رواية عروس الثأر للكاتبة سارة علي الفصل الثاني والعشرون
هل جننت يا فرح؟! قالها أدهم بعدم تصديق لما يسمعه على لسانها، هي بالتأكيد جنت لتطلب منه شيئا كهذا... ردت عليه بنبرة باكية: كلا لم اجن، طلقني يا أدهم، انا لن أعيش معك بعدما عرفته عنك... الامر لا يسير على مزاجك كما تظنين، انت زوجتي ولن اطلقك مهما حدث... سأخبر الجميع بما عرفته، وحينها سيطلقني والدي منك لا محالة...
همت بالتوجه خارج الغرفة حينما قبض على ذراعها وجرها نحوه مانعا اياها من الخروج هاتفا بنبرة عصبية حادة: انت لن تقولي لأحد أي شيء، ما عرفتيه كان وسيظل سرا بيننا، هل فهمت.؟! دفعته بقوة لا تعرف من أين جائتها وقالت: ابتعد عني، انت لا يحق لك أن تتعامل معي بهذه الطريقة، وطالما الأمر سرا فطلقني بدلا من ابقائي على ذمتك قسرا...
رمقها بنظرات مستاءة وقال بضيق: سنتطلق ولكن ليس الان، سنتطلق بعد عدة شهور كما اتفقنا مسبقا... كتمت حسرتها داخل قلبها وهي تفكر بأنه لم ينس اتفاقهما، هذا يعني انه كان باقيا عليه، رفعت رأسها بإباء وقالت: ليس كل شيء يجري كما تريد، انا لست مجبرة على البقاء معك لعدة اشهر فقط لأنك لا تريد ان تطلقني، اختر يا ادهم اما الطلاق او إفشاء سرك...
ماذا تريدين بالضبط يا فرح؟! تريدين فضح السر الذي خبأته لسنين طويلة.؟! هل تظنين ان أمرا كهذا سيمر مرور الكرام... كان يعاتبها بالرغم من نبرته الغاضبة اما هي فصرخت به بنفاذ صبر: انا لا اريد شيئا سوى الطلاق... وانا لن أطلقك... قالها بحسم قبل ان يتحرك من امامها خارجا من الغرفة لترتمي هي على سريرها وتبكي بصمت، لقد انتهت فرحتها قبل أن تبدأ...
وقف ادهم سيارته في كراج المشفى، هبط منها واتجه إلى داخل المشفى وتحديدا الى الغرفة التي يقظن بها أدهم الصغير... وجد هناك شيرين التي كانت جالسة بجانب ابنها النائم بعمق... كيف اصبح الان.؟! سألها وهو يقترب منه لتجيبه وهي تنهض من مكانها لإستقباله: بخير، وضعه افضل الان، اخبرني الطبيب انه سيخرج صباح الغد من هنا... اومأ برأسه ورد بخفوت: جيد...
رمقته بنظرات هادئة ثم قالت: ادهم، ماذا قلت لفرح عنا؟! رد عليها بجدية: لم أخبرها بشيء اطمئني... ماذا قلت لها اذا؟! سألته بإصرار لمعرفة ما اخبر به فرح ليرد بعد فترة صمت: أخبرتها انه ابني، وهو كذلك... قالها وكأنما يؤكد ما نطق به لتوه لترد شيرين معترضة: لا يا ادهم، هو ليس بإبنك، وفرح لا ذنب لها بأن تتحمل شيء كهذا... ماذا تقصدين يا شيرين؟!
سألها مصدوما لترد: اخبرها الحقيقة يا ادهم، أخبرها أنه ليس بإبنك، لا تجعلها تعيش في كذبة مؤلمة كهذا... صمت ولم يرد، اخذ يفكر في حديثها، ويفكر في فرح، فرح التي وضعته على المحك، اقتربت شيرين منه وسألته بجدية: ماذا قالت حينما أخبرتها أنه ابنك؟! تطلع اليها بنظرات صامتة قبل ان يهتف بها: طلبت الطلاق...
توقعت هذا... اطلقت شيرين تنهيدة صغيرة واكملت: أخبرها الحقيقة يا ادهم، فهي لا تستحق منك هذا... ولكن انا لا أضمن انها لن تخبر احدا بالحقيقة... صمتت شيرين ولم تعلق، اخذت تفكر بكلامه حينما نطقت اخيرا: ألا تثق بها.؟! صمت ادهم لوهلة يفكر في سؤالها قبل ان يجد نفسه يجيب بتلقائية: بالطبع اثق بها... ابتسمت له وربتت على ذراعه وقالت: اذهب اليها واخبرها بكل شيء.، اذهب يا أدهم... وبالفعل نفذ ادهم ما قالته وذهب مسرعا اليها...
كانت تبكي بصمت، تحتضن جسدها داخل ذراعيها وتتذكر كلماته ثم تنخرط في بكاء يمزق نياط القلب... كيف خدعها.؟! بل كيف صدقته هي؟! لقد كانت في أوج سعادتها بسبب ما حدث بينهما، وهاهي الان في أوج ألمها وحزنها، هي الان أتعس انسانة في الدنيا، بعدما كانت اسعد انسانة منذ ساعات قليلة...
نهضت من مكانها بعدما مسحت دموعها، سارت بخطوات متهالكة نحو خزانة ملابسها واخرجت حقيبة كبيرة منها، بدأت تضع ملابسها في الخزانة وهي تفكر بأن عودتها الى منزلها باتت لا مفر منها، فهو لا يستحق ان تبقى لأجله بعدما علمت بوجود ابن له، وربما زوجه اخرى ايضا...
