رواية زوجتي المنبوذة للكاتبة سارة علي الفصل الحادي عشر
ولكن لدي شرط واحد لاتمام هذه الزيجة... قالها تميم بجدية جعلت الجد ينظر اليه بريبة قبل ان يسأله: وما هو شرطك...؟! اجابه تميم: أن يبقى الزواج سري لا يعلم احد به سوى انا وانت وهي حتى اقرر انا الاعلان عنه... ولماذا تضع شرطا كهذا...؟! سأله الجد متعجبا من شرطه فرد تميم بإيجاز: والله هذا شيء يخصني لوحدي، انه شرطي الوحيد ولن اتراجع عنه اطلاقا... لك ما تريد... قالها الجد ثم نهض من مكانها واردف:.
سوف اخبر دينا بقرارك، وبعدها سوف نعقد القران فورا... اومأ تميم رأسه ثم تنهد بصمت قبل ان يتراجع بظهره الى الخلف، اخذ يفكر جديا في هذه الخطوة الجديدة من حياته، لقد وضعه جده على المحك، جده الذي يدرك مدى رغبته في الحصول على ملكية شركاته... لقد اختار الطريق الصحيح لموافقته...
ورغما عنه اخذ يفكر بنوران وردة فعلها، هي بالتأكيد لن توافق على شيء كهذا، لا يعرف لماذا شعر بإنقباضة قوية في قلبه حينما اخذ يفكر بها وبردة فعلها... وضع رأسه بين يديه بقلة حيلة وهو يدعو ربه بداخله ان يمر هذا الامر على خير...
بعد مرور يومين دلف تميم الى داخل احدى الشقق السكنية تتبعه دينا، اغلق الباب خلفه والتفت اليها ليجدها تطالعه بنظرات فرحة، عيناها تلمع من فرط السعادة... لقد تم عقد قرانهما اليوم بحضور الجد الذي قرر السفر للراحة والاستجمام بعدما اطمئن على حفيديه تاركا لهما تلك الشقة ليبدئا بها حياتهما الزوجية... جلس تميم على الكنبة في تعب بينما اقتربت دينا منه وجلست بجانبه واضعة كف يده على كتفه متسائلة: تبدو متعبا...
اجابها تميم وهو يتنهد بصمت: للغاية، صداع قاسي يؤلمني نهضت من مكانها واتجهت الى خلف الكنبة واضعة كفي يدها على جانبي جبينه، ثم اخذت تفرك بيديها على جانبي جبينه ليسترخي تميم في جلسته وقد بدأ شعور الراحة يتسرب اليه... هل اصبحت افضل الان...؟! سألته دينا بعد ان توقفت عن المساج ليهز رأسه ويقول: افضل بكثير، اشكرك... منحته ابتسامة عذبة قبل ان تقول بحب: انا في الخدمة دائما...
بادلها ابتسامتها ورغما عنه اخذ يفكر بها، لما لم يعد يشعر بالحب ناحيتها...؟ ألم تكن دينا حب حياته الذي تمنى الحصول عليها يوما...؟ حب حياته الذي تخلى عنه في سبيل انتقامه...؟! هل كان حبها وهما..؟ ومشاعره كاذبة...؟! لماذا تغيرت مشاعره نحوها بهذه السرعة وباتت لا تؤثر به ولا تعني له شيئا...؟! شعرت دينا باضطرابه فمسكت كف يده البارد وضغطت عليه ليعود بانتباهه إليها فتسأله:.
ماذا يحدث معك يا تميم...؟ تبدو وكأنك محتار في أمر ما...! هز تميم رأسه نفيا وقال بسرعة: كلا، كما اخبرتك انا متعب قليلا... ما رأيك ان تدلف الى غرفة النوم في الداخل وتنام قليلا...؟! قالتها دينا بنبرة حائرة فهي تشعر بضياعه ليرد تميم: كلا، يجب ان اذهب الان الى الشركة... سوف تذهب الان...؟! قالتها بصدمة لينهض من مكانه بسرعة ويقول: اسف دينا، ولكن لدي الكثير من الاعمال، اراك لاحقا...
ثم خرج بسرعة هاربا منها تاركا اياها تطالع آثره بعينين دامعتين وقلب تشتت من فرط الالم والحيرة..
