رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل العشرون
كانت تقف أمام نفسها التي تتراجع للخلف ببطئ، وتبكى بحرقة، تخبرها أنها السبب في تحطيم فؤادها، وقتل آمالها وتدمير حياتها التي أصبحت بائسة دونه، وكانت هي تحاول التبرير... لم أكن أعلم، أقسم لك، لو علمت... لتصرخ نفسها مقاطعة، وماذا لو علمتى؟ لم تكونى لتفعلى أي شيئ، فأنتى أنانية وأنا لم أعد أتحمل أنانيتك وأفعالك...
ثم باغتتها لتقفز من الشرفة، كانت قريبة منها فإستطاعت إمساك يدها بقوة، بينما نفسها تحاول الإفلات تخبرها بفوات الأوان، لم تتخلى عنها بل تمسكت بيديها بكل مالديها من إصرار، رفضت فكرة الرحيل وتمسكت بها بكل مالديها من قوة...
رغم هذا الألم الذي ربض بأسفل بطنها نتيجة لضغطها القوي ببطنها على سور شرفتها، زاد الألم حتى بات لا يحتمل، ومع إزدياده كانت نفسها تفلت من يدها، حتى كانت الصرخة ثم الصدمة وهي ترى نفسها قابعة على الأرض ينبثق من جسدها الدماء، لتتراجع برعب وتسقط على ركبتيها ترى الدماء تخرج من جسدها بدورها تحيطها كبركة، ثم اسودت الدنيا في عينيها وسقطت مغشيا عليها...
استيقظت تتصبب عرقا، وتشعر بالرعب يسرى في أوصالها، تحسست بطنها في رعب ثم ضمت ركبتيها إلى صدرها بقوة تخشى هذا الكابوس المريع... سمعت طرقات على الباب ثم دلفت هاجر إلى الحجرة وما إن رأتها على تلك الحالة، حتى أسرعت إليها قائلة في قلق: -سمر، مالك ياحبيبتى؟ طفرت الدموع بعينيها تتساقط على وجنتيها كنهرين متدفقين وهي تمسك بيدي هاجر بين يديها قائلة:.
-كابوس بشع ياهاجر، انا كنت قصاد نفسى والله كنت قصادها وفجأة رمت نفسها من البلكونة، حاولت ألحقها بس مقدرتش، وقعت من البلكونة وماتت وأنا غرقت في الدم، ألم ميتوصفش. لتترك احدى يديها مشيرة إلى قلبها قائلة بمرارة: -حاساه هنا وكأنه لسة حي، حاسة بوجع ومرارة ملهاش حدود، وكأنه حقيقة مش كابوس، أنا تعبانة أوى ياهاجر، تعبانة أوى. نظرت هاجر إلى عينيها قائلة بثبات: -قومى إغسلى وشك وتعالى نروح لهادى. قالت سمر بصدمة:.
-هنسافرله مصر عشان كابوس؟ما كفاية أتصل بيه. قالت هاجر: -هادى هنا في اسكندرية، جه امبارح، على أي حال كنت هروحله النهاردة فقومى تعالى معايا، أكيد هتلاقى في كلامك معاه اللى هيريحك. أومأت سمر برأسها بوهن قائلة: -جه في وقته، يلا بينا. قالت هاجر: -استنى هتصل بمجد عشان ييجي معانا. عقدت سمر حاجبيها قائلة: -مجد!طب ليه؟ قالت هاجر بإرتباك:.
-أصل يعنى حسن منبه علية مخرجش غير معاه، عشان يعنى اللى حصل قبل كدة وبما ان حسن النهاردة وراه عملي في المستشفى ونزل من بدرى، فهكلم مجد ييجى معانا ومعتقدش يعني هيمانع. تأملتها سمر بحيرة تشعر بتوترها، تتساءل عن السبب، ولكنها كانت في حالة من التشوش جعلتها تومئ برأسها موافقة، فلا طاقة لها بالتفكير، الآن.
قالت نور باستنكار: -يعنى إيه مش هاخد عمولة، اشمعنى المرة دى يعني؟ايه اللى اتغير؟ قال حسام بهدوء: -اللى اتغير انك بقيتى مراتي، يعنى مينفعش تاخدى عمولة على فلوسي، اللى هي فلوسك برده ولا إيه؟احنا مش بقينا في مركب واحدة؟ قالت بحنق: -أيوة بس... قاطعها قائلا: -من غير بس، الموضوع ده انتهى خلاص، من فضلك بقى روحى على شغلك عشان أركز في الورق اللى أدامى ده.
قرن قوله بالعودة لتلك الأوراق التي كان يراجعها قبل دخولها، لتنظر إليه نور بحنق لصرفه اياها على هذا النحو وإلغاء عمولتها أيضا، لتخطو خارج الغرفة بخطوات حانقة تقول في غيظ بنبرات حادة: -ماشى ياحسام، لما أشوف آخرتها معاك إيه؟
كان مجد يجول أمام الحجرة جيئة وذهابا، يتساءل عن حالة سمر بالداخل، لقد رأى خوفها في عينيها، ورعشة يديها، هي تخشى تلك الذكرى التي رأتها، نعم، تخشاها بكل كيانها، وبينما هي بالداخل مع الطبيب هادى تصارع ذكرياتها المريرة، يقف هو بالخارج عاجزا عن تقديم يد العون لها وكم يقتله ذلك...
اقترب من باب الحجرة يستند عليه بكلتا يديه وجبهته مغمضا عيناه بقوة، يتمنى فقط لو كان معها الآن، يمسك بيدها داعما لها، يخبرها أنه حدها ولن يتركها أبدا، ولكن تظل أمنياته حتى الآن، مستحيلة.
قال هادى بصوت رخيم: -وتفتكري تفسير حلمك ده إيه يامدام سمر؟ قالت سمر في حيرة: -مش عارفة يادكتور، كان ممكن أقول إنها ذكرى حية من الماضى بتاعى لولا ان اللى كنت بحاول أنقذها شبهي، نسخة منى، أنا فضلت أفكر وملقتش للكابوس ده غير معنى واحد، انه ناتج عن عقلى الباطن وانى شايفة نفسى بتروح منى، وبحاول أنقذها بس في الآخر مقدرتش، أو عارفة انى مش هقدر. نظر هادى إلى عمق عينيها قائلا:.
-انتى مقتنعة فعلا بالكلام اللى انتى بتقوليه ده؟ كادت أن تجيب بنعم ولكن نظرة واحدة إلى عينيه وأدركت أنها لن تستطيع أن تكذب عليه فمن الواضح أنه سبر أغوارها لتهز رأسها نفيا قائلة: -لأ. تراجع في مقعده قائلا: -ليه؟ قالت بحيرة:.
-من جوايا حاسة بإن اللى شفته ده حصل فعلا، إزاي معرفش، بس جوايا حاسة بنفس الألم اللى حسيته في الكابوس، نفس الخوف والصدمة، نفس الرعب، وخصوصا لما شفت نفسي وهي جثة في الشارع وبعديها لما شفت الدم اللى نزل منى. كان هادى يصغى إليها بإهتمام حين قالت مستطردة: -أقولك حاجة كمان أنا حاسة بيها؟ أومأ برأسه لتقول:.
-أنا كنت حامل والبيبي نزل، في اللحظة دى بالذات حسيته نزل، متستغربش، فيه ذكرى جتنى من يومين، بس أنا مصدقتهاش لإنى لما فقت في المستشفى، تقاريرى مكنش فيها انى دخلت العمليات غير مرة واحدة بس لما عملت الزايدة، وانى مسبقش لية الإنجاب، بس في الذكرى دى أنا كان جوايا طفل، وكنت فرحانة بيه، وبكلمه، بس خبيت على جوزى لإنى كنت خايفة مينبسطش بالخبر ده، ومكنتش عارفة هقوله إزاي، أكيد الذكرى دى كانت حقيقية، قلبى حاسس، إزاي؟مش عارفة، وازاي كمان شفت نفسي بتموت وأنا أهو أدامك، حية وبتنفس، أنا هتجنن يادكتور.
