رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع عشر
كانت تحبس نفسها اليوم بطوله داخل حجرتها تعمل على إعادة ذاك الحوار الذي عليها البدء به اثناء الحديث معه، كانت تكرره في آلية تضيف اوتحذف بعض الكلمات اوالجمل لتزيد من تأثيره بوجهة نظرها..
وعندما هل المساء واقتربت ساعة وصوله للفيلا وقفت امام المرأة تتطلع الي نفسها في سعادة فهذه هي المرة الأولي منذ وقت طويل التي تنظرالي وجهها وهيئتها في المرآة ولا تشعر بالخزي والعار تحذوها الرغبة الا تنتقل من امامها منتشية بذاك الشعور الذي تسرب الي روحها وجعلها بتلك السعادة..
وضعت غطاء رأسها وهى مترددة لكنها قررت الا تزيله الا امامه وبعد ان تقص عليه كل ما يعربد بداخلها من اوجاع، اليوم هي من ستحكي وهو سيسمع على غير العادة لكنها لن تقص عليه أساطير خرافية كما يفعل هو بل ستروي له قصة قلبها ومعاناة روحها، اليوم ستفتح صندوق الذاكرة كاملا لتخرج كل ما يعشعش بخاطرها وتدفع به بعيدا بلا رجعة..
نظرت الى الساعة فقد تأخر اليوم في العودة فقد أصبحت فترات غيابه عن الفيلا تطول يوم بعد يوم وعليها ان تجد حلا لهذا.. ابتسمت لصورتها في المرأة تهمس في عبث لنفسها: - سأجعله يكره الخروج من الفيلا بل سأجعله رافضا ان تطأ أقدامه خارج الغرفة رغبة في الا يفارقني ابدااا.. قهقهت وخبأت وجهها بين كفيها هامسة لنفسها: - أصبحت افكاركِ اكثر مجونا منه يا حياة..
شعرت بقدومه من الخارج فارتفع نبض قلبها للضعف دفعة واحدة حتى انها ما عادت قادرة على ازدراد لعابها اضطرابا فمدت كفها لكوب الماء على الطاولة قرب فراشها وارتشفت بعض منه وتنفست في عمق مندفعة تفتح باب حجرتها متجهة لحجرته حتى لا تخزلها شجاعتها المستحدثة تلك.. طرقت باب الغرفة ولم تجد إجابة فوبخت نفسها هامسة: - ادخلي، انه زوجك يا بلهاء..
دفعت الباب برفق تستطلع موضعه بالغرفة لكنه لم يكن بها حتى الحمام بابه مفتوح ونوره مضاء، اين ذهب يا ترى!؟، لقد وصل لتوه.. تسللت في هدوء الى الأسفل لتصل لغرفة المكتب التي استشعرت صوتا قادما منها..
كان هو بالداخل فعلا والباب مواربا همت بالدخول لكنها رفعت كفها عن مقبض الباب عندما سمعت صوته يعلو في انفعال قليلا وكانما يحاول السيطرة على ارتفاع نبرته المحتدة هاتفا في ضيق: - افعل ما اطلبه منك، اعرف اني اثقل عليك، لكن ما هي الا ايّام قلائل واحصل على ما ارغب فيه، كن صبورا وساسدد دينك بالكامل فلقد تحملتني كثيرا بالفعل..
تنهد في وجع يستمع لمحدثه على الطرف الاخر لينفجر فجأة مقهقها هاتفا في سخرية: - أخبرتك ان لا معنى لهذه الكلمة بقاموسي.. لقد انتهى عصر العاشقين يا صديقي، اجتماع رجل وامراة لا يعني الا ان الشيطان ثالثهما والأمر مجرد تلبية احتياجات، ما الذي يدفعني الى ارتكاب حمق التعلق بامرأة واحدة وانا لدي قبيلة من النساء الحسناوات بانتظاري.!؟، ان ذاك لجنون مطبق..
صدمتها كلماته فتحركت في آلية لا تعلم كيف وصلت لحجرتها بل أنها لا تدرك كيف حملتها قدمها من الأساس لتصل اليها، جلست في تباطؤ مرير على طرف فراشها وقد شعرت ان أهازيج الفرحة التي كانت تتعالي بين جنبات نفسها منذ قليل تحولت الى نعيق مشؤوم لمكان خرب مظلم هو روحها..
رفعت رأسها وقد بكت حتى فاض معين الدمع لتصطدم بوجهها في المرآة أمامها وتساءلت في ما يشبه الجنون، من هذه المطلة امامها!؟، هل هي نفسها ذات المرأة التي كانت كالفراشات خفة لا تكاد تساعها سماء ولا تقلها أرضا!؟.
ما الفارق!؟، الفارق دقائق، لا الفارق ليس زمنا، الفارق املا، الفارق هو ذاك الوهم الكاذب الذي غرست بذرته بقلبها وأسقتها يقينها وترعرع على رغبة بريئة حتى اضحى ذاك الوحش الذي يقتات اللحظة على فتات روحها المهترئة.. انتحبت من جديد وهي تدرك ان اسمها هو سر لعنتها، حياة، اي حياة!؟، حياة الفقد، حياة الوجع، حياة التعاسة والشقاء..
دخل شهاب لبيته صارخا في سعادة وهو يحمل بعض الأوراق يلوح بها لأخته التي كانت تجلس على طاولة بمنتصف الردهة تحضر طعام الغذاء لتترك ما كان بيدها منتفضة تتطلع اليه في عدم تصديق هاتفة في تساؤل متردد: - هل هي الأوراق التي..!؟.
لم تكمل سؤالها فلقد قاطعها شهاب يومئ برأسه عدة مرات في إيجاب مطلق، لتصرخ في سعادة تكاد تطلق الزغاريد تيمنا بهذا الحدث السعيد الذي لن يتكرر وأخيرا جذبت بكف شهاب امرة: - اتصل بها وأخبرها بما اتفقنا عليه.. هزشهاب رأسه طائعا وامسك بهاتفه يتصل بحياة الا انها لم ترد فتطلع لأخته مؤكدا: - لم ترد، هل اتصل من جديد!؟.
ابتسمت شادية في شماتة: - لا، أرسل لها رسالة وأخبرها ما سأمليك إياه وستجدها هنا في غضون دقائق من بعد قراءتها.. ابتسم شهاب مستحسنا الفكرة يكتب ما تمليه اخته من احرف مسمومة، واخيرا ضغط زر الإرسال لتتسع ابتسامته بينما تعالت ضحكات اخته في تشفي..
صعدت نهى الدرج حاملة صينية إفطار مخصوص لابنه خالها وابتسمت في حبور وهى تتجه نحو غرفتها تطرق الباب تنتظر منها اخبار الليلة الميمونة، طرقت باب الغرفة عدة مرات لكن لا مجيب.. توجهت لغرفة جدها التي كانت تحتلها حياة فربما باتا ليلتهما فيها، عدة طرقات متتابعة لتهتف حياة بها امرة إياها بالدخول.. فتحت نهى الباب في حرص وما ان وقعت عيناها على حياة حتى شهقت في صدمة..
دلفت للغرفة واضعة صينية الطعام جانبا واتجهت الى حيث كانت ترقد حياة بهيئة عجيبة افزعتها.. جلست نهى قبالتها على طرف الفراش تتطلع الى ثوبها وزينتها التي لطخت وجهها هامسة في قلق: - ما الامر!؟. همست حياة في هدوء عجيب: - لا شيء، لم يحدث شيء غير متوقع.. همست نهى تحاول الاستفسار: - هل تشاجرتما!؟. هتفت حياة بحزم وهى تنهض من موضعها في اتجاه الحمام: - لا مزيد من الأسئلة حول هذا الامر..
وقبل ان تدلف للحمام همست في حرج: - ورجاء خاص، اريد بعض المال على سبيل القرض بشكل مُلح وسأرده اليك من راتبي.. هتفت نهى في لهجة عاتبة: - المال كله مالك، كما انني قررت التنازل عن نصفه لأجلك بالفعل، فهذا حقك.. هتفت حياة في إصرار عجيب: - لا، المال مال جدي رحمه الله وهو قررالى من يعطيه ولا تبديل لقراره، اريد المال في اسرع فرصة، و..
قطعت كلماتها متطلعة حولها تبحث عن هاتفها لكنها لم تجده بالغرفة فهتفت بنهى: - ابحثي عن هاتفي من فضلك فلم اتفقده منذ البارحة، يبدو اني نسيته بالأسفل، هيا.. اومأت نهى في طاعة رغبة في عدم اثارة غضب ابنة خالها التي تبدو في حالة عجيبة تشعرها بالقلق عليها..
كان ادم بالمكتب يبحث عن هاتفه فيبدو انه نسيه عندما كان يتحدث به ليلا وتركه جانبا عندما جلس يقرأ قليلا ولم يصطحبه معه لحجرته، تراءى امام ناظريه ضوء لشاشة هاتف أضاء نورها فجأة واختفي فوق المكتب فاتجه اليها في ثقة معتقدا انه هاتفه فإذا به هاتف حياة واحدهم يتصل بلا اسم.. كاد ان يرد لكن الرنين توقف ليأتي اشعار برسالة قرأ بعضا من نصها مكتوبا على شاشتها الخارجية: - انا شهاب، تعالي الي بيتي حالا والا، .
حاول ان يدخل لمحتواها حتى يكمل القراءة ويقوم بحذف الرسالة من الأساس الا ان الهاتف كان يحمل رمزا للمرور فلعن في سره وانتفض واضعا الهاتف بجيب سترته ما ان استشعر قدوم احدهم.. هتفت نهى وهى تدخل الى المكتب في أريحية: - صباح الخير أدم، الم تر هاتف حياة.. اندفع راغبا في الخروج من حجرة المكتب هاتفا: - صباح الخير يا نهى، ساتغيب الليلة قليلا، فأرجو ان..
رنت نهى على هاتف حياة ربما سقط منها في مكان ما ولا تستطيع الوصول اليه.. سمعت الرنين بالفعل قادم من جيب سترة ادم الذي لم يكن قد غادر الغرفة بعد فادعى الدهشة مخرجا الهاتف من جيبه يهتف مبررا: - ها هو هاتف حياة، كنت اعتقده هاتفي لانه مفقود أيضا.. تقبلت نهى مبرره في سلاسة وهتفت في مرح: - يبدو انه يوم ضياع الهواتف..
