رواية تعويذة عشق للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع عشر
كانت طرقات قلبها في تلك اللحظات أعلى من دقات الساعة وسط السكون المخيم بين الجميع! وجدته يكمل بصوت اُعلن له الحداد داخلها: -مكنتيش متوقعة إني اجي يا مدام، خوفتي أعرف اللي حصل فيكِ ولا أية؟! إتسعت حدقتا عيناها مصدومة من عار أشتبك بتلابيب روحها عنوةٍ، فسألته بحدة: -أنت قصدك أية يا شريف أنت إتجننت ولا أية؟! ابتسم بسخرية، ثم أخبرها بجمود:.
-شكلي فعلاً اتجننت، على العموم أنا مش هقدر أتجوز واحدة حصل فيها اللي حصل فيكِ شعرت برجفة عميقة تكاد تشل أطرافها بقسوة، فسألته بغضب اشبه للهيسترية: -أخرس ماسمحلكش تقول عليا نص كلمة يا مجنون شملها بنظرة مزدردة وخرجت حروفه كمفتاحًا للسلاسل على عنق الطير الحبيس وهو يقول: -فعلاً، إنتِ طالق يا حنين! طالق طالق طالق بالتلاتة! كلمات طفيفة دونت سطورًا منفخة بفراغات واهية...!
رغم ألم الموقف، ورغم حدة النبرة، إلا أن المعنى كان يشمل تيارات الأرتياح أدراجه! تقوس فاهها بشكل ساخر وقاسي وهي تتهكم صريحةً: -ياااه، للدرجة دي أنا كنت حِمل على كتافك! أمال اجبرتني لية؟ يمكن مكنتش عايز حاجة بقت ملكي تروح لحمزة زي أي حاجة، لكن مش حقدر أسيبك على زمتي بعد اللي حصل يا حنين ! خرج حديث صامت يتربص داخله لعقله الذي اجزم تلك الكلمات، ليخبرها ببرود قاسي على توقعات مخالفة ولينة:.
-النصيب، عن اذنك يا استاذة، ولا نقول مدام خلاص! صرخت فيه بجنون: -أخرج بررررره، بررره مش طايقه أشوف خلقتك! لوى شفتاه مغمغمًا بحنق وهو يستدير مع الرجل الذي أمسك بذراعه في حزم: -طالع ياختي هو انا هاطلع من الجنة، دا انا ما هاصدق أنفد بجلدي وإنتِ وريني مين هايطلعك من هنا بقا؟! ثم خرج هكذا وبكل بساطة...! خرج تاركًا اياها تترامى بين كل فكرة والاخرى، بين كل صدمة وما تليها...!
بين ذلك وذاك وهي قشة خفيفة تتطاير حسب الأهواء مرت حوالي ثلاث او اربع ساعات... فوجدت حمزة يدلف، ولم تكن الكلمات هي من رسمت السعادة، بل كونت السعادة أروع لوحاتها على قسماته السمراء! فصار يُهلل بفرح حقيقي وهو يقترب منها مصفقًا: -طلقك يا حنين، طلقك خلاص رسمي! طلقك يا حنيني وهتبقي بتاعتي أنا بس! لم ترد عليه، كانت نظراتها فقط من تتابعه بتوهان، فسرقت بعض الحروف المتوازنة لتسأله: -إية اللي حصلي يا حمزة؟
تجمد مكانه مدة دقيقتان يحاول إستيعاب تلك الكلمات التي رمته بها، وسرعان ما كان يجاوبها مندفعًا: -ماحصلكيش أي حاجة، حصلك أية يعني! نهضت وهي تصرخ به مفرغة كل ذرة سلبية غُرزت بكيانها المهزوز: -انا اللي بسأل يا حمزة، أية اللي شريف كان بيبرطم بيه دا؟ هو أنا حد جه جمبي؟ أنا بقيت مدام زي ماهو بيقول يا حمزة!؟ هز رأسه نفيًا بسرعة وبلحظات كان يحيط وجهها الذي زلزل صفاؤوه حمره الغضب التي زُرعت فيه ويردد في صدق:.
-دا انا اقطع خبر اللي يتجرأ يعمل كدة، محدش يقدر يجي جمبك ولا يلمسك غيري يا حنيني نفضت يده عنها، وزمجرت بعنف جلي: -ولا أنت، ولا أنت ليك الحق إنك تقرب مني، أنت مين اصلاً عشان تقرب مني، لا جوزي ولا خطيبي ولا واخدين بعض عن حب، أنت مجنون مش أكتر! جذبها بقوة من رأسها لتصطدم بعضلات صدره العريضة، ثم قال وكأنه يخط دستور لا يقبل الخلاف:.
-لا لا يا حبيبتي، أنا بعد 5 دقايق بس هابقى جوزك، وعديت مرحلة خطيبك دي، وواخدين بعض عن حب طبعاً ثم ملس على وجنتاها برقة نفرتها هي بحنق وهو يتابع: -وهو في غير الحب دا اللي هايخليني هتجنن من غيرك؟! حدقت به متسعة الحدقتين، وتلقائيًا كانت تسأله ببلاهه: -يعني أية! رتب خصلاتها بأصابعه برفق واخذ يدندن بسعادة غلفت تلك الحروف الواثقة: -يعني خلال 10 دقايق بالكتير، هتبقي حرم حمزة الشاذلي دفعته بقوة صارخة:.
-نعمممم، أنت مجنون ولا أية؟! اومأ موافقًا ثم أشار بيده: -من زمااااااان يا عيووني! ثم سحبها خلفه وصوته يصدر بصورة آمره: -المأذون عارفني فمتحاوليش ترفضي، أنا مظبط معاه كل حاجة ومفهمه إنك مجنونة حبتين وإنك خطيبتي، ف اقصري الشر حاولت التملص من بين ذراعاه، وعندما تملك اليأس هتفت مسرعة بخبث: -طب أنا مش معايا بطاقتي حتى يا حمزة! إتسعت ابتسامته وهو يستطرد بحماس ملحوظ: -أنا جبتها يا روحي.