دلف تميم الى الفيلا ليسأل الخادمة عن نوران فتخبره انها في غرفتها... ارتقى درجات السلم متجها الى الاعلى، دلف الى الغرفة بخطوات راكضه ليجد نوران جالسة على سريرها تقرأ في احدى المجلات والتي نهضت بسرعة ما ان رأته يتقدم نحوها بهذا الكل ففوجئت به يرفعها بين ذراعيه ويقبلها بلهفة...
بادلتع قبلته بالرغم من صدمتها مما فعله في بادئ الامر، ظل يقبلها لفترة طويلة حتى شعرت بالاختناق فابتعد عنها لتأخذ نفسا عميقا، اخذ يتطلع الى شفتيها المتورمتين برغبة ثم عاد وقبلها من جديد... ظل يقبلها مرارا وهي تتجاوب معه، اخيرا ابتعد عنها وقال من بين انفاسه اللاهثة: اسف... علام تعتذر...؟! سألته نوران بعدما افاقت من نشوة المشاعر التي سيطرت عليها، لم يجبها على سؤالها وانما قال بمشاعر تمكنت منه:.
احبك نوران، احبك للغاية... صدمها اعترافه بالحب للمرة الثانية، ولكن هذه المرة كانت تختلف عن التي قبلها، فهذه المرة شعرت بصدقها، شعرت انه بالفعل يحبها... مدت يدها تحيط وجنته بها تتحسسها بحنان فأمال شفتيه ناحية كف يدها يقبله برقة، ثم ابعد كف يدها عن وجهه وعاد يقبلها بنفس اللهفة والرغبة... ابتعدا عن بعضهما اخيرا لتتسائل نوران بحيرة محاولة السيطرة على الوضع قبل ان يتمادى تميم في افعاله:.
ماذا يجري يا تميم...؟ تبدو اليوم غريبا... مسح تميم وجهه بكفي يده ثم قال بارهاق: انا متعب قليلا... شعرت نوران بالقلق الشديد ما ان سمعت ما قاله فسألته بخوف ظهر واضحا في نبرة صوتها وعينيها: ماذا بك...؟ هل انت مريض...؟! لا اعلم، اشعر بقليل من التعب... قالها وهو يتمدد على السرير لتقترب نوران منه وتنام بجانبه فتتفاجئ به يحتضنها بقوة وهو يقول بصوت دافئ: كان عمري عشرة اعوام حينما انتحرت والدتي...
رفعت نوران بصرها ناحيته وقالت بتردد: كيف انتحرت...؟! اجابها: رمت نفسها من الطابق السادس... صمت لوهلة قبل ان يردف: كنت ذاهب الى زيارتها، احمل لها باقة من الورد الذي تحبه، كنت متلهف للغاية لرؤيتها، لكنني لم اجدها، لقد ماتت قبل ان اراها واضمها واشم رائحتها... شعرت نوران بالدموع تغرق وجنتيه فترقرقت الدموع في عينيها قبل ان تجهش في بكاء مرير...
مسح تميم دموع بسرعة ثم نهض من مكانه واحتضنها بين ذراعيه واخذ يربت على ظهرها ويقول: اهدئي يا نوران، انا اسف، لم اقصد ان اضايقك... ابتعدت نوران عن احضانه واخذت تمسح دموعها بكفي يدها قبل ان تقول من بكاءها: انا اسفة، لكنني انفعلت قليلا... طبع تميم قبلة على جبينها قبل ان يضمها اليه ويتمدد مرة اخرى على السرير وهو ما زال يحتضنها...
ولاول مرة تشعر نوران براحة وامان غريب بين ذراعيه، تنهدت بحرارة واغمضت عيناها مستسلمة لهذا الشعور الرائع الذي غزاها...
دلف نزار الى داخل شقته وهو يحمل بيده الكثير من الاطعمة، اخذ يصيح على نغم لتأخذ منه الاغراض لكنه لم يجد اثرا لها، شعر بشيء ما غريب يحدث، وضع الاكياس على ارضية الغرفة وتقدم ناحية الغرفة التي تقطن بها، فتح الباب ببطئ ليتفاجئ بشخص ما يقفز امامه واضعا مسدسا على رأسه بينما نغم مقيدة على كرسي موضوع في منتصف الغرفة والعديد من الاشخاص يحيطون بها...
