logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .







look/images/icons/i1.gif رواية ورطة مع السعادة
  10-01-2022 01:37 صباحاً   [10]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الحادي عشر

استيقظت فزعة على صوت جهاز الاستدعاء (الانتركم) يرن في إلحاح، نظرت الى ساعة هاتفها فاذا بها تجاوزت الرابعة فجرا بقليل، ماذا هناك يا ترى..!؟، اللهم اجعله خيرا، هتفت في وجل و هي ترتدى مئزرها المنزلى و تضع حجابها و تندفع خارج غرفتها حيث وجدت ياسين قد اندفع بدوره ليجيب في قلق: - ماذا هناك يا عِوَض..!؟.
استمع للحظات لصوت عِوَض على الطرف الاخر و أخيرا هتف في تأكيد: - بالطبع، اجعله يصعد على الفور..

ما كانت الا لحظات حتى تنبهت لذاك الظل لرجل يحمل احداهما و يدخل بها غرفة أشار اليها ياسين، كانت تقف هي في نهاية الرواق الطويل ترى الأمور من على البعد دون ان تتدخل، لا تعرف ما الذى يحدث بالضبط!؟.
لكن استنتاجها يؤكد انها حالة مرضية طارئة تستدعى تدخل ياسين..
ها هي تسمع صوته يناديها في إصرار: - يا دكتورة، احتاج لمساعدتك هنا على الفور..

لم تتردد لحظة و اندفعت لغرفة الكشف لتطالعها سيدة ممددة على سرير الكشف غائبة عن الوعى تماما، انها أقرب لفتاة منها لسيدة متزوجة و حامل في شهرها التاسع على حسب تقديرها المتواضع في تلك الأمور، كانت فتاة جميلة رغم شحوب وجهها الشديد نتيجة النزيف الذى يحاول ياسين إيقافه باستماتة..

نظرت اليه تلك اللحظة لتجد ياسين مختلف تماما عن من تعرفه، وجه صارم و قسمات مسيطرة و يد ماهرة تعمل بحرفية شديدة عاقد الحاجبين و قد اختفت الضحكة المجلجلة و الابتسامة الواسعة ليحل محلها التركيز
كانت تختفى تماما خلف جسد ياسين الضخم الذى تحرك في تلك اللحظة يلتقط احدى الأدوات الطبية ليطالعها الان ذاك الزوج الذى كان ينتحى جانباً لأحد أركان الغرفة في قلق و اضطراب و لم ينبس بحرف واحد..

في تلك اللحظة التي وقع نظرها عليه توقف الزمن، و بسرعة رهيبة عادت عجلته لما يقرب من ثلاث سنوات خلت لتتأكد انه هو، انه حازم بشحمه و دمه يقف هاهناك في توتر
و تساءلت سؤال احمق هي ادرى الناس باجابته، هل تلك الفتاة الممددة الان تصارع لإنقاذ نفسها و جنينها من براثن الموت هي، زوجته!؟.

بالتأكيد، إجابة لا مجال فيها للشك، نظرت مرة أخرى لملامح تلك الفتاة التي تزداد شحوب مع كل لحظة، هل هي تلك التي اختارها لتحل محلها و تصبح زوجته و تشاركه حياته و أحلامه و تكون اما لأطفاله..!؟.

هزت رأسها تطرد تلك الخواطر الحمقاء التي جعلتها تشعر بالذنب تجاه تلك الفتاة المسكينة التي يحاول ياسين انقاذها و جنينها باستماتة، وانتفضت من خواطرها عندما هتف فيها ياسين للمرة الثانية طالبا احد الأغراض الأقرب لها في عجالة، فاستجابت باضطراب حتى انه انتبه لتوترها فسألها في اهتمام: - هل انتِ بخير..!؟

أومأت برأسها إيجابا دون ان تجرؤ على النطق بحرف واحد فحلقها وصل لمرحلة الصحراء القاحلة و جف ريقها تماما تحت صدمة رؤية حازم بعد تلك السنوات..
انتهى ياسين أخيرا و استدار بكليته للزوج المتوتر هاتفاً في سرعة: - حاولت على قدر امكاناتى المتواضعة إيقاف النزيف مؤقتا، لكن زوجتك بحاجة لنقلها للمشفى بأقصى سرعة، و انا سأقوم باللازم..
اندفع ياسين خارج غرفة الكشف ليبدأ اتصالاته.

لتتضح الرؤية أمامها تماما و تراه بكل وضوح
يقترب في وجل من زوجته الراقدة و هو لا يدرى ما عليه فعله..
خرجت هي من خلف الحاجز الطبي الذى كان يحجب رؤيتها عنه لتصبح في مجال رؤيته تماما لتهتف في نبرة صادقة حاولت جعلها ثابتة الجأش على قدر استطاعتها: - باذن الله ستكون بخير..

كان سماعه لصوتها و رؤيته لها امام ناظريه وقع الصدمة الشديدة التي جعلته يتقهقر للخلف خطوة في عدم تصديق هاتفاً: - مى..!؟، هل هذه انتِ حقا..!؟.
ابتسمت في هدوء يتنافى مع دواخل نفسها المستعرة: - نعم يا دكتور حازم، انا هي..
دخل ياسين الحجرة ليهتف في ثقة: - لا تقلق ستكون زوجتك بخير باذن الله، ثوان و ستصل عربة اسعاف مجهزة لنقلها للمشفى لعمل اللازم..

لم ينتبه ياسين للصدمة التي تغرق الغرفة و تشملها وقد استدار باتجاه مى قائلا: - أشكركِ يا دكتورة على تعاونكِ، اتعبناكِ، يمكنكِ العودة
للنوم مجددا..
-لا، سأت معكم، فالدكتور حازم زميل قديم في المشفى الذى كنت اعمل به في الخارج..
هتف ياسين في حبور وهو يمد كفه لالقاء التحية بود حقيقى: - حقا..!؟، تشرفت بمعرفتك يا دكتور حازم..

