رواية تعويذة عشق للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس والعشرون
كاد القلب يهجر مكانه هلعًا على تلك الحبيبة التي كادت تبكي وقد احمرت وجنتاها، بينما كان شريف يحك رأسه بطريقة لم تفك لغزها عند شذى التي كانت تراقبه بصدمة... ولكنها شفافة في عيني حنين وحمزة الذي لمع بهما الإنتقام علنًا...! وجدوا شريف يهتف مسرعًا وهو يبتلع ريقه: -أسف يا حنين بس أنتِ استفزتيني وانا دماغي مصدعة اوي هتتفرتك.
ومع نهاية كلمته كان إنطلاق صاروخ الغضب والجنون عند حمزة الذي هجم عليه يكيل له اللكمات وهو يصرخ فيه بحدة عالية: -نعم يا روح امك! بتمد أيدك عليها بتاع أية يابن ال* وشذى لم تنطق بحرف واحد لتنادي على الحرس، وكأن زواجها من حمزة ضمن لها مصلحتها المرغوبة فلم تعد تتدخل بثوران... كاللهيب الذي اطفأوه اتقائنًا لنيرانه الملتهبة! حاول شريف النهوض أكثر من مرة ولكنه فشل، فمد يده بصعوبة عند ظهره ليخرج سلاحه..
صوبه نحو حمزة، وكتمت حنين الشهقة بصعوبة من الدوي! بينما أخذ حمزة يقترب منه دون اهتمام مرددًا: -مستني أية يا جبان؟ أضرب، أضرب يابن عمي! وعند ذكر سيرة القرابة التي دُفنت بأتربة العداوة، تهفو الأنسانية معلنة وجودها المتخفي! رمى السلاح ارضًا وركض نحو الخارج يكاد يصرخ من الألم الذي كاد يفتك برأسه للتو.. بينما تبعته شذى التي كانت تناديه بقلق: -شرييييف، شريف أستنى لو سمحت.
بينما أسرع حمزة يقترب من حنين الصامتة ليحيط وجهها بيداه هامسًا بوله: -أنتِ كويسة؟ نفضت يداه عنها بقوة، لتعود للخلف وهي تهتف بخشونة: -ملكش دعوة بيا، كويسة مش كويسة حاجة ماتخصكش إتسعت حدقتاه من رد الفعل، ولكنه كان متوقع! تمامًا كأنك ترى النيران من بعيد، ولكن عندما تمسها تصرخ هلعًا من هول المفاجأة...! تنهد بقوة قبل أن يخبرها بإيجاز: -حنين، مش وقت زعل دلوقتي، هبقى أفهمك كل حاجة في وقت تاني.
هزت رأسها نفيًا بحدة: -تفهمني أية؟ تفهمني إنك ما صدقت وإتجوزت السنيوره عشان تقول هددتني بالهيروين وأنت مفروض ياعيني مدمن صح؟! هز رأسه نفيًا بسرعة، ثم إلتفت حوله مسرعًا، وبسرعة البرق كان يجذبها له من ذراعها بقوة حتى اصطدمت بصدره العريض، ليهمس وهو يزيح خصلة شاردة عن وجنتاها:.
-والله العظيم ما في واحدة غيرك تملى عيني، ولا حتى بطيق شذى دي، انما فعلاً كانت هتشك، اصل مفيش مدمن بيكون بايع القضية اوي كدة يا حنيني! ثم ضربها على رأسها برفق متابعًا: -عيب عليكِ اما تشكي فيا يا ام الواد تخصرت بدلال مرددة: -أصلي بغييير اوي يابو الواد! وضع يده على خلفية رأسها يجذبها له، وبحرارة لفحت حروفه كان يستطرد: -لولا الظروف، كنت أثبتلك كلامي حالاً يا روحي.
ابتسامة حنونة شقت عبوس وجهها المُكهرب، لتدفعه برفق وهي ترد: -طب اوعى بقا عشان كدة هنتمسك متلبسين يا قليل الادب..! وفجأة قالت بجدية حازمة: -اول ما ننزل مصر تكون طلقتها! اه، انا زي الفريك مابحبش شريك اقترب منها للحظة يهمس مشاكسًا: -حنيني هو أنا قولتلك قبل كدة إن الحمل مخليكي زي القمر؟! اقتربت هي الاخرى لتكمل بنفس النبرة: -حمزاوي هو انا قولتلك قبل كدة إنك هتودينا ف ستين داهية! حمل أية يا حمزة يخربيتك اسكت.
ضحك بمرح حقيقي، وبالفعل، نحن من نخلق السعادة أو نكممها، وليست هي من تخلق منا كائن! اقتربت منه ببطئ، حتى إلتصقت به، ومدت يدها تحيطه من الخلف، ليهز رأسه نافيًا بخبث: -تؤ تؤ، عيب كدة يا حنيني لو دخلوا علينا يقولوا أية؟! مش طايقين بُعد بعض! أنتشلت هي الحقنه من جيبه الخلفي بسرعة، لتلوح له قائلة بحرج حانق: -بطل قلة ادب يا حمزة، انا باخد دي، اصل طالما هددتك يبقى البديهي ادتك حقنه تاني.
ابتسمت ببشاشة، ولم تمر دقائق حتى وجدوا شريف يدلف وشذى تركض نحو حمزة مرة اخرى تتعلق بذراعه هامسة: -حمزة لو سمحت تعالى معايا عايزاك جوه اومأ موافقًا والشك يتعالى داخله، وبالفعل دلف معها.. بينما تنهد شريف وهو يقول لحنين: -حنين هاتي كوباية القهوة هتلاقي زمان الواد عملها فالمطبخ.
اومأت موافقة ثم توجهت نحو المطبخ، امسكت بالكوب الموضوع، لتخرج الحقنه بسرعة وتضعها كاملة في الكوب، وتقلبه بسرعة لتخرج عائدة مرة اخرى! وجدت شريف يحك رأسه وهو يغمغم بصوت شبه هيستيري: -انا تعبت، الصداع هيموتني، مابقتش بقعد يوم كامل من غير صداع ومش بيروح الا لما اشرب القهوة، وكأنها بقت ادمان...! لم يلحظ تلك الأبتسامة الساخرة التي ملأت شدقي حنين وهي تمد يدها له بالكوب قائلة:.
-طب خد يا شريف، وحاول تنام يمكن إرهاق اخذ منها الكوب، ليشربه كاملاً مرة واحدة! ثم وضعه على المنضدة، وقال بثبات جامد صدمها: -أحنا هننزل مصر بكره الصبح!