في نفس اللحظة دلف أدهم الى داخل الغرفة لتتسع عينيه مما يراه... ركض نحوها وابعد الحقيبة من بين يدها وقال بغضب: ماذا تفعلين؟! اجابته وهي تجاهد لعدم البكاء: سأذهب الى القرية، لا داعي لوجودي هنا... فرح، كفي عن هذه السخافات... نهرها بقوة ثم اكمل وهو يضغط على اعصابه: دعيني اخبرك بكل شيء...
سحبت الحقيبة منه وقالت بقوة: لا يوجد شيء لتخبرني به... قبض على ذراعها وجرها خلفه، أجلسها على السرير وجلس امامها وقال بإصرار: كلا سوف تسمعينني... اخفضت بصرها ارضا بينما قال هو بجدية: ليس ابني، وليست زوجتي... رفعت بصرها نحوها لتتعلق أنظارها بنظراته الثاقبة قبل ان تهتف بعدم استيعاب: حقا.؟! اومأ برأسه وأجاب بتأكيد على كل ما قاله: حقا...
من يكون ذلك الطفل اذا؟! ومن تكون تلك المرأة؟! سألته بفضول لم تستطع ان تخفيه، تريد أن تطمئن، أن ترتاح... هل تعدينني ألا تخبري احد بما سأقوله.؟! وأن هذا الأمر سيبقى سرا بيننا.؟! اومأت برأسها وقالت: أعدك... صمت قليلا قبل ان يقول: شيرين كانت زوجة اخي... اخوك، أي اخ منهم؟!
سألته بتعجب كبير ليرد موضحا لها: أخي الكبير أياد، أنت لا تعرفينه، هو مقيم في أمريكا... انا حقا غير مصدقة لما أسمعه، طالما هي زوجة اخيك وهذا الطفل ابنه، لماذا لا تخبر عائلتك.؟! لماذا الجميع لا يعرف بوجودهما.؟! سأخبرك بكل شيء، لكن اياك ان يخرج هذا الكلام من فمك... قالها بتحذير لتومأ برأسها وتستمع اليه...
اياد اخي الكبير احب شيرين وتزوجها بعد اصرار كبير، مع ان والدتي لم تكن موافقة عليها لأنها من عائلة متواضعة، ولكن أياد بطبعه هوائي، يعني لا يصبر على شيء كثيرا ولا يستمر بعمل او علاقة طويلا، ومع هذا هو بنفسه من أصر على شيرين...
صمت قليلا يتابع نظراتها الذاهلة مما تسمعه ليكمل: وللاسف مل من شيرين بعد زواجهما بفترة وبدأ يخرج مع فتيات اخريات ويخونها كثيرا، وفي النهاية قرر تطليقها والسفر الى الخارج، طلقها بالفعل واختفت شيرين من حياتنا لعدة شهور، وفي احد الايام وبالصدفة البحتة رأيتها، كانت حامل في شهرها التاسع، اول ما خطر على بالي ان هذا الطفل لأياد، وبالفعل لم أكذب خبرا حيث ذهبت اليها وواجهتها لتكبي وتترجاني ألا أخبر احدا... لماذا.؟!
لأنها تخاف من نفوذ عائلتي، كونهم من الممكن ان يأخذوا الطفل منها، كما انها لا تريد اي علاقة تجمعها مع أياد، لقد كرهته بحق، ولم تعد تريد اي رابط يجمعها به... وانت وافقت على طلبها هذا بكل سهولة؟!
اومأ برأسه وقال: نعم وافقت، فهي معها كل الحق، وأياد لا يستحق هذا الطفل، لهذا تكفلت انا برعايتهما سرا، واصبحت ابا روحيا لأدهم الصغير... صمتت فرح قليلا، صمتت حتى قطعت صمتها حينما احتضنته وقالت: انا اسفة، اسفة حقا... ربت أدهم على ظهرها قبل ان يشدد من احتضانها وهو يفكر بأن الحقيقة افضل من اي شيء...
دلف كاظم الى مكتبه، جلس على كرسيه واخذ يفكر بما يحدث معه، من جهة اخته سلوى وطلاقها المفاجئ، طلاقها الذي يبدو بلا رجعة، ومن جهة الاء، نعم الاء التي لا يعرف ان كانت تغيرت بالفعل أم تمثل عليه التغيير، فهو لا يثق بها ولا بطريقة تفكيرها، انها تتصرف بطريقة غريبة لا تشبهها بتاتا، طريقة لم يفهمها وكأن هذا ما كان ينقصه...
رن هاتفه فوجد اسمها يضيء شاشته، زفر أنفاسه بقوة ثم حمل الهاتف واجاب عليه: نعم، ماذا هناك؟! جاءه ردها العفوي: عمتي اخبرتني ان تجلب معك بعض الخضروات والفواكه كالطماطم والبطاطا والفاصوليا والجزر والتفاح والبرتقال والفراولة... لكن والدتي لا تحب الفراولة... قالها بتعجب لترد بجديةة: الفراولة لأجلي، فأنا أحبها كثيرا... حاضر، هل تريدين شيئا أخر؟! اجابته نفيا: كلا لا اريد سوى سلامتك...