رد حازم التحية في تيه عزاه ياسين لقلقه على زوجته، لم يطل الوقت حتى كانت سيارة الإسعاف تحمل المريضة للمشفى و خلفها كان ياسين و مى في سيارتهما..

جلس كل من حازم و ياسين و مى على الكراسى المقابلة لغرفة العمليات الجراحية
في انتظار ايه اخبار يجود بها الدكتور مؤمن صديق ياسين الذى أوكله الاشراف على علاج الحالة لثقته في كفاءته..
لقد طال انتظارهم القاتل خارج تلك الغرفة الباردة، و أخيرا خرج الدكتور مؤمن على عجالة ينزع القناع الطبي عن وجهه موجها حديثه لياسين: - لقد فعلت كل ما بوسعى لإنقاذ الام و جنينها، لكن للأسف لم استطع..

انتفض الجميع لكلماته التي أكملها لاهثا، إنقاذ الجنين، و الام فصيلة دمها نادرة و الكمية التي كانت في بنك الدم الخاص بالمشفى غير كافية، احتاج للمزيد، و فورا..
إنكمش حازم في لوعة يتخبط حتى انهار على مقعده ووقف ياسين لا يستطع الإتيان باى رد فعل حتى هتفت مى: - انها نفس فصيلة دمى و انا على استعداد للتبرع حالا..

هتف مؤمن: - حقا..!؟، و اندفع حازم واقفا و قد تبدى الامل في إنقاذ زوجته، بينما هتف ياسين و هو ينظر اليها في قلق: - الأهم ان لا يؤثر ذلك عليكِ، هل انتِ قادرة حقاً على التبرع..!؟.

أومأت بالإيجاب، أشار مؤمن لإحدى الممرضات لتقوم باللازم و قد هم ياسين بان يتبعها لولا ان جذبه مؤمن ليدخل معه غرفة العمليات ليساعده، تبعه ياسين بعد ان تنحى بالممرضة جانبا، و ألقى نظرة سريعة على مى قبل ان يندفع لحجرة التعقيم ليتبع مؤمن لغرفة العمليات..

انتهت الممرضة مما أوكل اليها لتنهض مى جالسة على الفراش الذى كانت تتمدد عليه لتتبرع بدماءها لإنقاذ زوجة حازم، و تغطى ذراعها المكشوفة التي كان وخز الحقنة به يؤلمها حتى بعد ان انتهى الامر..

غابت الممرضة لحظات و عادت تحمل بعض العصائر و المرطبات قدمتها لمى التي شكرتها رافضة في ذوق الا ان الممرضة هتفت في إصرار: - لا، لابد من تناولكِ لشئ ما، لا اريد ان يغضب منى الدكتور ياسين، لقد اوصانى بذلك قبل دخوله غرفة العمليات..
و ابتسمت الممرضة هامسة: - يبدو انه يحبكِ كثيرا و يخاف عليكِ..

ابتسمت مى في سعادة مفتعلة بل كادت تقهقه ساخرة وهى تقول لنفسها، كم هي المظاهر خادعة!، يحبنى..!، و نحن أعداء يتمنى كل منا الخلاص من صاحبه لتخلو له شقة العمر..

تناولت مى العصير و تجرعته في صمت، و عادت تجلس امام حجرة العمليات تنتظر خروج ياسين و اذا بحازم الذى فضلت الجلوس على مبعدة منه يقترب منها ليجلس بالمقعد المجاور لها و يهمهم محاولا البدء في الحديث الذى قطعته هي قبل ان يبدأ هامسة في صرامة: - لا عليك يا دكتور حازم، لست مطالباً بأى كلام ليس هذا موضعه او مكانه..
أغلق هو فمه في تفهم، و عاد لمكانه الأول..

وأخيرا انفرج الباب عن ياسين متنهدا في راحة و هو يقول: - الحمد لله..
هتف مؤمن الذى خرج من خلفه: - لولا الدماء التي تبرعت بها يا دكتورة ما تم انقاذها باى حال..
اقترب ياسين من مى هامساً: - هل انتِ بخير!
-نعم، لم تزد مى حرفا و قد شعرت بمدى اهتمامه و تحديقه بها فادارت رأسها خجلاً..
همس من جديد: - سأغير ملابسى على عجل لاصطحبك للمنزل، لترتاحى..

و اندفع فعلا ينفذ، و خلفه مؤمن، وقد لحقهما حازم بالشكر و العرفان لجميلهما ثم عاد ادراجه ليجلس من جديد على مقعده ينتظر خروج زوجته من غرفة العمليات ليتبعها لغرفة العناية الفائقة و لكن فجأة تندفع سيدة تخطت العقد السادس بقليل هاتفة في نزق: - ماذا حدث يا حازم، كم أخبرتك انها لا تُقدر النعمة التي بين يديها..!؟، انها لا تستحقك..
هتف حازم فيها بصوت مكتوم: - هذا ليس وقته يا امى، أرجوكِ..

انتبهت مى في تلك اللحظة لتلك النبرات المستفزة و ارتجف جسدها عندما أعادتها تلك النبرات لذكرى كثيرا ما حاولت وأدها في أعماق ذاكرتها لكنها عادت جلية حية في تلك اللحظة، انها امه، بالتأكيد هي، صاحبة الصوت ذو الرنة المميزة الذى ترك بها جرحا لم يندمل حتى تلك اللحظة، حاولت ان تضع كفها على اذنيها لتمحو اثر ذبذبات ذاك الصوت المقيت على روحها، لكن بدلا من ذلك، وجدت من يمسك بكفيها جاذباً أياها من على مقعدها يسألها: - يبدو عليكِ التعب جلياً، هيا بِنَا..

