رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد الفصل الثالث عشر الجزء الثاني من بنت القلب
استيقظت مبكرا على غير عادتها فهى تستيقظ كل يوم في تمام السادسة صباحًا أما اليوم استيقظت قبل الخامسة وارتدت ملابسها، لم تنتظر إعداد الإفطار وانطلقت مسرعة إلى الشركة وما إن وصلت حتى اتجهت إلى الأعلى ودلفت إلى مكتب «نائل» ونظرت في كل مكان، انتظرت قليلا ثم اتجهت إلى الكافيتريا وأعدت وعاء من خليط المياه والصابون السائل، عادت إلى المكتب مرة أخرى وقامت بسكب المياه في مقدمة الغرفة بعد الدخول من الباب وعلى وجهها ابتسامة واسعة، انتهت أخيرا من سكب الوعاء بأكمله ثم اتجهت إلى الكافيتريا مرة أخرى وأخفت ذلك الوعاء قبل أن تعود وتغلق باب المكتب .. رددت في نفسها: - يلا علشان تبقى تعاند وتغلط في أسيادك تاني، ولسة هتشوف أيام سودا على أيدي..
عادت إلى مكتبها ومر الوقت وحضر «نائل» الذي بحث بنظره عن «سهى» فلم يجدها رغم تآخر الوقت، لم يضع هذا الأمر برأسه واتجه إلى مكتبه كي يباشر العمل وأثناء دخوله انزلقت قدميه وسقط بقوة على ظهره فصرخ بتألم: - آآآه .. آآآه يا ضهري..
حاول الوقوف بصعوبة وما إن وقف وأخذ حذره انزلقت قدميه مرة أخرى بسبب كثرة المياه، نظر إلى ملابسه فوجدها قد ابتلت بالكامل وشعر بالألم في جسده بالكامل، وقف بحذر واتجه إلى الداخل ثم وجه بصره إلى تلك المياه وعرف مصدرها، لوى ثغره بغضب وردد بهدوء: - يابنت ال.. اااه ياضهرى، بقى كدا ! ماشي ما هو يا أنا ياأنتِ اللي هينتصر..
خرج من مكتبه مرة أخرى ونظر حوله حتى لا يلاحظ أحد الموظفين ابتلال ملابسه وأسرع إلى الكافيتريا وما إن وصل حتى هتف «وحيد» بتعجب: - ايه ده يا نائل ايه اللي عمل في هدومك كدا ؟ خلع قميصه وهو يقول بغضب: - هيكون مين يعني غيرها .. دلقت مياه بصابون على باب المكتب علشان تكسرني بس أنا وهي والزمن طويل ... منها لله القميص لسة جديد..
ربت «وحيد» على كتفه وقال بابتسامة خفيفة: - معلش ياابني ربنا يهديها .. ادخل الأوضة وأنا هغسل القميص وفي مكواة هنا هكويهولك علشان ينشف - لا اغسله وأنا هدخل الأوضة علشان محدش يشوفني وهاته وأنا هكويه جوا هز رأسه بالإيجاب وفعل ما يريده وبعد مرور وقت قليل عاد إليه بالقميص ومعه المكواة وهتف قائلًا: - خد ياابني اهو .. والبنطلون هتسيبه كدا !
نظر إلى البنطال الخاص به ثم رفع رأسه مرة أخرى وقال: - مش مهم البنطلون مش مبلول أوي أخذ منه القميص استعدادًا لكيه لكنه فوجئ بوجودها على باب الغرفة وعلى وجهها نظرات غير مصدقة، خرجت من صمتها وهتفت متسائلة بغضب: - ايه اللى أنا شايفاه ده وقف على الفور وأخفى جسده بالقميص وهتف: - القميص اتبل وبنشفه..
لمعت عينيها بسبب نجاح خطتها ورددت: - ازاي يعني احنا في عز الصيف ومفيش مطر برا ! فهمني أنت قاعد من غير هدوم كدا في الشركة ازاي ! الجو حر لكن مش للدرجة اللي تخليك تقلع دافع عن نفسه مرة أخرى لكن تلك المرة ضيق عينيه وهتف بضيق: - للأسف لقيت مياه على أرض المكتب ووقعت والهدوم غرقت مش عارف من الحمار اللي دلق مياه كدا..
اتسعت حدقتيها بصدمة لكنها سرعان ما أخفت ذلك حتى لا ينكشف أمرها أمامه ورددت بضيق: - اه.. طيب أنا هشوف المياه دي من ايه وهحاسب اللي حطها وأنت اخلص والبس بسرعة علشان تشوف شغلك تجهمت تعابير وجهه وردد: - حاضر..
جلس على مكتبه ووجه بصره تجاهها ليقول متعجبًا: - فيه ايه يا فاطمة ! ايه الحاجة الخطيرة اللي حاسة إنها بتحصل حركت رأسها وأجابته: - معرفش بس نيران وطيف في خطر انتبه لحديثها واعتدل في جلسته قبل أن يميل إلى الأمام ويقول باهتمام: - في خطر ازاي يعني ؟ حصل ايه !
تذكرت مكالمتها الأولى لها وبدأت في سرد ما حدث منذ البداية: - نيران كلمتني امبارح وطلبت مني أبعتلها عربية شرطة على الفندق اللي هي فيه هي وطيف ولما سألتها قالتلي هقولك بعدين، عرفت بعدها من الرائد هيثم اللي مسك القضية إنهم لقوا واحدة مقتولة في أوضة نيران وطيف بس ماقدرتش أعرف أكتر من كدا علشان الرائد هيثم كان مشغول في التحقيقات..
تعالى بقى لبعد العصر لقيت نيران بتكلمني وبتقولي عايزة هكر يهكر كاميرات مراقبة ويحط تسجيلات قديمة وكانت عايزاه في الفندق ولما حاولت أعرف السبب قالتلي مش دلوقتي وهتعرفني بعدين معنى كدا إن في حاجة غريبة بتحصل في الفندق هناك وممكن يكونوا في خطر.. وقف «رماح» واستعد للرحيل قبل أن يشير إليها قائلًا بجدية: - تعالى معايا نبلغ اللواء أيمن بالكلام ده..
بالفعل أذن لهم اللواء «أيمن» بالدخول وقص عليه «رماح» ما سمعه من خطيبته «فاطمة» فابتسم وعاد إلى الخلف قائلًا: - أنا عارق كل اللي حصل .. طيف كلمني امبارح في نفس الوقت اللي نيران طلبت فيه من فاطمة حد يعمل هاكر على الكاميرات
قبل يوم وجد رقم ابنه على شاشة هاتفه فأسرع ليرد عليه قائلًا بحب: - ايه يا عريس ايه الأخبار أجابه بحزن قائلًا: - عريس ايه بقى ده في حد باصصلنا في الجوازة يا بابا .. ابنك مش مكتوبله يفرح وشكلي هقضي فترة خدمتي في الشرطة في الفنادق ضيق ما بين حاجبيه وردد بقلق: - ليه ايه اللي حصل يا طيف ؟ احكيلي..
بدأ في سرد ما حدث منذ قدومه إلى ذلك الفندق ولقائه بـ «غارم» ولم ينسى ما حدث بالغرفة الخاصة به وأنهى حديثه قائلًا: - وطبعا قررت أنا ونيران نقطع شهر العسل ونحاول نوقع الراجل ده.. ده غريب أوي وبيتكلم بثقة رهيبة، معترف إنه عمل كل حاجة غلط ومش خايف ومسمي نفسه شبح..
صمت «أيمن» قليلًا ليفكر في خطة جديدة إلى أن خطر بباله فكرة جيدة فأردف: - بص يا طيف كمل أنت ونيران وشوفوا هتعملوا ايه وأنا هعمل تحريات عن غارم ده وهبعت الفريق كله الغردقة علشان تلاقي مساعدة بس خلي بالك جدا لأن اللي زي غارم ده مش سهل وخطر وممكن يكون مسنود زي ما أنت بتقول، هات بقى نيران علشان أفهمها هتعمل ايه بالظبط..
