتها وقالت: - الله ده حد بيقرأ قرآن بس صوته حلو أوي .. مين ده أشارت إلى مكتب «نائل» وأجابتها: - الصوت جاي من مكتب نائل .. الصراحة صوته حلو بس هو فاكر نفسه في المسجد ؟
رفعت «سمر» كتفيها وقالت بتلقائية: - عادي يعني ده وقت استراحة واحنا في رمضان يعني عادي مافيهاش حاجة لم تقتنع بما قالته وظلت مسلطة نظرها على المكتب وهي تفكر في شيء ما ...
ملت «ياسمين» من البقاء في مكتبها خاصة أن هذا وقت استراحة فقررت ترك مكتبها والتجول في الشركة قليلا، بالفعل خرجت من مكتبها وأثناء مرورها من أمام مكتب «نائل» استمعت إلى هذا الصوت الذي أشعرها بالراحة فتوقفت ونظرت إلى الباب لتتفاجأ أن هذا صوت «نائل» ابتسمت ووقفت تستمع لهذا الصوت العذب والذي أخفى توترها وحزنها، استندت بظهرها إلى الحائط وعقدت ذراعيها أمام صدرها وظلت تستمع إلى صوته الجميل في تلاوة القرآن، مر أكثر من خمسة عشر دقيقة وهي لم تتحرك من مكانها حتى أنها نست نفسها إلى أن حضر ما لم تكن تتوقع حضوره، رفعت رأسها لتجده أمامها وعلى وجهه ابتسامة وقال: - ايه يا حبيبتي واقفة كدا ليه..
نظرت إليه بضيق وأردفت: - مالكش دعوة واقفة ليه وبعدين ايه اللي جابك هنا بعد اللي عملته ؟ مثل عدم معرفته بالأمر وقطب جبينه بدهشة وهو يقول: - أنا ! أنا عملت ايه مش فاهمك يا ياسمين ضيقت نظراتها وقالت بتحدي: - دخلت مكتبي وطعنت نائل بالمطواة ! ولا حضرتك مش عارف أنت عملت ايه !
أتقن دوره ومثل عليها الصدمة وهو يقول: - مين اللي قالك الكلام ده ! الكلام ده ماحصلش نهائي، أنا مش مصدق .. أنتِ جيبتي الكلام ده منين ارتفع صوته في جملته الأخيرة فشعرت هي بالصدمة وتراجعت قليلًا عن إتهامها قبل أن تقول: - نائل هو اللي قال إنك ضربته بالمطواة وشافك في مكتبي وقال كدا لزين وهو صدقه .. أنت بجد ماعملتش كدا ! في تلك اللحظة فتح «نائل» الباب بعد سماعه لصوت مجادلة أمام باب مكتبه فتفاجأ بأخيه أمام عينيه لكنه تماسك حتى قال «يوسف»: - ده كداب أنا ماجيتش مكتبك ولا عملت كدا نهائي ازاي تصدقيه..
لم يستطع «نائل» التماسك أكثر من ذلك وأمسك لياقة قميصه ودفعه بقوة حتى التصق بالحائط وقال بغضب شديد: - أنت ماكفكش اللي عملته وجاي تكذب كمان ! يا بجاحتك يا أخي .. أنت ايه ؟ شيطان ! أنت مش بني آدم أبدا صاحت هي وحاولت تخليصه من يده وهي تقول بغضب: - سيبه أنت مجنون ! ازاي تمسك خطيبي بالشكل ده ؟
أنت نسيت نفسك ولا ايه ده أنت حتة شحات ولا راح ولا جه، سيبه بقولك بدل ما أطردك وارميك رمية الكلاب اتسعت حدقتاه بعدم تصديق وتركه من يده قبل أن ينظر إليها بنظرات حادة مشتعلة جعلها تتراجع بخوف شديد وصاح هو بصوت مرتفع بعدما فقد صبره ولم يعد يتحمل الإهانة أكثر من ذلك: - أولا أنا اسمي أستاذ نائل ومش شحات ولا راح ولا جه .. أنا اتحملت إهانتك ليا بما فيه الكفاية لكن طفح الكيل .. أنتِ مين علشان تغلطي فيا ؟ سايبة واحد حاول يهد شركتك وحاول يقتلني وبتغلطي فيا أنا ؟
اسمعي بقى أنا اتعينت هنا في الشركة بأوامر من الرائد زين وأنا هنا نائب رئيس مجلس الإدارة يعني تاني منصب بعدك ومش هسمح تتطاولي عليا تاني أنتِ فاهمة ! والكائن ده لو جه الشركة تاني أنا هكسرله رجله وأنتِ مالكيش كلمة غير في الشغل وبس .. أنا هعمل اللي يحافظ على الشركة وبعد كدا أي قرار مش هيتاخد غير باذني ولو مش عاجبك روحي اشتكي لزين ..