كان ياسين، صوته اخرجها من مأذق ذكرياتها المقيتة، و حجب بنبراته القوية المليئة بالأمان و الاهتمام نبرات تلك المرأة التى لا تزل تذكرها بوجعها..
جذبها ياسين خلفه و هو لايزل يحتضن كفها الا انه توقف عندما هتف حازم يناديه ليعرفه على والدته، كان ذلك فوق احتمالها، فهى كانت في سبيلها للابتعاد: - دكتور ياسين يا امى، له الفضل في إنقاذ زوجتى..

أومأت المرأة له بغطرسة واضحة دون حتى كلمة شكر واحدة، ثم أشار حازم لمى قائلا: - و هذه الدكتور مى، لولا تبرعها بالدماء ما تم إنقاذ نجلاء..
مطت امه شفتيها بنزق هامسة: - و ما الفائدة و الطفل قد مات..
تجاهلها حازم مكملا: - الدكتورة مى زميلة قديمة في المشفى الذى كنت اعمل به في الخارج..
انتبهت امه الان و قد التقطت إشارة ابنها، لتهتف في صدمة، : - هل هي، و لم تستطع ان تكمل تساؤلها و هي تنظر لياسين بريبة..

ليكمل حازم مؤكدا: - و الدكتور ياسين هو زوجها..
لتهتف ام حازم في صدمة لم تستطع إخفاؤها: - زوجها، حقا..!؟.
لينتبه ياسين لما يدور و الى وجه مى الشاحب و عدم نطقها بحرف واحد، فيدرك ان في الامر سر ما، و لا يعرف لما اندفع ليحتضن كتفى مى و يقربها اليه في مودة هاتفاً وهو ينظر لمى في سعادة: - نعم، زوجها، و لى الفخر طبعا.

ليمتقع وجه السيدة العجوز في حنق، و لا تنبس بحرف واحد، انزل ياسين يده من على كتفى مى و ضم كفها من جديد ليجذبها خلفه و يستأذن مودعاً، و نظرات المرأة المتغطرسة تتبعهم في عدم تصديق..

جلس كلاهما في السيارة في طريقهما للمنزل
و الصمت يشملهما كانت هي غارقة في ذكرياتها التي اثارتها رؤية حازم اليوم، و.

ومفاجأة رؤية والدته كانت القاصمة، وتنهدت بصوت مسموع لم تنتبه انه وصل لمسامع ياسين الذي كان يراقب خلجات نفسها مرسومة على ملامح وجهها الشاحب، لا يعرف ما الذى دفعه ليمد كفه ليحتضن كفها و للعجب لم تجذبها كما كان متوقع بل تركتها تركن للامان الذى تفتقده بين كفه، ابتسم في سعادة لردة فعلها الغير متوقعة و التي جعلته ينظر اليها في مودة قائلا: - الصراحة، زوجة الدكتورحازم كرمها الله بأم زوج، ملااااك...

انفجرت مى ضاحكة لتعليق ياسين، و لم تتنبه الا و هي تهتف مازحة: - المفروض انى احمد الله الف الف مرة، ففي يوم ما كنت سأكون مكانها..

قلت ضغطة كفه في احتضان كفها عندما استوعب الامر، و ادركت هي تأثير هذا الخبر المفاجئ عليه عندما انحرف مقود السيارة قليلا بين يده، قبل ان يترك كفها و يسيطر عليه بكلتا يديه، و يحل الصمت من جديد، حتى وصلا للمنزل، جمعهما المصعد وشملهما إحساس غريب في ذاك الحيّز الضيق، لا تعرف ما ذاك التوتر الذى شملها كلما رفعت نظرها لتقابل نظراته المتسمرة على وجهها..

انها تكاد تختنق، ليس من جراء ضيق المصعد بقدر ما كان بسبب تلك النظرات التي تراها تنبعث من عمق تلك العيون التي تتفرس فيها بذاك، ذاك ماذا..!؟، لا تعرف ما كنه ذاك الشعور المنبعث من حدقتيه الغائمة..
وصلا لطابقهما فخرجت من المصعد هاربة يتبعها هو في تململ عجيب..
قابلهما الحاج حسن و هو يفتح باب شقته يضع بعض من الأغراض خارجه، ابتسم في سعادة.

عندما رأهما لأول مرة قادمين من الخارج معا كأى زوجين طبيعيين، فهتف في غموض: - اكتمل الناقص، و لم يكتمل..
ودعهما بابتسامته المعهودة وهو يطالعهما لاخر لحظة قبل ان يغلق
بابه خلفه و هما يفتحا باب شقتهما، و لأول مرة لا تتعارك على أحقيتها في فتح باب شقتها بل تركته يفتح الباب بمفتاحها و يدفعه لتدخل هي، تضع قدمها داخل الشقة و كانها تدخلها لأول مرة أيضا يتملكها شعور عجيب، لا تستطيع وصفه او حتى تفسيره..

اندفعت لحجرتها تحتمى بها كعادتها، لكن أين يمكنها ان تحتمى من تلك الخواطر التي تطاردها و من تلك المشاعر العجيبة التي تنبثق من أعماق روحها تنذرها بان هناك شيء ما، غامض و آسر يجذبها اليه، و هي لا تستطع التراجع..
اندفعت لفراشها و أغلقت عيونها إرهاقًا و غطت جسدها بالكامل و تدثرت كشرنقة لعلها تهرب من ذاك الشئ المبهم، و أخيرا، غرقت في النوم، الذى دوما ما كان مهربها الوحيد..



look/images/icons/i1.gif رواية ورطة مع السعادة
  10-01-2022 01:38 صباحاً   [11]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني عشر

دخل حجرته، بعد تلك الليلة الطويلة، فمنذ الفجر و هم في عراك ما بين الموت و الحياة لإنقاذ حياة زوجة حازم، تنهد في تعب واضح
و تمدد على فراشه الذى ابتاعه حديثا بعد ان مل افتراش الأرض على تلك المرتبة..
أخذ حمام دافئ اعتقادا منه انه سينقله مباشرة لعالم الأحلام بعد ذاك الإرهاق طوال النهار..
لكن لا فائدة، فقد تقلب على الفراش لأكثر من ساعتين و لا نوم يأتي و لا حتى نعاس يقترب.

