رواية امرأة وخمسة رجال للكاتبة شاهندة الفصل السابع عشر
وقف ريان فى مكان قريب بالحديقة .. يتابع تمارا التى تلعب مع إيلين لعبة الألغاز والتى يتم فيها تجميع الكلمات من حروف مبعثرة.. ليستمع إلى صغيرته تهتف فى سعادة قائلة: Dream house صفقت لها تمارا بسعادة قائلة: برافو ياإيللى.. برافو ياحبيبتى. ابتسم بحنان .. لتراه تمارا فى تلك اللحظة واقفا يراقبهما.. التقت عيناهما ليظهر بهما امتنانه الشديد نحوها فابتسمت وهي تومئ برأسها لتلتفت إيلين .. والتى كانت تمنحه ظهرها تنظر إلى من تبتسم والدتها؟ لتتسع عينيها فى سعادة وهي تنهض متجهة إليه تحتضنه قائلة: بابى.
مال ليضمها ويقبلها على جبهتها قائلا: حبيبة بابى. ثم تركها قائلا: حبيبتى الأمورة ممكن تسيب بابى و مامى لوحدهم عشان عايز أتكلم مع مامى كلمتين؟ أومأت برأسها قائلة بابتسامة: ممكن طبعا.. بس لازم أشوفك بتبوس مامى أدامى زي زمان قبل ما أمشى.
نظر ريان على الفور إلى تمارا التى اتسعت عينيها بصدمة.. ليعود بنظراته إلى طفلته يرى التصميم بعينيها وهي تقول: يلا يابابى.. بقالك زمان مبوستهاش وهي أكيد زعلانة.. أنا بشوفها ساعات بتعيط. نظر ريان إلى تمارا التى أطرقت برأسها .. يتساءل متى تبكى؟فى غيابه؟أحس بوجع فى قلبه.. أفاق على صوت ابنته الصغيرة تقول فى رجاء: يلا بقى.
نظر إلى تمارا يطلب منها بعينيه إذنا أو سماحا.. لتهز تمارا رأسها موافقة وهي تهز كتفيها بيأس .. فقد أدركت بدورها أنها يجب أن تسمح له بذلك وإلا ستشك إيلين بأمرهما.. ليقول ريان بارتباك: ماشى ياإيلين. واقترب من تمارا التى دق قلبها كالمطرقة وهي تراه يقترب منها ثم يميل عليها مقبلا وجنتها اليسرى بقبلة خاطفة ولكنها سببت لجسدها قشعريرة سريعة.. لتقول إيللى بتذمر: إيه هو ده ياسي بابى؟.. بوس بضمير.
نظر ريان إلى إيللى بدهشة ليراها عاقدة حاجبيها تنظر إليه بتركيز ليعود بنظراته إلى تمارا يتأسف لها بعينيه وقبل أن تستوعب نظراته.. كان يرفع يده اليمنى يضعها على وجنتها اليسرى بحنان ثم يميل ليلمس بشفتيه وجنتها اليمنى فى قبلة بطيئة أثارت كيانها بالكامل وهي تشعر بشفتيه تطبع تلك القبلة على وجنتها برقة جعلتها تغمض عينيها وهي تشعر بشعور هائل اجتاح كيانها فجأة.. لتفتح عينيها وتلتقى فى تلك اللحظة بعيني ريان الذى كان وجهه قريبا منها للغاية .. ينظر إليها نظرة غامضة تمتلئ بالمشاعر التى أذابتها كلية.. ليفيقا من سحر الموقف على تصفيق إيلين وهي تقول: هييييه.
ابتعد ريان عنها على الفور وهو ينظر إلى إيلين قائلا بارتباك: مبسوطة ها؟.. طب يلا يالمضة على دادة حليمة قوليلها تحضر الغدا واحنا جايين وراكى. قالت إيلين بإبتسامة: حاضر.. رايحة علطول.
ابتسم ريان وهو يتابعها تغادر بسعادة.. بينما رفعت تمارا يدها اليمنى تلمس وجنتها التى قبلها منذ لحظات.. وتضع يدها على خافقها الذى يدق بشدة تتساءل لماذا لم تخشى قبلته ولم ترتجف منها لتدرك أنها تخشى الآن فقط هذا الشعور بالسعادة الممتزج بشوق وراحة والذى غمرها عندما فعل.. لتنزل كلتا يديها بجانبها عندما إلتفت إليها ريان قائلا: انا آسف ياتمارا.. سامحينى.
أطرقت برأسها فى خجل قائلة: ولا يهمك أنا عارفة إنه كان غصب عنك. لترفع عينيها إليه تحاول أن تغير محور حديثهما قائلة: مقلتليش.. كنت عايز نبقى لوحدنا ليه؟ تذكر السبب والذى كان قد نسيه فى خضم تلك المشاعر التى اعترته من قربها وقبلته لها والتى منحته شعورا طاغيا زلزل كيانه.. ليخرج كارت دعوة من جيبه قائلا: اتفضلى.
أخذت منه الكارت بحيرة.. تتأمل فخامته البادية عليه.. و لتجده مكتوبا عليه من الخارج بحروف ذهبية(دكتور ريان...والعائلة الكريمة).. فتحته لتقرأ بداخله(يسر وليد السيوفى بدعوة سيادتكم لحضور حفل توقيع عقد ... )لم تكمل القراءة وقد قست عيناها لمرأى إسمه.. إسم قاتلها.. لترفع إلى ريان عينين مليئتين بالقسوة وهي تقول: هنروح الحفلة بكرة؟ أومأ برأسه دون أن ينطق.. لتومئ برأسها بدورها وهي تقول بصوت بارد كالثلج وعيون خالية من الحياة: وأنا جاهزة.
قال كمال: يعنى برده مصممة يانبيلة متجيش معانا القاهرة؟ أومأت نبيلة برأسها فى حزن قائلة: مش هقدر أسيب البلد اللى اتولدت واتربيت فيها ياكمال ولا هقدر أسيب المكان اللى إتدفنت فيه ماما وكمان بابا من قبلها.. متشيلش همى ياابن خالتى.. إنت عارف إنى مكتوب كتابى على سيد وكنا مستنيين ماما تقوم بالسلامة من عياها عشان نعمل الفرح بس قضا ربنا بقى.. أنا هستنى الأربعين بتاعها وهنعمل قعدة فى أي كازينو .. حاجة كدة ع الضيق وأروح على بيته .. ماهو أنا وهو كدة كدة ملناش حد.. أنا مليش غيركم وهو ملوش غير مامته.. وأكيد انتوا هتكونوا موجودين معايا فى اليوم ده.