ثم التفت ونظر إلى «يوسف» وتابع: - وأنت لو شوفتك بالصدفة هنا في الشركة لأي سبب هزعلك أوي لأن أنا لسة ماأخدتش حقي، غور من هنا لم يتفوه بحرف واحد ورحل من أمامه وسط تجمع العاملون بالشركة ورؤيتهم لما يحدث فتابع «نائل»: - وأنتِ بعد كدا تحترميني ويلا على مكتبك البريك خلص لم تستطع النطق وكأن لسانها قد اُلجم وأفزعتها جملته الأخيرة فعادت إلى مكتبها على الفور نظر إلى العاملين وقال: - كل واحد على مكتبه يلا ...
وصل إلى مديرية الأمن وقبل أن يتجه إلى مكتبه أوقفه رماح وأشار إليه قائلًا:
- استنى يا طيف .. تعالى ورايا تركه ورحل فلحق به وهو يقول: - على فين يا رماح باشا أنا لسة جاي وكنت هدخل للواء أيمن مكتبه لم يتحدث واتجه إلى الأسفل فلحق به، وصل إلى سيارتين للشرطة وأشار إلى «طيف» بالدخول فنفذ ما طلبه وما إن دلف إلى الداخل حتى دلف هو الآخر وجلس بجواره، صمت «طيف» قليلًا لكنه لم يستطع الصبر أكثر من ذلك فعاد سؤاله مرة أخرى: - احنا رايحين فين يا باشا ؟
نظر إلى الطريق وأجابه بجدية: - جهز نفسك وجهز سلاحك علشان احتمال نشتبك معاهم ارتفع حاجباه بدهشة وقال: - أيوة اللي هم مين ؟ - فارس الريان .. كنا مراقبينه من زمان وده اللي فهد راح يحقق معاه وبعدها اختفى يعني له علاقة بالقضية وغارم ولو مسكناه أعتقد القضية بنسبة كبيرة هتتحل ونقدر نمسك الناس دي..
صمت «طيف» وفكر في الأمر، لم يقتنع بفكرة وجوده فهذا من الممكن أن يكون كمين للإيقاع بهم، تعجب «رماح» من صمته وقال بتساؤل: - مالك بتفكر في ايه؟ لوى ثغره ولم يستطع شرح وجهة نظره لكنه قال: - مش عارف بس حاسس إن الموضوع ده غريب ولو فارس ده موجود أساسا فأكيد زمانه هرب أو إن ده كمين لأنك لو شوفت غارم وطريقته هتعرف قصدي .. في احتمال من تلاتة .. الأول نروح ونلاقي فارس ده مقتول والتاني نروح نلاقيه مش موجود أساسا والتالت يكون كمين لينا، بص أنا مش فاهم دماغ الناس دي وليه سابوا نيران في الوقت ده وبيخططوا لايه بس ادينا هنشوف لما نوصل ...
هز «رماح» رأسه بالإيجاب بعدما اقتنع بكلامه فهو أيضا يشعر بوجود شيء غريب وغامض في تلك القضية لكن في النهاية سينكشف كل شيء
وصلت قوة الشرطة إلى المكان وأشار «رماح» إليهم ثم تقدم إلى الأمام حيث المنزل، نظر إلى «طيف» وأشار برأسه بمعنى استعد ثم دفع الباب بقدمه ودلف هو وطيف وخلفه القوة، وجه سلاحه في كل مكان بحثًا عن «فارس» لكنهما وجدا ما لم يتوقعاه، كان «فهد» يجلس على الأرض ويضم قدميه إلى صدره بخوف ورعب شديدين فانطلق «طيف» تجاهه وانخفض وهو يقول: - فهد أنت كويس ! فهد بصلي أنت كويس ؟
لم ينطق وأبعد وجهه عنه بخوف فنظر «طيف» إلى «رماح» وقال: - كانوا عايزينا نيجي علشان نلاقي فهد بس ايه المعنى من إنهم يسيبوهم في الوقت ده ؟ أخفض سلاحه ورمق «فهد» بحيرة قبل أن يقول: - مش عارف .. هاته وهنروح على المديرية يمكن يقول حاجة مع إني أشك في ده بالفعل عادت قوة الشرطة إلى المديرية مرة أخرى ومعهم «فهد» الذي لم ينطق بحرف واحد وكلما كلمه أحد رفع يده ليدافع عن نفسه بخوف ...
