خرج أنس من الحفل وهو يحمل مفتاح سيارة والده، كان قد طلب من والده مفتاح سيارته ليأخذ منها غرضا يخصه، وفي أثناء سيره نحو الكراج شاهد أحدهم يتلفت يمينا ويسارا وهو يحمل داخل احضانه فرح التي تبدو فاقدة للوعي، اتسعت عينا أنس بصدمة وهو يرى هذا الشخص يقفز سريعا نحو احدى السيارات ويضع فرح في المقعد الخلفي للسيارة بينما يتجه هو الى مقعد السائق، وفي لمح البصر كان أنس يجلس في مقعد السائق ويدير سيارته لاحقا به بينما يده تبحث عن هاتفه ليتصل بأحدهم ويخبره بما يحدث، كان أنس يقود السيارة وهو يحاول قدر المستطاع ألا يشعر ذلك الشخص بأنه يلحق به، وجد أنس ذلك الشخص يتجه بسيارته نحو احد الشوارع الضيقة فتبعه حتى توقف امام احد البيوت الصغيرة هناك فأختار أنس ان يقف بعيدا عنه في بداية الشارع حتى لا يلمحه الاخير، حمل هاتفه وفتحه وأخذ يبحث في قائمة الاسماء عن إسم أدهم، ضغط على زر الاتصال وهو يدعو ربه أن يسمع الأخير رنين هاتفه ويجيب عليه...
وبالفعل أجاب أدهم بعد لحظات ليقول أنس بسرعة: أدهم تعال بسرعة، لقد خطفوا خطيبتك... جاءه صوت أدهم الغاضب: هل هذا وقت مزاحك السخيف يا أنس.؟! وقبل ان يغلق الهاتف في وجهه ترجاه أنس ألا يفعل: أرجوك لا تفعل.، أنا لا أمزح، الفتاة في الداخل معهم، وأنا، أنا في سيارة والدي أقف على بعد مسافة صغيرة منهم... أنت لا تمزح.، أليس كذلك؟! سأله أدهم بنبرة منفعلة ليقسم له أنس: أقسم لك أنني لا أمزح... فعل الGPS فورا ليظهر لدينا الموقع الذي انت فيه وأنا سأتصرف... ثم اغلق الهاتف في وجهه ليفعل أنس ما قاله له...
أما هناك فقد اغلق أدهم هاتفه ونهض من مكانه بسرعة متجها خارج الحفل، قبل ان يخرج اتجه نحو حميد والد فرح وإستأذنه ان يسمح له بالخروج مع فرح قليلا ليتحدث معها، أخرج أدهم مفاتيح سيارته بسرعة واتجه نحو الكراج الملحق بالقاعة وتحديدا نحو سيارته، ركب سيارته وبدأ في قيادتها متبعا الإشارة التي تصدر من هاتف أنس، كان يقود بسرعة شديدة بينما يحاول الاتصال بالشرطة ويخبرهم بما حدث ليأتوا ويساعدونه، وصل أدهم أخيرا الى المكان بعدما أجرى اتصالا سريعا بالشرطة، اوقف سيارته بجانب سيارة أنس الذي خرج من السيارة بسرعة واتجه نحوه قائلا: من الجيد أنك أتيت، لقد خرج هذاك الرجل الذي خطفها منذ قليل...
هل يوجد أحد في الداخل؟! سأله أدهم بجدية ليجيبه أنس: لا أعلم، لم أر سوى هذاك الرجل يخرج من المنزل... ما ان انهى أنس كلماته حتى وصلت الشرطة الى المكان وتمت محاصرته، اقتحم الشرطة المنزل فلم يجدوا به أحد سوى فرح الفاقدة للوعي والممددة على سرير صغير متواجد في أحد الغرف، دلف أدهم الى داخل الغرفة واتجه نحوها مسرعا بعدما سمحت له الشرطة بذلك، حملها بسرعة وأحذ يتطلع إليها متفحصا إياها بلهفة غريبة قبل ان يلمح ورقة صغيرة تقع من كف يدها...
هبط الى الأسفل وهو ما زال يحملها وأخذ الورقة ثم خرج بها من الغرفة واتجه بها الى سيارته... وضعها داخل السيارة وتقدم نحو الشرطة الذين طلبوا منه أن يقوموا بالتحقيق معه ومع فرح حينما تستيقظ فهم يريدون أن يعرفوا من وراء ما حدث... اتفق أدهم مع الشرطة على أنه سيأتي بنفسه إليهم ومعه فرح في صباح الغد ثم ما لبث ان ركب في سيارته وركب أنس سيارة والده واتجه الاثنان الى المنزل الذي تقطن به عائلة أدهم بعدما أخبر أدهم أنس بذلك...
وصل كلا من أدهم وأنس الى المنزل بعد فترة ليست بقصيرة، دلف أدهم الى الداخل وهو يحمل فرح بين يديه ثم اتجه بها نحو غرفته ووضعها على سريره، أخذ أدهم يتأملها وهي فاقدة للوعي غير واعية بأي شيء يدور حولها، كانت تبدو ناعمة للغاية ووديعة... مد أنامله يتحسس بشرة وجهها برقة متناهية قبل ان يتنهد بصوت مسموع ويبتعد عنها ناهرا نفسه عن هذه الحركات الطفولية التي يقوم بها... تذكر أدهم أمر الورقة فأخرجها من جيبه بسرعة وأخذ يقرأ ما بها...
لا تظن أنك إستطعت ان تنقذها مني هذه المرة، لقد تركتها لك بمزاجي، عليك أن تشكر أخاك الصغير فلولاه ما كنت لتفعل اي شيء، الايام بيننا، والقادم أجمل بكثير... اعتصر أدهم الورقة في قبضة يده بينما اندلع الغضب داخله، غضب حارق ينبأ بحرق أي شخص يراه امامه الان، اغمض عينيه للحظات محاولة منه للسيطرة على اعصابه التي باتت على المحك، ما ان هدأ قليلا حتى خرج من الغرفة واتجه الى صالة الجلوس ليجد أنس هناك والذي ما إن رأه حتى نهض من مكانه على الفور واقترب منه متسائلا: هل هي بخير؟!
اومأ أدهم برأسه دون أن يرد ليعاود أنس سؤاله: من فعل هذا؟! وكيف يجرؤ على فعله؟! رد أدهم بنبرة مقتضبة: لا أعلم... صمت أنس ولم يعلق بينما جلس أدهم على احد الكراسي وأخذ يفكر في هوية الشخص الذي اختطف خطيبته...
أفاق أدهم من شروده على صوت رنين هاتفه ليجد أباه يتصل به، أجاب عليه بسرعة ليأتيه صوت والده المنزعج: أدهم أين أنت؟! السيد حميد يسأل عنك، هات فرح وتعال حالا، كما أن أخيك أخذ سيارتي واختفى ايضا... قال أدهم بسرعة مجيبا اياه: أنس معي لا تقلق عليه، سوف نأتي حالا... ثم اغلق الهاتف وأشار لأنس قائلا: ابقى هنا مع فرح حتى أعود... حاضر... قالها أنس بإذعان ليتحرك أدهم خارج المنزل متجها الى قاعة الحفل...
دلف أدهم الى قاعة الحفل واتجه مباشرة الى حميد الذي نهض من مكانه وسأله بسرعة: أين فرح يا أدهم؟! الجميع يسأل عنها، ستنتهي الحفلة دون ان تأتي، اختها تريد رؤيتها قبل ان تزف الى منزلها... لم يعرف أدهم ماذا يقول وكيف يخبره بشيء كهذا، وما زاد الطين بله هو قدوم السيدة نجلاء والدةفرح وهي تتسائل: ألم تأت فرح معك يا أدهم.؟! كيف تترك أختها في يوم كهذا؟!
في الحقيقة إنها متعبة قليلا... قالها أدهم بتردد لتسأله نجلاء بقلق: متعبة، !! ما بها؟! تنحنح أدهم ثم قال بجدية: لقد أغمي عليها... ماذا؟! صرخت نجلاء بعدم تصديق ليقول أدهم بسرعة: لا تقلقي إنها بخير الان... نجلاء، لننهي الزفاف بسرعة ونذهب و نطمئن عليها...
اومأت نجلاء برأسها بسرعة وتحركت متجهة نحو عائلة العريس لتخبرهم برغبتهم بإنهاء حفل الزفاف... اما حميد فقد اقترب من أدهم وسأله: اخبرني الحقيقة، ماذا حدث بالضبط؟! ابتلع أدهم ريقه وأجابه: لقد خطفوا فرح يا عمي، ولكننا أنقذناها... اتسعت عينا حميد بصدمة غير مصدق لما سمعه ثم قال بعدم إستيعاب: ماذا تقول يا أدهم؟! خطفوا فرح... اومأ أدهم برأسه ليقترب كاظم منهما ويتسائل بحيرة: ماذا هناك يا عمي؟! هل حدث شيئا ما؟! تطلع الاثنان الى بعضيهما قبل أن يسرد أدهم على مسامعهم ما حدث...
اوقف أدهم سيارته امام منزله وهبط منها مسرعا، توقفت سيارة اخرى بها كلا من حميد وكاظم، هبط الاثنان بسرعة وتبعا أدهم الذي دلف الى المنزل وفتح الباب بسرعة ثم طلب من حميد وكاظم الدخول... دلف الثلاثة الى الداخل ليجدا أنس في صالة الجلوس والذي نهض مرحبا بسرعة مرحبا بهم... أين فرح.؟!
سأل حميد بسرعة ولهفة ليجيب انس: ما زالت نائمة في الداخل... تفضلا معي الى الغرفة التي هي فيها... قالها أدهم وهو يشير الى غرفة النوم التي وضع بها فرح، اتجه الاثناه خلفه ليفتح أدهم باب الغرفة ويلج الى الداخل معهما.، اتجه حميد نحوها بسرعة وتأملها وهي نائمة بعمق ليتنهد براحة فهي امامه سليمة معافاة... سأحملها واذهب بها الى السيارة...
قالها كاظم وهو يتجه نحو فرح بنية حملها لكن أدهم وقف بوجهه وقال: بل أنا من سيحملها... رد كاظم بضيق: لا يجوز أن تحملها و... قاطعهما حميد: أنا من سيحملها، ارتحتما الان... ثم وضع ذراعيه أسفل ظهرها وحملها واتجه بها خارج الغرفة... في اثناء خروجه من المنزل دلفت عائلة الهاشمي الى منزلهم ليتفاجئوا مما يرونه... صاحت اسما بخوف: ماذا يحدث هنا؟!
ليتجه أدهم بسرعة نحوها ويهمس لها مطمئنا: كل شيء بخير لا تقلقي... بينما همست الاء بسماجة: ما كل هذه الفوضى.؟! ليرميها أدهم بنظرات نارية قبل ان يتبع حميد وكاظم الى الخارج... اما أسامة فإقترب من أنس وأخذ يقول ضاحكا: يبدو أن أخيك لم يتحمل أن ينتظر حتى يأتي الزفاف.، دخل بالفتاة مبكرا... أسامة...
صاح به الاب بتحذير ليكتم أسامة فمه بيديه، بينما قال الاب مكملا: لننتظر حتى يأتي أدهم ونفهم منهم ما حدث... ثم التفت نحو انس قائلا وقد تذكر لتوه أمر سيارته التي أخذها أنس: صحيح، أين أخذت سيارتي و إختفيت فجأة.؟ توجهت الاء الى غرفتها وهي تقول بلا مبالاة: انا سأنام فلا رغبة لدي بسماع المزيد... بينما أجاب أنس على سؤال والده: دع ادهم يشرح لك حينما يأتي...
وبالفعل دلف أدهم الى الداخل بعدما انهى أنس جملته ليقول الاب بسرعة: اريد معرفة ما حدث الان... اتجه أدهم نحو أنس واحتضنه قائلا: اليوم جميعنا يجب أن نشكر أنس على ما قام به من تصرف بطولي... رفع أدهم حاجبه متسائلا: حقا، !! ومالذي فعله أنس؟! جلس أدهم على الكنبة ثم طلب من الجميع الجلوس وبدأ يسرد لهم ما حدث بالتفصيل... يا الهي، كيف حدث هذا؟! من يجرؤ على اختطاف الفتاة من الزفاف بهذه السهولة؟!
قالها الاب بعدم تصديق ليهز أدهم رأسه ويجيب: لا أعلم، إن الامر يبدو مريبا للغاية.، ولكنني سأعلم.، لن أترك الأمر يمر هكذا مرور الكرام... تحدث أيهم هذه المرة قائلا بعد تفكير: لا أعلم لماذا أشعر أن هناك لعبة ما تحدث في الخفاء... ماذا تقصد.؟!
سأله أدهم بحيرة ليرد أيهم موضحا: يعني أن هناك من يخطط لإيقاع الخلاف بين العائلتين، وأظن أنه فعل ما فعل لكي يزيد الخلاف بيننا.، او... صمت لوهلة وأكمل: او هذه خطة من قبل عائلة زهران ليشعلوا الخلاف بيننا من جديد، فكيف تختطف الفتاة بهذه السهولة من بينهم.؟! أخذ أدهم يفكر بكلام أيهم وأخذ يربطه بأمر الورقة التي رفض الافصاح عنها الان.، شعر أدهم بأن أيهم معه كل الحق فيما قاله فمن يجرؤ على فعل شيء كهذا واختطاف فرح في زفاف اختها الا اذا كان شخص يعرفهم جيدا، تحدث أدهم منهيا الحوار بعدما اتجهت انظار الجميع نحوه منتظرين ابداء رأيه: قد يكون معك حق يا أيهم، لننتظر الى الغد ونرى ماذا يحدث...