تطلع نزار الى نغم المقيدة امامه بملامح باهتة وقد سيطر الخوف عليه بشدة، لا يعرف اذا كان خوفا على نفسه او عليها، لكنه في تلك اللحظة شعر بنيران تندلع داخل صدره وهو يتخيل ان يأخذوها معهم او يؤذوها... شعر بشخص ما يتقدم ناحيته من الخلف لكنه لم يستطع الالتفات بسبب المسدس الموضوع على رأسه... تقدم الرجل منه ووقف قبالته قائلا بلهجة متهكمة وهو يشير الى نزار بيده: انت اذا البطل المنقذ للانسة الصغيرة...
صدرت همهمات غير مفهومة من نغم بسبب تقييد فمها فاقترب الرجل منها وازال الشريط اللاصق الموضوع على فمها لتقول بسرعة غير مبالية بأي شيء يدور حولها: اتركه، لا ذنب له، انا من جئت اليه، هو حتى لا يعرف من انا وما قصتي... وتدافعين عنه ايضا... قالها الرجل وهو يقبض على شعرها بكف يده ليصرخ نزار به: اتركها، اياك ان تلمسها...
وحينما اراد الاندفاع نحوها غير ابه بالمسدس الموضوع على جانب رأسه كان الرجال قد تحركوا بسرعة وقيدوه ليصرخ بهم ان يتركوه... مرت اللحظات عصيبة على الجميع، نزار يصرخ بهم ان يتركوه وذلك الرجل ما زال قابضا على شعر نغم وهو يحاول اجبارها على التحدث عن علاقتها بهذا الشاب...
لحظات قليلة وتفاجئوا بالشرطة تقتحم المكان، والذي يبدو انها كانت تراقب ما يحدث منذ بداية الحدث، سيطرت الشرطة على المكان والقوا القبض على خطيب نغم وجميع الرجال الذين معه والذين استسلموا فورا دون ادنى مقاومة منهم... تقدم نزار بسرعة ناحية نغم وحررها من تلك الحبال التي تقيد جسدها، نهضت نغم بسرعة من فوق الكرسي وضمته بشكل فاجأه للغاية ورغما عنه بادلها ضمتها...
ابتعدا عن بعضهما حينما وجدا الضابط يتنحنح بحرج... قال الضابط بجدية: يجب ان تأتيا معنا لتسجلا افادتكما بخصوص ما حدث... تسائل نزار باستغراب: لكن كيف عرفتم انهم هنا...؟ وكيف جئتم في الوقت المناسب وقبضتم عليه...؟ رد الضابط مجيبا على تساؤلاته: الانسة نغم هي من ساعدتنا... التفت نزار الى نغم متعجبا مما قاله الضابط فهو لم يكن يعلم ان لديا اتصال بالشرطة بينما قالا نغم موضحة:.
في تلك الليلة التي جئت بها اليك، كنت قد ذهبت مسبقا الى الشرطة، طلبت منهم المساعدة، واعطيتهم ملفات تخص هذا الحقير تثبت تورطه في العديد من الجرائم، حينها طلب مني الضابط ان اساعده في خطته للقبض عليه... قاطعها الضابط مكملا:.
وكان مجيء الانسة نغم الى هنا من ضمن الخطة ايضا، كما أننا من اخبرنا الرجل بمكان نغم، وضعنا كمين له دون ان يشعر، وقد ساعدنا احد رجاله المقربين في هذا، حتى استسلام رجاله كان بتوصية من الرجل الذي ساعدنا بعد ان وعدناهم بتخفيف العقوبات عليهم... تطلع نزار الى نغم باستنكار شديد فهو لا يصدق ان مجيئها اليه كان من ضمن خطة وضعتها الشرطة... وما ضايقه اكثر انها لم تثق به وتخبره بهذه الخطة...
شعرت نغم بضيقه مما سمعه فاخفضت رأسها خجلا بينما قال الضابط بتحذير: لكن كما سمعتي من قبل يا انسة، انت لا يجب ان تبقي في البلد هنا، هذا الرجل له العديد من الانصار والشركاء وبالتاكيد لن يمرروا ما حدث على خير... قال نزار بتوجس وخيفة: هل من الممكن ان يؤذوها...؟! اومأ الضابط برأسه واردف: بالطبع، لذا يجب ان تترك البلد هنا باقرب وقت... ولكنني لا اعرف احد خارج هذا البلد... قاطعها نزار بسرعة:.