قال هادى: -وليه متقوليش ان دى مكنتش نفسك؟ عقدت حاجبيها قائلة: -قصدك إيه يادكتور؟ قال هادى بهدوء: -أختك التوأم مثلا. إتسعت عينيها بدهشة، قبل أن يتردد صوتها في رأسها يردد بتوسل أوعى ياسحر، أبوس إيدك متعمليهاش، عشان خاطرى أنا، أختك حبيبتك اللى متقدرش تعيش من غيرك.
أمسكت رأسها وقد أصابها وجع شديد بها، تفور الدماء في عروقها، تعالى صوت توسلاتها داخل رأسها، الوجع يزداد والألم أصبح لا يطاق، يرتعش جسدها بقوة، لا تستطيع أن تجيب على نداء طبيبها القلق، قبل أن ترفع وجهها إلى السماء، صارخة: -سحرررررررررر.
كان مجد جالسا بالخارج، متكئا على فخذيه بكوعيه، مغمضا عينيه، يمسك هذا الجسر مابين حاجبيه بإصبعيه السبابة والإبهام، حين وصلته صرختها المدوية، انتفض واقفا يهرع إلى الحجرة يدلف إليها دون إستئذان، فوجدها مغشيا عليها يحاول هادى إفاقتها دون جدوى، كان إلى جوارها في ثوان يمسك بيدها الأخرى يقول لهادى بإضطراب قلق: -سمر مالها ياهادى؟طمنى أبوس إيديك. قال هادى وهو مازال يحاول إفاقتها:.
قالت هاجر بإبتسامة: -خلاص ياسيدى متزعلش، ما هو انت النهاردة اللى كنت مشغول ووراك عملي برة الكلية، عموما المرة الجاية هقولك تيجى معانا عشان تتعرف بهادى، أو أقولك فكرة أحسن، هخلى هادى يعزمنا كلنا على العشا وأهو بالمرة يتعرف على باقى العيلة، ده ما هيصدق. إستمعت إليه لتتسع إبتسامتها قائلة: -لا ياخفيف، عشان سمر أختك طبعا، أنا مش قلتلك انه بيحبها وعايز يتجوزها، ومن فترة طلبها من أخوك.
صمتت ثم قالت باستنكار: -ياسلام، هو المفروض عشان الواحد يخطب واحدة يطلبها من رجالة عيلتها واحد واحد؟ صمتت ثم قالت بخجل: -لأ، أنا مليش غير أخ واحد وبعدين اللى هيخطبنى لازم ياخد رأيي أنا الأول. إتسعت عيناها بإستنكار قائلة: -بقى أنا بايرة، طب اقفل دلوقتى ياحسن، انا غلطانة اللى سبت مجد يستنى سمر برة الأوضة لوحده وخرجت عشان أكلمك وأطمنك علينا. ثم أغلقت الهاتف وهي تزفر بحنق قائلة: -مغرور ولسانه طويل.
ثم تنهدت قائلة: -صحيح مغرور بس حبتيه ياهاجر، وبتدعى ليل ونهار يبقى من نصيبك.
كانت تجلس على مكتبها تطالع شاشة اللاب أمامها بتركيز، تترجم بعض الرسائل عليه، نعم، هو يومها الأول بالعمل ولكنها تريد أن تثبت كفائتها وأنها تستحق تلك الوظيفة التي منحها إياها يوسف، تستحق فرصتها الثانية في الحياة، إبتسمت تطالع رسالتها الأولى والتي ترجمتها بحرفية، لتضعها في ملف خاص بالشركة التي أرسلتها، ثم بدأت بترجمة رسالتها الثانية، عندما طرق بابها فأذنت للطارق بالدخول، أطل يوسف برأسه قائلا:.
-ها، إيه الأخبار؟ قالت بثقة: -كل شيئ تمام يامستر يوسف، متقلقش. إقترب منها قائلا بإبتسامة: -مش قلقان خالص على فكرة، أنا واثق فيكى ياسماح. إبتسمت بهدوء، ليقترب ويجلس أمامها قائلا: -إزيك دلوقت؟ أدركت أنه يسألها عن حالتها النفسية بعد تلك المأساة التي غيرت حياتها، لتتعجب من نفسها فبداخلها لا أثر للحزن أو الرثاء على حالها، فقط الفراغ، الخواء الكامل هو ماتشعر به، لتتنهد قائلة:.
-أنا كويسة، أكيد محتاجة وقت عشان ألملم فيه نفسى وأقدر أتخطى أزمتى، بس الأكيد انى واثقة في إنى هقدر، طول ما انتوا حوالية، بجد وجودكم جنبى فرق كتير، فرق كتير أوى. ابتسم بارتياح قائلا: -الحمد لله، هي دى سماح اللى أعرفها. تراجعت تستند الى ظهر مقعدها قائلة بإبتسامة: -قصدك اللى خنقاك ماجى ليل ونهار بالكلام عنها. إبتسم وهو ينهض قائلا: -انتى الأخت اللى معرفتش غيرها ياسماح، ربنا يخليكى ليها.
قالت سماح بابتسامة واسعة: -ويخليها لينا. إتسعت إبتسامته قائلا: -يارب، أنا همشى دلوقت ولو احتجتينى رنى علية. أومأت برأسها مبتسمة، ليغادر بهدوء تتبعه عيونها قبل أن تقول: -صحيح، الوفاء والإخلاص في الزمن ده بقى عملة نادرة، بس الحمد لله ربنا كرمنى بعيلة زي دى، محاوطانى بالحب والاهتمام والاخلاص اللى عوضنى عن كل حاجة وحشة حصلتلى في حياتى، لترفع رأسها إلى السماء قائلة بتضرع:.
-يارب إحفظلى عيلتي وإبعد عني كل خاين ملوش أمان، يااارب.
مرت الأيام بطيئة على أبطالنا يحاول كل منهم أن يرى في فرصته الجديدة، حياة، ماعدا هذا الذي كان يجلس على كرسي إلى جوار سريرها، هذا الذي توقفت حياته تماما بغيابها، كان يمسك بيدها بين يديه، يتأمل ملامحها الساكنة بدموع ربضت بعمق عينيه، يقول في مرارة:.
-أسبوع بحاله وانتى رافضة ترجعيلي، ترجعى للى حبك من كل قلبه ومستعد يفضل طول العمر مستنيكي، أسبوع بحاله ياحبيبتى وانتى هربانة في غيبوبتك من واقع رفضاه، واقع مكنش ليكى أي ذنب فيه، في الأول والآخر كنتى انتى الضحية. رفع يدها إلى شفتيه يقبلها ثم قال بعشق:.
-عشان خاطرى إرجعيلى، قلبى مبقاش حمل فراقك، قلبى واجعنى أوى، أوى ياحبيبتى، انتى عارفة، أنا عمرى ما كنت أتخيل إنى هحب حد بالشكل ده، أنا بحبك بجنون ومستعد أموت لو بموتى هتفوقى وتبقى كويسة. تنهد بحزن عندما رأى دمعة تسقط على وجنتها من خلال أهدابها المغلقة، ليشاركها بدمعة سقطت على وجنته بدورها قائلا:.
-حتى وانتى في غيبوبتك بتنزل دموعك بسببي، الظاهر ان وجودى في حياتك بيتعسك وبس، بيإذيكى وبس، وأنا مبقتش قادر أتحمل أشوفك بالشكل ده، مبقتش قادر أتحمل فكرة إنى السبب في ألمك، لدرجة انى بفكر أعمل حاجة مكنتش أتخيل انى في يوم هعملها، الظاهر إنى لازم أبعد عنك عشان تقدرى تكونى سعيدة، مش يمكن لو بعدت تفوقى وتبقى كويسة.