هل رأيت يومًا ميت يُسلب منه الحياة مرة اخرى..؟! ربما دمية، او حتى مجرد جسد هالك... ولكنه لم يكن ابدًا إنسان طبيعي يضخ قلبه او يتناغم عقله... الصدمة كانت زريعة، والحصون لم تكن منيعة، وسقط هو فاقدًا تلك الحياة الشنيعة! إرتجف قلبه متلاطمًا بين جوانب تلك الصدمة وهو يرى سيلين تقرأ معهم بالفعل... لوهله شعر أنها تقرأ مترحمة على روحه التي كادت تُذبح!
لم يشعر بنفسه سوى وهو يصرخ بجنون في سيلين التي هبت منتصبة فزعًا: -أنتِ بتعملي أية! أنتِ مجنونة ولا أيييية؟ حاولت لململة شتات نفسها المبعثرة من عاصفة غضبه المفاجئة، لترد بحنق: -لا انا مش مجنونة، المجنون اللي بيدخل على الناس يصرخ فجأة كدة! نظر لوالدتها يهتف بخشونة مغتاظة: -وأنتِ ازاي توافقيها يا مامتها ياللي مفروض بتعقليها؟! أزاي تقروا فاتحة وحتى عدتها لسة مخلصتش نهضت والدتها لتجيب بحدة حازمة:.
-أنت مش هتقرر حياتها حتى بعد ما سبتها، وإن كان على كام شهر العدة فهما خطوبة وبعد كدة الجواز ان شاء الله جذب سيلين من ذراعها فجأة لتصطدم به وهو يكمل مزمجرًا وقد إختلطت السخرية بنبرته: -أنتِ ماقولتيلهمش إن العدة هتطول ولا أية يا عروسة؟ ماقولتيلهمش إن العدة 9 شهور! معقول خبيتي عليهم إنك حامل؟! شهق الجميع ومن ضمنهم عمها الذي نهض يتابع بجمود: -حامل ومقولتيش يابنت اخويا! بتصغريني ادام الناس.
بينما أعلن العريس وأهله أنسحابهم الصامت متعجبين من كم التناثر بين تلك العائلة...! و كانت سيلين تعض على شفتاها حنقًا، روحها تود لو تعانق الموت في تلك اللحظات! وفجأة فتحت عيناها لتضربه بقبضتيها على صدره صارخة فيه بهيستيرية: -أنت جاي هنا لية؟! عايز أية تاني، بتخرب حياتي وأنت فيها وحتى بعد ما خرجت منها أمسك يداها بقبضته، ليتشدق بجدية ب: -حتى لو خرجت منها، اللي ف بطنك هيرجعني تاني، دا مش بمزاجك.
كادت الدموع تنهمر من بين مقلتيها، شعورها في تلك اللحظات كان كفروع الشجر حين يزهو بعيدًا عن العواصف، لتهب عاصفة رعدية فجأةً تُسقط ما كاد يكتمل بلحظات...! بينما أكمل مُهاب بصوت أقل خفوتًا: -أنا عرفت الحقيقة، وجيت، جيت عشان هنكتب الكتاب تاني النهارده يا سيلين زمجرت فجأة بإنتفاضة من بين تلك الدوامة المعتصرة: -تبقى بتحلم، أنا مش تحت أمرك ترميني وقت ما تحب وترجعني كمان وقت ما تحب!
تدخلت والدتها مؤيدة لها ايضًا بصلابة: -استاذ مهاب، متشكرين للمعلومة الي ضفتها وأنا هحاسب بنتي عليها، دلوقتي أتفضل وقتنا معاك خلص...! هز رأسه نفيًا، وبدا متشبثًا بأخر خيط لم يسحبه القهر علنًا وهو يخبرها مؤكدًا: -أنا مش همشي من هنا من غير مراتي، والا خليني كدة انا ماورايش حاجة ثم اقترب من سيلين يهمس بصوت تناغم كبحة مٌخصصة: -عايز أتكلم معاكِ على أنفراد يا سيلين، لو سمحتي صدح صوت عمها فجأة يأمرها:.
-اطلعي اوضتك اتكلمي مع جوزك يا سيلين صارت تزمجر كمخالب القطة التي لم تكمب انتماؤها للحدة بعد: -جوزي! جوزي الي رماني بره بيته من غير هدوم الا بُرنس الحمام، لولا ستر ربنا والشغالة! لا استحالة يكون جوزي، دا مجرد غلطة في حياتي واديني بحاول اصلحها وانتم الي بتمنعوني سحبها من يدها فجأة وقد حصل على إذن السماح، وكانت كلماتها تترد داخلها كصفعات متتالية لرجولته قبل أن تكون لقلبه دون ان يشهر...!
دلف الي غرفتها ليجذبها ويغلق الباب بالمفتاح خلفها، بينما كانت هي تتنهد بصوت مسموع إلي أن قالت بحدة: -عايز أية يا مُهاب؟ ظهرت ف حياتي تاني ليييييية! اقترب منها بهدوء ثابت وهو يخبرها: -عايزك..! لاحت السخرية أفق جوارحها، لتعقد ذراعيها ببرود متمتمة: -سوري، كان زمان وخلص، أنا مابقتش عايزاك ولا طايقاك ثم عادت تنظر له بقسوة وهي تستطرد: -ولولا الحُرمانيه وخوفي من ربنا كان زماني نزلت الي ف بطني!
وضع يده على شفتاها فجأة يُسكتها عن تلك الحماقات التي تُجرح فيه كسطوة سنون حادة، ليهمس بعدها: -أنا افتكرت كل حاجة يا سيلين، كل حاجة! للحظة كادت ترتمي بين أحضانه مُهللة، ولكن حرارة البكاء منعتها فقالت بكبرياء: -مبروك، برضه أية المطلوب مني؟! رفع كفه يحيط وجنتاها، ثم همس بنبرة ذات مغزى: -سيلين أنا عايزك بجد، أنا مش بكرهك او ما صدقت تخرجي من حياتي، بس الي حصل غصب عني.
أبعدت يده عنها بقوة لتتابع في سخرية مريرة: -هو أنت حتى كنت ادتني فرصة أدافع عن نفسي، ياخي أنت لو كنت بتعامل كافرة كان زمانك عاملتها افضل من كدة -أنا أسف، سامحيني بس ماحستش بنفسي بعد ما شوفته بيقرب منك بالطريقة دي! قالها بنبرة تزعمها الندم والأسف، فقابلتها هي بالجمود والحدة وهي تخبره: -لو خلصت كلامك ياريت تفتح الباب عشان عايزة أنزل مش فاضيه...! وجد نفسه يمسكها بعنف من ذراعها مرددًا:.
