رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الثالث والعشرون
كانت فرح ترتجف بشدة من الخوف وهى تمتطى ذلك الجواد الذهبى، خلفها بدر يضمها بين ذراعيه ويمسك بلجام الجواد، لطالما حلمت بذلك الحلم ولكنها فى حلمها تمد ذراعيها على مصراعيهما، تتطاير خصلات شعرها الحريرية وهى تستقبل نسمات الهواء بسعادة، لم تكن تتوقع ابدا أنها حين تحقق حلمها ستجلس فوق الجواد منكمشة على نفسها كهرة خائفة تخشى السقوط رغم احاطة بدر بها بذراعيه و تغمض عينيها بقوة، أفاقت من أفكارها على همس بدر فى أذنها قائلا:.
ياجبانة. فتحت عينيها لتعود وتغمضهما مجددا حين رأت محيطها ووضعها فوق الجواد والذى يخيفها بشدة لتمتم بغيظ: أنا مش جبانة، انا بس اول مرة أركب فيها خيل، مش متعودة يعنى، أنا قلتلك مش عايزة أركب، وانت اللى صممت، انا كنت دايما بحلم انى بركبه بس كنت بخاف أجرب، بسبب وزنى. قال بدر: ليه بس تخافى؟وزنك مكنش تقيل للدرجة دى. قالت بنبرة عتاب: ده مكنش كلامك ياسى بدر. ابتسم قائلا:.
ميبقاش قلبك اسود بقى يافروحة، طب اقولك على سر؟ أنصتت فرح بكل جوارحها لما سيقوله، ليقترب من اذنها وهو يقول بهمس: من ساعة ما حسيت انى بحبك وأنا بحلم باليوم ده. فتحت عينيها على اتساعهما وهى تستمع الى اعترافه بحبها، التفتت اليه، تنظر الى ملامحه تبحث عن الصدق الذى سمعته فى كلماته بين ثنايا عينيه لتقابلها نظراته التى سكن الحب فيهم، التفتت تنظر الى الأمام مجددا تشعر بخافقها ينبض بجنون، ابتسم وهو يقول:.
مفيش كلمة تطمن قلبى طيب، زى وأنا كمان بحبك يابدر. لم تجيبه تشعر أنها على وشك الاغماء، لا تستطيع تصور تطور علاقتها ببدر بتلك السرعة، اقترب من أذنها مجددا هامسا برقة: طب مفيش بوسة؟ ضربته على يده وهى تقول باستنكار: اتلم يابدر. قال بدر وهو يقلد صوتها ولهجتها: اتلم يابدر. ليعود الى صوته الأصلى وهو يقول بمرح: بدل ما تقوليلى بوس يابدر. أحست بدر بوجهها يكاد ينفجر من الحرارة والحمرة التى اعتلته لتقول بارتباك:.
بقولك ايه، نز، نزلنى على جنب، نزلنى هنا يابدر. قال بدر باستنكار: نزلنى على جنب يابدر، انتى فاكرة نفسك راكبة ايه، ميكروباص، انتى راكبة حصان ياهانم، حصان بدر ومش هنزلك غير لما تقوليلى وأنا بحبك كمان ياسى بدر. قالت بعناد: مش هقول. رفع حاجبه قائلا: قوليها أحسنلك يافرح، انتى مش أدى. قالت بتصميم: قلتلك مش هقول. قال لها فى هدوء: بقى كدة، مااشى. ليزيد من سرعة الجواد لتغمض فرح عينيها بقوة وهى تقول بخوف:.
لا يابدر ابوس ايدك متجريش. قال بدر بمرح: طب قولى بحبك يابدر. قالت بخوف بلغ أقصاه: مش هقول يابدر، انسى. ليزيد بدر من سرعة الجواد لتصرخ فرح قائلة: هيغمى علية يابدر.
تراخى جسدها فجأة بين ذراعيه وشعر بدر بالفزع، ليهدئ سرعة الجواد على الفور ثم يوقفه تماما وهو ينزل من عليه بسرعة مسندا اياها ثم حاملا فرح بين ذراعيه ليجلسها أرضا وهو ينادى باسمها فى جزع رابتا على وجنتها، لتفتح عينيها فجأة وتنظر اليه بانتصار، أدرك خدعتها ليقول بغضب: بقى كدة يافرح تخضينى عليكى بالشكل ده؟فيه حد فى الدنيا يعمل كدة؟ ابتسمت قائلة:.
عشان تانى مرة متلويش دراعى يابدر، مش فرح المنياوى اللى يتلوى دراعها. نظر اليها بغضب وكاد أن يوجه اليها كلمات لاذعة ليلجم لسانه بصعوبة وهو يقول: طب قومى يلا عشان نرجع. نهضت تنفض ملابسها قائلة: انت فاكرنى هابلة وهركب أدامك تانى، أنا هروح مشي يااخويا، حرمت أركب خيل. أشارت له بيدها بالتحية ثم مشت بخطوات ثابتة يتابعها بدر بغيظ ما لبث أن تحول لابتسامة وهو يقول:.
لعبتيها صح يابنت المنياوى، بس الشاطر اللى هيضحك فى الآخر.
كانت أمانى تتابع بيجاد وصوفيا فى مرارة تشعل قلبها حزنا، تراها تميل عليه بكل جرأة وتقبله فى وجنته، لتتلاقا عينيه بعينيها فى تلك اللحظة، فتشيح هى بنظراتها على الفور، أفاقت من افكارها على صوت مجدى يقول باعجاب: يعنى بتشتغلى فى العلاقات العامة فى شركة المنياوى، أكيد شاطرة اوى فى شغلك لأن شركة المنياوى مبتشغلش اى حد. ابتسمت بمجاملة قائلة: يعنى أهو، بحاول، بس آخدة اجازة اليومين دول..
لتنظر الى بيجاد وصوفيا مجددا وهى تقول: بحاول أفكر هعمل ايه، لأن شغلى فى الشركة مبقاش مريح، والوضع خلاص بقى صعب أتحمله. قال مجدى وقد التمعت عيناه: طب ما تيجى هنا وتشتغلى معانا، الجو مريح جدا والحياة فى البلد هنا هتعجبك أوى. قالت أمانى وهى تهز رأسها نفيا: معتقدش انى هرتاح هنا، أنا حياتى كلها فى اسكندرية. أحس مجدى بخيبة أمل سرعان ما واراها وهو يقول: طب ايه رأيك نركب خيل؟ هزت رأسها نفيا قائلة:.
لأ شكرا، مش عايزة. اقترب منها قائلا: طب ياترى... قاطعه صوت بيجاد وهو يقول ببرود: هو احنا هنفضل واقفين كدة كتير؟ التفت اليه كل من أمانى ومجدى ليجدا بيجاد واقفا بالقرب منهم تشبك صوفيا يدها بيديه لتشيح أمانى بنظراتها عن أيديهم المتشابكة، بينما قال مجدى: الخيل أدامكم أهم، اختاروا الحصان اللى تحبوه واركبوه. قال بيجاد بحدة: وانتوا هتعملوا ايه؟ عقد مجدى حاجبيه بحيرة من حدة بيجاد الغير مبررة ليقول:.