تعالي معي، نعود الى البلاد... تطلعت اليه نغم بحيرة ليقول الضابط بسرعة: لا يوجد وقت للتفكير انسة نغم، قدما افادتكما وسافرا فورا... ولكن كيف سأسافر معك وانا لا اعرف احدا هناك...؟! اجابها نزار محاولا فض حيرتها: انا معك واهلي هناك ايضا، سوف تتعرفين عليهم و... قاطعته بارتباك: وسوف تعرفني عليهم بصفتي من...؟! ماذا ستخبرهم عني...؟! ليرد نزار عليها ببساطة: صديقتي... قالت نغم بضيق:.
انت تعرف العادات في بلدنا، كيف بالله عليك تخبرهم بأني صديقتك...؟! ماذا سيقولون عني...؟! هز نزار رأسه بحيرة لتقول نغم بعد تردد: هناك حل واحد يجعلني اذهب معك... فيسألها نزار بسرعة: ما هو...؟! لتجييه بسرعة لا تعرف من اين جلبتها: زوجتك، ان اصبح زوجتك...
رواية زوجتي المنبوذة للكاتبة سارة علي الفصل الثاني عشر
بعد مرور اسبوعين استيقظت نوران من نومها لتجد الفراش خالي بجانبها، لقد اعتادت طوال الاسبوعين الماضيين ان تنام بين احضان تميم، وتستيقظ قبله، لكن اليوم يبدو انها تأخرت بالنوم واستيقظت بعده... نهضت من فوق سريرها وعدلت من بيجامتها قبل ان تدلف الى الحمام لتأخذ حمام سريع... العلاقة بينها وبين تميم باتت رائعة للغاية، طوال الاسبوعين الماضيين بدئا يتعرفا على بعضيهما...
عرفت الكثير من الاشياء عنه، طباعه، ما يحبه، وما يكرهه، وفهمت بعض ما حدث في الماضي... هو ايضا تعرف عليها عن قرب، احب شخصيتها اكثر وتلك التفاصيل الناقصة والتي لم يعرفها في بادئ الامر... كل شيء كان يسير معهما بشكل رائع، يتصرفان طوال اليوم كزوجين حقيقيين وفي اخر الليل ينامان وهما يحتضنان بعضيهما كأي زوجين يعيشان حياة طبيعية... خرجت نوران من الحمام وهي تلف شعرها بمنشفة وكذلك جسدها...
خلعت المنشفة من فوق شعرها واخذت تجففه بالسشوار ثم سرحته، خلعت بعدها المنشفة التي تحيط بجسدها وارتدت فستان صيفي قصير اخضر اللون لاق بشدة عليها وخصوصا على عينيها ذات اللون الاخضر... خرجت من الغرفة بحماس شديد فاليوم اجازة وتميم سوف يكون موجود بالتاكيد، سوف يقضي اليوم معها بطوله... هبطت على درجات السلم بسرعة واتجهت الى غرفة مكتبه فوجدتها خالية...
عقدت حاجبيها بتعجب فهو غالبا ما يقضي وقته فيها، اتجهت الى المطبخ فوجدت الخادمة هناك تعد طعام الافطار، سألتها عن تميم فأجابتها بانه خرج منذ قليل بعد ان جاءه اتصال من احدهم دون حتى ان يتناول فطوره... ازداد قلق نوران اضعافا فما السبب الذي جعل تميم يخرج بسرعة من المنزل ومن يكون الشخص الذي اتصل به وخرج بسرعة لاجله...
في هذه الاثناء رن هاتفها بنغمة تدل على وصول رسالة، فتحت الرسالة فورا والتي كانت من رقم غريب غير مسجل على هاتفها لتتسع عيناها بصدمة مما قرأته: زوجك يخونك مع اخرى، واذا اردت التأكد فهذا عنوان الشقة التي يلتقيان بها...
دلف تميم الى شقة دينا والتي اغلقت الباب خلفه ثم سارت وراءه متجهة نحو صالة الجلوس... التفت تميم إليها ليسألها بضيق ظهر واضحا في صوته وملامح وجهه: خير يا دينا، ماذا تريدين مني في هذا الوقت المبكر جدا...؟! اجابته دينا بسخرية: وهل يجب ان اكون اريد شيء لأرى زوجي العزيز... زفر انفاسه بضيق قبل ان يسألها بنفاذ صبر: بالله عليك تحدثي واخبريني، ماذا هناك..؟! تسائلت دينا بصوت حزين:.