رأسه يغلى كمرجل من كثرة الخواطر و تداخلها و اضطرابها، و التي كانت كلها تدور حول تلك القصيرة القابعة بالغرفة المجاورة..
لا يعرف، ما تلك المشاعر التي بدأت في التحرك تجاهها، كثير من المسؤولية و قدر لا يستهان به من الاهتمام، و بعض من مودة مخلوطة بتعود محبب..
لقد عرف أين يكمن جرح قلبها، ذاك الحازم الاخرق، و أمه الشمطاء..

ادرك ذلك من تلك النبرة التي قالت بها جملتها الوحيدة في السيارة، انها لابد وان تحمد الله الف مرة لانها كانت في يوم ما ستكون في موضع زوجة حازم المسكينة، كانت نبرة تحمل القدر الكافى من الوجع و الألم، على قدر ما تحمل نفس القدر من الحمد و الشكر لانها لم تكن..

استطاع بسهولة ادراك مشاعرها و تضارب أحاسيسها في تلك اللحظة بمهارة و شفافية ادهشته هو نفسه في المقام الأول، كما ادهشه جرأته في إمساكه بكفها، و كذلك رد فعلها الذى زاد من تعجبه بقدر احساسه بالسعادة لحظتها..
تقلب على الفراش من جديد كانه ينام على فراش من اشواك تؤرق راحة باله و صفاء سريرته..
و فجأة، انتفض مندفعا من الغرفة على صرخاتها القادمة من خلف الجدران التي تفصلهما..

اندفع لداخل حجرتها دون استئذان، ليفتح ذاك الضوء الخافت بجوار فراشها ليجدها تنتفض و قد غطى شعرها القصير المتناثر ملامح وجهها
جلس على طرف الفراش و قد تناول من على المنضدة المجاورة كوب من الماء يقدمه لها هامساً وهو يربت على كتفها: - اهدأى، لم يكن سوى كابوس، لقد انتهى يا مى، انتهى..

رفعت وجهها اليه لتنكشف ملامح وجهها الملتاعة و قد هاله نظراتها الموجهة اليه بما تحمل من فرحة و عدم تصديق، لا يعرف ما الذى رأته في حلمها جعلها تنتفض بهذا الشكل و تنظراليه بهذا الفرح، كل ما كان يعنيه ساعتها هو تهدئة ارتجافات جسدها المتعاقبة و التي لم تنتهى بعد..
ربت من جديد على كتفها و هو يمد كوب الماء بقرب شفتيها لترشف منه في هدوء و لازالت نظراتها معلقة به و كأنها تتاكد انه لازال هنا..

وضع الكوب جانبا، و دفع كتفيها في بطء لتعاود التمدد من جديد و هو يزيح خصلات شعرها عن جبينها و يجذب الغطاء على جسدها
وما ان هم بالانصراف حتى وجد كفها الصغير يحتضن إصبعين من كفه و صوتها المتحشرج الباكى يهمس في ضعف و رجاء: - هل يمكنك البقاء بقربى قليلا..!؟.

كان ينوى الرفض، فنظراتها تلك تدفعه لمزيد من التشوش و عدم الاستقرار الذى يكرهه، لكن ارتجافة جسدها الان مع تلك الشهقة المنبعثة من أعماق روحها كتابع لبكاء حار و مضنٍ جعلته يومئ بالإيجاب بلا إرادة..

جلس مجاورا لها لا يعرف ما عليه فعله، الا انه وجد نفسه بغير وعى يمد كفه ليضعها على جبينها المتعرق و يهمس بأدعية بسيطة كانت دوما ما تجعله يغفو في حجر أمه عندما يصيبه الهم و تهاجمه الكوابيس، و كأن الادعية بصوت امه كانت الدرع الحصين لهجماتها..
لا يعرف لما تذكر تلك الادعية فجأة و تسلل اليه صوت امه العذب و هي تتلوها على جبينه الندى كجبينها الان..

ابتسم في شوق للذكرى، و استمر في ترديد أدعيته و تلاوة أياته، التي جعلتها تهمهم في راحة و تغرق في نوم عميق لم تنل مثله منذ زمن طويل..

شعرت بالبرد يحيطها و كانها تقف في مواجهة
ريح قوية تجعلها ترتجف مما جعلها تفكر في جذب الغطاء على جسدها كى تستمد منه بعض من دفء لكنها وجدت جسدها مكبل بأذرع من حديد لا تستطيع منها فكاكاً، اعتقدت انها تحلم
فقررت اخراج نفسها من ذاك الحلم الخانق و فتحت عيونها في رفق تتطلع حولها لتكتم أنفاسها في صدرها بقوة حتى لا تنتفض من هول ما رأته..

كانت بكليتها تقبع بين ذراعيه لا تستطع التحرك قيد أنملة كفاها نائمان على صدره و رأسها مزروع ما بين ذقنه و كتفه، و ذراعاه تحيطان بجسدها كأنهما أذرع من حديد يأسرانها..

لا شيء فيها يتحرك سوى عيونها التي ادركت بها الموقف بمجمله، و أخيرا تنبهت من أين يأتي ذاك البرد الذى تشعر به فاذا بها أنفاسه العميقة التي يزفرها فوق رأسها التي يرتكن عليها ذقنه، ارتجفت رغما عنها، و تعجبت على الرغم من غرابة الموقف الذى وجدت نفسها فيه الا انها ابتسمت في حبور، لا تعرف ما الذى دفعها للابتسام و لولا ما هي عليه لقهقهت ضاحكة، هل أصابها مس من جنون!؟، ربما..