أنا لسة عارض على أمانى ركوب الخيل. جز بيجاد على أسنانه لنطقه اسمها مجردا وبأريحية وكأنه يعرفها منذ سنوات، ليستطرد مجدى قائلا: بس الحقيقة... قاطعته أمانى قائلة بهدوء: الفكرة حلوة اوى، يلا بينا يامجدى. ابتسم مجدى بسعادة وهو يتبعها الى حيث الخيل ليختار لنفسه جوادا بنيا، بينما اختارت أمانى فرسة بيضاء، وانطلقا بهما سويا، يتابعهم بيجاد بغضب شديد احتل كل ملامحه، ليلتفت الى صوفيا قائلا فى حدة:.
اذهبى الى البيت الآن صوفيا وسألحق بكى بعد قليل. ليركض ويركب جوادا أسودا ويسرع خلفهما بينما ضربت صوفيا الأرض بقدميها فى غيظ قائلة: تلك الأمانى أصبحت خطرا يهدد كل مخططاتى ويجب ان أتخلص منها على الفور، نعم هذا ما يجب علي فعله.
انطلقت امانى بفرستها البيضاء والتى تركض بسرعة، تشعر بالندم لتهورها وركوبها الخيل وهى لا تعرف عنه شيئا، فها هى الفرسة قد انطلقت بسرعة لا تدرى لماذا؟ربما وكزتها بقدمها دون أن تدرى، فلقد كانت تشعر بالغيظ وهى تبتعد عن ذلك الثنائى بسرعة، حتى مجدى اختفى من جانبها فجأة و لا تدرى الى أين ذهب؟، زادت الفرسة مجددا من سرعتها لتزداد دقات قلبها ويزداد شعورها بالخوف، تدرك أنها مابين اللحظة والأخرى سوف تقع، وربما يؤدى ذلك السقوط الحتمى الى وفاتها، أغمضت عينيها تشعر بدنو أجلها، كادت أن تستسلم لقدرها، وهى تدرك ان فى الموت قد يكون الخلاص من عذابها، لولا سماعها لجواد يركض خلفها، التفتت لترى من صاحب الجواد، لتنفرج اساريرها وهى ترى أنه جواد أسودا يعتليه بيجاد حبيبها، اطمأن قلبها على الفور لدى رؤيته يقترب منها بسرعة وعلى وجهه كل امارات الخوف والقلق، اقترب منها حتى اصبح بجوارها يقول هادرا:.
هاتى ايدك. أحست بالخوف يعاودها، وهى تخشى التخلى عن لجام فرستها ليكرر كلماته بصرامة قائلا: قلتلك هاتى ايدك وامسكى فية جامد أول ما أشدك.
أخذت نفسا عميقا ثم رفعت يدها ومنحته اياها ليتمسك بها بقوة لتفلت اليد الأخرى وتتمسك به بدورها لتشعر به يحملها من فوق جوادها بقوة لتستقر على جواده، بين ذراعيه. تشعر بدقات قلبه التى تدوى بين ضلوعه وتتصارع مع دقات قلبها التى تدوى بدورها بين ضلوعها، أحست به يزيد من ضمها بين ذراعيه وكأنه يتأكد أنها فى حضنه آمنة، ليهدء من سرعة الجواد ثم يبتعد عنها على الفور لتكذب هى احساسها، مال بلجام جواده ليستدير الجواد عائدا الى المنزل، دون ان يتفوه بحرف، همست بخفوت:.
شكرا لأنك أنقذت حياتى. قال ببرود: لو اى واحدة مكانك كنت عملت معاها كدة بردو. ساد الصمت تماما بعد جملته ليتجه بها بيجاد الى المنزل وكل منهما يحمل فى قلبه مشاعر تمزقه، يتمنى فقط لو اختلفت الأوضاع بينهما، فقط لو...
كانت أميرة تجلس فى سريرها تنزل دموعها فى صمت، تفكر فى ظافر حبها الأول والأخير، فقد أحبت كلماته، عشقت حروفه، وقصصه المفعمة بالحب والأمل، لتقابله وتصاب بعشق من نوع آخر، لقد وجدت فيه سابقا توأما لروحها حتى رأته و علمت أنه بالفعل كذلك لتصيب سهام عشقه قلبها، فمعه ومعه فقط أحست بالكمال، لقد هز كيانها بمشاعر لا حدود لها، وقد باتت تحلم بأن يجد فيها بدوره توأم روحه، أن يعشقها كما تعشقه ويصبح لها وحدها، حتى جاءت تلك الممثلة واطاحت بحلمها، تتذكر كلماتها السامة اليها حين احضرت لها الطعام.
فلاش باك فتحت اميرة الباب عندما استمعت الى طرقات على الباب، كان لديها ذرة أمل أن يتراجع ظافر عن كلماته ويحضر لها الطعام بنفسه، أن يكون قد افتقدها مثلما افتقدته، ولكن ذلك الأمل ذهب بلا رجعة حين وجدت أمامها سناء تحمل لها صينية الطعام، أخذتها منها لتجد سناء تدلف الى الحجرة ببرود ودون دعوة، تقف فى منتصفها وهى تقول: من غير لف ودوران، أنا عايزة اعرف، انتى قاعدة هنا لحد إمتى؟
نظرت اليها اميرة فى دهشة قائلة: أفندم؟ قالت سناء ببرود: ايه، سؤالى مش واضح، بقولك عايزة اعرف هتمشى امتى؟، عيد ميلاد ظافر قرب وطبعا عايزة اعمله حاجة خاصة ومش حابة يكون فيه متطفلين.
اتسعت عينا أميرة فى صدمة من كلماتها الصريحة الفجة، ومن طردها اياها من حياة ظافر بكل قسوة وبرود، آلمها قلبها وبشدة لفكرة الابتعاد عنه، رغما عنها لم تستطع تقبل الفكرة ورفضتها بشدة، لتطرق برأسها تخفى حزنها وهى تقول بنبرات خرجت رغما عنها مفعمة بالألم: متقلقيش، يومين بالكتير وهمشى من هنا. قالت سناء: كويس اوى، سلام. كادت ان تغادر ولكنها توقفت والتفتت الى أميرة قائلة ببرود:.
على فكرة مش سناء فوزى اللى تقلق، ومش من واحدة زيك أكيد.