ليلمس وجنتها بحب امتزج بالحزن، ثم مال مقبلا إياها بعشق، مغمضا عينيه يستنشق رائحتها العبقة، رائحة الياسمين خاصتها، ربما لآخر مرة، قبل أن يبتعد عن وجهها ناظرا إليها بألم يدرك أنه ربما يكون فراق للأبد، نهض ينظر إلى أيديهما المتشابكة ليضم قبضته على كفها الرقيق ثم يطلق سراحها، قائلا بمرارة:.
-عشانك بعدت وعشانى رجعتلك، بس من تانى أنا مجبر على البعد، يمكن ببعدى ترجعيلنا من تانى، يمكن أنا الحاجز اللى واقف بينك وبين رجوعك لدنيتنا، يمكن لما أبعد بجد تعيشى، مش مهم أنا ومش مهم مشاعرى، كل اللى يهمني انتى، انتى وبس، هتوحشيني بحجم السما والأرض، هتوحشينى أد كل دقة في قلبى رافضة إنها تبعد عنك، هتوحشينى أد كل كلمة حب كان نفسى أقولهالك وفضلت جوايا، أشوفك بخير يابنت قلبى.
إستدار بدموع تساقطت على وجنتيه كشلال متدفق، ليوقفه يد تمسكت بيده، إلتفت بسرعة ناظرا إليها، ليجدها مستيقظة تنظر إليه بوهن تهمس بإسمه بنبرات ضعيفة، ليهرع حدها يتمسك بيدها بقوة يقول بسعادة: -انتى فقتى، صح؟ أنا مبحلمش، مش كدة؟ هزت رأسها وتطلعت إليه بعيون غشيتها الدموع قائلة بمشاعر ظهرت واضحة بتلك العينان رغم الدموع الرابضة بهم: -وحشتنى يامجد، وحشتنى أوى. عقد مجد حاجبيه قائلا بحيرة: -سمر...
قاطعته وهي تهز رأسها نافية قائلة: -زوزا، أنا زوزا يامجد. لتتسع عيون مجد، بقوة.
رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والعشرون
الحقيقة هي تلك الوقائع التي حدثت بالفعل في حياتنا، نعيشها بكل تفاصيلها، قد نحبها أو نبغضها، الحقيقة قد تكون مرضية لنتباهى بها، أو مؤلمة بشدة حتى أننا قد نواريها، في طي النسيان. إقترب منها بسرعة يجلس بجوارها قائلا بلهفة: -زوزا... إبتسمت بمرارة تهز رأسها قائلة بعيون غشيتها الدموع: -أيوة يامجد، أنا زوزا، مراتك اللى ضيعت أختها بغبائها وضيعت إبننا إحنا كمان. أمسك يدها بسرعة قائلا بنفي قاطع:.
-مكنش ذنبك، والله ماكان ذنبك، أختك هي اللى كانت مريضة بالوسواس القهري، كان عندها هلاوس مرضية، عمك اللى قاللى كدة لما دفناها، قاللى إنه وداها للدكتور في البلد لما لاحظ انها مش طبيعية وبتتخيل حاجات مش حقيقية، الدكتور قاله كدة، عمك قال ان عقلها كان مصورلها إن أنا وهي بنحب بعض وان انتى أخدتينى منها، انتى ربنا نجاكى في اليوم ده ياحبيبتى عشان خاطرى أنا، كانت جاية تقتلك بس قتلت نفسها لما صدمتيها برسايلي اللى فوقتها من هلاوسها، وانتى بتحاولى تنقذيها فقدتى ابننا، برده مكنش ذنبك، لو مكنتيش عملتى كدة، لو مكنتيش حاولتي تنقذيها حتى لو على حساب نفسك مش هتبقى زوزا اللى حبيتها،.
نظرت إليه بعيون غشيتها الدموع قائلة: -يعنى انت مش زعلان منى؟ هز رأسه نفيا وهو يطالعها بحنان قائلا: -أنا زعلان من نفسى، زعلان انى معرفتش أد إيه بحبك غير لما كنتى هتضيعى منى، زعلان انى ضيعت سنتين بحالهم معاكى محمدتش ربنا في كل لحظة فيهم انه هدانى بيكى، معاملتكيش المعاملة اللى تستاهليها ولا كنت جنبك وقت مااحتاجتينى، زعلان على حاجات كتير ضيعتها... وضعت يدها على فمه قائلة بحب:.
-اللى فات مات، متزعلش عليه، وأي حاجة راحت مننا هنعوضها. قبل يدها بعشق، لترفعها بخجل، إبتسم على زوجته الرائعة الخجول التي عادت إليه بعد عذاب أضناه في بعدها، وجدها تضحك فنظر إليها باسما وهو يقول: -إيه اللى بيضحك حبيبتى بالشكل ده؟ نظرت إليه قائلة: -بفتكر اللى حصل من يوم ماقابلتك تانى هنا في إسكندرية، وكأننا بنعيد قصة حبنا من جديد. قال بإبتسامة:.
-مع الفرق طبعا، كنت أنا بتعذب وأنا هموت وآخدك في حضني، أصرخ للدنيا كلها وأقول انى بحبك، انى اشتقت لمراتى وانتى طبعا ولا على بالك. قالت بإبتسامة هادئة: -أنا كمان كنت بتعذب، مابين واحد متجوزاه ورافضة إهماله لية وواحد كل اهتمامه بية بس مع الأسف غريب عني ومابين واجبى وقلبى أنا كنت في النص، حيرانة ومتلخبطة، حزينة ومش عارفة أعمل إيه. مال ينظر إلى عمق عينيها قائلا: -ولو خيروكى بين الإتنين كنتى هتختارى مين؟
قالت بصدق تغلفه نبرات الحب: -كنت هختارك انت يامجد، انت جوزى وحبيبى، قلبى وعقلى، واجبى وعشقى. تأمل ملامحها بشغف، ليميل على شفتيها طابعا قبلة رقيقة ثم وضع جبهته على جبهتها يغمض عينيه قائلا بنبرات هائمة: -وحشتينى يابنت قلبى، ووحشنى كلامك. أغمضت عيناها بدورها تستمتع بقربه قائلة: -انت كمان وحشتنى، رغم انك مفارقتينيش ولا لحظة. قال بحب:.
-هادى قاللى ابعد عنك شوية لإنك قررتى تنسى الماضى اللى بيعذبك وأنا جزء منه، بس انا مقدرتش، مقدرتش أبعد عنك ولا لحظة، خفت عليكى. ليبتعد عن وجهها يطالعها بعشق قائلا: -خفت تنسينى أكتر، خفت تروحى منى، قلتله هكون على مسافة قريبة، عشان أقدر أخلى بالى منك، وفي نفس الوقت برسايلى أحاول أفكرك بمشاعرى، بية، كان خايف، بس أنا كنت واثق إنى هقدر أوصل لقلبك، عملتها مرة ومستعد أعملها مليون مرة. إبتسمت قائلة:.
-أد كدة بتحبنى يامجد. قال بلهجة قاطعة: -وأكتر، أنا محبتش أدك ومش هحب حد أكتر ما بحبك، انتى مراتى وحبيبتى وأختى وبنتى، انتى روحى يازوزا. طالعته بسعادة قائلة: -كان فين الكلام الحلو ده من زمان يامجد. رفع يدها يقبلها قبل أن يقول:.