هل ما زلت تتذكر بأني زوجتك يا تميم أم نسيت...؟! رد تميم بصوت غاضب عالي: ما هذا الهراء...؟ هل جلبتني الى هنا بهذا الوقت المبكر لتسأليني سؤال سخيف كهذا...؟! قالت دينا بصياح ودموع هطلت من وجنتيها لا اراديا: لأنه يبدو انك نسيت هذا، اسبوعين كاملين لا اراك فيهما الا لدقائق معدودة، دقائق وتذهب عائدا إليها، تتركني لوحدى في هذه الشقة الواسعة دون ان تسأل عني حتى، دون ان تخاف علي...
صمتت للحظات قبل ان تكمل بمرارة: انت حتى لم تلمسني الى الان، وحينما احاول الاقتراب منك تنهض بسرعة كمثل الذي لسعته حشرة فيهرب منها... شعر تميم بالشفقة من اجلها فيبدو انه ظلمها كثيرا دون ان ينتبه... دينا انا لا اعرف ماذا اقول حقا، ولكن... قاطعته وهي تمسح دموعها:.
لا تقل شيئا، انا فقط اريد معرفة شيء واحد فقط، لماذا تزوجتني...؟ ولا تكذب علي وتقول بأنك تزوجتني لتحبني، انا لست غبية واعرف انك لم تعد تحبني منذ وقت طويل... شعر تميم بالحيرة ولم يعرف بماذا يجيبها، هل يخبرها بأن زواجه منها زواجه مصلحة، تزوجها لأجل أسهم الشركة التي يرغب في الحصول عليها؟!، أم يخترع سبب اخر...؟! قالت دينا بتهكم: هل الجواب يحتاج هذا الوقت الكبير من التفكير...؟! سأخبرك انا اذا بالجواب...
اخذت نفست عميقا قبل ان تقول: انت تزوجتني من اجل الحصول على اسهم الشركة، التي حلمت طويلا بأن تتملكها وتصبح باسمك... سيطر الذهول على تميم الذي سألها بعدم تصديق: كيف عرفت..؟! لتجيبه ببساطة: عرفت منذ اول يوم... ولماذا وافقت...؟! اجابته بحسرة جلية: لأنني ظننت انك ما زلت تحبني، ظننت أن بمقدوري ان استعيد حبك... انا اسف دينا، لم اكن اريد ان اخذلك... لماذا...؟ هل أحببتها...؟! سألته بالم ليرد بحيرة واضحة:.
كلا، او بالاحرى لا اعرف... منحته إبتسامة مريرة قبل ان تقول: بلى أحببتها، ونسيتني... دينا ماذا افعل لك، كيف بإمكاني ان أريحك...؟! تساؤله كان صادقا فهو مستعد ان يفعل اي شيء ليريح قلبها الذي انكسر على يده... اغمضت عيناها للحظات قبل ان تقول بألم: فقط ارحل، ارحل واتركني لوحدي... هز تميم رأسه متفهما وقد شعر بحاجتها للبقاء لوحدها فخرج من الشقة...
انهارت دينا باكية وقد سيطر اليأس والوجع عليها، جذب انتباهها كأس زجاجي موضوع على الطاولة حملته ورمته ارضا ليتحطم الى قطع حملت احداهما ووضعتها على رسغها واغمضت عيناها مستسلمة لنهاية اختارتها بذاتها...
كان يركض بسرعى داخل رواق المستشفى بعدما جاءه اتصال يخبره بأن دينا في صالة العمليات بعدما حاولت الانتحار... وصل اخيرا الى مكان الصالة ليجد الطبيب يخرج من غرفة العمليات فيسأله بسرعة: كيف حالها...؟! هز الطبيب رأسه بأسف شديد: وضعها خطر للغاية، لا اظن انها ستفيق منها... هب تميم في الطبيب بغضب: ماذا تقول انت..؟ افعل اي شيء، تصرف، يجب ان تنقذها... حاول الطبيب امتصاص غضبه فقال:.
صدقني فعلنا كل ما بوسعنا، لكن الحالة وصلت متأخرة، على العموم كل شيء من الممكن ان يحدث، قد يحدث الله معجزة وينقذها من الموت... جلس تميم على احد الكراسي الموجوده في المرر بانهيار بينما تطلع الطبيب اليه باسف شديد قبل ان يتركه ويتجه الى مكتبه... وضع تميم رأسه بين كفيه وقد سيطر الشعور بالذنب عليه، ماذا سيفعل اذا ماتت دينا...؟! كيف سيتحمل ذنب كهذا طوال عمره...؟!