أغلق الهاتف في وجهها ثم حمل مفاتيح سيارته واتجه خارج مكتبه، ذهب الى السوق واشترى جميع ما أوصته به قبل ان يعود الى المنزل... وصل الى هناك ليجدها تنتظره في المطبخ تحمل منه الاكياس كأي زوجة مثالية، ثم تغسل الخضروات والفواكه وتعقمها وتضعها في الثلاجة... انتهت من عملها سريعا وركضت الى غرفتها، فتحت الباب ودلفت الى الداخل فوجدته جالسا على الكنبة ويبدو أنه يفكر بأمر ما...
اقتربت منه وجلست بجانبه وسألته: يبدو عليك انك مرهقا، وتفكر في امر هام، بماذا تفكر؟! اخبرني... اجابها وهو يتنهد بإرهاق: افكر في موضوع سلوى وطلاقها... هل تحدثت مع زوجها.؟! هز رأسه نفيا وقال: كلا، لم أتحدث معه... اومأت برأسها متفهمة وحل الصمت بينهما... صمت قطعه هو بنفسه حينما التفت نحوها وسألها: إلام تخططين بأفعالك هذه يا الاء؟!
ماذا تقصد؟! سألته بنبرة شاحبة ليرد بجدية: أنت تفهمين جيدا ما أعنيه... كاظم، انا لا اخطط لشيء، انا فقط اتصرف بطبيعتي... هب بها: طبيعتك! منذ متى وطبيعتك بهذه الوداعة؟! اجابته: منذ الاول، منذ ولادتي، هذه حقيقتي كاظم، اما ما رأيته في البداية لم يكن سوى قناع ارتديته بسبب ما حدث... اكملت بنبرة متشنجة: بسبب تلك الحادثة اللعينة التي دمرت حياتي... صمت، صمت وهو يفكر بحيرة مما يسمعه، هل يصدقها؟! هل يعطيها الامان، وعندما لم يجد ردا مناسبا حمل نفسه وخرج من الغرفة بأكملها...
رواية عروس الثأر للكاتبة سارة علي الفصل الثالث والعشرون
بعد مرور أكثر من شهر استيقظ ادهم من نومه ليجد الفراش خاليا بجانبه، عقد حاجبيه بحيرة وهو ينهض من فوق فراشه ويتجه الى الحمام لكنه لم يجد فرح هناك، ارتدى بلوزته واتجه نحو الباب ليبحث عنها في الخارج ليتفاجئ بالباب تفتح وفرح تلج إليه وهي تحمل في يديها صينية الافطار... ابتسم ملأ فمه وهو يسألها: أين كنتِ؟! وما هذه الصينية.؟!
أجابته وهي تضع الصينية على الطاولة التي تتوسط الغرفة: لقد أعددت طعام الإفطار... ابتسم لها وقال وهو. يحتضنها: ما رأيك أن نتناول فطورنا الخاص اولا؟! عقدت حاجبيها بحيرة وسألته ؛ وما هو فطورها الخاص.؟! مال نحو فمه يطبع قبلة عليه وقال: هذا هو...
وهم بحملها لتقول بسرعة وهي توقفه بدلال: ليس الان يا ادهم، لنتناول فطورنا، لقد جهزت لك الطعام بنفسي... حسنا كما تشائين... قالها وهو يتجه نحو الطاولة ويجلس أمامها ويشير إليها لتجلس بجانبه ويبدأ بتناول طعامه... لاحظ أدهم انها تتناول القليل من طعامها فقال مازحا: لقد أصريت أن نتناول فطورنا وأنتِ لا تتناولين شيئا... أزاحت خصلة الى جانب وجهها وقالت: انت تعرف أن شهيتي للطعام قليلة... بل معدومة...
ابتسمت وقالت: هذا أفضل حتى أحافظ على رشاقتي وجمالي... بعد فترة كان أدهم يجلس على السرير وفرح نائمة على قدميه بينما يعبث هو بشعرها... كيف حال شيرين؟! سألته فجأة ليجيبها: بخير...
اعتدلت في جلستها وقالت: أنا أشعر بالشفقة لأجلها رغم أنني لا أعرفها عن قرب، لكن ما قلته عنها أثر بي كثيرا... صمت أدهم ولم يرد لتكمل فرح: ألا يفكر اخوك بالعودة.؟! يعني لقد قضى وقتا طويلا خارج البلاد... مط ادهم شفتيه وقال: لا أعلم... أحاطته فرح بذراعيه وقالت: أدهم انت لن تفعل بي كما فعل هو بها، لن تمل مني أليس كذلك؟! نظر اليها وقال بصدق: مستحيل، مستحيل أن أمل منك... ابتسمت له بينما قبل جبينها لتتنهد بسعادة...
وقفت آلاء امام الطباخ وقد قررت أن تعد الفطور بنفسها لكاظم، فوالدة كاظم وأختيه ليسوا في المنزل، لقد خرجن منذ الصباح الباكر الى السوق... اخذت تجهز طعام الأفطار ووضعته في صينية واتجهت به الى صالة الطعام... وضعت الصينية على الطاولة وقررت أن تذهب الى كاظم وتوقظه...
ايقظته من نومه وأخبرته أنها أعدت الطعام له لينهض من مكانه ويتجه الى الحمام ليغسل وجهه بينما عادت هي الى غرفة الطعام تنتظره... خرج كاظم من الحمام وهو يجفف شعره حينما سمع صوت رنين هاتف آلاء... اتجه نحو الهاتف ليحمله ويذهب به الى آلاء ليتوقف عن الرنين ولكن بعد لحظات وصلت رساله ظهر محتواها على الشاشة: اتصلي بي وإلا سأذهب الى زوجك وأخبره بكل شيء...