واتصلت بهاتفه ليرن فعلا بالقرب من احد الكتب الموضوعة جانبا بركن الغرفة ليهتف ادم في امتنان: - ها هو، اشكركِ، على الذهاب.. تناول هاتفه واندفع خارج الفيلا يلعن ذاك الحظ العسر الذي أتى بنهى قبل ان يغلق حتى الهاتف فلا يرن بجيبه..
طرقات على الباب جعلتها تسرع لتفتح تنظر الى ذاك الذي يقف متحفزا يتساءل في لهجة حادة: - هل اخوكِ هنا!؟. هتفت شادية في ميوعة وهى تقف تسد الباب واضعة كفا بخصرها تقيم ادم بناظريها: - نعم هنا.. ونادت بصوت جهوري ليظهر شهاب مستيقظا لتوه من غفوة الظهيرة متجها للباب هاتفا وهو يتثاءب: - من يطلبني..!؟.
اصبح الان في مجال رؤية ادم الذي أزاح شادية جانبا وكال لشهاب لكمة قوية جعلته يصرخ في الم ويسقط ارضا هاتفا بثورة: - انا من يطلبك، هل لديك مانع!؟. عاد ادم للباب مرة أخرى جاذبا منه شادية التي كانت على وشك الخروج منه صارخة تستدعي الجيران دافعا بها للداخل لترتطم بالحائط وتقف متسمرة لا تدري ماذا يحدث، اغلق ادم الباب بالإقفال المتعددة.
وعاد مرة أخرى لشهاب الذي صرخ يحاول التقهقر حتى لا تصله يد ادم لتصرخ شادية في ذعر: - من هذا يا شهاب!؟، وماذا يريد منك!؟. هتف شهاب مذعورا قبل ان تمسك به يد ادم مرة أخرى: - هذا زوج حياة.. صرخت فهتف بها ادم امرا في صرامة: - اخرسي، رغم اني لم امد يدا على امرأة من قبل لكن سيكون دورك هو القادم ان سمعت لك صوتا..
ابتلعت صوتها مذعورة الا ان اخوها هتف يستحثها: - بل اصرخي يا شادية، سيقتلني، اصرخي لاستدعاء الشرطة.. ظلت شادية على صمتها رعبا رغم توسلات اخيها وادم يكيل له اللكمات الواحدة تلو الأخرى وهتف أخيرا وهو يرج جسده في غيظ: - لم أرسلت الرسالة لحياة!؟، ماذا تريد منها انت وهذه الحية!؟، اما كفاكم ما فعلتماه بها!؟. ودفع بجسده يطوحه حتى سقط على الطاولة يصرخ فيه امرا: - انطق، ماذا كنت تريد منها!؟، ولمَ..
صمت ادم ولم يكمل سؤاله فقد كان جسد شهاب ملقا على بعض الأوراق التي تناثرت هنا وهناك فوق الطاولة، دفع ادم بجسد شهاب بعيدا متطلعا الى الورقة التي تحمل اسم حياة ليرفعها بين يديه يقرأها ويتناول غيرها وغيرها حتى انتهى من جمع الأوراق وتطلع الى شهاب وشادية في احتقار متحدثا من بين اسنانه في غيظ: - اهذا ما كنتما تخططان له!؟، تزوير تاريخ الطلاق ونوعه، تلاعبت باليوم حتى تظل حياة الى اللحظة في عدتك ويكون من حقك إعادتها لعصمتك اوابتزازها حتى لا تشهر الأوراق وتصبح هي عرضة للسجن بتهمة تعدد الأزواج، وكذا أبدلت كوّن الطلاق على الابراء الى طلاق رجعي حتى يكون لك حق إرجاعها دون موافقتها، أي شيطان انت!؟.
وتطلع الى شادية وصرخ: - بل شيطانة، فهذا الاحمق اخوكِ لا يمكن ان يدبر مثل هذا التدبير الابليسي منفردا.. وألتقط أنفاسه هامسا في نفاذ صبر: - حسنا، فعلتما كل هذا سعيا خلف مالها، اذن فلتسمعا البشرى، جد حياة اخرجها من الوصية وكتب كل ما يملك لحفيدته الأخرى نهى ولم تعد حياة تملك مليما..
شهق كل من شادية وشهاب ليستطرد متجاهلا صدمتهما امرا: - ورغم ضياع المال الذي كان همكما الأول الا اني اقسم ان فكر أحدكما مجرد تفكير في الاقتراب من حياة لأي سبب كان فسيكون عاقبته امر من أمرين لا ثالث لهما.. وضغط على أسنانه مستطردا في صرامة: - السجن اوالقبر..
وتطلع اليهما في اشمئزاز ثم اندفع يفتح الباب ليخرج صافقا إياه في عنف كاد ان يخلعه لينظر كل من شادية وشهاب لبعضهما وقد تلاشت كل آمالهما في الحصول على مال حياة كما تتلاشى الكتابة على سطح الماء..
هتفت نهى وهى في سبيلها للخروج لحياة التي تجلس ببهو الفيلا في شرود مؤكدة: - حياة، لقد توقف هاتفك عن العمل فيبدو انه كان بحاجة ليشحن، وضعته بحجرتك على الشاحن.. هزت حياة رأسها متفهمة ولوحت لنهى التي اندفعت من باب الفيلا في اتجاه الشركة وهمست وهى لاتزل على شرودها: - يبدو انه ليس الوحيد الذي في حاجة للشحن..
لا تعرف كم مر من الوقت وهى على حالها تجلس بموضعها حتى دخل ادم للفيلا فانتفضت لمرأه واتجهت اليه تقف قبالته هاتفة: - علينا التحدث.. هتف ادم بلامبالاة: - ولما لا تفضلي.. أشار لحجرة المكتب لتندفع اليها حياة وهو في أعقابها مغلقا الباب خلفه.. ما ان استدار لمواجهتها حتى بادرته متسائلة في هدوء: - متي احصل على الطلاق..!؟ هتف في لامبالاة: - ولما أطلقك!؟.
هتفت تحاول السيطرة على أعصابها: - اعتقد انه قد حان الوقت للانفصال وليمض كل منا بطريقه.. همس مقتربا منها: - وما الضرر بتقاطع طريقينا، فانا مرتاح جدا في حياتي معك ولا رغبة لي في العودة لحياة التنقل هذه، هتفت بانفعال وقد بدأت تفقد السيطرة: - انت لا تختلف عن اي منهم، كلكم طامع، كلكم يبحث عن المصلحة من بقاءكم قربي والتواجد بحياتي، لكني لا اريد احدا، ولا احتاج أيكم ابدااا..
هتف مؤكدا في هدوء: - وليكن، لا اعتقد ان ذلك هو الوقت المناسب لانفصالنا على ايه حال..
تطلعت اليه في وجع وساد الصمت لبرهة، اقتربت منه في ثبات عجيب حتى اصبحت قبالته تماما وأخيرا همست بصوت كالانين وبنبرة مشروخة ألما: - فهمت، انت لم تحقق مقصدك من تلك الزيجة وهو الحصول على المال اوعليّ انا، بنظرك الصفقة خاسرة، وطالما ان حصولك على المال اصبح صعبا بعد وصية جدي التي جردتني من ارثي اولنقل حتى بعد اقتراضي المال من نهى فلن يرضي ذلك طموحاتك العالية، اذن لم يتبق الا الحصول عليّ انا لتصبح الصفقة الى حد ما رابحة، الحصول على المال ولا ضرر من بعض المتعة، كان ذلك هدفك منذ البداية، مذ كنّا على تلك الجزيرة وانت تسع خلف إرضاء نزواتك، كنت اعتقد ان رغبتك تلك لانني كنت الاختيار الوحيد المتاح وقتها وقلت لنفسي بعد عودتنا انك ستصرف نظر عن تلك الرغبة فانا لم اعد خيارك الأوحد بل ربما أكون الاختيار الاخير في قائمة حسناواتك التي لا تنتهي، لكن يبدو انك لا تترك امرا قد عزمت على نيله مهما كانت الظروف..
صمتت تزدرد ريقها مستطردة في قوة وهو يقف امامها كالمسمارلا يحرك ساكنا: - صدقني، ما عاد لدي ما امنحه لك، فانا لا اصلح للمتعة اطلاقا.. ساد الصمت وطال تبادل النظرات بينهما لتهتف صارخة في نفاذ صبر: - الا تصدقني..!؟، حسنا، هاك الإثبات..
وجذبت عن رأسها غطائه بعنف ليظهر رأسها الحليق وشعرها الذي بدأ ينمو قليلا واخيرا رفعت كفيها ممسكة بطرفي ثوبها من خلف الرقبة جاذبة سحاب الثوب لينفرج دفعة واحدة لتستدير بعنف ليتطلع لصفحة ظهرها الممتلئة بالندوب للحظة قبل ان تعاود النظر اليه من جديد هامسة وابتسامة تقطر وجعا ترتسم على وجهها: - ها قد رأيت، انا ابعد ما يكون عن صورة امرأة تمنح المتعة، انا مجرد حطام امرأة بشعر حليق وجسد تعلوه الندوب وروح مشوهة، اذهب وابحث لك عن امرأة بحق، امرأة لديها ما تهبه لك، اما انا، فقدت اكتفيت من لعبة العشق وخداع القلب، فقد اخطأ من اسماني حياة، ألم تكن هذه كلماتك!؟.
كان يتطلع اليها في صمت محير لم ينبس بحرف واحد نظراته اليها لم تهتز للحظة لكنه لم يفه بكلمة وهذا ما كان يقتلها، ليته يتكلم، ليته يفصح عن دواخله، ما عادت قادرة على التطلع الي نظراته التي كانت تحمل شعورا ما لم تستطع قراءته في خضم اضطرابها لذا فانها استدارت توليه ظهرها حتى تعطيه الفرصة الكافية ليرحل دون حرج..