أومأ كمال برأسه قائلا: اللى يريحك يانبيلة.. وأكيد طبعا هنكون موجودين. اومأت برأسها.. وهي تطرق برأسها للحظات قبل أن ترفع رأسها لتقول فجأة وعيونها تلمع: بقولك إيه ياكمال.. ورشة بابا الله يرحمه مقفولة والشقة هنا كمان هقفلها بعد ما أتجوز .. ماتيجوا انت وعلياء ونجوى تعيشوا هنا فى الشقة وتفتح الورشة واهو نبقى كلنا جنب بعض.
قالت نجوى باندفاع: لأ طبعا مش هينفع. نظر إليها الجميع فى دهشة لاندفاعها لتقول بارتباك: أنا.. يعنى.. أقصد ان دراستى فى القاهرة وحياتنا كلها هناك. ثم اشارت إلى علياء قائلة: وأبو علياء كمان هناك.. إزاي بس هتبعد عنه؟ قالت علياء: اصبرى بس يا نجوى.
ثم نظرت إلى كمال قائلة: فكرة نبيلة حلوة أوى ياكمال ولو وافقت عليها انا مستعد أقنع أبويا ينقل معانا هنا فى الفيوم.. وهو ليه إيه هناك هيبقى عليه بعد ما أمشى؟ قالت نجوى بحدة: ودراستى ياست علياء ولا نسيتيها.. انتى عايزانى أقعد زيك ومكملش؟ قال كمال بحدة: نجوى. اشاحت نجوى بيدها قائلة: بلا نجوى بلا زفت.. أنا داخلة الأوضة عشان متكلمش خالص.. بس انا مش موافقة وبقولها أدامكم أهو.
لتبتعد دالفة إلى الحجرة بخطوات سريعة تتبعها نظرات كمال الحانقة لتقول نبيلة بأسى: أنا آسفة ياكمال.. آسفة ياعلياء لو كان اقتراحى اتسبب فى مشكلة بينكم. قال كمال بهدوء: وانتى ذنبك إيه بس؟.. انتى قصدك خير.. وأنا اوعدك إنى أفكر فى الموضوع وأرد عليكى لما نرجع عشان أحضر جوازك انتى وسيد. اومأت برأسها وهي تقول: طيب أنا هقوم أرتاح فى أوضتى شوية...حاولوا تناموا حبة انتوا كمان.. انا مش عارفة أشكركم إزاي.. انتوا تعبتوا أوى معايا الفترة اللى فاتت دى.
قالت علياء بحنان: متقوليش كدة يانبيلة .. ده انتى أختنا ومعزتك كبيرة فى قلبنا وربنا اللى عالم. ابتسمت نبيلة قائلة: ربنا يخليكم لية وميحرمنيش منكم أبدا.. تصبحوا على خير. قال كمال: تلاقى الخير. غادرت تتبعها عيونهما قبل أن تجد علياء يد تمسك بيدها لتنظر إلى صاحبها الذى نظر إليها بحنان قائلا: زعلتى من نجوى ياعلياء؟
ابتسمت علياء قائلة: وهزعل منها ليه بس.. دى قبل ما تكون بنت خالتى فهي أختك وأنا مزعلش من حد بيجرى فى دمه نقطة واحدة من دمك.. وانتوا اخوات ياكمال.. يعنى الدم واحد.. وهي وانت عندى واحد ياحبيبى. رفع كمال يدها التى تضمها يده وهو يقبلها ثم ينظر إلى عينيها قائلا: ربنا يخليكى لية ياعلياء ومايحرمنيش منك أبدا. قالت علياء بحب: ويخليك لية ياقلب علياء وعمرها كله.
كان ريان واقفا بالردهة ينتظر نزول تمارا ليتجها إلى الحفل .. لتتجمد ملامحه تماما وتحتبس أنفاسه داخل صدره وهو يراها.. تهبط مرتدية فستانا من اللون الأبيض بينما تركت شعرها مسترسلا فقط يزينه تاج أبيض رائع منحها مظهرا خلابا وهالة من البراءة خلبت لبه.. اتجهت إليه بخطوات بطيئة وقد وقعت عيناها عليه لتنخطف أنفاسها بدورها وهي تراه لأول مرة فى حلة رسمية زادته وسامة فوق وسامته ومنحته هالة من الجاذبية تفوق احتمالها وتجعلها تتساءل إن كان ماترتديه مناسبا لأن تسير بجواره وهو فى تلك الهيئة الخلابة.. إبتلعت ريقها وهي ترى نظرته إليها والتى جعلت قلبها يرتعش داخل أضلعها لتقف أمامه تماما تقول متلعثمة: إيه رأيك.. كدة مناسب؟
لم ينطق بحرف وانما شمل وجهها بنظراته ثم رفع يده يضم السبابة والإبهام.. تاركا الخنصر والبنصر والوسطى مرفوعين فى علامة لا تقبل الشك بأنها رائعة.. مما جعل وجنتيها تشتعلان خجلا.. مد يده إليها لتنظر إلى يده مترددة للحظة قبل ان تحسم رأيها وتمنحه يدها ليحتضنها بحنان قبل أن يغادرا المنزل متجهين إلى الحفل.
وصل كل من ريان وتمارا إلى الحفل ليغلق ريان موتور السيارة وهو ينظر إلى تمارا شاحبة الوجه ليقول بقلق: تمارا.. انتى كويسة.. تحبى نروح ومنحضرش الحفلة؟ نظرت إليه فى حيرة.. تتساءل عن سر قرائته لأفكارها.. ليرسل إليها بعينيه شعورا غريبا طمأن قلبها على الفور.. لتبتلع ريقها وقد تحولت نظراتها من الحيرة إلى التصميم وهي تقول: لأ.. مفيش داعى.. أنا كويسة.
