رواية امرأة وخمسة رجال للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر
طرق ريان الباب بتردد.. يلعن قلبه الذى جعله يترك الفراش بعد ان كان نائما بجانب صغيرته تاركا الحجرة فى هذا الصباح الباكر ليطمئن فقط عليها.. ضاربا بعرض الحائط كل قسم أقسمه البارحة بأن يدعها وشأنها.. أن يطوى صفحتها لتصبح ذكرى.. أن يبتعد عن حجرتها ولا يقربها فيجب ان يعتاد بعدها.. ليجد نفسه عند انفلاج عينيه بالصباح يسرع إليها ليراها فقط.. يطمئن أنها بخير بعد مواجهتها البارحة.. ثم يغادرها بلا رجعة..
استمع إلى صوتها تسمح للطارق بالدخول ليدلف ويتسمر فى مكانه من الصدمة .. فهناك كانت تجلس على الكرسي الذى اعتاد هو الجلوس عليه عندما كان يزورها.. مرتدية فستانا بسيطا للغاية وقد سرحت شعرها ولملمته على جنب واحد .. وكانت تكتب شيئا ما فى ورقة ولكنها انتبهت إليه فتركت القلم وقد ظهر عليها الإرتباك.. تخلص من صدمته بسرعة وهو يقترب منها بخطوات متمهلة يحاصرها بعينيه.. بينما ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تنهض ببطئ لتواجهه.
تأمل ملامحها .. ملامح غزل التى تجسدت أمامه الآن.. فملابسها وتسريحتها ونظرتها الآن ماثلت محبوبته تماما.. ليقول بصوت وجده بصعوبة: انتى جبتى اللبس ده منين؟ قالت بصوت مرتبك وهي تمسد فستانها: الفستان ده.. ده.. طلبته من الممرضة ميرفت.. وهي كتر خيرها جابتهولى.
أومأ برأسه متفهما وهو يقول: خلاص ماشية .. مش كدة؟ اومأت برأسها قائلة: أيوة. قال فى مرارة: يعنى كنتى ماشية من غير ما تودعينى؟
رفعت يدها تظهر تلك الورقة بها قائلة بابتسامة باهتة: كنت بكتبلك كلمة وداع .. متوقعتش أشوفك بدرى كدة. قال وقد أحس بغصة اجتاحت قلبه: طب كنتى استنيتى لما أجيلك قبل ما تقررى تمشى.
هزت كتفيها قائلة فى مرارة وقد بدأت عيونها تلمع بالدموع: احنا اتفقنا من انبارح انى خلاص لازم أمشى.. وبصراحة انا كنت حابة أشكرك بنفسى على كل حاجة عملتهالى.. انت الوحيد اللى وقفت جنبى بجد واديتنى أمل تانى فى الحياة.. بس أنا مبحبش لحظات الوداع.. وعشان كدة كنت همشى دلوقتى وأسيبلك شكرى فى ورقة..
قال فى ألم: يعنى خلاص.. نويتى تمشى وتنفذى انتقامك ياتمارا..
أومأت برأسها فى تصميم قائلة: لازم آخد بتارى من اللى دبحونى وآخد بتارى كمان من اللى ظلمونى.. مبقتش تمارا الضعيفة اللى الكل نهش فى لحمها.. أنا بقيت واحدة تانية خالص.. والمرة دى ياقاتل يامقتول.
شعر بقبضة تعتصر قلبه وهو يتخيلها تسقط صريعة فى سبيل تحقيق انتقامها.. ليقول فى لهفة ممزوجة بالقلق: انا مستعد أساعدك. نظرت إليه فى دهشة ليستطرد قائلا فى ارتباك: أنا يعنى.. أعرف وليد معرفة شخصية.
قست عيناها ليسرع قائلا: مش شخصية أوى يعنى .. أنا عملت لوالدته عملية تجميل، ومن يومها وهما بيعزمونى على أي حفلة بيعملوها وانا بصراحة دايما برفض، بس ممكن اقبل مرة وآخدك معايا وأهي فرصة تعرفيهم من قريب.
أحست بالحيرة والتردد للحظة وهي تراها خطة مناسبة.. بل أكثر من مناسبة ولكن قربها من ريان وهذا الألم الذى يحيط به من قربها حسم رأيها لتهز رأسها نفيا قائلة: مش هينفع ياريان.. عشان أحقق انتقامى محتاجة أفضل بملامح غزل وأنا بكدة هعذبك معايا.. انت بجد إنسان عظيم لإنك حابب تساعدنى.. بس دى تضحية انا مش ممكن أقبلها أبدا..
شعر بالإعجاب بشخصيتها يجتاح كيانه.. فلم تفكر فى نفسها أو مشاعرها أو فى ما يمكن تقديمه من أجلها.. بل فكرت فى مشاعره هو.. ولكن إدراكه أيضا أنها على حق فى كل كلمة قالتها جعله يومئ برأسه موافقا على ماقالته.. فقربها منه سيكون عذابا لكليهما.. لتبتسم بضعف قائلة: أشوف وشك بخير ياريان.
ابتسم ابتسامة باهتة وهو يقول: أشوفك بخير ياتمارا. تقدمت باتجاهه بخطواتها تجرها جرا.. ثم تجاوزته لتخرج من غرفتها يتبعها هو بألم.. ليفاجأوا سويا بصراخ طفلة تقول فى سعادة: مامى.
رايحة فين ياهانم؟ قال عزت ذلك السؤال بحدة.. لتلتفت إليه صافى ناظرة إليه ببرود قائلة: رايحة النادى ياعزت.
وضع عزت قدما فوق الأخرى وهو يقول: مفيش مرواح النادى ومفيش خروج خالص ياصافى. ابتسمت صافى ابتسامة ساخرة وهي تقول: ومين بقى اللى هيمنعنى؟
أشار عزت بإصبع يده إلى صدره قائلا: أنا.. جوزك.. عزت. أطلقت صافى ضحكة ساخرة عالية.. ليعتدل عزت على الفور وقد عقد حاجبيه فى غضب لينهض مقتربا منها بخطوات سريعة وهو يمسك ذراعها قائلا فى حدة: انتى الظاهر اتجننتى ياصافى.