في منزل ميد زهران... دلف حميد الى منزله وهو يحمل فرح يتبعه كاظم... تقدم الجميع نحوه بسرعة واولهم نجلاء الذي شهقت بقوة ما إن رأت إبنتها وهي محمولة بين أحضان والدها... وضع الاب فرح على الكنبة ثم جلس بجانبها وهو يربت على وجهها محاولا إيقاظها، بينما ركعت نجلاء بجوارها من الجهة الاخرى وهي تهتف بقلق: ماذا حدث يا حميد؟! لماذا هي فاقدة للوعي؟!
اقترب مازن والفتيات منهم وأخذوا يتسائلون عما يحدث بينما هتف الاب بهم بعصبية: اخرسوا الان، ليجلب لي أحد منكم الماء... ركضت مريم بسرعة لتجلب الماء ثم عادت وهي تحمل قدحا من الماء أخذه الاب منها وبدأ يحمل القليل منه في يده ويرشه على وجه فرح التي بدأت تستيقظ اخيرا...
رمشت فرح بعينيها عدة مرات قبل ان تبدأ تفتحهما ببطء شديد، فتحتهما أخيرا لتنصدم بالجميع من حولها يحيطون بها... حاولت التحدث لكنها لم تستطع، شعرت بجفاف غريب يسود حلقها فأشارت الى فمها وكأنها تطلب منهم الماء... اجلبوا لها الماء... قالها الاب لتركض ملك هذه المرة وتجلب لها قدحا اخر من الماء... حاولت فرح الاعتدال في جلستها بعدما استردت وعيها وأخذت والدتها تساعدها بذلك...
أعطتها ملك كوب الماء فأخذته وتناوله على دفعة واحدة بينما والدتها تربت على شعرها بحنو بالغ... أعطت فرح كوب الماء الى ملك بعدما انتهت منه بينما جلست والدتها بجانبها وسألتها: هل أصبحتِ أفضل الان؟! أجابتها فرح بصوت خافت متحشرج: نعم أفضل بكثير... هل من الممكن أن يخبرنا أحد بما حدث.؟!
قالتها ملك بنفاذ صبر من الجو الغريب الذي يسود المكان ليوافقها مازن قائلا: نعم نحن نريد أن نعرف ما حدث بالضبط... تطلع الاب الى كاظم بنظرة تعني أن يشرح لهم ما حدث فبدأ كاظم يخبرهم عن كل ما حدث... انصدم الجميع بشدة مما سمعوه، حل الصمت المطبق بينهم فالجميع يحاول استيعاب ما قاله كاظم... قطع هذا الصمت مريم التي انفجرت باكية أمامهم ثم ذهبت مسرعة نحو فرح وإحتضنتها بقوة... بادلتها فرح حضنها بنفس القوة بينما تحدث مازن قائلا بعصبية بعدما استوعب اخيرا ما سمعه: كيف؟! من يجرؤ على فعل شيء كهذا.؟!
ثم التفت الى ابيه قائلا: أبي نحن يجب أن نعرف من فعل هذا، وما غايته مما فعله... اومأ الأب برأسه دون أن يرد بينما تحدثت ملك موجهة سؤالها المتردد الى فرح: هل فعلوا لك شيئا؟! هل آذوكي؟! ردت فرح بحيرة: لا أعلم أي شيء، لقد كنت فاقدة للوعي منذ اللحظة الأولى التي اختطفت بها... لا أصدق ما حدث، من له مصلحة بفعل شيء كهذا؟!
قالتها الأم بإنفعال وغضب ليقول كاظم بنبرة هادئة لكن قوية: سنعرفه.، وحينها لن نرحمه أبدا... تطلع مازن إليه وقال: وكيف سنعرفه.؟! نحن لا نملك أي دليل يشير إليه... إترك هذا الأمى لي وأنا سأتصرف...
قالها كاظم منهيا الحوار بينما تحدث الاب بجدية: يجب ان تنهضوا وتناموا الان، غدا يوم طويل للغاية... قالت الأم بضيق: انا لا افهم إصرارهم على إقامة الخطبة غدا، يكفي ما حدث اليوم.، كما إن ليلى لن تستطيع حظور خطبة اختها... هذا الوقت الذي يناسبهم يا نجلاء.، لقد تركوا أعمالهم وأشغالهم وجاءوا الى هنا لأجل الخطبة... قالها الأب بصرامة لتشيح نجلاء رأسها بضيق بينما أكمل الاب أمرا: هيا ليذهب كلا منكم الى غرفته.، غدا ورائنا يوم مهم وطويل...
بعد مرور يومين... دلف أيهم الى قاعة المحاضرات ليجلس جميع الطلبة في أماكنهم المحددة... اتجه الى مكانه المعتاد في مقدمة القاعة بعدما ألقى التحية عليهم... اخرج حاسوبه الشخصي من حقيبته وشغله بعدما ربطه بالشاشة الكبيرة الموجوده خلفه... وفي اثناء ما يفعله جذبت انتباهه من جديد...
كانت تجلس في المدرج الثالث تلتزم الصمت ونظراتها تتابع ما يفعله بتركيز شديد... أبعد أنظاره عنها فورا ثم بدأ يشرح المحاضرة محاولا قدر المستطاع ألا ينظر إليها أثناء شرحه... تجمد في مكانه لا اراديا حينما رأها ترفع يدها رغبة منها في قول شيء... تنحنح قائلا: تفضلي... خطأ... ماذا؟!
سألها بعدم فهم لترد ببساطة: المسألة حلتتها بشكل خاطئ... ثم بدأت تشرح له الحل الصحيح بشكل أحرجه جدا، هو لم يعتد على شيء كهذا.، لم يخطأ في أي مسألة حينما كان طالبا.، فكيف سيخطأ الأن؟! فهمت...
قالها بإقتضاب وهو يعيد شرح المسألة من جديد مصححا خطأه بينما يقول داخل نفسه أن تلك الفتاة أخذت حقها منه... اما الفتاة فقد جلست في مكانها غير عائبة بنظرات من حولها وهمساتهم حولها بينما تبتسم في داخلها بسعادة فهاهي قد حققت انتقامها منه كما تمنت وأرادت.، على ذلك المغرور أن يعلم بأنها ليست هينة او ضعيفة كما يظن... انتهت المحاضرة وخرج أيهم من قاعة المحاضرات وهو يكاد لا يرى أمامه من شدة الغضب... اتجه الى داخل غرفة مكتبه واغلق الباب خلفه بعنف شديد...
جلس على مكتبه وهو ينفث غضبه عاليا، ظل هكذا طوال اليوم.، غاضب، واجم، لا يطيق الحديث مع أيا كان... مر الوقت بطيئا عليه حتى خرج من الجامعة بعدما انتهى وقت عمله، كان يسير متجها نحو سيارته في الكراج حينما لمحها من بعيد تقف بينما يحيط بها ثلاثة شبان يبدوا أنهم يحاولون مضايقتها بينما هي تحاول الابتعاد عنهم...
شعر بالغضب الكبير يسيطر عليه فإتجه بسرعة نحوهم ليلمحه احد الشباب فيشير الى الشابين الأخرين ليركضون بعيدا بسرعة هربا منه فهو مهما كان سيظل أستاذ جامعي يخشون مما قد يفعله اذا علم هويتهم... اقترب أيهم منها وسألها بينما عيناه تتفحصانها عن كثب: هل أنتِ بخير؟! اومأت برأسها دون أن ترد بينما جذبت عيناها الدامعتان إنتباهه ليتنهد بصوت مسموع ويقول: هل تعرفينهم؟! بإمكاننا أن نشتكي الى السيد العميد ونخبره بما فعلوه...
الا أنها عارضت ما قاله بشدة: كلا ، لا داعي لهذا، أنا بخير... استغرب أيهم معارضتها الشديدة فقال: كما تريدين.، هل متأكدة أنك بخير؟! هزت رأسها وأجابته: لا تقلق أنا بخير للغاية... ثم أردفت بنبرة هادئة لطيفة: انا أشكرك كثيرا.، لولا تدخلك في الوقت المناسب ما كانوا ليتركوني وشأني.. لا داعي للشكر.، لقد فعلت ما يجب فعله في ظروف كهذه... ابتسمت بإمتنان قبل أن تقول بجدية: في الحقيقة انا لم أتوقع تدخلك، ظننت أنك لن تساعدني بعدما قلته في المحاضرة... ماذا تقصدين؟!
ادعى أيهم عدم الفهم أمامها بينما أكملت هي بخجل: لقد تقصدت ذلك، أردت أن أنتقم منك وأحرجك أمام الطلاب.، بعدما فعلته معي في ذلك اليوم... ابتسم أيهم على طريقتها وصراحتها وقال: شعرت بهذا... ثم أردف بهدوء غريب عليه: أعتذر.، لقد كنت فظا معك للغاية... وأنا أيضا أعتذر... قبلت إعتذارك...
قالها أيهم وهو مستغرب من نفسه فكيف لفتاة مثلها أن تجعله يعتذر لها هكذك بكل سهولة.، لكنه وجد لسانه ينطق بكلمات الاعتذار دون إرادة منه... همت الفتاة بالتحرك مبتعدة عنه لكنها وجدته يقول فجأة: صحيح اسمك؟! ابتسمت وأجابته: دارين، اسمي دارين... وانا أيهم.، تعرفين أليس كذلك؟! اومأت برأسها على استيحاء ثم تحركت مبتعدة عنه بسرعة وكأنها تهرب منه...
في القرية... كانت فرح تحاول أن تهز الشجرة ليسقط القليل من التفاح منها... توقفت فرح عما تفعله حينما شعرت بشخص ما يقف خلفها... التفتت بسرعة لتجد اخر شخص توقعته وراءها... أنت ماذا تفعل هنا؟!
سألته بملامح غاضبة ليجيبها بغلظة كعادته وابتسامة مريبة تعلو شفتيه: جئت لأرى خطيبتي، وأدعوها ايضا على الغداء... تطلعت اليه بملامح غير مصدقة، منذ متى وهو يتصرف بتلك الوداعة معها... وما المناسبة؟! هز رأسه بتفكير قبل ان يقول بجدية: بمناسبة ان البارحة تمت خطبتنا رسميا... عقدت ذراعيها امام صدرها وقالت: حقا؟! ومنذ متى وانت تتحلى بهذا اللطف كله؟!
رفع بصره نحو الاعلى بنفاذ صبر ثم عاد واخفضه قائلا بنبرة متضايقة: أتعامل باللطف لا ينفع، أتعامل بالقسوة لا ينفع ايضا، ماذا أفعل لأثبت لك حسن نيتي واخلاقي.؟! تطلعت فرح اليه بنظرات فارغة قبل ان تقول بنبرة هادئة: حسنا، اذا كانت هذه الدعوة بدافع إثبات حسن نيتك فسوف أقبلها، لكن على شرط.؟! شرط ماذا؟!
سألها بعدم فهم لتجيب: ان تعتذر من كامل اولا على ما فعلته معه ليلة البارحة.، وتعدني بأنك لن تكرر تصرفاتك السوقية البغيظة تلك مرة اخرى... سوقية.، !!!! تصرفاتي أنا سوقية! قالها بعدم تصديق قبل أن ينفعل غاضبا: انتبهي على كلامك يا فرح.، وإلا سوف أقص لسانك الطويل مرة أخرى... وضعت فرح يديها حول خصرها وقالت بإنبهار مفتعل: اووه حقا، سأخاف منك...
تطلع أدهم إليها بنظرات غاضبة قبل أن يقول: أنا المخطئ حينما قررت أن أعاملك مثل أي فتاة طبيعية وأدعوكِ على الغداء... ثم أكمل بسخرية: نسيت أن خطيبتي ليست سوى راعية غنم بالتأكيد لن تفهم بأمور طبيعية كهذه... إرحل فورا...
قالتها بنفاذ صبر قبل ان تحمل أحدى التفاحات الكبيرة وترميها على رأسه بشكل فاجئه: أيتها المجنونة.. قالها وهو يتألم بشدة لتحمل فرح التفاحة الاخرى بينة قذفه بها ليتحرك أدهم من أمامها بسرعة وهو يهتف بصوته العالي: غبية مجنونة... اخذت فرح تضحك بصوت عالي وهي تقفز في مكانها بجنون... جلست اخيرا على الارض مستندة على جذع الشجرة وهي تلهث بقوة بينما بالكاد تستطيع مقاومة ضحكاتها العالية... تنهدت بصوت عالي ثم عادت بذاكرتها الى الخلف وتحديدا الى يوم خطبتها...
تذكرت ما حدث في ذلك اليوم.، فبعدما بدأت الحفلة وارتدى العرسان خواتم الخطبة، طلب أدهم من والدها أن ينفرد بها قليلا، فأمر والدها كلا من أدهم وكاظم أن ينفردا بخطيباتهم... جلس فرح أمام أدهم وهي تشعر بتوتر شديد وغريب عليها، كانت ترتدي فستان زهري طويل لامع وشعرها الطويل تركته منسدلا كالعادة، ظلت ملتزمة الصمت حتى تنحنح أدهم متسائلا بجدية: كيف حالك.؟! اجابته وهي تشعر بالخجل: بخير... تبدين جميلة...