نظر اللواء «أيمن» إليه بحزن وقال: - وصله يا رماح بيته هو مش هيفيدنا دلوقتي على الأقل وابعتله دكتور يحدد حالته وهو ماله هز رأسه بالإيجاب وهو يقول: - تمام سعادتك نظر إلى نقطة بالفراغ وتابع: - احنا بنواجه حد مش شايفينه سابقينا بخطوات كتير أوي، لازم ناخد بالنا كويس من كل حاجة بتحصل حوالينا .. لازم نتوقع أي حاجة وفي أي مكان..
في تلك اللحظة اهتز هاتف «طيف» برنين فرفعه ليرى من المتصل فوجدها «أنهار»، شعر بالقلق وقاطع والده قائلًا: - بعد اذنك يا باشا في مكالمة مهمة جدا هرد عليها أشار إليه بيده بالموافقة فاتجه إلى الخارج وأجاب على المكالمة قبل أن يرفع الهاتف على أذنه ويقول: - أيوة يا حماتي في حاجة حصلت ؟ - الحقني يا طيف نيران سابت البيت وطلعت تجري ...
عاد «نائل» إلى مكتبه وشعر بالحزن مما قاله فهو رد الإساءة بالإساءة وهذه ليست شخصيته، شعر بالندم على صوته المرتفع وغضبه على «ياسمين» فهي مديرة تلك الشركة وليس له الحق في الانفعال عليها بهذا الشكل، حدث نفسه بحزن: - ايه اللي عملته ده يا نائل ماكانش ينفع تزعق بالشكل ده ليها قدام الموظفين .. ياربي أنا عملت ايه بس .. هي أيوة غلطت بس ده مايدينيش الحق أرد عليها بالزعيق ده، يارب سامحني .. أنا لازم أكلم زين وأحكيله على كل اللي حصل..
بالفعل اتجه إلى هاتف مكتبه وكتب الرقم الذي أبلغه به من قبل وانتظر الرد حتى جائه: - أيوة يا زين .. أخبارك ايه يا بطل؟ صمت قليلًا قبل أن يجيبه: - أنا عملت مصيبة ومش عارف اللي عملته ده صح ولا غلط بس والله غصب عني - مصيبة ايه يا نائل أنت قلقتني كدا .. فهمني حصل ايه؟
بدأ في سرد ما حدث منذ البداية إلى تلك اللحظة وأنهى حديثه قائلًا: - أنا غلطت وهروح أعتذرلها .. أنا ماكانش ينفع أزعق فيها كدا قدام الموظفين ابتسم «زين» وقال ما لم يكن يتوقعه على الإطلاق: - بالعكس اللي أنت عملته ده مافيهوش غلط نهائي وهي غلطت وكان لازم ترد .. أنت بني آدم ومعاملتها دي معاملة حيوانات وأنت لو كنت سكت يبقى معلش تستاهل .. ماتروحش تعتذر وزي ما فهمتك احمي الشركة واحميها من الزفت اللي هيضيع صيامي اللي اسمه يوسف ده..
هز رأسه بالإيجاب وقال بتردد: - طيب يا زين باشا اللي تشوفه .. مع السلامة أنهى المكالمة وانتظر لبعض الوقت وهو يفكر في أخذ قراره النهائي وأخيرا قرر الذهاب إلى مكتبها والاعتذار منها ...
على الجهة الأخرى كانت هي في مكتبها تبكي بشدة فهي لم تبكي هكذا منذ وفاة والدها، هي لم تتوقع رده الحاد عليها لكن حدته أفاقتها من الظلام التي غرقت فيه فهي تغيرت كثيرًا منذ وفاة والدها، لم تكن يومًا تسئ لأحد مهما كان، لم تتكبر يومًا على أحد لكن الآن لا تعلم ما الذي حدث لها، خسرت عائلتها وخسرت من حولها، هي الآن وحيدة في هذا الظلام الذي أوقعت نفسها فيه بإرادتها، تفاجأت بطرقات على الباب فأسرعت وجففت دموعها وما إن انتهت حتى قالت: - ادخل..