وبالفعل سحبها معه للخارج، فوجدت - المأذون - واثنان لأول مرة تراهما... وعند سؤال الشيخ الطبيعي لها، هزت رأسها نافية بحدة: -مش موافقة، مش موافقة مش موافقة ومش هوافق -استهدي بالله يابنتي كل حاجة بتتحل بالهدوء زجره حمزة بعنف يتخفى خلف ذاك الثبات المشتعل: -يلا يا شيخنا اكتب، على بركة الله! وبالفعل تم كل شيئ خلال دقائق معدودة، دقائق كُتبت بالخط العريض في تاريخهم القصير!
ودقائق اخرى مرت، حتى كان يقترب منها بعد رحيل الجميع وهو يهمس بشوق سعيد: -يااااه، قد أية كنت مستني اللحظة دي من ساعة ما قلبي دق لك، قد اية كنت مستني اللحظة الي هقرب فيها منك وإنتِ حلالي! بجد شعور يساوي الدنيا وما فيها! ضحكت بسخرية متمتمة: -لاااا، دا أنت شكلك راسم على تقيل! تحول عبثه للجمود وهو يقترب منها أكثر، فهزت هي رأسها نافية: -لالالا أنت هاتعمل أية يا مجنون! أجابها ببساطة وقحة:.
-زي ما أي راجل بيعمل يا حبيبة المجنون...!
كانت سيلين تتسطح على الفراش للمرة التي لا تذكر عددها... كلما تحركت كان مُهاب يتحايل عليها فيجلسها مرة اخرى على الفراش.. تأففت سيلين بضجر صائحة فيه: -يوووه يا مُهاب، ما أنت لازم تفهمني في أية!؟ أنا ابتديت اشك في الإهتمام بتاعك دا! تنهيدة عميقة صدرت عن ذاك الذي مل الكذب على الجميع وبما فيهم والدتها فنظر لها مُكررًا وكأنه طلسم من دونه سيُهد كل شيئ فوق رأسه:.
-للمرة المليون، مفيش حاجة ورا إهتمامي خالص، إرتاحي بقا، أنا بس بحاول أسيطر على نفسي عشان أكون الزوج اللي أي بنت تتمناه! رفعت حاجبها الأيسر، ورغمًا عنها كان لسانها هو من يطبع تلك الحروف الساخرة وسط الطقس التائه: -كداااب، ما أنت طول عمرك إستغلالي وأناني، أية اللي إتغير خلال أيام!؟ دب على الفراش مزمجرًا بصوت لجم ذلك الإندفاع الفطري في شخصيتها المتهورة في تلك المواقف:.
-سيليييييين، مش معنى إني سكت لك كتير هاتسوقي فيها!؟ ابتلعت ريقها بقلق، ونهضت فجأة بغيظ، فأمسك هو بها قبل ان تنهض: -قسما بالله اللي ما بحلف بيه كذب، لو اتحركت لهكون معاقبك بطريقتي ابتسمت بسخرية متساءلة: -طب انا هقوم وعايزة اشوف بقا أية عقابك يا أستاذ مُهاب وبالفعل نهضت بقوة فجذبها فجأة لتسقط جالسة على قدميه، فابتلعت ريقها بخوف حقيقي كاد يشل أطرافها المذبذبة، ثم همست بتوتر:.
-مهاب ممكن تسيبني وأنا هاقعد على السرير! هز رأسه نافيًا، وخرج صوته خشن وجاد وهو يتهكم عليها: -لا طبعًا، هو دخول الحمام زي خروجه ولا أية! حاولت النهوض ولكنه كان أقوى منها فشل حركتها... وكان الخوف من القادم كالكهرباء الذي تُزيد من ترنج مشاعرها العاصفة! وفي اللحظات التالية كان ينهض ليجلسها بقوة على الفراش.. ومد يده يفك حزام بنطاله وهو يغمغم بخبث: -أنا حددت أية هو العقاب المناسب للأطفال اللي زيك!
سألته بخوف وهي تعود للخلف متشبثة بمفرش الفراش: -أنت هاتعمل أية يا مهاب؟! -هاتعرفي حالاً قالها وقد أزدادت ابتسامته شرًا وهو يقترب منها، وهي تعود للخلف اكثر واكثر...!
ليس في كل بُعد راحة، ف أحيانًا تكمن راحتنا بين زوابع الأختناق ونحن غافلون ! مرت دقائق معدودة وكان هاتف أسر الذي لم يهدئ ولو للحظة بالرنين.. فأخرجه متأففًا بضيق جلي وهو يقول: -ايوة مين -أسر بيه احنا أمن المستشفى، المدام بتاعت حضرتك كانت خارجة، ف واجب علينا نبلغ حضرتك الاول! -تمام تمام، أنا جاي حالاً -براحتك يا فندم أغلق الهاتف مسرعاً ثم ركض باتجاه الأسفل ووعيد حاد ومُميت صدر منه لتلك المجنونة لارا.
نعم، نعم مجنونة إن ظنت أن عرين الأسد مفتوح في كل الأوقات والظروف! وصل عند بوابة الخروج فوجدها تجلس على كرسي خشبي وتهز قدمها بتوتر... صك على أسنانه كاملة بغيظ حتى كادت تُكسر... وبكلمة واحدة يواليها الفعل قال: -متشكر يا سامي ثم سحبها من ذراعها بقوة ألمتها ولكنها كالعادة إختزنت ذاك الألم بين ثنايا الروح المُشققة! فوصلا للغرفة، فدفعها هو بعنف للداخل صارخًا بصوت مكتوم: -خشي، خشي اما نشوف اخرتها معاكِ.
سحبت ذراعها منه بصعوبة متأففة: -اوعى كدة هو أنت ساحب جاموسة وراك ولا أية؟! دب على الحائط بجواره قبل أن يسألها بصوت حاد صارخ: -كنت هاتغوري ف أنهي داهية؟ وعندما كادت تنطق أندفع يقترب منها مكملاً صراخه العصبي الذي برزت له عروقه: -وازاي اصلاً يجيلك قلب تهربي مني؟ مفكراني مش هاعرف أجيبك يا لارا! إرتعاشة عميقة هزتها ولكنها إستغرقت مجهودًا جبارًا حتى تكتمها وتهتف فيه بصلابة ظاهرية:.