-أنتِ مش هتخرجي من الاوضة دي الا لما نكتب الكتاب، أنتِ مش هتكوني لراجل غيري يا سيلين ولو على موتي! دفعته بقوة متابعة بسماجة: -موووووت يا مُهاب! نظرت في عيناه مباشرةً، وكجمود صخرة وسط أعالي الصحراء قالت: -أنا هكمل حياتي يا مُهاب، هعيش حياتي بالطول والعرض، هتجوز وهحب وهتحب، حتى لو وصلت اني هعيش لابني من غير راجل في حياتي اصلاً.
كان يقترب منها ببطئ وهي تعود للخلف بقلق، إلي أن حاصرها عند الحائط فابتلعت ريقها بتوتر لتجده يتحسس وجنتاها بذقنه النامية نوعًا ما ويهمس: -على فكرة، أنا بحبك! ومش مستعد أكمل من غيرك سقطت كلماته على أذنيها كالرعد فشعرت كما لو انها مُخدرة تستقبل فقط دون اي رد فعل...! لتجده يبتعد سنتيمتر واحد ليتحسس وجهها كاملاً بأبهمه وهو يتابع:.
-ومشتاقلك أوي، مش مجرد رغبة زي ما كنتي فاكرة او مجرد واحد وواحدة، إنما كواحد بيعشق واحدة ومش عايزها تبعد عن حضنه لحظة واحدة...! وصل إصبعه لشفتاها الناعمة، فصار يتحسسها ببطئ وهو يقترب بوجهه منها برفق حتى لامست شفتاه المٌشتاقة مذاق شفتاها... فانتفضت من حالة السكون التي كانت تلفها، فأسرعت تدفعه بيدها ليبتعد عنها بسرعة... فأمسك هو بيداها ليقربها منه مرة اخرى، ليهتف بصوت مضطرب من كم المشاعر المحيطة بهم:.
-المأذون هيجي، وهنكتب الكتاب، وساعتها هتصرف بحريتي بقا! أنهى جملته بغمزة خبيثة، لتكز هي على أسنانها غيظًا وهي تزمجر: -ومين قالك إني هوافق، أنا بكرهك يا مُهاب وزاد كرهي ليك بعد الي حصل! اقترب منها مرة اخرى متابعًا بنبرة ذات مغزى: -امال مش دا الي حسيته اما قربت منك لية؟! أنتِ كدابة أوي يا حبيبتي تأوهت بصوت مكتوم، وبدأت دموعها تٌغرق وجهها ألمًا لتلك الكرامة المهدورة امامه...
وضعت يدها على موضع قلبها وزادت تأوهاتها في العلو، لتسير مسرعة نحو المكتب، امسكت بعلبة الدواء لتفتحها مسرعة وتلتقط منها اثنان... فأسرع مهاب يمسك بها وهو يصرخ فيها مصدومًا: -أية الي أنتِ بتبلبعيه (بتاخديه) دا! عشان كدة مابتشكيش من قلبك؟! سقط الدواء ارضًا، لتصرخ هي فجأة بألم يوليها صرخته بأسمها قبل أن تسقط بين ذراعيه ممسكة بموضع قلبها المٌتهالك! ويأن القلب ندمًا... يا ليت الزمن يعود، ولكنه لن يعد!
دلف أسر الي المنزل، وقد أيقن أنه اهمل لارا تلك الأيام، ولكن جانب المودة لاصدقاؤوه بل اخوته يستحوذ على حياته الان! أنتفض بقلق عندما سمع صوت بكاء لارا العالي يأتي من الداخل، ليسرع راكضًا نحو الغرفة التي تقطن بها لارا.. سمع الصوت يأتي من المرحاض فركض ليفتح الباب بالمفتاح الذي يحمله دومًا.. وصعق لرؤيتها تجلس على الأرضية وقد غطت جسدها بالمنشفة فقط وشعرها المبلل يغطي وجهها، وتشهق بصوت مسموع...
هبط لمستواها بسرعة ليبعد خصلاتها عن وجهها وهو يسألها متوجسًا: -مالك يا لارا؟! مالك يا حبيبتي فيكِ أية! صار جسدها يهتز بقوة منتميًا لتلك الشهقات العميقة وهي تخبره: -خ، خالد! خالد كان هنا ياأسر! إتسعت حدقتاه فزعًا، ليحتضنها مسرعًا بينما هي تكمل بحروف متقطعة: -كنت، كنت ب بزور ماما في المستشفى، وجيت اخد دش، وآآ وفجأة سمعت صوته بيصرخ في الشقة وبينادي عليا ثم اصبحت تبكي بشكل هيستيري وهي تتشبث بلياقة قميصه:.
-كنت مرعوبة لايلاقيني يا أسر، كنت مستعدة أنتحر عشان مايحاولش يعمل الي عايز يعمله تاني! ربت على خصلاتها برقة وهو يضمها له بقوة أكثر، بينما يردد بصوت هادر متوعد: -أبن ال* هو ازاي ظهر دا أنا قلبت الدنيا عليه! ضمت نفسها له اكثر حتى باتت ملتصقة به، ثم صارت تهذي برعب: -ماتسبنيش، اوعى تسبني عشان خاطري، لو سبتني هو مش هيسبني ف حالي! أحاط وجهها بيداه ليقول بعدها في حنو: -عمري ما هسيبك، اصلاً أنا اموت لو سبتك!
وضعت اصابعها على شفتاه فجأة لتزجره بحدة: -بس حرام عليك، ماتجبش سيرة الموت امسك بأصابعها ليقبلها ببطئ مثير، ثم اقترب منها ليُقبل جبينها برقة متابعًا: -أسف يا حبيبي، أنا عارف اني انشغلت عنك الكام يوم دول، بس حمزة ف مصيبة، ومُهاب حياته هتبوظ! ثم تنهد بقوة، تنهيدة عميقة شملت في باطنها الكثير والكثير، ليردف بشرود: -حاسس اني هاتهد من كتر الحِمل دا ضربته بقبضتها الصغيرة وهي تتأفف حانقة:.
-يووه، مش قولنا ماتقعدش تقول كدة، والله بتضايقني بجد! امسك يدها فجأة، ليتخلل أصابعها برقة وهو يسألها بلهفة: -بتحبيني يا لارا؟ ردت بتلقائية: -اكيد آآ.. توقفت الكلمات بحلقها صدمةً لما صُرح به هكذا دون مقدمات... لتجده يقترب منها متساءلاً بلهفة ملحوظة: -أنتِ قولتي أية؟ أكيد أية؟ ابتلعت ريقها بتوتر، ثم ابعدته برفق لتنهض مغمغمة بحرج: -ولا حاجة، ولا حاجة يا أسر.