نفضت ذراعه بقوة وهي تنظر إلى عيونه بحقد قائلة: انت اللى الظاهر نسيت نفسك ياعزت.. نسيت انت كنت إيه وأنا خليتك إيه.. انت كنت وهتفضل ولا حاجة.. وبتليفون صغير منى أخليك ورا الشمس.. أنا لحد دلوقتى ساكتة عليك عشان العشرة اللى بينا لكن هتزودها . فقسما بالله هخرج دفاترك القديمة وانت فاهمنى كويس.. وساعتها هتروح فى ستين داهية وابقى ورينى ساعتها هتستقوى بإيه وبمين؟
عقد عزت حاجبيه قائﻻ: انتى بتهددينى ياصافى؟ رمقته ببرود كسى ملامحها وهي تقول: سميه زي ما تسميه ياعزت.. مش صافى اللى واحد زيك يحبسها فى أوضتها ويمنعها تخرج وفى الآخر هتعديها.. لأ.. أنا حبيت بس أديك فرصة أخيرة بس لو ضيعتها متلومش غير نفسك..
لتبتسم بسخرية قائلة: سلام يا... عزت ثم التفتت مغادرة.. لينظر فى إثرها بحقد قائلا: بقى كدة.. طب مش هتلحقى تعملى حاجة ياصافى.. وان كان على حد فينا هيندم فهيكون انتى ياحبيبتى.. مش عزت اللى واحدة زيك تهدده وميعلمش عليها.. سلام يا... يا صافى.
تنحنح كمال لتسمعه علياء وتسرع بالخروج من الشقة لتجده واقفا بالخارج مطرق الرأس.. لتقول بقلق وهي ترى شحوب وجهه: إنت كويس ياكمال؟
رفع عينيه إليها ينظر إلى ملامحها الحبيبة ليهز رأسه نفيا قائلا: أنا مش كويس أبدا ياعلياء.. إحساس غريب واحنا بنزل خالتى عايدة القبر سيطر علية.. أد إيه الموت قريب مننا.. وأد إيه اللى بيشوف القبر ده واللى آخرتنا بتكون فيه.. ساعتها بتهون عليه الدنيا كلها.. لما شفت القبر سألت نفسى.. ياترى عملى كويس وهيبقى روضة من رياض الجنة ولا هيبقى حفرة من حفر النار؟
ربتت علياء على كتفه قائلة بسرعة: استهدى بالله ياأخويا.. وصلى على النبى. قال كمال فى حزن: عليه الصلاة والسلام.
نظرت إلى عينيه قائلة فى حنان: انت طيب ياكمال و طول عمرك آخد بالك من أهلك،واللى معاك مش ليك.. تفتكر حد زيك هيكون قبره إيه بعد عمر طويل بإذن الله غير روضة من رياض الجنة.. ولا إيه ياأخويا؟
نظر إلى عينيها لايدرى بم يجيبها.. أيقول لها أنه فعل ذنبا عظيما.. عقابه فى الدنيا شديد أما عقابه فى الآخرة فهو يخشى مجرد التفكير فيه؟أيخبرها بمصيبته فيخسرها كما خسر كل شئ.. كلا لن يخبرها.. سيتركها تظن أنه صالحا.. ويعلم الله أنه ما فعل جريمته وهو فى كامل وعيه.. ولكن هل هذا عذرا كافيا ليغفر له إثمه عند بارئه؟.. بالطبع لا.. فلم يكن من المفترض أصلا أن يمس ما حذره منه الله ورسوله.. فكل ما يغيب عقله ويجعله يتخطى حدود الله كان يجب أن يظل بعيدا عنه.. أطرق برأسه فى خجل من نفسه وربه قائلا: انا نازل تحت أقعد مع الرجالة ياعلياء.. لو احتجتوا أي حاجة رنيلى.
قالت علياء: ربنا يخليك لينا يارب.. وما يحرمناش منك. إلتفت مغادرا تتبعه بعينيها لتنظر إلى السماء قائلة: ربنا يريح قلبك زي ما انت مريحنا ياكمال ياابن عزيزة.
اندفعت طفلة جميلة الملامح إلى أحضان تمارا التى أصابتها المفاجأة بصدمة لتقول الطفلة بسعادة: انتى جيتى من السفر عشانى؟ .. انا فرحانة اوى.. وحشتينى يامامى.. وحشتينى أد الدنيا.
فهمت تمارا ما يحدث على الفور .. لتدرك أن تلك الطفلة هي إيلين ابنة غزل.. لابد وأنها تظنها هي بسبب تلك الملامح التى تحملها والتى تخص والدتها.. نظرت إلى ريان تستنجد به فوجدته يقف متجمدا.. فعادت بنظراتها إلى الطفلة التى نظرت إلى عينيها بحب خلب لبها لتجد نفسها رغما عنها تقع فى حب تلك الطفلة الجميلة لتنزل على ركبتيها كي تصبح فى مستواها قائلة بحب: انتى كمان وحشتينى ياإيللى.
رفعت الطفلة يدها تتلمس وجه تمارا قائلة فى عتاب: كل الوقت ده مسافرة يامامى.. انا كتبتلك جواب أقولك فيه ترجعى عشان وحشتينى وكنت هديه لبابى عشان يبعتهولك زي جواباتى التانية بس هو مجاش .. انا استنيته كتير وبعدين وقعت من على المرجيحة واتعورت وسبت الجواب هناك.