-اه بهرب ولو جاتلي الفرصة هاهرب تاني يا أسر، أنا طلبت الطلاق وأنت رفضت، يبقى أستحمل بقااا! أغمضت عيناها عندما أقترب منها ظنًا أنه سيصفعها بالطبع.. ولكن خاب ظنها حينما شعرت به يقبض على فكها بقوة أصدرت لها أنينًا خافتًا، فسمعته يردد بحدة: -أنا ماسك نفسي بالعافية، لكن لو استفزتيني اكتر ماتلوميش إلا نفسك! نظرت له بغيظ، ثم كررت بسخرية حانقة متسخة برواسب الألم:.
-طب مرة تانية يا أسر، أنا عايزاك تطلقني لو سمحت! هز رأسه نافيًا، والبرود خلفيته الظاهرية: -تؤتؤ، مرة تانية يا لارا، أنا مابطلقش رفعت حاجبها الأيسر بحقد، ثم سألته باستفزاز: -حتى بعد ما عرفت إني روحت لواحد وانا على ذمتك؟! جذبها من شعرها فجأة بعنف حتى اصطدم وجهها بوجهه فلفحتها أنفاسه الحارة مرددًا: -حتى بعد كل حاجة وأي حاجة، عشان اللي في بطنك مش أكتر هتفت بسخرية كانت مثقالها الوحيد بعد الألم المفجع:.
-أنت بتضحك على مين يا باشا، خايف على اللي في بطني اللي كنت عايز تموته من شوية؟! لا ماصدقش! تفاجئت به يقتحم شفتاها في قبلة عنيفة وقوية تُفرغ طاقات مشحونة من ذاك الحديث المائل للضياع! قطع تلك القبلة صوت رنين هاتفها الصغير، فتناولته على مضض وهي تحاول تهدأة لاهثها! وأجابت: -الووو؟ -أنسة لارا!؟ -ايوة انا مين معايا -أنا...
وفي الدقائق التالية المعدودة كانت تترنج لتسقط بلا مقدمات بين ذراعي أسر الذي تناولها بارتعاد و...!
مر حوالي عشرة أيام... عشرة أيام وحنين تختلي بنفسها في تلك الغرفة منذ ذلك اليوم.. لم تنسى أنها ركضت حينها حتى أغلقت باب احدى الغرف عليها، ولم تخرج منها إلا عندما تشعر أنه نام واخيرًا بعد فترة عناء يُحايلها فيها احيان، ويرجوها احيانًا اخرى، وقد وصل به ان حدثها عن والدتها حتى تلين وتفتح له ولكنها كانت كالصخرة تزيدها الضربات والمحاولات قوة لا العكس!
وفي اليوم الحادي عشر إنتفضت على صوت الطرقات العنيفة هذه المرة، فسألته متأففة بتوجس: -عايز أية يا حمزة، هو أنت مابتزهقش بقاا؟ سمعت صوته الرجولي يطرق أبواب القشعريرة داخلها خاصة وهو يسألها بخشونة: -لأخر مرة بقولك هاتفتحي ولا لأ يا حنين؟! صرخت بنفاذ صبر: -لأ يا حمزة، لأ مش هافتح ابداً ريح نفسك، ومش هخليك تقرب مني غير ف أحلامك!
دقيقة والثانية ووجدت الباب يُفتح وحمزة يدلف مغلقاً الباب خلفه، فعادت هي للخلف بتلقائية مرددة: -أية دا أنت دخلت ازاي؟! رفع المفتاح الذي يحمله مشيراً لها بضيق حقيقي: -أنا معايا المفتاح من اول يوم، لكن كنت بقول سيبها مع نفسها لعل وعسى تهدى لوحدها وتيجي تتناقش بالعقل، لكن الظاهر إنك مخك جزمة وانا بقا اكتر منك وأجن منك اومأت موافقة ثم استطردت بغل مُستفز:.
-أيوة وأنت عايزني ازاي أأمن لواحد قذر ومستغل وعمل فيا كدة عشان يحقق هدفه زيك اقترب منها صارخًا بنفاذ صبر: -قولتلك محدش جه جمبك، إنتِ مابتفهميش عربي؟! محدش جه جمبك رفعت كتفيها مغمغمة بحدة: -وأنا ايش عرفني، أية اللي يضمن لي، كلامك! أنا مابثقش إلا ف كلام الرجالة بصراحة...! تقريبًا كانت تلك القنبلة التي فجرت محور الإرتكاز المتحكم... فانسابت حبال السيطرة، وجُنت خيول الغيظ والشوق معًا!
فخلع التيشرت الخاص به وهو يقول: -أنا هاضمنلك واوريكي بنفسك! هزت رأسها نافية بسرعة، ولكنه لم يعطها الفرصة اذ جذبها ملتهمًا شفتاها في قبلة عميقة يلتهمها فيها بنهم مشددًا على خصرها وكاتمًا مقاومتها الضئيلة... وتحولت القبلة لقبلات متعطشة فأخذ يشبعها تقبيلاً ويداه تعبث بأطراف ملابسها... حتى نجح في ازالتها اخيرًا ليرميها على الفراش بثقل جسده، وهو عليها يأكل الظاهر من جسدها بتمهل مٌشتاق!
رواية تعويذة عشق للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس عشر
صباح يوم جديد، مُسطر بحروف غامضة من نظرتك البعيدة، ولكن من قلبها تعي جيداً كم الأقتراب الموحش!
بدأت حنين تستعيد وعيها، نعم، فيبدو أن من كان أمس لم تكن هي! كانت واحدة مترنجة المشاعر، ومتخبطة التفكير...! إنتفضت على ملمس يده الخشنة على بشرتها الناعمة، فانتصبت مسرعة تحاول تغطية جسدها العاري.. ابتسم هو في حنو ثم همس: -صباحية مباركة يا عروستي! إلتفت له تقابل نظراته العابثة بأخرى حارقة، فأبعدت يده عنها وهي تردف بجدية: -أبعد عني يا حمزة.
اقترب اكثر وكأن الرفض يصل له كالمرآة منعكسًا، وكالمغناطيس موجه نحوه فيجذبه رغمًا عنه! إلتصق بها عن عمد حتى أصبحت بين أحضانه فظل يهمس بحزم حنون: -من النهاردة مفيش حاجة أسمها أبعد، في قرب، قرب وبس! تأففت بصمت، فوجدته يسألها هو بصوت حاد هذه المرة: -حنين، إنتِ هاتجننيني لية؟! مرة تقولي عايزة أكون مراتك، ومرة تانية أبعد عني ومش طايقاك! مهو يا إنتِ مجنونة، يا أنا اللي خلاص بقيت برمي نفسي عليكِ.