-كان في قلبى ياقلب مجد، كان مستخبى جوايا، بس فراقك خرج كل حاجة مستخبية، ووعد منى انى مش هخبى مشاعرى من تانى وانى أكون لك كل حاجة حلمتى بيها، ده انتى حتة من ضلعى، أذيتك كتير وكسرتك كتير بس وعد منى هجبرك. تأملته بعشق، تثق بأنه قادر تماما على وفاءه بوعده، إقترب من شفتيها، يرغب في تذوق شهدها الذي حرم منه طويلا ولكنها أوقفته قائلة: -إستنى هنا، قوللى، فيه حاجات محيرانى ولازم أفهمها. تراجع قائلا بإبتسامة:.
-اتفضلى ياستى، قولى. أشارت له بسبابتها وهي تعقد حاجبيها وتذم شفتيها بطريقة محببة حتى أنه كاد أن يقبلها مجددا ويؤجل الحديث لوقت لاحق، ولكنها قالت: -انت عملت إيه خليت الشيخ سالم يمشى ويمشى الناس اللى معاه، وكنت دايما بتمضى الجوابات ب(ز ا م)، اللى هو إيه يعنى، ها؟ إتسعت إبتسامته وهو يقترب منها حتى لفحتها أنفاسه وهو يقول:.
-وريت للشيخ سالم عقد جوازنا طبعا واللى فيه أسامينا وصورنا كمان، وإلا مكنش هيسيبنا اليوم ده غير واحنا مطرودين من الشارع بفضيحة كمان، أما (ز ا م)، فمعناها، زوجك، ليقبل ثغرها برقة فشعرت بقلبها يذوب عشقا... ، المحب، ثم عاد يقبلها مجددا برقة سارعت من أنفاسها وزادت من درجة حرارتها وهو يستطرد: مجد.
ليقبلها قبلة طويلة أودع فيها كل مشاعره التي تتوق إليها، وإستسلمت هي لتلك المشاعر، بإشتياق خفقات زوجة لعشق زوجها الذي إجتاحها، ليثبت لها في كل لحظة، أنه تغير، كلية.
لا نعرف قيمة الأشخاص حتى نفقدهم ولا نفتقد وجودهم حتى نفقدهم ولا ندرك كم قصرنا في حقوقهم، حتى نفقدهم ولا نتمنى عودتهم، حتى بالفعل نفقدهم كان (حسام)يجول بين أرجاء المنزل يتلمس طيفها، هنا كانت تستقبله عند عودته من العمل بكوب من العصير، وإبتسامة شافية، وهنا كانت تعد له الطعام، وهنا كانت تجلس إلى جواره تشاركه اهتماماته، هنا كانت، وهنا كانت، وهنا ضرب بكل ما كانت له عرض الحائط،.
هنا تجاهل وأهمل وخان وأهان، وهنا، فقدها للأبد. جلس على الأريكة يبكى كطفل صغير إفتقد أمه، كشاب إفتقد حبيبته، وكرجل تاق إلى زوجته التي أصبحت الآن رسميا، طليقته. يبكى بحرقة كما لم يبكى من قبل يدرك أن خسارته فادحة وتعويضها، مستحيل.
دائما مانخشى السعادة، يخبرنا قلبنا أننا في أكثر لحظاتنا فرحا ستنطفئ تلك الفرحة ويطل الحزن علينا من جديد، فلا نسمح لقلوبنا أن تعيش الفرحة كاملة فنطوى فرحتنا دائما وننتظر مايفسدها... كانت سماح تشعر بسعادة طاغية، فكل شيئ يبدو على مايرام في حياتها الآن وفي حياة أخواتها أيضا... مجد عادت له زوجته التي أحيت نبضات قلبه مجددا وأعادته للحياة وقد أخذها مسافرا إلى الأقصر لقضاء شهر عسل جديد،.
وسمر تمت خطبتها للطبيب هادى وهي بدورها تبدو سعيدة راضية أما حسن فمن الواضح أن هناك قصة حب تجمعه بهاجر، وقريبا ستسمع خبر يسعدها. مراد مستقر في مدرسته وإن بدا منغلقا على نفسه منذ طلاقها من حسام لا يريد رؤيته أو الحديث معه، رغم محاولات حسام لمحادثته عن طريق أخيها مجد قبل سفره. تظل هي، بماذا تشعر؟
الراحة، نعم تشعر براحة، بقلب يشفى من جراحه ببطئ ولكنه بالتاكيد يفعل، يبنى نفسه مجددا بعد أن تهدم، يصارع من أجل البقاء حيا، فهي تقاتل بكل ضراوة من أجل تلك الفرصة الثانية التي منحها إياها ربها. ولكنها تخشى، تخشى القادم بقوة، تخشى أن يحدث مايفسد فرحتها ويدمر حياتها الجديدة والتي تظللها سعادة واهية مهددة بالزوال. إنتفضت على صوت طرقات على الباب، سمحت للطارق بالدخول، فأطل يوسف برأسه مبتسما وهو يقول:.
-إستعدى ياسماح، رائف خارج في ميتنج مع عملا ألمان ومحتاجلك. أومأت برأسها بإبتسامة مهزوزة، ليغادر مغلقا الحجرة، بينما اهتز قلبها بين أضلعها، تخشى هذا الإجتماع الذي قد يمر بخير ويتركها سعيدة كما هي، أو قد تفسد هي الأمر، فتزول سعادتها ربما، إلى الأبد.
كان مراد يمشى في طرقات المدرسة بسرعة ذاهبا إلى المكتبة حيث يود أن يكمل هذا الكتاب الذي بدأ بقرائته البارحة قبل أن تنتهى فترة الإستراحة، ويعود لدروسه، فجأة إرتطم بأحدهم فوقع على الأرض، أسرع لمساعدته فوجدها فتاة جميلة، نظرت إليه بعينيها الخضراوتين ذات الأهداب الطويلة حانقة، ترفض يده الممدودة إليها بالمساعدة وهي تنهض بعصبية تنفض تنورتها ليقول بإحراج: -أنا... توقفت عما تفعله قائلة بغضب:.
-انت إيه، ها؟أعمى ومبتشوفش، مش تاخد بالك من البنى آدمين اللى حواليك. حل الغضب محل الأسف في عروقه، ليقول بحنق: -والله إنتى اللى ظهرتى فجأة أدامى، وعموما أنا كنت ناوى أعتذر بس خلاص سحبت إعتذارى. مشى خطوة ولكنه توقف حين وصل إلى مسامعه صوتها وهي تقول بغيظ: -قليل الذوق. إلتفت إليها رامقا إياها بحدة قائلا: -وانتى متربتيش. إتسعت عيونها بإستنكار قائلة: -انا متربتش، انت عارف أنا بنت مين ياحيوان انت؟
إنتفخت أوداجه غضبا واقترب منها قائلا بصوت كالفحيح: -كل اللى أعرفه انك بنت مغرورة وعايزة تتربى من جديد... اقتربت ياسمين بسرعة من مراد تقف بينه وبين الفتاة مقاطعة إياه قائلة: -إهدى يامراد، مش كدة، دى بيرى بنت آنكل رائف مدير مامتك في الشغل. زمجر مراد قائلا: -وهو ده يديها الحق تقل ادبها علية ياجيسى وتبتدى بالغلط وتقولى ياحيوان، ماهو لو مامتها كانت ربتها كويس مكنتش... قالت ياسمين مقاطعة إياه بحنق:.
-مامتها ماتت من زمان يامراد. شعر مراد بالصدمة وألقى نظرة على تلك التي أطرقت برأسها، تخفى ملامحها الحزينة ربما، ليتأكد من ذلك، وهو يراها تمد يدها وتمسح وجنتها، إنها تبكى وكم فطر هذا قلبه، ظل صامتا يطالعها بينما سمعها تقول بصوت متهدج دون أن ترفع وجهها: -انا رايحة الفصل ياجيسى،.