لتمد يدها تمسك يده المجاورة لها قائلة: وانت أكيد هتفضل جنبى.. مش كدة؟ أغلق بيده على يدها وهو يبتسم ليومئ برأسه بتشجيع.. ابتسمت بدورها ليترك يدها مضطرا وهو ينزل من السيارة ويلتف حولها .. يفتح الباب خاصتها لتنزل برشاقة فيسرع هو بإمساك يدها مجددا وهما يدلفان للحفل.
...وجدت تمارا عند مدخل الباب سيدة رغم تقدم العمر بها إلا أنها تبدو كما لو كانت فى ريعان شبابها وهي تبتسم بنعومة بينما تتحدث مع رجلا وسيدة أمامها .. يقف بجوارها ذلك الذى تكرهه بكل ذرة فى كيانها.. يبدو فى كامل أناقته يبتسم ابتسامة تود لو اقتلعتها من على وجهه اقتلاعا.. ليظهر على ملامحها كل الكره الذى تحمله له فى قلبها.. مال عليها ريان قائلا: خدى بالك من نظراتك ياتمارا.
أخفت نظراتها على الفور.. وهما يقفان الآن أمام وليد ووالدته لتبتسم السيدة منيرة على الفور وهي تمد يدها لتسلم على ريان قائلة بترحاب شديد: وأخيرا شرفتنا يادكتور ريان.. بجد فرحتنى كتير. رفع ريان يدها إلى شفتيه يقبلها قائلا فى نعومة: الشرف لية يامدام منيرة. ابتسمت برضا بينما ترك ريان يدها ليسلم على وليد قائلا: إزيك يا وليد.
التفت إليه وليد بعد أن كان يرمق تمارا بنظرات يملؤها الإعجاب اقشعر لها بدنها على الفور اشمئزازا .. ليقول بابتسامة: أنا تمام يادكتور ريان.. وأخيرا نورتنا. لينظر مجددا إلى تمارا قائلا: مش تعرفنا؟ كاد ريان أن يقتل ذلك الحقير وهو ينظر إلى تمارا بعيون تلمع بالإعجاب.. يتذكر ما فعله بها هو وتلك الحيوانات.. ولكنه تمالك نفسه وهو ينظر إلى تمارا بحب قائلا: أحب أعرفكم بغزل ... مراتى.
قالت منيرة بترحاب: وأخيرا اتعرفت عليكى يا مدام غزل.. كان لازم أعرفك من الصورة اللى حططهالك دكتور ريان على مكتبه بس مع الأسف انا بقيت بنسى .. من كتر المشاغل اللى ورايا. ابتسمت غزل قائلة: ولا يهمك يامدام منيرة.. ربنا يكون فى العون. قالت منيرة: بس أنا لية عتاب عليكى. نظرت إليها تمارا بقلق تشعر بالتوجس.. لتبتسم منيرة قائلة: فيه واحدة تبقى متجوزة واحد زي دكتور ريان.. وتسيبه المدة دى كلها وتسافر برة؟
لم يخطر ببال تمارا بأي حال من الأحوال انها من الممكن أن تسلم على ذلك الوليد.. فقد كان ذلك من رابع المستحيلات.. أن يلمسها مجددا.. هذا يعد كالموت تماما بالنسبة إليها.. ولكنها الآن لا تدرى بأي عذر ستمتنع عن ملامسة يده لتجد ريان قد أحاط بكتفها يضمها إلى صدره قائلا لوليد بابتسامة لم تصل إلى عينيه: معلش يا وليد.. مراتى مبتسلمش على رجالة .. بغير عليها ياأخى.
أخفت تمارا وجهها فى صدره تخفى نظرة ارتياح ظهرت علي وجهها .. تشكر ريان فى سرها على شعوره الدائم بها وبأحاسيسها .. لا تعرف حقا كيف تعبر له عن امتنانها لكل ما يفعله لأجلها. استمعت إلى صوت منيرة وهي تقول: حقك طبعا يادكتور.. ربنا يخليكوا لبعض. ابتسم ريان بمجاملة قبل أن يستأذن للدلوف إلى الحفل ليتجه إلى الداخل وهو مازال يحيط تمارا بذراعه.. وهي مستكينة بين يديه.. تشعر لأول مرة فى حياتها بأنها فى مكانها الصحيح... تماما
رواية امرأة وخمسة رجال للكاتبة شاهندة الفصل الثامن عشر
أزال ريان يده من على كتف تمارا فور ابتعاده قليلا عن السيدة منيرة وولدها.. وهو يقول بندم: أنا آسف لو حطيتك أدام أمر واقع وضميتك لية أدامهم بس كان لازم أعمل كدة.. سامحينى ياتمارا.
نظرت إلى عينيه تشعر بأنها تستمد قوتها منهما لترفع يدها وتمسك يده وهي تبتسم قائلة: مش كل شوية هتعتذرلى ياريان.. أنا عارفة انك كنت مضطر تعمل كدة عشان تحمينى من لمسته.. انت متعرفش أنا ساعتها حسيت بإيه.. أنا هفضل طول عمرى مديونالك لحاجات كتير بتديهالى سواء بتبقى قاصد أو لأ.. وأولهم الامان اللى انا حاسة بيه دلوقتى وأنا هنا مع واحد من اللى دبحونى وفى وسط بيته .. ده غير القوة اللى هتخلينى آخد بتارى منه.. عشان كل ده.. ياريت مسمعش منك تانى كلمة آسف.. مفهوم؟
ابتسم وهو يومئ برأسه موافقا لتقترب منه هامسة فى أذنه: وخد بالك وليد بيراقبنا. أغمض عينيه يستمتع بقربها وأنفاسها التى تلفح وجهه.. وشعورا هائلا من السعادة لاقترابها منه هكذا دون خوف .. دون حتى أن يرتعش صوتها.. ليفتح عينيه وقد غامتا بالمشاعر وهو يبادلها همسها قائلا: عارف.