لاحظت لتوها أنها لا يسترها سوى تلك المنشفة القصيرة التي تُظهر من جسدها اكثر مما تخفي...! فصارت تشدها بقوة وتعود للخلف بخجل، بينما اقترب منها أسر حتى أصبح ملاصقًا لها، ليرفع يده وببطئ تسير أصابعه على رقبتها وظهرها المُعرى وهو يهمس: -أكيد أية؟! قوليها... بدا وكأنه يُناجي شيئ اخر دونها، فابتلعت هي ريقها بازدراء، وودت لو تقتل تأثير لمساته بتلك الطريقة عليها!
وصلت يداه لاخر رقبتها، فأغمضت عيناها بقوة لتعود للخلف فجأة..! وجذبها هو بسرعة من خصرها لتصطدم بصدره، ثم قال بشوق: -قوليها يا لارا، نفسي اسمعها!؟ -بحبك قالتها مغمضة العينين تهز جفنيها بتوتر ملحوظ، بينما صوت تنفسها عالٍ مسموع! وما إن انهت كلمتها حتى حملها فجأة بين ذراعيه وهو يقترب من شفتاها الحمراء: -وأنا بعشقك اقسم بالله تشبثت هي بعنقه ولكنها قالت بصوت مبحوح: -طب نزلني أنت رايح فين يا أسر..؟
غمز لها بطرف عيناه والخبث يتدفق منها ثم قال بعبث: -أنتِ مش كنتي عايزة تخلفي يا حبيبي، وأنا على أتم إستعداد...!
وصلا جميعهم أرض مصر بسلام... لم تصدق حنين عيناها وهي تهبط من الطائرة، كانت تجاور شريف طيلة الطريق وودت لو تقتله وتريح العالم منه! بينما كانت -الحربائة- الاخرى تجلس لجوار حمزة... هبطوا جميعهم من الطائرة، فالتقت عيناها بعيني حمزة الذي كان يخبرها بحديث العيون آن الآوان! نظرت لجيبها الذي يحمل هاتف شريف الذي انتشلته بصعوبة، وعقلها يُردد رقم أسر الذي املاه لها حمزة مسبقًا لتقول لشريف فجأة وكأنها تتألم:.
-شريف عايزة اروح الحمام، بطني وجعاني جدا اشار لها شريف نحو المرحاض الصغير في احدى الاركان وسط تلك الصحراء ليهتف بصوت أجش: -روحي بسرعة وهنستناكِ هنا اومأت موافقة بسرعة لتسير بخطى شبه راكضة.. دلفت الي ذاك المرحاض ثم اغلقت الباب خلفها لتخرج الهاتف وتكتب الرقم سريعًا، وضعته على اذنيها منتظرة الرد فأتاها صوت أسر الهادئ: -الووو مين؟
-أسر، انا حنين، أحنا ف مصر، مش عارفه فين بالظبط لكن احنا ف منطقة صحراوية كدة و... قاطعها الباب الذي فُتح فجأة بعنف ليدلف شريف الذي اخذ يصفق بيداه مرددًا بصوت قاسٍ ومخيف: -براڤو يا حنونه براڤو، طب كنتي سألتيني كنت مليتك العنوان كله!
رواية تعويذة عشق للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع والعشرون
كادت تُصاب بصدمة قلبية تسقطها صريعة الان...! شعرت بجسدها كله يُجمد تحت تأثير ذلك الرعب، كانت عيناها تبحث عن طوقًا للنجاة، ولكنها بدت كأنها تبحث عن مياة وسط جفاف قاحل! إنتشل منها الهاتف فجأة، ليشير لها صارخًا بعصبية: -جيتي الحمام عشان تتكلمي بتليفوني يا حنين؟ وحياة امي لاوريكي إبتلعت ريقها بتوتر، وبكل جهدها حاولت دفن ذلك الرعب وهي تخبره: -أنا ما أجرمتش يا شريف، أنا كنت بتكلم في التليفون عادي.
جذبها من ذراعها بقوة يزمجر بشراسة: -يابجاحتك يا شيخة أخرج -الشريحة- من الهاتف بأصابع شبه مرتجفة، ثم بدأ يكسرها بعنف.. اعتقادًا منه أنه يُكسر بيت الزجاج الذي بنته حنين حولها وحمزة، ولكن لم يكن بالحسبان هالة القدر الحديدية حولهم..! ثم بدأ يسحبها من ذراعها للخارج، مرددًا بتوعد: -انا هعرفك إن الله حق يا حنين الكلب وخلال دقائق معدودة من الصمت، كان عقلها يرص الحروف المرصعة بلمعة الغضب المزيف:.
-هتعمل أية أكتر من اللي عملته، هتخلي حمزة مدمن مرتين! مهو خلاص أدمن ومبقاش يفرق معايا توجهوا نحو شذى وحمزة تحديدًا الذي كان يراقب الموقف بعين الحذر.. وما إن اقتربت منه حنين حتى هزت رأسها نافية، وقد تكفلت نظراتها بأرسال معنى النفي لتتقوص ملامحه مشتدة بحنق احمر...! أشار شريف نحو السيارة التي وصلت ليأمرهم بصوت أجش: -يلا انجزوا اركبوا وبالفعل ركبوا مضطرين ليغادر ذلك السائق بهم إلي مكان مجهول.
بينما عند أسر هب منتصبًا من جوار لارا ليرتدي التيشرت الخاص به الملقي ارضًا، بينما تساءلت لارا في قلق: -في أية يا أسر حصل أية؟! كان يرتدي ملابسه بأكثر ما يعرف عن السرعة وهو يجيب: -حنين كلمتني قالتلي انهم ف مصر وف منطقة صحراوية وفجأة قفلت، عايز الحق ابلغ الظابط اومأت مسرعة ثم تنهدت وهي تهمس: -ربنا معاهم ومعاك...!
عودة للمنزل الذي قطنوا به كلاً من شذى و شريف وحمزة وحنين مؤقتًا.. كان شريف في الخارج امام احدى الغرف يسير ذهابًا وإيابًا وقد كان القلق يتأكله كالصدئ في الحديد بخصوص ما حدث... اتجه الي الغرفة التي تقطن بها شذى ليفتح الباب فجأة صارخًا بانفعال واضح:.