أحس ريان بالذنب يأكل قلبه وهو يستمع إلى كلمات الصغيرة وقد بدأ يتمالك نفسه بعد صدمة لقاء إيلين بتمارا.. شبيهة أمها.. ليستمع إلى صوت تمارا الحنون وهي تقول: بابى اتصل بية ياإيللى وأول ما قاللى على حادثتك جيت أوام.. مبقاش ليه لازمة الجواب.
عقدت إيللى حاجبيها قائلة: انتى صوتك متغير كدة ليه يامامى؟ إرتبكت تمارا ولم تدرى بما تجيبها لينقذها ريان قائلا: مامى هي كمان عملت حادثة ياحبيبتى وده خلى صوتها يتغير شوية صغيرين بس نفس التون بتاع صوت مامى هتلاقيه موجود.. صح؟
اومأت الصغيرة برأسها ثم نظرت إلى تمارا قائلة: شفتى يامامى.. احنا الاتنين عملنا حادثة واتعورنا عشان كنا بعاد عن بعض.. من النهاردة مش هتسيبينى أبدا ولا هتسافرى تانى. نهضت تمارا متمتمة بصوت خافت: بإذن الله ياإيللى .. بإذن الله.
ليقول ريان بعتاب موجها حديثه لإيلين: بس إنتى سايبة أوضتك وخارجة ليه منها ياإيللى .. أنا مش قلتلك متخرجيش برة أوضتك أبدا. قالت إيلين بعتاب طفولي: كنت بدور عليك ياسى بابى.. صحيت ملقتكش نايم جنبى.. مش انتى قلتلى برده انك هتفضل نايم جنبى لحد ما اقوم من النوم؟
ابتسم ريان قائلا بهدوء: كنت بشوف العيانين ياقلب بابى. ابتسمت تمارا وهي تتابع هذا الحديث.. تشعر بالدفء العائلي لأول مرة منذ زمن.. تثائبت إيلين ليقول ريان: انتى شكلك لسة عايزة تنامى.. تعالى معايا وأنا أنيمك فى أوضتك .
تمسكت إيلين بيد تمارا قائلة: لأ.. مامى اللى هتنيمنى .. وحشنى حضنها.. روح انت يا بابى للعيانين بتوعك وسيبلى مامى شوية. نظر ريان إلى تمارا بارتباك لتومئ له برأسها .. اومأ برأسه بدوره قائلا: خلاص ادخلوا إرتاحوا شوية فى الأوضة وأنا هروح أشوف العيانين بتوعى ياست إيللى وهرجعلكم كمان شوية.
ابتسموا لتسحب إيللى يد تمارا وهي تتجه لغرفتها.. بينما يتابعهم ريان بعينيه قبل ان يهز كتفيه فى قلة حيلة.. ويذهب ليتفقد مرضاه
رواية امرأة وخمسة رجال للكاتبة شاهندة الفصل الخامس عشر
طرق ريان الباب بهدوء ثم دلف إلى الحجرة ليقف متجمدا يرى حبيبته غزل تنام فى السرير محتضنة صغيرته إيلين.. إنها هي.. هي بنفسها.. نفس الطريقة التى تنام بها غزل محتضنة ابنتهما عندما كانت على قيد الحياة.. تصنع من يدها وسادة لرأس إيلين وهي تضم إليها ظهر صغيرته تحتويها.. بينما تتخلل بيدها الأخرى أصابع يد إيلين وتضم يدهما سويا الى صدرها فى حنان.. ابتلع ريقه بصعوبة.. قبل ان يتراجع بظهره حتى خرج من الغرفة تماما مغلقا الباب خلفه بهدوء ومستندا برأسه عليه يغمض عينيه بألم.. لا يدرى بأي مصيبة أوقع نفسه فيها.. أفاق من أفكاره على صوت رنين هاتفه ليخرجه من جيبه وينظر إلى شاشته ليجده ذلك الرقم الدولي الخاص بعامر.. أجابه على الفور وهو يتجه إلى الغرفة الخاصة به والذى هجرها منذ دلوف تمارا إلى المستشفى تتبعها إيلين.
قال وليد بحدة: مش تاخدى بالك ياميار.. كنت هتقعى من على السلم. لهجته.. أو هي حدة نظراته.. وربما هو شعورها بأنه لايهتم بها بل يهتم بذلك الطفل بداخلها.. كل هؤلاء جعلوها تقول بحدة: وهتفرق إيه يعنى لما أقع؟
أمسك ذراعها بعنف يقربها منه ثم يميل على وجهها بوجهه تلفحها أنفاسه الغاضبة وهو يقول بصوت حاد النبرات: لأ.. تفرق كتير ياميار.. وانتى عارفة. اغروقت عيناها بالدموع وهي تقول بضعف: عشان البيبى مش كدة؟خايف عليه مش علية.. صح؟خليك شجاع لمرة واحدة وقوللى إن كلامى كله صح..
ترك ذراعها وهو يقول ببرود: لو دى الحقيقة هقولها ومش هيهمنى حد وإنتى عارفة.. انا مبخافش من حد. أمسكت هي ذراعه قائلة بنبرات تحمل أملا: يعنى انت خايف علية أنا ياوليد؟
رفع يده يمسك يدها الرابضة على ذراعه ليبعدها عنه قائلا بصوت بارد كالثلج: لأ.. خايف على اللى فى بطنك ولو فى يوم حصله حاجة بسببك او بسبب طيشك وإهمالك.. مش هيكفينى عمرك ياميار.. مفهوم؟
ثم تركها متجها إلى حجرتهما.. لتقف متجمدة فى مكانها تتبعه بعينيها فى صدمة.. لقد اعترف لتوه أنها لا تهمه مطلقا.. اعترف أن كل ما يهمه هو طفله القابع فى رحمها.. وأنها فى حياته مجرد رحم للإيجار.. آداة لإنجاب وريث له.. لتنزل دموعها فى صمت.. تنعى قلب تحطم فى التو...إلى أشلاء. قال عامر بحدة: انت بتقول إيه ياريان؟انت أكيد اتجننت.. إزاي تعمل كدة؟ زفر ريان قائلا: اللى حصل ياعامر.. وأبوس إيدك كفاية اللى أنا فيه.. متزودهاش علية؟
شعر عامر بنبرات صديقه المعذبة ليزفر بدوره قائلا: طيب خلاص.. مش هعاتبك دلوقتى.. بس لينا كلام بعدين لما أنزل مصر . قال ريان بيأس: وانت هتنزل امتى.. انا محتاجلك ياعامر.