أدركت بدورها للتو أنها إقتربت منه كثيرا دون وعي عندما لفحتها أنفاسه الحارة.. لتتراجع وهو تطرق بخجل تسترق النظر إليه.. ليبتسم وهو ينظر إليها بإعجاب.. ...إزدادت نظرة الغيرة فى عيون وليد والذى يتابعهما بشدة.. لا يدرى لماذا هي من دون كل النساء اللاتى عرفهن.. جذبته بتلك الصورة إليها.. ربما لجمالها الهادئ.. أو تلك الهالة من البراءة والتى تحيط بها.. أو ربما لأنها تذكره كثيرا بحبيبته روان.. المهم هو أنه يشعر برغبة قوية الآن فى امتلاكها.. لا يدرى كيف سيحدث ذلك وهو يرى كل ذلك الحب الذى يظهر فى عيون هذين العاشقين ولكنه سيفكر بأمر ما.. لابد وأن يحصل عليها مهما كلفه ذلك ... لابد.
... تابعت ميار نظرات زوجها إلى زوجة الطبيب ريان بألم.. لم ينظر لها قط بتلك الصورة.. تدرك انه يرغب تلك المرأة وبشدة.. يغار عليها من زوجها.. وهو الذى لم يغار عليها قط من أي مخلوق... هي... زوجته. .. أغمضت عينيها تخفى مرارة مزقت قلبها لتعود وتفتحهما من جديد لتلقى نظرة مليئة بخيبة الأمل على زوجها .. قبل أن تتقدم بإتجاه هذين الزوجين بخطوات حاسمة.
قال كمال فى حدة: أنا عايز اعرف إنتى جرالك إيه يانجوى؟.. أنا مش قادر أصدق إن دى نجوى أختى اللى أعرفها.. يعنى مش كفاية إنك زعقتى فى علياء هناك.. وأنا سكت ومرضيتش أحرجك.. لأ كمان بتكلميها بأسلوب وحش هنا.. وأدامى .. ولا كأنى موجود أو عاملالى حساب. اقتربت منه علياء بسرعة وهي تربت على كتفه قائلة: هدي أعصابك ياأخويا مش كدة عشان صحتك.. أنا والله مش زعلانة منها.. نجوى دى أختى.
نظرت لها نجوى قائلة: أيوة ياستى مثلى أدامه دور الملاك. هدر كمال بغضب قائلا: إخرسى.
اتسعت عينا نجوى فى صدمة ليستطرد كمال قائلا بغضب: الظاهر إنى دلعتك أوى .. لدرجة مبقتيش عارفة إيه اللى يصح وإيه اللى مايصحش.. وأنا قادر أرجع عقلك لراسك من تانى.. بصي يابنت الناس .. عشان امتحاناتك مش همنعك تروحى الكلية، بس بعد الامتحانات.. مش هتشوفى الشارع ده تانى.. وان فضلتى على عنادك وصوتك العالى وتقليلك لإحترامى واحترام علياء.. فهتشوفى منى وش عمرك ماشفتيه يابنت أمى وأبويا.. مفهوم؟ويلا روحى على أوضتك مش طايق أشوف وشك دلوقتى.
نظرت إليه نجوى وقد اغروقت عيناها بالدموع ليصرخ فيها قائلا: قلتلك إمشى من وشى. نظرت نجوى إلى علياء بغضب قبل أن تسرع إلى حجرتها تدلف إليها وتغلق الباب خلفها بقوة. لتقول علياء بحزن: مكنش ينفع تزعقلها بالشكل ده يا كمال.. وخصوصا أدامى.
أغمض كمال عينيه فى ألم ليفتحهما مجددا وهو يتنهد قائلا: غصب عنى ياعلياء.. انا حاسس ان نجوى بتتغير ولو ملحقتهاش هتضيع منى. اومأت علياء برأسها وهي تقول بحنان: طب اقعد ارتاحلك حبة على ما اعملك كوباية لمون تهدى بيها أعصابك.
أومأ برأسه لتتجه علياء إلى المطبخ يتابعها بعينيه وهو يقول فى نفسه: مش قادر أقولك ياعلياء إنى خايف من عقاب ربنا ييجى في أختى .. وإنى بقيت بخاف كل ما تخرج من البيت.. ومرتحش غير لما ألاقيها بتدخل من باب الشقة.. ربنا يغفرلى وميجعلش عقابى فيها... ليرفع رأسه إلى السماء قائلا: يااارب.
كان ريان ينظر إلى تمارا التى تمرر عيونها بين الحضور فى قلق وكأنها تبحث بعينيها عن باقى أعدائها ولكنها تنهدت فأدرك انها لم تتعرف على أحدهم فى الحضور.. لينتبها سويا إلى صوت نسائي رقيق يقول من خلفهما: نورتنا يادكتور ريان.
إلتفتا سويا ليريا فتاة جميلة رقيقة تنظر إليهما بابتسامة.. لتشعر تمارا بالفضول تجاهها .. وببعض من شعور غامض بالضيق.. تتساءل من أين تعرف تلك الفتاة زوجها.. لا.. هل صدقت نفسها.. انه ليس بزوجها الحقيقي.. إنه فقط ريان.. رجلا طيبا أشفق عليها ويساعدها فى محنتها .. هذا ما يجب أن تذكر به نفسها دائما.. أفاقت على صوت ريان يقول بابتسامة: ازيك يامدام ميار.. أخبارك إيه؟
ظل ذلك الإسم يتردد فى عقل تمارا.. ميار .. ميار .. ميار.. من هي تلك الميار.. لتجيب ميار بنفسها على تساؤل تمارا وهي تمد يدها تصافح تمارا قائلة: انا ميار مرات وليد .. وانتى أكيد مدام غزل مرات دكتور ريان. مدت تمارا يدها تسلم على ميار وقد ظهرت القسوة فى عينيها لثانية قبل أن تختفى حتى أن ميار ظنت أنها تخيلت ذلك وتمارا تقول بابتسامة باردة: تشرفنا يامدام ميار.
ابتسمت ميار قائلة لها: الشرف لية أنا.. ثم إستطردت قائلة بمزاح: تعرفى إنى الوحيدة فى ستات العيلة اللى متشرفتش بإنى أكون من مرضى دكتور ريان . قال ريان بإبتسامة هادئة: لإنك مش محتاجة يامدام ميار.. انتى كدة برفكت.
شعرت تمارا بشعور حارق فى صدرها وهي ترى ريان يصف ميار بالكمال.. لتعقد حاجبيها وهي تتعجب من ذلك الشعور.. بينما قالت ميار بابتسامة هادئة: ده من ذوقك يادكتور. اقترب وليد من ميار واضعا يده حول خصرها وهو يقول موجها حديثه لريان: انت بتعاكس مراتى يادكتور. ابتسم ريان ابتسامة لم تصل لعينيه وهو يقول: أنا بقول رأيى المهنى .. مدام ميار مش محتاجة لأي دكتور تجميل..