لتغادر بهدوء تاركة أميرة تشعر بالتحطم، لم تؤثر بها كلمات سناء فهى تعلم أن مثيلاتها هكذا، متكبرون وحقودون ولا يمتلكون احساسا أو شعورا، ولكن ما آلمها هو انها قريبا وقريبا جدا ستترك هذا المنزل الذى عشقت جنباته، ستترك ظافر حبيب القلب، لتصبح فى النهاية كيانا لا روح فيه، نظرت الى الطعام لتدرك أنه رغم جوعها الشديد منذ قليل، فهى لن تستطيع أن تمس شيئا منه فقد فقدت شهيتها تماما، تنتظر الخلاص مما هى فيه.
انتهى الفلاش باك.
تناهى الى مسامعها صوت بالخارج، مسحت دموعها بسرعة وهى تنهض متجهة الى الباب لتفتحه بهدوء وحذر، اذا كانت قد ظنت أن قلبها قد امتلئ حزنا منذ ثوان قليلة فقد تأكدت الآن انه قد تحطم كلية، لتتوقف دقاته مع مرأى تلك الممثلة تتهادى فى غلالة رقيقة وتتجه الى حجرة ظافر ثم تدلف اليها وتغلق الباب خلفها بهدوء ولكن ليس قبل ان تبتسم فى انتصار وهى تواجه عينا أميرة، أغلقت أميرة الباب تشعر بالصدمة تزلزل كيانها، لقد فقدت الآن كل امل لها فى الحب بل فى الحياة، لم يعد شيئا يهمها حتى حياتها، لقد اتخذت قرارها، سترحل اليوم، ستذهب الى أباها وتسلمه حياتها يتصرف فيها كيفما يشاء، ففى النهاية هى قد انتهت، أصبحت حطام أنثى، شبحا، فالآن والآن فقط أصبحت ما خشيت ان تصبحه دوما منذ ادركت عشقها لظافر، لقد أصبحت كيانا بلا روح، فليزوجها أباها لمعتز أو يقتلها، فحقا لم يعد يهمها على الاطلاق.
كان مجدى يقف الى جوار جواده شارد بتلك التى خلبت لبه من أول نظرة، وكيف انطلقت بجوادها بسرعة بعيدا عنه وعندما اراد اتباعها القاه جواده أرضا ولكن حمدا لله ان اتبعها بيجاد بجواده وأحضرها الى المنزل سالمة ليزفر الجميع ارتياحا، خاصة قلبه الذى تعلق بها، أفاق من شروده على صوت صوفيا وهى تقول: مرحبا مجدى، كيف حالك؟
التفت اليها مجدى ليجدها واقفة بملابسها القصيرة والتى تكشف عن جسدها الكثير، ليغض بصره وهو يتعجب من موافقة بيجاد على ارتداء خطيبته مثل تلك الملابس فلو كان مكانه ما ارتضى ذلك ابدا، قال بهدوء يخفى حنقا على الاثنين: أنا كويس ياصوفيا. اقتربت منه قائلة: تفكر فيها أليس كذلك؟ رفع اليها عينيه وهو ينظر اليها بدهشة لتستطرد قائلة: أمانى، أعجبتك أليس كذلك؟
عقد حاجبيه ولم يجيبها، فما دخلها ان أعجبته ام لا، لتبتسم ببرود قائلة: انا محقة، فاعجابك بها واضحا للغاية حتى ان جاد أخبرنى بأنه يلاحظ ذلك. قال مجدى بدهشة: جاد؟ اتسعت ابتسامتها قائلة: نعم فقد بدا بعد ان لاحظ اعجابك بها، مترددا فى قبول طلب صديقه خطبتها، فلقد شعر بأن أمانى تبادلك الاعجاب. قال مجدى فى صدمة: أمانى معجبة بية أنا؟ قالت فى خبث وقد احست بأنها تصل الى ماتود الوصول اليه:.
بالطبع، اعجابها بك واضح كالشمس، حتى أنها قد أخبرتنى أنها ان أرادت زوجا سيكون مثلك تماما. ظهرت الفرحة جلية على وجهه وهو يقول: بجد ياصوفيا؟ ابتسمت بخبث قائلة: بالطبع فأنت شاب وسيم وغنى، فمن تلك التى لا تودك زوجا لها؟ولكن... لتصمت فيستحثها مجدى قائلا بقلق: لكن ايه ياصوفيا؟ قالت صوفيا فى تردد مصطنع: صديق جاد كما أخبرتك يستحثه بالرد ومن الممكن أن توافق هى ان لم تشعر بجدية مشاعرك وموقفك منها. قال مجدى بلهفة:.
لأ طبعا، انا مستعد أتجوزها و حالا. قالت صوفيا: حسنا تقدم لخطبتها وبالتوفيق. أومأ مجدى برأسه موافقا وهو يقول بسعادة: انا متشكر اوى ياصوفيا على تشجيعك لية. اومات برأسها بابتسامة ليغادر مجدى وتزول تلك الابتسامة على الفور ليحل محلها نظرة حقد وهى تقول بصوت خافت:.
ماذا لديكى أيتها المرأة الحمقاء ليتلهف الجميع عليكى بهذا الشكل، ماذا لديكى وليس لدي ليكنوا لكى تلك المشاعر القوية، فأنا اجمل منكى بكثير ومع ذلك لا يهتمون بى ابدا، ولا تلمع عيونهم عندما يرونى كما تلمع عند رؤياكى، تبا لكى. لتزفر قائلة: ولكن مهلا، سيبعدك مجدى الآن عن طريقى ربما للأبد، فلن يفصح جاد عن زواجه منكى امام ذلك الرجل الكبير، سيخشى غضبه وستتم الخطبة، ووقتها ستكون لى ياجاد، لى وحدى.
رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الرابع والعشرون
دلف بدر الى الحجرة ليجد فرح قد سبقته الى السرير، اقترب منها ليجدها تغلق عينيها بقوة، ابتسم بخبث وهو يدرك تظاهرها بالنوم، تمدد بجوارها ليقترب منها وهو يأخذها بين ذراعيه، أحس بها تتجمد تماما بين يديه بينما استمع الى دقات قلبها التى هدرت بقوة، ظلت متظاهرة بالنوم مغمضة العين بشدة تزم شفتيها، لم يستطع مقاومة مظهرها الطفولى الجميل ليقترب ببطئ من شفتيها مقبلا اياها برقة، لم تستطع فرح أن تتظاهر بالنوم أكثر من ذلك لتتسع عينيها بقوة وهى تبتعد عنه معتدلة وهى تقول بغيظ:.
على فكرة بقى انت قليل الأدب. ابتسم قائلا: وانتى ممثلة فاشلة. قالت بارتباك: أنا، أنا مكنتش بمثل. اقترب منها ينظر الى عمق عينيها قائلا: طب عينى فى عينك كدة. لم تستطع فرح مواجهة عينيه فى تلك اللحظة لتطرق برأسها قائلة: عرفت منين؟ تراجع يستند بظهره الى الوسادة، عاقدا يديه خلف رأسه، وهو يبتسم قائلا:.