بالفعل سلم الهاتف لزوجته التي أجابت على اللواء «أيمن» قائلة: - أيوة سعادتك أنا معاك - ركزي معايا يا نيران .. هتكلمي هيثم يجي الفندق يعمل شوشرة ويجمع بتوع الأمن علشان تقدري تدخلي المكتب أنتِ وطيف وتخلوا بالكم كويس أوي واعملي حساب إن طيف ماكملش تدريبه يعني بأسهل الطرق الممكنة تمام ؟
هزت رأسها بالإيجاب وهي ترمق طيف قائلة: - تمام سعادتك ماتقلقش هنجيب الأوراق اللي في مكتبه النهاردة ومفيش مجال لفشل المهمة دي إن شاء الله
في الوقت الحالي أنهى سرد ما حدث عليهما قائلًا: - ودلوقتي هتسافر أنت وفاطمة وفي حالة إن الدنيا بقت صعبة هبعتلكم غيث وليان بس عايز تركيز لأن غارم ده ممكن يكون له علاقة بالمنظمة الخارجية اللي قضينا عليها من فترة لأنه يعرف كل حاجة عن ماضي نيران وعن طيف حرك «رماح» رأسه بالإيجاب وقال بجدية: - تمام سعادتك ... من بكرا الصبح هنكون في الغردقة وهنسق مع الرائد هيثم علشان يسهلنا كل حاجة هناك أومأ رأسه بالإيجاب وردد: - ربنا معاكم
عاد إلى مكتبه مرة أخرى ليتابع عمله وبالفعل جلس وقام بتجهيز كافة الخطوات التي ينوي اتخاذها وطبع كل هذا ثم توجه إلى مكتب «ياسمين» وطرق الباب فهتفت من الداخل: - ادخل دلف إلى الداخل ووضع الأوراق أمامها فقطبت جبينها متسائلة: - ايه ده ؟
جلس على الكرسي المقابل لها وبدأ في شرح الخطوات التي ينوي اتخاذها: - ده كشف بكل الموزعين في القاهرة والمحافظات التانية .. احنا مش هنوزع في القاهرة بس بالعكس هنوزع لكل المحافظات وهنتعاقد مع موزعين جداد غير اللي احنا بنتعامل معاهم وبكدا منتجاتنا هتبقى موجودة في كل مكان وده هيعمل اسم أكبر للشركة وسيطها هيوسع جامد والمكسب هيزيد أضعاف..
ده بالنسبة للموزعين أما بقى الشركات أنا اكتشفت شركة أمريكية منتجاتها كويسة جدا وأسعارها مناسبة ويعتبر لسة جديدة ومحدش يعرفها أوي نقدر نتعاقد معاها ونجيب ونسد احتياجات الموزعين الجداد اللي هنتعامل معاهم وبكدا في فترة قصيرة هنبقى عملنا ميزانية كويسة جدا تسمحلنا نفتح فرع للشركة في كل محافظة وتبقى سلسلة شركات .. ده هيبقى صعب في البداية بس بمجرد ما يبقى اسمنا مع كل الموزعين اللي نقدر نتعاقد معاهم هنقدر نعمل ده..
رفعت حاجبيها بإعجاب من نشاطه في العمل وقدرته على تجميع كافة المعلومات في وقت قصير جدا كما أنه يسعى إلى الارتقاء بالشركة لأفضل حال، ابتسمت وهي ترمق الأوراق المتواجدة أمامها ثم رفعت بصرها وقالت بحماس: - كويس أوي ابدأ نفذ على طول وابعت ايميل للشركة دي بإننا هنتعاقد معاهم يجيبولنا منتجات التجميل بكميات كبيرة علشان نقدر نوزع على كل المحافظات والموزعين الجداد..
شعر بالحماس للعمل ونهض من مكانه وهو يقول: - تمام اعتبري كل ده اتنفذ وقبل أن يرحل التفت مرة أخرى وردد متسائلًا: - اه صحيح هي فين سهى من ساعة ما جيت النهارده مشوفتهاش أجابته وهي تنظر إلى الحاسوب الخاص بها: - اتصلت وطلبت إجازة مفتوحة وماقالتش السبب قطب جبينه بتعجب وأردف: - إجازة مفتوحة ! امم طيب تمام أنا هروح أتابع بقى الشغل ده..
لم تجبه واتجه إلى مكتبه ليتابع إجراءات العمل، فتح الحاسوب الخاص به وبدأ ينفذ ما خطط له وأثناء اندماجه في العمل سمع طرقات على الباب فهتف قائلًا: - ادخل فتحت «مايا» الباب ودلفت إلى الداخل فرفع هو بصره وهتف متسائلًا: - في حاجة يا مايا ؟ ابتسمت بخبث قبل أن تقترب منه أكثر وأردفت: - أصل يعني ماباركتلكش على المنصب الجديد في الشركة فقلت اجي أباركلك..
ابتسم بلطف وقال بإيجاز شديد: - الله يبارك فيكِ لم ترحل وبقت مكانها فضيق ما بين حاجبيه متسائلًا: - في حاجة ؟ هزت رأسها بالإيجاب وقالت بابتسامة: - احنا بقينا صحاب خلاص ولا لسة شعر بالضيق لكثرة محاولاتها ونظر إليها قائلًا: - مايا احنا سبق وقلنا إن ده مكان شغل وإني عمري ما هكون الشخص اللي في دماغك وريحي نفسك وركزي في شغلك..
لمعت عينيها واقتربت وهي تقول بوقاحة أكثر: - طالما هنا مكان شغل يبقى نتقابل برا الشغل ونبقى صحاب، ايه رأيك نتغدى برا النهارده ؟ تعجب من وقاحتها وشعر أكثر بالضيق، وقف وقال بحدة: - للمرة الأخيرة هقولهالك .. أنا مش الشخص اللي في دماغك ولا هبقى الشخص ده وبطلي وقاحة وقلة أدب بقى .. أنا مش عايز اخد إجراء يزعلك ولا عايز أقطع عيشك لأني عمري ما كنت كدا، ياريت تشيليني من دماغك خالص وإلا هتندمي والشخص الطيب اللي قدامك ده هيطردك من الشركة مفهوم..
شعرت بالحرج وتراجعت للخلف وهي تقول: - احم أنا آسفة ماكنتش أقصد ا... قاطعها بحدة وهو يمد يده بمستند ورقي وأردف: - ده كشف بالمولات والمحلات الخاصة بالتجميل وكمان المخازن، دول الموزعين اللي في القاهرة واللي برا القاهرة، عايزك أنتِ وجاسر وسمر واتنين كمان تروحوا للأماكن دي وتعرضوا عليهم يتعاملوا معانا وياخدوا المنتجات مننا، بس تحذير أنا هبعت غيركم بعدكم ولو اكتشتف إنك بوظتِ حاجة أنا مش هقولك هعمل ايه لأنك هتشوفي بنفسك تناولت منه المستند وخرجت من مكتبه بينما هو بقى وندم على حديثه بتلك الحدة معها .. هو لا يقصد التكبر أو استخدام منصبه لكنه كره طريقتها والتي أثارت غضبه
أنهت المحاضرة الخاصة بإحدى المواد وخرجت بصحبة صديقتها «نرمين» إلى الكافيتريا، جلست وتأففت بضيق وهي تقول: - على اد ما طيف بيرخم عليا ومستفز بس مفتقداه جدا في شهر العسل ده وحاسة بخنقة مفيش غيره اللي كان بيضحكني ربتت على كتفها وقالت: - معلش بكرا يرجعلك وتزهقي منه زي الأول، اجهزي أنتِ بس للامتحانات علشان دكتور المادة الزفت دي مش هيرحمنا لوحت بيدها في الهواء لتقول بعدم رضا: - يارب يولع مطرح ما هو قاعد
انتهى اليوم وودعت «رنّة» صديقتها واستعدت للعودة إلى منزلها لكنها فوجئت بـ «ذاخر» يخرج من سيارته ويشير إليها بيده فبقت مكانها وتقدم هو حتى اقترب منها وقال بابتسامة: - ازيك يا رنة ابتسمت بمجاملة وهي تقول: - الحمدلله وأنت عامل ايه - أنا الحمدلله بخير .. أنا كنت معدي ولمحتك بالصدفة ماكنتش أعرف إن الكلية بتاعتك هنا ضيقت نظراتها وقالت بشك: - ماكنتش تعرف !
لاحظ أنها تشكك في كلامه فأسرع وقال: - اه فعلا شوفتك صدفة .. تعالي أوصلك في طريقي ابتسمت بمجاملة وبحثت بعينيها عن سيارة أجرة كي تعود لمنزلها ثم نظرت إليه وقالت: - لا شكرا أنا هاخد تاكسي يوصلني للبيت أصر على عرضه قائلًا: - تاكسي ايه وأنا موجود ده حتى عيب والله ولا أنتِ معتبراني غريب ! نظرت إليه وقالت بجدية: - مش غريب بس مش بركب عربية مع حد وبعد اذنك..