رفعت رأسها ببطء شديد حتى لا توقظه و بدأت في ملاحظة قسمات وجهه و تفصيلات ملامحه الرجولية، جبهته العريضة و حاجباه الكثيفان، نزولا لعيونه المغلقة و رموشه الحادة ثم انفه الشامخ الذى يضرب وجهها بأنفاسه الحارة و هي لا تُبالى، و أخيرا شفتاه..
أزدرت ريقها في صعوبة، و صرفت نظرها عن وجهه و همت بان تشعره باستيقاظها الا انها عدلت عن الفكرة فورا، فكيف تجعله يدرك انها على علم بنومها في احضانه..!؟

الأحضان..!؟، دوما ما كانت تتساءل، ما كنه تلك المشاعر التي يستشعرها البشر في أحضان من يحبون..!؟، وها هي بين ذراعيه و في عمق احضانه و تشعر بأمان غريب ما مر عليها الإحساس به من قبل، شعور بالاحتواء و الرغبة في البقاء للأبد هاهنا، الرغبة في الاحتماء من ظلم العالم و مرارات الحياة، و بلا وعى منها دفنت رأسها في صدره كانما تستمد كل ما كان باستطاعتها ادخاره من أمان و حنان و دفء لتكتره في ايامها الباردة بعيدة عنه..

ادركت فجأة انه بدأ يتحرك في حذر معلناً استيقاظه فادعت هي النوم و أغلقت عيونها في سرعة لينسحب هو من الفراش مبتعداً و هو يلقى عليها نظرة أخيرة ليتأكد انها لاتزل نائمة.
هم بالرحيل و همت هي بفتح عينيها الا انها تنبهت بانه يعود ادراجه في هدوء لينحنى و يلثم جبينها في رقة و يندفع خارج غرفتها مغلقا الباب في حرص شديد..

ما ان تأكدت انه أغلق باب الغرفة حتى فتحت عيونها وهى ممددة تتطلع للسقف في صدمة و عدم تصديق، هل قبلها حقا..!؟.
رفعت كفها بتردد لتضع أصابعها على موضع قبلته على جبينها، و فجأة، تندفع من تحت غطاءها تقفز على الفراش كالمجنون الذى إصابته نوبة هيسترية قوية جعلتها تتقافز كالممسوسة في سعادة، و أخيرا تقذف بجسدها على الفراش و هي تلهث من فرط سعادتها، و جنونها..

مرت عدة أيام على تلك الليلة العجيبة، و الأعجب هو حالهما، فقد كانت تلك الليلة سبب جديد لتباعدهما في تلك العلاقة الغريبة التي تشبه حبل مطاطى..
فها هي لليوم الثالث على التوالي تحاول تجنب الظهور بحضرته و تنتظر خروجه او نومه و اعتزاله في حجرته حتى تستطيع الخروج من غرفتها و كسر عزلتها و لو قليلا..

دخلت للمطبخ تعد بعض الطعام، و فجأة تذكرت مشاعرها الدافئة و هي بين احضانه فابتسمت في حبور و شردت لتلك اللحظات و أخيرا رفعت كفها بشكل لا أرادى تتحسس موضع قبلته اليتيمة و تبتسم ابتسامة بلهاء هي عنوان وجهها منذ تلك الليلة، و أخيرا تستفيق على رائحة شيء يحترق على الموقد الذى تقف أمامه دون ان تنتبه، لتقهقه و هي تدفع الطعام المحروق بعيدا، و تحاول إنقاذ ما يمكنها إنقاذه.

وهى تهمس لنفسها مؤكدة انها حرقت أطعمة في الثلاثة أيام الماضية بقدر ما حرقت منذ تعلمت الطبخ..
انتبهت على خياله الذى مر بالمطبخ دون ان يستطلع ما يحدث بالداخل كعادته، حتى ان رائحة طعامها المحروق لم يسترع انتباهه..
انه يتجنبها بالمثل، لكن لما..!؟.
هي تتجنبه لانها لا قبل لها لمواجهته، فما ان يطالعها محياه و تتذكر تلك الليلة حتى تشتعل خجلاً لا تستطع مداراته أو إخفاء ملامحه البادية على وجهها..

لكن هو، لم يتجنبها، وقد وفرت على كلاهما الاحراج و الخجل و ادعت انها لازالت تغط في النوم..!؟.
انتفضت عندما أتاها صوت اغلاقه باب الشقة بعد رحيله فتنهدت و هي تهز رأسها في حيرة.
عادت لما كانت تصنع على الموقد، و ما هي الا لحظات حتى سمعت طرقا على باب الشقة
أغلقت المرقد خوفا من احتراق الطعام ربما للمرة العاشرة، و اندفعت تفتح الباب لتجده الحاج حسن يبتسم في وجهها كعادته..
-صباح الخير يا طبيبة عظامى..

انفجرت مى ضاحكة على اللقب الذى أطلقه عليها الحاج حسن متفكهاً..
و ردت في حبور: - صباح الخير يا حاج حسن، أرجو ان تكون عظامك بخير..
اومأ الحاج حسن مؤكدا: - بالطبع، انها بالف خير، وكيف لا و انتِ طبيبتها، و خاصة مع ذاك الدواء الذى وصفته لى في المرة الأخيرة، انه سحر، أعاد لمفاصلى شبابها الضائع..
ابتسمت مى في فخر: - اسعدنى سماع ذلك..

أبتدرها الحاج حسن متسائلا: - احتاج لبعض الأدوات اللازمة لاصلاح بعض الأغراض بشقتى، فهل اجدها لديكِ..!؟.
-لا اعرف، انا لا استطع التفريق بين تلك الأدوات و بعضها، لا خبرة لى بها..
أفسحت له الطريق و هي تستطرد هاتفة: - تفضل الى المطبخ حيث يمكنك التعرف على ما تريده..
دخل الحاج حسن و تركت هي الباب مواربا و توجها للمطبخ و اخذ يبحث حيث اشارت له..
و عادت ادراجها عندما سمعت طرقا على باب الشقة من جديد..