قال عامر بهدوء: متقلقش أنا نازل مصر قريب.. يومين بالكتير وهتلاقينى جنبك ياصاحبى. أومأ ريان برأسه قائﻻ بإرتياح: كويس أوى ياعامر.. هستناك. قال عامر: مقلتليش ياريان.. رد فعل تمارا إيه على اللى إنت عملته؟
مرر ريان يده فى رأسه بحيرة قائلا: بصراحة البنت دى شخصيتها محيرانى، قوية وفى نفس الوقت ضعيفة، هادية وتحسها شايلة حاجات كتير.. بس كاتمة جواها، استحملت كتير وآخرهم تحويلى ملامحها لملامح واحدة تانية بنفس راضية ومؤمنة.. حقيقى بنت غريبة.
وصمت ليقول عامر: طب هي ناوية تعمل إيه؟وانت كمان ناوى على إيه؟ تنهد ريان قائلا: هقولك ياعامر.. يمكن ألاقيلى حل عندك...هحكيلك على كل حاجة لإنى محتاج أتكلم بجد.
كان ريان متجها إلى حجرة صغيرته ليجد تمارا خارجة منها.. وهى تغلق بابها بحذر.. التفتت لتجد ريان قادما بإتجاهها لتشير إليه بالصمت ثم الدلوف للحجرة المجاورة والتى اعتادت أن تكون لها.. أومأ برأسه وهو يتبعها بعد أن دلفت إلى حجرتها لتقول له فور دخوله الحجرة: اقفل الباب وراك.
عقد حاجبيه ولكنه نفذ طلبها.. لتقول هي على الفور بصوت منخفض: هنعمل إيه فى المصيبة دى ياريان؟.. هنفهم إيللى إزاي إنى مش مامتها وإنى واحدة تانية شبه مامتها؟ عقد ريان حاجبيه قائلا: مش هينفع طبعا.. انتى رديتى عليها على إنك مامتها.. وأنا ما أعترضتش.. وأي إنكار للحقيقة دى مش هيفيد دلوقتى.. لإنها مش هتصدق ولا هتقدر تتقبل فكرة انك واحدة شبه مامتها.. وممكن تنتكس أو يحصلها صدمة عصبية.
اتسعت عينا تمارا فى جزع قائلة: يعنى إيه الكلام ده؟أنا مفهمتش حاجة. زفر ريان قائلا: يعنى لازم تفضلى تلعبى دور مامتها لفترة وبعدين نخترعلك أي سفرية وتخرجى من حياتها تانى زي ما دخلتيها. اتسعت عيناها بصدمة قائلة: انت بتقول إيه.. انت عارف كلامك ده معناه إيه؟
أطرق ريان برأسه قائلا: عارف.. بس هنعمل إيه؟ مضطرين نكمل فى التمثيلية دى للآخر عشان خاطر إيللى. نظرت إليه تمارا وكأنه مخلوق فضائي.. وهي تقول: انت بتهزر ياريان صح؟ هز رأسه نفيا قائلا: لأ.. مبهزرش ياتمارا.
قالت بغضب: .. انت عايزنى أوافق أمثل إنى مراتك.. واقعد فى بيتك.. فى أوضتك.. وأبقى أم لإيللى؟...ده مستحيل طبعا.. أنا صحيح خسرت كتير بس لايمكن أخسر أكتر من كدة.
تأملها ريان للحظة.. تتنازعه المشاعر.. يدرك انه مقدم على مخاطرة كبيرة للغاية ولكن لابد له من أن يقوم بها.. لا ينكر أن دافعه الأول هي إيلين ولكنه لا يستطيع إنكار أن جزء داخلي منه هو أناني للغاية.. يريدها بجواره بأي شكل.. حتى وإن كانت طيفا من روح محبوبته.. حسم رأيه وهو يقول: ممكن تهدى شوية وتقعدى وتسمعينى..
نظرت إليه وهي تعقد حاجبيها ليقول بنبرة هادئة: من فضلك.. إهدى وإسمعينى. ربما هي نبرته التى لطالما حملت إلى روحها هدوءا وسلاما.. أو هي نظرته التى بثت فى روحها الطمأنينة.. لا تدرى أيهما جعلها تنصاع لأمره لتجلس على السرير قائلة: اتفضل اتكلم.. أنا سامعاك.
أخذ نفسا عميقا قبل ان يقول وهو يتجه إليها بخطوات ثابتة: مينفعش ننكر ان احنا الإتنين محتاجين بعض.. أنا محتاجك معايا عشان خاطر إيللى.. وانتى محتاجانى معاكى فى انتقامك.. ومتقدريش تنكرى برده إنى ممكن أساعدك واكون ليكى سند فى مشوارك عشان تخرجى منه بأقل الخساير.. وعشان كدة لازم تقبلى بعرضى.
رمقته بهدوء ودون أن تنطق بكلمة مما أثار حيرته وإرتباكه.. قال يستحثها على الكلام: ها.. قلتى إيه ياتمارا؟ قالت ببرود: قلت إيه فى إيه ياريان؟انت عايزنى فى مقابل إنك تساعدنى فى إنتقامى.. أقدملك روحى واللى فاضل من سمعتى تمرمغهم فى التراب؟ياخسارة ياريان.. أنا كنت فاكراك غيرهم.