بعيد عن انك كنت قافلة عنيكى اوى وان قلبك كان بيدق جامد، وده مش ممكن يكون طبيعى بالنسبة لحد نايم، ففى حاجة تانية كمان اكدت لى انك مستحيل تكونى نايمة. رفعت اليه عينيها فى حيرة قائلة: ايه هى؟ اتسعت ابتسامته قائلا: الطريقة اللى كنتى نايمة بيها مش طريقة نومك ابدا. عقدت حاجبيها قائلة: مش فاهمة. اعتدل قائلا فى حنان: انتى بتنامى وايدك تحت خدك وواخدة وضع الجنين.
اتسعت عينيها فى صدمة فهى تنام بالضبط كما قال لتقول بدهشة: وعرفت ازاى، احنا كل واحد فينا كان بينام فى أوضة لوحده ودى اول مرة ننام فى اوضة واحدة مع بعض. أطرق برأسه فى خجل ثم رفع وجهه اليها قائلا: فاكرة لما كنت مسافر ورجعت متأخر وصحيتى تانى يوم عرفتى انى جيت من السفر بالليل، ودى كانت اول مرة أعملها لإنى مبحبش السفر فى الضلمة. أومأت برأسها قائلة: آه فاكرة طبعا. قال بارتباك:.
كنتى واحشانى، كان بقالى أسبوع بحاله مشفتكيش أول ما خلصت شغل، جيت علطول، ولإنى مكنتش قادر أستنى للصبح عشان أشوفك، دخلت اوضتك وفضلت قاعد جنبك طول الليل ومن بعد الليلة دى اتكررت زياراتى الليلية لاوضتك، كنت بحس براحة غريبة وانا قاعد أدامك أبصلك وده اللى خلانى اتأكدت انك بقيتى حاجة مهمة فى حياتى وانك بدأتى تدخلى قلبى، وده برده اللى خوفنى و خلانى مش عايزك جنبى، خفت يكون حبك نقطة ضعفى وتجرحينى زى ماغيرك جرحنى، بس الجرح المرة دى كان هيموتنى.
استمعت اليه فرح بصدمة، كان يعترف بأنه أحبها منذ زمن، ادراكها بأنه أحبها بكل عيوبها السابقة ملأ قلبها عشقا، واحساسها بأنه كان معها فى لياليها ينظر اليها ويستمتع بقربها فقط جعلها عاجزة عن وصف شعورها الآن، قالت فى لهفة: يعنى انت كنت بتحبنى قبل ما أتغير يابدر؟ ابتسم يتأمل ملامحها الملهوفة قائلا:.
من يوم عنيكى ما جت فى عينية فى عزا جدى، وأنا عنيكى مفارقتش أحلامى، نظرتهم الخجولة البريئة، ولما قريت وصية جدى قبلت بيها وكان ممكن ارفضها وأطعن فيها بس أوهمت نفسى ان مفيش حل تانى وانى مجبور عشان ابرر رغبتى فى الارتباط بيكى، ولما اتجوزتك حاولت مستسلمش لمشاعرى من ناحيتك وبعدت عنك، طيبتك وحبك واهتمامك كانوا ظاهرين فى كل تصرفاتك، وكانوا بيجذبونى ليكى، قاومت مشاعر حسيتها بتضعفنى وبتخلينى عايز جوازنا يبقى حقيقة، حاولت أقنع نفسى انك زيك زى بنات جنسك خاينين، بس من جوايا كنت عارف انك مش كدة، لغاية ما هربتى، ساعتها وحشتينى اوى وعرفت أد ايه انتى غالية علية، كنت لغاية اللحظة دى معترفتش حتى لنفسى انى بحبك، بس احساسى انك ممكن تضيعى منى وان احساسك ممكن يكون اتغير من ناحيتى خلانى أفوق واعترف بحبى ليكى، اللى كان موقفنى أعترفلك هو خوفى من ان مشاعرك تكون اتغيرت، صحيح كانوا بيظهروا فى عنيكى بس كانوا بيختفوا من تانى، مبقتش عارف أصدق عنيكى ولا أصدق تصرفاتك اللى كلها بترفضنى.
سقطت دموع فرح رغما عنها ليمد بدر يده فى حنان يمسحهم وهو يقول: دموعك غالية علية أوى يافرح، ياما نزلوا بسببى، كنت غبى بس خلاص قررت أنسى غبائى، أنا محتاجلك فى حياتى، محتاج حبك، حنانك، ياترى يافرح لسة بتحبينى وموافقة تكملى معايا؟ نظرت الى عينيه بعشق قائلة: انت لسة بتسأل يابدر؟أنا عمرى ماحبك فى قلبى قل ولو شوية، انت كل أحلامى، حياتى كلها، توأم روحى يابدر. تأمل عينيها بشوق ليقترب منها هامسا أمام شفتيها:.
وانتى توأم روحى يافرح. ليقبلها بشوق، بعشق اجتاح كيانها لتستسلم الى قبلاته وتبادله اياها بقوة ليغرقا سويا فى بحر العشق، يتيهان بين امواجه المتلاطمة بشوق.
كان بيجاد يزرع الحجرة ذهابا وايابا تجتاحه الأفكار، لقد كاد أن يفقدها اليوم، كادت أن تضيع منه للأبد، ماذا لو لم يصل بالوقت المناسب، ماذا لو... نفض أفكاره بقوة ليؤنب نفسه وبشدة، لماذا لا يزال يهتم بها؟لماذا تؤثر به بتلك القوة رغم كل ما فعلته به، لماذا مايزال يعشقها؟لماذ؟
تناهى الى مسامعه صوت أنين مكتوم ليعقد حاجبيه فى حيرة، وينصت بقوة ليدرك أنه صوت أنينها، نعم انها هى، أمانى، الصوت يأتيه من حجرتها التى تجاور حجرته، أسرع بالخروج من حجرته والدلوف الى حجرتها دون استئذان ليغلق خلفه الباب، وجدها تجلس على سريرها، تضم ركبتيها الى صدرها، تهتز برتابة وتصدر صوتا أشبه بالأنين، أدرك أنها تعانى آثار ما بعد الصدمة فأسرع اليها وشدها من يدها ليأخذها بين ذراعيه، تمسكت بمنامته بشدة، ليزيد من ضمه اياها، قائلا بهمس حنون:.
عيطى ياأمانى، عيطى.