ثم غادرت بخطوات سريعة يتابعها مراد بعينيه، وفي حلقه إستقرت غصة، هو لا يستطيع أن يتخيل أحد يعيش بلا أم، فالأم هي الحياة، طوق النجاة لأولادها، الحنان متجسدا، ودونها تطمس معالم تلك الحياة ويخبو نورها، وتلك الفتاة تعيش بلا أم، تعيش بلا حياة.
تابع رائف سماح وهي تترجم كلماته لهذا الوفد الأجنبي بنظرة إعجاب، فمن يراها الآن تخاطبهم بتلك الثقة والحيوية، لم يراها وهي جالسة بجواره في السيارة، تفرك يدها بتوتر وتتسارع دقات قلبها من الخوف ربما، حتى وصلا إلى المطعم وكادت أن تهبط من السيارة، ليستوقفها صوته وهو يقول: -إنتى أدها ياسماح. ليختفى الخوف من عينيها وتلمع عيونها بثقة، قبل أن تهبط منها،.
وها هي ذا، تثبت أنها بارعة حقا وتستحق تلك الوظيفة التي منحها إياها، عقد حاجبيه وهو يرى ملامحها التي تغيرت فجأة، وظهر الغضب عليها قبل أن تقول بعض الكلمات لمدير العلاقات العامة للشركة الألمانية(غيرد)، الذي عقد حاجبيه واحمر وجهه، مال رائف على سماح يقول لها: -حصل إيه ياسماح، الراجل ده قالك إيه خلى ملامحك تتغير بالشكل ده؟ قالت سماح بتوتر: -مقلش حاجة يامستر رائف، أنا بس... رمقها رائف بعتاب قائلا:.
-أنا متعودتش أسمعك بتكدبى ياسماح، من فضلك قوليلى الحقيقة. نظرت إلى عمق عينيه، شعرت بأنها لن تستطيع الكذب عليه، لتقول مستسلمة: -كان بيسألنى مرتبطة أو لأ ولما قلتله انى مطلقة، قاللى ان طليقى خسر خسارة كبيرة وانه مستعد يعنى، يكون البديل. ظهر الغضب في عيون رائف وإنتفخت عروقه، لتسرع قائلة: -بس أنا رديت عليه وقلتله إنى أكيد مش هحب أخرج من مصيبة لمصيبة أكبر.
رغم أنها أثلجت قلبه بإجابتها، ولكنه كان مايزال غاضبا وبشدة، لينهض فجأة، نظر إليه الجميع بدهشة وتوترت سماح قائلة: -مستر رائف! رمق (رائف )(غيرد)بغضب قائلا لسماح: -قوليلهم انى مش مستعد أتعامل معاهم وبينهم إنسان مش محترم وإنى آسف جدا ومضطر ألغى الاجتماع. قالت سماح برجاء: -مستر رائف... قاطعها قائلا بحزم: -قولى ياسماح. نظرت إليهم سماح مرددة كلمات رائف، ليمسك يدها ينهضها قائلا: -يلا بينا.
رغم إضطرابها من يده التي تتشابك مع يدها إلا أنها تبعته بصمت، حتى ترك يدها وفتح لهت الباب لتدلف إلى السيارة، ثم إتجه إلى مقعده ويطجلس عليه ممسكا بمقود السيارة بقوة، كاد ان يدير السيارة، لتقاطعه سماح قائلة بنبرة حزينة: -أنا آسفة انى ضيعت... إلتفت إليها مقاطعا إياها قائلا بحزم: -متتأسفيش ياسماح، الشركة بتبان من ممثليها وإذا كان ممثليها بالأخلاق دى، يبقى نلغى أي تعامل بينا من دلوقتى أحسن،.
ليتأمل ملامحها الجميلة الهادئة للحظة قبل أن يقول: -وبعدين، كرامتك من كرامتى وإحترامك من إحترامى وان مقدرتش أحافظ عليكى يبقى انتى إخترتى تشتغلى مع الراجل الغلط ياسماح. تأملته بدورها تتردد كلماته في عقلها تجبرها على المقارنة بين هذا الرجل الذي تعمل معه ويحافظ على كرامتها ويعدها ككرامته وبين هذا الذي شاركها حياتها فإغتال كرامتها، بقسوة.
أوصلها رائف وتركها تدلف إلى الشركة بينما يصف سيارته، لتدلف إليها تشعر بسعادة غير مفهومة، كادت أن تدخل إلى حجرة مكتبها حين رأت من خلال باب موارب، فتاة صغيرة تجلس في المكتب المقابل لها والذي يخص سكرتيرة مديرها رائف، تمسح دموعها برقة، أدمت قلبها، وجدت نفسها تدنو منها رغما عنها، يدفعها قلبها كأم ربما أو فضولها لمعرفة ما يؤرق تلك الملاك،.
دلفت إلى الحجرة فإنتبهت إليها الفتاة، لتنظر إليها برقة امتزجت بالحزن والفضول، لاحظت سماح خلو المكتب من السكرتيرة فاقتربت منها سماح قائلة: -ممكن أقعد؟ أومأت الفتاة برأسها، لتحاول سماح أن تتحدث معها قائلة: -انتى قريبة عبير؟ تأملتها الفتاة دون أن تنطق، ربما هي تخشى الغرباء أو أنها خرساء، لذا إبتسمت سماح قائلة وهي تمد لها يدها: -أنا سماح زميلة عبير وبشتغل معاها هنا، وانتى إسمك إيه؟ قالت الفتاة بصوت مهزوز:.
-بيرى. بيرى، إذا الفتاة تتحدث، هي فقط حزينة، ترى لماذا؟ قالت بهدوء: -طيب ممكن أعرف ليه واحدة في جمالك بتعيط؟ لم تجبها، إبتسمت سماح قائلة: -هحكيلك حكاية، مرة كان فيه بنوتة بتعيط جنب شجرة، فجأة سألتها الشجرة ليه البنوتة بتعيط، قالتلها البنوتة كل البنات في المدرسة بيضايقونى وبيقولولى ياقصيرة.
قالتلها الشجرة وإيه يعنى، ليه تزعلى وتعيطى، مفيش حاجة في الدنيا تستاهل دموعك الغالية، كل حزن بيتولد كبير وبيصغر بعدها، دمعتك بتضلم دنيتك وضحكتك بتنورها من تانى، وبعدين انتى صحيح قصيرة بس ده عشان صغيرة، بكرة هتكبرى وتبقى طويلة أد النخلة اللى هناك دى، واللى بيضايقك مش هيعرف يوصلك غير بسلم، وساعتها لومش عايزاه ابقى وقعى السلم.
ضحكت بيرى بقوة بينما إبتسم رائف الذي يقف بالخارج يستمع إلى حكايتها العجيبة تلك ولكنها نجحت في أن تجعل ابنته تضحك كما لم يسمعها من قبل... دلف رائف إلى الحجرة لتندفع بيرى إلى أحضانه فضمها يحملها ويقبلها بوجنتها بحب ثم أنزلها قائلا: -ايه اللى جاب أميرتى دلوقتى؟ قالت بإبتسامة: -كنت متضايقة شوية فخليت عم سعد السواق يجيبنى الشركة، لتنظر إلى سماح قائلة: -بس خلاص مبقتش متضايقة يابابى.
رمقتهما سماح في حيرة قائلة: -هي بيرى تبقى... قاطعها قائلا بإبتسامة: -بنتى. إبتسمت بينما عبير تدلف إلى الحجرة وتحمل علبتين من العصير وقالب شيكولاتة لتتوقف حين رأتهم، قائلة: -انتوا هنا، كويس أوى، مستر رائف فيه مشكلة في قسم الحسابات ومستر يوسف قاللى أول ماتوصل أبلغك تروحله هناك. أومأ برأسه بهدوء، فإستطردت قائلة: -حضرتك ممكن تسيب بيرى معايا... لتقول بيرى بسرعة: -لأ، أنا هقعد مع طنط سماح شوية في مكتبها.