اقترب منها في هدوء ليقف خلفها مباشرة ومد أصابعه متحسسا احدي الندبات البارزة على ظهرها لترتجف وقد نكست رأسها الحليق ودمعها يسيل على خديها في صمت، انحدر كفه ممسكا بسحاب الرداء مغلقا إياه في بطء ثم انحني متناولا غطاء رأسها واستدار ليصبح في مواجهتها وهي تقف في استكانة غير قادرة على التطلع اليه وقد عرت اوجاع روحها امامه..
وضع غطاء رأسها على هامتها ودفع بطرفيه على كتفيها ومد يده يرفع ذقنها لتطالع عيونها الدامعة عيونه التي كانت لا تزل تحمل نفس النظرات المبهمة وبأصابع كفه الاخراخذ يزيل خطوط الوجع التي رسمتها تلك الدموع على وجنتيها، اقترب منها في وجل وقرب جبينها ليلثمه في بطء قبل ان يبتعد عنها متطلعا اليها من جديد كانما كان يحفظ قسمات وجهها عن ظهر قلب واخيرا اندفع ليفتح باب الغرفة راحلا تاركا إياها تتطلع الي موضعه حيث غاب ثم تسقط على ركبتيها باكية في قهر..
ظل اليوم كله خارج الفيلا بل انه لم يعد للمبيت فيها وباتت هي ليلتها تتقلب على جمر بعد تلك المكاشفة التي دارت بينهما، امسكت بهاتفها الذي نسيته تماما منذ البارحة وتطلعت الى الرسائل لتنتفض ما ان طالعتها رسالة شهاب..
انطلقت بسيارتها عازمة على وضع حد لهذا الرجل الحقير، عليها التصرف بنفسها منذ هذه اللحظة فلقد انتهى عصر الاعتماد على جدها الراحل في تسيير أمورها وعليها ان تكون قادرة على اتخاذ قرارتها وتنفيذها وتحمل تبعاتها مهما كانت.. همت بالخروج من الفيلا الا ان احد أفراد الأمن استوقفها هاتفا: - سيدتي، لقد ترك السيد ادم هذا الظرف لكِ...
تناولته في آلية وتركته جانبا على المقعد المجاور وهى تندفع الى حيث وجهتها لتنهي امرا لابد من إنهائه للأبد.. توقفت امام ذاك البيت العتيق الذي أزكمت انفها رائحته العطنة وصعدت درجاته التي اعتلتها يوما يحدوها الأمل في حياة لكم تمنتها، توقفت عند باب الشقة المرجو وطرقته لينفرج عن محيا اخر امرأة كم تمنت عدم رؤيتها ما حيت رغم ذلك تطلعت اليها في قوة لا تعلم من اين واتتها اللحظة..
أفسحت لها شادية الطريق في هدوء على غير العادة لتدلف حياة الي ذاك البيت تقف في منتصف الردهة تتطلع لكل ركن فيه وكانما تسترجع ذكريات الوجيعة التي عاشتها بين جنباته.. صرخ شهاب من الداخل: - لا، شادية، ارجوكِ لا تسمحي له بالدخول، دعيه يكف عني.. هتفت حياة في تعجب: - عن من يتحدث اخيك الأبلة!؟، وما هذه الرسالة التي أرسلها لي..!؟.
هتفت شادية في غل مكبوت: - انسي امر الرسالة فما عاد لها أهمية بعد علمنا بانك خرجت من وصية جدك خالية الوفاض.. قهقهت حياة: - اهااا، لقد فهمت، كانت من اجل ابتزازي ليس اكثر، ولكن ابتزازي بماذا!؟، ما حيلتكم القذرة هذه المرة!؟. هتف شهاب وهو يخرج متوكزا على الحوائط في الم: - لم نعد نريد شيئا ولم يبق معنا ما نبتزك به..
شهقت حياة ما ان وقع ناظريها عليه فقد بات محطما تماما كمن خرج لتوه من صراع مع احد الافيال فهتفت متسائلة: - من احدث بك كل هذه العاهات التي تستحق!؟. هتفت شادية في غيظ: - ألا تعرفين!؟. هتف شهاب منكسر النبرة: - انه زوجكِ، لقد جاء الى هنا واوسعني ضربا، بل جاء مرتين، امس صباحا ومساءً، كانما اصبح ضربي هوايته المفضلة..
واستطرد صارخا في وجع باكيا: - ارجوكِ يا حياة، دعيه يرحمني، لم اعد احتمل، وانتفض هاتفا في تأكيد: - ونحن أخبرناه اننا لن نقترب منك ابدا.. وتطلع لشادية اخته يحثها على موافقته: - الم نفعل يا شادية!؟، هااا، انطقي.. اكدت شادية ممتعضة: - بلا فعلنا، فما حاجتنا اليكِ وانت اكثر افلاسا منا، كما انه اخذ كل الأوراق التي كنّا سنساومك عليها.. تنبهت حياة متسائلة: - ايه أوراق!؟.
وتذكرت فجأة ذاك الظرف الذي أعطاه لها الحارس وتركته بالعربة.. هتف شهاب مستعطفا: - ارجوكِ يا حياة، لا تسلمي الأوراق للشرطة، ارجوك ِ..
هتفت حياة نتطلع اليه في ألم مكبوت منذ زمن: - الان تتذلل!؟، كم من رجاء تذللت به اليك!؟، لما لم تسمعني!؟، لم تركت هذه الحقيرة تفعل بي كل ما يحلو لها في سبيل الحصول على مالي!؟، مالي الذي أقسمت لكما مرارا اني لا أملكه وان جدي قد جعلني أتنازل عن كل مليم حتى أستطيع الزواج بك، لكنك لم تصدقني.. وتوجهت بحديثها لشادية وصرخت بوجهها هاتفة في وجع: - اتذكرين هذا الركن!؟.
وأشارت لركن بعيد مستطردة: - هذا الركن الذي كنت ألقى فيه مكبلة لتستمتعي بحرق جسدي كى اخبرك اين أخبئ مالي المزعوم وتدفعي بي كى اشاهد بائعات الهوى في أحضان زوجي لانني لست بامرأة تستحق ان تكون زوجة تهب زوجها ما يستحق، وأخيرا، قمت بحلاقة شعري لاني كنت أزهو به، على حد قولك.. هتف شهاب في نبرة كسيرة: - انتِ على حق تماما، لكن صدقا انا لم ارض عن كل ما فعلته بك شادية، انا..
صرخت به حياة: - انت كنت اكبر خطيئة ارتكبتها بحق نفسي وجدي، انت الذنب الذي لا يغتفر، تركتها تفعل بي كل تلك العذابات ولم تحرك ساكنا..
وتحشرج صوت حياة هاتفة في حسرة: - حتى طفلي، طفلنا، لم تستطع حمايته من جبروت اختك والتي ما ان علمت بحملي حتى اذاقتني كل صنوف العذاب وأخيرا قامت بإجهاضي ولم تحركك توسلاتي وانا اصرخ امام ناظريك بان تحمي طفلنا، لكنك لم تسجيب الا عندما تاكدت اني على وشك الموت فحملتني للمشفى، لا لعلاجي اوحتى محاولة لإنقاذ الطفل بل لتستدعي جدي لتساومه على طلاقي في مقابل بعض المال حتى لا يصبح صفقة زواجي منك خاسرة على حد قول تلك الحقيرة..
هتفت شادية في لامبالاة: - لقد مر الامر، وها انت بخير، فدعينا لحالنا واذهبي لحال سبيلك.. قهقهت حياة في وجع: - بخير!؟، عن أي خير تتحدثين!؟، لقد استمر علاجي بالمشفى من اثر أفعالك ما يقرب من الشهرين بجانب العلاج النفسي لترميم بقايا روحي التي ازهقتموها ذلا وقهراً.. وهتفت حياة في إصرار: - لن أسامحكما ما حييت، فالرحمة والمغفرة تعطى لمن يستحق..
اندفعت حياة تفتح الباب هاربة فقد شعرت بالاختناق داخل هذه الجدران العفنة وقد شعرت أخيرا انها تحررت من أوجاعها التي ذاقتها بداخل هذا البيت..
دخلت سيارتها فوقع نظرها على الظرف الذي ارسله ادم فتحته على عجالة لتجد بعض الأوراق ورسالة منه، وضعت الأوراق جانبا وقرأت الرسالة في عجالة ولهفة: - هذه الأوراق هي وسيلة ثأرك، ان شئتِ العفو اجعليها سلاح تهديد بيديكِ لحمايتك وان شئتِ الانتقام فقدميها للشرطة، وداعا ..
تطلعت للأوراق تتفحصها لتدرك تلك المكيدة التي كانت على وشك الوقوع فيها لولاه، اعادت قراءة الرسالة مرة أخرى ليقع نظرها على الكلمة الأخيرة، وداعا.. دمعت عيناها وشعرت بحيرة وتشوش لم تستشعرهما يوما.. وتساءلت ربما للمرة الأولى منذ رأته، من انت يا ادم عبدالخالق!؟، ولما لك وجهان متعاكسان بمرآة القلب لا اعلم إيهما وجهك الحقيقي!؟، من انت!؟.
صرخت بداخلها ودموعها تغشى عينيها وهى تندفع مبتعدة بسيارتها لا تدرك كونه يترقبها باعين حارسة من البعد حتى تأكد انها بعد مواجهة الماضي، رحلت في سلام.
رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس عشر
شهر كامل ما وطأت قدماه ارض الفيلا و لا ابصرت حتى محياه بالشركة، والأسبوع الأخير كان فيه من الفوضى والمفاجآت ما أربكها تماما وخاصة مع عدم وجوده.. لقد انقلبت الامور بعد رحيله بسرعة عجيبة واتضح ما بين عشية وضحاها خيانة مهنى مدير أعمالهما واستطاع ذاك الموظف الجديد المدعو سامي الحصول على ما يدينه ويؤكد خيانته للامانة التي تركها جدها بين يديه.. تحقيقات واستدعاءات جعلت رأسها يدور..