شعر بشخص ما يقف قبالته ليرفع بصره ناحية الشخص فيجد نوران امامه تسأله بنبرة حزينة: ماذا قال الطبيب...؟! الا انه لم ينتبه لسؤالها بل نهض من مكانه وسألها بذهول: ماذا تفعلين هنا يا نوران...؟! لتجيبه بابتسامة مريرة: انا من جلبتها الى هنا يا تميم، بعدما علمت بكل شيء... اتسعت عينا تميم بصدمة ليسألها برعب من ان تكون عرفت بحقيقة زواجه من دينا: ماذا عرفت..؟! اجابته بألم طغى عليها:.
لقد اخبرتني دينا بكل شيء قبل ان تفقد وعيها... وجملتها كانت بمثابة صفعة قويه جعلته يفيق من كل شيء، لقد فهم الان وفي هذه اللحظة انه خسر كل شيء، نوران ودينا، وماذا سيخسر ايضا...؟! همت نوراه بالتحرك مبتعدة عنه الا انه قبض على ذراعها قائلا بنبرة متوسلةمحاولا منعها: نوران لا تذهبي، ابقي بجانبي من فضلك، لا تتركيني لوحدي... حررت ذراعها من قبضته بقوة فاجئته وقالت من بين دموعها:.
اتركني وشأني بالله عليك، لا تطلب مني ما هو فوق مقدرتي... ثم رحلت وتركته وحيدا يصارع الوقت يناجي ربه ان ينقذ دينا فهو لن يتحمل ان يشيل ذنبها طوال حياته، لن يتحمل ابدا...
دلفت نوران الى منزل والدتها وهي تحمل حقيبة ملابسها معها... ضمتها والدتها اليها بسرعة وقالت: واخيرا فعلتيها يا نوران، كان يجب ان تفعليها منذ اول يوم... ثم تطلعت الى ملامح وجهها الباكية فسألتها بقلق شديد: . ماذا حدث يا حبيبتي...؟! لماذا تبكين...؟! ماذا فعل بك هذا الحقير...؟! انهارت نوران بين احضان والدتها وبكت بعنف، اخذت والدتها تربت على كتفها وهي تقول بنبرة أجشة:.
بعيد الشر عنك حبيبتي، لماذا تبكين يا روحي...؟ لا تخيفينني بالله عليك.. ابتعدت نوران من احضانها وقالت بنبرة متعبة: تعبت يا امي، تعبت كثيرا، لم يعد بمقدوري التحمل اكثر من هذا.. احتضنتها والدتها مرة اخرى ثم رفعت عيناها الى الاعلى وهي تدعو بصوت عالي: ليلعنكما الله يا تميم ونزار، ليذيقكما الالم والوجع، ماذا فعلتما بأبنتي...؟! ازداد شهقاتها اضعافا ما ان ذكرت والدتها اسميهما...
ظلت على هذا الحال لفترة ليست بقصيرة قبل ان تنهض من مكانها وتمسح دموعها قائلة بصوتها المبحوح: سوف اذهب الى غرفتي لأنام قليلا... هزت رأسها متفهمة وقالت: حسنا حبيبتي، نامي وارتاحي قليلا بينما اعد لك طعام الغداء... ذهبت نوران الى غرفتها بينما رفعت والدتها يديها الى السماء وقالت: ليكن الله بعونك يا نوران، ليكن الله بعونك يا ابنتي...
رواية زوجتي المنبوذة للكاتبة سارة علي الفصل الثالث عشر
وقف تميم امام دينا الممددة على السرير الابيض في غرفة العناية المشددة... لقد سمح الطبيب له ان يراها ويتحدث معها لدقائق معدودة... انحنى بجانبها ومسك يدها شاعرا ببرودتها، ربت بيده الاخرى على خصلات شعرها... قرب وجهه من وجهها وقال هامسا باسمها: دينا... انهمرت دموعه لا اراديا ما ان نطق باسمها، لا يصدق ان دينا الممدة هنا بلا حول او قوة هي نفسها دينا التي كانت تشع نشاطا وحيوية...