لتنهض متجهة إلى الخارج بعصبية مارة بجواره لتتوقف فجأة ويده تمتد توقفها وهو يمسك بذراعها.. لتنظر إلى يده الممسكة بذراعها ثم تنظر إليه بجمود قائلة: سيب إيدى ياريان. رغم جمود ملامحها إلا أنه شعر بها ترتجف بشدة تحت يديه.. ليترك ذراعها على الفور قائلا بهدوء: انتى مسمعتنيش للآخر على فكرة.
قالت تمارا بحدة: لسة هسمع إيه تانى.. ها؟أظن كفاية اوى اللى سمعته منك. نظر ريان إلى عمق عينيها وهو يقول: لو كنتى صحيح عرفتينى زي ماقلتيلى قبل كدة.. كنتى هتعرفى إنى مش ممكن كنت هخليكى فى بيتى وفى أوضة نومى من غير رباط رسمى يحكم علاقتنا.
عقدت حاجبيها قائلة: قصدك إيه؟ قال ريان بحزم: يعنى أنا هتجوزك ياتمارا. اتسعت عينا تمارا فى صدمة وهي تردد: تتجوزنى؟ أومأ برأسه قائلا: قبل ما تقبلى أو ترفضى لازم تسمعينى كويس.. وتعرفى آخر حاجة انا عرفتها من شوية..
صمت ليأخذ نفسا عميقا قبل أن يستطرد قائلا: أهل غزل قدروا يوصلولى.. وده معناه إنهم فى أقرب وقت هييجوا البيت عندى وهيسألوا عن غزل ولو قلتلهم مسافرة هيصمموا يتصلوا بيها ويشوفوها وساعتها هيعرفوا الحقيقة وتضيع منى إيلين.. وده مستحيل هيحصل ولو على جثتى.. لو وافقتى؟ هتقابليهم على إنك هي.. وبكدة هقدر أحتفظ بإيللى.. وهتبقى قدمتى لية خدمة العمر.. لكن لو رفضتى هضطر آخد إيللى وأسافر تانى..
يعنى كل شغلى هنا والنجاح اللى حققته هيضيع.. ده غير احتمال انى معرفش أسافر بيها ويكونوا مبلغين عنى أصلا.. وبرده كدة هتضيع منى إيلين.. أنا بطلب منك تكونى زوجتى أدام الناس.. أدام أهل غزل.. أدام إيلين.. لكن بينى وبينك هنكون اخوات وده وعد منى.. وفى المقابل هنتقم معاكى من اللى ظلموكى وغدروا بيكى.. هساعدك بفلوسى وبمجهودى وبمعارفى ووقتى وكل حاجة هتحتاجيها هوفرهالك.. ده غير إن لما مهمتنا تخلص.. هيكون معاكى ورقة طلاق عشان لو حبيتى...
ليشعر بغصة شديدة فى قلبه وهو يستطرد كلماته التالية قائلا: يعنى مثلا.. لو حبيبتى تبدأى حياتك من جديد مع حد تانى .
أطرقت تمارا برأسها تفكر فى كلماته.. تشعر بالخوف على إيلين ومستقبلها ان وقعت بين أيدى أهل غزل.. إلى جانب خوفها أن يؤثر ذلك على ريان تأثيرا قاتلا.. كما تخشى أيضا الوقوف أمام كل من غدر بها بمفردها فيتكاتلون عليها مجددا.. ولكن بمساعدة ريان فسيغدوا الأمر يسيرا.. اما بالنسبة لورقة طلاقها فبالتأكيد ستفيدها فى حياتها القادمة.. حتى وان كانت لا تفكر فى الزواج مرة ثانية.. مطلقا.
لترفع وجهها إليه تومئ برأسها قائلة: أنا موافقة. ليزفر ريان بارتياح ولكنه عاد ليعقد حاجبيه من جديد وهي تقول: بس بشرط.
نظر إليها متسائلا لتقول بهدوء: أنا هكون معاك لغاية ما تطمن على إيلين وتبعد عنها أهل غزل.. وده طبعا معناه انك هتعرفنى كل كبيرة وصغيرة عنها عشان يفتكروا إنى هي.. أما بالنسبة لإنتقامى فحتى لو ابتديته معايا مش هتكمله للنهاية.. ده تارى أنا وأنا اللى هاخده.. قلت إيه؟
نظر إليها للحظات ثم أومأ برأسه وقلبه يمتلئ إعجابا بجسارتها.. يدرك الآن وبكل قوة اختلافها عن محبوبته غزل فغزل كانت رقيقة ضعيفة لا تقوى على مواجهة كل ما مرت به تمارا.. ولم تكن لتواجهه ببسالة مثلها.. لم تكن لتفعل ذلك أبدا.
رواية امرأة وخمسة رجال للكاتبة شاهندة الفصل السادس عشر
قال إسماعيل بغضب: انتى مش هتبطلى نواح ياست انتى. قالت سعاد بألم: أنا عايزة بنتى يااسماعيل. قال اسماعيل باستنكار: وأجيبلك بنتك منين دلوقتى؟.. مش رفاعى قال انه شافها بتعمل حادثة قريب من هنا وان الحادثة كانت جامدة وأكيد ماتت. نظرت إليه قائلة فى إنهيار: بنتى مماتتش.. بنتى عايشة.. احنا سألنا عنها فى كل المستشفيات القريبة وملقينهاش.. يبقى عايشة.
قال إسماعيل فى ضجر: وإفرضى.. هنعمل إيه دلوقتى؟هنجيبها منين. قالت سعاد من وسط دموعها: إتصرف ياإسماعيل.. إتصرف وهاتلى بنتى. قال إسماعيل بعصبية: لا.. ده انتى اتجننتى رسمى.. أنا قايم نازل وسايبلك البيت.. ده انتى ولية فقر..