وكأن كلمته تلك هى ما كانت تنتظرها لتبكى بشدة وتتساقط دموعها، ترتجف كعصفور مبتل ليربت هو على ظهرها وهو يزيد من احتضانها يود لو أدخلها داخل صدره ليحميها من أوجاعها، تشهق شهقات جعلت خافقه يإن لأجلها، لم يستطع احتمال دموعها، لا يهمه الآن ماالذى فعلته به ولا يحاول تذكره، كل ما يهمه الآن هو كيف يخفف عنها ألمها، هدأت شهقاتها وأحس بها تسترخى قليلا بين ذراعيه ليمددها على السرير ويمسك منديله يمسح به دموعها، تعلقت عينيه بعينيها التى نظرت اليه بعشق، بنظرة لطالما طاردت أحلامه، كاد أن يضعف ولكنه افاق لينهض ويلتفت مغادرا وجدها تمسك بيده بقوة، تتشبث بها، نظر الى يدها المتشبثة بيده ثم الى عينيها ونظراتها المتوسلة لتدعمهم كلمتها الهامسة الراجية وهى تقول:.
متسيبنيش. ليعود اليها ضاربا بكل الأسباب التى تمنعه عنها عرض الحائط، ليجتاحها بقبلاته، انها قبلات عاشق ابتعد سنوات عن محبوبته ليجدها فجأة أمامه تطالبه بالاستسلام لعشقه، وقد استسلم حتى لو أصابه الندم بعد ذلك فلا يهم، ما يهمه الآن أنه هنا بين ذراعى حبيبته أمانى، وكفى.
استيقظ ظافر مبكرا فقد أراد أن يرى أميرة، كم افتقدها بالأمس، أكان لابد وأن يثير غيرتها بتلك الطريقة التى لم يجنى منها سوى عذاب قلبه لعدم رؤيتها، طرق بابها بلهفة، فلم تجيبه، طرق بقوة أكبر فلم تجيبه أيضا، فتح الباب فلم يجدها، عقد حاجبيه بحيرة يتساءل عن مكان وجودها، ربما هى فى الأسفل تعد الطعام أو ربما بالحديقة، بحث عنها فى كل مكان فلم يجدها، ترى الى أين ذهبت؟صعد مجددا الى حجرتها وقلبه يتوجس خيفة، يخشى أفكاره السوداء، والتى تخبره أنها قد رحلت، ابتعدت عن حياته، فتح الخزانة فلم يجد بها حقيبتها الصغيرة ليغمض عينيه بيأس، لقد رحلت ولكن أين يجدها؟كل ما يعرفه عنها هو اسمها ومكان عملها والذى بالتأكيد لن تذهب اليه، يبدو أنه كان مخطئا حين ظن أنها تهتم به وأن ما رآه بعينيها من حب وغيرة لم يكن سوى أوهامه، وهاهى تتركه وترحل دون حتى كلمة وداع، نهض يمرر يده فى شعره بحزن، يتساءل فى مرارة، لماذا جاءت الى مكانه الذى يبتعد فيه عن البشر؟لماذا اقتحمت حياته وعلقته بها ان كانت تنوى الرحيل، لماذا تسللت الى قلبه رغما عنه ثم جعلته يعانى عذاب فقدها؟، ضرب بقدمه هذا الكومود ليقع ارضا وتخرج محتوياته التى لم تكن سوى دفتر ورقى وقلم، انحنى ظافر وأمسكه بين يديه ليفتحه ويلاحظ خطها المنمق الجميل على الفور، كتبت فى منتصف السطر(رسالة إلى كاتبى التى وضع عليها خطا وتبدلت الى توأم روحى).
أحس بدقات قلبه تزداد قوة، ترى أتقصده بتلك الكلمات؟، جرت عيناه على سطور رسالتها بقلب ملهوف والتى تقول فيها.
《يامن أحببتك منذ أن عرفت للحب عنوان، فقد تعلمته على يديك من خلال رواياتك، جعلتنى أرى الحب مجسدا فى ابطالك، وانتقلت الي كل مشاعر حملتها كلماتك، لأعشق كاتبا أيقنت انه يحمل الحب داخل طيات قلبه، ثم رأيتك، لا أنكر انه رغم برودك وجفاءك انجذبت اليك، الى عينيك التى حملت لى لغزا حاولت سبر أغواره وبمرور الأيام وجدت فيك توأما لروحى وصديق لوجدانى، حتى اليوم الذى أخبرتك فيه بمكنون صدرى وخبايا ماضي لتعرض علي اقترانا هفا اليه قلبى ورفضه عقلى، فلم أكن أريد منك شفقة بل أردت عشقا يطفئ لهيب قلب أشعلته المشاعر، عشق يغمر جفاء لياليه حنانا، أريد اجتياح مشاعر تطمأن قلب قاس ماضيه وحاضره، ويرى فيك فقط مستقبله، يرى فيك واحة أمان لطالما انتظر أن يجدها، لم أعد أريدك مشفقا بل عاشقا مخلصا، أبغى ذاتى المتمثلة فى روحك، ياتوأم الروح.
《A.
أمسك الرسالة يعيد قرائتها مرة تلو الأخرى، لا يصدق اعترافها الذى زلزل كيانه، اذا هى تحبه كما خطت كلماتها، أحس بقلبه يطير سعادة ثم لم يلبث أن عقد حاجبيه يتساءل بحيرة اذا كانت بالفعل قد أحبته اذا لماذا رحلت دون كلمة؟، أتكون الغيرة من جعلتها ترحل؟، ليلعن غبائه الذى كاد أن يضيعها منه، ارتسم بعينيه التصميم وهو ينوى معرفة الى أين ذهبت ليلحق بها ويعيدها اليه، ولكن يبقى أن يعرف فقط الى أين تراها قد ذهبت؟
استيقظ بيجاد يشعر بالدفء يحيط به وتتسلل الى أنفه رائحة عطرة يعرفها جيدا، ليفتح عينيه مرة واحدة وينظر الى أمانى التى تنام كالملاك، يحيطها بذراعيه، أغمض عينيه مجددا يلعن استسلامه لمشاعره، استسلامه لمن خانت عهده، يلعن ضعفه تجاهها، ابتعد عنها ببطئ فهو لا يريدها ان تستيقظ الآن، لا يريد مواجهتها على الاطلاق، ارتدى ملابسه على عجل ثم اتجه لمغادرة الحجرة ليتوقف ويلتفت ملقيا عليها نظرة أخيرة قبل أن يغلق الباب بهدوء، وضع رأسه على الباب وهو يغمض عينيه بألم، يشعر بالضياع، ليزفر بقوة وهو يبتعد عن حجرتها ويدلف الى حجرته مغلقا الباب خلفه، غافلا عن عينين كادتا صاحبتهما أن تقتله بنظرتهما وهى تراه يخرج من حجرة غريمتها فى هذا الوقت المبكر لتدرك أيضا أن عليها التخلص منها بأسرع وقت وعلى مجدى التحرك سريعا.