قالها وهو يتأمل ملامحها الرقيقة بإعجاب شديد لترد بنفس الخجل: أشكرك... صمت أدهم لوهلة قبل أن يقول بجديةة: فرح اليوم تمت خطبتنا.، وقريبا جدا سوف يتم زفافنا... اومأت فرح برأسها دون ان ترد ليعقد أدهم حاجبيه متسائلا: لما انتِ متوترة هكذا؟! أجابته وهي ترفع بصرها نحوه: أليس من الطبيعي أن تتوتر العروس في يوم كهذا؟! شعر أدهم بصعوبة ما سيقوله.، فكيف سيخبرها بأمر كهذا؟! وهي تبدو متوترة للغاية وسعيدة في ذات الوقت... تحدث.، ماذا تريد أن تقول؟!
سعل أدهم قليلا ثم قال بابتسامة متوترة: لا شيء.، فقط أردت أن أتحدث معك وأتعرف عليكِ عن قرب... ابتسمت فرح وقالت بخفوت: ماذا تريد أن تعرف.؟! اجابها وهو يتنهد بصمت: كل شيء... في هذه الاثناء تقدم كامل منهما مقاطعا جلستهما وقال وهو يشير الى فرح: هيا انهضي، لقد تحدثتما بما فيه الكفاية... تطلعت فرح إليه بنظرات مذعورة، كانت خائفة من أن يفتعل مشكلة ما، أما أدهم فقد نهض من مكانه وقال بغضب من طريقته: ما علاقتك أنت؟! بأي حق تقطع علينا خلوتنا هكذا.؟! دفعه كامل بقوة وقال: لا تتدخل انت...
الامر الذي أشعل نيران الغضب داخل أدهم الذي لم يشعر بنفسه إلا وهو يلكمه على وجهه بقوة... صرخت فرح بإسم كاظم الذي جاء راكضا إليهم وحاول الفكاك بين هذين الاثنين حتى تمكن من هذا بعدما اجتمعت جميع العائلة حوليهما... افاقت فرح من شرودها وهي تتذكر ما حدث وقد عاد الخوف يتسرب إليها من جديد فكامل لن يمرر ما حدث بسهولة...
دلف كاظم الى مكتبه ليجد كامل في انتظاره... أخبروني بأنك تريدني... اجلس اولا... جلس كامل أمام كاظم على مضض ثم قال بعجلة: أخبرني ماذا تريد.؟! أخذ كاظم نفسا عميقا ثم قال بجديةة: الى متى سوف تبقى هكذا يا كامل؟ ماذا تقصد.؟!
ما أقصده إلى متى ستفتعل المشاكل هكذا.؟! هل نسيت ما فعلته البارحة مع خطيب ابنة عمك؟! زفر كامل أنفاسه بقوة ثم قال بغيظ: فقط لا تقل خطيبها، كلما أسمع بهذا أجن كثيرا... لكنه خطيبها.، وقريبا سيصبح زوجها.. أنت تعرف أنني أنا من أردتها أولا، من أحببتها طويلا... قاطعه كاظم: أنت لم تحبها يوما يا كامل.، أنت اردتها بالفعل ولكن ليس حبا فيها... بلى أنا...
قاطعه كاظم مرة اخرى رغم إصراره على حبه لفرح: انا أكثر من يفهم عليك يا كامل.، انت لم تحب فرح يوما ولن تحبها... صمت كامل ولم يستطع الرد بينما أكمل كاظم بجدية: كلانا يعرف أن سبب إصرارك على فرح هو رغبتك في السيطرة على اموال عمي.، كما أن فرح الحفيدة المفضلة لجدي وبالتالي انت سترتفع مكانتك في العائلة ما ان تتزوج بها... ازاح كامل بصره بعيدا عنه بينما أكمل كاظم بنبرة قوية محذرة: اترك فرح وشأنها يا كامل، فرح ليست لك.، هل فهمت؟!
تطلع كامل إليه بنظرات غير مقتنعة ليسترسل كاظم في حديثه: لو كان لدي أمل في أنك تحبها حقا لكنت أول من وقف الى جانبك... اومأ كامل برأسه متفهما ثم قال بجدية: ولكن هذه الزيجة ظلمتها كثيرا، فذلك الأدهم لا يحبها... كان كاظم يدرك صدق حديثه فأدهم لا يحب فرح مثلما خطيبته لا تريده...
لا يعرف لماذا ذكره كلام كامل بأمر خطيبته المزعومة، تلك القوية ذات النظرات الحادة، ما زال يتذكر طريقة كلامها المتعالية ونبرتها الساخطة على كل شيء.، إنها بحاجة لإعادة تاهيل من اول وجديد.، وهو سيفعل هذا بكل تأكيد... أين ذهبت؟!
أفاق كاظم من شروده على صوت كامل فقال موضحا: ابدا، كنت أفكر في وضعي أنا وفرح بهذه الزيجة... المشؤومة.، الزيجة المشؤومة... قالها كامل مصححا قبل ان يكمل متسائلا: صحيح، ألم تعرفوا من قام بخطف فرح في ذلك اليوم.؟! هز كاظم رأسه نفيا وأجاب بغموض: لم نعرف بعد.، ولكنني سأعرف بكل تأكيد... اومأ كامل برأسه متفهما بينما عاد كاظم يفكر بأمر خطيبته من جديد...
بعد مرور عدة أيام... وقفت أمام المرأة تتأمل فستانها الطويل بملامح راضية، كانت ترتدي فستان أخضر اللون يماثل لون عينيها طويل يصل الى كاحلها يحيط به حزام اصفر اللون عند خصرها، وترتدي في قدميها حذاء اصفر اللون ايضا... شعرها الاسود ينسدل على ظهرها بغزارة بينما مرفوع من الامام من الجانبين قليلا الى الخلف بشكل يبرز ملامحها الجميلة...
تنهدت بسعادة وهي تضع عطرها المفضل على رقبتها وملابسها، لقد عادت لتوها من شهر العسل وستذهب الان الى منزل عائلتها، هي متحمسة للغاية، اشتاقت بشدة لوالديها واخواتها، تذكرت تلك الايام الجميلة التي قضتها مع جابر، كم كانت سعيدة بها، تشعر بأنها أسعد إمرأة بهذا الكون.، فقد إكتمل عشقها اخيرا وتحققت جميع أمانيها حالما ارتبطت بمن تحب...
التفتت الى الخلف حينما سمعت صوت الباب يُفتح ثم ابتسمت بحبور ما ان رأت جابر يتقدم نحوها وهو يرتدي حلة بنية اللون، احتضنها وطبع قبلة على جبينها ثم همس لها بإعجاب: تبدين رائعة... وانت ايضا... قالتها بخجل فبالرغم من مرور عدة ايام على زواجهما الا أنها ما زالت تخجل منه ومن غزله الذي لا ينتهي... هل انتِ جاهزة لنخرج الان؟! اومأت برأسها ثم اتجهت الى السرير وحملت حقيبتها الموضوعة عليه وقالت موجهة حديثها له: انا جاهزة... هيا بنا اذا...
قالها جابر وهو يقبض على كف يدها ويسحبها خلفه، خرج الاثنان من الغرفة ليتفاجئا بوالدة جابر أماميهما، كانت تنظر إليهما بنظرات مريبة قبل ان تقول: إلى أين؟! تطلعت ليلى الى جابر بنظرات مستفهمة ليجيب جابر والدته: سنذهب الى اهل ليلى... ألا يمكنكما الانتظار الى الغد؟! قالتها وهي تلوي فمها بضيق ليرد الابن عليها: ليلى اشتاقت لهم، وهم ايضا اشتاقوا لها... لا تتأخرا على العشاء اذا... قاطعتها ليلى: ولكننا سنتعشى عند اهلي...
رمتها حماتها بنظرات باردة قبل ان تهتف بها: لقد جهزت عشاء يكفي لأربعة اشخاص.، ولست مستعدة لأن أرميه في الزبالة فقط لأنكما لا تريدان تناول العشاء معنا منذ اول يوم... ولكن...
كادت ليلى ان تتحدث الا ان جابر قاطعها بسرعة محاولا حل المشكلة قبل تفاقمها: لا بأس أمي، سوف نتناول العشاء معكما هذه المرة... ثم أكمل بسرعة غير آبه بنظرات ليلى المنصدمة: هيا عزيزتي لقد تأخرنا... سارت ليلى أمامه وهي ما زالت مصدومة مما حدث أمامها قبل لحظات... وصل الاثنان الى منزل عائلة ليلى التي التزمت الصمت طوال الطريق رغم غضبها الداخلي...
حاولت ان تأخذ نفسا عميقا وترسم ابتسامة على وجهها وتنسى ما حدث... دلف الاثنان الى الداخل لتستقبلهما العائلة المكونة من الاب والام ومازن والاخوات... بعد تبادل السلام والقبلات جلس الجميع في صالة الجلوس... سحبن الفتيات ليلى واتجهن بها الى غرفتها المشتركة مع فرح لتسرد لهم ما حدث خلال شهر العسل...
أخذت تحدثهن عن الأماكن الجميلة التي زارتها وعن تفاصيل كثيرة ولم تنس ان تريهمن الصور التي التقطتها... بعد فترة انفردت ليلى بفرح وأخذت تسألها عن حالها واستعداداتها لحفل زفافها الذي سيقام بعد يومين... تنهدت فرح وقالت بقلق حقيقي: قلقة للغاية يا ليلى، أشعر بأنني أذهب نحو المجهول بزواجي هذا، لا أعرف ما ينتظرني، اضافة إلى أن أدهم يبدو شخصا غريبا غامضا غير مفهوم...
تطلعت ليلى إليها بنظرات حائرة ولم تعرف ماذا تقول لها، هي تدرك أن أختها معها كل الحق في خوفها... فالإرتباط بشخص غريب عنك لا تعرفينه يبدو أمرا مريبا وغير سهلا... فرح عزيزتي.، تفائلي خيرا، قد تكون هذه الزيجة خيرا لك... هزت فرح رأسها بعدم اقتناع ثم قالت مغيرة الموضوع: ماذا عنك؟! أخبريني، لماذا تبدين مضطربة قليلا؟! أشاحت ليلى وجهها بعيدا عن فرح محاولة ان تخبئ الضيق والغضب الذي ظهر على ملامحها بوضوح ما ان تذكرت ما حدث مع والدة جابر ثم قالت كاذبة: انا بخير...
شعرت فرح بأن هناك شيء ما يحدث مع اختها، فإضطرابها كان واضحا اضافة الى نبرتها الباهتة وهي تخبرها أنها بخير... ليلى لا تكذبي علي.، أنا أعرفك جيدا، أنتِ تبدين متضايقة من أمر ما... زفرت ليلى أنفاسها بقوة ثم حركت وجهها نحو فرح وأخذت تسرد على مسامعها ما حدث... يا الهي ما هذا؟! وأنتما ستنفذان ما قالته؟!
سألتها فرح بعدم تصديق لتومأ ليلى برأسها وهي تكاد تنفجر من شدة الغيظ لترد فرح بتعجب: ما هذه المرأة العجيبة؟! لم تراعِ أنك ما زلت عروس جديدة ترغبين بزيارة أهلك والبقاء معهم قليلا... تراعي، !!! أنتِ على نيتك يا فرح، من الظاهر أن حموات هذا الزمن لا يراعين أي أحد... قالتها ليلى بلهجة متهكمة لتتطلع إليها فرح بأسف وتقول بمواساة: لا بأس عزيزتي.، تحمليها لأجل جابر... اومأت ليلى برأسها دون أن ترد بينما أخذت فرح تحاول إخراجها من ضيقها فبدأت تحدثها عن مختلف المواضيع وتسرد لها ما حدث في الأيام التي سافرت بها...
عاد كلا من ليلى وجابر الى منزلهما بعد فترة ليست بطويلة... تناولا العشاء مع والدي جابر ثم توجها الى غرفتهما... دلفت ليلى الى الغرفة يتبعها جابر الذي اقترب منها واحتضنها من الخلف وأخذ يقبل رقبتها بشوق شديد... ابتعدت ليلى عنه بشكل أثار استغرابه فسألها بضيق: ماذا حدث حبيبتي؟! لماذا تبتعدين عني بهذا الشكل؟! هل انت متضايقة مني؟!
عقدت ليلى ذراعيها أمام صدرها وقالت بنبرة ذات مغزى: برأيك لماذا؟! ألم يحدث شيء يستحق أن أتضايق منك لأجله؟! حاول جابر تذكر ما فعله وضايقها لكنه فشل فقال بصدق: انا حقا لا أفهم مالذي فعلته.؟! تنهدت ليلى بصوت مسموع ثم قالت موضحة له: هل نسيت ما فعلته والدتك معنا؟! وكيف تصرفت أنت؟! ابتسم جابر بعدم تصديق وقال: هل تمزحين يا ليلى؟! هل هذا الضيق كله بسبب أننا تعشينا مع والدي وليس مع عائلتك... لا تحور كلامي من فضلك...
قالتها بحدة جعلته يصرخ بها: وانتِ لا ترفعي صوتك عليّ بهذا الشكل... شعرت ليلى بخطأها فإعتذرت منه: انا اسفة، لم انتبه لنبرة صوتي وهي ترتفع، لكنني غاضبة بشدة.. لما كل هذا الغضب؟! فقط لأن والدتي رغبت بأن تتناول عشائها معنا؟! ضغطت ليلى على أعصابها بقوة وهي تجيبه بغضب مكتوم: ألم تلاحظ طريقتها وهي تخبرنا بهذا؟! هي حتى لم تراعِ كوني ما زلت عروس جديدة، ولم تحترم رغبتي برؤية أهلي...