وعندما كادت تهمس وجدته يُسكتها مرددًا بحزم: -إتأكدتي اهو إن مفيش راجل غيري لمسك، إنتِ عايزة أية بقا!؟ ماذا تريد... هي فعليًا حتى لا تدري ماذا تريد...! مرات تشعر أنها تنتمي لأحضانه فقط، ومرات اخرى يربط العقل تلك المشاعر المهددة بالموت فتبتعد بجمود...! رفعت كتفيها مرددة:.
-مش عارفه، أنا مابقتش عارفه أي حاجة يا حمزة، تعبت من كل حاجة، بس الي انا عارفاه إني كل ما افتكر إنك ولو اوهمت شريف ب حاجة محصلتش دا بيخليني متنرفزة جداً منك، لإن أنا مش عايزه كدة، مش عايزاه يبعد وهو مفكر إني واحدة مش كويسة! لم يشعر بنفسه سوى وهو يصرخ فيه مزمجرًا بصوت اشبه لزئير الأسد: -لييية؟ وهو شريف يفرق معاكِ في أية، ما يتفلق حتى!
أغمضت عيناها بضيق وصمتت، نعم لا يشكل فارقًا، ولكن كونها مخطئة او حتى مُغتصبة في نظر أي شخص يجعلها تكاد تجن...! انتبهت ليداه التي كانت تهزها متساءلاً بتوجس: -إنتِ حبتيه يا حنين؟ معقوا حبتيه، حبيتي شريف؟! صمت قاتل أطبق على أنفاس كلاهما، وشعور مُخيف بالعجز يشل حمزة من التفكير في القادم حتى..! تنهدت بقوة وهي تهز رأسها نافية: -لأ يا حمزة، لأ ما حبتهوش -بتحبي مين يا حنين، جاوبيني ولو مرة، هموت واسمعها!
قالها في صوت مال أكثر لدرجات الرجاء، ولكنها ردت بتوتر غلفه الجمود: -مابحبش حد يا حمزة سألها مصدومًا: -متأكدة؟ اومأت مؤكدة، وعيناها تنحدر تلقائيًا لنقطة بعيدة عن حصار عينيه الغريب!
فتفاجئت به يقترب منها مرة اخرى وهو يهمس بخبث اخفى خلفه ضيقه الواضح: -بس أنا بقا بعشقك، وأكيد هايجي يوم وإنتِ كمان هتبادليني نفس الشعور، حتى لو استنيت لحد بعد اول عيل! أبعدته عنها بضيق، ضيق نابع من التوهان بين خبايا تلك المشاعر والأفكار... لتهمس بصوت مبحوح: -أبعد لو سمحت، مش عايزاك تقربلي تجمد مكانه عند تلك النقطة تحديدًا، وبالفعل هذه المرة احترم شعورها الذي طعنه في منتصف قلبه الولهان!
لينهض ببطئ مصدوم.. إلى أن اخترق سؤاله مسامعها: -حمزة، هاتعمل أية لو أنا فعلاً حبيت شريف؟! -نعمممم! زمجر بها بحدة، لتهمس متلعثمة على الفور: -أنا بقول لو، لو يا حمزة لو! أشار لها بحدة جازمة: -ولا حتى لو، ماتحاوليش تنطقي كدة تاني سامعة! اومأت موافقة على عجالة، وكاد هو يستدير عاري الصدر فنهض هي الاخرى مرتدية قميصه بسرعة دون أن تدرك!
وجدته يقف في المطبخ، فتقدمت منه متنحنحة بحرج: -حمزة، أسفة لو زودتها، بس أنا حاسه إني تايهه فعلاً نظر لذلك القميص الذي يكشف عن قدماها وبعض اجزاء جسدها... فتنهد متمتمًا بضيق مصطنع: -خلاص يا حنين.. دفعته برفق ثم قالت بابتسامة هادئة: -طب اوعى بقا انا هاعمل الاكل وابتسم هو الاخر والحنان يتدفق من نظراته المتابعة لها.. ويقين جديد بدأ ينمو كالحشائش بين خلاياه أنها تحاول التأقلم مع تلك الحياة الجديدة...
وتلك بالطبع، موافقة مبدئية ! حينها اقترب منها ببطئ وهي ملهية بأعداد الطعام ورقبتها وبعض الاجزاء العلوية تظهر منها... فالتصق بها يحتضها، وشفتاه تحوم بتلقائية على رقبتها الناعمة بينما يداه تحيطها.. شهقت هي عندما شعرت بملمس يداه على جسدها مغمغمة بحرج: -حمزززززززة! لو سمحت!؟ أجابها بصوت اقرب للهمس: -يا عيون حمزة، لا لو سمحتي إنتِ أنا باخد قميصي مش أكتر.
وبالفعل كانت يداه تزداد عبثًا بأزرار ذلك القميص، وتشنجات جسدها الخفيفة ترتخي رويدًا رويدًا للمساته الرقيقة! فانتهى الامر كالليلة السابقة يحملها بين ذراعيه وشفتاه لم تفارقها وكأن عطشه منها لا يرتوى...!
إرتعدت اوصال سيلين وهي ترى مُهاب يقترب منها بحزام بنطاله... للحظة خُيل لها أنها ستصبح ملحمة دامية يُثبت فيها أنه ليس بضعيف كما يقول دومًا! عضت على شفتاها السفلية بخوف منتظرة الصفعة التي ستترك اثرًا على جسدها كما تركت تصرفاته اثرًا عريضًا وواضحًا على روح الطفلة التي لم يقتلها الرشد حتى الان... ولكنه صدمها عندما رمى الحزام خلفها وجذبها له يغمغم: -يلا بقا اعاقبك، جه وقت الحساب، أنا كنت بستعد له بس!
فغرت شفتاها صدمة، ربما صقعة إهانة مرت دون ان تحدث... لتسأله ببلاهه: -امال دا كان أية؟! تهويش! أمسك بوجنتاها يقرصها برفق مؤكدًا: -بالظبط كدة يا قطتي، تهويييييش! حاولت النهوض من قدميه بغيظ، ولكن قواه تغلبت فأجلسها عنوة... ونظراته مصوبة على شفتاها الصغيرة مردفًا: -مش دا اللي بيغلط، أنا بقا هعاقبه هو عشان إنتِ ملكيش أي ذنب يا طفلتي.