وما عاد لديها القدرة على الصمود امام ذاك التشويش، لكن اخيرا انتهى كل هذا، دخلت غرفتها غير قادرة على التفكير للحظة اخرى وودت لو كان لديها إمكانية إيقاف عقلها عن العمل لبعض الوقت حتى تهدأ وتعود لطبيعتها، يا ليتها تملك زرا للتخلص معاناتها وخاصة إمكانية حذفه من مخيلتها كليا لتستأنف حياتها من جديد..
انه كالظل الذي يتبع افكارها وخواطرها ويلوح كالشبح ما بين طيات ذكرياتها ويتسلل كلص سارق النعاس من أجفانها، لقد رحل منذ اخر مواجهة بينهما، غادر حتى دون ان تشكره على كل ما فعله من اجلها، على تخليصها من شبح الماضي بمواجهته والثأر لحقها المسلوب وكرامتها الضائعة واتخاذ قرارها بتسليم الأوراق التي عثر عليها مع شهاب للشرطة لتقتاده وأخته خلف القضبان لتطوي صفحة الماضي بلا رجعة..
رحل بعد ان اقتنع اخيرا إنها لا تصلح له فهو احق بامرأة افضل، امرأة تهبه ما يستحق لانه يستحقه عن جدارة لا امرأة بجسد معطوب وقلب جريح وروح مهلهلة، تنهدت في وجع وجلست على طرف فراشها تتطلع حولها في تيه تشعر ان موضع ما داخلها يتلوى ألما لا تدرك كنهه كلما جال بخاطرها ذكره، دمعت عيناها لسبب تجهله او ربما تتجاهله، انه الحنين، الحنين لصوته ومزاحه ومرحه وحتى مجونه..
تنبهت عندما تناهى لمسامعها اشعار ما، فتحت حقيبتها وتناولت جوالها معتقدة انه امر ما يخص الشركة والتحقيقات مع مهنى ذاك النصاب الذي استغل ثقة جدها واختلس الكثير من أمواله وزور الكثير من قرارته لصالح منافسين..
حتى انه باع بعض الأسرار الخاصة بشركة جدها لبعض الطامعين، كان جدها يعلم كل هذا فسمعته الطيبة بالسوق وصلاته المختلفة جعلت البعض يحذره من مدير أعماله الذي استولى على إدارة كل شيء وما كان جدها بقادر على تغير الامر الواقع لانه لا بديل حتى ظهر سامي الذي كان مهنى يرفض تعيينه لولا تدخل نهى لتؤكد انه الأفضل من بين من تقدموا للوظيفة وكانت على حق تماما فلولاه لظل الوضع على ما هو عليه..
فتحت الرسائل الصادرة ليطالعها اسمه، نبض قلبها تسارع بشكل عجيب، تسمرت للحظة قبل ان تضغط زر الاستماع لهذه الرسالة الصوتية التي ارسلها.. صوته الرخيم الذي اكتشفت انها اشتاقته حد الوجع هز وترا مشدودا داخل روحها جعل قلبها يترنح وجدا، حاولت اشعار نفسها.
بثبات وهمي وان تركز على فحوى الرسالة والتي همس بكلماتها في شجن: - حياة، هذه هى اخر رسالة ابعث بها اليك، صدقينى كانت ضرورية بل حتمية لكن أعدك الا أزعجك مرة اخرى.. صمت للحظة لكنه استطرد بصوت تحمل نبراته حسرة ووجيعة استطاعت استشعارها بسهولة عجيبة اربكتها: - حياة، اليوم.
أستطيع ان اقول لك وداعا، اليوم فقط حققت الهدف من زواجنا وأديت الامانة على اكمل وجه، اليوم أستطيع ان اخبرك انك حرة من الالتزام بأي رابط يربطنا وسأقوم باللازم حتى انهي زواجنا بأقرب فرصة وأرسل لك صك حريتك حتى تعودي لحياتك من جديد..
صمت من جديد للحظة واستكمل هامسا: - هل لي بان أقص عليك واحدة من اساطيري للمرة الاخيرة!؟، سأفترض ان الاجابة بنعم، تقول الاسطورة انه تحت شجرة الخير والشر بجنة عدن كان هناك شجيرة لطائر رائع الجمال لكن ما ان قطفت حواء من تلك الشجرة المحرمة طردا هى وآدم من الجنة وسقطت شرارة من نار على عش ذاك الطائر الذي احترق كليا لكن من بيضته الملتهبة خرج الطائر من جديد وأصبح عندما يكبر في السن يتحول الي رماد ومن من ذاك الرماد يُخلق الطائر..
هذا الطائر هو طائر الفينكيس الأسطوري او ما يعرف بالعنقاء، كوني كالعنقاء حياة، فلتولدي من جديد من رماد احزانك ومعاناتك، بعض الأوجاع تكون النيران التي تصهرنا لنصبح شخصا اخر، شخصا اقوى من سابقه، شخص بقلب لا يقهره الألم، وروح مقاتلة لا تهزها الخطوب، امنحي لنفسك الحياة يا حياة ولا تنتظري ان يمنحك احد ما هذا الحق، فالحياة التي نرغب ونستحق لا تُمنح مجانية بل نقاتل في سبيل اغتنامها، وداعا .
تطلعت الى جوالها مصدومة وما ان استجمعت شتات نفسها وتنبهت لما سمعت حتى انفجرت باكية في شهقات متتابعة وكأنما كانت رسالته تلك هي الطوفان الذي هدم صرح ثباتها لتغرق كليا في ذاك الإحساس العجيب الذي يحتلها في تملك ويدفعها للمزيد من النحيب.. إحساس قاهر جعلها تدرك بل توقن انها تعشق ذاك الرجل وانها لم تعشق غيره بحياتها.. .
أبحرت الباخرة التي كان يقف على متنها ينظر لليابسة التي تبتعد وكانما تسلب منه روحه رويدا رويدا في وجع لا يمكن تحمله لكنه رغما عن ذلك وقف يتطلع الي الارض التي تتلاشي ببطء وكانما هو يودع حبيبا ينتظر على الجانب الاخر.. تطلع لجواله حتى يتأكد ان رسالته قد وصلت اليها قبل ان يغلقه بشكل نهائي..
تنهد في خيبة واندفع مبتعدا للداخل يبحث عن قمرته ليضع بها الحقيبة ويلحق بميعاد العشاء، وعلى الرغم من فقدانه للشهية الا انه قررعدم الانعزال في غرفته وان عليه العودة لسابق عهده فلابد للحياة ان تستمر، اتجه لمطعم الباخرة يجلس في ركن منزوِ يتطلع حوله في لامبالاة حتى يأتيه ما طلبه لعشاء خفيف..
ابتسم رغما عنه عندما طرقت ابواب ذاكرته اليوم الاول بل النظرة الاولى التي رمقته بها في اشمئزاز اثناء جلوسه ما تلك الشقراء، وتذكر حاله يوم ان امسك بها متلبسة بتفرسه، كم كانت رائعة!؟. كاد يقهقه على ذكرى قميصه المسكين الذي كان مصيره قاع البحر بلا رجعة..
تنبه وهو في خضم تلك الذكريات ان هناك اعين تترقبه، شعر ذلك بشكل غريزي جعله يرفع رأسه من على طبق حسائه متطلعا الي حيث مصدر تلك النظرات، كانت شقراء باهرة الحسن تتطلع اليه في جرأة حتى انها حملت صحنها واتجهت حيث طاولته وهمست بالفرنسية وبصوت بالغ الرقة والنعومة: - هل يمكنني مشاركتك العشاء!؟. جلست حتى قبل ان يأذن لها، لم يعترض ولم يأبه من الاساس لكنها مدت كفها معرفة نفسها في أريحية: - اسمي جوان..
مد كفه بالمقابل محييا: - ادم.. بدأت في تناول طعامها في هدوء تصب نظراتها عليه ما بين لحظة وأخرى، بينما انهى هو حساءه وكاد ان ينهض الا انها هتفت في نبرة شجية: - انا وحيدة بالرحلة وليس لى صديق، هل يمكننا ان نصبح أصدقاء!؟.
هم بالإجابة الا ان أنغام اغنية فرنسية رومانسية بدأت تصدح مما دفعها حتى قبل ان تنل إجابته على عرضها ان تدعوه للرقص تحاول جذبه لينهض مرافقا لها الا ان ادم ابتسم في دبلوماسية جاذبا كفه هاتفا: - لا اعتقد اني سأكون صديقا ذا نفع، الأفضل ان تبحثي لنفسك عن صديق اكثر شبابا وصخبا، استأذنكِ..
تركها مندفعا للخارج وصعد لسطح الباخرة يتطلع الي الماء والسماء اللذان اصبحت الباخرة محصورة بينهما بعد ابتعادها عن اليابسة بشكل كبير، تناهى لمسامعه كلمات الاغنية الفرنسية الرقيقة: - أعيش في الظلام منذ ان فقدت عينيكِ.. ومنذ فقدت ضحكتك.. وانا أعيش في صمت قاتل..
تنهد في شوق هامسا: - اااه يا حياة، لما اراكِ بكل ما حولي، لم لا تتركيني لحالي!؟ لما طيفك يحاصرني فيشعل لهيب في ذاك الخافق الذي ظننته يوما قد مات للأبد!؟، اما من راحة!؟ هدنة من محياكِ.!؟، وقت مستقطع ألتقط فيه أنفاسي دون ان يخالجها عطرك الخطر النوايا، والبرئ الشذى!؟. منحة القلب النابض التي وهبتني اصبحت نقمة في غيبتك، اصبحت عذاب لا يمكن وصفه، أضحت وجعا لا يهدأ وجرح لا يطيب..
دمعت عيناه وكلمات الاغنية الاخيرة تنساب الي شغاف قلبه فتزيده لوعة.. احتاجك كحاجة الشجر الى المطر.. احتاجك كحاجة الانسان الى النسيان.. احتاجك كحاجة الظل الى الضوء.. لا يمكنني فعل شيء، حبك يتملكني.. احتاجك لأدرك ان الطقس رائع الليلة احتاجك لاصبح افضل مما انا عليه.. احتاجك..
تطلع للسماء ليبصر صورتها مزروعة بالجهات الاربع فأضحى كرجل يعتلي سفينة النسيان في بحار من الذكرى، فهل الي نسيان الحياة سبيل!؟.