ثم أشارت إلى سيارة أجرة ودلفت إلى داخلها وتركته في وسط الطريق وعلى وجهه علامات الصدمة، لم يصدق أنها تركته ولم تقبل بعرضه في إيصالها للمنزل أما هي فارتسمت ابتسامة هادئة على وجهها وهي تنظر من الزجاج الخلفي للسيارة عليه فهو ظل واقفًا في مكانه من شدة الصدمة ولم يتحرك...
أنهى الممر الطويل وانحنى يسارًا حيث مكتب اللواء «كامل» ودلف إلى الداخل بعدما أذن له، أشار إليه لكي يجلس وما إن جلس حتى بدأ هجومه قائلًا: - ها يا زين ايه الجديد ! بقالك أسبوع وكل حاجة باظت .. مرات هاني وبنتها اتقتلوا وعندك المساجين كلهم ماتوا تقدر تفسرلي ده وازاي أصلا يحصل كدا جوا السجن نظر «زين» إلى الأسفل بحزن ورفع رأسه قائلًا: - والله سعادتك مش عارف ده حصل ازاي ولما راجعت الكاميرات مالقيتش حد دخل الزنزانة وده هيجنني، الناس دي ليهم حد جوا القسم بيساعدهم بس معرفش هم مين .. بس أوعدك إن كل حاجة تتكشف وإننا نوصل للناس دي في أقرب وقت...
عاد بظهره إلى الخلف وأردف بجدية: - ياريت يا زين علشان أنت أشطر ظابط عندي ومش ده اللي يحصل وأنت ماسك القضية، أنا لسة ثقتي فيك كبيرة بس ياريت كل حاجة تتم بسرعة علشان الوزارة وصلها الموضوع والحكاية كبرت أوي هز رأسه بالإيجاب قبل أن يقف ويقول بثقة: - إن شاء الله سعادتك الناس دي هتتجاب هم واللي بيساعدهم وقريب جدا، أستأذنك..
خرج من مكتبه وهو يفكر في طريقة لتلك القضية التي طالت كثيرا ولم يجد لها حل، بعد أن كانت كل الأدلة معه اختفى كل ذلك وبقى هو يبحث عن المجهول، وصل إلى مكتبه وجلس على الكرسي الخاص به ثم رفع رأسه إلى الأعلى وهو يفكر في حل لتلك القضية فهو لم يسبق وأن طالت قضية معه كهذه وهذا إن دل على شيء فهو مدى خطورة من يتعامل معهم لكن كل هذا لا يهم .. المهم هو الوصول لهم بأي وسيلة، لم يقده تفكيره إلى أي شئ وقرر الذهاب إلى منزل «هاني» الذي سبق وأن ذهب إليه قبل مقتل زوجته وطفلته وبعد مقتلهما لعله يجد إجابة هناك عن ما يبحث عنه..
بالفعل قاد سيارته ووصل إلى المنزل ثم صعد إلى الأعلى ورغم وجود الشمع على باب المنزل إلا أنه فتحه وأضاء الأنوار قبل أن يتجه إلى الداخل، سار في كل مكان إلى أن قادته قدماه إلى غرفة «هاني»، فتح خزانة الملابس "الدولاب" وظل يبحث بين الملابس عن أي شيء ..
ألقى بها على الأرض حتى يسهل بحثه لكنه لم يجد شيء، عاد وجلس على السرير وهو يرمق المكان بنظراته الحادة بحثًا عن أي شيء وأثناء ذلك لاحظ شيء غريب في خزانة الملابس فنهض من مكانه وأسرع إليه ففوجئ بوجود قطعة خشبية من ظهر الخزانة مقطوعة بشكل مربع لكنها في مكانها، اقترب منها ودفعها بخفة لتقع خلف خزانة الملابس، لمعت عينيه وكأنه وجد ما يبحث عنه وجذب الخزانة بعيدًا عن الحائط وبالفعل وجد ما كان يبحث عنه حيث وجد مستند به العديد من الأوراق وفي نهايته أسطوانة كمبيوتر، تنفس «زين» بأريحية وردد: - أخيرا .. كنت حاسس، أما نشوف الورق الحلو ده بقى مخبي ايه...
تفتكروا كدا خلاص القضية خلصت ولا هيوصلوا لزين ؟ يا ترا طيف ونيران هيعملوا أية وهل الورق ده فيه اللي عايزينه ؟
رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد الفصل الرابع عشر الجزء الثاني من بنت القلب
"قبل يوم في الفندق" صعدا معًا إلى غرفتهما بالفندق وأخرجت «نيران» هاتفها لترى محتوى الأوراق التي قامت بتصويرها فوجدتها خاصة بالفندق وخالية من أى شيء غريب، بحثت في كل صورة جيدا فلم تصل لشيء فرددت بحزن: - للأسف مفيش أى حاجة .. كل اللي عملناه ده راح على قلة فايدة وعرضنا نفسنا للخطر على أي كلام.
لم يصدق ما سمعه منها وأخذ الهاتف ليبحث عن دليل فلم يجد شيء، ترك الهاتف وتجول في الغرفة وهو يقول: - والله كنت حاسس .. يامستني دليل القضية يا مستني الرز بلبن يبقى مهلبية تحسرت على حالهم ورددت بحزن: - أدينا ولا طولنا رز بلبن ولا مهلبية حتى تجول ذهابًا وإيابًا ليفكر في حل لتلك القضية وأثناء تفكيره تذكر شيء فأسرع إلى نيران وردد: - على فكرة الخزنة فيها ورق تاني.
حركت رأسها وقالت متسائلة: - ازاي يعني ؟ أنا صورت كل الورق اللي في الخزنة هز رأسه بالنفي وتذكر شكل الخزانة ثم قال: - الخزنة كانت عريضة جدا ولما أنتِ فتحتيها ظهر حتة منها يعني نصها ومعنى كدا إن في جزء تاني ورا الجزء ده وفيه كل حاجة هزت رأسها وفكرت في الأمر قبل أن تقول: - تصدق عندك حق فعلا الخزنة كانت عريضة ولما فتحناها بان جزء منها بس .. والحل ! احنا مش هنعرف ندخل مكتب غارم تاني عن طريق الأسانسير..
هنا تحدث «طيف» وقال بتردد: - مفيش غير إننا ندخل من الشباك بس هنحتاج حبال زي بتاعة الفندق القديم في المهمة بتاعة بنت القلب هزت رأسها بالرفض وقالت معترضة: - لا يا طيف لو حد هينفذ المهمة دي فهو أنا بس علشان أنت مش جاهز ولا متدرب علشان تعمل ده وأنا مش هجازف بحياتك أبدا..
اقترب منها وأمسك يدها بحب ثم نظر بثقة وحب إلى عينيها وقال: - في أول مرة لما دخلنا من شباك الفندق ماكنتش جاهز ولما حصل ضرب نار ماكنتش برضه جاهز ولما خرجنا من شباك غارم النهارده ماكنتش جاهز لكن في كل مرة عدت، أنا كنت خايف في البداية لكن طالما مفيش حل غير كدا يبقى لازم ننفذ .. لو كل ظابط خاف المجرمين مش هيلاقوا اللي يقبض عليهم والصراحة غارم ده راجل خنيق وأنا عايز أبيته في السجن..
ابتسمت قبل أن تقبض بيدها الأخرى على يده وتقول بحب: - خلاص يا حبيبي هتيجي معايا .. يلا بس نستريح دلوقتي وننام علشان بكرا نخطط ونجهز كل حاجة
"في الوقت الحالي" جهزت «نيران» كل شئ استعدادًا للمهمة في مساء اليوم وبعدما انتهت نظرت لـ «طيف» الذي رغم قلقه إلا أنه لم يظهر ذلك لها حتى لا يؤثر عليها بالسلب، بدأت في سرد خطتها عليه: - بص يا طيف احنا هننط من البلكونة بتاعتنا للبلكونة اللي جنبنا ومن اللي جنبنا للي جنبها وبعدين هنثبت الحبل ده فيها وننزل خمس أدوار لغاية الدور الرابع وندخل من شباك المكتب .. كل ده صعب جدا لكن المستحيل هو إنك تطلع تاني على الحبل خمس أدوار .. أنا ده بالنسبة ليا متعودة عليه لكن أنت هيبقى صعب علشان كدا هعمل عقد في الحبل علشان تقدر تمسك فيه وتقف عليه وده برضه مش سهل ولازم طول النهار النهارده تتدرب عليها علشان مايبقاش صعب تمام ؟
هز رأسه بالإيجاب وأردف بتساؤل: - تمام بس هتدرب إزاي في الفندق والأوضة ! ابتسمت وأجابته بثقة: - اتصل بهيثم علشان يوفرلنا مكان تتدرب فيه .. يلا كلمه دلوقتي علشان نلحق
حان وقت الاستراحة فقرر الذهاب إلى الكافيتريا ورغم منصبه إلا أنه وقف بجوار «وحيد» لكي يساعده على إعداد المشروبات فاعترض بشدة قائلًا: - لا يا نائل ياابني أنت المفروض نائب رئيس مجلس الإدارة وماينفعش تبقى هنا وتقف معايا، روح اقعد وأنا هجيبلك حاجة تشربها..