ليتجه بخطوات غاضبة إلى خارج المنزل وهو يقول: دى عيشة تقصر العمر. صفق الباب خلفه بقوة لتقول سعاد بكره: منك لله ياإسماعيل.. ذنب بنتى فى رقابتك.. ربنا ينتقم منك.. ياريتنى ما شفتك.. ياريتنى فضلت عايشة لبنتى وبس.. مكنش ده كله حصلها.. ياحبيبتى يابنتى، ياترى أراضيكى فين ياتمارا؟
أغمضت تمارا عينيها بقوة وضمت إليها ذلك الغطاء حتى رقبتها وهي تشعر بدقات قلبها المتسارعة.. لقد تم كل شئ بسرعة.. أخذها ريان لاستخراج بطاقتها الشخصية وأصر على شراء جهاز كامل لها ابتداءا من فساتين الخروج والسهرة ومستلزماتهم من أحذية وحقائب تتناسب معهم.. حتى الملابس المنزلية المريحة ومستلزمات الزينة.. رغم أنها كان من الممكن أن ترتدى أي شئ من ملابس غزل ولكنه لم يقبل.. ربما أراد الاحتفاظ بأشياء غزل بعيدة عنها وربما أراد أن يسعدها بشراء كل ما هو جديد لها؟.. هي حقا لا تدرى..
تم عقد القران فى سرية تامة وها هي الآن تنام فى حجرته تشعر بأنها على وشك الموت خجلا.. فها هو قريبا منها .. أصر على النوم على الأريكة ورفض أن تنام هي عليها رفضا قاطعا.. قائلا أنه اعتاد على النوم عليها.. فلطالما كان ينام على مثيلتها بحجرته فى المستشفى عندما كانت تستدعيه الحالات ليظل بالمستشفى حتى وقت متأخر.. فهو لا يحب القيادة ليلا.. يكون مرهقا وقد ينام أثناء القيادة ويحدث ما لا يحمد عقباه.. هذا ما أخبرها إياه منذ قليل.. ياله من رجل بحق.. يثير اعجابها كل يوم أكثر من اليوم الذى قبله.. لتتساءل فى خشية عن مشاعرها التى تزداد ارتباطا به مع مرور الوقت.. فماذا ستفعل حين يحين الفراق؟
تنهدت بحزن.. لتستمع إلى صوته الهادئ يقول بثبات: مش عارفة تنامى؟ أبعدت الغطاء عن وجهها وهي تعتدل ناظرة إليه وهي تقول: لأ.. مش عارفة. اعتدل فى جلسته ليجلس ناظرا إليها بدوره قائلا بهدوء: كنت متوقع على فكرة.. انتى فى بيت غريب وفى أوضة واحد غريب عنك.. بس أنا عايزك تكونى مطمنة على الآخر.. أنا مش ممكن أأذيكى ياتمارا.
نظرت إلى عمق عينيه قائلة فى تقرير: عارفة. فاجأته بكلمتها ليعقد حاجبيه قائلا: يعنى انتى مش خايفة منى؟ هزت رأسها نفيا وهي تقول: لأ طبعا.. أنا عمرى ما حسيت بالأمان أد ما حسيته معاك.
أشعرته كلماتها بالسعادة ولكنها زادت من حيرته.. ليزداد انعقاد حاجبيه قائلا: ولما انتى مش خايفة منى.. ليه مش عارفة تنامى ياتمارا؟ أطرقت برأسها قائلة: كنت بفكر.. أنا خايفة أيوة.. بس مش منك، أنا خايفة أتعلق ب... بإيلين لدرجة ان فراقها يكون صعب بالنسبة لى.. وخايفة .. خايفة وأنا بحقق انتقامى أضعف وأنهار زي ما حصلى فى المستشفى ومقدرش أكمل.
نهض ريان واقترب منها ثم جلس بجوارها على السرير يضع يده على يديها التى تفركهما توترا فى حجرها لترفع رأسها ناظرة إليه فى حيرة ليقول بنبرة حانية: بالنسبة لإيللى فمتقلقيش.. لما ننتهى من موضوع انتقامك هرجعلك ملامحك من تانى وهتقدرى تكونى فى حياتها بالشكل اللى انتى بتحبيه.. أما عن الكلاب اللى غدروا بيكى فأنا جنبك وفى ضهرك ووراكى فى كل خطوة هتخطيها .. ومش ممكن هسيبك تنهارى أو تضعفى.. هتستقوى بية ياتمارا.
غرقت فى جاذبية عينيه وسحر نظراتهم الحانية وكلماته التى أرسلت لها شعورا رائعا غمر كيانها لتبتسم بدورها بامتنان قائلة: حقيقى مش عارفة كنت هعمل إيه من غيرك ياريان؟.. انت حد ربنا بعتهولى عشان أقدر أكمل حياتى وأقف على رجلية من تانى. تأمل ملامحها الجميلة والتى زادتها بسمتها اشراقا لتستقر نظراته على شفتيها الجميلتين ويشعر بالضعف.. يريد الاقتراب من شفاهها على الفور والنهل من شهدهما.. ولكنه تمالك نفسه بسرعة وهو يرفع يده عن يدها يقاوم أحاسيسه بضراوة .. ليتنحنح قائلا: احمم.. طيب بما انك اطمنتى والأمور اتحلت فحاولى تنامى شوية وترتاحى عشان بكرة أدامنا يوم طويل.
ثم نهض لتدرك تمارا أحاسيسه التى يصارعها فقد ظهرت على وجهه ذو الملامح الشفافة .. وأدركت أنه يتمالك نفسه بصعوبة.. لتزداد اعجابا برجل يحافظ عليها لعلمه أنها ما تزوجته رغبة به وإنما واجبا حتمته عليهما الظروف.. وأنها ليست زوجته التى أحبها .. بل هي فتاة تعرضت لحادث جعلها تكره جنس الرجال.. ولكن ها هو ريان يعيد لها الثقة بأن فيهم من يستحق ذلك اللقب.