طرقات سريعة على الباب لتندفع نهى لداخل حجرة حياة حتى قبل ان تأذن لها وما ان طالعت ما تفعله حياة حتى تنهدت في ضيق هاتفة: - ألازلتِ على رأيك!؟، اما من شيء يغير قرر اتخذه ذاك الرأس اليابس..!؟.
ابتسمت حياة وهى لا تزل تضع ملابسها داخل الحقيبة المشرعة امامها بعرض الفراش هاتفة: - لا، لن يتغير رأيي ابدا.. ثم استطردت في نبرة موجوعة: - انا احتاج لهذا السفر الطويل يا نهى، احتاجه بشدة.. فدعائم روحي اهتزت وقلبي قد اهترء حزنا، اريد استعادة حياة، حياة القديمة قبل ان يهزمها العشق الكاذب، اريد استعادتي يا نهى والرحيل بعيدا لفترة هو ما سيحقق لي هذا..
هتفت نهى معارضة: - لكن الأمور اختلفت الان يا حياة، فالعمل في حاجة اليكِ، عليك العمل لحفظ مالك بعد ظهور الوصية الحقيقة لجدي والتي احضرها ذاك المحامِ الذي آتمنه جدي عليها، لقد عاد لك حقك في ارثك، لا نريد اشخاص من عينة مهنى هذا يتلاعبون بحقوقنا وانا لن أستطيع تحمل هذه المسؤلية وحدي، ارجوكِ، راجعي الامر، فما حاجتك للعمل كمرشدة سياحية تجوب الأقطار شرقا وغربا وانت صاحبة امبراطورية عملاقة تحتاج لإدارتك!؟.
هتفت حياة تفسر: - العمل كمرشدة سيكون سلواي في غربتي تلك، تعلمين اني اجيد الإنجليزية والفرنسية، وكان حلم حياتي ان أجوب العالم منذ بلغت الثامنة عشرة لكن جدي وانت تعلمين هذا الامر جيدا كان يعارض ذلك بشدة خوفا علي ولان معتقداته القديمة في عدم سفر الفتاة الا بصحبة ابيها اواخوها أو زوجها كانت تحكم قرارته، وها قد حانت الفرصة وانا احتاجها فعلا، واعدك عند عودتي سأتولى زمام الأمور كلها ولن أترك وحيدة ابدااا..
همست نهى في مؤازرة: - حسنا حياة، انا كل ما يهمني هو راحتك، انت تعلمين ذلك جيدا.. اكدت حياة وهى تضع بعض الأغراض بالحقيبة: - اعلم يا نهى، واعلم أيضا اني اثقل عليكِ، فأمور العمل كلها ستكون ملقاة على عاتقيكِ، لكني لست بقلقة.. وابتسمت تغمز بعينها مستطردة: - فمعك البطل الهمام، سامي.. اتسعت ابتسامة نهى وطأطأت رأسها حياءً.. لتستكمل حياة: - وللصراحة، هو شاب رائع، أتمنى ان يجمع الله شملكما قريبا..
هتفت نهى في تردد متسائلة: - وماذا عنكِ حياة!؟. رغم ان حياة كانت تعرف الى ما يرم سؤال نهى الا انها إجابت بلامبالاة: - ماذا عني!؟ سأجوب العالم، سأعيش تجارب جديدة، واستمتع بحياتي واستعيد نفسي.. همست نهى مترددة: - وامور القلب!؟. ابتسمت حياة ابتسامة يكللها الألم: - أي قلب..!؟، لقد برءت من الهوى والقلب اغلق بواباته وألقى بمفاتيح الإقفال في بئر لا قرار له..
تنهدت نهى هامسة: - أرجو لك رحلة موفقة ولكن اعلميني باخبارك دائما.. اكدت حياة مازحة: - بالتأكيد، سأرسل لك كل صوري وإخباري لأثير غيرتك بينما انتِ غارقة بين الملفات مع ساااامي.. قهقهت نهى هاتفة: - لا مخطئة، هو من يغرق في الملفات، وانا اغرق في تأمله وأضيع كل مجهوده سدى عندما افسد العمل في اخر الامر.. قهقهت حياة: - كان الله في عونه.. همست نهى في هيام: - وفي عوني..
لتنفجر حياة مقهقهة من جديد على أفعال نهى الشقية التي لا تملها ابدا..
كان يقود تلك المجموعة السياحية التي اضناها التعب خلال جولتهم في شوارع روما ليتجه بهم للتزود بما يحتاجونه.. دخل مطعم ماريا وهتف يستدعيها لتظهر بوجهها الأحمر وجسدها الممتلئ هاتفة في سعادة كبيرة لمرأه: - ادم، كم هو رائع عودتك!؟.
احتضنها في مودة وأوصاها بمجموعته لتضع لهم كل ما لذ وطاب لكنه لم يشاركهم الطعام بل جلس منزويا وطلب من ماريا فنجالا من القهوة، أحضرته على عجل وجاءت تضعه أمامه تشاركه الطاولة.. تطلعت اليه في نظرة عميقة وأخيرا هتفت في آهة مشفقة: - وأخيرا ادم، لقد حدث أخيرا.. تطلع اليها ادم متصنعا عدم الفهم: - ما الذي حدث!؟، عما تتحدثين يا امرأة!؟.
قهقهت مجيبة بايطاليتها المنغمة وهى تضع كفها البض فوق قلبها: - العشق.. قهقه ادم مؤكدا: - العشق!؟، لا مجال لحدوث ذلك اطلاقا، يبدو ان الخرف قد سيطر على عقلك ماريا.. قهقهت مؤكدة: - انكارك ذاك هو اكبر دليل انك عاشق، وعشق هادر، انا أراه يطل من حدقتيك ويقفز معلنا عن نفسه في كل نفس من أنفاسك، كلام ماريا لا يُرد.. انت عاشق لامحالة، عاشق حتى النخاع..
دخل احد الزبائن الى المطعم فانتفضت ماريا تلبي مطالبه تاركة ادم يتطلع من نافذة المطعم الزجاجية هائما في تلك الذكرى حيث كانت تجلس بين مجموعة كتلك منذ عدة اشهر وكان هو لا يرفع عيونه من عليها متظاهرا انه يتجاهلها لكنه كان يحيطها بعناية فائقة يكاد يدثرها باضلعة خوفا عليها..
تنهد وهو يتذكر ضحكاتها وهمساتها ليؤكد لنفسه في حسرة: - نعم، صدقت ماريا، انت عاشق وتدرك ذلك جيدا وتنكره منذ زمن طويل، فقدت قلبك وتركته وراءك تهرب مدعيا انك تحيا وانت فقدت معنى الحياة بفقدانك إياها.. تنهد من جديد وهو ينهض ليصطحب مجموعته خارج المطعم مستكملا جولته بذهن شارد وقلب مفقود بلا رجعة.. .
وقفت ومجموعتها امام تلك القاعدة التي يقف عليها تمثالان منتصبان احدهما لرجل والآخر لامرأة وهتفت في صوت عال وبانجليزية متقنة ليسمعها كل من بالمجموعة: - هذا هو تمثال علي ونينو، قصة حب خلدها التاريخ وتعتبر الأشهر في جورجيا، علي كان رجلا أرستقراطيا ازربيجاني يعمل كمعلم باحدى المدارس السوفيتية تعرف على الاميرة نينو كيبياني ووقعا صريعا الهوى، لكن ارتباطهما قوبل بالرفض من عائلة الاميرة التي تمسكت بحبها وارتبطت به سرا ويقال انهما انجبا طفلا لكن افترق الحبيبان ما ان أعلنت ازربيجان استقلالها عن الاتحاد السوفيتي الذي ضمها بعد فترة من جديد لتشتعل الحرب ويهب علي للدفاع عن وطنه ليكتب باستشهاده نهاية هذه القصة..
هذان التمثالان هما مختصر قصتهما يتحركا في اتجاه بعضهما ليلتحما كجسد واحد لبضع ثوان ثم يمر كل منهما في طريقه.. تنهدت النساء ودمعت اعين البعض حتى هى تطلعت للتمثال المزدوج وشملها شجن عجيب وكلا التمثالان يلتحم كأنهما جسد واحد ثم يفترقا.. تنهدت محاولة الابتسام لمجموعتها هاتفة: - انتهت جولة اليوم، يمكنكم التقاط الصور ثم الصعود للعربة حتى نعود للفندق..
جلست على احد المقاعد القريبة من التمثال وتطلعت للأزواج الذين يتبادلون التصوير، حادت عينيها تجاه التمثال تتطلع اليه واحست بغصة غريبة بروحها، فقد استشعرت ان قصة الحبيبان اشبه بقصتها وآدم، شخصان جمعهما القدر لفترة بسيطة وبعدها افترقا كل منهما في طريقه.. دمعت عيناها لكنها انتبهت ان سائق العربة الخاصة بالفندق يتجه نحوها فتمالكت نفسها وهو يسألها مستفسرًا: - لقد ركبت المجموعة كلها، لم يبق إلاك، هل..
قاطعته هاتفة: - سابقي قليلا، يمكنك العودة بالمجموعة.. اومأ متفهما وعاد ادراجه لتعود مرة اخرى لوحدتها متطلعة لتمثال الحبيبين وقد سالت دموعها رغما عنها تتطلع لاندماجهما وافتراقهما وكانما هو طقس لتعذيب الذات.. .
كانت قد دخلت لتوها الى حجرتها الفندقية بالعاصمة الإيطالية روما، قررت ان تنل حماما منعشا سريعا قبل تنزل لتصطحب مجموعتها الى معالم العاصمة التي تعلم علم اليقين أنها ستثير داخلها كثيرا من الشجون والذكريات.. تحركت بمجموعتها من معلم لأخر في مهارة وبدون ان تدري قادتها قدماها لمطعم ماريا..