اندلعت نيران الغضب داخله وهو يقرأ محتوى الرساله ليضغط عليه بقوة ويتجه خارج الغرفة... دلف الى غرفة الطعام بملامح متحفزة وقال بنبرة هجومية: ما هذه الرسالة؟! ما معنى هذا الكلام؟! تحدثي؟! انتفضت آلاء من مكانها وأخذت الهاتف منه تقرأ محتوى الرساله ليرتجف جسدها بالكامل وهي تقول بتلكؤ: هذه، هذه رسالة... قبض على ذراعها بقوة وقال: تحدثي حالا، من بعث لك هذه الرسالة وماذا يريد منك؟!
اجابته بألم: انه، انه خطيبي السابق... خفف من قبضته وقال: خطيبك، هل كنت مخطوبة من قبل؟! اومأت برأسها وقالت: نعم كنت مخطوبة... حرر ذراعها وقال بسخرية: هل هو من أخطأتي معه وتخلى عنك بعد ذلك؟! اشتعلت نظراتها وهي تجيبه: انا لم اخطأ معه، ولا مع غيره، اما عنه فهو تخلى عني حينما علم بحقيقتي...
صمت وأخذ ينظر اليها بنظرات مشككة لتكمل: سوف احكي لك كل شيء، وأنت ستسمعني، لقد اعتدى علي، اغتصبني، كنت حينها صغيرة في المرحلة الجامعية ولم استطع أن أخبر احد، لا احد يعلن بما حدث سوى ادهم، لان المغتصب كان صديقه... جحظت عيناه بصدمة وقال بعدم تصديق: صديقه اغتصبك... اومأت برأسها وهي تكمل بدموع لاذعة: نعم اغتصبني وهرب، وبعدها خطبني شخص اخر وانا وافقت عليه ظنا مني انه سيتفهمني لكنه ما ان شرحت له ما حدث تخلى عني... ولماذا يتصل بك الان؟!
اجابته بصوتها المبحوح: لأنه يريدني من جديد، يقول انه نادم على ما فعل، نعم يجب ان يندم فأنا لم أخدعه بل كنت صريحة معه للغاية، كان من الممكن أن أكذب عليه وأفعل اي شيء لكنني لم أقبل على نفسي شيء كهذا... صمت كاظم ولم يعرف ماذا يجب أن يقول، لقد ظلمها منذ البداية، اتهمها اتهامات باطلة دون ان يراعيها او يفكر في سماعها... شعر بمدى خطأه وجرحه لها فقال معتذرا: انا أسف، أسف لأنني لم أسمعك... نظرت اليه بصمت وقالت: ليس مهما، لم يعد مهما.. ثم تحركت مبتعدة عنه متجهة الى غرفتها حيث ستبكي هنا كما تريد...
تقدمت ميرا من والديها الجالسين على طاولة الطعام يتناولان افطاريهما، ألقت تحية الصباح وجلست على الطاولة ليهتف والدها بها: ميرا، لقد اتصل بي حازم ويريد معرفة جوابك على طلبه الزواج منك... نظرت ميرا الى والدتها ثم قالت اخيرا: اخبره اني موافقة... ابتسمت الام براحة بينما نهض الاب واقترب منها، رفع وجهها نحوه وسألها: هل أنت واثقة من جوابك؟!
اومأت برأسها وقالت بتأكيد: نعم متأكدة... طبع الاب قبلة على جبينها ثم قال: مبارك لك حبيبتي، سأذهب الى العمل الان، أراكم مساءا... ما ان خرج الاب من المكان حتى قالت الام بفرح: مبروك حبيبتي، حازم رجل جيد ويستحقك... ابتسمت ميرا لها وقالت: شكرا..
ثم نهضت من مكانها وقالت: سأذهب الى بيت عمي، البنات يريدونني هناك.. ثم ذهبت الى بيت عمها لتتفاجئ بمازن يخرج من عندهم... ابتسم لها وقال: كيف حالك؟! لم ارك منذ وقت طويل... اجابته بتوتر: كنت مشغولة قليلا... بالدراسة، أليس كذلك؟! اومأت برأسها وقالت: ماذا عنك؟! كيف حالك انت.؟
اجابها بجدية: بخير... شعر مازن بتغيرها فهي لم تكن تتحدث معه بحماس وحيوية كالسابق... سألها: ميرا هل انت جيدة؟! اجابته بسرعة: بالطبع، هل يوجد شيء ما؟! كلا ولكن تبدين متغيرة قليلا... تنهدت وقالت: جميعنا نتغير يا مازن، الزمن غيرنا تماما... معك حق... رحل مازن بعدها بينما اتجهت ميرا الى منزل عمها وهي تفكر بأنها يجب أن تنساه والى الابد...
تقدم أيهم من طاولة الطعام حيث يجلس الجميع ما عدا ادهم وفرح يتناولون طعامهم... ألقى تحية الصباح وجلس معهم لتحدث والدته بضيق: لقد جاء الجميع الا ادهم وفرح... ثم اكملت مشيرة الى زوجها: هل رأيت؟! لقد بدأت تسحبه مننا... ماذا تقولين يا إمرأة؟! ابنك ليس بصغير لتسحبه مننا... مطت اسما شفتيها بإستياء ثم التفتت نحو أيهم وقالت: حبيبي، ما رأيك أن تذهب معي الى النادي اليوم... وما المناسبة؟! سألها بحيرة لترد: هكذا، اريد ان اتحدث معك قليلا...