لقد قتلها هو بحقارته معها... سامحيني... هتفها بنبرة خافتة وكأنه يستحي ان يطلب السماح منها بينما دموعه مستمرة في الانهمار... اكمل بعد لحظات وقد نجح في السيطرة على دموعه: بالله عليك لا تذهبي، لا تفعليها، لا تجعلينني اخسرك واعيش ما تبقى من عمري في عذاب، انا مستعد ان افعل لك ما تريدين، اعدك بهذا، فقط افيقي، افيقي من اجلي...
ظل يتحدث معها ويتوسل اياها ان تفيق، لحظات قليلة ودلفت الممرضة الى الداخل تطلب منه ان يخرج من العناية المركزة... فعل تميم ما قالته وخرج من المكان ثم خلع ملابس التعقيم الذي كان يرتديها واعطاها للمرضة، قرر الذهاب الى كافيتريا المشفى ليتناول كوبا من القهوة عله يقلل من هذا الصداع الذي سيطر على رأسه...
دلف تميم الى كافيتريا المشفى واتجه الى ماكينة القهوة الموجوده هناك... اخذ كوبا من القهوة وجلس على احدى الطاولات... بدأ يتناول قهوته بصمت حينما شعر بيد تربت على كتفه وصوت رجل تذكره على الفور: لا اصدق ما تراه عيني، تميم بنفسه هنا... استدار تميم وهو يهتف بصدمة: لبيد التميمي، ماذا تفعل هناك...؟! ثم نهض من مكانه واحتضنا بعضيهما بقوة... ابتعدا عن بعضيهما بينما ضربه لبيد على ظهره قائلا بعتاب:.
لولا الصدفة البحته لما كنت رأيتك، لم تفكر ولو مرة واحدة بالسؤال عني... قال تميم بخجل فهو بالفعل لم يسأل عنه منذ وقت طويل: كنت مشغول للغاية، اعذرني... ثم اردف بعتاب هو الاخر: لكنك لم تحضر حفل زفافي... رد لبيد: اقسم لك انني كنت خارج البلاد حينها... سأله تميم: ماذا تفعل هنا الان..؟! اجابه لبيد ببساطة: زوجتي تلد هنا... قال تميم بذهول: يا رجل، تتحدث ببساطة، أليس من المفترض ان تكون بجانبها الان...؟!
رد تميم بلا مبالاة: والدتي معها... ثم اردف بتساؤل: وانت ماذا تفعل هنا...؟ لا تقل لي ان زوجتك تلد ايضا... قال تميم بسخرية: نعم انها تلد بعد شهرين من زواجنا... ضرب لبيد على رأسه وقد شعر بمدى غبائه: معك حق، انا غبي فعلا... بينما قال تميم: ابنة خالتي في العناية المشددة، تعرضت لحادث... اووه يا الهي... قالها لبيد بأسف شديد بينما اردف: وكيف وضعها الان...؟! رد تميم باحتقان: للاسف وضعها خطر للغاية...
ربت لبيد على كتفه وقال: ليكن الله معها ويشفيها... في هذه الاثناء رن هاتف لبيد فاجاب عليه بسرعة ليأتيه صوت والدته الغاضب: ايها البارد، اين انت...؟ لقد انجبت زوجتك... ماذا انجبت...؟ بسرعة، اخبريني... قالها لبيد بلهفة ليقفز من مكانه وهو يسمع الاجابة ويررد بصياح: صبي، انجبت صبي، الحمد لله يارب، انه ثاني صبي ارزق به بارك تميم له ليشكره لبيد ويذهب بسرعة الى زوجته على وعد في ان يلتقيا في ظروف اخرى...
ذهب تميم بدوره عائدا مرة اخرى الى غرفة العناية المشددة ليجد الممرضة تخرج راكضة من غرفة العناية المركزة وهي تصيح على الطبيب: لقد توقف قلب المريضة...
انتهت والدة نوران من اعداد طعام الغداء، همت بالذهاب الى غرفة نوران لتوقظها فوجدتها في وجهها وهي ترتدي ملابس الخروج... لقد حان وقت الغداء، إلى اين تذهبين الان...؟! اجابتها نوران بجدية: . سوف اذهب الى بيت عمي، اريده في موضوع هام... أجلي ذهابك الان، وتعالي معي لتتناولي الطعام... الا ان نوران قالت باصرار: كلا يجب ان اذهب الان... ولكن تناولي طعامك على الاقل... قالت نوران: عندما اعود سوف اتناول طعامي...