ابتسمت ميار ولكن تمارا لاحظت أن ابتسامتها ينقصها شيئا ما.. أحست تمارا بالحزن يشوب ابتسامتها بل ويمتد ليستقر داخل عيونها وهي تقول: ميرسيه يادكتور. .. أفاقت تمارا من أفكارها على صوت وليد يسأل ريان بفضول وعيونه تتأملها: ومدام غزل.. جمالها طبيعى ولا لإيديك فضل فى الوجه الملائكى ده؟
حانت من تمارا نظرة سريعة إلى ميار لتلاحظ جمود ملامحها لتشعر بوجود خطأ ما.. خاصة مع ملاحظتها شئ من المرارة استقر بداخل عيني ميار.. بينما أجاب ريان بابتسامة باردة: لأ.. جمال غزل من عند ربنا.. جمالها كان اول حاجة شدتنى ليها. ليمد يده يمسك يدها يرفعها لشفتيه .. لترفع وجهها إليه وتتلاقى عيناها مع عيناه وهو يقبل يدها بنعومة.. ثم يستطرد قائلا: مش جمال الشكل وبس.. لأ .. جمال الروح من جوة كمان.. نعمة وربنا إداهالى وهفضل أحمده عليها عمرى كله.
غرقت تمارا فى نظرات عينيه الحانية وكلماته التى مست وجدانها ولمسة شفتيه ليدها برقة لتفيق من شعورها بالغرق.. على صوت ميار وهي تقول: بجد فرحانة أوى وأنا شايفة حبكم لبعض واللى باين فى عيونكم.. ليشوب صوتها بعض المرارة وهي تقول لتمارا: نادر أوى لما تلاقى راجل فى زمانا ده بيحب مراته زي ما دكتور ريان بيحبك يامدام غزل.
ابتسمت غزل ابتسامة لم تصل لعينيها وهي تلاحظ ازدياد ضغط قبضة وليد على خصر ميار وظهور الألم على وجه الأخيرة لتواريه بسرعة ووليد يقول: طيب بعد إذنكم هنروح لماما عشان بتندهلنا.. البيت بيتكم طبعا. ابتسم ريان وهو يقول: أكيد طبعا .. اتفضلوا. لتتابعهما تمارا بعينيها وهما يغادران.. لتبتسم فى انتصار وقد قست عيناها.. تدرك أنها وجدت أخيرا نقطة ضعف تستطيع من خلالها تدمير وليد...تماما.
كانت نجوى تدور فى حجرتها ذهابا وإيابا يتملكها الغيظ بشدة ويغمر قلبها غضبا بلا حدود.. إنهم ينوون حقا مغادرة القاهرة والإقامة فى الفيوم.. وهذا يعنى ابتعادها عن علاء.. مستحيل.. لن تقبل بذلك أبدا ولن تعيش فى هذا البيت بعد الآن.. خاصة بعد تحول أخاها ومعاملته السيئة لها وكلماته الجارحة.. طبعا فزوجته هي الأهم بالنسبة إليه.. ومصلحته بالطبع.. لا.. ستسعى للخلاص من كل ذلك بزواجها من علاء.. نعم.. ستفعل.
.. لتبحث بعينيها عن حقيبتها التى ألقتها على الأرض من غيظها.. لتلمحها وتتجه إليها تأخذها بلهفة وتفتحها تبحث عن هاتفها حتى وجدته.. لتفتحه وتتصل برقم علاء بسرعة .. تنتظره رده بفروغ الصبر ليجيئها صوته فتسرع بالقول فى حزم: علاء.. أنا رجعت .. حدد ميعاد مع مامتك.. بسرعة.
دلفت ميار إلى الغرفة وخلفها وليد الذى قال بغضب: انتى ليكى عين تزعلى كمان. نظرت إليه ميار بغضب دون أن تنطق بكلمة .. ليقول مقلدا صوتها: نادر اوى لما تلاقى راجل فى زمانا بيحب مراته زي مادكتور ريان بيحبك يامدام غزل. لتعود نبراته الغاضبة إلى صوته مجددا وهو يقول: ناقص تقوليلها انا بحسدك عليه يامدام غزل. قالت ميار صارخة بمرارة: ومين قالك إنى مبحسدهاش عليه...
قاطعها بصفعة قوية انطلقت من يد وليد واستقرت على وجهها لتندفع بجسدها جانبا فترتطم بحافة السرير بقوة ثم ترتد مجددا لتسقط على الأرض مغشيا عليها وقد سالت الدماء من رأسها.. لتتسع عينا وليد بصدمة ويصرخ بإسمها فى فزع.
حاولت تمارا النوم ولكنها لم تستطع ظلت تتقلب فى سريرها حتى تجمدت تماما وهو تستمع إلى صوته ذو النبرة الهادئة وهو يقول: مش عارفة تنامى برده.. مش كدة؟ اعتدلت فى السرير تنظر إليه قائلة: لأ مش عارفة.. بفكر فى اللى حصل النهاردة. اعتدل بدوره وهو يجلس على الأريكة قائلا: ووصلتى لإيه؟ نظرت تمارا إلى عينيه مباشرة وهي تقول: ميار.
أومأ ريان برأسه موافقا وهو يقول: خدتى بالك .. صح؟ أومأت برأسها قائلة: الحلقة بينهم ضعيفة ومعاملته ليها مش تمام.. ممكن نقدر من خلالها نوقعه. قال ريان وهو يشير إليها بإصبعه محذرا وهو يقول: خدى بالك .. ميار غيرهم.. دى إنسانة محترمة ومعتقدش ممكن تخونه.
قالت تمارا موافقة: عارفة.. لاحظت كدة فعلا.. وأنا مش هطلب منها تخونه ...أنا هخليها تعرف حقيقته مش أكتر.. ومعتقدش واحدة زيها لو عرفت حقيقة اللى عمله تقف فى صفه.. بالعكس أكيد هتبقى فى صف الحق.. وهتسلمه من نفسها. أومأ ريان برأسه موافقا وهو يقول: طيب وهتعرفيها إزاي؟ ابتسمت قائلة: لأ .. دى سهلة.. سيبها علية.