نظر أنس وأسامة الى بعضيهما ثم ابتسما بصمت بينما قال أيهم بإقتضاب: لدي مشوار مهم، اذهبي مع أنس واسامة اذا اردت... ثم نهض من مكانه واتجه خارج المكان... زفرت اسما انفاسها بضيق وهي تفكر ان ايهم ما زال يعاملها بشكل سيء منذ ما حدث بالرغم من مرور اكثر من شهر.. اما ايهم فقاد سيارته سيارته متجها الى الجامعة، وصل الى هناك واتجه الى مكتبه ليلملم ما تبقى من اغراضه... فالاجازة قد بدأت...
انتهى من جمع اغراضه وخرج من المكتب ليتفاجئ بها امامه تنظر اليه بنظرات خجولة... هم بالتحرك بعيدا عنها لكنها أوقفته: ايهم، توقف من فضلك... ماذا تريدين؟! سألها لترد: اريد الحديث معك... لكنه رد عليها بإقتضاب: لا يوجد حديث بيننا يا دارين، وانت تعلمين هذا جيدا... ولكن ايهم...
قاطعها بضيق: لا انطقي اسمي على لسانك، هل فهمت؟! ثم اكمل: لا اريد رؤيتك مرة اخرى يا دارين، ابدا... لماذا تفعل بي هذا؟! لماذا تعاملني بهذا الشكل؟! ابتسم ساخرا وقال: انا رجل شرير، هكذا انا، لا اغفر الكذب ولا اقبل به... لو اخبرتك الحقيقة منذ اول يوم، هل كنت ستتقبلني؟! صمت ولم يرد لتبتسم بمرارة وتقول: انت بكل الاحوال لن تتقبلني يا ايهم، يبدو انه معك حق، انا وانت لن ننفع سويا، ابدا... قالتها وتحركت بعيدا عنها ليتابع اثرها حتى اختفت تماما من أنظاره...
في مكتبها جلست ليلى امام شاهين يتحدثان في أمور العمل... هل نتوقف قليلا؟! قالتها ليلى وهي تشعر بالإرهاق الشديد حيث هما يعملان سويا منذ الصباح الباكر... حسنا لنتوقف... قالها شاهين ثم نهض من مكانه واعد لهما القهوة... اخذت ليلى القهوة منه وشكرته ثم بدأت تتناولها وهي شاردة بينما اخذ شاهين يتابعها بصمت...
تنحنح شاهين قائلا فجأة: اذا كنت مرهقة بإمكانك الذهاب الى المنزل... رمقته بنظرات باردة وقالت: اطمئن انا بخير ولا انوي أن اترك العمل ابدا... لماذا تتصرفين وكأننا بتحدي.؟! ألسنا كذلك؟! ما رأيك ان نعقد اتفاقية صلح؟!
تطلعت اليه ليلى بشك ليكمل: في الحقيقة نحن نعمل سويا ومن السيء ان نتعامل مع بعضنا بهذا الشكل... زفرت انفاسها بضيق وقالت بعدم اقتناع: معك حق... ابتسم لها وقال: اذا دعينا نطوي الماضي ونبدأ صفحة جديدة... ابتسمت بتوتر وقالت: موافقة...
رواية عروس الثأر للكاتبة سارة علي الفصل الرابع والعشرون
وقف كاظم أمام باب الغرفة وهو متردد في الدخول ، تسائل في داخله عن عدد المرات التي تردد فيها بشيء لكنه اكتشف ان هذه المرة الوحيدة التي تردد بها، بسببها هي.. أخذ نفسا عميقا وطرق على الباب بخفة ليأتيه بعد لحظات قصيرة لكنها مرت عليه كالدهر صوتها وهي تخبره أن يدخل...
ولج الى الداخل ليجدها تلملم أغراضها في حقيبة كبيرة ، التفتت نحوه لتظهر اثار البكاء واضحة على وجهها ، عقد حاجبيه وهو يتقدم نحوها متسائلا بحيرة: ماذا تفعلين؟! أجابته وهي تتنهد بصمت: ألملم أغراضي ، سأعود الى العاصمة... ابتسم بخفة وقال: تهربين بهذه السرعة؟! ردت بتعب: نعم أنا أهرب...
تفاجئ من جوابها ، كان ينتظر منها ردا مختلفا، ردا يشبه عنفوانها وكبريائها الذي لطالما تحلت به، ألاء التي عرفها من قبل كانت ستنفي تهمة كهذه عنها.. ظهر الاستغراب جليا على وجهه وهو يهتف بصدق: تغيرتِ كثيرا يا ابنة الهاشمي... ابتسمت بألم وقالت بدموع: نعم تغيرت يا ابن زهران... كلا ، لا تبكي، هذه الدموع لا يجب أن تصدر منك...
قالها بجدية لتمسح دموعها برقة قبل ان تهتف بهدوء: انا راحلة يا كاظم ، هذا الحل الافضل لكلينا... صمت، وطال صمته.. كانت تترقب ردة فعله ، تنتظر شيئا منه رغم ادراكها أنه لن يقف في وجهها أو يخبرها ألا تذهب، لكن رغما عنها تمنت هذا... عادت تلملم أغراضها حينما طال صمته والذي وجدت فيه جوابا واضحا منه... لا ترحلي...