قال عاصم لمحدثه فى الهاتف بهدوء: عملت ايه ياربيع؟ قال ربيع: كله تمام ياعاصم بيه، البضاعة معدتش موجودة فى المخازن. قال عاصم: وديتهم المخزن القديم. قال ربيع: أيوة ياباشا، وزودت الحراسة كمان ابتسم عاصم قائلا: كدة تمام اوى، مش عايزة اوصيك ياربيع، مش عايز ولا غلطة. قال ربيع: اطمن ياباشا، ده انا تربيتك. قال عاصم: وانت فين دلوقتى؟ سمع عاصم طرقات على الباب قبل ان يدلف الطارق الى المكتب وربيع يقول:.
رايح ع الفيوم عشان أجيب أميرة هان... قاطعه عاصم قائلا: ملوش لزوم ياربيع، لف وارجع. قال ربيع بضيق: ليه بس يافندم حصل حاجة؟ قال عاصم: اميرة هانم واقفة أدامى دلوقتى ياربيع. ليغلق عاصم الهاتف وهو ينظر الى أميرة التى وقفت أمامه بكل هدوء قائلة: أنا تحت أمرك يابابا، لو عايز تجوزنى معتز..؟ لتصمت للحظة، تبتلع فيها ريقها قبل أن تستطرد قائلة: أنا موافقة.
رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الخامس والعشرون
نظرت فريدة بإبتسامة الى هذين الزوجين واللذين تبدو السعادة واضحة على وجهيهما، تظهر فى نظراتهم وأيديهم المتشابكة بحب لتدرك أن ولدها بدر وزوجته قد استقر بهما الأمر، وظللت السعادة حياتهما أخيرا بعد عناء.
لتحين منها التفاتة إلى ولدها الآخر، ولدها الاكبر والذى يحتل في قلبها مكانة خاصة، لترى الشرود علي ملامحه، تحاول صوفيا جذب انتباهه بكل قوتها، فلا تستطيع، تحين منه نظرات مسترقة إلى تلك الحزينة الشاردة بدورها ليشيح بوجهه علي الفور ويوجه اهتماما مصطنعا لصوفيا، عندما حانت منها نظرة إليه، لتطرق أمانى برأسها مجددا وتكتفى بسماع حديث السيدة منال عن فرح فى صغرها، وكيف كانت تخرجها عن اطوارها بشقاوتها، ليبتسم بدر بحنان وهو ينظر إلى فرح فتبادله نظرته الحنونه بأخرى خجولة..
هزت فريدة رأسها لا تدرى ماذا تفعل كى يرتاح قلب ولدها الذى باتت موقنة من أنه مازال متعلقا بزوجته أمانى، وتدرك أيضا أنها رغم مشاعرها الغاضبة تجاه أمانى فى البداية عندما عرفت بأنها زوجته التى تخلت عنه، الا أنها الآن وبعد مرور أيام قليلة عاشتها معهم أصبحت موقنة من أن أمانى تلك لاتمت بصلة لتلك الخائنة التى أخبرها عنها بيجاد، شعرت فريدة بألم تلك الفتاة التى تجلس الآن حزينة مطرقة الرأس، تفرك يديها بشدة، رأت دمعة سقطت لتلتقطها تلك اليدان وتخفيها داخلهما، لتعقد فريدة حاجبيها، ربما آن الأوان لتعرف الحقيقة التى تكمن وراء هذا الألم وتلك الدموع، قاطع أفكارها دلوف الحاج على فى تلك اللحظة وعلى وجهه امارات الفرح يتبعه مجدى الذى بدا سعيدا بدوره لينظر اليهم الجميع فى دهشة، اقترب منهم الحاج على قائلا فى سعادة:.
الخير على قدوم الواردين والفرح النهاردة فرحين. قالت منال بملامح مستبشرة: خير ياحاج، فرحنا معاك. قال الحاج على: اول خبر حلو، هو ان الفرسة فرح جابت مهرة جميلة وسميناها ياسمين. لينظر الى فرح قائلا: عقبال ما أشيل ولادك بين ايدية يابنتى. قالت منال بسعادة: يارب ياحاج.
فى حين نظر بدر الى فرح بابتسامة لتطرق رأسها بخجل، انهالت التهانى على الحاج على، بينما كان بيجاد يرمق مجدى بحدة فمنذ دلوفه الى المنزل ولم يرفع عينيه من على امانى بطريقة تكاد تفقده اعصابه ليحرق الأخضر واليابس، وليكن ما يكون، أفاق من افكاره السوداء على صوت والدته تقول بسعادة: والخبر التانى ياحاج على، فرحنا بقالنا كتير مفرحناش. أمسك الحاج على بيد مجدى ليجعله فى المقدمة قائلا:.
مجدى، وأخيرا وبعد ما عذبنا سنين عشان يخلينا نفرح بيه، عقد النية وقرر خلاص يتجوز. قالت فرح فى سعادة: اهو ده احلى خبر سمعته النهاردة. بينما ابتسمت منال قائلة بحنان: ألف مبروك ياابنى، ده يوم المنى. قال مجدى بخجل: الله يبارك فيكى ياخالتى. ابتسمت منال قائلة: وياترى مين العروسة ياابنى؟ أعرفها؟
نظر كل من الحاج على و مجدى فى ذات الوقت الى أمانى ليتوجس الجميع خيفة ماعدا صوفيا التى ابتسمت بخبث لتلتقط ابتسامتها عيني فريدة ويقع قلبها عند قدميها والحاج على يقول بسعادة: ست البنات، أمانى. لم يستطع بيجاد تمالك نفسه وهو ينهض غاضبا وهو يقول بحدة: ايه الكلام الفارغ ده؟ نظر اليه الحاج على قائلا فى استنكار: انت بتقول ايه ياابنى؟انا كلامى فارغ؟
وقف الجميع فى قلق وترقب فى حين ذهبت فرح إلى أمانى وامسكت بيدها، بينما قال بيجاد: العفو ياحاج، انا طبعا مقصدش، بس الكلام اللى انت بتقوله ده مستحيل يحصل. قال مجدى بحدة: ليه يعنى مستحيل؟ قال بيجاد بغضب: انت بالذات تسكت خالص أحسنلك. تقدم منه مجدى ينوى العراك معه لولا ان امسكه الحاج على من ذراعه يوقفه وهو يربت على كتفه، ثم يتقدم الى بيجاد ناظرا الى عينيه مباشرة وهو يقول بحروف مضغوطة: ليه مستحيل ياابنى؟
قال بيجاد بتوتر: مستحيل عشان، عشان... رفع الحاج على حاجبه قائلا: عشان ايه ياابنى؟ أخذ بيجاد نفسا عميقا وهو ينظر الى عيون الحاج على مباشرة قبل ان يقول بثبات: عشان امانى تبقى مراتى ياحاج. اتسعت عينا الحاج على فى دهشة، بينما اصابت الصدمة الحاجة منال و مجدى الذى نقل نظراته بين أمانى المطرقة رأسها فى حزن وبين بيجاد الواقف بثبات، ليقول مجدى بدهشة: مراتك ازاى يعنى؟ قال بيجاد بصرامة:.