فتحت الباب لتفاجأ بحازم يقف و ابتسامة سمجة تكسو ملامح موجهه و بين كفيه باقة من الزهر و علبة من الشيكولاتة التي تفضلها، و التي ما ان ألقى التحية حتى ألقاها بين ذراعيها في عجالة مخافة ان ترفض استلامهما..
نظرت لهداياه القابعة بين ذراعيها و عادت للنظر اليه متسائلة في تعجب: - خيرا ان شاء الله، هل من جديد بخصوص زوجتك يا دكتور حازم..!؟.

ابتسم في اضطراب: - انها تشكرك و ترسل إليك محبتها و هذه الهدايا مجرد رد بسيط على ما تكبدته في سبيل انقاذها..
ردت في حزم: - أوليس من المفترض تقديم الشكر أيضا للدكتور ياسين، فالفضل الأول يرجع اليه، ام انى مخطئة..!؟.
اندفع هاتفاً: - أه، طبعا، بالتأكيد..
دفعت اليه هداياه وهى تقول في حسم: - اذن عد بهداياك عندما يكون موجود ليستقبلك هو في بيته و يرحب بها..

هتف حازم في حنق: - لا داع لهذه اللعبة يا مى، انا سألت و عرفت الحقيقة كاملة و، ما هي طبيعة علاقتكما..
تمسكت بثباتها و هي تجيب بنبرة حاولت تغليفها بالبرود: - حسنا، و ماذا تريد الان!؟.
هتف في لهفة: - أريد مى، مى التي أضعتها من بين يدى كالمغفل، و التي لن اسمح لاى من كان ان يبعدنى عنها من جديد..
ضحكت بسخرية: - حتى السيدة والدتك..!؟.

صمت و لم يعقب، لتقطع هي صمته الاخرق و تقول بحزم و صرامة: - هذا البيت لا تقربه من جديد، و ما عرفته عن علاقتى بالدكتور ياسين كان صحيح في البداية، لكن الان، انا زوجته و سأظل زوجته التي تحافظ على كرامته و اسمه، فرجاءً لا تقرب هذه البناية مرة أخرى، و اسقطنى من ذاكرتك القذرة للأبد..

رحل في هدوء غير مأسوف عليه و ظلت تتطلع اليه و هو يغيب داخل المصعد و تتعجب، كيف في يوم من الأيام احبت هذا الشخص و حزنت لابتعاده، دخلت الشقة لتترك بابها مواربا من جديد بعد ان تذكرت ان الحاج حسن لازال بالداخل يعبث بالادوات التي يبحث فيها عما يريده، و فجأة، تجد الباب يدفع بقوة ليدخل ياسين هائجا مندفعا اليها..

ما ان رأها أمامه حتى هجم عليها يمسك بمعصمها يهزها صارخاً وهو يغلق الباب خلفه في غضب هادر: - ماذا كان يفعل ذاك المسمى حازم هنا!، و هزها في عنف صارخاً من جديد: - انطقى، ما الذى أتى به..!؟.
لم تنطق بحرف واحد من شدة صدمتها لثورته و غضبه الهادر، انها المرة الأولى التي تراه فيها خارج عن السيطرة بهذا الشكل..

أستمر في هزها من جديد وهو يهتف في صوت كالرعد: - هل عاد ليجدد الود القديم و يعيد ما كان بينكما..!؟، هاااا..!؟، حسنا، لا مانع لدى فهذا شأنكِ لكن ليس و انتِ زوجتى و تحملين اسمى، حتى ولو كان زواجنا شكليا، فهذا لا يعطكِ الحق لتلويث اسمى، فهمتى..!؟

، لا تعرف ما الذى دهاها، ما الذى حل بلسانها و جعلها لا تسطع النطق بحرف واحد دفاعا عن نفسها و درأً أتهاماته الباطلة في حقها، لا تعرف ما الذى جعلها تقف خرساء لا قبل لها على مواجهته، تتقبل طعناته لكرامتها و كبرياءها، ولا تحرك ساكناً..
حتى دموعها أبت الظهور و ظلت تتطلع اليه بعيون زجاجية لا حياة و لا روح فيها..
حتى دفعا بعيدا عنه و هو يلهث من فرط عصبيته و ثورته الطاغية، و أخيرا..

قطع ظهور الحاج حسن من الداخل ذاك الجو المحموم، لينظر كل منهما اليه في صدمة..
هي نظرت اليه مصدومة و قد تذكرت انه لازال بالداخل و قد سمع كل ما قيل..
و هو نظر اليه مصدوما لعدم معرفته بوجوده من الأساس..
اقترب الحاج حسن و في يده مطرقة ما، و هتف في نشوة: - هاقد وجدت ما كنت ابحث عنه يا مى، أشكركِ يا بنتى..

وكأنه ادرك متأخرا وجود ياسين او هكذا ادعى، والذى كان يقف مشدوها و لم يتخلص من صدمة وجود الحاج حسن و الذى هتف في مودة: - مرحبا يا دكتور ياسين..

و بدأ في التوجه للخارج حيث شقته، و لكن قبل ان يفتح الباب مغادراً اتجه بكليته لمى و هتف في فخر: - احسنتى صنعاً بذاك الاخرق المدعو حاتم، او حازم، لم أتبين الاسم جيداً، رغم انه كان يحمل علبة من نوع الشيكولاتة الذى أفضله كثيرا، انفجر مقهقها، لكن لا بأس، فما فعلته به كافياً و زيادة ليمنعه من التفكير في المرور بذاك الشارع مرة أخرى لا الاقتراب من بنايتكما فقط كما حذرتيه..