-كلمتي الواد يجبلنا الاوضة اللي هناخدهم فيها ف ال(، ) ولا نشوف مكان تاني يا شذى، اصل انا عارف حمزة ابن الكلب مش هيسكت كتير وهيفضحنا والبوليس هيبتدي يدور علينا -كلمته وقالي ماشي و... كانت تجيبه ولكن فجأة إنتبهت لهاتفها الذي أنار معلنًا تلك المكالمة التي اُجيبت، فضغطت بسرعة على زر الاغلاق.. لتتنهد بخوف من كون الاخرى قد سمعت ما قاله شريف!؟
من مجرد تحليق الفكرة وسط سحابات العقل كان الخوف يخبطها وسط ألغام التوتر والرعب..! نظرت لشريف تهتف بحنق ؛ -في أية يا شريف ما تبلع لسانك شوية! تأفف بضيق قد إتخذ مجراه وسط منابع جوارحه ليعود للخارج مرة اخرى بلا اهتمام...
بينما على الجهة الاخرى، ما إن أغلقت الخط بعدما سمعت ما قاله ذاك كانت تفرك أصابعها بتوتر وهي تعض على شفتاها، ثم أصبحت الأفكار تقذفها من ذلك لذاك! حتى قالت بصوت عالٍ وكأنها تُحدث نفسها: -معقول شذى وشريف خطفوا حمزة؟! ثم ظلت تردد بهذيان: -طب اعمل أية، هساعده ازاي! أروحله بيته ثم عادت مرة اخرى لتضرب رأسها وهي تتأفف مغتاظة: -لا مهو حمزة مخطوف أساساً، وأستحالة اروح لحنين دي تقتلني! أنا هبلغ البوليس أحسن.
وبالفعل أخرجت الهاتف لتتصل بالشرطة وخلال ثواني كانت ترد بجدية: -الوو بوليس النجدة، لو سمحت كنت عاوزه أبلغ عن ناس مخطوفة ف (، ) صمتت برهه ثم أجابت بلهفة: -ارجوك بسرعة عشان تلحقوه! صمتت دقيقة أخرى، وكان الرد الحاسم وهي ترد: -أنا مين! أنا فاعلة خير ثم أغلقت الخط وهي تتنفس بعمق، رغم كل الاشتباكات، رغم كل الضبابات التي احاطت علاقتها ب حمزة، إلا أن ذلك النور الذي صنعه حمزة مسبقًا لها، لم ينطفئ حتى الان!
فلاش باك قبل ذلك الوقت## في المستشفى عند مُهاب، كان امام غرفة الطبيب منتظرًا اياه، وقد كان القلق يعتصر قلبه كقبضة مميتة..! خرج الطبيب ومعه الفحوصات الخاصة ب سيلين ليسأله مُهاب مسرعاً: -طمني يا دكتور؟ تنهد الطبيب بقوة ثم أجابه على مهل:.
-مكذبش عليك يا استاذ مهاب، حالة قلبها مش كويسة خالص، هي كان لازم تعمل عملية من فترة من ساعة ما بدأ الألم يزيد، لكن هي اتجاهلته بالمسكنات المؤقتة الي كانت بتاخدها، ف دا خلى حالة القلب تتدهور! كانت الصدمات تقع على مُهاب كصفعات تركت أثرًا روحيًا عميقًا عليه.. بينما أصبحت والدتها التي اقتربت منه مع عمها عند خروج الطبيب تصرخ وقد بدأت تبكي: -اااااه يا حبيبتي، نصيبك وقدرك بينما سأله مهاب بقلق متوجسًا:.
-طب أية المفروض يحصل دلوقتي يا دكتور؟ اجابه بنبرة هادئة رسمية: -حالياً أحنا هنعملها العملية، بس أدعى يارب مانضطرش نختار ما بين الجنين والام! ثم غادر بهدوء كقنبلة تركها زريعة الصدمة، وحتمًا ستنفجر بعد قليل! نظر ل أسر الذي كان يجاوره ليهتف بصوت مبحوح نوعًا ما: -روح هات مأذون يا أسر لو سمحت، وعدي على بيت سيلين خلي الخدامة تديك بطاقة سيلين ثم نظر لعمها يقول بجدية حازمة: -أنا هرجع مراتي بعد اذنك يا عمي.
اومأ عمها بصمت وقد لطمته الصدمة هو الاخر، بينما لم تتوقف والدتها عن البكاء للحظة! وبالفعل غادر أسر متعجلاً، بينما دلف مهاب لرؤية سيلين.. وقد هاله ما رأى، كانت شاحبة توازي شحوب الموتى! وكأن الروح كانت تحت سيطرة الظروف فزُهقت ببطئ سالب...! اقترب حتى إنتبهت له فهمست بصوت يكاد يسمع: -أية الي جابك ياا مُهاب حاول زج المرح المشاكس بنبرته وهو يردف بعدما جلس على طرف الفراش:.
-في واحدة تقول كويسة تقول لجوزها اية الي جابك؟ الطبيعي ان انا اكون جمب زوجتي العزيزة في موقف زي دا! نظرت له بحدة كسكين مؤلم وهي تزجره بعنف: -قولتلك احنا مش هنرجع افهم بقا، حتى لو أنا ظلماك وأنت حقك الي عملته، أية الي هيخليك تكمل مع واحدة مريضة!؟ امسك بيداها الاثنان، وتدفقت الحرارة افق حروفه وهو يخبرها: -هو أنتِ عايزة تسمعيها كل شوية ولا أية، ماقولتلك بحبك وبعشق امك ومقدرش اكمل من غيرك.
رغم الحمرة التي زحفت لوجنتاها الا أنها قالت بجمود: -أسفة يا مُهاب، بس أنا مُصره على موقفي لم يكن منه الا ان امسك بأحد الحقن الموضوعة على المنضدة، ثم زمجر فيها: -والله لو ما وافقتي يا سيلين لاموتك واموت نفسي في نفس الوقت، احنا كدة كدة هنضيع نفسنا لو فضلنا نأوح بعض زي القط والفار وخسرنا بعض إرتجفت بخوف وهي تراه يُقرب تلك الحقنه التي لا تعلم محتواها حتى من ذراعه، وعندما لامسته الحقنه صرخت بنفاذ صبر:.
-خلاص خلاص موافقة سيب البتاعه دي اتسعت ابتسامته الخبيثة وهو يعديها لمكانها مرة اخرى، ثم عاود يتلبس قناع الجمود وهو ينظر لها!
مر كل شيئ سريعاً، كانت سيلين تتوعد له في خلدها بغل مش أنت متسربع على الجواز يا مُهاب اديني هتجوزك، بس ورحمة ابويا الي ما بحلف بيه كذب لاخليك تقول حقي برقبتي وتطلقني تاني برضه !
وبالفعل وصل أسر مع المأذون الي الغرفة، وانتهى الحُلم بجملته الشهيرة -مُبارك يابني، ربنا يهنيكم! عودة للوقت الحالي##.