دخلت في تردد وخلفها مجموعتها وحاولت على قدر إمكانها التعامل مع ماريا التي كانت لا تتقن الكثير من الإنجليزية للأسف، لكنها استطاعت بكل مودة إطعامهم أشهى المأكولات التي حازت استحسان المجموعة.. تقدمت في اضطراب تجاه ماريا وهمست بصوت لا يكاد يسمع متسائلة: - هل قابلت ادم!؟، هل جاء الي هنا!؟. تطلعت ماريا اليها بنظرة فاحصة وهتفت مؤكدة: - نعم، ادم كان هنا منذ ما يقارب الأسبوع..
خفق قلب حياة في جنون، لقد كان هنا، هل هناك املا في لقائه، مجرد لقاء عابر، تتزود ببعض من ذكرى وترحل.. هتفت المرأة بالكثير من الكلمات التي اختلطت فيها الإنجليزية بالإيطالية وحاولت حياة قدر استطاعتها تفسير ما تقول: - لقد جاء فعلا، لكنه لم يكن ادم القديم، انه العشق، لقد بدله الهوى كليا.. همست حياة في خيبة: - تقولين عشق!؟. اكدت ماريا وهى تهز رأسها بقوة: - نعم.. يبدو انه قابل أخيرا توأم روحه..
اومأت حياة في تفهم واستأذنت ماريا ورحلت وهى تعتقد انها خسرته للأبد..
دفعت بحذائها الرياضي بعيدا عن قدمها متأوهة واندفعت الي الحمام تمني نفسها بفترة استرخاء طويلة في المغطس تتخلص من عناء جولة اليوم الطويلة وكذا تحاول تناسي كلام ماريا عن ادم واهتدائه أخيرا لتوأم روحه..
ما ان همت بخلع ملابسها حتى تناهى لمسامعها صوت رسالة ما على جوالها، خرجت من الحمام متأففة فقد يكون احد أفراد مجموعتها في ورطة ما ويحتاج مساعدتها الا انها زفرت في راحة فقد كانت الرسالة من نهى قررت تجاهلها للحظة لكنها فتحتها تتطلع الي بعض الكلمات المكتوبة وباسفلها تسجيل صوتي، قرأت الكلمات سريعا وما جاء بها حيرها: - أولا، اشتقتك كثيرا، ثانيا، سامي عرض على الزواج أخيرا، وطبعا تدللت لفترة طويللللة حتى وافقت، ثلاث دقائق وخمس ثوان وأعلنت موافقتي بعد إلحاح منه طبعا...
قهقهت حياة في سعادة لمزاح ابنة عمتها وكذلك من اجل هذا الخبر الرائع.. لكن نهى استطردت: - اعرف ان ما قمت به لا اخلاقي بالمرة ولا يليق من الاساس لكن منذ متى تفعل ابنة عمتك أي شيء معقول او منطقي!؟، هذا تسجيل لحوار دار بيني وبين سامي واقسم اني لم اكن اعلم معظم المفاجآت التي ستتضح فيه لكني استشعرت انه من الأفضل لواستمعت لذاك التسجيل فقد يكون ما زال يهمك امر صاحبه..
انتهت رسالة نهى لتجلس حياة في اضطراب مترقبة ما يمكن ان تسمعه على ذاك التسجيل الصوتي يحدوها حدس عجيب ان القادم يخص ادم..
مدت إصبع مرتجف وداست زر الاستماع ليطالعها صوت سامي متنهدا: - انه شخص رائع بكل المقاييس، وعانى الكثير، لقد كافح كفاح الابطال حتى وصل لتلك المكانة المرموقة بعالم الاعمال وخاصة بعد ان ترك له والده تلك الشركة التي أورثه إياها مديونة وشبه مفلسة، لقد كان رحيل والده صدمة كبيرة فقد كان متعلقا به بشدة، لم ار رجلا يعشق والده كأدم.. تنبهت حياة في صدمة ترهف السمع بتركيز اكبر عند ذكر اسمه ليستطرد سامي: -.
كلنا كنّا نعتقد ان الشركة قد انتهى امرها وخاصة ونحن ندرك تماما ان ادم سيقع في دوامة حزن قد لا يستطيع الخروج منها.. لكنه وللعجيب كتم أحزانه والتي اعلم تماما مقدارها العميق كابن خال له.. صرخت حياة وكذا نهى بالتسجيل متسائلة في تعجب: - ابن خاله!؟، ولم لم تخبرنا بذلك وجئت متخفيا!؟.
اكد سامي مضطربا: - الحقيقة كان ذاك مطلبه، فقد اكد عليّ عدم ذكر صلة القربة بيننا وان اتقدم للعمل بالشركة وفى ذاك المنصب بالتحديد حتى يحقق هدف ما بنفسه والذي اطلعني عليه للعمل على الوصول لأدلة في اسرع ما يمكن، وبالفعل اكتشفت خيانة مدير اعمالكما وأبلغته بذلك، وقد قام باللازم تجاهه حتى يتأكد ان حياة بايد امينة وذلك بناء على وصية جدكما رحمه الله.. هتفت نهى متعجبة من جديد: - وهل أوصاه جدي بحياة!؟.
اكد سامي في رزانة: - نعم، هو اخبرني ذلك، لا اعلم التفاصيل لكن جدكما هو من اصر على زواجهما بشكل رسمي بعد ان اخبره بكل ما كان من امر الرحلة والجزيرة..
كان دور حياة لتشهق في صدمة وقد أوقفت التسجيل للحظة تستجمع فيها شتات نفسها غير مدركة ما يحدث، هل اخبر جدها بكل شيء ومن اللحظة الاولي..!؟، اذن لم كان يستغلها طالبا المال عند اعلان رغبتها بالانفصال!؟، وكيف استطاع جدها إقناعه بإتمام الزواج من الأساس!؟، لو كان جدها قد استشعر انه رجل سئ ما كان غامر بتحويل زواجهما لزواج رسمي قد يوقعها في ورطة جديدة وتجربة اخرى فاشلة، فجدها يعلم تمام العلم انها لن تحتمل جرحا مضاعفا على جرح لم يكن قد اندمل بعد..
وأي شركة تلك التي يتحدث عنها سامي والتي تركها له والده والذي ادركت مدى محبته له منذ كان يقص لها أساطيره بالجزيرة!؟، لقد استشعرت خلف حكاياته حنين جارف لم يكن باستطاعته مداراته او يمكنها هى إغفاله..
شعرت ان رأسها يدور امام ذاك السيل من الحقائق لكن رغم هذا قررت ان تستطرد في سماعها للتسجيل فيبدو انه يحمل الكثير، ضغطت زر التشغيل واستمعت مرة اخرى لصوت سامي مؤكدا: - وعلى الرغم من النجاح الذي حققته شركته والتي استطاع في خلال عدة سنوات تحويلها لسلسة من الشركات الرائدة في عدة مجالات الا ان ذاك النجاح لم يشفع له امام الخيانة.. هتفت نهى متعجبة: - خيانة!؟، خيانة من!؟.
همس سامي مؤكدا في حزن: - زوجته!؟، شهقت نهى وكان دور حياة لتشهق في صدمة لتهتف كلتاهما: - زوجته!؟.
انصتت لسامي مؤكدا: - لقد كان يعشقها، كانت قصة حبهما حديث المدينة، توج ذاك الحب بزواج أسطوري ظن الجميع انه سيدوم للأبد، لكن للاسف انقلب الحال بعد فترة ليست بالطويلة واكتشف ادم بعد كل هذا العشق ان زواجها منه كان اكبر خديعة تعرض لها، فلقد تزوجته بسبب ثروته لا اكثر وانها على علاقة بأحدهم، عندما واجهها ادم أخبرته ببرود انه لم يكن الرجل الذي كانت تحلم به والذي كانت تأمل ان يحقق لها ما كانت تطمح اليه، فهو ابدا لم يكن ذاك الرجل الجامح على حد تعبيرها الذي يرضي نزواتها ورغباتها كامرأة..
كاد ان ينتهي الامر بجريمة لولا تدخلي ونصيحتي له بطلاقها في هدوء درءً للفضيحة والحمد لله انه فعل لكنه ابدا لم يعد ادم الذي كان..
اعتزل الجميع لفترة وقرر ما بين عشية وضحاها الخروج كمرشد سياحي في الرحلات التابعة لشركتنا، كان يغيب بالشهور حول العالم ولا نستطيع الوصول اليه وكانه يهرب من شيء ما يطارده، لقد تبدل كليا وأصبحت النساء بناظريه مجرد وسيلة لتسلية رخيصة وانتهى، اصبح العشق بالنسبة له اكذوبة، وأمور القلب عبث لا جدوى منه..
همست نهى متنهدة في حسرة: - مسكين، لكن اين تراه يكون!؟، فمنذ رحل مبتعدا ونحن لا ندرك اين يمكنه ان يختبئ كل هذه المدة!؟. همس سامي: - هو باللامكان، يتنقل مع احدى مجموعاته السياحية من بلد لأخر وقد يبدل الجولات نفسها اذا ما سأم مع مرشد اخر مغلقا جواله مبتعدا عن الدنيا وما فيها، يعيش جسد بلا روح.. أنقطع التسجيل عند هذه النقطة لتتطلع حياة الى الهاتف في ذهول غير مدركة ما يمكنها فعله..
انها تعشق ذاك الرجل هي تعلم ذلك، لكن ذاك الشعور الذي يكتنفها اللحظة هو اكبر من ان تشمله كلمة بقاموس اللغة.. منذ رحل مودعا إياها باعثا لها تلك الرسالة على جوالها مختفيا بهذا الشكل الغريب وحياتها ما عادت الا سلسلة متواصلة من التفكير فيه واجترار كل لحظاتهما معا حتى ظنت انها اصيبت بلعنة ذاك الماجن وما عادت قادرة على انتزاعه من مخيلتها ولو للحظة واحدة.. اين يمكنه ان يكون يا ترى!؟.
وهل سيكتب لهما اللقاء مجددا بعد شهور من الفراق!؟.
دخلت مع مجموعتها لاحد المطاعم بالعاصمة الفرنسية باريس، جلسوا جميعا ليطلب كل منهم حاجته، تطلعت هي الى الشارع المزدحم بالمارة وشردت كعادتها لتجد احد أفراد مجموعتها يهتف بها في حماس: - هيا، انه دورك يا حياة.. تطلعت متعجبة: - دوري في ماذا!؟. هتفت أخرى: - في اختيار الاغنية من كشك الموسيقى وغناءها أيضا..