توقفت عما تفعله والصدمة شلت كيانها بأكمله ، هل قالها؟! هل طلب منها ألا ترحل. ؟! كانت تحاول استيعاب ما قاله، كاظم الذي تعرفه لا يصدر منه شيئا كهذا... استدارت نحوه وأخذت تتأمل ملامحه الجادة بعشق لا تعرف متى اصبحت تكنه إليه... صمتت بدورها وطال صمتها ليقول وهو يجلي حلقه: ألن تقولي شيئا؟! وجدت نفسها تنطق ما يخالف مشاعرها: لا يا كاظم ، لن ابقى، أنا سأرحل.. تقدم نحوها وسألها بهدوء غريب: لماذا؟! أجابته بصدق: لأني لا أستحقك ، ولأنك تستحق من هي أفضل مني.. هل هذه مزحة؟!
هزت رأسها نفيا وهي تقول: أنا لا امزح ، انا تستحق فتاة افضل مني ، فتاة لم يلمسها رجل غيرك.. هش ، اصمتي.. قالها كاظم بحزمة ثم أكمل بجدية: هل تظنني رجلا حقيرا لأحاسبك على ماضي لا ذنب لك فيه؟! قاطعته بسرعة وتبرير: كلا، ولكن انا اعرف مدى رجولتك وشهامتك التي تجعلك تفكر في البقاء مع إمرأة مثلي، أفهم جيدا أنك حتى لو أردت غيري فلن تفعلها وتتخلى عني..
اقترب منها اكثر واحاط ذراعيها بكفي يديه فإرتبكت كليا: الاء التي أعرفها تثق بنفسها اكثر من هذا ، الاء ابنة لهاشمي تدرك قيمتها بحق.. منحته ابتسامة شاحبة وقالت: أمامك يختفي كل هذا، أمامك أصبح فتاة اخرى لا أعرفها، فتاة تخجل من ماضيها.. أسكتها واضعا كف يده فوق فمها قائلا بلهجة صارمة: يكفي يا الاء ، ما حدث في الماضي انتهى، وانتِ يجب أن تفهمي هذا، أمامنا حاضر مهم وينتظرنا مستقبل جميل...
هل هذا يعني أنك؟! سألته بعدم تصديق ليومأ برأسه مؤكدا أفكارها قبل ان يهتف بها بجدية: أريد أن أعطي فرصة لزواجنا كي يستمر يا الاء.. حل الصمت المطبق بينهما، صمت قطعته هي حينما قالت: ولكن انت يجب أن تعرف شيئا مهما... ماذا؟! سألها بحيرة لترد بتردد: لقد كان لدي سبب مهم لقبولي زواجي منك، غير السبب الذي تعرفه انت.. ماهو السبب! أغمضت عينيها قليلا قبل ان تفتحها وتخبره بتلك الشركة التي ساومت والدها عليها في سبيل زواجها منه..
وقف مازن امام والده متسائلا بحيرة: أبي، هل طلبتني؟! أومأ الأب برأسه وأجابه: نعم يا بني ، تعال واجلس امامي.. جلس مازن امام والده واخذ يفكر في السبب الذي طلب أن يراه لأجله... حل الصمت بينهما للحظات قطعه الاب وهو يقول بجدية: مازن اسمعني جيدا وافهم ما سأقوله... هز مازن رأسه وقال: تفضل يا ابي ، اسمعك...
أطلق الأب تنهيدة صغيرة وقال بهدوء: انا موافق على زواجك من تلك الفتاة الاجنبية... اتسعت عينا مازن بدهشة وعدم تصديق ، هل ما قاله والده حقيقي؟! هل وافق على زواجه من حبيبته؟! أبي هل تتحدث حقا؟! سأله مازن بذهول ليرد الاب: منذ متى وأنا أمزح معك؟! ولكن كيف غيرت رأيك؟!
أجابه الاب بشرود: وجدت أنه لا يوجد شيء يستحق أن يقف في وجه سعادة ابنائي.. ابتسم مازن بهدوء وقال: أشكرك يا أبي ، أشكرك حقا... ثم أكمل بفرحة: سأتصل بها وأخبرها أن تأتي هي وأهلها الى هنا حتى نقيم خطبتنا... جيد ، ما رأيك أن تقيم خطبتك في نفس يوم خطبة ميرا؟! تجمدت الكلمات على شفتيه للحظات لم يستوعب بها ما قاله والده ، هل هذه مزحة؟! ميرا، هل ميرا ستتزوج؟!
سأله بذهول ليومأ الأب برأسه وهو يقول: نعم ، خطبتها الاسبوع القادم... ابتلع ريقه وظهر التوتر جليا على ملامح وجهه، توتر لم يفهم سببه بعد.. لقد ازعجه هذا الخبر وبشدة... نهض من مكانه واتجه خارج الغرفة شاردا بما قاله والده غير أبها بأي شيء أخر.. قابل والدته في طريقه والتي نظرت اليه بضيق وقالت: هل فرحت الان؟! ستتزوج من تلك الحرباء الأجنبية..
لكنه لم يكن معها حيث سألها بدلا من ان يرد عليها: هل ميرا ستتزوج حقا؟ أومأت الأم برأسها وقالت بعدم إدراك لما يحدث حولها: نعم ، خطبتها الاسبوع القادم.. دارت الدنيا به حتى كاد أن يقع من طوله لكنه تماسك في أخر لحظه وهو يشدد من أزره حينما أخذ نفسا عميقا وقرر أن يذهب إليها ويراها... ركب مازن سيارته وقادها متجها الى منزل ميرا بعدما صمد قليلا..