كانت شاردة متسطحة على الفراش لحين موعد العملية، حتى وجدت مُهاب يتسطح لجوارها ويحتضنها من الخلف دافنًا وجهه عند رقبتها.. شهقت بعنف ثم بدأت تدفعه وهي تُردد بعصبية جادة ؛ -قوم يا مُهاب قولتلك مش طايقه قُربك هو أنت مبتفهمش لية! أحاط خصرها بالقوة، لتحوم شفتاه على رقبتها التي ظهرت برقة متناهية، ثم يهمس بصوت ذو بحة خاصة: -بحبك، مهما تعملى برضه بحبك يا سلسلة قلبي...!
بعد مرور يومان تقريباً.. كانت لارا تتلفت هنا وهناك وهي متجهة لغرفة والدتها بالمشفى، ابتلعت ريقها بتوتر ثم كادت تدلف للغرفة بالفعل ولكن فجأة داهمها ذلك الدوار مرة اخرى منذ ليلة امس ولم تستطع النطق اذ سقطت مغشية عليها امام الغرفة... ركضت بعض الممرضات نحوها ليحملونها برفق نحو احدى غرف كشف الطوارئ..! وبعد الكشف عليها جاءت طبيبة نسائية لتفحصها...
مر حوالي ساعة وبدأت تعود لوعيها تدريجيًا لتجد نفسها في احد الغرف.. استندت على الحائط وبدأت تنهض ببطئ، كادت تصل للباب ولكن فتحته الطبيبة التي دلفت تحيها بابتسامة: -ازيك دلوقتي يا مدام؟ اومأت بصمت، ثم سألتها: -هو انا مالي يا دكتورة؟! أجابت الطبيبة بجدية مبتسمة: -أنتِ حامل يا مدام، الف مبروك.
شعرت في تلك اللحظة وكأنها تطير من كم السعادة التي اخترقتها كشعاع فرح، وبدأت الابتسامة تتسع تدريجيًا وهي تتأكد من صحة سمعها... ولكن ماتت الابتسامة على شفتاها وهي ترى خالد يدلف من الباب! تبدلت السعادة بلحظات لرماد رعب حقيقي خاصة وهو يقترب منها مرددًا بشراسة: -حامل يا لارا؟ حامل من الواد اللي عايشه معاه طبعاً ثم بدأ ينظر حوله بحثًا عما يريد ولكن وقعت عيناه على الطبيبة التي كانت تراقبه متوجسة..
وفجأة امسك بالمشرط ليشير نحو الطبيبة امراً بجنون: -هاتي اي حقنه تخليها تنزل الواد صرخت فيه لارا بحدة: -أنت مجنون، حقنه أية أنا مش هاخد حقن اقترب من الطبيبة فردت برعب: -حاضر حاضر بس اهدى يا استاذ وبالفعل اسرعت الطبيبة تركض لتحضر الحقنه.. وخلال دقائق كانت إنتهت فأشارت لخالد بالموافقة فأسرع هو يُكبل لارا والطبيبة امام عيناه ثم زمجر فيها: -يلا اديهالها.
حاولت لارا التملص من بين يداه ولكن قواه كانت الاكثر والضعف، فودت الصراخ ولكن وجدته يكتم فاهها، هبطت دموعها قهرًا من ذلك الظلم الذي يلاصقها كظلها.. وشعرت بتلك الحقنه تُغرز بذراعها، وتقريباً كانت تلك نهاية الحياة بالنسبة لها!
كانت حنين تجلس بين احضان حمزة يحيطها من الخلف، في تلك الغرفة اللعينة وقد كانت ترتجف نوعًا ما، عضت على شفتاها وهي تهمس بصوت يكاد يسمع: -أنا بردانة أوي يا حمزة احتضنها أكثر وهو يحاول بثها ذلك الدفئ الذي تحتاجه، ولكنها لم تدفئ بل ظلت تتنفس بصوت عالي مرددة: -أنا تعبت، مش قادرة استحمل يا حمزة ظل يقبل جبينها وهو يبادلها الهمس الحنون والمتألم في آنٍ واحد:.
-سلامتك يا قلب حمزة، ياريتني كنت اقدر اخده منك وابرد انا وفجأة سمعوا صوت اقدام تركض نحو الغرفة، فنهضت حنين بقلق وكذلك حمزة الذي هب منتصبًا... وفجأة وجدوا الباب يُفتح فشهقت حنين مصدومة بينما قال حمزة بهمس نال نفس الصدمة: -شروق! اقتربت منهم مسرعة لتشير لهم وهي تلهث وخاصة بعدما سمعوا صوت إطلاق النيران: -يلا بسرعة مش وقت الصدمة تعالوووا...!
رواية تعويذة عشق للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والعشرون
وبالطبع كانت أي خيارات أخرى مُلغمة في تلك اللحظات فلم يكن منهم إلا أن ركضا بالفعل معها نحو الخارج.. وبدوا كأنهم يركضون في سباق الحياة، في سباق فوزه سيكسر خط الألم في حياتهم، وخسارته ستعمره حتمًا! خرجوا ليُصدموا بالشباك بين رجال الشرطة ورجال شريف! لم يكن منه الا ان سحب حنين من ذراعها لتبقى خلفه ثم ركض نحو الخارج، وفلتا بأعجوبة وكأن ذلك القدر أفسح لهم الطريق نحو النجاة ولو مرة...!
نظر لحنين وهو يلهث متساءلاً بقلق: -أنتِ كويسة يا حنين؟ اومأت موافقة بسرعة: -أيوة بس، ش شروق لسة جوة! وهذه المرة تحكم العقل في خيوط تصرفاته فعقدها بحكمة كأي رجل شرقي في نفس الحفرة..! أشار لحنين نحو الحائط ليخبرها بحزم: -روحي هناك وماتخرجيش من وراها الا اما اجيب البت دي واجي اومأت موافقة بتردد نوعًا ما دق جدرانه الخوف من الفقدان، ذلك الفقدان الذي كالوحش الكاسر ظهرت أنيابه ممزقة لملائم كل من تحب!
وبالفعل خلال دقائق خرج حمزة مع شروق ولكن ليسوا بمفردهم، بل تصاحبهم شياطين الأنس خلفهم ولكن ما أضاء الرعب الخائن هو طفيف نور تمثل في الشرطة التي تكبلهم! نظرت خلفها لتجد أسر ظهر من العدم يصرخ بفرحة شقت كل عبسٍ عقدته الظروف: -حمزاااااااوي، وحشتني يابن الكلب! ضحك حمزة وهو يحتضنه في حنو، الأشتياق الذي كان ينمو داخل كلاهما كالنبتة التي تنمو وسط ألغام متعمدة...!