هي بالتأكيد لا تقصد يا ليلى... قالها جابر محاولا تبرير أفعال والدته لتقول ليلى بجدية: بلى تقصد يا جابر، وانت نفذت لها ما أرادت بكل سهولة... وماذا عليّ أن أفعل، إنها أمي... قالها جابر بنفاذ صبر لتهتف ليلى بملل: لا تفعل شيئا يا جابر، لا تفعل أي شيء... ثم اتجهت نحو الخزانة وأخرجت بيجامتها منها وهمت بالذهاب الى الحمام الملحق بغرفتها لتجد جابر يقف في وجهها يقول: لا تتضايقي مني حبيبتي، انا لم أقصد أن أزعجك...
تنهدت ليلى وقالت: لا بأس، حصل خير... ابتسم جابر براحة ثم قال وهو يغمز لها: سأنتظرك حتى تنتهي من حمامك... ابتسمت ليلى بخجل ثم اتجهت الى الحمام تاركة إياه يتابعها بإبتسامة...
في صباح اليوم التالي... استيقظ أدهم على صوت منبه هاتفه، تأفف بضيق وهو يحمل هاتفه ويضغط على زر اطفاء المنبه، نهض من فوق سريره بتكاسل شديد واتجه الى الحمام، أخذ حمام سريع ثم خرج وهو يلف منشفة بيضاء على خصره، ارتدى ملابس خروجه وبدأ يسرح شعره حينما سمع طرقات على باب غرفته يتبعها دخول أسامة الذي أخذ يقول بمرح: صباح الخير أيها العريس...
رد أدهم عليه بإقتضاب وهو يرش عطره المفضل: صباح النور... ثم أردف بضيق جلي: كف عن مناداتي بالعريس... ألست كذلك؟! قالها أسامة بتعجب قبل ان يردف بجدية: عليك تقبل هذا يا أدهم.، أنت عريس، وعروسك في تلك القرية.، وغدا ستصبح هنا في غرفتك... قاطعه أدهم بإنفعال غاضب: حسنا حسنا فهمت، لا داعي لأن تذكرني بهذا في كل دقيقة... حسنا إهدأ...
قالها أسامة محاولا تهدئته ثم ما لبث أن أكمل: أين ستذهب هكذا منذ الصباح الباكر؟! اجابه أدهم وهو يرتدي سترته: مشوار مهم، يجب أن أقوم به اليوم... عقد أسامة حاجبيه متسائلا بتعجب: مشوار ماذا؟! أجابه أدهم: لو كنت اريد إخبارك لأخبرتك قبل ان تسأل... ابتسم أسامة بحرج وقال: كما تشاء، عاجلا او أجلا سأعلم كل شيء...
رماه أدهم بنظرات غير مبالية قبل ان يحمل هاتفه ويخرج من غرفته متجها الى مشواره المزعوم... وصل أدهم بعد حوالي ثلث ساعة الى العمارة التي تقع بها شقة شيرين... خرج من سيارته واتجه الى داخل العمارة، ركب المصعد الذي ارتفع به نحو الطابق الذي تقع به الشقة المقصودة، وقف أدهم أمام باب الشقة وضغط على جرس الباب لتفتح شيرين له الباب بعد لحظات قليلة وهي تبتسم بسعادة...
أدهم كيف حالك؟! منحها أدهم إبتسامة واسعة وقال: بخير الحمد لله... تفضل... قالتها شيرين وهي تفسح المجال له ليلج الى الداخل... أين الصغيرر؟! سألها أدهم وهو يبحث بعينيه عنه لتجيبه شيرين وهي تسير خلفه بعدما اغلقت الباب: ليس هنا.، لقد ذهب مع الخادمة الى السوق... جلس أدهم على الكنبة بينما سألته شيرين بسرعة: قهوة؟!
اومأ أدهم برأسه وهو يخلع سترته ويرميها بجانبه لتتجه شيرين بسرعة نحو المطبخ وتصنع له القهوة... عادت بعد لحظات وهي تحمل بيديها كوب القهوة خاصته، أخذه أدهم منها وتناوله بشرود... شعرت شيرين بشروده وضيقه فسألته بتردد: تبدو متضايقا للغاية، هل حدث شيء ما؟! تنهد أدهم وقال مجيبا: غدا حفل زفافي... أوووه، بهذه السرعة...
اومأ برأسه دون أن يرد لتردف شيرين: ولما أنت متضايق الى هذا الحد؟! أجابها أدهم بجدية: سأتزوج من فتاة لا أحبها ولا اريدها.، ألا يجب أن أتضايق؟! نعم يجب أن تتضايق.، لكن لا حل اخر أمامك.، عليك ان تتقبل هذا... وهل فعلت أنا شيئا غير هذا؟!
هزت شيرين رأسها نفيا وقالت: كلا لم تفعل، لكن لو تنظر الى الامر من الجانب الاخر ستجد أنك لست المتضرر الوحيد بهذه الزيجة، هناك فتاة أيضا ستتضرر منها.، فتاة أجبرت على الزواج من رجل لا تعرفه ولا يرغب بها... وهل تظنين أن هناك يفكرون مثلنا.؟! هناك لا يهتمون لهكذا مواضيع... قالها أدهم بسخرية منهم ومن تفكيرهم السطحي بنظرة لتتسائل شيرين بعدم فهم: انا لا أفهم ما تعنيه...
أجابها أدهم وهو يضع كوب قهوته على الطاولة أمامه: ما أعنيه أن ثلاث ارباع الفتيات هناك يتزوجن من رجال لا يعرفونهم، يتبعون أوامر أبائهم، يقولون تزوجي فلان فتتزوجه على الفور... لا أصدق هذا.، غير معقول، لقد تطورت الحياة هناك يا أدهم... قالتها شيرين غير مستوعبة لما تقوله ليرد أدهم بجدية: بلى صدقي... تطلعت إليه شيرين بأسف ثم قالت فجأة: وماذا ستفعل اذا؟! تنهد أدهم وهو يجيبها: سأتزوجها وأمري لله...
شعرت شيرين بالشفقة لأجل الفتاة المسكينة فقالت له: لا تضايقها بكلامك أو تصرفاتك، يعني لا تقسو عليها... ابتسم أدهم ساخرا وهو يتذكر لسانها الطويل الذي وعد نفسه بأنه سيقصه بأقرب وقت... نهض من مكانه وحمل سترته وارتداها لتنهض شيرين من مكانها وتقول: ستذهب الان.. اومأ أدهم برأسه وقال: نعم سأذهب.، سلميلي على الصغيرر، سأزوره قريبا... ثم تحرك خارج الشقة، اتجه الى سيارته، جلس داخلها أمام مقود سيارته وأخذ يفكر فيما ينتظره...
يشعر بأنه مقيد، غير حر، بالرغم من كونه هو من أراد لهذه الزيجة أن تتم وقبض ثمنها كاملا.، ولكن هناك في داخله إنقباضة غريبة تخبره بأن هذه الزيجة لن تجلب الخير له كما أراد... افاق من شروده و اعتدل في جلسته وهو يستمع الى صوت هاتفه يرن... أخرج الهاتف من جيبه ليجدها تتصل به... تنهد بضيق وأجاب على زر الإجابة ليأتيه صوتها الناعم المغنج: أدهم، أين أنت؟! هكذا تتركني كل هذا الوقت دون أن تزرني.، لقد إشتقت لك، ألم تشتق إلي...
أجابها أدهم بصوت غليظ: أهلا كارول.، أنا في عمل مهم.، هل حدث شيء ما لتتصلي بهذا الوقت المبكرر؟! جاءه جوابها الناعم: اشتقت إليك أدهم.، إشتقت إليك كثيرا... كارول، أريد أن أخبرك بشيء مهم... قالها مقاطعا إياها من وصلة غزلها تلك لتسأله بتوتر شعر به بوضوح: قل ما لديك يا أدهم، أسمعك... أجابها أدهم بصراحة: انا سأتزوج غدا... ماذا؟!
أبعد أدهم الهاتف عن أذنه للحظات قبل أن يعيده خلف أذنه وهو يسمعها تصرخ بعدم تصديق: كيف تفعل بي شيئا كهذا.؟! ألم تفكر بي؟! كارول، انا بي ما يكفيني.، لا ينقصني أنتِ.، سنتحدث لاحقا... لكن... وقبل أن تكمل ما تريد قوله كان هو قد أغلق الهاتف في وجهها...
دلفت أسما الى غرفة ابنتها لتجدها ما زالت نائمة بعمق... اتجهت نحو النافذة وفتحت الستائر على مصراعيها ليسطع نور الشمس في ارجاء الغرفة... تغضن جبين الاء بضيق وبدأت ترمش بعينيها حتى فتحتهما لتغمضهما بسرعة مرة اخرة... عادت وفتحت عينيها واعتدلت في جلستها لتجد والدتها أمامها تقول بجدية: هيا يا الاء استيقظي... أمي ماذا حدث؟! لماذا توقظني مبكرا؟!
أجابتها أسما وهي تجلس على السرير بجانبها: غدا يوم زفافك وانتِ ما زلت نائمة... زفرت الاء أنفاسها بضيق وقالت من بين أسنانها: ظننت أن هناك شيئا مهما... ألا تعتبرين زواجك أمرا مهما؟! رددتها الام بذهول لتنهض الاء من فوق سريرها فيظهر قميص نومها الازرق القصير... اتجهت الى النافذة وأخذت تتأمل الحديقة الخارجية للقصر بملامح قاتمة قبل ان تهمس بجمود: كلا لا اعتبره.، هذا الزواج بالنسبة لي مثله مثل أي صفقة، لا يختلف عنها كثيرا...
نهضت أسما من مكانها واقتربت منها ووقفت بجانبها ثم قالت بجدية: انتِ حقا غريبة يا الاء، لما كل هذه القسوة واللامبالاة؟! هكذا أنا، طوال عمري هكذا ولم أتغير، لما انتِ مستغربة لا أعلم؟! ردت أسما بضيق: انا لا يعجبني حالك هذا.، أريد منك أن تتغيري قليلا، انت الان ستتزوجين، وزوجك يبدو رجلا قويا، ليس سهلا على الاطلاق...
تذكرت الاء أمر ذلك الرجل الذي سترتبط به غدا وشعرت بصدق كلام والدتها فهو يبدو ليس سهلا على الاطلاق، الا إنها لا تهتم، الموضوع يبدو لها بسيطا للغاية، ستمثل دور الزوجة الطبيعية لوقت محدد، حتى تحصل على ما تريد، ستعصر على نفسها مئة ليمونة وتتحمله، حتى تنال ما صبرت لأجله... أمي لا تقلقي لأجلي.، انا أعرف كيف أتصرف...
قالتها محاولة إقناع أمها والتخفيف من قلقها، لتهز أمها رأسها بعدم اقتناع ثم تقول باستسلام: لقد قلت ما لدي، وانتِ حرة، افعلي ما تريدين... ثم تحركت خارج الغرفة لتبقى الاء لوحدها، همت الاء بالاتجاه الى الحمام لأخذ دوش سريع لكن رنين هاتفها أوقفها عما تنوي فعله.، كان المتصل رقم غريب لكنها تعرفه جيدا، ضغطت على زر الاجابة وقالت بسرعة: نعم... جاءها صوته الرجولي الذي تحفظه عن ظهر قلب: هل ما سمعته حقا.؟! ومالذي سمعته؟!
سألته بنبرة هازئة ليسألها بعصبية: هل ستتزوجين حقا؟! اجابته ببرود: نعم.. لا تجني يا الاء.، أي زواج الذي ستتزوجينه بالله عليك؟! الا أنها أكملت بنفس البرود القاتل: عفوا، بأي حق تتحدث معي بهذا الشكل؟! سمعت صوت زفير أنفاسه عبر الهاتف تبعها نبرة صوته المترجية تقول: لا تفعليها يا الاء.، ارجوك... الا أنها قالت بقسوة: بل سأفعلها ولتذهب أنت الى الجحيم... الاء... الا انها أغلقت الهاتف بوجهه وهي تلعنه وتسبه في داخلها، رمت هاتفها على السرير وسارت نحو الحمام...
ولج كاظم الى منزله ليجد الجميع يعمل بهمة عالية فهم يجهزون المنزل لإستقبال العروس الجديدة... تأمل أخواته وحماسهن الغريب وكأنهن في صدد مشاهدة مسلسلهم التلفزيوني المفضل، ولما لا؟! فزواجه من تلك المغرورة سيكون مسلسل رائع لا تفوت مشاهدته، اقترب من والدته التي كانت تأمر بناتها بأن يحركن هذا وينظفن هذا وقال وهو يقبل رأسها: صباح الخير يا ست الكل... صباح النور يا بني، أين خرجت من الصباح الباكر.؟!
أجابها وهو يتفحص المكان: كنت أقوم ببعض الأعمال الضرورية... ردت الأم بضيق: غدا زفافك وأنت تذهب الى العمل... العمل مطلوب دائما يا أمي... هزت الأم رأسها بضيق بينما اتجه كاظم الى غرفته، دلف إليها وجلس على سريره وأخذ يفكر بأمر زيجته من تلك المدعوة الاء، ما زال يشعر بأشياء غريبة نحوها، لكنها لا تدل على الخير ابدا، عاد بذاكرته الى يوم خطبتهما وتحديدا حينما جلسا لوحديهما...
ما زال يتذكر نظراتها الباردة اللامبالية، لم تكن خجلة او مضطربة كمثل غيرها من الفتيات في موقف كهذا... وبالرغم من هذا كله كانت جميلة بل ساحرة.، بفستانها الازرق الرقيق وشعرها البني المرفوع بشكل تسريحة عالية، اما عيناها الزرقاوتان فكانتا حكاية اخرى، كل شيء بهذه المراة يضج بالأنوثة والفتنة...