لم يوافقه «نائل» وأصر على مساعدته قائلًا: - ايه اللي بتقوله ده يا عم وحيد ! أنا عمري ما هستعر من أني كنت شغال في الكافيتريا قبل المنصب ده ومش عيب أساعدك وبعدين ليك الفضل بعد ربنا إني أشتغل هنا، سيبني أساعدك لأني هساعدك ومش هسيبك .. يلا قُل لي أحضر معاك ايه ؟ ابتسم «وحيد» وربت على كتفه بحب قائلًا: - اللي تشوفه ياابني .. ربنا يحميك لشبابك ويحفظك، تعالى هقولك تعمل ايه
كانت تجلس بصحبة صديقتها «سمر» وصديقها «جاسر» وسلطت نظرها على «نائل» لتقول بغضب شديد: - كل واحد بيحن لأصله .. وحشه شغل الكافيتريا فرايح يقف فيها .. امال ايه مهما بقى معاه فلوس وفي منصب هيفضل زي ما هو نظرت إليها «سمر» وقالت معترضة: - يابنتي اهدي ده لسة مهزقك النهارده ماحرمتيش ! حافظي على شغلك واسكتي نظرت حيث يوجد وأردفت بحقد: - حاضر هسكت ..
شعرت بالملل وقررت ترك مكتبها والتجول بالشركة وبالفعل خرجت من مكتبها لكنها قررت الذهاب إلى الكافيتريا أولا لتأخذ مشروب القهوة وترحل وما إن دخلت حتى فوجئت بـ «نائل» الذي يساعد «وحيد» في إعداد المشروبات، ظنته في البداية يُعد مشروب لنفسه لكنها فوجئت بغسله للأكواب فتقدمت ورفعت حاجبيها متسائلة: - أنت بتعمل ايه هنا ؟
أشار إلى ما يفعله وأجابها بتلقائية: - بساعد عم وحيد، تشربي حاجة ؟ تعجبت من كونه نائب رئيس مجلس إدارة الشركة ويقوم بمساعدة «وحيد» في العمل فهو لم يفكر بحاله أمام الموظفين ولم يتكبر رغم هذا المنصب .. تعجبت من شخصيته كثيرا فهو غامض بالنسبة لها، رفع حاجبيه وعاد سؤاله مرة أخرى: - أعملك حاجة تشربيها ؟
انتبهت لوجوده وفاقت من شرودها قبل أن تقول: - اه عايزة قهوة هز رأسه بالإيجاب وقام بإعداد القهوة الخاصة بها وما إن انتهى حتى مد يده بها قائلًا: - اتفضلي تناولتها منه ورحلت على الفور مما أثارت دهشة «نائل» الذي حيرته شخصية تلك الفتاة !
وصلا إلى مقر التدريب الذي حدده الرائد «هيثم» وعاينت «نيران» المكان بعينيها قبل أن تنظر إلى «هيثم» قائلة: - ده تمام جدا .. احنا هنحتاجه النهارده وممكن على طول طول ما احنا موجودين في الغردقة بدل «هيثم» نظراته بينهما وقال: - المكان تحت أمركم علطول .. اللواء أيمن كلمني وفهمني كل حاجة وأي حاجة تحتاجوها في الغردقة بلغوني وأنا هساعدكم ابتسم «طيف» وربت على كتفه قائلًا: - تسلم يا هيثم، لو احتجناك هنكلمك .. تقدر تمشي وتسيبنا دلوقتي..
هز رأسه بالإيجاب وتركهما وحدهما، نظرت إليه ورددت بجدية: - شايف السور ده كله ! ده حوالي 3 أدوار، أنا هحطلك الحبل علشان تطلع عليه وتجرب وتتدرب وعقبال ما أعمل كدا اجري شوية علشان عضلاتك تفك ابتسم بحب وغمز لها قائلًا: - حاضر يا قمر.
ابتسمت وتابعت التجهيزات بينما ركض هو كما اقترحت عليه وما إن انتهت حتى أوقفته وقالت بجدية: - يلا يا طيف حاول تطلع على الحبل ده لغاية فوف .. أنا عارفة إنه صعب بس أنت تقدر نظر إلى الأعلى ثم نظر إلى نيران وأردف مازحًا: - أنا لو وقعت من فوق هبقى أطياف مش طيف واحد .. ربنا يستر.
اتجه إلى الحبل وبدأ يتسلقه بصعوبة، كان يظن في بداية الأمر أن هذا العمل قد يكون سهلًا لكن مع تحرك الحبل وصعوده أضاف صعوبة كبيرة لكنه حاول وبعد معاناة وصل إلى قمة السور وصرخ بصوت مرتفع: - عااااا قلتلك أنا جامد أوي، ده احنا هنجيب غارم ده في شوال ضحكت على فرحته المبالغة كما أنه ظل يقفز بسعادة غامرة كالأطفال، كتمت ضحكاتها رغمًا عنها وهتفت بصوت مرتفع كى يصله: - يلا انزل بقى.
انتبه لها وبحث عن سلم كي ينزل إلى الأسفل لكنه لم يجد فقطب جبينه متسائلا: - أنزل ازاى مفيش سلم يا نوني ! ابتسمت ابتسامة واسعة وأجابته: - لا يا قلب نوني مش هتنزل بالسلم .. هتنزل على الحبل، يلا انزل - أنزل على الحبل ! استر يارب.
نظر إلى الأسفل فوجد المسافة كبيرة جدا مما شعر بدوار خفيف لكنه تغلب عليه وجلس على السور بالقرب من الحبل، ثبت قدمه على عقدة به ثم لف جسده بحذر وبدأ في النزول الذي كان أكثر سهولة من الصعود وما إن نجح في ذلك ووصل إلى الأسفل حتى صاح بصوت مرتفع: - أخيرا، يلا بقى نرجع .. شُوفتِ بتعلم بسرعة ازاي ؟
هزت رأسها بالرفض وفاجأته بقرارها: - لا يا طوفي أنت هتطلع وتنزل أكتر من مرة لغاية ما أزهق أنا، مش من مرة .. ممكن حظ مبتدئ علشان كدا مش هنمشي من هنا النهارده غير وأنت محترف تسلق حبال استاء من هذا الأمر وقال معترضًا: - لغاية ما تزهقي ايه يا نيران أنتِ عايزة تخليني أفطس ! ده أنا روحي طلعت في الطلوع والنزول..
رسمت ابتسامة وهي تضم وجهه بكلتا يديها وأردفت: - معلش يا حبيبي لازم .. يلا بقى اسمع الكلام بدل ما أجيبلك رماح هو اللي يدربك وأنت عارف رماح هيعمل ايه فيك رفع كفيه أمام وجهها وردد بقلق: - لا أبوس ايدك رماح ده ماعندوش رحمة ومجنون ده في مرة لقيته حدفلي سيف وقالي تعالى عاركني، هطلع وأنزل زي ما تحبي .. قال رماح قال
بدأ في قراءة المستند الذي وجده خلف خزانة الملابس وما إن بدأ القراءة حتى شعر بالصدمة فهو لم يتوقع ما رأته عينيه، تابع قراءة المستند حتى أنهاه ووجد في نهايته الأسطوانة فبحث بعينيه في المكان لعله يجد جهاز كمبيوتر وبالفعل وجده في ركن بالغرفة فأسرع إليه وقام بتشغيله، وضع الأسطوانة به ووجد فيديو فقام بفتحه ليتفاجأ بجلوس «هاني» على كرسي ويبدو أنه سيقوم بالاعتراف بشيء ما، رفع مستوى الصوت وبدأ في الاستماع..