رفع العجوز إبهامه في وجهها مؤكدا على صحة تصرفها ثم فتح الباب و غادر في هدوء مخلفا صمتاً ثقيلا، اثقل من الجبال، لم يقطعه الا اندفاعها في اتجاه غرفتها، لتترك ياسين يقف مشدوها يتطلع حوله في ذهول و قد غمره الندم، حد الغرق..



look/images/icons/i1.gif رواية ورطة مع السعادة
  10-01-2022 01:38 صباحاً   [12]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث عشر

مرت عدة أيام منذ ذاك اليوم المشؤوم الذى ظهر فيه ذاك الاحمق المدعو حازم على عتبة منزلهما بهداياه، لا يعرف بماذا شعر عندما رأه خارجا من باب البناية، كل ما استطاع تمييزه هو دماءه التي كانت تغلى غيرة و قهرا و حقدا عليهما معا، على حازم غريمه القديم الذى ظهر من جديد و تلك القصيرة التي بدأت تحتل بالفعل قدر لا يستهان به من اهتمامه، حتى انه لم يستطع تمييز حازم وهو يحمل هداياه عائدا بها بعد ان رفضت مى قبولها..

يا لغباء الغيرة..!؟، و كيف لها ان تُعمى التعقل و تعصب عينىّ الحكمة..!؟.
كم من المرات حاول الاعتذار..!؟، انه لا يتذكر كم من المرات خرج من غرفته عازما على الذهاب لحجرتها و طرق بابها حتى يعتذر منها و يطلب الصفح على ما بدر منه في حقها
و الان، هذه المرة ليست استثناءً، فها هو يقف امام باب حجرتها يهم بالطرق على الباب لكن شهقات بكاءها التي وصلت من خلف بابها جعلت كفه تتجمد قبل ان تطرق..

يا الله..!، هل لازالت تبكى..!؟.
لا يعلم ما الذى عليه فعله، هل يطرق بابها ليحاول ان ينتشلها من بكاءها الذى يدرك جيدا انه سببه..!؟، ام يرحل تاركا أياها، و لا يحاول الاقتراب اكثر من هذا من محيط حياتها!؟، فاقترابه ذاك هو ما جلب على كلاهما ما هما بصدده الان..
تسمرت أقدامه و شهقات بكاءها تمزقه و تفقده ثباته و تعقله المعتاد، لم يشعر الا هو يغادر محيط حجرتها هاربا من سياط تنهداتها الباكية.

دقات متتابعة على باب حجرتها و أخيرا صمت مطبق جعلها تمسح دموعها و تنهض تقترب من الباب تتسمع ما يحدث بالخارج..
منذ ما حدث من عدة أيام وهى تبكى بحرقة عندما تتذكر نظراته النارية المليئة بالشك و صراخه في وجهها بتلك الكلمات التي جرحتها بشكل قاسى، حصيلتها من الكلمات القاسية الجارحة في تزايد مستمر، كلما اقتربت من رجل ما، زادت بشكل مطرد ألامها و اوجاعها و دموعها، و ذكرياتها الحزينة..

انتظرت طرقات أخرى لكن لم يكن هناك الا الصمت الذى دفعها لتفتح الباب قليلا حتى ترى ما هناك، و لم ترى على مستوى نظرها الا الفراغ، همت باغلاق الباب لتجد على الأرض هناك امام عتبة بابها علبة كرتونية مربعة تحمل بداخلها كعكة ما و بجوارها يرقد حزمة رائعة من الورود التي تفضلها..

فتحت الباب و اندفعت تنحنى لتتأكد ان هذه الأشياء التي تراها رؤى العين هي حقيقة، تلمست الأزهار بأناملها و فتحت العلبة الكرتونية الملونة ببطء ليطالعها كعكة ضخمة بالشيوكلاتة التي تعشقها و يتوجها بطاقة تناولتها بكف مرتعش و هي تبتسم عندما طالعتها الكعكة و ذاك المثلث الكبير المفقود منها في احد الأركان..

فتحت البطاقة ببطء و دقات قلبها تتسارع بشكل جنونى حتى انها ما عاد باستطاعتها ألتقاط أنفاسها من فرط انفعالها فأغلقت البطاقة من جديد و هي تدفع نفسها دفعا للهدوء و تمالك الاعصاب و ألتقطت عدة انفاس عميقة على فترات متقاربة و أخيرا فتحت البطاقة في عجالة حتى لا تفقد شجاعتها من جديد لتطالعها الاحرف ترقص امام عينيها، لم تنتبه الا الان ان عيونها لازالت تملؤها الدموع، كفكفت دمعها و بدأت في القراءة: - اسف، لا اعرف كم مرة على تكرارها حتى تصفحى..!؟!، لكن، انا حقا أسف فقد تماديت كثيرا و لا عذر لى..

فغرت فاها غير مصدقة، هل يعتذر بحق!؟.
اى نوع من الرجال هو..!، لم يصادفها مطلقا ذاك الرجل الذى يعتذر، بل و يجيد أيضا فن الاعتذار..
لا تعرف كم استغرقتها افكارها امام كعكته و زهوره و هي ممسكة بتلك البطاقة، الا انها نهضت في عجالة و هي ممسكة بالبطاقة و قالب الحلوى و توجهت لغرفته لتطوق بابها في تحفز..

خرج هو متصنعا النعاس وهو يضع كفه على فمه متثائباً وهو يقف امام الباب ناظراً اليها و الى ما تحمله في تعجب مصطنع: - ماذا هناك يا دكتورة مى..!؟، هل قررتى الاعتذار أخيرا!؟، فعلتى الصواب..
هتفت حانقة: - دكتور ياسين، لم يكن هناك من داع لكل تلك التكلفة لتقول انك اسف..
هتف متعجباً: - انا..!؟، انا لم افعل..
هتفت بحنق متزايد: - و هذه البطاقة، و قالب الحلوى و الورود.!؟.