تذكر حديثه معها حينما سألها بصراحة مطلقة: تبدين متضايقة للغاية... لتجيبة ببرود مستفز: اطلاقا، بالعكس أنا اكثر من سعيدة... هل تحاولين إقناعي بأنك سعيدة كونك ستتزوجين بي؟! قالها ساخرا لترد بلا مبالاة: انا سعيدة لأسباب اخرى لا تتعلق بك، !
قالتها ثم صمتت دون أن تجعله يفهم أي شيء مما يدور في ذهنها، وهو ايضا اختار الصمت فهو لن يتعب نفسه ويدخل في نقاش عقيم معها... افاق من افكاره تلك على صوت اخيه الاصغر يقترب منه وهو يقول بحماس: صباح الخير أيهاالعريس...
ابتسم كاظم ورد: صباح النور... كنت في العمل، أليس كذلك؟! اومأ كاظم برأسه ثم نهض من مكانه وقال: انا ذاهب لبيت عمي، أريد كامل في موضوع هام.، ابقى انت هنا.، قد تحتاجك والدتي فبدي بعض الامور... أمرك كاظم بك... قالها اخوه بأبتسامة ليخرج كاظم متجها الى منزل عمه...
كانت ميرا تسير في السوق وهي تبحث عن فستان مناسب ترتديه في زفاف الغد... كانت تبحث في المحلات عن شيء مناسب لحفلة مهمة كهذه... وفي اثناء سيرها لمحت مازن من بعيد يجلس في احد الكافيهات لوحده يعمل على حاسوبه الشخصي بتركيز شديد... ابتسمت بسعادة وركضت بسرعة نحو الكافيه المغلق... دلفت اليه واتجهت الى الطاولة ووقفت أمامه ليرفع مازن رأسه ما ان شعر بظل يتكون امامه فابتسم تلقائيا وهو يراها واقفة وعلى شفتيها ابتسامة مترددة...
ميرا، ماذا تفعلين هنا؟! سألها غير مصدقا من وجودها امامه لتجيبه بصوت خافت مرتبك: كنت أتسوق بالقرب من هنا ورأيتك فقلت لأاتي وأسلم عليك... لعنت نفسها وحماقتها فهي كلما تراه ترتبك وتتوتر بهذا الشكل الواضح... حسنا اجلسي معي اذا وتناولي شيئا.. قالها مازن وهو يشير الى احد الكراسي لتجلس بالفعل عليه وتطلب عصير...
اذا اخبريني كيف حالك؟! لم استطع الحديث معك كثيرا هذه الفترة بسبب انشغالي في بعض الامور التي تخص العمل... كان محقا، فعي اعتادت سابقا ان تتحدث معه كثيرا لكن ما ان عاد الى البلاد حتى انشغل عنها ولم يعد يتحدث معها كالسابق... أخذت تحدثه عن بعض الامور التي تخصها وتخص دراستها وكان هو مستمع جيد لها... انتهت ميرا من حديثها ليبتسم مازن لها ابتسامة كادت تودي بقلبها...
رائع، اذا انتِ تتقدمين في دراستك... اومأت برأسها وهي تبتسم بخجل ليقول مازن فجأة: اذا ما رأيك ان نختار سويا فستان مناسب لحفلة الغد... دب الحماس في أوصالها فقالت بعدم تصديق: حقا؟! هل تظنين بأنني امزح يا فتاة؟! قالها ساخرا لتهز رأسها نفيا وهي بالكاد تسيطر على ابتسامتها ليقول لها بسرعة: هيا انهضي.، سوف يحل المساء وانت لم تشترِ شيئا...
نهضت ميرا بسرعة وتبعته، خرج الاثنان من الكافية وأخذا يجوبان انحاء السوق بحثا عن فستان مناسب ترتديه... بعد فترة بحث طويلة كانت ميرا واقفة امام المرأة ترتدي فستان زهري قصير يصل الى ركبتيها ذو حمالات رفيعة... انه رائع... همست بها ميرا بإعجاب حقيقي ليتطلع مازن إليها قبل ان يهمس بعدم رضا: كلا.، ليس رائعا، بل سيء للغاية... لماذا تقول هذا؟! سألته ميرا مندهشة مما قاله ليجيبها موضحا: انه قصير للغاية.، وعاري الاكمام... ولكن... لا يوجد لكن، ما رأيك ان ترتدي هذا.؟!
قالها وهو يشير الى اخر قصير بعض الشيء يصل الى منتصف ساقيها ذو اكمام مربعة تغطي ربع ذراعيها... شعرت ميرا بسعادة خفية وفسرت قوله هذا بأنه يغار عليها، الامر الذي جعلها تأخذ الفستان منه وتذهب الى غرفة القياس بسرعة وهي تشعر بأنها ستطير من السعاده فهاهو حبيبها يغار عليها... خرجت ميرا من غرفة القياس لتجد مازن غير موجود...
اخذت تبحث عنه بعينيها لتجده يتحدث في الهاتف خارج المحل، ركضت نحوه وهي تبتسم بسعادة سرعان ما اختفت وهي تسمعه يحدث احداهن قائلا: حسنا حبيبتي، لا تتضايقي، سوف أحل هذا الموضوع فورا... تلاشت ابتسامتها تدريجيا وحل محلها الالم الواضح على ملامحها... عادت الى المحل وهي تجر اذيال الخيبة خلفها بينما بالكاد تسيطر على دموعها التي بدأت تهدد بالانهمار...
توقفي هنا، اعتدلي في وقفتك قليلا، ابتسامة خفيفة، اعيدي شعرك الى الوراء.، احسنتِ، انتهينا... تنفست الصعداء وهي تفكر بأنها اخيرا قد تحررت منه، اتجهت الى غرفة تبديل الملابس، خلعت القطعتين اللتان ترتديهما ثم ارتدت ملابس عملية مكونة من بنطال جينز فوقه قميص اخضر اللون...
خرجت من الاستوديو وهي تكاد تموت من شدة النعاس.، لقد قضت الليل بأكمله في الاستوديو... كانت تتمنى لو تأخذ القليل من الراحة قبل ان تذهب الى جامعتها.، لكن العمل كثير، وهاهي ستذهب الى جامعتها وهي شبه نائمة... اوقفت دارين احدى سيارات التاكسي وطلبت منه ان يوصلها الى الجامعة... وصلت بعد حوالي نصف ساعة لتزفر أنفاسها بضيق فهاهي قد تأخرت على المحاضرة الاولى كالعادة...
فكرت في عدم الدخول لكنها تراجعت في اخر لحظة ودلفت الى الداخل لتجد أيهم هناك وقد بدأ يشرح للطلبة المحاضرة بالفعل... تطلع إليها أيهم بنظراته المتفحصه فلاحظ شحوب وجهها الشديد والهالات السوداء تحت عينيها الامر الذي جعله يشعر بالشفقة من اجلها ويسمح لها بالدخول... جلست دارين على احد المقاعد وبدأت تستمتع اليه... كانت تحاول التركيز قدر المستطاع لكن بلا فائدة...
بدأ الالم الشديد يتكون في رأسها وأخذت نظراتها تزوغ لا اراديا، لم تشعر بنفسها الا وهي تفقد الوعي أمام انظار ايهم الذي ركض نحوها بسرعة وهو يصرخ بإسمها بلا وعي.، اجتمع الطلبة حولها بينما اندفع أيهم بينهم وأحاطها بذاعية وصرخ بهم: ماء، هاتوا ماء حالا... جلب له أحد الطلبة الماء فأخذ يرش قليلا منه على وجهها..
بدأت دارين تستيقظ تدريجيا حتى فتحت عينيها بشكل كامل لتنصدم بأيهم أمامها يتطلع إليها بنظرات مليئة بالخوف والقلق... اعتدلت في جلستها قليلا وشعرت بالخجل الجديد كونها محط انظار الجميع ليسألها أيهم بسرعة: هل أنت بخير.؟! اومأت برأسها وهي تبتلع ريقها الجاف ليعطيها أيهم الماء لتتناوله وكأنه شعر بجفاف فمها.، تناولت الماء منه ثم شربته وبعدها حاولت النهوض من مكانها ليساعدها أيهم بهذا...
هل تسمح لي بقليل من الراحة؟! بالطبع... قالها أيهم بسرعة ثم طلب من أحدى الفتيات ان ترافقها في الخارج... عاد بعدها الطلاب الى مواقعهم وعاد أيهم يشرح محاضرته رغم أن تركيزه لم يكن مع الشرح بل معها... بعدما انتهى أيهم من محاضرته اتجه الى غرفته ليتفاجئ بها هناك، تقدم نحوها وسألها بلهفة: كيف أصبحت الأن؟! هل أصبحت أفضل؟! اومأت برأسها ثم قالت: وجئت لأشكرك ايضا...
تنهد براحة وقال بجدية: لا داعي لشكري، انا لم افعل شيئا... منحته ابتسامة خفيفة قبل ان تقول: بلى فعلت... حاول تغيير الموضوع فقال ناصحا إياها: انتِ لا يجب ان تجهدي نفسك كثيرا بالدراسة، هذا ليس صحيا على الاطلاق... ابتسمت دارين داخلها بسخرية وهي تفكر بأنه لو علم سبب اغمائها لرماها خارج هذا المكتب... حاضر... قالتها بإذعان ثم استأذنت منه وخرجت تاركة إياه يفكر في أمر هذه الفتاة الغريبة التي دخلت حياته فجأة...
جاء يوم الزفاف الموعود الذي اقيم في أحدى القاعات الراقية في القرية... كان أدهم يقف بجانب كاظم كلا منهما ينتظر عروسه... تقدمت العروستان كلا منهما ممسكة بذراع والدها... تصنم كاظم في مكانه مدهوشا بجمال الاء، فبالرغم من جمالها الواضح والمعتاد الا انها كانت تبدو مختلفة اليوم بفستان الزفاف والطرحة البيضاء التي تغطي شعرها، كانت فاتنة للغاية بشكل مهلك للاعصاب...
واخيرا استطاع ضبط نفسه وهو يقبض على كف يدها ويأخذها من والدها بعدما سلمه إياها ليذهب بها في المكان المخصص لهما... اما ادهم فاخذ يتطلع الى فرح بنظرات لا مبالية قبل أن يأخذها من والدها ويتجه بها الى نفس المكان... مر الزفاف سريعا دون أي تفاصيل تذكر، كان زفافا هادئا بسيطا.، ذهب العروسان بعدها كلا الى منزل عائلته في القرية... دلف أدهم الى الداخل تتبعه فرح، وقفت فرح في منتصف الغرفة وهي تفرك يديها الاثنتين بتوتر شديد... خلع أدهم سترته ورماها على السرير ثم التفت نحوها ليجدها مخفضة رأسها الى الاسفل... فرح...
همسها بخفوت لترفع فرح رأسها نحوه وفي عينيها الكثير من علامات الاستفهام... تنهد أدهم بصوت مسموع ثم قال بجديةة: أريد أن اتحدث معك قليلا... اومأت فرح برأسها بمعنى أن يتحدث ليقول أدهم بجدية: في الحقيقو انتِ تعلمين طبيعة زواجنا وكيف تم... ازدردت فرح لعابها بتوتر ملحوظ ثم هزت رأسها دلالة على سماعها لما يقوله ليكمل أدهم: لهذا يجب أن تعلمي بأن زواجنا هذا ما هو الا لفترة مؤقتة... رفعت بصرها نحوه لترميه بنظرات غير مصدقة قبل ان تسأله بنبرة مرتجفة: ماذا تقصد؟! اجابها أدهم غير مبالي بقسوته معها: ما اقصده واضح، زواجنا لن يستمر طويلا، سينتهي بعد فترة قصيرة، وأنا لحينها لن المسك ابدا، سوف أحافظ عليك كما انت...
اعتصرت قبضتا يديها بقوة وهي تستمتع الى حديثه... اخفضت بصرها الى الاسفل حتى لا يلاحظ الدموع التي بدأت تتكون داخل مقلتيها... شعر هو بتجمدها وصدمتها لكنه أكمل بلا مبالاة: انا أردت إخبارك بهذا منذ اول يوم، لكنني لم اجد الفرصة المناسبة لذلك... وجدها ما زالت على وضعيتها تلك فهمس بتعجب: فرح، هل تسمعينني؟! رفعت عيناها الدامعتين نحوها ثم همست بجمود: اخرج.، اخرج حالا قبل أن أقتلك بيدي هاتين... أخذ نفسا عميقا كمن ازاح هما من على كاهله ثم قال اخيرا قبل ان يخرج: اتمنى ان تتفهمي وضعي...
في صباح اليوم التالي... كانت جالسة على حافة السرير بفستان زفافها، عيناها حمراوتان من شدة البكاء و اثار دموعها واضحة على وجهها، ما زالت كلماته تتردد داخل اذنيها، هو لا يريدها ولا يريد قربها، لقد قالها بكل صراحة دون ان يزوق كلامه حتى، اما هي فقد استقبلت كلامه بصدمة شديدة، صدمة لم تتخيل ان تتلقاها في أهم أيام عمرها، قد تكون لا تحبه، ولم تتوقع منه الحب، لكن ان يهينها بهذه الطريقة فهذا شيء لا تتقبله أي انثى وهي كأنثى طبيعية لن تتقبل جرحه لها بهذا الشكل المهين، نهضت من فوق سريرها وسارت بخطى متعثرة بفعل قماش فستانها الطويل نحو المرأة.، تأملت نفسها وملامحها الملطخة بأثار المكياج التي مُحيت بفعل بكائها المستمر طوال الليل، مسحت وجهها بباطن كفيها وأخذت نفسا عميقا قبل ان تهتف بقهر أنثى: سوف تدفع ثمن هذا غاليا يا ابن الهاشمي، أعدك بهذا... ثم شمخت برأسها وتحركت تجر ذيل فستانها خلفها متجهة الى الحمام الملحق بغرفتها...