نظر رائف إلى سماح التي أومأت برأسها بإبتسامة ليومئ برأسه موافقا، فمدت سماح لبيرى يدها فأمسكتها برقة قبل أن يغادرا الحجرة تتبعهما نظرات رائف القلقة، تحتاج إبنته فقط إلى القليل من الحنان الصادق لتتعلق بالأشخاص، وقد تعلقت بسماح كما يبدو، وهذا يقلقه، حتما.
رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والعشرون
دلفت سماح إلى حجرة طفلها فور عودتها من العمل بعد أن أخبرتها سمر بأن مراد عاد من المدرسة مكفهر الملامح وأنه رفض الطعام، رأته جالسا على سريره يضم ركبتيه إلى صدره ويضع جبهته عليهما، إقتربت منه ينتابها القلق، جلست بجواره ووضعت يدها على رأسه قائلة بهمس قلق: -مراد. رفع رأسه يطالعها بوجه باك وعيون ظهرت العبرات فيهما، لتقول بجزع: -مالك يامراد؟فيك إيه ياإبنى؟ قال مراد وهو يمسح دموعه:.
-مفيش حاجة ياماما، مخنوق بس شوية. قالت بحيرة: -مخنوق من إيه؟إحكيلى، فضفضلى ياحبيبى. نهض قائلا بعصبية: -مش عارف، حاجات كتير خنقانى، حاجات جوايا مش عارف أتعامل معاها، في الوقت ده الواحد مش بيحتاج أمه عشان يحكيلها، بيحتاج أبوه وبابا... ترك جملته معلقة، لتنهض بدورها تقترب منه قائلة بحزن: -انت متضايق يامراد منى عشان إتطلقت من باباك؟ قال على الفور:.
-بالعكس ياماما، انتى خدتى القرار الصح، مكنش ممكن تعيشى معاه بعد ما هانك وضربك. ليزفر مستطردا: -بس المشكلة دلوقتى مبقتش في بابا، بقت فية أنا، حاسس إنى بقيت شبهه، وإنى كل يوم ببقى هو، بتصرفاته وعصبيته، وكل حاجة اعترضت عليه فيها وده مخوفنى. أصابت سماح غصة في قلبها من هذا الخوف الذي استشعرته بنبرات مراد وهذا الإعتقاد لديه بأنه سيصير مثل أباه، لتقول بسرعة:.
-باباك مش وحش يامراد، صدقنى محدش فينا خالى من العيوب، وعموما انت مش شبه باباك يامراد، انت شبه خالك مجد، حنين وعاقل وبتاخد بالك من اللى حواليك، مبتفكرش في نفسك أبدا، صدقنى انت مختلف كتير عن حسام. طالعها مراد بخجل ظهر في ملامحه وهو يقول:.
-النهاردة ياماما، النهاردة شفت بابا فية وأنا بزعق لبنت في المدرسة، صحيح هي اللى غلطت فية الأول بس أنا مكنش لازم أرد الإساءة بالإساءة، إتضايقت أوى ياماما من نفسى وخصوصا لما عرفت إنها يتيمة الأم. عقدت سماح حاجبيها قائلة: -لأ، انتى تحكيلى من الأول، لإنى مش فاهمة حاجة، تنهد مراد قائلا: -هحكيلك ياماما، هحكيلك من أول ما كنت رايح المكتبة بسرعة عشان ألحق أخلص قراية الكتاب وفي الطريق، اتقابلنا.
قال مرتضى بصدمة: -ياآبا بس سعدية مش متعلمة... قاطعه الشيخ سالم قائلا بغضب: -وهي عملتك السودا اللى عملتها في إسكندرية كانت عملة متعلمين، والله الجاهل لو عملها كان هيبقى أرحم منك، على الأقل متعلمش كتاب ربنا ولا فهم آياته، ساعتها بس هنقول أهله مربهوش، ولا عرفوه عقاب ربنا قبل عقاب الدنيا للعصاة ومرتكبين الكبائر، انت عارف يامتعلم عملتك دى لو أهلنا هنا عرفوها هيكون مصيرك إيه؟
أطرق مرتضى بخزي قائلا بصوت هامس تغمره المرارة: -عارف ياآبا، عارف، طيب سيبك من العلام، هبص في وشها إزاي ووشها يقطع الخميرة من البيت. قال سالم وقد وصلت إليه تمتمات ولده الحانقة: -مش بالحلاوة ياولدى، سعدية بنت عمك، لحمك ودمك، بت جدعة وبميت راجل، هتحافظ على بيتك وتصونك وتستحملك ببلاويك الكتيرة دى، ولما هتعاشرها وتلاقى منها طيب الأصل هتحبها وساعتها هتشوفها ملكة جمال. رفع مرتضى عيونه إلى أبيه قائلا بحزن:.
-يعنى مفيش فايدة ياأبا، انت مصمم تجوزهالى. ضرب سالم بعصاه الأرض قائلا: -حصل يامرتضى، مصمم، وطلبتها من أبوها خلاص، وفرحك عليها الأسبوع الجاي، أما بقى لو عايز توطى راس أبوك في الطين تانى، إعملها بس ساعتها هشيل إيدى منك خالص وهستعوض ربنا فيك، وهسيبك لإخواتها يربوك، عقلك في راسك إعرف خلاصك يا إبنى.
تراءت لمرتضى صور أبناء عمومته فإرتعشت أطرافه خوفا منهم، ليوقن أنه مرغم على تلك الزيجة ولا مهرب منها، وأنه هو من جلب العذاب لروحه الغبية التي اتبعت طريق الشيطان فكانت تلك هي النهاية، ليطرق برأسه قائلا بإستسلام مرير: -خلاص ياآبا اللى تشوفه، لله الأمر من قبل ومن بعد. قال الشيخ سالم وهو ينهض مرددا بمرارة:.
-دلوقتى عرفت ربنا، ياريتك عرفته من زمان، بس ملحوقة، هتعرفه هنا في البلد يامرتضى وهتمشى على تعاليم دينك، واللى مقدرتش أنا أعلمهولك في المدينة، هيعلمهولك الزمن هنا في بلدنا ياإبنى. ليسير بإتجاه حجرته بينما يتابعه مرتضى بعينين غمرهما الإنكسار.
توقفت متجمدة وهي تطالع هذا المشهد الذي نحر قلبها بشدة، فهناك كان حسن يطالع تلك الفتاة التي تميل عليه بدلال بإبتسامة، مال عليها بدوره هامسا لها في أذنها بكلمات جعلتها تميل للخلف تضحك ضحكة خليعة، توقف على إثرها خافق هاجر، وأدمعت عيونها على الفور لتتساقط منها العبرات بصمت، بألم، وبصدمة.
تقابلت عيونها في تلك اللحظة مع عينيه فظهرت في عينيه الصدمة، إستقام على الفور وبدا كمن يتجه نحوها بينما إلتفتت هي تواليه ظهرها وهي تطلق ساقيها للرياح، تتخبط يمنة ويسارا، حتى وصلت إلى الطريق فأوقفت سيارة أجرة وركبتها على الفور منطلقة بها، بينما توقف حسن عن الجري يطالع تلك السيارة التي تقلها بحسرة، وندم.
قالت سماح بعد أن إستمعت إلى صغيرها: -عشان كدة كانت جاية المكتب وبتعيط. عقد مراد حاجبيه قائلا: -هي مين دى؟ قالت سماح: -بيرى. قال مراد بصدمة: -بيرى جت المكتب وكانت بتعيط؟ أومأت سماح برأسها قائلة:.