بينما كانت حنين تراقبهم بفرحة لمعت بين غابات عينيها الزيتونية.. ومن دون مقدمات كان حمزة يحتضنها قاتلاً أي شعور بالعجز المانع للهفوت بدقاتها! ابعدته برفق عندما لاحظت أسر الذي مسح أنفه بمرح مرددًا: -نحن هنا! ابتسم كلاهما بحرج، وفي اللحظة التالية تقدم من الضابط الذي قال في جدية: -الحمدلله يا استاذ حمزة اننا قدرنا نوصلك، وان شاء الله ماتحتاجوناش تاني بعد كدة ابتسم حمزة هاتفًا بامتنان:.
-متشكر جدا يا حضرت الظابط، تعبنا حضرتك معاانا بينما ربت أسر على كتفه ليقول بصوت أجش: -فعلاً، مش عارف اقولك أية دا أنا قرفتك فعلاً كل شوية! ضحكا جميعهم ليتنهد الضابط مستطردًا بجدية: -استاذ حمزة لازم تيجي معانا انت والمدام عشان نقفل القضية بقا اومأ حمزة موافقًا، ولفت نظره شروق التي كانت تتابعهم في الخلف، فنظر لها شزرًا ليقول الضابط: -انسة شروق هي الي بلغت.. ثم صمت برهه ليكمل ضاحكًا:.
-كانت نفسها منعرفهاش بس نسيت اننا بوليس مش ناس بتهزر معاهم! وبالفعل اتجهوا جميعهم لقسم الشرطة غير عابئين لاعتراضات كلا من شريف وشذى الغاضبة، بعد مرور الساعات.. تم إنهاء جميع الاجراءات وانتهت بحبس كلاً من شذى وشريف على زمة التحقيق، ليغادرا من القسم.. نظر لهم أسر ليهتف بصوت مرح: -أنت رايح البيت اشوف البت الغلبانه الي هتطلقني دي ضحك حمزة وحنين بهدوء، ليتابع أسر متذكرًا بجدية:.
-صحيح ابقي كلم مُهاب عشان اتصل بيا وكان عاوز يكلمك لما عرف اومأ حمزة موافقًا بهدوء: -تمام هكلمه لما اروح اومأ اسر وقد غادر، ليحيط حمزة كتف حنين بتنهيدة عميقة متملكة وهم عائدين لمنزلهم، وصلوا إلي منزل حنين فقال حمزة بخشونة: -دي اخر ليله هنباتها هنا عشان تبقي عارفه! اومأت متنهدة باستسلام، الأنهاك حتى كان أقوى من أي نقاش شفاف عابر...
اتجهت نحو المرحاض مباشرةً، وهو الاخر توجه نحو الغرفة ليبدل ملابسه التي اتسخت.. انهى تبديل ملابسه بعد دقائق، وخرجت حنين من المرحاض مرتدية -البُرنس- وقفت امام المرآة بشرود، لا تتخيل كم التشابك بين سياط عذابها في تلك الحياة، فلم تعد تدري أيًا منهم يؤلم اكثر؟! وفجأة شعرت بحمزة يحيطها من الخلف، فأبعدته برفق متمتمة: -حمزة، أحنا لسة مرجعناش! أدارها له ثم تبسم بحنان وهو يخبرها:.
-مين قالك كدة؟! أنا رديتك وهطلع كفارة رغم اني كنت مجبر ف الطلقه دي ماتتحسبش.. اومأت متنهدة بابتسامة خافتة، لتسأله فجأة: -أية دا انت لسة مطلقتش شذى! اومأ موافقًا وتراقصت الابتسامة الخبيثة على حبال ثغره وهو يهتف متنهدًا: -اه، ماأصلي لسه بفكر مش عارف هعمل أية! تخصرت بغيظ عميق وهي تهتز مغمغمة بحنق: -نعمممم! دا أنا أقطع خبرك وخبرها قبل ما تفكر بس ضحك بخشونة وهو يحتضنها مشددًا عليها بين ذراعيه في حنان ليهمس:.
-قولتلك مستحيل أبص لواحدة وأنتِ معايا يا أم عُدي مطت شفتاها بدلال أسر خفقاته التي تزمر باسمها وشوقاً لها..! لتقول بخفوت: -تؤ تؤ، هي هتكون بنت ان شاء الله، واسمها مَليكه قبل جبينها مستطردًا بحبور: -بنت ولا ولد، أي حاجة نعمة من ربنا تنهدت وهي تبتعد لتسأله هادئة: -جعان طبعاً؟ سحبها له مرة اخرى فجأة حتى إلتصقت به ليهمس بحرارة امام شفتاها: -جداً، جعان جدا جدا جدا.
عضت على شفتاها السفلية بخجل، رغم مرور شتى أنواع الظروف، تبقى كلماته فقط من تحمل كلمة السر والتي مازالت إطراب خاص يرن بأذنيها كرعدًا يُعزز نيران الصيف...! فحاولت الابتعاد ببطئ وهي تبادله الهمس: -طب سبني بقا، عشان أشوف أيه جوه واحضره ضغط على خصرها بقوة الي حداً ما لتتأوه بصوت عالي، فردد هو ببحة تحمل عشقاً خالصًا:.
-كل يوم شوقي ليكِ بيزيد مش بيقل، أنا مش طماع في أي حاجة الا فيكِ، أنتِ الحاجة الوحيدة الي بموت عليها كل وقت اكتر من الاول! تخصبت وجنتاها بحمرة الخجل التي حَلت مظهرها أكثر، ليقترب ببطئ من شفتاها التي كانت وكأنها تحمل دعوة صريحة للتقبيل.. حتى أكتسح شفتاها في قبلة عميقة حملت ألوانًا مختلفة من الشوق والحرمان لها! بينما هي احاطت عنقه بيدها وقد بادلته قبلته بشوق مماثل...
ابتعد عنها اخيرًا بعد دقائق يلتقطا انفاسهم اللاهثة، لتهمس هي له: -هغير هدومي يا حمزة غمز لها بطرف عيناه ليرد بصوت مبحوح: -طب وتغيريها ليه لما هي اخرها هتترمي على الارض كدة! ثم اني بحب البُرنس كده، بعشق البُرنس.. ثم بدأ يُقبل رقبتها وهو يكمل همسه الذي يحمل حرارة ملحوظة: -بموت ف ام البُرنس.
ومع إنتهاء كلمته كانت يفك رابطة ذاك البُرنس ببطئ مثير حتى لامست اصابعه جسدها فاغمضت عيناها تعض على شفتاها وقد أرتعشت نوعًا ما... حتى سقط عنها، ليحيط خصرها حتى لم تعد تطول الارض ولم يقطع قبلته سوى ان ابتعد لحظة وهو يضعها على الفراش وهو فوقها، ليعيشا ليلة اخرى من اسمى واحلى الليالي المٌسجلة!