عقد ريان حاجبيه قائلا فى قلق: تمارا.. متعمليش أي حاجة قبل ما تقوليلى عليها.. مفهوم؟ شعرت بالقلق فى صوته لتتسارع دقات قلبها وهي تجيبه قائلة: مفهوم.. تصبح على خير. نظر إليها قائلا بحنان: تلاقى الخير.
تمددت تمارا على السرير وهى تسحب الغطاء عليها وتضطجع على جنبها الأيمن لتنام على الفور.. بينما تأملها ريان للحظات حائرا فى ذلك الشعور بالسعادة والذى يغمره فقط لمجرد الكلام معها.. إلى جانب شعوره بالراحة لمجرد وجودها بجواره.. ليعقد حاجبيه وهو يشعر بالقلق من تلك المشاعر وهو يعلم أن وجودها فى حياته شئ مؤقت وأنه يوما ما سترحل من حياته ...ربما للأبد.
رواية امرأة وخمسة رجال للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر
ألقى عزت نظرة على صافى النائمة بجواره قبل أن يتسلل هابطا من السرير ومتجها بخطى هادئة إلى حيث حقيبتها ليفتحها بحذر شديد.. أخرج المفاتيح الخاصة بصافى لينظر إليها بإنتصار قبل أن يمسك إحدى المفاتيح .. ثم يخرج من جيبه قطعة من الصلصال ويقوم بلصق المفتاح عليها ثم الضغط جيدا وبقوة .. ليرفع المفتاح وهو ينظر إلى شكله الذى طبع على الصلصال وعيونه تلمع بالسعادة.. وضع الصلصال بجيبه مجددا وهو يلقى نظرة قلقة على صافى التى تقلبت فى نومها قبل أن تهدأ حركتها .. ثم وضع المفاتيح فى مكانهم بالحقيبة.. وتسلل عائدا للنوم بجوارها مجددا ليضجع على جانبه الأيسر وعلى شفتيه إرتسمت إبتسامة شريرة ...مثله تماما.
قال الطبيب فى أسى موجها حديثه إلى وليد ووالدته: مع الأسف فقدنا الجنين. ظهر الحزن على ملامحهما والطبيب يستطرد: حالة المريضة مستقرة والحمد لله .. الجرح اللى فى راسها سطحى ومسببش ليها أي إرتجاج فى المخ بس حالتها النفسية حاليا مهمة جدا.. فلازم تحسسوها انكم واقفين جنبها وإنها ممكن تعوض الحمل اللى راح منها ده مع الوقت.. عن إذنكم.
تركهما مغادرا ليجلس وليد على أقرب كرسي وهو يشعر أنه لم يعد قادرا على الوقوف بينما نظرت إليه منيرة قائلة بغضب: يعنى عاجبك كدة؟.. مكنتش قادر تمسك أعصابك وتصبر عليها لغاية ما تجيبلنا البيبى اللى كنا بنحلم بيه.. أقول إيه لأختى دلوقتى وجوزها.. هقول إيه؟ مش بعيد هي تحكيلهم على كل حاجة وتبقى انت ضعت ياوليد.
قال وليد بغضب: خلاص بقى ياماما.. أنا فية اللى مكفينى ومش ناقص. رمقته منيرة قائلة: خلاص إيه بس.. انت مش هتكبر أبدا.. هفضل ألملم فى مصايبك اللى بتجيبهالى واحدة ورا التانية لحد إمتى؟ .. أنا زهقت.
قال وليد بضيق: يوووه بقى ياماما.. أقولك .. أنا هسيبلك المستشفى كلها عشان ترتاحى. ليقرن قوله بمغادرة المستشفى بخطوات سريعة لتتابعه منيرة بعينيها فى حنق قائلة: هعمل إيه بس فيك؟دلعى فيك كان أكبر غلطة غلطها فى حياتى ياوليد.
اقتحم ريان فجأة تلك الحجرة الخاصة بطفلته ليجد تمارا واقفة أمام النافذة تنظر للخارج بشرود ليقول بسرعة: تمارا. افاقت من شرودها على صوته وإلتفتت تنظر إليه بدهشة تتساءل عن سر رجوعه اليوم مبكرا.. لتراه يبحث بعينيه عن طفلته لتبتسم قائلة: إيللى بتقول لدادة حليمة تحضر الغدا عشان جاعت.
أدرك انها صارت مثله تقرأ ملامحه وأفكاره.. ليعود إليها بنظراته.. بعد ان أغلق الباب مقتربا منها .. عقدت حاجبيها تنتظر كلماته .. تدرك أن لديه امرا هاما سيخبرها إياه.. ليقول هو بهدوء: ميار فى المستشفى. نظرت إليه بدهشة قائلة: ميار.. ليه .. مالها؟ ثم لم تلبث أن تحولت ملامحها إلى الغيظ وظهرت نبرة الغيرة فى صوتها وهي تقول: ولا الهانم قررت فجأة إن إيدين الدكتور العظيم ريان لازم تلمس ملامحها.
لتصمت على الفور وهي تشعر بالحنق من نفسها فنبرة الغيرة فى صوتها لايمكن إنكارها.. لتشيح بوجهها تخفى ملامحها التى ظهر الخجل بهم ليعقد ريان حاجبيه دهشة من كلماتها الغاضبة الحادة.. ثم يدرك وبكل قوة نبرة الغيرة فى صوتها ليتأمل ملامحها التى أشاحت بها بعيدا عنه حتى لا يرى خجلها ولكنه لاحظه على الفور فى احمرار وجنتيها الذى امتد إلى عنقها الناعم..
ترى هل حقا تغار عليه.. وما معنى غيرتها تلك؟أتحمل له بعضا من المشاعر؟وهل تلك المشاعر ناجمة عن شعورها بالجميل أم أن تلك المشاعر أعمق من ذلك؟كما شعر هو البارحة بالغيرة الشديدة عليها من وليد.. وأن مشاعره تجاهها قد تعدت الإعجاب بشخصيتها وقوتها الداخلية وروحها.. وان كان مازال يشعر بأن ارتباطه بها هو ارتباط بملامح زوجته غزل واشتياقه ومشاعره تجاهها هي مشاعر لطيف غزله.. ولكنه فى نفس الوقت يتمنى لو كانت مشاعر تمارا تجاهه تتعدى عرفانها بالجميل. كاد أن يقول شيئا ولكنه تراجع فلا الوقت ولا الظروف مناسبة لأي حديث عن المشاعر الآن.. لذا فقد قال بهدوء: ميار أجهضت طفلها انبارح.