-أيوة بس هديتها بحدوتة هبلة كدة من حواديتى اللى انت عارفها، وبعدين قعدت معايا واتكلمنا مع بعض، بصراحة يامراد، البنوتة زي الملاك بالظبط، أنا مش عارفة إزاي ممكن تكون قالت الكلام اللى انت قلته ده، وزعلت أوى إنى عرفت إنها يتيمة الأم كمان، دى لوحدها تخلينى أشفق عليها وأديلها العذر. أطرق مراد برأسه قائلا: -أنا كمان قلت كدة ياماما، وحقيقى ندمان. ليرفع لها رأسه يطالعها بحيرة قائلا: -طب وإيه العمل دلوقت؟
إبتسمت سماح وهي تخرب تسريحة شعره بيدها قائلة: -قوم إغسل وشك وإيديك وتعالى نتغدى مع بعض وبعد الغدا هقولك نعمل إيه يابطل، إتفقنا. مرر مراد يده في شعره يسويه وهو يتنهد قائلا: -إتفقنا.
كان حسن يقف مواجها لهادى الذي اعتلت ملامحه الرفض، يقول حسن متوسلا: -عشان خاطرى ياهادى، اسمحلى أدخلها، خلينى بس أكلمها. قال هادى:.
-ياحسن مش هينفع صدقنى، هاجر رجعت من برة منهارة وكل اللى قدرت تقولهولى انها مش عايزة تشوفك ولا تعرفك تانى، حاولت أفهم منها ليه معرفتش، انا عمرى ماشفت هاجر بالشكل ده، وده عندى ملوش غير معنى واحد، انك جرحتها أوى، وفي الحالة دى من الافضل تستنى لما تهدى وتحاول تكلمها أو تتفاهم معاها. قال حسن بحزن:.
-مش هينفع، هاجر مش هتهدى بالعكس، انت أخوها وأكيد عارفها، انا كمان مش هقدر أنام من غير ما أكلمها وأطمن عليها، مش هقدر ياهادى، حط نفسك مكاني. فكر هادى، لقد كان مكانه بالفعل ولم يهدأ له بال حتى تحدث مع أخيها ومنحه مباركته في إتباعها ومحاولة الوصول إليها والتفاهم معها، لم يهدأ حتى قابل سمر مجددا وتحدث معها، هو يشعر بمعاناة حسن الآن، لذا فقد لانت ملامحه ورق قلبه وهو يفسح له الطريق قائلا:.
-أدامك عشر دقايق تكلمها وأنا هكون قريب ولو هاجر ناديتنى او إستنجدت بية هضطر أمشيك ياحسن، مفهوم؟ قال حسن بسرعة: -مفهوم طبعا، انا متشكر أوى. ثم أسرع إلى حجرتها يقف أمامها للحظات بتردد قبل أن يأخذ نفسا عميقا و يطرق الباب ثم يدلف إليها بعد ان سمع صوتها المتهدج يسمح للطارق بالدخول.
تيبس رائف في دهشة حين طالع زائريه، فعلى عتبة منزله كان هناك يوسف وماجى وابنتهما جيسى و سماح وطفل يقارب في السن إبنته بيرى بجوارها، أفاق من دهشته على صوت يوسف وهو يقول: -هتفضل سايبنا واقفين على الباب كتير؟ أفسح لهم الطريق على الفور قائلا: -لأ طبعا إتفضلوا، إيه المفاجأة الحلوة دى؟ دلف الجميع وما ان جلسوا حتى بادرت سماح قائلة: -بصراحة يامستر رائف... قاطعها قائلا بإبتسامة: -رائف، برة الشغل أنا رائف وبس.
هزت رأسها موافقة بإبتسامة مهزوزة وهي تقول: -الحقيقة حصل سوء تفاهم النهاردة بين مراد إبني وبنتك بيرى وهو حابب يعتذر عن اللى حصل منه لبنتك شخصيا، فإضطريت إنى أتصل بيوسف وماجى وأتعبهم عشان ييجوا معانا. قالت ماجى: -تعب إيه بس؟ده احنا ما صدقنا، ده أنا نفسى آكل( أم على)من إيد دادة تحية. قال يوسف بمزاح ساخر: -قولى بقى انك كنتى مستعجلاني عشان معدتك مش عشان صاحبتك. قالت بمرح مشيرة بإصبعيها السبابة والوسطى:.
-الإتنين وحياتك، سموحة تؤمرني أما دادة تحية فعليها طبق (أم على ) بيجنني، هي فين أمال؟ إبتسم رائف قائلا: -موجودة، وهطلب منها تعملهالك حالا. ثم إلتفت إلى مراد قائلا: -شجاعة منك على فكرة تعترف بغلطك وتعتذر، ده بيدل على إنك راجل من صغرك ومتربى كويس كمان. إبتسم مراد بخجل لينهض رائف قائلا: -هنادى على بيرى وهقول لتحية تعمل (أم على)، ثوانى وراجعلكم. غادر رائف لتميل ماجى تقول لسماح بهمس:.
-طيب أوى وابن حلال، بس للأسف ملوش حظ. أومأت سماح برأسها تشرد في هذا الرجل الهادئ الخلوق والذي لوعته زوجته كثيرا قبل أن تتوفاها المنية كما أخبرتها ماجى، لتدرك بأسف أن القلب الطيب تدركه المحن ولكنه قادر على الوقوف صامدا بوجهها، يتحداها ويهزمها، بقوة.
كانت تواليه ظهرها متقوقعة على نفسها يهتز جسدها بشدة، إقترب منها هامسا بإسمها في لوعة قائلا: -هاجر. إنتفضت تعتدل ناظرة إليه في صدمة بوجه باك، قبل أن تستقيم ناهضة، تهبط من سريرها قائلة بغضب: -إنت ليك عين تيجى ورايا؟ وإزاي تدخل أوضتى بالشكل ده؟إطلع برة ياحسن ياإما هصرخ وأنادى هادى يطلعك برة. أشار إليها بيده قائلا برجاء: -اهدى بس ياهاجر وإسمعيني... قاطعته قائلة بحدة:.
-أسمع إيه، ها، أكاذيب وحكايات، هتقوللى إيه ياحسن؟ هتقول إنى فهمت غلط، هتخلينى أكذب عيوني؟هتقول انك مخنتنيش؟ أطرق برأسه قائلا بحزن: -لأ، مش هقول أي حاجة من دى، انتى صح؟واللى شافته عيونك مش وهم، حقيقة. تراجعت خطوة إل الوراء بصدمة قائلة: -يعنى انت بتعترف إنك خنتنى؟ رفع إليها عيون دامعة وهو يقول: -غصب عني، دى حاجة مش بإرادتى، أنا مريض ياهاجر. عقدت حاجبيها مرددة: -مريض! قال بحسرة:.
-أيوة وبتعالج نفسيا، بقالى فترة. إزداد إنعقاد حاجبيها، ليتنهد قائلا: -الحكاية ابتدت لما حبيت بنت حب كبير، كبير أوى، كان إسمها نورسين، وكنا مع بعض دايما مبنتفارقش، دخلنا جامعة واحدة عشان برده نكون مع بعض، كانت حياتى ياهاجر، روحى اللى مقدرش أعيش من غيرها. أصاب هاجر غصة في حلقها وهي تشعر بألم في هذا القلب الذي تنحره كلماته، بينما هو يستطرد بمرارة:.
-وفي يوم فاجأت صديق لية بزيارة وشفتها عنده، واكتشفت إنها بتخونى وانها متجوزاه عرفى، ساعتها كان المفروض أموتها وأشرب من دمها، بس حبى ليها منعنى، نزلت من هناك بسرعة قبل ما أتهور، اكتشفت بعدها ان ده عملى مشكلة نفسية، لإنى مقدرتش أشفى غليلى منها، فجأة لقيتنى بشرب وبمشى مع بنات شبهها لمجرد انى أعلقهم بية وبعدين أخونهم بقسوة زي مااتعمل فية، بقى الشرب والخيانة إدمان، حاجة بتجرى في دمى، لغاية ماعملت حادثة بسبب الشرب وأخدنى مجد بعدها لمصحة، اتعالجت فيها فعلا من ادمان الكحول، بس، الخيانة، أنا لسة بتعالج منها.