يعنى هيكون ازاى؟، مراتى على سنة الله ورسوله، متجوزها من خمس سنين وعلى يد مأذون كمان. خرج الحاج( على) عن صمته وهو يقول بهدوء: ولما هى مراتك، خبيتوا علينا ليه ياابنى؟ليه فهمتونا انها صاحبة فرح وبس؟ أطرق بيجاد برأسه قائلا: فيه مشاكل بينا ياحاج على فمحبيناش ندخلكوا فيها ونزعلكوا. قال الحاج على بحزن: وانتوا لما كدبتوا علينا ما زعلتوناش ياابنى؟ قالت فريدة بحزن:.
احنا آسفين ياحاج بس الموضوع معقد ومليان تفاصيل، بس احنا غلطانين وكان لازم نعرفكم، وطمعانين فى كرمك تسامحنا. قال الحاج على موجها حديثه الى فريدة قائلا: المسامح ربنا ياست فريدة، أنا كنت مفكركم معتبرين ان احنا عيلة واحدة بس الظاهر انى كنت غلطان، بالإذن. قالت فريدة بسرعة: ياحاج على... قاطعها باشارة من يده قائلا: خلص الكلام ياست فريدة، عن اذنكم أنا طالع اوضتى عشان أرتاح.
ابتعد يراقبه الجميع بينما تنهدت منال قائلة: سيبوه شوية ياجماعة، هو زعلان دلوقتى ولما هيهدى هيروق ويسامح، الموضوع أصله مش سهل وكبير اوى عنده. رمقت فريدة بيجاد بحنق وهى تقول: عارفين ياست منال، عارفين. توجه مجدى الى صوفيا المتفاجأة بأن الأحداث اخذت منحنى آخر غير الذى رسمته له ليقول بحدة: انتى كنتى عارفة انها متجوزاه؟ نظرت صوفيا الى بيجاد بتوتر قبل ان تقول بارتباك: أنا، أنا...
عقد بيجاد حاجبيه بينما رمق الجميع صوفيا المتلعثمة بحيرة، ونقلوا بصرهم لمجدى الذى قال بحدة: بسألك سؤال، كنتى عارفة انها متجوزة؟ بدأت صوفيا تبكى بدموع التماسيح فوقف بيجاد بين مجدى وصوفيا قائلا بغضب: فيه ايه يامجدى؟انت ازاى تكلمها بالشكل ده؟ أحست امانى بالألم لوقوف بيجاد مدافعا عن صوفيا، بالطبع فهى حبيبته، بينما رمق مجدى بيجاد بغضب قائلا:.
والله ما أنا عارف انت ايه حكايتك ياجاد؟خاطب واحدة وانت متجوز التانية وعايشلى دور هارون الرشيد، وفرحان ومبسوط، مش كدة؟ قال بيجاد بغضب: وانت مالك انت، ما تخليك فى حالك. اقترب منهم بدر بسرعة قائلا: فيه ايه انتوا الاتنين، ما تهدوا كدة أمال وصلوا على النبى. قال مجدى:.
عليه افضل الصلاة والسلام، بس أنا سألت سؤال وعايز اجابته منها، من حقى اعرف هى كانت عارفة ولا لأ، بس الاجابة واضحة اكيد كانت عارفة زيكم بالظبط، طب ليه شجعتنى أتقدملها، ها، ليه؟ نظر الجميع الى صوفيا بغضب بينما رمقها بيجاد بحيرة لتهز رأسها نفيا، لم يدرى لما لم يستطع ان يصدق نفيها فلماذا يكذب مجدى فى شئ كهذا ليدرك السبب وراء فعلتها كما ادركه الجميع، خاصة مجدى الذى قال بحزن:.
أكيد عملتى كدة عشان تفضالك السكة وتكونى لوحدك فى حياته، مش كدة؟ قال بدر بهدوء وهو يربت على كتف مجدى قائلا: خلاص يامجدى، حصل خير. قال مجدى وهو ينظر الى بدر قائلا فى مرارة: لأ يابدر محصلش خير أبدا. ليرمق امانى الباكية بنظرة ملتاعة قبل ان يغادر مسرعا، ليقول بدر بحزن: مبقاش ليه لزوم نقعد هنا اكتر من كدة، يلا نحضر شنطنا عشان نسافر.
أومأوا برءوسهم، ليذهبوا الى حجراتهم وما ان اقتربت أمانى من بيجاد حتى رمقته بنظرة عتاب امتزجت لأول مرة، بخيبة أمل.
اتصل ظافر بصديقه الضابط عادل ليرد عليه قائلا بمرح: أهلا أهلا بالناس اللى مش بتسأل. قال ظافر بهدوء: اذيك ياعادل؟ قال عادل: أحسن منك، انت فين ياأخى؟، مختفى بقالك فترة والكل بيسأل عليك. قال ظافر: مش وقته يا عادل، هبقى أحكيلك كل حاجة بعدين، المهم أنا طالب منك خدمة. تحولت لهجة عادل المرحة الى الجدية على الفور قائلا: طبعا، اؤمرنى. ارتسم على وجه ظافر التصميم وهو يقول:.
عايزك تعرفلى عنوان دار حور للنشر والتوزيع فى القاهرة. زفر عادل قائلا: خضيتنى ياظافر، أنا قلت فيه مصيبة، انت ناوى تغير دار النشر اللى بتتعامل معاها ولا ايه؟ ابتسم ظافر قائلا: لأ وحياتك، ناوى أتجوز. فغر عادل فاهه ليضحك ظافر الذى أدرك صدمة صديقه الوحيد من صمته، ليتمالك عادل نفسه ويقول بعد لحظة بلهفة: ظافر انت بتتكلم جد؟أنا سمعتك صح مش كدة؟نويت تخلصنا منك و تتجوز؟ قال ظافر مبتسما:.
خلاص يا عادل لقيت اللى هتدخلنى القفص بس فاضل أعرف عنوانها، ها، هتجيبلى العنوان ولا أشوف حد غيرك؟ قال عادل بسرعة: حد غيرى مين، دقايق ويكون العنوان عندك. ليغلق ظافر الهاتف وهو يبتسم بسعادة، سعادة قلب نبض من جديد وأخيرا استسلم لنبضاته التى تصرخ منادية بإسمها، إسمها هى فقط ولا أحد غيرها، أميرة.
كان بدر فى سيارته مع فرح التى قالت بتوتر: الحكاية قلبت غم أوى، وكله من الزفتة صوفيا، كان لازم يعنى تقول لمجدى يتقدم لأمانى؟ نظر إليها بدر للحظة يتأمل ملامحها المغتاظة والتى جعلت وجهها يشتعل بالحياة ليعود بنظراته الى الطريق قائلا بهدوء يخالف دقات قلبه المتسارعة والتى تصرخ بعشق تلك الفتاة: الحكاية من أولها غلط يافرح، ألغاز وأسرار، أمانى اتظلمت كتير اوى وكان لازم فى الآخر الحقيقة تبان.