أفاقت من أفكارها وهي تعيد كلماته فى رأسها لتنادى بإسمه برقة.. توقف ريان عن المشي باتجاه الأريكة والتفت إليها قائلا: نعم ياتمارا. تمارا.. تمارا.. إنه يذكر إسمها كثيرا وكأنه يذكر نفسه بأنها ليست غزله.. قالت بحيرة: احنا ورانا إيه بكرة؟ ابتسم فى غموض قائلا: مفاجأة.
عقدت حاجبيها فى حيرة ولكنها مالبثت أن هزت كتفيها وهي تراه يتضجع على الأريكة لينام.. لتنام بدورها مثله تغمض عينيها لتفتحهم فجأة على اتساعهما وهي تدرك أنها لم ترتعش حين وضع ريان يده على يديها ولم تخشاه.. تتساءل بقوة عن السر فى ذلك؟.. بينما ارتسمت ابتسامة على شفتي ريان الذى أدرك ذلك من قبلها ليوقن أنها أصبحت تثق فيه بالكامل وأنها فى طريقها للشفاء.
قال ماجد بضيق: فيه إيه ياريم؟.. هو انا كل ما هقولك كلمى أهلك عشان آجى أخطبك.. تقوليلى مش وقته ولسة شوية.. أنا مبقتش قادر أصبر .. ده أنا كنت عايز أتجوزك علطول مش لسة كمان هخطبك ونقعد شهر بحاله على مانتجوز ..
قالت ريم بنبرة ناعمة وهي تمد يدها تضعها على يده الرابضة على الطاولة: معلش ياحبيبى.. انت عارف الوضع فى البيت إزاي دلوقتى وعييط ماما اللى مبيوقفش، دى علطول بتعيط وبتنادى على تمارا.. هاجى أنا بقى وأقولها إنى هتجوز كمان اللى كان خطيبها .. دى تروح فيها.. الموضوع عايز تمهيد طبعا.. وبعدين أهو عشان يكون أدامك فرصة تجيب اللى قلتلك عليه.
قال ماجد بحنق: يعنى وهو لازم نجيب الشاشة ال ٥٢ بوصة والميكرويف والتكييف.. بناقص الحاجات دى ياريم. رفعت يدها عن يده قائلة باستنكار: بناقص إيه ياماجد.. انت عايزنى أبقى أقل من صاحباتى.. مستحيل طبعا.. انت مستخسر فية شوية الحاجات البسيطة دى.. لأ بجد زعلتنى ياماجد.. أنا صحيح بحبك.. بس الحاجات دى مهمة أوى ومن غيرها مش هتجوز. لتنهض بعصبية فيوقفها بيده التى أمسكت بيدها قائلا: خلاص ياستى هشوف الحاج محمود يديهوملى قسط وأبقى أسدد الأقساط بعد الجواز.. مبسوطة دلوقتى؟
اندفعت تقبله فى وجنته قائلة: مبسوطة أوى ياحبيبى.. سلام بقى دلوقتى عشان عندى محاضرة مهمة. نهض قائلا: استنى هوصلك. قالت بارتباك: لأ خليك انت.. عشان متقفلش المحل.. الوقت ساعة غدا يعنى ساعة شغل بالنسبة لك.. سلام يامودى.
تابعها بعينيه وهي تغادر ليجلس مجددا فى مكانه يفكر.. لا يدرى لما اقتحمت تمارا أفكاره الآن؟ .. ولما يقارنها بريم؟.. ليدرك السبب.. وهو اختلافهما كلية عن بعضهما البعض.. فطوال سنين ارتباطهما لم تطلب منه تمارا شيئا يفوق قدراته.. بل لم تطلب منه شيئا على الإطلاق.. كانت قنوعة راضية.. ولم تكن لتقبله بتلك الجرأة أبدا.. بل انه عندما اراد تقبيلها قبل الفرح بأيام قلائل ابتعدت عنه بخجل تؤجل كل شئ لبعد الزواج.. لقد ظلمها.. يعلم فى قرارة نفسه أنه ظلمها.. ليس بتخليه عنها فحسب بل بخياناته لها من قبل.. ولكنه هكذا..
شرقيا فى ارتباطه إلى أقصى حد.. يفعل ما يحلو له ولكنه يريد زوجته له وله فقط .. لم ولن يمسها غيره.. أخبره ضميره او المتبقى منه.. أنها كانت له وأنها لم تمس برضاها.. ولكنه أخرس ضميره قائلا: مكنش ينفع .. كنت كل ما هشوفها هتخيل الكلاب دول وهما قريبين منها بيلمسوها زيى وأكتر.. كنت هقرف منها.. أنا كدة.. يمكن غلط.. يمكن صح.. بس أنا كدة ومقدرش أتغير.
دلف ريان من بوابة المنزل ليتوقف بسيارته فى المدخل وينزل منها متجها إلى الداخل بسرعة.. فقد اشتاق إليهما بشدة.. حتى انه اضطر لتأجيل عملية تجميل من أجل ان يعود إليهما باكرا.. توقف أمام الباب تماما وهو يستمع إلى صوت ضحكاتهما الآتية من الحديقة.. ترك حقيبته أمام الباب واتجه إلى الحديقة ليراهما سويا يتراشقان بخرطوم المياه وتجلجل ضحكاتهما أرجاء المنزل..
ابتسم بدوره وهو يستند إلى تلك الأرجوحة يتابع لعبهما وضحكاتهما بسعادة.. لتنتبه إليه إيلين وتسرع إليه مهللة .. بينما توقفت تمارا عن اللعب وهي تلقى بخرطوم المياه جانبا.. شاعرة بالخجل.. خاصة عندما التفت إليها ريان الآن يتأملها بنظرة غامضة شملتها من رأسها حتى أخمص قدميها.. تنتبه لأول مرة ان ملابسها إلتصقت بشدة عليها بفعل المياه لتصبح معالم جسدها واضحة له.. قالت إيلين بابتسامة: تعالى إلعب معانا يابابى.