واخيرًا مرت العملية ل سيلين بنجاح، خف الحِمل عن اكتاف مُهاب الذي كان ينتظر بفارغ الصبر.. انهى حديثه مع الطبيب الذي اخبره بهدوء متفائل: -الحمدلله العملية نجحت، كدة نقدر نتطمن عليها، بس برضه تواظب على الادوية وماتنفعلش أوي تنهد بقوة قبل أن يطرق باب الغرفة بهدوء، دلف وعلى عكس ما توقع لم يجد ايًا من والدتها او عمها!
وكاد يتحدث ولكنه سمع صوت همهمات يأتي من جوار المرحاض في احد الاركان، استدار ليجدها تخبئ شيئ في ملابسها سريعاً... فاتجه لها ليسألها بهدوء متوجس: -في أية مالك يا سيلين؟ هزت رأسها نافية بصمت، ليقترب منها مكملاً تساؤله الهادئ: -مخبية أية يا سيلين؟ هزت رأسها نافية وقد خرج صوتها واهن: -مش مخبيه حاجة يا مُهاب، اوعى عايزة ارتاح وبالفعل أفسح لها الطريق، ولكن قبل أن تتخطاه انتشل منها فجأة ليجده هاتف!
تجمد مكانه للحظات قبل أن يسألها بصوت اشبه بهدوء ما قبل العاصفة ؛ -بتكلمي مين يا سيلين؟ نظرت للجهة الاخرى لتبتلع ريقها مغمغمة ببعض التوتر: -هكون بكلم مين يعني، مبكلمش حد حاول فتح ذلك الهاتف ولكن وجد -رمز سري- فتأفف بغضب حاد وهو يعيد سؤاله على مسامعها المهتزة: -قولت بتكلمي مين؟ مسح على خصلاته عدة مرات وكأنه يحاول تمالك زمام تلك النفس التي يشعر بأنيابه تخدش تماسكه،! ثم هتف بحدة:.
-انطقي يا سيلين، أنا سمعت صوتك كان واطي جلست على الفراش ثم بدأت تفرك اصابعها، الي ان قالت فجأة: -بكلم واحد، على اساس فارقه معاك؟! ما انا قايلالك انك خلاص ملكش مكان في حياتي! ضرب الحائط بقبضته عدة مرات وهو يصرخ بجنون: -كذااااابة، كذااااابة يا سيلين ثم استدار ليغادر مسرعًا من الغرفة قبل أن يرتكب جريمة سيندم عليها حتمًا فيما بعد... لتبتسم سيلين ببطئ خبيث قبل أن تهمس بصوت لا يسمعه سواها:.
-شكلك كدة اتعلمت فعلاً يا مُهاب..!
دلف أسر الي المنزل اخيرًا ليرمي المفتاح على الأريكة، ثم بدأ ينادي بصوت هادئ وحاني: -لارا، لوووورتي ولكن لم يأتيه الرد فبدأ الشك يغزو تلك السعادة التي لم يحصد ثمارها كاملة حتى الان...! ثم دلف سريعاً الي الغرفة، وما إن فتح الباب حتى رأى لارا المتكورة على الفراش بهيئة الجنين تشهق وجسدها يهتز بعنف..! ركض نحوها بلهفة يسألها: -مالك يا حبيبي اية الي حصل تاني؟
صارت دموعها تهبط بلا توقف من كتلتا عيناها الحمراء وهي تخبره بهمس شريد: -أنا حامل يا أسر..! صُدم في البداية من ذلك الشعور الغريب الذي غدقه تلك المرة، ثم سرعان ما اتسعت ابتسامته وهو يحيط وجهها برفق مرددًا: -طب بتعيطي لية يا حبيبي؟ هو انتِ مكتوب عليكِ تقوليلي الخبر دا وأنتِ بتعيطي! هزت رأسها نفيًا، ثم صار جسدها يهتز بعمق وهي تتابع بألم: -خ خالد سألها بغضب ظهر وسط جذوع نبرته: -ماله زفت؟
عضت على شفتاها ألمًا ثم اكملت بصوت مبحوح يكاد يسمع: -خالد ك كان في المستشفي، وخلي الدكتورة تديني حقنه عشان انزل الجنين، عايز يموت ابني تاني يا أسر! نهض أسر يزمجر بحدة مغتاظة: -ابن ال، هو عايز منك أييييييية! غلطتي إني لسه سايبه ف حاله ثم سرعان ما كان يسألها مرة اخرى بلهفة: -حصل للجنين حاجة طب او انتِ حصلك حاجة؟ هزت رأسها نفيًا، ثم حاولت تصنع الهدوء وهي تخبره محيطة ببطنها:.
-لا، الدكتورة ادتني حقنه منومة لحد ما تتصرف، وندهت على الامن لما غفل عنها والبوليس جه اخدهه بس... ثم صارت تبكي مرة اخرى وهي تحتضنه متابعة: -بس طلع يجري منهم والعربيه خبطته يا أسر ومات! تجمد مكانه أثر تلك الصدمة التي لطمته بكل عنف، بينما جهر قلبه بارتياح، فأسرع يحتضنها بحنان هامسًا: -هششش اهدي يا حبيبتي اصبحت تهذي بين احضانه: -كان شكله وحش اوووي يا أسر، كان هيغم عليا وانا بصاله من بشاعة المنظر.
ظل يهز رأسه مرددًا في خفوت: -عقاب ربنا ليه، كان معروف ان نهايته استحالة تكون عادية! اومأت عدة مرات بين احضانه، لترتخي تدريجيًا وقد بدأ النوم يسلبها منه، وبالفعل نامت... فظل أسر يهمس في حسرة: -أية دا مش هنحتفل بالواد؟! مش هنشهيص الليلة! الله يجحمك يا خالد مطرح ما روحت...!
تململ حمزة في نومته بضيق على صوت الهاتف الذي لم تنتهي اتصالاته.. ابعد رأس حنين قليلاً عن صدره ليلتقط الهاتف مرددًا في حنق: -أية يا جلال في أية؟ -حمزة بيه حضرتك لازم تيجي الشركة -هاجي الزفته لية دلوقت؟ انا مش فاضيلك يا جلال! -ضروري يا حمزة بيه، الامر لا يحتمل الانتظار -هو اية النيلة الي مايحتملش الانتظار بقا؟ -في ظرف اتبعت لك على الشغل هنا يا استاذ حمزة -ظرف اية دا؟ -...
وما إن سمع حديثه حتى هب منتصبًا يصرخ بغير تصديق: -اييييية!