نظرت اليه فرح بتوجس قائلة: انت... قاطعها قائلا: عارف يافرح، عارف كل حاجة ومن أول يوم، شكيت فى الموضوع اول ما عرفت ان مرات بيجاد تبقى أمانى، الكل عارف فى الشركة ان أمانى متجوزة وشخصيتها محترمة وطيبة وجد جدا فى تعاملاتها فكان مستحيل تكون بالصورة اللى وصلهالنا بيجاد، وبعدين كنت داخل أوضتى وسمعتكم بتتكلموا بالصدفة وساعتها اتأكدت ان شكى فى محله. أطرقت فرح برأسها قائلة:.
آسفة لو خبيت عليك بس دى أمانة صاحبتى وسرها ومكنش ينفع أتكلم. نظر اليها ليبتسم وهو يمد يده ليرفع ذقنها فتتقابل عيونهم قائلا بحنان: عارف ومش زعلان، أهم حاجة يافرح ان أى حاجة تخصك انتى متخبيهاش علية، احنا روح واحدة فى جسدين ولا ايه؟ ابتسمت وأومأت برأسها لينزل يده ويمسك يدها يتخلل اصابعها بأصابعه وهو ينظر الى الطريق وعلى شفتيه ابتسامة راضية لتقول فرح بسعادة: بس تعرف رغم اللى حصل انى فرحانة أوى يابدر.
ألقى اليها نظرة يرى السعادة على وجهها لينظر الى الطريق بحيرة قائلا: ليه بقى ياقلب بدر؟ ابتسمت لتدليله اياها وهى تقول: عشان شكل بيجاد اتخانق مع صوفيا خناقة كبيرة وفسخ الخطوبة، دى ما استنتش لغاية ماننزل اسكندرية عشان تسافر بلدها، ومشت من هناك علطول، يلا، غارت فى داهية. ابتسم بدر قائلا: الحمد لله، فاضل بس بيجاد يعرف الحقيقة وكل شئ يتصلح. نظرت فرح الى بدر قائلة فى حيرة:.
صحيح يابدر، هو ليه بيجاد مبيحبش حد يناديله باسمه ويناديله بس باختصاره. نظر اليها قائلا: تفتكرى يعنى مين السبب؟ اتسعت عيناها دهشة وهى تقول: مش معقول، عشان أمانى؟ ابتسم قائلا: أكيد كان بيحب اسمه منها ولما افتكر انها خانته، كره الاسم لانه بيفكره بيها، مش عايزة ذكاء يافرح.
كادت فرح أن تقول شيئا لولا ارتفاع رنين هاتف بدر لينظر الى الرقم المتصل به وعيناه تلتمعان، أمسك سماعة هاتفه ووضعها فى أذنه وهو يجيب الهاتف قائلا: أيوة ياجمال... استمع الى محدثه ليزداد لمعان عينيه وهو يقول: طيب كويس اوى، يعنى قال كل حاجة، طيب انا ادامى نص ساعة وأكون فى البيت هاتهولى على هناك، تمام، سلام. عقدت فرح حاجبيها قائلة: فيه ايه يابدر؟ ابتسم بدر قائلا فى غموض:.
كل اللى اقدر اقولهولك انى خلاص لقيت اللى كنت بدور عليه بقالى فترة، وباذن الله يكون الحل لكل اللى احنا فيه. نظرت اليه فى حيرة لتهز كتفيها وهى تنظر الى الأمام، الى حيث سيارة بيجاد التى تتقدمهم، تتساءل فى قلق عن حال أمانى الآن.
دلفت أمانى الى المنزل بخطوات حزينة مكسورة، تشعر بنفاذ طاقتها وعدم قدرتها على الاحتمال أكثر من ذلك، طوال الطريق وبيجاد غاضبا صامتا حتى عندما حاولت فريدة أن تحادثه نهرها بعنف مما جعلها تلتزم الصمت بدورها طوال الطريق، بينما حانت من امانى نظرة الى وجهه فى المرآه لتقابلها عينيه الغاضبتين يرمقها بنظرات حادة لم ترها منه من قبل، أشاحت بوجهها تبتعد عن نظراته التى جعلتها تنتفض، داخلها شعور يجتاحها، انه الضياع، تساءلت فى حيرة عن صوفيا التى لم تعد معهم، لتعود وتهز كتفيها بلا مبالاة، فلم تعد تهتم، نعم هى فقط لم تعد تهتم.
لقد ظنت البارحة ان بيجاد عاد اليها، عاد وعادت معه السكينة الى روحها لتستيقظ اليوم على هذا الفراغ الذى شمل روحها، تشعر مجددا بالهجران، حتى فوجئت بما حدث، تقدم خطيب آخر لها، وكل ذلك بسبب غضبه الذى أعماه عن رؤية ما هو واضح للجميع، كل ذلك بسبب نكرانه علاقتهما، نكرانه اياها، هو ينكر وهى تتمسك وفى النهاية، العذاب لها وحدها، كلا، الى هنا وكفى، لم تعد تحتمل، ستتركه وترحل وليكن ما يكون فلم يعد هذا الرجل زوجها الذى أحبته بل أضحى شخصا آخر لم تعد تتعرف على ملامحه مطلقا، ولم تعد قادرة على تحمل ما يعرضها له من عذاب..
أفاقت من أفكارها على صوته الجهورى الغاضب وهو يقول: رايحة فين ياهانم؟ التفتت ببطئ تتطلع إليه بنظرات مشوشة، رأت الجميع يدلف خلفه بينما اقترب منها بيجاد قائلا فى حدة: مجدى ايه اللى خلاه يتقدملك؟ ها؟أكيد شاف منك اللى شجعه على كدة، صح؟ اتسعت عيناها فى دهشة بينما تقدمت فرح تنوى التدخل ليمسك بدر بيدها يمنعها، لمعت عيون أمانى بالدموع وهى تقول بصوت ضعيف: صوفيا هى اللى... قاطعها قائلا فى غضب:.
صوفيا الشيطانة وانتى الملاك البرئ صح؟انتى فاكرة انى هصدق دموع التماسيح دى برده؟انتى أكيد لقيتيه صيدة سهلة، ساذج وهيصدق ملامحك البريئة دى، مش كدة؟ لم تجيبه وقد بدأت تشعر بالدوار ليمسك هو كتفيها ويهزها بعنف قائلا: ردى علية، جاوبينى؟ شعر الجميع بالقلق وهم يرون شحوب وجهها الشديد وترنحها بين يدي بيجاد الذى أصابه الهلع وهو يراها تقع بين يديه مغشيا عليها وسط صرخة فرح بإسمها.