فتح الباب وتقدم بهدوء وهو ينظر إلى الأسفل ثم رفع رأسه تدريجيا وأردف: - أنا آسف على اللي حصل مني برا، أنا عمري ما كنت كدا ولا زعقت ولا غلطت في حد .. اللي حصل غصب عني وأنا آسف هزت رأسها بالنفي ومنعت دموعها قبل أن تقول: - أنا اللي آسفة .. أنا اللي غلطت فيك وغلطت فيك قبل كدا وماعملتش حساب إنك إنسان بتحس وبتتوجع من الغلط .. والله أنا ماكنتش كدا..
انهمرت دموعها وتابعت: - أنا مش وحشة بس الظروف هي اللي عملت فيا كدا وبغبائي خسرت حب أختي الصغيرة وأخويا الصغير وخسرت كل اللي حواليها .. أنا بقيت لوحدي ومطالب مني أخلي بالي من كل اللي عايزين يأذوني بس أنا أستاهل .. انا اللي عملت في نفسي كدا وبدل ما أتغير للأحسن اتغيرت للأسوء .. ياريت تسامحني على الغلط اللي غلطته فيك وعلى شكي في كل اللي قلته عن يوسف..
لم يصدق أنها تبكي فتحدث بصوت هادئ قائلًا: - أولا كويس إنك عرفتِ ده وانك تعترفي إنك غلطتي يبقى أنتِ مش وحشة ولو على الرائد زين فأنتِ ماخسرتيهوش ولا حاجة بالعكس ده كل يوم بيكلمني ويطمئن عليكي مني من قبل الحادثة ولو على أختك الصغيرة فأنتِ تقدري تخليها تقرب منك تاني .. أنتِ مش لوحدك وأنا هنا في الشركة هتصدر لأي حد يحاول يأذيكي وماتستغربيش لأن ده طلب الرائد زين مني بأني أحميكي وأحمي الشركة وده اللي هعمله..
حاولت رسم ابتسامة خفيفة على وجهها وقالت: - تسلم يا نائل وآسفة على أي إساءة خرجت مني وأوعدك إن ده مش هيتكرر تاني هز رأسه بالإيجاب وأشار إليها قائلًا: - تمام ودلوقتي ممكن تتفضلي معايا هنعدي نتابع كل شغل الموظفين علشان يشوفونا مع بعض ويعرفوا إن مفيش حاجة حصلت وعلشان ماأكونش اتسببت في إني أهز صورتك قدامهم .. هفضل معاكِ بس أنتِ اللي هتتكلمي وتدي التعليمات..
لم تصدق بأنه سيقوم بفعل كهذا فهو الآن أثبت لها أنه محل ثقة وكان من الواجب عليها تصديقه منذ البداية لأنه طيب القلب ومختلف تمامًا عن شباب هذا العصر كما تعجبت أيضًا أنه أخ لـ «يوسف» فشخصيتهما مختلفة تمامًا، ابتسمت وتحركت معه إلى الخارج وتعجب الجميع من هذا الأمر، ظل جوارها بينما هي كانت تضيف بعض التعليقات على العمل للموظفين ولم يتدخل إلا بطلب منها هي وما إن انتهت جولتهما بالشركة نظرت إليه بابتسامة قائلة: - شكرًا يا نائل على الحركة الكويسة دي أنا فعلا ماكنتش متخيلة إن ده هيخرج منك، أنا بتآسفلك تاني على اللي حصل وكان لازم أثق فيك من زمان..
بادلها الابتسامة ونظر إلى الأسفل قائلًا: - ماحصلش حاجة يا أنسة ياسمين، أنا نسيت كل اللي فات وإن شاء الله اللي جاي يكون كويس للشركة هزت رأسها بالإيجاب وهي تقول: - إن شاء الله .. بعد اذنك هرجع مكتبي أشار إليها وهو يقول: - اتفضلي
اتسعت حدقتيه بصدمة مما سمعه واستعد لإنهاء المكالمة قبل أن يقول: - طيب طيب يا حماتي أنا جاي حالا وهشوف هي راحت فين دس هاتفه بجيب بنطاله وانطلق مسرعًا إلى الأسفل حيث سيارته وما إن استقلها حتى سحب هاتفه مرة أخرى وضغط على الشاشة عدة ضغطات قبل أن يقول بابتسامة: - كنت عارف .. جايلك يا نيران بالفعل قاد سيارته حتى وصل إلى هذا المكان الذي يحمل ذكريات كثيرة ...