شهقت بحرج وقبل أن يكتمل إنفصال شهقتها حتى كان يهبط بشفتاه ملتهمًا شفتاها في ملحمة كما تخيلت... ولكنها لم تكن ملحمة ك حرب، بل إعصار، اقتحام او حتى غزو محتل خبيث يدرك خطورة لمساته على براءة ارض! تحول العقاب لرحلة امتدت اطرافها لشعور كلاهما بالنشوة رغم ذبذبات العقل... وياللخوف، كان شيئ اخر يداعب شعور ذاك الجلف مُهاب ! دقائق مرت وهم على نفس الوضع لا يعلو فوق صوت لاهاثهم شيئ...
واخيرًا نطقت سيلين قاطعة ذلك الصمت الملتهب: -أية اللي أنت عملته دا!؟ ازاي تعمل كدة؟ هز رأسه نافيًا بوقاحة: -لا لا ملكيش حق، الحته دي بتاعتي، يعني لا تقوليلي اية ولا ازاي! نظرت للجهة الاخرى بخجل، ودقيقة تقريباً ودق هاتفه برنين قصير جدًا... فنهض يجلب هاتفه، فتح ليجد رسالة من مجهول، وهو نفس الرقم الذي رمى رنينه وصمت!
ليفتح الرسالة ببطئ، وكانت له الصاعقة صورة والده مُقيد في احدى الاماكن وشخصا ما مصوب سلاحه نحوه ! هب منتصبًا يصرخ باختناق خاصة وهو يقرأ طلقها، وهاسيب أبوك، معاك مدة 48 ساعة بس ! اقتربت منه سيلين تسأله بهدوء مستفسر: -في أية يا مهاب مالك؟ دفعها فجأة بعنف حتى سقطت على الفراش متأوهه، ثم زمجر فيها بخشونة: -ملكيش فيه، وماتنسيش نفسك، إنتِ ولا حاجة عشان تسأليني اصلاً!
الطبع يغلب التطبع قالتها لنفسها وهي تضم نفسها بحسرة.. فالحلو لا يكتمل كما يقولون!
وعندما أستعادت لارا وعيها كانت تصرخ بأسم والدتها فوجدت نفسها بين أحضان أسر الذي كان يحاول تهدأتها بحنان رابتًا على خصلاتها السوداء: -هشششش، اهدي يا لارا، مالها والدتك بس! هبت منتصبة تحاول الإبتعاد عنه من وسط بكاؤوها: -ملكش دعوة ابعد عني، سبني اروح لها حاول إحكام قبضته عليها وهو يغمغم بخفوت: -طب أنا هاخليكِ تروحيلها بس اهدي هنروحلها ازاي كدة! تشبثت بقميصه وهي تهمس بصوت يكاد يسمع:.
-لو ماما حصلها حاجة أنا هموت، هموت وراها والله يا أسر! اشتد احتضانه لها، وخلال الدقائق التالية بالفعل كانت تتجه معه نحو المستشفى التي تقطن بها والدتها... وصلا فركضت لارا مسرعة للداخل، ركض هو الاخر خلفها، وصلا امام الغرفة التي كانت بها والدتها... فسأل أسر الممرضة التي تمر مسرعاً: -هي الست اللي كانت هنا كويسة ولا لا لو سمحتي؟ هزت رأسها موافقة برسمية ولكن متعجبة بعض الشيئ:.
-ايوة تقدر حضرتك تدخل تشوفها عادي! حينها شهقت لارا وهي تدلف مسرعة بسرعة البرق... وبالفعل وجدت والدتها مستكينة بسلام! فبدأ أسر يحك ذقنه مفكرًا في لغز جديد اقتحم حياته... فهتفت هي فجأة بضعف: -والله العظيم في حد كلمني وقالي إنه من المستشفى وإن ماما، بعيد الشر جرالها حاجة! تنهد أسر بهدوء مشيرًا لها: -طب لو اتطمنتي على مامتك ممكن نمشي بقا! هزت رأسها نافية ثم أجابته: -لا أنا محتاجة أقعد معاها شوية، لو سمحت!
اومأ موافقًا بخفوت: -تمام، هستناكِ بره ماتتأخريش! وما إن استدار ليسير في ردهة المستشفى حتى وجد الشاشات تُضاء من حوله، وفيديو قصير يُذاع له بيس يا مان، كدة انا مضيت، هات الفلوس يا برنس، لا لا هي ماتلزمنيش، دا حتى السرير مش فالحة فيه ! لا يدري كيف ولا من اين اتوا بذاك الفيديو القصير... ولكنه رأى بوضوح الورقة المدون عليها اسم لارا.
والتي اصبح الجميع يُيقن أنها المقصودة، وبما فيهم هي التي خرجت على تلك الأصوات... اقتربت منه بأعين دامعة تلفحها مرارة الحسرة، ليسارع هو يقول مستطردًا: -لارا أنا، آآ ولكنها لم تعطيه الفرصة إذ صفعته بقوة جعلته يقف متبلدًا مصعوقًا من تلك القوة المفاجئة!
كانت حنين متسطحة على الفراش بأريحية، وحمزة في الخارج يرى من الطارق الذي قطع خلوتهم الحالمة! تنهدت بقوة وهي تشعر بخطواته تقترب من الباب رويدًا رويدًا... فنهضت بهدوء إلى أن وقفت امامه متساءلة وهي تغلق ازرار القميص: -كل دا يا حمزة، دا أنا قولت خطفوك يا راجل! ولكن رده لم يكن مجرد حديث عادي، بل كان صفعات متتالية سقطت على وجهها بعشوائية أسقطتها على الفراش متأوهه بألم و...
رواية تعويذة عشق للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس عشر
تتبدل الأحوال، وتتغير المشاعر، وتبقى النفوس هي مصدر كل شيئ ! نظرت له حنين مصعوقة، وقد إشتبكت بغاباتها الزيتونية لهيب أحمر على وشك الإشتعال! وبعد دقيقة من الصمت الذي غطى تلك النظرات المتجمدة من الناحتين، صرخت فيه بحنق مصدوم: -أنت إتجننت يا حمزة؟ وابتسامة ساخرة تعلقت على حبال ثغره تحاوط حروفه التي خرجت متهكمة مثلها: -أنا مش عارف مين المجنون بالظبط وبلحظة كان يرمي تلك الصور بوجهها بقوة صارخًا:.