" أنا هاني عبد الشافي الفيديو ده اعتراف مني بكل حاجة عملتها ومعايا كل الأوراق اللي تدين الناس اللي شغال معاهم .. الناس دول شغالين في كل حاجة ممنوعة، شركة أدوية مشهورة اسمها في المستند وكل الإدارة شغالين في الممنوع سواء أدوية فاسدة أو مخدرات والموضوع وصل للسلاح وكل الأدلة موجودة برضه في المستند .. انا حبيت أخلص ضميري وطبيعي مراتي أول واحدة هتشوف الفيديو ده علشان كدا مش عايزك تزعلي مني .. اللي عملته ده غصب عني وماكنتش أعرف إن ده كله هيحصل كل اللي حطيته في دماغي ازاي أسعد مراتي وبنتي لكن بغبائي عرضتكم للخطر ياريت تسلمي الفيديو والمستند ده للشرطة لأن معنى إن المستند ده معاكي يبقى أنا مت وأنتِ لقيتيه ورا الدولاب .. سامحوني وادعولي بالرحمة ".
انتهى الفيديو ونزع «زين» الأسطوانة من الحاسوب وردد: - ربنا يرحمك يا هاني، الأوراق دي أنقذت الموقف ودلوقتي أروح وأبلغ اللواء كامل
حاولت مهاتفة خطيبها مرة أخرى فوجدت هاتفه مغلق، شعرت بالقلق واتجهت إلى الأسفل فلاحظتها والدتها ورددت متسائلة: - مالك يا نيسان ! أنتِ اتخانقتِ أنتِ وفهد تاني ؟ حركت رأسها بالنفي وأجابتها: - لا يا ماما بس بقاله يومين تليفونه مقفول وكلمت مروة أخته وكانت بتعيط وبتقول إنه مختفي ومحدش يعرف عنه حاجة..
شعرت الأم بالقلق ونهضت من مكانها واتجهت إليها قائلة: - طيب ما تكلمي نيران تكلم حد من المديرية يعرف مكانه .. ممكن يكون في مهمة سرية أو حاجة - اتصل بنيران وهي في شهر العسل ! بس لا شكلها هيبقى رخم أوي اعترضت الأم عليها وأصرت على موقفها: - لا مش رخم .. فهد شغال تحت ايد اللواء أيمن أبو طيف وبرضه نيران شغالة تحت ايده .. خليها تكلم طيف يكلم أبوه ويعرف مكانه ولا أكلم أنا طيف أو نيران أقولهم ؟ لوت ثغرها وصمتت للحظات قبل أن تقول بضيق: - خلاص أنا هتصل بنيران أقولها.
بالفعل هاتفت شقيقتها الصغرى «نيران» فأجابتها وهي في مركز التدريب قائلة: - نوسي وحشتيني أوي - وأنتِ أكتر والله يا نيران لاحظت اختلاف صوت شقيقتها فضمت حاجبيها متسائلة: - مالك يا نيسان صوتك متغير ! صمتت قليلًا وترددت في إخبار شقيقتها بالأمر لكنها انهارت وبكت وهي تقول: - الحقيني يا نيران .. فهد مختفي بقاله يومين وأهله محدش يعرف عنه حاجة وقلقانين جدا، أنا خايفة يكون حصله حاجة.
حاولت بث الطمأنينة في قلب شقيقتها وأردفت: - اهدي بس يا نيسان .. ممكن يكون في مهمة سرية أو حاجة أنا هكلم اللواء أيمن وأعرف منه متعيطيش بقى مسحت دموعها ورددت بصوت ضعيف: - حاضر بس اعرفي دلوقتي وطمنيني - حاضر أنا هكلمه اهو وأقفل معاه أطمنك على طول يلا باي أنهت المكالمة وقبل أن تهاتف اللواء «أيمن» اقترب منها «طيف» وعقد ما بين حاجبيه متسائلًا: - في ايه! شكلك اتغير بعد المكالمة..
ضغطت على زر الاتصال ورفعت الهاتف على أذنها وهي تقول: - نيسان أختي بتقول إن فهد اختفى .. بتصل باللواء أيمن أعرف منه مكانه هز رأسه بالإيجاب وظل يتابعها بنظراته أما هي فانتظرت للحظات قبل أن يجيبها قائلًا: - نيران ! حصل حاجة عندك ؟ نفت سريعا حتى لا يشعر بالقلق حيال الوضع هنا: - لا سعادتك مفيش حاجة بس نيسان أختي كلمتني وبتقول إن النقيب طيف خطيبها مختفي بقاله يومين ولما كلمت أهله كانوا قلقانين جدا ومايعرفوش مكانه..
نهض «ايمن» من على كرسيه واتسعت حدقتيه بصدمة: - ازاي يعني ماروحش البيت ؟ أنا كنت هبعتله حد البيت لأنه ماجاش من يومين المديرية.. أنا كلفته بمهمة ومن ساعتها مجاش ! شعرت «نيران» بالقلق ورددت بتوتر: - ازاي يعني ! معنى كدا ايه ؟ معقول حصله حاجة صمت قليلًا ليستعب ما يحدث قبل أن تهدأ نبرة صوته ويقول: - أنا هتصرف .. ركزي في اللي عندك وماتشغليش بالك، طمني أختك لغاية ما نلاقيه وماتحسسيهاش بأي حاجة تمام ؟
هزت رأسها بالإيجاب قائلة: - تمام سعادتك أنهت المكالمة ونظرت إلى «طيف» الذي انتظر انتهاء المكالمة حتى يعرف ما الذي حدث، انتظر تحدثها لكنها ظلت صامتة فوجه سؤاله إليها: - في ايه يا نيران وفهد ماله ! حصل ايه ؟
نظرت إلى نقطة بالفراغ وأجابته بشرود: - معرفش حصل ايه بس فهد اختفى ومحدش عارف يوصله حتى اللواء أيمن .. أنا مش عارفة ايه اللي بيحصل ده ساد الصمت لدقيقتين وفاقت هي من شرودها وهاتفت شقيقتها قائلة: - أيوة يا نيسان .. قلتلك متقلقيش فهد بخير بس هو في مهمة سرية ولازم يفصل موبايله، ماتقلقيش نفسك بقى يا حبيبتي .. هكلمك تاني يلا سلام
غربت الشمس وانتظر الاثنان حتى أصبحت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، نظرت إلى عينيه ورددت بثقة: - جاهز يا طيف ؟ هز رأسه بالإيجاب ليعلن جاهزيته وأردف: - جاهز يا نيران .. جاهز ابتسمت له وضمته بحب وكأنه حضن الوداع فضمها هو الآخر وأغلق عينيه وهو يقول: - أنا بحبك أوي..
شعرت بالراحة ورأسها مستندة على صدره ورددت هي الأخرى: - وأنا بحبك أوي ظلا على تلك الحالة لأكثر من دقيقة فاعتدلت هي ومسحت دموعها لتستجمع قوتها مرة أخرى ورددت: - يلا بينا..
فتحت باب الشرفة الخاصة بغرفتهما وصعدت على السور بعدما وضعت الحبل على كتفها، التقطت أنفاسها وقفزت إلى سور الشرفة المجاورة وأشارت إلى «طيف» الذي استجمع قواه وقفز هو الآخر، نجح ووصل إلى الشرفة المجاورة ووقفت هي على سور الشرفة وقفزت إلى الشرفة المجاورة لها، تبعها ووقف هو الآخر على السور وشعر أن المسافة تلك المرة أكبر فتردد في القفز مما جعلها تشجعه قائلة: - يلا يا طيف أنت تقدر .. سهلة ماتبصش بس تحت ونط..
هز رأسه بالإيجاب والتقط أنفاسه قبل أن يقفز إلى الشرفة المجاورة ونجح في ذلك، أنزلت «نيران» الحبل الذي كان في بدايته خطاف ووضعته على السور وتركت الحبل يتدلى للأسفل ثم انخفضت وأدارت جسدها ونزلت عليه فتبعها طيف الذي أصبح هذا الأمر سهل بالنسبة له بسبب تدريبه طوال اليوم، وصلت هي أولا إلى النافذة الخاصة بمكتب «غارم» وفتحتها بهدوء لكي تتأكد من خلو المكتب وما إن تأكدت حتى فتحت النافذة بأكملها وقفزت إلى الداخل وتبعها طيف،
اقتربت من الخزانة وفتحتها بسهولة بسبب معرفتها لكلمة المرور، فتحتها وأخرجت منها الأوراق ودفعت نهاية الخزانة بقوة فسقط حائط صغير كان يغطي على النصف الآخر من الخزانة وظهر خلفة العديد من الأوراق ومعهم مسدس، سحبت الأوراق ووضعتها بداخل ملابسها وأغلقت الخزانة مرة أخرى والتفتت لطيف قائلة بصوت منخفض: - زي ما قلت بالظبط .. لقيت الورق، يلا بينا قبل ما حد يجي..