قال لها ريان دون أن يحيد بنظراته عن تمارا التى أصبحت وجنتيها كجمرتين ملتهبتين من الخجل: مش الوقتى ياقلب بابى.. بابى جاي تعبان من الشغل ومحتاج يرتاح شوية. قررت تمارا ان الوقت قد حان لإنهاء ذلك الموقف الذى أشعرها بخجل لا يحتمل وهي تقول: انا هطلع الأوضة أغير.. وانتى كمان ياإيللى لازم تطلعى تغيرى.. اومأت إيللى برأسها قائلة: حاضر يامامى.. هطلع أغير علطول. قالت بارتباك: ماشى.. تمام.. عن إذنكم.
ومرت بجوارهما تجر خطواتها جرا لتسمع إيللى تقول لوالدها فى حيرة: انت ليه مبوستش مامى أول ما دخلت زي زمان.. وإنبارح فى الملاهى مخدتهاش فى حضنك وانتوا فى المنخل.. أكيد زعلت يابابى. لم تسمع تمارا رد ريان وهي تسرع بخطواتها واضعة يدها على وجنتها وقد اتسعت عينيها قائلة: يبوسنى إيه وياخدنى فى حضنه إيه بس ياإيللى؟.. ده أنا كنت أروح فيها...يالهووووى.
... دلف ريان إلى الحجرة يبحث بعينيه عنها فلم يجدها ومن صوت خرير الماء بداخل الحمام أيقن أنها مازالت بداخله.. اتجه إلى السرير جالسا عليه وهو يحل ربطة عنقه ويفك الزر العلوي لقميصه يأخذ نفسا عميقا .. أغمض عينيه ليطوف بخياله صورتها وهي تلعب مع صغيرته.. ورغم أنها تشبه غزل إلا أنها تختلف عنها حتى فى طريقة ضحكاتها.. لقد شعر اليوم بإختلافهما مجددا .. فغزله كانت تنطلق فى المرح بلا حدود ولا تخجل منه مطلقا ومن أول يوم لهما معا.. أما تمارا فتخجل كثيرا.. لقد حاولت تمارا اليوم أن تكون منطلقة مثلها فلقد حدثها عن غزله كثيرا ولكن رغما عنها طبيعتها غلبتها.. طبيعتها الخجولة الهادئة الجميلة والتى تجذبه بشدة.. ترى إن قبلها حقا فماذا سيكون رد فعلها؟
فتح عينيه على الفور يرفض مسار أفكاره ليسمع فتح الباب وتحين منه إلتفاتة إليها.. لتتسع عينيه بدهشة ورغما عنه يكتم ضحكة كادت أن تنطلق منه.. فهناك كانت تمارا تقف بخجل فى مئزر الحمام الأبيض الخاص به والذى يكبر مقاسها كثيرا فيشعر من يراها بأنها طفلة غارقة فى فستان أمها.. نهض مقتربا منها وهو يقول بابتسامة: إيه اللى انتى عاملاه فى نفسك ده؟
استرقت إليه النظر فى خجل قائلة بتلعثم: أنا.. أصلى.. يعنى.. اتلبخت ومخدتش فستان معايا.. ولما سمعتك داخل.. لبست الروب ده.. أنا بشوفهم فى التلفزيون بيلبسوه وهما خارجين من الحمام وقلت انك جبتهولى مع الحاجات اللى صممت تشتريهالى.. بس الظاهر ان البنت اللى كانت شغالة فى المحل غلطت فى المقاس وجابتلى مقاس أكبر. ابتسم وهو يمد يده يمسك بيدها اليمنى بين يديه يثنى لها كمها بتلقائية شديدة أدهشتها وهو يقول: لأ مغلطتش ولا حاجة.. وأنا فعلا جبتلك روب دى شامبر مع الهدوم اللى جيبتهالك.
ليترك ذراعها اليمنى ويمسك باليسرى وهو يكمل ثني كمها مستطردا: بس انتى لبستى الروب دى شامبر بتاعى انا ياتمارا. كانت تائهة فى فعلته البسيطة والتى جعلت خافقها يدق بشدة لقربه الشديد منها ولمساته التى كانت رغما عنه ودون قصد لذراعيها ولكنها أرسلت فى جسدها كله قشعريرة هائلة.. لتفيق من شعور كامل بالذوبان .. على كلماته تحاول استيعابها لتقول بارتباك: أنا عملت إيه؟
ترك ذراعها وهو ينظر إليها ليتوه فى ملامحها .. مد يده يرفع خصلة من شعرها الندي يرجعها خلف أذنها فى حركة خطفت أنفاسها وهو يقول ببطئ: انتى لبستى روبى ياغزل. أفاقت على إسم حبيبته التى أعاد إليها صوابها على الفور لترجع خطوة إلى الوراء تبتعد عن سحر قربه قائلة بتوتر: أنا تمارا ياريان. نظر إليها لثانية ثم تنحنح قائلا بارتباك: آه طبعا.. تمارا..
ليلتفت متجها إلى الدولاب ويخرج منه مئزرا وردي اللون ناولها إياه قائلا بصوت خفيض: ده روبك يا تمارا.. أخذته منه بارتباك ليقول هو مستطردا: أنا .. انا هاخد حمام عشان اسيبلك الأوضة براحتك تغيرى هدومك. قالت بسرعة: وروبك. ابتسم قائلا: أنا عندى واحد غيره.. خليهولك هو كمان.. شكله أحلى عليكى.
احمر وجهها خجلا لتتسع ابتسامته وهو يقترب من الدولاب مجددا يأخذ مئزرا آخر رمادي اللون قبل أن يلقى عليها نظرة أخيرة وهو يتجه إلى الحمام تاركا إياها فى حالة غريبة من تضارب المشاعر.. أحاطت عقلها بغيمة من السعادة .. خشيتها.. ولكن رغما عنها استسلمت لها وهي تمد يدها تشد مئزرها حولها بابتسامة.