-ازاي تقعدي ادامه كدة؟ أية خلاص مابقتيش تميزي بين اللي يصح واللي مايصحش! أمسكت بالصور تتفحصها مسرعة، وبالفعل كانت هي، كانت بقميصها الاخضر الطويل دون اكمام ومفتوح من الجانب السفلي الي حدًا ما، وشريف مقتربًا منها جدًا! رفعت عيناها له وخرج صوتها مبحوحًا وهي تخبره: -دا الشاي اتدلق عليا ف قلعت البنطلون الكارينا ساعتها، والبرلو عادي منا بقلعه وبقعد بالكات ادامك!
رفعها بقوة لمستواه، ثم همس امام وجهها مباشرة بخشونة: -أنا غير أي حد، أنا ليا الحق فيكِ لكن مفيش مخلوق تاني يحق له يشوفك كدة! أبعدت يداه عنها بقوة، ولم تدري ما الذي جعلها تقول بتهور: -يااه، وهو أنت مش اخدت الحق دا قبل اوانه؟ زمجر بعصبية تراقصت بوضوح على حافة قسماته الموهجة: -إنتِ مراتي، يعني حقي أشوفك كدة، أشوفك بالأقصر من كدة، أنا حر! أردفت متهكمة:.
-منا كنت مراته، لية ماتخيلتش نفسك مكانه وهو بيقرب مني بالطريقة اللي أنت كنت بتقرب بيها، وبيكون له الأولوية في كل حاجة، أنت مجرد صور وقديمة مش حاليًا خليتك كدة ومش طايق نفسك وضربتني! كز على أسنانه بغيظ حقيقي، نعم هو يفرض قوانين جديدة في عهد معروفة قوانينه...! ولكنه لا يقبل العدل فيها! نظر لها بحدة مرددًا: -أسكتي يا حنين هزت رأسها نافية وراحت تستطرد بحدة عالية بعض الشيئ:.
-لا مش هاسكت، مشكلتك إنك أناني يا حمزة، أيوة أناني وماتستغربش، عايز حقك تالت ومتلت، لكن تيجي على حق غيرك عادي، ومتقولش هو الغلطان، هو جايز يكون فيه كل العِبر لكن بردو أنت اخدت من حقه! صمت برهه تنظر له ثم أكملت بجمود: -كما تدين تدان، أحمد ربك إن الصور دي ماكنتش بعد جوازنا، وإلا كنت هتحس بالنار اللي هتمسك فيه لو عرف..!
أمسكها من كتفيها مشددًا عليهم ونظراته غارقة بين تلك الغابات التي كادت تُميته داخلها، ثم قال بثبات: -أيوة أناني، أناني فيكِ، لإنك ملكي، بتاعتي أنا بس من ساعة ما اتولدتي، محدش له انه يقرب منك او يشوفك كدة او يربط حتى اسمه بيكِ صوري، إنتِ حقي، حقي مافهوش كما تدين تدان، مش بقبل فيه العدل! أبتعدت عنه بقوة صارخة بنفاذ صبر: -دا هوس، ولا حق ولا زفت دا هوس وجنون بس!
اومأ بلا معنى، ودقيقة وكان يستدير ليغادر وهو يردد بصوت أجش: -أنا هاريحك خالص من الهوس دا يا حنين ماااشي سألته مسرعة بخوف: -أنت رايح فين وسايبني هنا، انا حتى معرفش احنا فين! أشار بيده مصيحًا: -رايح في داهية تاخدني، ملكيش فيه! وبعد دقائق مرت من السكون الغريب او ربما المصدوم الذي جعل جسدها يتبلد مكانه دون إندفاع يكسر هالة الصمت ركضت خلفه للخارج، وتنهدت بارتياح وهي تراه يجلس على الأريكة، ولكن يدخن بشراهه!
كزت على أسنانها بغيظ ثم اقتربت منه لتسحبها من بين أصابعه مرددة بغل: -وأنت من امتى بتدخن يا حمزة؟ حاول سحبها منها وقال بصوت أجش جامد لا يقبل النقاش: -ملكيش دعوة بيا يا حنين، هاتي ام السجاير وضعتها خلف ظهرها وهتفت بتحدٍ شرس: -لأ مش هاديهالك يا حمزة ومش هتعمل حاجة رفع يده ولكن ضم قبضته بقوة أستهلكت طاقته للأختزان... ثم استطرد بصوت عالي: -قولتلك هاتي الزفت! هزت رأسها نافية وبأصرار ردت:.
-لأ مش هديهالك، أنت اصلاً مابتشربش سجاير، ولا عايز أي حاجة ف بُقك تطلع فيها غلك وخلاص؟ اومأ موافقًا بسرعة جامدة ومُستفزة: -ايوة، انا عايز اي حاجة ف بُقي اطلع فيها غلي، عند حضرتك مانع؟! هزت رأسها نافية ببرود: -لأ ابدا ولم تعطه الفرصة فوقفت على أطراف أصابعها لتقبله هي مسرعة تكتم اعتراضاته السخيفة لوقوفها أمام عنفوان تدمير نفسه بنفسه!
صُدم في البداية من جرأتها، وكان ملمس شفتاها على شفتاه رشوة لصمت اخر يكتم أنين كرامة الرجل التي تصرخ... ولكن كفى، هنا وكفى نفذ الصبر وجفت المحاولات يأسًا! دفعها بعيدًا عنه فتنهدت هي بقوة وقالت: -أنا اه معترفة انك غبي وغلطان، لكن مش هاسيبك تضيع نفسك وتطلع غضبك في حاجات غلط...! ثم اقتربت منه بثبات تردد متمسكة به: -انا ادامك، عايز تطلع كل غلك طلعه فيا ومعايا، لكن مش بالسجاير!
عاد خطوتان للخلف ودون أن ينظر لها اخبرها بصلابة سقطت عليها كجبروت ضربة: -لا، أصلي زهقت من الهوس والجنون، وقررت اكون لا مهوس ولا مجنون بعد كدة! ثم استدار متجهًا للغرفة يرتدي التيشرت الخاص به مسرعًا ويعود خارجًا وهو يصفع الباب بقوة...