في عيادة الطبيب النفسي استلقت نيران أمامه وقالت بحزن: - مش عارفة مالي يا دكتور .. فوقت لقيت نفسي قدام ناس بيقولوا إنهم عيلتي وأنا مش فاكرة حد فيهم والمشكلة الأكبر إني شايفاهم حيوانات مش بني آدمين، أنا حاسة إني لوحدي في العالم ده ومش فاكرة أي حاجة .. مش عارفة أتقبل أهلي اللي هم بيقولوا إنهم أهلى ولا عارفة أتقبل الشخص اللي بيقول إنه جوزي .. مش عارفة أتقبل حاجة خالص..
نظر إليها وهز رأسه بالإيجاب قبل أن يقول متسائلًا: - وأنتِ مش فاكرة حاجة عنهم خالص ؟ ولا أي معلومة نهائي ! هزت رأسها بالنفي قائلة: - مش فاكرة أي حاجة خالص بس حاسة إني عارفة المكان ده واستغربت لما وقفت التاكسي وقلتله على العنوان .. ازاي فاكرة العنوان ومش فاكرة أهلى ؟
اتجه «طيف» إلى المبنى الذي كان به مكتبه السابق والذي باعه لطبيب نفسي آخر صديق له، صعد عن طريق المصعد واتجه إلى العيادة ومنها اتجه إلى مكتب الطبيب «وائل» ودلف للداخل ليجد السكرتيرة جالسة نطق طيف بهدوء بعدما اتجه إليها: - لو سمحتِ أنا عايز أقابل الدكتور ضروري وعارف إن عنده حالة مش هعطله وقفت السكرتيرة الخاصة بالطبيب وقالت: - طيب ممكن اسم حضرتك؟
أجابها بسرعة: - طيف أيمن قوليله كدا هيعرفني أومات رأسها واتجهت إلى المكتب ثم طرقت الباب ودخلت الغرفة ثوانٍ وخرجت وخلفها الطبيب ابتسم وقال بترحيب: - أهلا أهلا دكتور طيف نورت مكتبك السابق ابتسم «طيف» ونظر إلى الداخل بحثًا عنها مما أثار دهشة «وائل» الذي قال متسائلًا: - بتدور على حاجة ؟ أشار إلى الداخل وقال: - مراتي نيران عندك .. بعد اذنك عايز بس أكلمها..
أفسح له الطريق للدخول واتجه إليها «طيف» قبل أن يقول بابتسامة: - بقى ينفع كدا يا نوني تسيبي البيت وتطلعي تجري ؟ وبعدين عرفتِ المكان ده منين ؟ نظرت إلى الطبيب «وائل» ثم نظرت إلى «طيف» وقالت متسائلة: - هو أنت كنت دكتور قبل كدا ؟ وقبل أن تتلقى الإجابة شعرت بأن تلك الجملة تتردد بداخل رأسها..
" مش أى حاجة حلها الموت، لنفترض إنك فقدتِ الذاكرة كدا الحياة انتهت ؟! الطفل لما بيتولد ويلاقى نفسه مش عارف أى حاجة ولا عارف حد ومش عارف يتكلم وماعندوش أى معلومة بيروح ينتحر ! ولا بيتعلم ويعيش حياته ويكملها ويكتسب خبرات ويتعرف على ناس جديدة ويعمل علاقات وإلخ " لم تعرف مصدر تلك الكلمات وأمسكت رأسها بتألم فأمسك هو كتفيها وهو يقول بتساؤل: - مالك يا نيران ! في حاجة ؟ حاسة بحاجة..
انهمرت دموعها وقالت بخوف: - مش عارفة بس حاسة بحاجة غريبة .. حاسة إن في كلام اتقال وبيتكرر جوا دماغي اقترب منها أكثر وسألها بفضول: - كلام مين ده يا حبيبتي ! أشارت إليه وقالت بتردد: - أنت !
رأيكم في زعيق نائل لياسمين هل عنده حق ولا لا وهل اعتذاره منها صح ولا غلط ؟ اما بقى عن نيران اية السر اللي وراها واية اللي خلاها تفقد الذاكرة تاني ؟