عادت تمارا تنظر إليه وقد اتسعت عيناها بصدمة ليظهر الألم على ملامحها بقوة وهي تقول: انت بتقول إيه؟ أومأ برأسه قائلا: بقول اللى سمعتيه ياتمارا.. ميار فقدت البيبى بتاعها انبارح بالليل. قالت تمارا ومازالت تحت تأثير الصدمة: هي كانت حامل؟
قال فى هدوء: الظاهر كدة.. الدكتور اللى عالجها قال إنها جت انبارح بعد ما وقعت وقعة جامدة أدت لإصابتها بجرح سطحي فى الراس بس مع الأسف فقدت الجنين. ظهرت القسوة فى عيون تمارا وهي تقول: أكيد الحيوان جوزها ليه دخل فى الحكاية دى. هز ريان كتفيه قائلا: أنا قلت كدة برده وخصوصا إنه خرج من المستشفى بعد ما عرف ومظهرش لحد دلوقتى.
أومأت تمارا برأسها وهي تلتفت ناظرة من النافذة إلى الخارج مجددا بشرود.. ليقول ريان: هتعملى إيه يا تمارا؟ التفتت إليه تمارا تتأمله بملامح غامضة إحتار فى تفسيرها قبل أن تعود بعينيها تنظر من خلال النافذة قائلة بحزم: هزورها.
قالت سهام ودموعها تنهمر: بنتى مالها يامنيرة؟ قالت منيرة بهدوء: اهدى ياسهام.. ميار زي الفل هي بس اتزحلقت ووقعت فى الحمام.. وبسبب الوقعة دى فقدت الجنين. إلتفتت سهام إلى حامد زوجها والواقف بجوارها قائلة بمرارة: مش قلتلك ياحامد.. انا كان قلبى حاسس.. ياحبيبتى يابنتى. قالت منيرة: قلتلك اهدى ياسهام .. بنتك بخير وبإذن الله كل حاجة تتعوض.
قال حامد فى حيرة: وهو وليد فين؟ ظهر الإرتباك على ملامح منيرة لثانية واحدة تمالكت بعدها نفسها لتقول بهدوء: لسة ماشى حالا .. راح البيت يغير ويجيبلنا شوية حاجات .. ياحبيبى منامش طول الليل.. قاعد جنبها هيموت عليها.. بيقوللى مش مهم البيبى أهم حاجة صحتها. قالت سهام من خلال دموعها: طبعا مش مهم.. كل حاجة تتعوض..
ثم نظرت إلى منيرة قائلة: انا عايزة أشوف بنتى يامنيرة.. عايزة أشوف ميار. قالت منيرة: اتفضلى طبعا شوفيها ياسهام.. أكيد فاقت دلوقتى.. دلفت سهام إلى الحجرة مع حامد تتبعهما منيرة .. ليجدوا ميار جالسة تنظر إلى السقف بشرود لتفيق من شرودها على صوت أمها التى اندفعت تحتضنها قائلة: بنتى حبيبتى عاملة إيه؟
قالت ميار وقد بدأت دموعها بالهبوط مجددا على وجنتيها قائلة: أنا كويسة ياماما.. متخافيش. قالت سهام وهي تربت على ظهر ميار: الحمد لله ياقلب ماما.. حمد الله على سلامتك. لتخرجها من حضنها قائلة: أنا مش عايزاكى تقلقى خالص.. شدى حيلك انتى واخرجى من هنا.. وبإذن الله تحملى تانى وتجيبيلنا البيبى اللى نفسنا فيه.
نظرت ميار إلى منيرة بجمود قبل أن تعود بنظراتها إلى والدتها قائلة: بإذن الله ياماما.. بإذن الله. لتقول منيرة: أنا هسيبكم مع بعض وهخرج أشوف الدكتور لو يسمح نخرجها النهاردة من المستشفى.. جو المستشفى ده خنيقة وأنا شايفة إنها تكمل علاجها فى البيت أحسن. قال حامد بهدوء: فعلا.. أحسن كتير. اومأت منيرة برأسها قبل أن تغادر الحجرة وتغلقها خلفها لتقف مكانها وترتسم على شفتيها إبتسامة.
فلاش باك قالت ميار بحدة: أنا مستحيل هكمل معاه بعد اللى عمله فية ده .. مستحيل. قالت منيرة فى برود: منصحكيش تاخدى قرار فى لحظة غضب.. فكرى كويس قبل ما تاخدى قرارك.. مصيرك ومصير مامتك وباباكى فى إيديكى ومعتقدش إنك حابة تكونى السبب فى إنهم يخسروا كل حاجة بسبب غلطة مش مقصودة من وليد.. أخدتى انتى عليها قرار متسرع.
عقدت ميار حاجبيها قائلة: قصدك إيه؟ اقتربت منها منيرة لتجلس على ذلك الكرسي بجوار سرير ميار وهي تضع قدما فوق الأخرى قائلة: قصدى ان فلوس باباكى كلها دخل بيها شريك مع وليد فى صفقته الأخيرة ولو لاقدر الله وليد خسرها.. يبقى كدة فلوس باباكى راحت.. وربنا يعوض عليكوا.
اتسعت عينا ميار بصدمة لتطرق برأسها تستوعب الأمر ثم يظهر على ملامحها الحزن والإحباط ولكنها ما لبثت أن تمالكت نفسها وهي ترفع إلى منيرة عيون خالية من الحياة وهي تقول: أنا عرفت دلوقتى وليد طالع لمين.. وعموما أنا مش هتكلم دلوقتى وهفضل مع وليد عشان خاطر أهلى بس صدقينى هييجى يوم وتندموا كلكم على الجبروت اللى انتوا عايشين بيه ده.. وهتدفعوا التمن غالى.