نظرت إليه بصدمة لا تدرى ماذا تفعل، فبداخلها تسللت الشفقة إلى قلبها وامتزجت بمرارة إحساسها بالخيانة. أطرق برأسه مجددا يخفى وجهه الذي تسللت إليه عبراته قائلا بندم: -أنا عارف إن حالتى صعبة وانى مش بسهولة هتعالج، بس من ساعة ماشفتك وحبيتك وأنا حاسس إن الأمل في علاجى كله على ايديكى، أنا حاسس انى بتغير بس محتاج شوية صبر، ليمد يده يمسح وجهه، قبل أن يرفع إليها وجه متمزق من الألم قائلا:.
-أنا عارف ان الموضوع صعب ياهاجر، وانك مستحيل تتفهمى مرضى أو تتقبليه، بس لو لقيتى في قلبك انك ممكن تصبرى معايا لغاية ماأتعالج، لو حبك لية بالقوة دى؟فأنا واثق انى معاك هقدر أرجع حسن بتاع زمان، وهكون أسعد راجل في العالم. نظرت إلى عيونه بحيرة امتزجت بالحزن، لا تدرى ماذا تفعل، ثم أطرقت برأسها فقال بألم:.
-أنا قلتلك على اللى جوايا، عريت نفسى أدامك، الحقيقة دى ميعرفهاش غير دكتورى، ودلوقتى انتى كمان، وهسيبك تفكرى، بس لازم أقولك ان وجودك جنبى هيفرق معايا كتير، وانك الوحيدة اللى قدرت توصل لقلبى وتملك مشاعرى، الوحيدة اللى حبيتها بجد واتمنيت أقضى عمرى معاها، الوحيدة اللى شفتك وكأنك نفسى، جزء من ضلعى، وأنا آسف ان كنت سبب نزول دموعك، أكيد كسرتك بس وعد منى لو رضيتى نكمل إنى هجبر كسرك، أنا همشى دلوقتى ياهاجر وهستنى ردك، بس ياريت متتأخريش علية.
ليخرج من جيبه كارتا وضعه على الكومود بجواره قائلا بحزن: -ده الكارت اللى فيه اسم دكتورى ورقمه، تقدرى تتأكدى من كل كلمة قلتهالك. ظلت مطرقة برأسها، ليتأملها للحظات بألم، قبل أن يلتفت مغادرا الحجرة بخطوات بطيئة حزينة، لترفع وجه مغطى بالدموع قائلة بهمس مرير:.
-قلبى اللى حبك مكسور ياحسن، ومش عارفة هيقدر يستحمل ده كله ولا لأ، القرار مش سهل زي ماانت فاكر، الخيانة شيئ ممكن يكسر أي بنت، ما هو في كل الحالات مرض، آااه، أنا في عذاب وحيرة، ومحتاجة أفكر كويس عشان أقدر آخد قرارى. ليدلف هادى في تلك اللحظة قائلا بهدوء: -وأنا هنا عشان أساعدك ياهاجر.
إستيقظت زوزا تفتح عيونها ببطئ، تنظر إلى محيطها بدهشة، قبل أن تستوعب أنها بتلك الشقة التي إستأجرها مجد بالأقصر ليقضوا بها شهر عسل جديد، طالعت مكانه الفارغ بجوارها تعقد حاجبيها بحيرة، تتساءل إلى أين ذهب في هذا الصباح الباكر دون أن يخبرها؟كادت أن تهبط من سريرها تبحث عن هاتفها كي تتصل به، لتتجمد في مكانها وتتسع عيناها بدهشة وهي تراه يدلف إلى الحجرة يحمل صينية عليها بعض الطعام، ليقول بإبتسامة واسعة ما ان رآها:.
-ياصباح الورد والياسمين على مراتى الحلوة. وضع الصينية على حجرها ثم قبلها بوجنتها وسط دهشتها قبل أن يجلس بجوارها تتسع إبتسامته قائلا: -حبيبتى مالها، القطة أكلت لسانها ولا إيه؟ فركت عينيها بيديها ثم مدت يدها إليه قائلة: -مجد إقرصنى من فضلك، خلينى أتأكد انى مبحلمش وانك جايبلى الفطار لحد عندى في السرير وبتصبح علية بالشكل ده.
ضحك بقوة فتضخم قلبها من الحب، ووجهه يشرق بضحكته ويزداد وسامة، ليتوقف فجأة عن الضحك وهو يلاحظ نظراتها الولهة به، ليمد يده يلمس خدها بحنان قائلا: -من هنا ورايح، مفيش أهم عندى منك انتى، دلعك واجب علية وراحتك من راحتى يازوزا. نظرت إليه بحب وسعادة قائلة: -إتغيرت أوى يامجد، رجعت مجد اللى حبيته زمان، إيه اللى غيرك بالشكل ده؟ أطلت من عينيه نظرة حملت مشاعر عدة، عشق، حزن امتزج بخوف ربما من الذكرى وهو يقول:.
-إحساسى بإنك كان ممكن تروحى منى فوقنى، إحساسى انك ممكن تنسينى ومبقاش موجود في حياتك فوقنى، إحساسى وانتى قصاد عينى ومش قادر آخدك في حضنى فوقنى، أنا كنت بندم كل يوم على كل لحظة مكنتش فيها جنبك، على كل لحظة أهملتك فيها وجرحتك من غير قصد، على كل لحظة كان المفروض أبقى فيها معاكى وفضلت عليكى شوية أوراق. ليمسك يدها يرفعها إلى شفتيه يطبع على باطنها قبلة ثم يقول:.
-أنا مكتشفتش أد إيه بحبك وانك أهم عندى من الدنيا كلها غير لما بعدتى عني. دق قلبها بسرعة من قبلته التي مست شغاف خافقها وكلماته التي اقتحمته بقوة، ثم نظرت إلى عينيه بعشق قائلة: -لو كنت أعرف انى لو بعدت شوية هسمع الكلام الحلو كله ده كنت بعدت من زمان، نظر إليها قائلا بحنان: -ولو تعرفى أد إيه بعدك حرقنى مش هتفكرى تبعدى عني تانى يازوزا. تأملته بحب ثم ابتسمت قائلة: -تعرف أكتر حاجة مفرحانى ايه؟
نظر إليها متسائلا لتستطرد قائلة: -انك رجعت تقولى يازوزا، انت متعرفش الاسم ده غالى عندى أد إيه، صحيح انت بقيت تنادينى بيه عشان اللخبطة اللى كانت بتحصل لما تنادينى بإسمى وأختك قاعدة، بس إحساسى بإن الإسم ده انت اللى اديتهولى، بيحسسنى انى بنتك انت وبس. رفع يده يمررها على وجنتها بحنان قائلا: -انتى مش بس بنتى، انتى أمى وأختى و مراتى وحبيبتى وقلبى وروحى وعقلى كمان.
مال يقبلها على ثغرها الذي إرتجف عشقا فحال دون الوصول إليها صينية الطعام، نحاها جانبا ثم إقترب منها فقالت زوزا بخجل: -هتعمل إيه بس؟أنا جعانة يامجد. همس أمام شفتيها: -أنا كمان جعان ياقلب مجد. ليقبلها بشوق، بحب، يبعد كل الذكريات الماضية عن مخيلته، ينحى مشاعر القلق من فقدها والتي مازالت تسيطر عليه وهو يمزج أنفاسه بأنفاسها، تمر يده على جسدها وكأنه يتأكد أنها حقا، بين يديه.