خلعت فستانها ورمته ارضا واتجهت بجسدها العاري أسفل الدوش، فتحت صنبور المياه لتهطل بغزارة فوف جسدها، كانت المياه باردة كقلبها الذي كساه البرود فجأة، خرجت من أسفل المياه بعدما انهت حمامها، لفت المنشفة البيضاء الواسعة حول جسدها وخرجت الى غرفتها.، أخرجت قميص نومها الابيض من خزانة ملابسها وأخذت تتأمله بملامح جامدة قبل ان تخلع المنشفة وترتديه.، جلست امام طاولة التجميل وبدأت بوضع مكياجها وتصفيف شعرها، كانت تريد ان تظهر بأفضل صورة لها، ستفاجئه بطلتها وتفاجئه اكثر بتصرفاتها، انتهت من وضع مكياجها لتنهض من مكانها وتضع عطرها الهادئ على رقبتها وجسدها...
اتجهت نحو سريرها وتمددت عليه وهي ما زالت تفكر بما حدث وظلت تفكر حتى غطت في نوم عميق... دلف أدهم الى غرفة النوم بخطوات حذرة ليتأملها وهي نائمة بعمق بملامح متعجبة.، كانت تبدو في أبهى حلتها خاصة وهي ترتدي ذلك قميص النوم الابيض من الدانتيل.، وجهها مشرقا وملامحها مرتاحة... لم يهتم كثيرا لهذا وهو يسير بهدوء نحو الحمام فيخلع بنطاله وقميصه ويأخذ حماما سريعا... خرج من الحمام وهو يلف منشفة بيضاء حول خصره، ارتدى بيجامته ثم وقف امام المرأة يمشط شعره ويضع عطره المفضل قبل ان يتجه نحو السرير ويلقي بجسده عليه ويغط بنوم عميق كان يحتاجة من فترة...
وقفت أسما أمام باب غرفتهما ثم وضعت اذنها بالقرب من الباب تحاول الاستماع الى اي شيء قبل ان تزفر انفاسها بضيق وتهمس لنفسها: يا الهي، ما هذا الحظ الذي أملكه لأزوج ابني من فتاة قروية كهذه، ليتني مت قبل ان أرى هذا... ثم أخذت تطرق على الباب عدة مرات بقوة...
استفاقت فرح من نومها على صوت طرقات قوية على باب غرفتها.، اتسعت عيناها بصدمة وهي تتطلع الى أدهم الغارق في نومه بجانبها والذي يبدو وأنه لم يتأثر بطرقات الباب القوية، نهضت مسرعة من فوق سريرها وفتحت الباب لتتفاجئ بأسما امامها، تأملتها أسما بملامح ممتعضة قبل ان تهتف بصرامة: متى سوف تستيقظان من النوم.، أمامنا طريق طويل نحو العاصمة، يجب أن نخرج من القرية مبكرا... ابتلعت فرح ريقها وقالت بإذعان: حاضر، انا مستيقظة كما ترين وأدهم سيستيقظ في الحال...
حركت أسما رأسها نحو الامام قليلا محاولة ان تكتشف ما يوجد في الداخل بينما ابتسمت فرح بتوتر وقالت: عن اذنك، سوف أوقضه في الحال... ثم أغلقت الباب في وجهها دون ان تنتظر رد...
اتجهت فرح نحو أدهم وتأملته للحظات وهو نائم، كان يبدو وسيما بشكل مرهق للاعصاب لكنها نهرت نفسها على الفور مذكرة إياها بأنها لا يجب أن تفكر به بهذه الطريقة، هي عليها أن تحصن مشاعرها وقلبها حتى لا يتحرك أيا منهما نحوه، عندما توصلت لهذه الفكرة أخذت نفسا عميقا ثم تقدمت منه وأخذت تهز من ظهره محاولة ايقاظه لكنه لم يستيقظ، بدأت تنادي عليه ولكنه لم يستيقظ ايضا... يا الهي، لماذا لا يستيقظ؟! هل مات وأنا لا اعلم؟! ثم عادت تهزه دون فائدة... نومه ثقيل للغاية...
قالتها فرح بتذمر ثم ما لبثت ان لمعت برأسها فكرة جهنمية طبقتها فورا، حملت فرح قنينة المياه الموجوده في الغرفة ثم ما لبثت ان صبت ما في داخلها فوق رأسها لينتفض أدهم من مكانه ويشهق بقوة قبل ان تتحول ملامحه المصدومة لأخرى غاضبة فيصرخ بها: ماذا فعلت.؟! ردت فرح ببراءة: ماذا فعلت؟! حاولت إيقاظك كثيرا دون فائدة، يبدو ان نومك ثقيل، ووالدتك تطلب منا الاسراع في تجهيز انفسنا لنرحل الى المدينة...
تحدث أدهم بإنفعال بينما أخذ صدره يعلو ويهبط بقوة: بهذه الطريقة، توقظيني بهذه الطريقة... قالت فرح بلا مبالاة اغاظته: نومك ثقيل للغاية ولم أجد طريقة غير هذه لإيقاظك... نهض من مكانه بعدما القى الغطاء بعيدا عنه بعنف ثم سار متجها نحو الحمام وهو يلعنها بداخله بينما أخذت فرح تبتسم بخبث وهي تهمس لنفسها: ما زال في انتظارك الكثير يا ابن الهاشمي...
خرج أدهم من الحمام وهو يجفف وجهه ليجد فرح تنتظره في الخارج وهي تحمل ملابس الخروج، دلفت الى الحمام دون ان تنطق كلمة ليتجه هو بدوره نحو الخزانة ويخرج ملابس خروجه ويرتديها... خرجت فرح من الحمام وهي ترتدي فستان أخضر ذو أكمام مدورة تصل الى منتصف ذراعها يلتصق على جسدها من الاعلى ويتسع تدريجيا اسفل حصرها حتى يصل اسفل ركبتها بقليل...
شهقت بقوة وهي ترى أدهم عاري الصدر يرتدي بنطاله فقط مما جعل الاخير يرتدي قميصه بسرعة... أخذ أدهم يغلق ازرار قميصه بينما عيناه تسرقان النظر الى فرح التي أشاحت بوجهها بعيدا عنه وأخذت تعدل الفراش... انتهى من ارتداء قميصه ليتجه نحو المرأة ويحمل المشط ويسرح شعره، انتهت فرح من ترتيب الفراش فإتجهت هي الاخرى نحو طاولة التجميل وسرحت شعرها ثم رفعته من الجانبين الاماميين الى الخلف قليلا وربطته، تأملها ادهم وهي تحمل عطرها وترش القليل منه على رقبتها، ثم ما لبثت ان استدارت نحوه وقالت: هل نخرج الان... اومأ برأسه وقال: هيا بنا...
خرج الاثنان من الغرفة ليجدا الجميع يجلس على طاولة الطعام يتناولون فطورهم، القى أدهم التحية عليهم وفعلت فرح المثل ليردوا عليهم التحية قبل ان يشير رياض اليهم قائلا: هيا اجلسا وتناولا طعامكما...
جلست فرح على استيحاء بجانب أدهم وبدأ الاثنان بتناول طعاميهما، كانت فرح بالكاد تضع لقمة صغيرة في فمها فهي تشعر بالخجل الشديد كونها المرة الاولى التي تتناول طعامها مع هذه العائلة، انتهى الجميع من تناول طعام الافطار ليقول رياض: هل الجميع جاهزون لنرحل.؟!
اجابه أدهم: نعم بابا جميعنا جاهزون... تحدثت فرح بتردد: ألن أودع أهلي؟! ليجيب رياض عن ادهم بإبتسامة حنون: بالطبع يا ابنتي، ليأخذك أدهم إليهم حتى تودعينهم... أشكرك عمي... قالتها بإمتنان ليتنحنح ادهم قائلا بصوته القوي: هل نذهب الان؟! كما تريد... تحرك أدهم خارج غرفة الطعام تتبعه فرح ثم ركبا سيارة أدهم واتجها الى منزل عائلة فرح لتوديعهم...
في منزل كاظم زهران... استيقظت الاء من نومها على اصوات مزعجة في الخارج.، زفرت أنفاسها بغيظ وهي تفكر بأنها لم تنم سوى لساعات قليلة للغاية لتستيقظ على اصوات اصحاب المنزل المزعجة، قفزت من فوق سريرها وهي تتأمل الغرفة الفارغة بحيرة، أين ذهب كاظم ولما هي وحدها.؟! سارت بخطوات حذرة نحو الحمام الملحق بغرفتها ووضعت أذنها على الباب لتستمع الى صوت المياه ففهمت أن كاظم يستحم في الداخل، جلست على سريرها وهي تتذكر تفاصيل الليلة السابقة برمتها، ما ان انتهى الزفاف حتى دلفت الى الغرفة هي وكاظم، ورغما عنها شعرت بتوتر وحرج شديدين..،
حاولت ألا تظهر أيا منهما وهي ترفع رأسها عاليا بشموخ وتتجه نحو طاولة التجميل لتجلس أمامها وتبدأ بفك تسريحتها، اما هو فخلع سترته ووضعها على السرير ثم تبعها برباطه والازرار الاولى من قميصه، انتهت من فك تسريحتها لينسدل شعرها البني الطويل على ظهرها، نهضت من مكانها واتجهت نحو خزانة الملابس، فتحتها لتتفاجئ بالعديد من قمصان النوم القصيرة والطويلة ومختلفة الالوان، اغلقت الخزانة بسرعة وفكرت بأنها اخطأت حينما تركت مهمة ترتيب الملابس لأهل العريس، صحيح هي معتادة في حياتها التقليدية على ارتداء قمصان النوم وهي نائمة لكنها لن ترتديها امامه بكل تأكيد فقد يظن حينها انها تحاول اغوائه من خلالها، فتحت الخزانة الاخرى وأخدت تبحث فيها عن بيجامة مناسبة فوجدت اخيرا بيجامة فضية من الستان، قررت أنها سترتديها فهي تبدو مناسبة للغاية وساترة للجسد، التفت الى الخلف لتتفاجئ به واقفا خلفها على بعد مسافة قصيرة عنها واضعا كفيه في جيبي بنطاله يتأملها بملامح مسترخية، تحدث اخيرا بنبرة عادية: انتِ سوف تنامين على السرير.، وأنا على الكنبة...
قالها وهو يشير الى الكنبة العريضة الموضوعة على جانب الغرفة والتي أصر كاظم على وضعها في الغرفة، شعرت الاء بالاحراج وفكرت في داخلها بأنه فهم عليها بأنها غير مستعدة لأي شيء قد يطلبه منها الان، وفي الحقيقة هي ليست مستعدة لا الان ولا فيما بعد.، اما كاظم فهو كان يعرف جيدا أنها سترفض إتمام الزيجة وجعلها حقيقة لذا فضل ان يختصر الموضوع من اوله ويخبرها بأن كلا منهما سينام في مكان منفصل عن الاخر...
افاقت الاء من شرودها على صوت باب الحمام يفتح وكاظم يخرج منه وهو يرتدي ملابس الخروج وشعره الاسود مبلل بالمياه التي تزخ قطراتها من عليه... نهضت من مكانها واتجهت الى خزانة الملابس واخرجت منها فستان اسود قصير ثم اتجهت الى داخل الحمام لتأخذ شاور سريع وترتدي الفستان...
دلفت الاء الى الحمام واغلقت الباب خلفها جيدا اما كاظم فاتجه الى المرأة وحمل المشط وأخذ يسرح شعره حينما سمع صوت طرقات على باب الغرفة ليتجه فورا نحو الباب ويفتحها فيجد والدته تدلف الى الداخل وهي تحمل صينية كبيرة عليها مختلف اصناف الطعام المكونة من القيمر والجبن والبيض والعسل والمربى وغيرها، وضعت الصينية على الطاولة التي تتوسط الغرفة ثم قبلت ابنها من وجنتيه وقالت: صباح الخير يا عريس... مسك كاظم يدها وقبلها ثم قال بمودة: صباح الورد يا ام العريس...
حركت منيرة بصرها في ارجاء الغرفة قبل ان تسأل: أين عروسك يا بني؟! اجابها كاظم بجدية: انها تستحم يا أمي... تكونت ابتسامة خبيثة على شفتيها ثم قالت بسرعة: سأتركك الان يا بني ولن أ زعجك، اذا احتجتما اي شيء اخبرني وسأجلبه لك بالحال... ثم خرجت بسرعة فهي لا تريد ان تزعج العروسين في صباحيتهما...
ابتسم كاظم ساخرا من الابتسامة الخبيثة التي تكونت على ثغر والدته وحديثها وما قالته ثم فكر بأنها على نياتها بالفعل فهي تعتقد انهما يريدان البقاء لوحديهما وقضاء وقت ممتع سويا كعروسين...
خرجت الاء من الحمام وهي ترتدي فستانها الاسود القصير وتلف شعرها الطويل بالمنشفة، تأملها كاظم قليلا وهي تتجه نحو المرأة وتفك المنشفة وتبدأ بتسريح شعرها ثم قرر الجلوس امام المائدة وتناول الطعام، بدأ كاظم بتناول طعامه ثم ما ان انتهت الاء من تصفيف شعرها حتى طلب منها أن تأتي وتتناول طعامها معه، أرادت الاء أن ترفض هذا لكنها تراجعت وهي تفكر بأنها تشعر بالجوع الشديد فهي لم تتناول اي شيء طوال البارحة، جلست الاء بجانبه وأخذت تتناول لقيمات صغيرة من الطعام...