ثم خرجت بسرعة متجهة الى منزل عمها... وصلت نوران اليه بعد حوالي ثلث ساعة... هبطت من سيارة الاجرة واتجهت الى الداخل، فتحت الخادمة لها الباب واخبرتها ان الجميع في صالة الجلوس، اتجهت الى صالة الجلوس لتسمع صوت احاديث وضحكات تنبع من الداخل وصوت مميز تعرفه جيدا، دلفت الى الداخل لتجد الجميع مجتمع، عمها وزوجته، نزار و نغم، ليلى واياد...
جحظت عيناها بصدمة ما ان رأت نزار امامها ويبدو في اوج سعادته بينما اختفت الابتسامة من فوق شفتي نزار والذي نهض من مكانه قائلا بعدم تصديق: نوران..
وقفت تطالعهم بثبات تام لا تعرف من أين اتاها قبل ان ترسم ابتسامة باردة على شفتيها وتقول بتهكم: مساء الخير، يبدو أنني قطعت عليكم جمعتكم الجميلة... نهض عمها من مكانه وقال بسرعة: نوران ابنتي... الا ان نوران لم تسمح لها بالتكملة بل قاطعته بسخرية: كنت على الاقل دعوتنا يا عمي لنشارككم جمعتكم الجميلة هذه... نوران ابنتي دعيني اشرح لك... قاطعته مرة اخرى بنبرة عالية وقد فشلت هذه المرة في الحفاظ على ثباتها:.
ماذا ستشرح لي...؟ ان ابنك المصون قد عاد الى الوطن اخيرا لتستقبله انت بين احضانك... نوران من فضلك دعي والدي يشرح لك... كانت المتحدثه هذه المرة هي ليلى التي رمتها نوران للحظة بنظرة معاتبة سرعان ما تحولت الى اخرى غاضبة: انت اخر من يتحدث، لقد عددتك اختا لي، ولكن يا للاسف... لم يتحمل نزار سماع كلمات اكثر فقال بسرعة: دعي حديثك معي انا يا نوران، انا المذنب، هم لا علاقة لهم بأي شيء...
كانت نغم تجهل ما يحدث فهي لا علم لها بأي شيء... لم تعرف سبب هذا الجدال ولا توجد كلمة واحدة توضح ما يجري... اياد الاخر التزم الصمت فما حدث كان مشكلة عائلية بحته وهو لا يريد التدخل بها.. التفتت نوران ناحية نزار بنظرات يملؤها الكره والحقد والالم والعتاب، جميع هذه المشاعر اختلطت في نظراتها... تحدثت اخيرا بنبرة كارهة غاضبة: انت اخر من يتحدث هنا، يا ابن عمي المصون... تقدم نزار ناحيتها ووقف امامها قائلا:.
ها انا امامك، افعلي بي ما تشائين... فجأة اخذت نوران تقهقه، تضحك عاليا وكأنها اصيبت بالجنون، ظلت تضحك للحظات تحت انظارهم المندهشة قبل ان تتوقف عن الضحك اخيرا وتقول بعينين مدمعتين وملامح منكسرة: افعل، ماذا سأفعل...؟ هل اقتلك...؟! حتى قتلك لن يشفي غليلي... اخفض نزار عينيه بخجل فهو لم يستطع النظر في وجهها اكثر بينما اردفت نوران:.
انت حتى لا تملك ضميرا قد يؤنبك حينما تتذكر ما فعلته، لكن هذا المتوقع، فماذا سأرجو من شخص حقير و نذل مثلك...؟! نقلت نغم عينيها بين نزار المخفض رأسه ارضا ونوران التي ترميه بنظرات مليئة بالكره والاشمئزاز... ادارت نوران بصرها في ارجاء المكان تطالع جميع الموجودين بنظرات محتقرة قبل ان تقول: هذه اخر مرة اراكم فيها، فأنا لن يشرفني الانتماء الى عائلة مثلكم...
ثم تحركت خارج المكان بينما وضع العم يده على قلبه بعدما شعر بنغزات قوية في صدره، اقتربت منه ليلى وسألته بقلق: بابا، هل انت بخير..؟! الا انه لم يستطع جوابها حيث انبطح ارضا وفقد وعيه...