قهقهت حياة: - اختيار جايز لكن غناء، مستحيل، رواد المطعم سيطردونا حتما بسبب الإزعاج الذي سيسببه صوتي.. قهقه الجميع لكنهم لم ييأسوا دافعين إياها لتقف فوق منصة العرض تختار الاغنية.. مدت كفها بقطعة النقود المعدنية واختارت احدى أغاني لارا فابيان.. وبدأت تغني: - صحيح أنه كانت هناك طرق أخرى للإفتراق.. بعض بريق الزجاج كان بامكانه ربما مساعدتنا في صمت مر..
قررت أن أغفر لك الخطايا التي يمكن أن ترتكب من شدة الحب.. صحيح أن الفتاة الصغيرة في أعماقي غالبا ما تناديك... تقريبا مثل أمّ كنت تلفني وتحميني سرقت منك الدم الذي كان لا يجب أن نتقاسمه بقمة الكلام والأحلام سأصرخ أحبك أحبك..
شاركها بعض رواد المطعم الاغنية التي بكت وهى تكرر مقطعها الأخير: - احبك، احبك..
ليهمس ذاك الصوت لاهثا خلفها: - لم اعلم ان علىّ البحث بنصف الكرة الأرضية حتى اجدك واسمع تلك الكلمة أخيرا.. انتفضت تتطلع لصاحب الصوت الذي ادركت كنهه وميزت نبرات صوته مسامع روحها قبل أذانها، وجدته امامها وهى كانت منذ لحظات تتذكره ودون وعي انفجرت باكية ليهتف وهو يجذبها لأحضانه: - هذه فعلا الطريقة المثلى لاستقبالي. هتف ساخرا في مزاح: - ما احلى الرجوع اليكِ..
رفعت رأسها متطلعة اليه وهتف تسأله: - هل حقا كنت تبحث عني!؟. اومأ ايجابا مع ابتسامة خلابة لتهتف في حنق: - اذن لما تأخرت!؟. وأشعلت الغيرة غضبها لتهتف: - بالتأكيد شغلتك الأخريات، حسناواتك التافهات.. قهقه لغيرتها التي استطابها لكنه همس في صدق لا يمكن تزييفه: - لم يكن هناك امرأة اخري يمكن ان تملأ فراغ روحي الذي خلفته، لقد صومت عنهن للأبد، انظري..
واشار للمجموعة التي هو مرشدها لتنفجر ضاحكة من بين دمعاتها فقد كانت المجموعة عبارة عن أزواج من العجائز ليستطرد في عشق: - لا حياة بلا حياة..
وقبل جبينها في وله وكاد ان ينسى الدنيا وكل ما حوله وهو بحضرتها راغبة بين ذراعيه الا ان صياح مجموعة العجزة في سعادة وتصفيقهم في حماس على ذاك المشهد العاطفي المعروض أمامهم مطالبين ببعض الإثارة كان باعثا له ليتنهد في قلة حيلة هاتفا في مرح: - لن اعرض المزيد، لقد انتهى المشهد واغلقت السينما ابوابها..
لتتعالى ضحكاتها متزامنة مع احتجاج الجماهير وهو يهمس لها في مجون كعادته التي اشتاقتها كثيرا: - وستفتح السينما ابوابها قريبا، لكن بعرض خاص للأبطال فقط.. غمز بعينيه فاضطربت نبضات خافقها واحمرت خجلا ليقهقه وهو يمسك بكفها يجذبها لتتبعه بعد ان امر السائق بإعادة المجموعة للفندق لان هناك احاديث مطولة لابد وان يضع فيها النقاط على الأحرف..
رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس عشر والأخير
انهى بعض المعاملات عند موظف الاستقبال وعاد اليها سريعا حيث كانت تنتظره تجلس لا تصدق انهما معا.. هتف في مرح وهو يمسك بكتف المقعد المقابل لها على الطاولة: - هل اجلس ام انك ستتركين الطاولة..!؟. اتسعت ابتسامتها وهو يذكرها بلقائهما على الباخرة ولم تعقب بحرف ليجلس متطلعا اليها تجول نظراته على محياها في اشتياق قاهر وهمس في عشق: - حياة، هناك الكثير لا تعرفينه عني او حتى عن سبب ذهابي بعيدا عنكِ..
شعرت انها ستسمع الكثير من الحقائق التي طالما أرقها جهلها بها ليال طوال فهزت رأسها تؤكد اصغائها دون ان تنبس بحرف ليستطرد هو بجدية: - حسنا، لا اعلم من اين ابدأ، لكن لبنبدأ باسمي كاملا، انا ادم عبدالخالق الصيرفي.. زمت ما بين حاجبيها وقد استشعرت ان وقع هذا الاسم مألوفا على مسامعها ليستطرد مؤكدا حدسها: - انا ابن عبدالخالق الصيرفي صاحب مجموعة شركات الصيرفي والذي كان..
هتفت تقاطعه: - لقد كان صديقا لجدي!؟. واستطردت في سرعة مترقبة إجابته التي تعني لها الكثير: - وجدي هو من طلب منك مصاحبتي في الرحلة من اجل الحفاظ علي و.. منعتها قهقهاته من الاسترسال وهتف متعجبا: - لديك خيال خصب للغاية، لقاءنا كان قدريا يا حياة، لقاءنا دبره الله دون تدخل من احد، وابي لم يكن صديقا لجدك بل صديق والدك رحمهم الله جميعا.. همست متعجبة: - حقا!؟.
اومأ في إيجاب مستطردا: - وجدك لم يعلم من أكون حتى انفردت به في الغرفة يوم عودتنا.. تطلع من النافذة الزجاجية للمقهى هامسا وهو يسترجع مشهد اللقاء بينهما بعد ان أبقاه وأمر الجميع بالخروج من الغرفة: - تطلع السعيد الي ادم امرا: - اقترب، اشعر اني اعرفك رغم اني متأكد اني لم ارك من قبل.. تقدم ادم حتى جلس على طرف الفراش هامسا في تأدب: - نعم انت لا تعرفني، لكني اعرفك جيدا وحانت الفرصة لأشكرك..
همس السعيد متعجبا: - من انت!؟. اكد ادم متنهدا: - انا ادم عبدالخالق الصيرفي.. دمعت عينا السعيد وهز رأسه في استحسان هامسا: - ابن عبدالخالق رحمه الله، كان ونعم الصديق لولدي باهي رحمة الله عليه، انت تشبهه كثيرا لذا اعتقدت اني رأيتك من قبل.. ابتسم ادم وهمس: - رحمهما الله..
ثم تنحنح هامسا: - سيدي، اريد ان أبلغك بأمر ما، انا وحياة كنّا بهذه الرحلة سويا وانجانا الله على الجزيرة سويا لكن اشهد الله اني عاملتها بما يرضيه، وكنت اعتقد اننا لن ننجو من الجزيرة فعرضت عليها الزواج لكن الطائرة أنقذتنا ولم نتمه، كان يمكن ان يحدث هذا ما أي امرأة أخرى غير حياة لكن حياة كان لها وضعا اخر اكثر تقديرا لانه كان عليّ رد معروفك كاملا، ذاك المعروف الذي ظل مطوقا عنقي ولم أنسه وأقسمت ان أرده لك يوما ما..
همس السعيد متعجبا: - أي معروف!؟. اكد ادم متنهدا: - عندما توفي ابي كانت شركته مديونة وشبه مفلسة وكنت شابا صغيرا لا قبل لي على تحمل إدارة شركة خاسرة اوانقاذها، احتجنا لدعم الأصدقاء لكن الكل خزلنا الا ان أمي جاءتني يوما وكنت قد فقدت الأمل في انقاذ الشركة التي أضاع ابي عمره في تشييدها وأخبرتني انها توصلت لأحد الأصدقاء الذي لم يعطي لنا ظهره كالبقية ومد يد المساعدة لنا لكنه فضل عدم ذكر اسمه..
انقذت الشركة بمساعدات ذاك الصديق الوفي بل اني طورتها وجعلتها من اكبر الشركات لكني ابدا لم انس ذاك الرجل الذي حاولت ان اعرف من يكون لكن امي رفضت لانها قطعت وعدا له بالا تخبرني، تُوفيت امي وفي يوم كنت ابحث بين اوراقها فوجدت اسمك وعرفت الحكاية.. دمعت عينا السعيد وقد تذكر القصة التي مر عليها أعوام طويلة حتى انها تاهت بين أروقة الذكريات..
استطرد ادم: - علمت من يكون ذاك الصديق الذي كنت ادين له بكل ما املك والأهم ادين له بسمعة والدي الغالية، يومها كنت قد تركت الشركة لإدارة بن خالي سامي لظروف خاصة وخرجت للعمل كمرشد سياحي لأفواج تابعة لاحدى شركاتنا، مللت من رحلتي وابدلتها مع مرشد اخرالذي رأيت بين مجموعته اسم حفيدتك في ذاك الفوج بإيطاليا وقد شعرت ان من واجبي الحفاظ عليها حتى تعود اليك سالمة فقد شعرت ان الله قد أرسل لي هذه الفرصة لسداد دينك الذي يطوق عنقي.
راقبتها وكنت كظلها حتى اننا وللعجيب ركبنا نفس الطائرة معا لان سامي استدعاني بشكل ملح لامر طارئ بالشركة فبحثت عن طائرة للعودة فإذا بي أفاجأ انها طلبت السفر على نفس الطائرة والتي عملت على جلوسي بالمقعد المجاور لها بمساعدة مضيفة صديقة..
عندما اكتشفت انها على قيد الحياة وأصبحنا وحيدان بالجزيرة عملت على راحتها والحفاظ عليها حتى من نفسي ردا لجميلك، والان ها انا أمامك ارد لك أمانتك بما يرضي الله، وانا..