هز رأسه بالايجاب وصعد هو أولا على الحبل واتجه إلى الأعلى بينما هي قامت بإغلاق النافذة وتبعته، وصلا إلى النافذة وقامت هى بالقفز إلى الشرفة المجاورة ومنها الى شرفة غرفتهما أما هو وجد صعوبة لكنها شجعته على ذلك ونجح في الوصول إلى الشرفة، تنفس بأريحية وقال: - يااه أخيرا..
دلفت هي أولا إلى الغرفة وتبعها هو لكنه فوجئ بالعديد من الأشخاص، امسك اثنين منهم نيران فأفلتت منهم ولكمت أحدهما بقوة لكنها فوجئت بالآخر يمسك يديها من الخلف فتذكرت هذا المشهد من قبل في فيلا رماح، أما هو فركل أحدهم وأخفض رأسه ثم تقدم بها وأوقع الآخر على الأرض، نفضت تلك الأفكار وحاولت الإفلات لكن الآخر ضربها بقوة على رأسها فصرخت باسمه: - طيف نهض طيف وصرخ بصوت مرتفع: - نيرااان !
وأسرع ليلكم هذا الشخص لكنه تفاجأ بمن يضربه بعصا حديدية ضخمة على رأسه ففقد توازنه وسقط أرضًا لكنه لم يستسلم ومد يده وزحف تجاهها وهو يقول بضعف: - نيران .. سيبوها، سيبوها ! نيراان فقدت هي الوعي بسبب الضربة على رأسها وسحبها أحدهم إلى الخارج، زحف بضعف تجاهها لكنه تلقى ضربة أخرى على رأسه جعلت الدماء تغطي وجهه بالكامل .. شعر بأن الضوء ينخفض من حوله وأصواتهم بدأت تتباعد وردد هو بضعف: - ني..ران..
أخذها هؤلاء الرجال وخرجوا وهو لم يستسلم أبدا رغم ما تعرض له وردد بضعف: - نيران .. سيبوها .. نيرا... اختفت الاضواء من حوله وسقط على الأرض وسط دمائه التي خرجت بغزارة...
رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد الفصل الخامس عشر الجزء الثاني من بنت القلب
استيقظت مبكرا لتنفذ ما خططت له سابقا، ارتدت ملابسها بسرعة ثم انطلقت إلى الشركة وما إن وصلت حتى اتجهت إلى أحد العاملين «سعيد» وأردفت: - بقولك يا عم سعيد عايزاك تقفل التكييف بتاع مكتب نائل ومحدش يعرف نهائي ولو سألك قُل له إن فيه عطل وهيتصلح آخر اليوم .. تمام ؟ هز رأسه بالإيجاب وأردف: - تمام يا ست ياسمين اللي تؤمري بيه..
رحل وبقت هي وعلى وجهها ابتسامة واسعة فتلك الأيام الحرارة مرتفعة بشدة ولن يستطيع البقاء لأكثر من ساعة في مكتبه بدون هواء خاصة وأن المكتب ليس به مروحة والشركة تعتمد على مكيف الهواء فقط، أسرعت إلى مكتبها قبل أن يحضر ويراها.
مرت دقائق وحضر «نائل» بصحبة «وحيد»، كان العرق يغطي جبينه بكثافة وأسرع للمكتب حيث مكيف الهواء لكنه ليتفاجأ بسخونة هواء المكتب وقبل أن يدخل تأكد من خلو الأرض من المياه وما إن تأكد من ذلك تقدم إلى الداخل بحذر فهو يعلم أنها لن تتركه وستظل تفتعل المقالب حتى يرحل، وصل إلى مكتبه ولم يجد أي شيء فتنفس بأريحية ونظر إلى الأعلى حيث مكيف الهواء فلم يجده يعمل فقرر الانتظار لدقائق وبالفعل انتظر لدقائق قضاهم في العمل ولم يعمل المكيف بعد، ابتلت ملابسه بالعرق فنهض من مكانه وخرج متجهًا إلى الفني الخاص بالشركة وما إن وصل إليه حتى قال: - بقولك ياعم سعيد هو التكييف مش شغال في المكتب عندي ليه ؟
تذكر «سعيد» طلب «ياسمين» منه فتوتر قليلا قبل أن يجيبه: - التكييف بتاع المكتب يا نائل بيه عطلان وهيتعمله صيانة آخر النهار إن شاء الله صمت قليلًا ولم يعرف ماذا يقول لكنه في النهاية قرر العودة إلى مكتبه ومتابعة العمل فهو طالما عمل تحت أشعة الشمس ولن يعيقه ذلك، دلف إلى داخل المكتب وفتح النافذة ووجد الهواء ساخن للغاية فقام بإغلاقها مرة أخرى واتجه إلى الحاسوب الخاص به ليتابع العمل.
ظل يعمل لأكثر من ثلاث ساعات وابتل القميص الخاص به بالكامل بسبب العرق وأثناء اندماجه بالعمل رن الهاتف الخاص بمكتبه فرفع سماعته قائلًا: - أيوة ؟ فوجئ بصوتها الذي يميزه عن آلاف الأصوات: - عايزاك في مكتبي حالا وأنهت المكالمة قبل حتى أن يجيبها لكنه لم يتعجب فهو اعتاد على طريقتها في المعاملة، ترك ما بيده واتجه إلى مكتبها ودلف إلى الداخل بعدما أذنت له بالدخول، اقترب من مكتبها وردد متسائلًا: - افندم ! في حاجة ؟
رفعت بصرها ففوجئت بقميصه المبتل مما جعلها تقول ساخرة: - ايه وقعت في مياه تاني النهارده ولا أيه نظر إلى القميص ثم رفع رأسه ونظر إليها ليقول بابتسامة: - لا دي مش مياه .. ده عرق تجهمت تعابير وجهها وقالت بغضب: - ايه القرف ده ! عرق؟ ومش مشغل التكييف ليه بدل ما أنت قارفنا بعرقك كدا..
تمالك أعصابه فهو يعلم أنها المتسببة في عطل مكيف الهواء وأردف: - التكييف عطلان للأسف وسألت سعيد قالي إن الصيانة بليل يعني القرف ده مش بمزاجي شعرت بالسعادة داخلها لنجاح خطتها لكنها أخفت ذلك ومثلت شفقتها عليه قائلة: - يا حرام زمانك مش عارف تشتغل والحر مبهدلك على الآخر ومخليك مش طايق نفسك ولا طايق الشركة..
ابتسم ليثير غضبها وأجابها بسعادة: - لا أبدا بالعكس أنا كنت بشيل رمل وزلط تحت الشمس في الشارع في عز الحر ومتعود على كدا جدا .. ده بالنسبالي الجو حلو جدا وبعدين كويس ده حتى التكييف بيجيب أمراض وكدا نجح في إثارة غضبها فهي بعد أن كانت سعيدة شعرت بالضيق من كلامه وضغطت على أسنانها وهي تقول: - اه طيب كويس، قُل لي بقى ايه أخبار الموزعين اللي قلت عليهم والشركة الأمريكية ردت ولا لسة..
جلس على الكرسي المقابل لها وأجابها: - الموزعين نصهم اتعاقدنا معاهم خلاص والنص التاني هيتعاقدوا النهارده وبكرا إن شاء الله، بعت كذا حد من الشركة وهيجيبولنا الأخبار الكويسة بكرا يعني موضوع الموزعين خلصان أما بقى عن الشركة الأمريكية فهم ردوا بس عندهم شرط وهو إن حد من الشركة اللي يسافر أمريكا يمضي معاهم مش هم اللي هيجوا..
صمتت قليلًا بعد أن لوت شفتيها بتفكير واتخذت قرارها النهائي: - خلاص ابعتلهم وقولهم إني هسافر على الأسبوع الجاي قطب جبينه بتعجب وأردف: - والشركة ! هتروحي وتسيبي الشركة لوحدها ؟ نظرت إلي بتعجب وقالت بتلقائية: - لوحدها إزاي يعني امال أنت بتعمل ايه هنا ! أنت مش نائب رئيس مجلس الإدارة ! هتمسك إدارة الشركة عقبال ما أرجع..
شعر بالسعادة لثقتها فيه وابتسم قائلًا: - تمام خلاص هبعتلهم ايميل وأحدد معاهم ميعاد الأسبوع الجاي ثم نهض من مكانه استعدادًا للرحيل وقال قبل أن يرحل: - في حاجة تانية قبل ما أمشي ! هزت رأسها بالنفي وأجابته: - لا روح أنت..