لم يعرف أسر كيف إستطاع تمالك نفسه من قتلها حية امام الجميع.. ولكن ربما لان الناس لم تكن كثيرة من حوله بل كانوا يعدوا على إصبع اليد! جذبها من حجابها بقسوة يسحبها نحو الخارج وهي تحاول التملص من بين يداه السليطة... ربما هي اخطأت من تعديها الخط الأحمر هكذا وامام الجميع، ولكن لربما ما رأته من بيع لها كان كدفعة قوية زجتها بلا تردد نحو الدمار!
ركبت السيارة لجواره وشغل هو السيارة، كان الغضب محيطًا ملامحه بسيطرة غريبة حتمًا ستنفجر فيها بعد قليل... إلى أن وصلا إلى المنطقة التي يقطنوا بها، ولكن أسر وقف بالسيارة بعيدًا عن المنزل... امسكها اسر من فكها يقرب وجهها للامام متساءلاً بقوة: -شايفه الراجل الي هناك دا؟ شايفاه ولا لا، اهو دا تبع سي خالد، الحيوان اللي مفروض اعتدى عليكِ، بيراقبك من ساعة اخر مرة شافك فيها وهددك!
إتسعت حدقتا عيناها بصدمة حقيقية، لتسمعه يتابع بجمود: -الصوت اللي سمعتيه دا كان إتفاق عشان يبعد عنك في مقابل الفلوس، وفهمته إني مش عايزك اصلا بس عايز انتقم منك لاسباب خاصة، بس لقيته بردو مصمم فروحتله وضربته وخدت الفلوس وهددته، لكن الظاهر انه هو الي نفذ تهديده الاول! شهقت لارا وبدأت تبكي بصوت عالي، ربما لظلمها له اكثر من اللازم؟! فهتفت بتوتر باكي: -أسر أنا كنت، أأ... ولكنه قاطعها مشيرًا لها بأصبعه بحدة:.
-هششش، ماسمعش صوتك نزل يسحبها معه نحو الشقة، حتى وصلا فدلف هو مسرعا نحو الغرفة التي تقيم بها، فتح الدولاب ثم بدأ يُخرج ملابسها بعشوائية... وسار عائدًا للخارج مرة اخرى ليلقي الملابس بوجهها ويفتح الباب وهو يمسكها من ذراعها ثم ألقاها في الخارج بعنف، وسقطت جملته على اذنيها كالرعد وسط الطقس الحار:.
-الست اللي تمد ايدها عليا ادام الناس حتى لو انا قاتل ابوها ماتلزمنيش ولا حتى للمتعة، إنتِ طالق يا لارا، طالق طالق بالتلاتة هزت رأسها نافية ببكاء طفولي، ليردف هو بقسوة: -مش عايز اشوف خلقتك تاني، غوري في داهية!
بعد مرور يومان... منذ مغادرة مُهاب في ذلك اليوم لم تره سيلين حتى تلك الثانية.. وحتى لم تستطع السؤال عليه، من تسأل وماذا تخبرهم؟! حيرة عميقة تلبست خلاياها المُخدرة من الأساس... ونهضت من الأريكة على صوت جرس الباب، فتحت الباب لتُفاجئ ب مُهاب يدلف مترنجًا ويبدو أنه لثم! أسرعت تمسك به قبل أن يقع وهي تسأله بقلق: -مالك يا مُهاب؟! أنت شارب أية بس..!
لم يرد عليها وإنما دفعها بعنف، وراح يهتف بصوت شبه هيستيري: -أبعدي عني، إنتِ السبب! إنتِ السبب بس سألته متعجبة والقلق يتآكلها داخليًا: -أنا السبب ف أية؟! انا مش فاهمة حاجة انا عملت أية! صرخ بصوت مُشقق مذبوح ككقتيل حرب: -إنتِ السبب، قتلوه بسببك إنتِ، غوري أنا مش عايز اشوف خلقتك وضعت يدها على فاهها برعب حقيقي وسألته: -هو مين دا اللي قتلوه؟ ومين هما اصلاً! رمى ثقل جسده على الأريكة وظل يردد بهيسترية متحسرة:.
-قتلوه، خدوه مني، راح وسابني زي امي، سابوني هما الاتنين خلاص! شهقت سيلين مصدومة وقد استنجت عمن يتحدث.. قتلوا أبيه!؟ من هم، والأهم لما؟ أسئلة اجوبتها عند ذاك الذي اخذ يهذي بصوت مبهوت يزداد بهتانه وانخفاضه رويدًا رويدًا! جلست لجواره واخذت تسأله بنعومة حانية ومشفقة: -طب ممكن تقوم تغسل وشك وتفهمني مين دول؟! وبعدين اكيد عمو زعلان وهو شايفك كدة! زمجر بحدة بوجهها:.
-خليكِ في حالك، قولتلك أنا مش طايق خلقتك إنتِ مابتفهميش، إنتِ سبب المصايب في حياتي رغم ألمها من فوائح الطعنات بين حروفه إلا أنها قالت بهدوء: -طب قوم معايا يا مهاب لو سمحت نهض فجأة ليمسك بذراعيها ويسحبها نحو الكرسي ليجلسها عليه عنوة، وركض نحو المطبخ يجلب أحدى - الحبال - ليربطها في ظهر الكرسي متجاهلاً حديثها المصدوم: -مهاب أنت بتعمل أية!؟ أنت اتجننت سيبني انتهى ثم وقف امامها، ليهتف بحروف شبه متقطعة:.
-كنتي، كنتي بتسأليني عقدة أية! ومستغربة أنا لية كاره الجواز والستات، دلوقتي هعرفك ثم اشار لها متابعًا بتوهان: -هو دا سبب عقدتي القعدة دي، بس باختلاف الوضع بقا، كنت طفل لسة 6 سنين، كانت ماما بتسبني مع الخدامة، ومن اول ماتقفل الباب بقا وتخرج تبتدي رحلة العذاب ضحك بسخرية تخفي خلفها ألام عدة ثم أكمل:.