هز كتفيه مستنكرا: - لا اعرف من احضرهم، ربما عِوَض او الحاج حسن..
-انت تمزح بالتأكيد، ما الذى سيجعل الحاج حسن يأتي بقالب حلوى و زهور حتى باب غرفتى..!؟.
هتف ساخراً: - وما الذى أتى به في السابق لاجده خارج من مطبخنا يحمل أدواتنا بيده..!؟
هتفت في صدمة شاهقة: - انت تغار من الحاج حسن!؟.
هتف حانقاً لأول مرة: - انا لا أغار بالمناسبة..

قررت اثارة غيظه و الأخذ بثأرها: - حسنا، سأعتبر ان الزهور و الحلوى أعتذار رائع من الحاج حسن، فمن غيره يستطيع الاعتذار بهذا الشكل الرائع..!؟.
استدارت مغادرة ليندفع من الحجرة و يقف أمامها يسد عليها الطريق هاتفاً: - بالمناسبة، انا من وضع الكعكة و الزهور..
هتفت بصدمة مصطنعة: - حقااا..!؟.
هز رأسه مؤكدا: - نعم..
تساءلت في حذر: - هل وضعتها لتعتذر..؟!؟
-لا..

اصابتها إجابته بصدمة ظهرت في أعماق نظراتها لتجعله يستطرد هاتفاً: - الأزهار من أجل الاعتذار، اما الكعكة، فهى من اجل عيد ميلادكِ..
همست غير مصدقة: - عيد ميلادى..!؟.
-نعم، ألا يوافق اليوم ذكرى عيد ميلادك..!؟ لقد عرفته من بطاقتكِ الشخصية يوم عقد قراننا.

أجاب بكلماته الأخيرة سؤال راودها، لكن، لازال الذهول يكتنفها من أفعال هذا الرجل القابع أمامها الان، لم لا تستطيع الاستمرار في خصامه و محاربته..!؟، لم لا يمكنها الغضب منه و الاستمرار في السخط و الحنق عليه..!؟، انه يستطيع بأفعاله ان يمحو كل حقد و غضب و حنق يمكن ان تظل أيام تشحن نفسها بهم تجاهه..
اخرجها من خواطرها عنوة وهو يهتف بمرح و ابتسامته التي تهلكها تتوج ملامحه: - كل عام و انت طيبة و بخير..

همست بخجل و احراج: - و انت طيب و بخير و سعادة..
أشار هو لقالب الحلوى الذى تحمله متسائلا: - ألن نأكل قالب الحلوى الان..!؟.
هتفت ساخرة رغبة في مشاكسته: - أعتقد انك اكلت حصتك منه بالفعل..!؟.
ارتجت كالعادة جدران المنزل حتى هي كادت تسقط قالب الحلوى من اثر ضحكته الصاخبة و هو يهتف مازحاً: - كنت اتذوقها فقط..!؟.
لتجاريه مازحة: - بالتأكيد، كيف انسى، أطباق الأرز باللبن..

قهقه من جديد: - الم تنسى بعد..!؟، يا لك من سوداء القلب!.
هتفت ساخرة: - نعم، انا سوداء القلب، و انت وردى الملابس الداخلية..
هتف ساخراً: - البركة في، كان سيقول فيكِ لكنه عدل حديثه قائلا، في قميصكِ الوردى..
-حسنا، على اى حال، شكرا لك على تذكرك يوم مولدى..
-لا شكر على واجب..

اندفعت لغرفتها و هو تحتضن قالب الحلوى كطفلها و وضعت الأزهار في احدى المزهريات التي تصادفها دوما في ذهابها و ايابها حتى تظل دوما اما أعينها..
و قبل ان تدفع باب حجرتها لتغلقه هتف بها هو: - ألن أنال بعضا من قالب الحلوى..!؟.

لم تجبه، لكنها فعلت اكثر الأشياء حماقة و طفولية قامت به في حياتها، أخرجت له لسانها و هي تغلق الباب و قهقهت حتى دمعت عيناها، و تعجبت كيف خرجت من غرفتها على حال و دخلتها الان بحال مناقض تمامااا، و كلتا الحالتين هو سببهما الأوحد...

فتح باب غرفته بعد ان سمع عدة طرقات عليه
اندفع ليفتح الباب في سعادة و ابتسامة اختفت فورا من على شفتيه عندما طالعه الفراغ..

نظر للأسفل ليجد طبق به مثلث كبير من الكعكة قابع امام عتبة حجرته لتعاود الابتسامة الظهور على شفتيه من جديد و هو ينحنى ليلتقط الطبق و يقرأ ما خطته اناملها على تلك الورقة التي ألحقتها بالطبق، اعتذار مقبول جداا، كعكة راااائعة، لم استطع ان أتناولها وحيدة دون مشاركتك أياها، سلامى لشرفتك المتنامية، بالهناء و الشفاء....

انفجر ضاحكاً عند ذكرها لبطنه المنتفخة قليلا ليضع كفه عليها رابتاً في اعتزاز، و يبدأ في إلتهام الحلوى في شهية مستمتعا و على شفتيه ابتسامة رضا و، معدته تشاطره الفرحة و تزغرد لأجل قالب الحلوى، هديتها..

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 3 من 7 < 1 2 3 4 5 6 7 >




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
فى يوم ميلادها .. 20 إطلالة وضعت إليسا في ورطة مع جمهورها Moha
0 342 Moha
ريهام سعيد في ورطة بعد فيديو الذبح .. مطالب بإلغاء متابعتها Moha
0 265 Moha
نادين نجيم في ورطة والسبب هذا الكتاب Moha
0 326 Moha

الكلمات الدلالية
رواية ، ورطة ، السعادة ،











الساعة الآن 10:45 AM