لم يستوعب ما سبب كل هذه الضجة التي حدثت بداخله عندما علم بخبر زواجها، ولا يريد ان يفهم.. وصل اخيرا الى منزل خاله ليهبط من السيارة ويتجه نحو الباب ، ضغط على جرس الباب لتفتح له ميرا الباب وهي ترتدي فستان سهرة قصيرة... مازن ، ماذا تفعل هنا؟! اقصد اهلا بك! قالتها ميرا يتلعثم ليقول مازن بهدوء لا يشبه الفوضى الكامنة في داخله: هل ما سمعته صحيح يا ميرا؟! ومالذي سمعته؟؟
سألته بحيرة ليرد بكلمات مختصرة: ستتزوجين؟! شحب وجهها وشعرت بالبرودة تكسو اطرافها حينما اجابته بتوتر: نعم ، لقد خطبني حازم ووافقت... هكذا ، بهذه السهولة... انا لا افهم ما تقصده ، ولمَ يجب ألا يكون بهذه السهولة؟!
كانت تسأله بصراحة دون ان تفهم مقصده من كلامه ليضطرب كليا وهو يجيبها: لإنك ما زلت صغيرة ، ولا تستطيعي اتخاذ قرار في شيء مهم كهذا... عقدت ذراعيها امام صدرها وردت بعناد: انا لست صغيرة ، هذا اولا، ثانيا انا في المرحلة الجامعية وأستطيع ان اتخذ قرار مهم كهذا ، ثالثا انت لست مسؤول عني لتتحدث معي بهذه الطريقة.. ولكن...
صمت ولم يستطع الاكمال لتقول ميرا بجدية: ماذا تريد يا مازن؟! لا أريد شيئا يا ميرا، مبارك لك، ها صحيح ، فستان خطبتك جميل للغاية.. قالها وهو يشير الى الفستان الذي ترتديه قبل ان يرحل مسرعا تاركا اياها تتابع أثره بذهول..
خرجت فرح من غرفتها واتجهت الى الطابق السفلي... وجدت أسما تعمل على قدم وساق لأجل حفلة عيد زواجها التي ستقام بعد غد... تقدمت فرح منها حيث تقف في صالة الجلوس تتحدث مع منظمة الحفل في بعض الامور وقالت: صباح الخير.. صباح النور..
أجابتها أسما بإقتضاب بينما ردت عليها الموظفة بإبتسامة.. قالت أسما بلهجة عصبية: انا لا اصدق حقا ما تختارونه ، إنها بشعة للغاية.. تطلعت فرح بفضول الى القائمة التي تحوي على موديلات مختلفة لأطباق الطعام بينما قالت الموظفة بتوتر: ولكن هذه أفضل الأنواع الموجودة لدينا... إنها مقرفة..
لم ترد فرح أن تتدخل في الحوار فإستأذنت منهما وذهبت الى غرفتها مرة اخرى تاركة اسما تصرخ بصوت مزعج... دلفت الى الداخل وجلست على سريرها تقلب في هاتفها حينما وجدت أدهم يلج الى الداخل... وأخيرا أتيت.. قالتها وهي تقفز نحوه ليحتضنها ويرفعها عاليا ويدور بها... اشتقت لك..
قالها بحب وهو يقبلها من شفتيها لترد بسعادة: وانا اشتقت لك اكثر... احتضنها بقوة ثم ما لبث أن بدأ يقبلها واستجابت هي له كالعادة... بعد فترة ليست بقصيرة كانت ممددة داخل أحضانه وهو يعبث بشعرها كالعادة...
أدهم.. نعم.. أريد الذهاب الى القرية ورؤية أهلي.. نظر إليها بصمت ثم قال: متى تريدين الذهاب؟! أجابته بجدية: الاسبوع القادم خاصة ان خطبة ميرا ستكون فيه... جيد ، سأنتهي من اعمالي المتبقية واذهب معك.. حقا؟! سألته بفرحة عارمة وعدم تصديق ليومأ برأسه وابتسامة كبيرة تعلو شفتيه... غرقت داخل احضانه من جديد حينما شعرت فجأة برغبة شديدة للتقيؤ...
نهضت من فوق سريرها وركضت مسرعة الى الحمام الملحق بغرفتها لتتقيأ هنا بينما نهض ادهم خلفها واخذ يتابعها بقلق.. خرجت فرح من الحمام وهي تضع يدها على بطنها ليسألها أدهم بقلق: هل أنت بخير؟! أومأت برأسها وهي تجلس على السرير بوهن ليجلس بجانبها ويحتضنها قائلا: ما رأيك أن تذهبي الى الطبيب؟؟ أجابته بجدية: لا تعطي الموضوع اكبر من حجمه ، يبدو انني بردت قليلا... هل أصبحت بخير الان؟! سألها وهو يحتضن وجهها بين كفيه لتومأ برأسها ، قبل جبينها وعاد واحتضنها بينما شردت هي في شكوكها فيبدو انها بالفعل تحمل طفله داخل أحشائها...
في صباح اليوم التالي دلف أيهم الى داخل المحاضرة كالعادة ، بحث بعينيه عنها رغما عنه لكنه لم يجدها ، يبدو انها تتهرب منه كي لا تراه... انتهى من محاضرته وهو ينتظر دخولها في اي لحظة لكنها لم تدخل... خرج من قاعة المحاضرات وهو يشعر بالإحباط رغما عنه ، لا يعلم لماذا يشعر بالقلق ايضا، قلق لا يدرك سببه...