رحل وبقت هي وعلى وجهها علامات الغضب فهو لم يستاء من عدم وجود مكيف الهواء، عضت على شفتيها بقوة وابتسمت لتقول لنفسها: - مش التكييف بيجيب أمراض ! أنا بقى هشغلهولك ومع العرق ده هتاخد دور برد يخلص عليك إن شاء الله وبالفعل أسرعت واتجهت إلى «سعيد» وأردفت: - شغل التكييف بتاع مكتب نائل ياعم سعيد هز رأسه بالإيجاب وقال: - اللي تؤمري بيه يا ست ياسمين..
تابع عمله وأثناء كتابته على الحاسوب فوجئ بعمل المكيف فرفع حاجبيه بدهشة وهو يقول: - معقولة صعبت عليها وقررت تشغل التكييف !
فتح عينيه بصعوبة ونظر إلى سقف الغرفة بتعب شديد فتفاجأ بمن يمسك يده وسمع هذا الصوت الذي يعرفه جيدا: - ابني حبيبي أنت كويس ! اجري يا رنة بلغي الدكتور إنه فاق حضر الطبيب ومعه اللواء «أيمن» و «رماح، فاطمة»، اقترب الطبيب منه وردد متسائلًا: - طيف أنت سامعني ! كام دول...
استمع للصوت وكأنه بعيد للغاية عن أذنه وكأنه في عالم آخر وصوت الطبيب عبارة عن نداء يقتحم عالمه، ظل على تلك الحالة كل ما يفعله هو النظر للسقف فقط فنظرت «أسماء» إلى الطبيب ورددت ببكاء: - ابني ماله يا دكتور ؟ ابني ماله ! نظر إليها وحاول طمأنتها قائلًا: - ماتقلقيش هو لسة بيفوق وهيفوق ويتكلم معانا دلوقتي ثم نظر إليه وتابع: - طيف انت سامعني ؟ تقدر تقولي كام دول !
بدأ عقله يستعب وجاب بنظره المكان وفجأة نظر إلى الطبيب وقال بضعف: - ني..ران، نير..ان فين ؟ لم يجبه الطبيب وكرر سؤاله: - طيف أنت شايفني ! أنت حاسس بينا ؟ بدأت تلك الذكريات تقتحم عقله وتذكر هؤلاء الرجال الذين اختطفوا زوجته أمام عينه ولم يستطع الدفاع عنها فصرخ بصوت مرتفع: - نيراااان ... نيرااان لااااا، فين نيرااان .. اااااه..
تسارعت دقات قلب والدته وزاد بكائها على حال ولدها بينما أسرع الطبيب وصاح قائلًا: - الحقنة المنومة بسرعة نفذت الممرضة طلبه وأعدت الحقنة المنومة له، ازداد صراخ «طيف» وتشنج جسده بالكامل وسط رعب الجميع وحزنهم، تقدم الطبيب وأعطاه الحقنة وحاول أن يثبته حتى ينام وبالفعل لم يمر وقت وبدأ جسده يهدأ وينخفض صراخه حتى هدأ تمامًا نظرت «أسماء» إلى الطبيب وقالت باكية: - ابني ماله يا دكتور رد عليا..
ربت «أيمن» على كتفها وعاود سؤال زوجته على الطبيب: - طمني يا دكتور ايه اللي حصله أجابه الطبيب بحزن: - هو حالته مستقرة بس اللي حصل معاه قبل ما يفقد الوعي عمله صدمة كبيرة وده اللي خلاه في حالة هيجان وتشنج كدا، أنا اديته حقنة منومة ولما يفوق إن شاء الله يستوعب اللي حصل ومايحصلش معاه كدا تاني، أستأذنكم..
رحل الطبيب وبقى الجميع في حالة صدمة وحزن شديدين، ساد الصمت في المكان إلى أن تحدث رماح: - بعد إذن سعادتك هنتصرف ازاى وهنعمل ايه؟ طيف بقاله أسبوع فاقد الوعي بعد اللي حصل واديه فاق النهاردة لكن نيران مالهاش أثر نهائي ! ده غير فهد اللي برضه اختفى ومالهوش أثر سلط نظره على نقطة بالفراغ ولم يعرف ماذا يفعل، للمرة الأولى يشعر بالعجز هكذا ...
أخبر «زين» اللواء «كامل» بكل شيء والذي قام بدوره بجمع رجاله بمكتبه لإنهاء هذا الأمر، وجه بصره باتجاه الرائد «هادي» وأردف: - أنت يا هادي والقوة بتاعتك هتقتحموا الشركة وتجيب كل الكلاب دول، كلهم بلا استثناء واللي تلاقيه مش موجود تقلب عليه الدنيا وتجيبه مفهوم أجابه بثقة: - تمام يا فندم..
ثم وجه بصره باتجاه الرائد «محمد» وتابع: - وأنت يا محمد أنت وقوتك هتروحوا على كل الصيدليات التابعة للشركة دي وتقبض على كل اللي شغالين فين وتشمعها هز رأسه بالإيجاب ليقول: - تمام سعادتك وأخيرا وجه بصره باتجاه الرائد «زين» وأردف: - أما أنت يا زين هتروح على المخازن وده خطر جدا لأن احتمال يحصل اشتباك لأن المخازن دي مليون في المية فيها المخدرات، لازم تاخد بالك جدا وخد معاك رجال القوات الخاصة..
أومأ رأسه بالإيجاب ليقول بحماس: - تمام سعادتك كل حاجة هتتم على خير إن شاء الله هز رأسه ورمقهم جميعًا قبل أن يقول جملته الختامية: - تقدروا تتحركوا دلوقتي .. ربنا معاكم يا أبطال
نظرت يمينها ويسارها قبل أن تتابع طريقها إلى أن وصلت إلى صيدلية كبيرة وقبل أن تدخل راقبت المكان من حولها لتتأكد من عدم مراقبة أحد لها وما إن تأكدت من ذلك حتى دلفت إلى الداخل ودست يدها بداخل حقيبتها وأخرجت مبلغ ضخم من النقود ومدت يدها به إلى الطبيب الذي نظر إلى الخارج ليتأكد من عدم وجود أحد وما إن تأكد حتى دس يده بجيب بنطاله وأخرج علبة صغيرة بها حبوب ممنوعة ومد يده بها إليها وقبل أن تضعها بحقيبتها اقتحمت الشرطة المكان وهتف الرائد «محمد»: - اقفي عندك أنتِ وهو، فتشوا المكان كله..
وتقدم هو بابتسامة قبل أن يسحب من يدها العلبة الصغيرة ويرى ما بداخلها، فتحها وابتسم ووجه بصره إليها قائلًا: - اوبااا حبوب وبرشام .. مخدرات يا قطة ؟ تلجلجت «هايدي» في الحديث: - أنا .. أنا صرخ فيها بغضب لكي تكف عن الحديث: - أنتِ تخرسي خالص لأن حظك فل إنك تيجي في اليوم اللي نقبض فيه على الحلو وزمايله ثم رفع بصره ووجه الحديث إلى الطبيب: - ولا ايه يا دكتور !
ظهر الخوف والتوتر على وجهه بنسبة مرتفعة وردد: - ولا ايه! أنا مش فاهم حاجة يا باشا ممكن تفهمني وليه كل القوة دي ضحك وتقدم إلى الداخل بخطوات متمهلة ليزيد الرعب والقلق في قلبه وتوقف فجأة ليقول: - أحب أبشرك إن الصيدلية دي وكل الصيدليات اللي تبع شركة "..." هتتشمع وكل اللي شغالين هيتسجنوا بتهمة الإتجار في المخدرات والشركة اللي مظبطاكوا وقعت خلاص..
اتسعت حدقتيه بصدمة كبيرة فهو لم يتوقع حدوث مثل هذا الأمر فردد «محمد» بإبتسامة: - مصدوم صح ! ماكنتش تتوقع إنكم تقعوا بالسهولة دي ! يلا قدامي ..
اقتحمت قوات الشرطة الشركة وانتشروا بداخلها قبل أن يدخل الرائد «هادي» ويقتحم المكتب الخاص بمدير الشركة مما جعله ينهض من مكانه ويرمقهم بتعجب قبل أن يصرخ فيهم بغضب: - أنتوا ازاي تدخلوا الشركة ومكتبي كدا ! أنتوا مش عارفين أنا مين ولا ايه أنا ...