هزت منيرة كتفيها بلا مبالاة ثم نهضت قائلة فى برود: معتقدش ان فيه حد ممكن يفكر يإذى حد من عيلة السيوفى.. لإن اللى بيفكر بس يإذينا بنوديه ورا الشمس. لتغادر تتبعها عين ميار فى كره... انتهى الفلاش باك
ابتسمت منيرة بهدوء قبل أن تغادر متجهة إلى مكان الطبيب بخطوات هادئة منتصرة.
اقتربت تمارا التى يمسك ريان بيدها من حجرة ميار.. ليجدا مدام منيرة واقفة بجوار الباب تتحدث مع الممرضة.. والتى ما إن رات ريان وتمارا حتى انفرجت أساريرها وهي تقول موجهة حديثها لهما: أهلا اهلا يادكتور.. إزيك يامدام غزل؟ قال كليهما بنفس واحد: الحمد لله.
نظرا إلى بعضهما البعض بنظرة حملت الكثير من المشاعر قبل أن يعودا بنظرهم إلى منيرة ويقول ريان: احنا سمعنا اللى حصل وزعلنا جدا يامدام منيرة. قالت منيرة بأسى مفتعل: قضا ربنا يادكتور.. هنعمل إيه بقى؟ قالت غزل: الحقيقة انا معرفش مدام ميار ومشفتهاش غير انبارح بس بس زعلت عليها اوى.. هي الوقعة دى وقعتها إزاي.. وأستاذ وليد فين؟
نظرت إليها منيرة قائلة ببرود: اتزحلقت فى الحمام.. ووليد بيجيب حاجات من البيت شعرت تمارا بأن ظنونها فى محلها لتقول بهدوء: طيب ممكن أشوفها؟ قالت منيرة: آه طبعا اتفضلى.. وسيبيلى الدكتور ريان شوية أنا محتاجاه فى استشارة. اومأت تمارا براسها وهي تتجه إلى غرفة ميار قائلة فى نفسها: وده وقته.. يهدك ولية مبتختشيش.. أكيد ابنك طالعلك.
دلفت تمارا إلى حجرة ميار بعد أن طرقت الباب وسمعت صوتا ضعيفا يسمح لها بالدخول.. لتجد ميار جالسة فى سريرها وقد احمرت عيناها وأنفها مما يدل على انها كانت تبكى للتو.. لتشعر على الفور بالتعاطف معها.. حاولت ميار الابتسام ولكن ابتسامتها جاءت ضعيفة باهتة.. وهي تقول: اهلا يامدام غزل .. اتفضلى.
اقتربت منها غزل لتجلس على كرسي بجوار السرير .. ولكنها وجدت نفسها رغما عنها تغير رأيها وتجلس على السرير بجوار ميار تفتح لها ذراعيها.. لتنظر ميار إلى ذراعي تمارا المفتوحتين على مصراعيهم لتتردد لثانية واحدة قبل أن تلقى بنفسها بين ذراعي تمارا التى ضمتها على الفور لتفرغ ميار دموعها على صدر تمارا.. تبكى بشدة.. تربت تمارا على ظهرها وشعرها بحنان.. حتى افرغت ميار كل دموعها.. لتبتعد عن تمارا التى تركتها على الفور لتجد ميار تمسح وجهها بكمها كالأطفال.. ابتسمت تمارا وهي تمد يدها تربت على يد ميار التى نظرت إلى تمارا بإمتنان.. قائلة: كنت محتاجة الحضن ده أوى.
قالت تمارا بحنان: أنا حاسة بيكى.. بجد حاسة بمشاعرك.. يمكن مش هتلاقى حد حاسس بيكى أدى.. بس انا عايزاكى تسمعينى كويس وتحطى كلامى فى راسك.. انتى أقوى من كل حاجة حصلتلك.. أحلامك اللى اتهدت سيبك منها واحلمى من جديد.. الاستسلام مش حل.. وحياتنا دى بنعيشها مرة واحدة.. مرة واحدة وبس.. وعشان كدة لازم نعيشها بسعادة.. ونحقق فيها كل أحلامنا. قالت ميار بأسى: وإذا كنا مبقيناش قادرين نحلم.
ابتسمت تمارا قائلة: مفيش حاجة إسمها مبقيناش قادرين.. هي بتبقى مبقيناش عايزين نحلم.. لكن احنا قادرين .. محتاجين بس سند.. إيد تطبطب علينا وتشجعنا.. وأنا جنبك ياميار وبقولهالك.. لو محتاجة لايد تطبطب عليكى وتبقالك سند.. فأنا موجودة وبيتى مفتوحلك فى أي وقت. نظرت إليها ميار قائلة فى حيرة: انتى إزاي كدة..
نظرت إليها تمارا قائلة: إزاي كدة إيه؟ قالت ميار: قدرتى بلمسة وكلمتين تفهمينى وتريحى قلبى.. قدرتى تدينى امل بعد ما كنت قربت أيأس. نظرت تمارا إلى عمق عينيها قائلة: لإن الموجوع بيحس بالموجوع اللى زيه وبيكون هو الوحيد اللى قادر يخفف عن شريكه الوجع.
لتنهض ناظرة إليها قائلة: أنا دلوقتى مبقتش خايفة عليكى لإن الغشاوة اللى على عينك أكيد راحت بعد اللى حصل .. وزي ما قلتلك انا جنبك وفى أي وقت هتحتاجينى فيه فهتلاقى بيتى مفتوحلك.. هسمعك وهريحك.. ويمكن ألاقيلك حل لمشاكلك.. المهم.. اوعى تحسى انك لوحدك.. متهربيش من مشاكلك ومتستسلميش ليها.. واجهيها وأنا فى ضهرك ياميار.
نظرت إليها ميار بامتنان وهي تقول: انا فعلا كنت محتاجة حد زيك فى حياتى .. يمكن ربنا بعتك لية فى الوقت المناسب.. فى وقت حسيت فيه انى لوحدى. ابتسمت تمارا قائلة: مش عارفة ربنا بعتنى ليكى ولا بعتك لية.. المهم ان احنا مع بعض.. هسيبك ترتاحى وهستنى زيارة منك قريب.. سلام ياميار.. وخدى بالك من نفسك. اومأت ميار برأسها بابتسامة.. لتغادر تمارا تتبعها عيون ميار التى ما ان غادرت تمارا الحجرة حتى رفعت رأسها إلى السماء قائلة بارتياح: الحمد لله.