دلف الى داخل غرفة مكتبه في الجامعة واخذ يقلب في حاسوبه بملل حينما ولجت فتاة الى الداخل وقالت متسائلة: أنت أيهم الهاشمي؟! اغلق حاسوبه الشخصي وقال مؤكدا ما قالته: نعم انا ، تفضلي... أجابته بجدية: انا سالي صديقة دارين... لم يستطع ان يخفي الاهتمام والترقب الذي ظهر بوضوح عليه لتخبره الفتاة: دارين بحاجة لك ، انها تحبك كثيرا..
وهل هذه الطريقة الجديدة لتكسب عطفي نحوها... هزت رأسها نفيا وقالت: الأمر ليس هكذا ، انها... صمتت ولم تكمل ليسألها بحيرة: إنها ماذا؟! أجابته والدموع بدأت تظهر داخل عينيها: إنها تصارع الموت ، دارين تموت.. نهض من مكانه غير مصدقا ما يسمعه وسألها بملامح متشنجة: ماذا تقولين انتِ؟! اجابته ببكاء: لقد انتحرت منذ يومين وحالتها خطرة للغاية، يبدو انه لا يوجد امل من شفائها..
وقفت ليلى أمام شاهين الذي اخذ يشرح لها تفاصيل العمل الجديد، كانت تستمع له بفضول شديد حينما انتهى مما قاله ليخبرها انه يشعر بالجوع الشديد فقد اخذا يعملان لفترة طويلة دون توقف.. سألته ليلى بحيرة عما يريده فأجابها أنه يرغب في تناول الطعام في مطعم قريب ويريد أن تذهب معه الى هناك..
رفضت ليلى في بادئ الأمر ثم اضطرت تحت اصراره ان تتحدث مع والدها وتخبره برغبتها في الذهاب مع شاهين الى ذلك المطعم... وافق والدها على الفور ليذهب الاثنان سويا الى هناك... جلست ليلى امامه وقالت بجدية: هل جئت الى هنا من قبل؟! هز رأسه نفيا وقال: كلا ، هذه المرة الاولى التي أاتي بها... اخذت تقلب في قائمة الطعام ليتنحنح ويقول: ليلى ، هل لي أن اقول شيئا؟!
تفضل.. شعرت ليلى بتوتره فسألته بحيرة: هل هناك مشكلة ما؟! قال اخيرا بهدوء: ليلى ، هل تقبلين الزواجبي.. احتلت الصدمة كيانها بأكمله وهي تحاول أن تستوعب ما قاله... ماذا تقول انت؟! سألته بدهشة ليرد بنفس الهدوء: اريد الزواج بك... حل الصمت بينهما ، هو لم يتكلم بشيء اخر وهي لم ترد عليه... الذهول كان يسيطر عليها، فكيف يطلب منها الزواج هكذا ببساطة وهو لك يعرفها الا منذ عدة ايام؟!
وقفت الاء امام المرأة تتأكد من تناسق قميص نومها الاسود الطويل... لقد قررت اليوم ان تغري كاظم وستفعل، انه لا يتحدث بها منذ البارحة... بالأحرى لم يرها او يقترب من غرفتهما وحينما اتصلت به وسألته عن موعد عودته أخبرها أنه سيأتي الليلة.. هو بالتأكيد سيأخذ موقفا منها بعدما عرفه ولكنها لن تسمح له بالإستمرار في ابتعاده عنها... لقد جهزت كل شيء وستجعل الليلة زواجهما حقيقيا... لقد تعبت من الانتظار وتريد ان ترتاح مع الرجل الذي اختارته واحبته.. سمعت صوت طرقات على الباب فارتدت الروب بسرعة وقالت: تفضل..
دلف كاظم الى ال داخل واغلق الباب خلفه ، خلع سترته ورماها على السرير ثم جلس على السرير بتعب، اقتربت منه الاء وسألته: هل أنت بخير؟! نظر لها بطرف عينيه ولم يرد لتنحنح بإرتباك وتقول: انا اسفة يا كاظم ، اعترف أنني كنت أنانية في تفكيري ، وأنني كنت سيئة الطباع ولكن... صمتت لوهلة قبل ان تكمل بصدق: انا تغيرت ، تغيرت كثيرا..
اخذ ينظر اليها بجمود ، جمود أقلقها فتقدمت نحوه ووضعت كفيها حول وجهه وسألته: هل سوف تسامحني؟! لا أعلم.. أجابها بإقتضاب لتقول بتوسل: كاظم اغفر لي خطأي هذه المرة ارجوك، سامحني وامنحني فرصة واحدة، فرصة اخيرة.. لم يرد عليها بل ظل صامتا لفترة طويلة فوجدت نفسها تعترف اخيرا: كاظم انا احبك... نظر اليها بعدم تصديق لتكمل بدموع: لا أعرف كيف ومتى، ، لكنني احبك بحق...
نظر إليها بصمت بينما اقتربت منه وقبلته من وجنته وقالت: اردت أن تعرف هذا فقط والقرار لك ، إما ان تمنحني فرصة اخيرة لنبدأ بها من جديد او سأعود الى العاصمة غدا.. وقبل ان تكمل جملتها كان يسحبها نحوه ويطفئ الضوء...