قاطعه «هادي» الذي اتسعت عينيه وهو يقول بغضب: - أنت ماأسمعش صوتك .. أنت مطلوب القبض عليك أنت وكل إدارة الشركة بأمر من النائب العام شخصيًا، يلا بقى من غير شوشرة اتفضل قدامي لم يجد مجال للدفاع عن نفسه فهذا قرار من النائب العام ويبدو أن أمرهم قد كُشف، بالفعل تم القبض على إدارة الشركة بأكملها وفتح تحقيق مع جميع الموظفين..
وصلت قوات الشرطة بقيادة «زين» إلى المكان المخصص للمخازن والذي كان في مكان أشبه بالصحراء مما جعل الوضع صعبًا، خرج من السيارة وتقدم بضع خطوات ليراقب الوضع قبل اقتحام المكان حتى لا يتسبب بخسائر في الأرواح وبالفعل وجد ما كان يتوقعه حيث كانت المخازن محمية بالكثير من المسلحين المستعدين لأى هجوم وكأن أحدًا ما أبلغهم بالأمر فتراجع زين ووجه بصره إلى «طارق» قائلًا: - مش هينفع نهجم .. لازم نحاصرهم الأول ونطلب منهم يسلموا نفسهم ولو رفضوا هنشتبك معاهم..
هز رأسه بالإيجاب وقبض على سلاحه بقوة قائلًا: - تمام سعادتك بالفعل أشار «زين» إلى الرجال وتم محاصرة المكان بأكمله وهنا خرج زين وهتف بصوت مرتفع: - كله يرمي سلاحه ويسلم نفسه .. المكان كله متحاصر، متحاولوش تشتبكوا علشان هتخسروا وكل اللي شغالين لحسابهم اتقبض عليهم يعني مفيش فايدة من المقاومة..
تقدم قائدهم ورفع سلاحه استعدادًا لإطلاق النار فأسرع زين واختبأ خلف الصخرة قبل أن يطلق هذا الرجل الرصاص ليعلن رفضهم التام لاقتحام الشرطة المكان، أمسك «زين» جهاز اللاسلكي وهتف قائلًا: - القوة تشتبك يا طارق .. القوة تتعامل..
وبالفعل بدأت قوات الشرطة في التقدم وتبادلوا إطلاق الرصاص بغزارة وقفز زين إلى الصخرة المجاورة وأخذها حماية له ثم أشهر سلاحه الرشاش وأطلق الرصاص على المسلحين الموجودين أمامه وقتل منهم شخصين، وجد من يطلق الرصاص في الأعلى فتحرك وهو منخفض الرأس حتى لا يظهر أمامهم وأطلق النار ليقتل هذا المسلح وأخيرا خرج ودخل في مرمى إطلاق النار وتقدم بقلب شجاع كالأسد وأطلق الرصاص من سلاحه في كل مكان ومعه رجال الشرطة الذين انتشروا في كل مكان وقضوا عليهم جميعًا عدا ثلاثة أشخاص ألقوا أسلحتهم واعلنوا استسلامهم، تقدمت قوات الشرطة وألقت القبض عليهم قبل أن تقتحم المكان بقيادة «زين» الذي تنفس بأريحية وهو يقول: - وأخيرا خلصنا من الكابوس ده...
انتهى الوقت المحدد للعمل لكن «ياسمين» بقت لنصف ساعة إضافية حتى تنهي بعض الأعمال وما إن انتهت حتى أخذت كل متعلقاتها ورحلت، مرت أمام مكتب «نائل» وقررت رؤية إذا كان قد رحل أم مازال بالداخل وبالفعل فتحت باب المكتب دون حتى أن تطرق عليه فتفاجأت به يعمل ولم يرحل حتى الآن، انتبه لوجودها ووقف وهو يقول: -أنسة ياسمين ! أنتِ لسة موجودة ؟ أنا افتكرتك روحتِ..
هزت رأسها بالنفي وأجابته: - لا كان في شوية شغل كدا كنت بخلصهم .. وأنت مش هتروح ولا ايه أشار إلى الحاسوب الخاص به وردد: - في شغل كتير وعايز أخلصه .. كام شركة كدا بكلمهم وبعمل كام حاجة تانية هقدملك عنها تقرير بكرا، يعني قدامي نص ساعة كدا وأمشي تعجبت من نشاطه واهتمامه بالعمل وفكرت هل ظلمته بالحكم عليه ؟ وانتهى تفكيرها بأنه يقوم بأداء واجبه ولا يفعل المستحيل، وجهت بصرها إليه وأردفت: - تمام كمل أنت وأنا همشي..
رحلت وبقى هو يتابع عمله المتبقي وبالفعل انتهى في غضون نصف ساعة ووقف ليفرد ذراعيه في الهواء قبل أن يرحل تاركًا الشركة، سار لمسافة ليست طويلة حتى يركب سيارة ميكروباص ويعود إلى منزله لكنه تذكر نسيانه لمفاتيحه الخاصة بمكتبه في الشركة فضرب ببطن يده مقدمة رأسه وأردف: - اخ نسيت المفتاح ..
نظر إلى الطريق من خلفه فوجد المسافة ليست بعيدة وقرر العودة ليجلبها، بالفعل عاد إلى الشركة مرة أخرى وأحضر مفاتيحه وأثناء خروجه من المكتب لاحظ انبعاث الضوء من أسفل باب مكتب «ياسمين» فضم حاجبيه وهو يقول متسائلًا لنفسه: - ايه ده هي رجعت تاني ولا ايه!
اتجه إلى المكتب بخطوات متمهلة حتى وصل إليه وفتحه على الفور ونسى أن يطرق الباب ففوجئ بشقيقه «يوسف» أمامه وكان يجلس أمام الحاسوب الخاص بـ «ياسمين»، اتسعت حدقتيه بعدم تصديق وأردف بغضب: - أنت بتعمل ايه في المكتب هنا نهض «يوسف» من مكانه وصاح هو الآخر: - أنت اللي بتعمل ايه مش المفروض وقت الشغل خلص ولا ايه ياابن الشغالة !
تمالك «نائل» أعصابه وتقدم حتى وصل إليه وأشار إلى الباب قائلًا: - شايف الباب ده ! اخرج منه دلوقتي بدل ما أندمك على كل كلمة قولتها في حق أمي ضحك باستهزاء عليه وأردف بوقاحة: - لو في حد هيخرج من الباب ده فهو أنت، ده مكتب خطيبتي ومالكش دعوة وماتتدخلش في حاجة ماتخصكش ولا شوفت نفسك بعد ما زين عينك نائب رئيس مجلس الإدارة..
لم يسمح له البقاء أكثر من ذلك وجذبه من يده بقوة فأوقعه أرضا ورمقه بأعين مشتعلة وهو يقول بغضب: - خطيبتك مش موجودة يبقى مفيش سبب لوجودك علشانه .. تاني حاجة أنا ماشوفتش نفسي لأني مش زيك .. تالت حاجة أخرج من المكتب دلوقتي بدل ما أخرجك غصب عنك نهض «يوسف» وعدل من وضعية ملابسه قبل أن يتقدم منه وهو يقول: - وحياه الشغالة أمك لأدفنك في مكانك..
وأخرج سكين "مطواه" من جيب بنطاله دون أن يلاحظ «نائل»، نظر إلى عينيه بتحذير وغضب فبادله «نائل» نفس النظرات وهو يقول: - أنا اتربيت على شيل الرمل والزلط وعضمي أنشف منك فلو فيه حد هيتدفن هنا فهو أنت أثارت تلك الجملة غضبه كثيرا مما دفعه لإشهار السكين ودفعها بقوة في اتجاه جسده فاخترقت بطنه وسحبها مرة أخرى، تفاجأ «نائل» بما حدث ونظر إلى جرحه فوجد الدماء تخرج بغزارة .. وضع يده عليها وشعر بالدوار قبل أن يسقط مغشيًا عليه.
نظر «يوسف» إلى السكين التي بيده ولم يصدق أنه ارتكب تلك الجريمة في هذا الوقت، توقف عقله عن التفكير ونظر إلى «نائل» الذي وقع أمامه على الأرض وغطت الدماء ملابسه بالكامل، حاول التقاط أنفاسه بدرجة طبيعية كي يستطيع التفكير ونجح في ذلك، كل ما شغل باله هو كيفيه إخفاء جثة أخيه قبل أن يكتشفها أحد، ألقى بالسكين ثم مال عليه ليتأكد من وفاته ففوجئ أنه على قيد الحياة ومازال يتنفس، نظر إلى السكين وفكر في سحبها وإنهاء ما بدأه حتى لا يُكشف أمره وبالفعل أمسك السكين ورفع يده استعدادًا لطعنه مرة أخرى و ...