انتهى الاثنان من تناول طعام الافطار ليهتف كاظم بها فجأة: انا سأذهب الى العمل.، وانتِ ماذا ستفعلين؟! اجابته ببساطة وهي تجلس على السرير: سأبقى في غرفتي... جيد... قالها بإقتضاب ثم أكمل تحرك خارج المكان تاركا إياها لوحدها لتأخذ نفسا عميقا فهاهي قد تخلصت منه مبكرا وستبقى في غرفتها لوحدها... قفزت من فوق السرير وحملت هاتفها واجرت اتصالا هاتفيا سريعا مع سكرتيرتها التي اخبرتها التالي: كل شيء تمام مدام الاء، نحن نسير امور العمل بشكل جيد...
لا تقوموا بفعل اي شيء قبل اخباري به، وأنا سأتابع العمل معك من هنا... اغلقت الاء الهاتف مع سكرتيرتها ثم ما لبثت ان بحثت في الرسائل المستلمة لتجد صورتين مرسلتين من رقم هاتف والدها احداهما عقد شراء أسهم احدى اهم شركات التجميل في البلاد والاخرى عقد شراء فيلا كبيرة في العاصمة...
كادت ان تصرخ من شدة الفرحة لولا انها تذكرت في اللحظة الاخيرة اين هي، تأملت الصورتين بملامح تشع فرحا قبل ان تمسك الهاتف وتتصل بوالدها: بابا لا اصدق ما رأيته، أشكرك كثيرا، انت حقا اباً رائع... سألها الاب غير مبال بهذا الامر: طمئنيني عنك يا الاء، كيف حالك؟! ابتسمت الاء بحنان واجابت: انا بخير، بخير للغاية... حقا.؟!
اجابته مؤكدة: حقا بابا، اطمئن انا بخير للغاية... الاء اسمعيني جيدا.، تعاملي مع زوجك بشكل جيد، لا تفضحينا أمام عائلة زهران يا فتاة... زفرت الاء أنفاسها بإحباط وقالت في داخلها: ها قد بدأنا... وقبل ان تجيب عليه كانت والدتها تسرق الهاتف منه وتقول بسرعة ولهفة: الاء حبيبتي، كيف حالك؟! طمئنيني عليكِ... اجابته الاء محاولة طمأنتها: صدقيني انا بخير، المهم انتم، كيف حالكم؟!
نحن بخير للغاية، المهم انتِ حبيبتي... سمعت الاء صوت تزمير سيارات فسألت متعجبة: هل أنتما في الطريق؟! اجابتها الام: نعم حبيبتي نحن في طريق العودة... تصلون بالسلامة ان شاء الله... اغلقت الاء الهاتف مع ابويها ثم تنهدت بصمت وجلست تفكر في اي شيء تفعله...
ظلت جالسة في غرفتها تقلب في مواقع التواصل الاجتماعي تارة وتتحدث مع سكرتيرتها تارة، بدأت الاء تشعر بالملل من بقاءها هكذا ففكرت بأن تخرج قليلا لترفه عن نفسها وترى المنطقة ايضا فهي لم ترها من قبل، نهضت من مكانها وقد عقدت الامر على الخروج والتعرف على الاماكن المحيطة بها لكنها توقفت في نفس اللحظة وهي تستمع الى صوت هاتفها يرن، تأملت الرقم الغريب الذي يتصل بها بملامح متشجنة، انها تعرف صاحب الرقم جيدا، فكرت بأنها ترعب بخنقه بسبب اصراره على الاحتكاك بها، ضغطت على سر الرفض ثم قامت بحظر الرقم واتجهت خارج الغرفة...
خرجت الاء من غرفتها لتجد الممر خاليا، سارت بخطوات بطيئة متمهلة نحو الباب الخارج للمنزل الضخم، حمدت ربها انها لم تجد احدا في وجهها... ما ان خرجت خارج المنزل حتى أخذت نفسا عميقا ثم ابتسمت بإرتياح، رغما عن كل شيء عليها ان تعترف بأن المكان هنا هادئا ومريحا للأعصاب، قررت أن تسير قليلا بين الاراضي الزراعية المحيطة بالمنزل..
وبالفعل اخذت تسير دون وجهة محددة حتى شعرت بأنها تاهت ولم تعد تعرف طريق الرجعة، !!! وما زاد الطين بله نظرات الناس المستغربة الموجهة نحوه وهمهماتهم التي لا تنتهي، !!! وجمت ملامحها لا اراديا ودب التوتر في داخلها... نظرات الجميع كانت تأكلها بفستانها الذي بالكاد يصل الى منتصف فخذيها ويبرز تفاصيل جسدها الانثوية بسخاء... رفعت خصلات شعرها التي بدأت تتطاير عاليا...
ثم سارت نحو أحد الفلاحين الذي يسير في الطريق بجوار حماره فسألته بسرعة: هل لك ان تدلني على طريق العودة لمنزل كاظم زهران.. رمقها الفلاح بنظرة مزدرءة قبل ان يرد بتعالي: كلا ، لا اعرف... ثم تركها ورحل لترفع الاء حاجبها بعدم تصديق منه... قررت الاء ان تسأل أحد اخر لتتفاجئ بسيارة عالية تسير في نفس الشارع فأشارت لها لتقف السيارة ويفتح صاحبها النافذة، كان صاحبها شابا وسيما شعر بأنه رأى الاء من قبل بينما اقتربت الاء منه وقالت: هل لك أن تدلني على منزل كاظم زهران.؟!
هنا عرفها صاحب السيارة فقال على الفور: انتِ ابنة الهاشمي زوجته ألستِ كذلك؟! تعجبت الاء من معرفته بها ثم تذكرت انها في قرية صغيرة والجميع يعرف من فيها لتومأ برأسها وتقول: نعم، انا زوجته... فتح الشاب الباب وهبط من السيارة و عرفها عن نفسه: طارق زهران، قريب زوجك...
ابتسمت الاء مجاملة وقالت مرحبة به: اهلا بك... رد طارق قائلا: ما رأيك أن تركبي معي لأوصلك الى هناك؟! ولكن لا أريد أن أتعبك... لا يوجد تعب ابدا... تطلعت الاء الى السيارة بتردد ثم ما لبثت ان حسمت أمرها وركبت معه...
عاد كاظم الى المنزل واتجه الى غرفته ليجدها خالية... تعجب من خلوها فظن ان الاء في الحمام لكنه حينما اتجه نحو الحمام وجد الباب مفتوحا والحمام خالي من وجود اي احد... خرج من الغرفة واتجه الى صالة الجلوس حيث توجد كلا من والدته واخته الصغرى سلسبيل...
كانتا تجلسان هناك وتتحدثان في المواضيع المختلف حينما اقترب كاظم منهما وسألهما: أين الاء؟! لا اجدها في الغرفة... اجابته منيرة والدته بتعجب: انا لم أرها.، ظننت إنها ما زالت في غرفتكما... ثم قالت سلسبيل هي الاخرى: أليست من المفترض أنها بقيت في غرفتكما؟! نعم ، ولكنني لم أجدها...
نهضت سلسبيل من مكانها وقالت مشيرة اليه: احتمال ان تكون قد خرجت الى الحديقة او ذهبت الى المطبخ لتشرب الماء... معك حق، سوف أراها في الحديقة وانتِ ابحثي عنها في المطبخ... توجهت سلسبيل بسرعة نحو المطبخ لتبحث عنها وتوجه كاظم الى الحديقة ليبحث عنها ايضا... لم يجدها كاظم في الحديقة ثم جاءت سلسبيل اليه بعد لحظات تخبره أنها لم تجدها في المطبخ ولا في أي من ارجاء المنزل... ماذا يعني لم تجديها.؟! أين ذهبت اذا؟!
قالها كاظم بعصبية كبيرة لترد سلسبيل بإرتباك: لا أعلم، لكنها لم تكن موجوده، بحثت عنها في المطبخ وفي كل مكان... وما ان انتهت مما قالته حتى سمع الاثنان صوت سيارة تقترب من منزلهما، اتجه الاثنان نحو الباب الخارجي من المنزل ليجدا طارق يوقف سيارته امام الباب وتهبط منها الاء بعدما القت التحية عليه وشكرته على ايصالها...
تقدم كاظم نحوها وهو يكاد يشتعل من شدة الغضب وما زاد الطين بله هو ذلك الفستان الذي ترتديه.، هبط طارق من السيارة واتجه نحوه وحياه ليبادله الاخير التحية دون ان يزيح عينيه المشتعلتين عنها... نقلت سلسبيل بصرها بين الجميع بتوتر بالغ وقد شعرت بأن كاظم بات في أوج غضبه، عاد طارق الى سيارته بعدما حيا سلسبيل واتجه الى طريقه من جديد بينما اقترب كاظم من الاء وقال بنبرة أمرة: أمامي...
لم تفهم الاء سبب جمود نبرته بعد فقررت ان تسير امامه متجهة الى غرفتها وفي اثناء سيرها قابلت حماتها التي شهقت بصدمة ما ان رأت ما ترتديه قبل ان تهدر بها: ما هذا الذي ترتدينه يا ابنة الهاشمي؟! كيف تخرجين بهذا الشكل المخزي الى الخارج؟! اندلعت نيران الغضب داخل الاء التي اعتصرت قبضتي يديها بقوة وقالت بغضب شاسع: انا ملابسي مخزية، انتِ كيف تتحدثين معي بهذه الطريقة؟! الاء...
هدر بها كاظم مهددا لتصيح به بصوت عالي: ماذا الان؟! أنا لم أفعل شيئا خاطئا... قبض على ذراعها وجرها خلفه وهو يهمس بصوت منخفض لها: ولا كلمة... ثم اتجه بها نحو غرفتهما وادخلها اليها واغلق الباب خلفه... حررها كاظم اخيرا من قبضته لتبدأ الاء بفرك ذراعها المتألمة من قسوة قبضته... اقترب كاظم منها وقال بصوت عالي قوي مخيف: ما هذا الذي ترتدينه يا مدام؟!
تطلعت الاء الى ملابسها بحيرة وقالت وكأنها تحدث نفسها: لا أفهم حقا ما بها ملابسي، تتحدثون وكأنها ممزقة او وسخة... أكمل كاظم وهو يكز على أسنانه منها ومن برودها: فستان بهذا القصر والضيق لا يجوز ان ترتديه خارج هذا المنزل اطلاقا.، بالأحرى خارج هذه الغرفة... شعرت الاء بأنها اخطأت بالفعل فهي هنا في القرية وليست في المدينة، وما أكد افكارها هذه هي ما فعله الفلاحون حينما رأوها بهذه الملابس... حاولت ان تبرر فعلتها قائلة: انا لم انتبه..
لكنه قاطعها بحدة: هذا غير صوتك العالي وانتِ تتحدثين ما والدتي، من تظنين نفسك لتتحدثي معها بهذا الشكل السخيف؟! كادت الاء ان تصرخ به بأن هذا يكفي وهي غير مجبرة على تحمله لكنها تذكرت أنها قد قررت حينما وافقت على هذه الزيجة ألا تثير المشاكل وتتحمل الحياة هنا وعاداتها حتى يأتي الوقت المناسب وتتخلص من كل هذا... اسمعيني جيدا...
عقدت ذراعيها امام صدرها وهي تستمع لأوامره: هناك قواعد زوجية يجب ان تسيري عليها يا الاء... كانت المرة الأولى التي ينطق بها اسمها... اولا ، صوتك لا يرتفع ابدا في هذا المنزل... ثانيا ، ممنوع القاء الاوامر على ايا كان... ثالثا، ابتسامتك تزين وجهك طوال الوقت رابعا ، امي ثم امي ثم امي إياك ان تزعجيها بحرف واحد لأني حينها لن أرحمك ابدا... أي اوامر ثانية؟!
قالتها بإستهزاء واضح ليرد ببرود غير مبال بإستهزائها: كلا لا يوجد حاليا، حينما اتذكر اي شيء جديد سأخبرك به فورا... صمت لوهلة قبل أن يكمل: هذه الملابس لا ترتديها خارج الغرفة.، هل فهمت؟! والان غيري ملابسك وتعالي معي لتعتذري من والدتي... اومأت الاء برأسها على مضض ثم تحركت نحو الخزانة وهي تلعنه في داخلها...
اوقف أدهم سيارته أمام باب قصر عائلته، التفت نحو فرح التي كانت تتطلع الى المكان بإنبهار واضح ليبتسم ساخرا قبل ان يعلق ببرود: لقد وصلنا... استدارت نحوه وقالت بخفوت وخوف مما هو قادم وينتظرها هنا: نعم وصلنا... ترجلت فرح من السيارة وتبعها أدهم، اتجه الاثنان الى داخل القصر، كانت فرح تسير بجانب أدهم وهي تتطلع الى تفاصيل القصر وفخامته منبهرة بما تراه... وصل بها أدهم نحو غرفته، فتح باب الغرفة ودلف الى الداخل تتبعه هي على استيحاء، تأملت فرح غرفته بإعجاب شديد، كانت واسعة للغاية، أثاثها راقي جديد مزيج بين اللونين الابيض والاسود...