-كانت هي وجوزها في السر يربطوني نفس الرابطة، ويمارسوا حقوقهم الشرعية ادام عنيا، تخيلي طفل لسة يادوب فهم الدنيا ومش اوي، يبقى شايف اللي بيحصل بين الراجل ومراته! ولو فضل يعيط ويصرخ، يفضلوا يضربوه لحد ما يظهر له صاحب قلام بقا وشلاليت وحزام وكل اللي قلبك يحبه! وعشان مايزعجش مزاجهم كانوا بيحطوا قماشة في بُقي وانا افضل كدة طول النهار، بتضرب وبشوف مناظر أقرف اشوفها وانا ف سني دا!
ولما تيجي ماما او بابا يرجع من شغله، يقولوا اصله طلع كالعادة الشارع من ورانا واتخانق مع العيال وضربهم وضربوه، وطبعا كأم واب مصريين يضربوني عشان اتعلم ان كدة ماينفعش.. نظر لوجهها المصدوم ليضحك بصوت عالي ساخرًا، ثم تابع بوهن متهكم:.
-امال يسبوني عياري يفلت إنتِ بتهزري؟!، امي بقا كانت من هواة الخروج، فكانت كل يوم تقريبا بتخرج وبترجع المغربية، ما الشغالة بتعمل الاكل وبتهتم بابنها الشقي اللي مغلبها دايما.. جم في مرة من المرات، الواد شيطانه وزه يجرب معايا، اصله كان غاوي الموضوع اووي! بس البت الخدامة طلعت أصيلة ومارضيتش تخليه يعمل فيا حاجة، سابوني عريان بعد ما قلعني هدومي في عز البرد متنشر لحد المغرب..
وبعد حوالي 3 شهور او شهرين امي جت فجأة بدري فاكتشفت اللي حصل، حاولت كتير تعوضني البهدلة، لكن انا طلعت فقري وماتت! انكمشت ضحكاته الساخرة كما تقلصت ملامحه لقوقعه صلبة من الألم المُميت... ثم نهض متجهًا لتلك التي بدأت تبكي عطفًا عليه..! ليصفق مشيرًا بيده يقول وهو يترنج: -بس عادي، فيها أية طفل 6 سنين يحصله كل دا، انا استرونج، وانسان آلي بردو مابتأثرش!
وفجأة فكها مسرعًا ليجعلها تنهض، ثم قال وهو يمسح دموعها بأصابعه: -سيبك من الغم دا كله، انا عايزك كادت تعترض بخفوت: -مُهاب أنت، آآ ولكنه سحبها للداخل بخطى سريعة، وبلحظات كان يدفعها للفراش وينزع عنها ملابسها، كان كالذي يعيش حُلم لا يعي منه سوى انه شريد! وهي تقاومه، ولكن ليس بطبيعتها، ربما من الشفقة عليه...!
واقترب منها، ولكن تلك المرة لم تكن ليلة حالمة ورومانسية عانقت القمر بل كانت قسوة، قسوة في لمساته وفي قربه العنيف...!
كانت حنين تجلس في منزل والدتها بعد إصرارها، وبعد أن جلبها حمزة في ذلك اليوم، كان معها بالأسم فقط! ولكنه ترك رجال اسفل المنزل ولا تراه سوى المساء عند قدومه للنوم.. تنهدت بقوة على تلك الإنقلابات التي تغير ألوان حياتها للحلكة على الفور...! سمعت صوت طرقات على الباب، ولكنه لم يكن موعد عودة حمزة.. فنهضت بتردد متجهة للباب، نظرت في -العين السحرية - فوجدت حمزة، ابتسمت بسرعة ثم فتحت بسرور تهتف:.
-حمزة، الحمدلله إنك جيت! أشار لها أن تبتعد وهو يقول بخشونة: -استني بس، لازم تشوفي حاجة تنحنح بهدوء ثم اكمل وهو يمد يده نحو الخارج: -تعالي يا شذى وبالفعل دلفت شذى تسير ببطئ وكأنها تستعرض تواجدها، فسألته حنين متعجبة بقلق: -أنت جبتها لية يا حمزة؟ وضع حمزة يده عند خصرها يقربها منه، وكحكمًا للأعدام سقطت جملته عليها: -شذى بقت خطيبتي خلاص، وقريب جدا هتبقى مراتي!
شهقت حنين وهي تعود للخلف مصعوقة من تقلل ذاك الحنون للذبح مباشرة...! وظلت تهمس بضياع: -يعني أية؟! يعني أنت هتتجوزها اومأ موافقًا بتأكيد قبل أن يتخطاها مع شذى: -اه ودا امر واقع ياريت تتأقلمي بسرعة، اصل شذى بتتمنالي الرضا ارضى!
مرت حوالي ثلاث ساعات وهي تجلس في غرفتها، تهز رأسها نافية بصدمة، ونيران غريبة عليها تشتعل داخلها عندما تتخيل ان تلك تحديدًا ستصبح زوجته، ستنام بين احضانه بنفس الطريقة التي نامت هي بها! ستعيش معه ليلة حالمة وناعمة كما حدث معها... إنتفضت تقف عند تلك النقطة، ثم خرجت مسرعة نحوهم لتجد شذى تحاول تقبيله برقة! إنتفض كلاهما على مجيئ حنين التي لم تُصدم، فهي تتوقع اي شيئ من تلك...
اشارت لحمزة وهي تقول بجمود: -حمزة لو سمحت تعالى وبالفعل نهض معها وما إن دلفا الغرفة حتى قالت حنين بتحدي مغتاظ: -لو هتتجوزها يبقى تطلقني يا حمزة ظل ينظر لها لدقيقتان، ثم تنهد وكاد ينطق، فسارعت هي تضع يدها على شفتاه مرددة بصوت اقرب للبكاء: -لا يا حمزة متقولهاش انا مش هقدر اتخيل انك مع واحدة تانية بعد ما كنت مراتك بجد! انا مش هقدر صدقني ثم نظرت لعيناه التي كانت تتابعها بترقب لتهمس:.
-حمزة أنا حبيتك، أنا بحبك وكنت بكذب على نفسي! انهت جملتها وكانت ترمي نفسها بأحضانه وتضم نفسها له بقوة ثم رفعت عيناها له ويداها تتحسس وجهه بنعومة، متابعة بنفس الهمس المذيب قبل أن ترفع نفسها لتقتنص قبلة رقيقة من شفتاه بخجل ونعومة انثوية: -بحبك...!