اغلق أدهم الباب خلفه واتجه الى الداخل لتشعر فرح بتوتر لا ارادي يسيطر عليها... تنحنح أدهم وقال: نحن سنعيش بهذه الغرفة سويا، حتى ينتهي هذا الزواج... التفتت فرح نحوه وقالت برأس مرفوع وإقتضاب: جيد... أكمل أدهم بجدية: انتِ ستنامين على السرير وأنا على الكنبة... ابتسمت فرح بسخرية وهي تفكر بمدى كرمه الذي جعله يسمح لها بالنوم على سريره... لاحظ هو ابتسامتها الجانبية التهكمية لكنه لم يعلق...
بل سار نحو خزانة ملابسه وأخرج ملابس جديدة له واتجه الى الحمام ليرتديها، اما فرح فقد قررت ان تنام قليلا، وضعت رأسها على المخدة وغرقت في نوم عميق امتد حتى الليل، افاقت فرح من نومها ليلا لتجد الغرفة خالية... عبست ملامحها لا اراديا وهي تنهض من مكانها وتتجه خارج الغرفة، أخذت تسير في ممرات القصر دون ان تصل لوجهة محددة، شهقت بقوة وتراجعت الى الخلف حينما وجدت أنس في وجهها، ابتسم أنس لها وقال: مساء الخير...
مساء النور... اجابته بخفة قبل ان تسأله بتردد: أين أدهم؟! أجابها وهو يتفحصها لا اراديا: لا اعلم، خرج عصرا ولم يعد حتى الان... اومأت برأسها متفهمة ليرد أنس قائلا: ما رأيك ان نذهب الى صالة الجلوس.؟ ابتسمت بخفة وأجابته: لنذهب الى هناك... سارت فرح خلف أنس الذي اتجه بها نحو صالة الجلوس لتجد هناك كلا من أسامة وأيهم، جلست فرح على استيحاء بينهم، كانت تشعر بالخجل الشديد وهي تجلس وحيدة بين ثلاث شبان غرباء عنها...
تحدث أسامة قائلا بمزاح: كان بودي ان أرحب بك بطريقة مختلفة، لكن العين بصيرة والايد قصيرة كما تعلمين... ضحكت فرح على مزاحه وقالت: لا بأس.، كلامك هذا كفاية... تحدث أيهم هذه المرة ساخرا: يعجبني فيك ترحيبك الحار بضيوفنا... رد أسامة عليه: ولكن فرح أصبحت من أهل البيت وليست فقط ضيفة... وأجمل ضيفة... قالها أنس بهيام لتبتسم فرح لا اراديا عليه بينما قال أسامة بدوره: هل تتغزل بزوجة اخيك أمامي؟! نعم، هل لديك مانع.؟!
قالها أنس بلا مبالاة ليرد أسامة: بالنسبة لي لا، لكن بالتأكيد سيكون لدى أدهم الف مانع... ارتعبت ملامح أنس الذي قال: لا طبعا انا لا اقصد، فرح عزيزة علي، انها بمثابة اخت لي... بالكاد استطاعت فرح ان تكتم ضحكتها على منظره بينما قال أيهم: ها قد غير رأيه بثواني... ما ان اكمل أيهم كلماته حتى دلف أدهم الى الداخل قائلا: مساء الخيرر... ليقول أسامة بسرعةة: ابن حلال، كنا في سيرتك قبل لحظات... حسنا أنا سأذهب الى غرفتي...
قالها أنس وهو يقفز من مكانه متجها الى غرفته ليقهقه أسامة عاليا بينما تطلع إليه أدهم بحيرة قبل ان يسأل أسامة: ماذا يحدث هنا؟! اجابه أسامة وهو يشير الى فرح: كنا نرحب بفرح على طريقتنا الخاصة... احمرت وجنتي فرح لا اراديا بينما التفت ادهم نحوها يتأملها للحظات قبل ان يقول بعدم اكتراث: جيد، ولكن ماذا عن أنس؟! لماذا هرب؟! اجابه أسامة: هو لم يهرب، لديه مذاكرة، تعال واجلس معنا وشاركنا في هذه السهرة... الا ان أدهم رد عليه: لا رغبة لدي سوى بالنوم.، أكملوا أنتم سهرتكم كما تريدون...
في صباح اليوم التالي... في منزل حميد زهران... على مائدة الافطار كانت العائلة بأكملها مجتمعة تتناول افطارها في جو حميمي خالص... تنحنح مازن قائلا بجدية: أبي أريد الحديث معك في موضوع هام... تحدث يا بني، قل ما لديك... قالها الاب بإذعان بينما اتجهت انظار والدته واختيه ملك ومريم نحوه... انا قررت الزواج...
اضاء وجه والدته نجلاء لا اراديا والتي قالت بسرعة وعدم تصديق: حقا؟! يا له من خبر سعيد، من هي العروس؟! اخبرني... ابتسم مازن بتردد بينما تحدث حميد بجدية: على مهلك يا نجلاء، دعينا نعرف مواصفات العروس اولا... أخذ مازن نفسا عميقا قبل ان يهتف بجدية: انها زميلة لي في عملي.، اسمها ميري... تبادل الاب والام النظرات بينما شهقت ملك لا اراديا واتسعت عينا مريم بعدم تصديق... هل هي مسيحية.؟!
سألته الأم بعدما استوعبت الامر ليومأ مازن برأسه ويرد موضحا: امريكية... ماذا تقول انت؟! هل جننت.؟! هدر به الاب بعنف ليرد مازن عليه: ابي اسمعني اولا من فضلك... الا ان الاب أكمل بعصبية: امريكية، تريد الزواج بأمريكية يا مازن... انا غير موافقة، هل فهمت؟!
قالتها الام بنبرتها الحادة ليتطلع اليها مازن بنظرات مترجية ان تسمعه وتعطيه فرصه لكنها أشاحت بوجهها بضيق... شعر مازن بعناد الطرفين فقال بإصرار هو الاخر: انا احب ميري وسأتزوجها، شئتم أم أبيتم... ثم تحرك خارج المكان تاركا إياهم يتطلعون الى بعضهم بعدم تصديق... هل سمعت ما قاله؟!
قالتها الام بعدم تصديق ليهز الاب رأسه مؤكدا على ما سمعه قبل ان يقول: انا لن اوافق على شيء كهذا مهما حدث... تحدثت ملك قائلة: ولكنه يقول بأنه يحبها... نهرتها الام بسرعةة: اصمتي انتِ، أي حب لعين الذي يجعله يتزوج بإمرأة ليست من ديننا او ملتنا... نهضت ملك من مكانها وقد شعرت بالانزعاج من رأي والدتها واتجهت خارج المكان وتبعتها مريم كذلك...
كانت ميرا ممددة على سريرها وهي شاردة تفكر فيما حدث باللقاء الاخير بينها وبين مازن... لقد سمعته وهو يحادث إحداهن ويقول لها حبيبتي... الامر الذي جعلها تبكي كثيرا ليلتها، لقد انهارت بشدة، فهي تحبه كثيرا ومتعلقة به كثيرا.، فكرت بأنها تحبه منذ وقت طويل.، منذ ان كانت طفلة صغيرة، ولا يحق لأي واحدة ان تحل محلها وتأخذه منها، عند هذه النقطة لمعت عيناها ونهضت معتدلة في جلستها وأخذت تبتسم بسذاجة وهي تفكر بأنها لا يجب ان تسمح لاي واحدى ان تأخذه منها، لهذا ستعترف له بحبها وتجعله يحبها كما تحبه هي...
نهضت من فوق سريرها واخذت تدور في ارجاء غرفتها وهي تفكر في الطريقة المناسبة للاعتراف... ظلت تفكر طويلا حتى حسمت أمرها وقررت ان تحادثه وتطلب منه مقابلته، وبالفعل اتصلت به ليأتيها صوته قائلا: نعم ميرا، ماذا هناك.؟! اجابته ميرا بصوت منخفض: مازن اريد رؤيتك، اريد إخبارك بأمر ضروري للغاية، ! حسنا، متى تريدين أن نتقابل؟!
سألها بجدية لتجيبه بسرعة: الان، ما رأيك ان نتقابل في الكافيه الذي تقابلنا به هذاك اليوم... لا بأس، سأنتظرك هناك... اغلقت ميرا الهاتف معه وهي تبتسم بسعادة، اتجهت نحو خزانة ملابسها بسرعة واخرجت منها ملابسها المكونة من بنطال برمودا فوقة تيشرت اخضر اللون... ارتدت ملابسها ثم صففت شعرها جيدا وخرجت من غرفتها متجهة الى ذلك الكافيه و كلها أمل فيما ينتظرها هناك...
استيقظت ليلى من نومها على صوت طرقات قوية على باب غرفتها يتبعها اقتحام حماتها الى الغرفة دون ان تعي ليلى بعد ما يحدث... انتفضت ليلى من مكانها وغطت جسدها الشبه عاري بغطاء السرير وهي ترى حماتها تقف فوق رأسها تتطلع إليها بنظرات حادة مخيفة... ابتلعت ريقها وسألتها بتردد غير مستوعبة بعد ما يحدث: خير عمتي.، ماذا حدث؟!
اجابتها حماتها بصوتها الغاضب: كل خير يا كنتي العزيزة، لقد حل الظهر وانتِ ما زلتِ نائمة، متى سوف تنهضين من سريرك يا ست الحسن والدلال؟! قالت ليلى بإضطراب وتوتر: ولكن ما زال الوقت مبكرا على الاستيقاظ يا عمتي.، انها ما زالت العاشرة صباحا... صاحت بها حماتها بعصبية وصوت مستفز: هيا انهضي ولا تتحدثي كثيرا، هناك الكثير من اعمال البيت تنتظرك... ثم تحركت خارج الغرفة تاركة ليلى تتابع أثرها بذهول...
لحظات قليلة وقفزت ليلى من سريرها واتجهت بسرعة نحو الحمام، غيرت ملابسها وسرحت شعرها ثم خرجت من غرفتها وهي تتثائب بقوة فهي لم تنم البارحة حتى ساعات الفجر الاولى بعد ليلة حميمية قضتها مع جابر الذي رفض ان يتركها تنام... اتجهت الى صالة الجلوس لتجد حماتها تتناول القهوة، وضعت حماتها فنجان القهوة على الطاولة بعد ما ارتشفت منه القليل ثم قالت: اسمعيني جيدا يا ليلى، انا احب الفتاة النشيطة.، التي تعتني بمنزلها دائما، كما انني احب ان يكون منزلي مرتب ونظيف بشكل دائم، هل فهمت.؟!
كانت ليلى تقف امامها كتلميذ يستمع لأوامر معمله فأومأت برأسها دلالة على فهمها لما تقوله لتردف حماتها: لقد انتهى شعر العسل خاصتك، وحان وقت العودة الى الحياة الطبيعية، من الان فصاعدا سوف تباشرين دورك في تنظيف المنزل والطبخ، وانا سأشرف عليكِ بنفسي لأنني لا يعجبني أي عمل... حاضر عمتي، سوف ابدأ بالتنظيف حالا... لترد الحماة بسماجة: هيا اريني قدراتك يا كنتي...
سارت ليلى بملامح ممتعضة خارج صالة الجلوس وبدأت بتنظيف المنزل، نظفت المنزل بأكمله ثم طبخت طعام الغداء كما أمرتها حماتها، انتهت ليلى من التنظيف واعداد الطعام اخيرا لتأخذ نفسا عميقا قبل ان تتجه نحو حماتها وتسألها: لقد انهيت جميع أعمالي يا عمتي، هل مطلوب مني شيئا أخر؟! ردت الحماة بإمتعاض: جهزي لي الحمام حتى أستحم.. ماذا؟! قالتها ليلى بإندهاش لترد الحماة: ألم تسمعيني.؟! قلت جهزي الحمام... اومأت ليلى برأسها متفهمة ثم سارت نحو الحمام بغرض تجهيزه لها وهي تكاد تنفجر من شدة الغيظ والغضب...
كانت دارين تسير داخل الحرم الجامعي حينما لمحت أيهم يقف مع إحدى طالباته يتحدث معها ويبدو على وجهه الضيق والانزعاج... اقتربت منهما وقالت موجهة حديثها لأيهم: دكتور أيهم أريد أن اسألك بخصوص المحاضرة الاخيرة بعض الاسئلة... حسنا دكتور أيهم سنتحدث فيما بعد... قالتها الفتاة وهي تسير بعيدا عنهما لتبتسم دارين له وتقول بمرح: لقد انقذتك منها كما كنت تتمنى... ابتسم أيهم لها وقال: ومن أين عرفتِ بأنني كنت أريد ان ينقذني احد منها... اجابته بثقة: كان هذا واضحا عليك وانت تتحدث معها...
ثم أكملت بجدية: انا ايضا سأذهب حتى لا تتضايق مني... ليقول أيهم بعفوية: لا تذهبي... رفعت دارين حاجبيها بإندهاش ليرد أيهم بسرعة مخفيا احراجه: اقصد أنني لا أتضايق من وجودك اطلاقا.. ابتسمت دارين بخجل وشعرت بالارتباك يغزوها قبل ان تقول بجدية: لدي محاضرة بعد قليل، يجب ان اذهب...
ثم تحركت بسرعة من امامه ليبتسم أيهم بسعادة خفية على خجلها... وفي اثناء سيرها رن هاتفها بنغمة الرسائل لتخرجه من حقيبتها وتفتحه بسرعة فتتصنم في مكانها وهي تتطلع الى الصورة المرسلة إليها، كانت صورة لها من احد جلسات التصوير الخاصة بها وهي لا ترتدي سوى ملابس العرض الداخلية.، فهي تعمل كعارضة ازياء للملابس الداخلية!