هتف السعيد مقاطعا وهو يربت على كف ادم في فخر: - انت رجل صالح، لقد استودعتها الله فردها اليّ بهدية غالية هو حفيد اخر عوضني الله به، ارجوك، اكمل رد المعروف وتزوجها، فانا اعلم ان أيامي بالدنيا معدودة وهى وابنة عمتها وحيدتان، انا اموت قلقا في كل لحظة وانا أعلم ان حقهن ضائع والذئاب تحاوطهن، فأرسلك الله لتكون خير معين..
تزوج حياة واكشف سرقات مهني ومكائد الحقير شهاب زوجها السابق الذي كادت ان تموت ببيته وعانت الكثير، تزوجها حتى تسلمها إرثها الشرعي الصحيح في الوقت المناسب بعد ان تمهد الطريق امامها.. انا اعلم اني اثقل عليك، لكن ارجوك اقبل حتى اطمئن بقبري على أمانة أولادي، وتكون قد رددت المعروف كما يجب..
وابتسم الجد ينظر الي عيني ادم نظرة عجوز خبير بباطن الأنفس هامسا: - واذا ما أردت بقاء حياة زوجة لك، فلا تتعجلها، دعها حتى تأتيك راضية، فقلبها كسير وروحها مهزومة، وعندما تقرر هي ان تقترب اعلم انها ستلقي بين يديك بكامل أوجاعها وكل مرارتها طالبة دون ان تهمس بحرف ان تكون دوائها فلا تخزلها ارجوك.. اومأ ادم في ثبات وهو يرفع يد الجد الي فمه ملثما إياها: - وانا قبلت زواجها على هذا يا جدي..
ربت الجد على رأس ادم في امتنان ثم رفع يده للسماء متضرعا بشكر خفي، .
هتف ادم متنهدا ينظر لحياة التي كانت تجلس مبهورة بما تسمع: - كان هذا هو ما بيني وبين جدك رحمه الله، ذاك الرجل الصالح الذي سيظل جميله مطوقا عنقي ما حييت، بعد وفاته بدأت في التحرك بكل الاتجاهات مدافعا عن حقك ومحاولا كشف الحقير مهنى وكذا الاحمق شهاب والحية الرقطاء اخته، وانتظرتكِ طويلا، انتظرت ان تتحركي خطوة تجاهي، ان تستشعري مقدار رغبتي في البقاء قربك للأبد، تلك الرغبة التي كنت أنكرها كالمغفل، حتى اني يوم وافقت على مطلب جدك بالزواج بكِ اعتبرته إرضاء لرغبة عجوز يحتضر أكرمني سابقا، كنت اضحك على نفسي وانكر اني أريدكِ بكل ذرة في كياني..
شهقت حياة لتصريحه ودمعت عيناها ليستطرد هو مبتسما في شجن: - رحل جدك وظهر ذاك الاحمق زوجك السابق مدعيا بانك لازلتِ زوجته، هل تعرفين كيف شعرت لحظتها، اقسم اني كدت اقتله بالعزاء لولا بعض من تعقل، لكن هذا لم يخمد تلك النيران المستعرة بداخلي فذهبت لبيته ما ان قرات رسالته اليك بالصدفة ولقنته درسا لأجد عنده الأوراق المزورة التي تدينه اخذتها وتواجهنا يومها، لا يمكن ان تتخيلي حالي ساعتها أتمزق ما بين رغبتين كلاهما مر حتى تركتك وعدت اليه مرة أخرى اثار لك..
هزت رأسها وهي تتذكر مظهر شهاب عندما رأته، كان يبدو عليه انه خارج لتوه من معركة مع احد الديناصورات..
استطرد ادم في اضطراب متطلعا اليها وهى لا تقل عنه اضطرابا: - لقد اكتفيت من الهوى وأوجاعه يا حياة فأنتِ لن تدركي مهما أخبرتك عن وجع الرجل عندما يكتشف خيانة زوجته التي كان يعشق وكان يظن انها الأقرب اليه من نفسه والسبب انها امرأة جامحة تريد رجلا جامح العشق لا رجل عادي اشبه بالماء الراكد، رجلا لا يلبِ رغباتها ويعمل على إرضائها، رجل تزوجته من اجل ماله لا رغبة في مشاركته حياته وأحلامه، ساعتها ادركت ان العشق خديعة وان الهوى قصصا خرقاء و شؤون القلب اوهام مختلقة ولا يوجد في دنيانا شيئا ندعوه حبا، كل تلك المسميات لا وجود لها على ارض الواقع، بعض من تخيلنا، تركت كل شيء ورائي متنقلا من امرأة لأخري، ويعلم الله اني ما سعيت لإحداهن بل كن هُن الساعيات وكم أرضى ذلك غروري وقدم لي مسكنا لكرامتي الرجولية الجريحة، لم اكن أتماد ما احداهن كان يكفيني ذاك المسكن بسعيهن اليّ وكنت محصنا تماما من الوقوع في الحب، لم يكن لى رغبة او حتى قدرة في اعادة الكرة الخاسرة من جديد، لاني كنت اعلم اني لن أستطيع تحمل الخسارة هذه المرة، وعندما ظهرتِ أوهمت نفسي انك واحدة من كل ولا فرق في الفوز بك او خسارتكِ، لكني كنت احمق، لان هذه الخسارة كانت معناها فقدك، كنت تائها يا حياة وأوهمت نفسي ان البعاد هو الحل، ابتعدت وانا اضبط لك كل امور حياتك حتى لا اخلف وعدي مع جدك وأظل احميكِ، ابتعدت وأعطيت لك حريتك حتى تعيشي وتنس الماضي وأوجاعه..
لكن للمرة الثانية ادرك معنى الحمق الحقيقي وانا احاول الانغماس في حياتي السابقة قبل ان ألقاكِ لافشل تماما في ان أكون ذاك الادم الذي ألتقيته فقد اصبحت ادم جديد منذ ادركت اني اهرب من هواكِ معتقدا اني أستطيع العودة لسابق عهدي وكأن شيئا لم يكن..
ازدرد لعابه مستطردا وهو يمسك بكفيها المرتعشتين عبر الطاولة وعيونها تلمع بدمع شيمته العشق: - لقد طاردتني ذكرياتنا سويا كما ظلي، رافقت أنفاسي، تخللت أحلامي، اصبحت هاجسي في صحوي، كنت ارى خيالا منك في كل امرأة تمر امام ناظريا، كنت مسكونا بكِ، اتدركين كم كان هذا قاسيا حياة!؟.
سالت دموعها على خديها سخينة متتابعة وشهقت تهز رأسها ايجابا وهمست بصوت متحشرج: - نعم ادرك، ادرك كل هذا اكثر مما تتصور، أدرك كل حرف تفوهت به لانك كنت تصف لتوك حالي بعيدا عنك، تركتني، وكنت اظن ان العيب في وفي جسدي المعطوب و.. هتف مؤكدا في هدوء: - كنت اعلم.. تطلعت اليه مشدوهة وسألته: - كنت تعلم ماذا!؟.
هز رأسه هامسا: - لقد رأيت تلك الندوب على ظهرك و رأسك الحليق ساعة ان كنّا على الجزيرة، يوم ان استيقظت باحثا عنك لاجدك عند النبع تستحمين بأمان معتقدة اني لازلت نائما..
شهقت في صدمة ليستطرد في سرعة: - اقسم اني ما كنت متعمدا وكنت في سبيلي للابتعاد لكنك ظهرت فجاة من تحت مياه الشلال التي كانت تغمرك كليا لأري تلك الندوب واعرف لما كنت دوما متمسكة بغطاء شعرك حتى بعد زواجنا، تمنيت ان تمنحيني ثقتك وتخبريني سرك لكنك لم تفعلي الا يوم ان واجهتني طالبة الطلاق اعتقادا منك اني ساعيا لمالك وجسدك، وذلك كان سببا اخر جعلني اود لو اقتل ذاك الشهاب بدم بارد ثأرا لكِ..
همست موجوعة ولازالت الدموع تنسكب من عينيها معلنة عن كم من العتب لا يمكن تجاهله: - كشفت لك يومها جسدي، أظهرت لك الندوب وشعر رأسي الحليق، كنت أريدك ان تنفر وتبتعد، او هذا ما كنت اعتقده، صدقني يومها ما أردت ثأرا بل أردت بلسما ودواءً، أردت أحضانك الدافئة وامان ذراعيك، أدرتك لحظتها وبشدة..
على الرغم من محاولاتك لإظهار مدى دناءة رغباتك الا ان هاتفا ما داخلي كان يخبرني انك لست بهذه الصورة القبيحة التي تحاول تصديرها لي وان ذاك الرجل الذي عايشته على الجزيزة وكبح جماح رغباته الماجنة من اجل الحفاظ علىّ لا يمكن ان يكون بذاك السوء الذي يظهره.. لكنك ابتعدت.. همس متأوها: - كنت أنفذ وصية جدك، كنت انتظر مجيئكِ، لكنك لم تأ.. قاطعته باكية: - بل اتيت..
تطلع اليها في صدمة لتستطرد وهي تشهق في وجع: - أتيتك وانا اتمني ان ألقي على اعتابك بكل الأوجاع التي خلفها خزلان الجميع لكنك خزلتني، سمعتك يومها وانت تحدث شخص على الهاتف تخبره انك سترحل عني خلال ايّام ما ان تحصل على مبتغاك لترد له دينه وان العشق كلمة ليست بقاموسك ولا مكان للهوى بقلبك..
انتفض ادم مؤكدا: - كنت احدث سامي بن خالي اخبره اني اثقلت عليه بالفعل لانه كان يحمل مسؤلية إدارة شركاتي بجانب دفعي له لتمثيل دور راغب الوظيفة حتى يكون بقلب شركتكم ويستطيع الاطلاع على حسباتها بحكم وظيفته ويكشف ذاك اللص مهنى.. اما ما ادعيته فيما يخص العشق فذلك لانني..
صمت للحظة وتطلع اليها ضاما كفيها في تعلق وهمس بصوت متحشرج يواري وجعا مضاعفا: - لانني كنت مشوشا وخائفا، صدقيني ليس سهلا على رجل ان يخبر امرأته انه خائف، لكنني كنت كذلك.. همست في عشق: - امرأته!. اكد في عشق مماثل: - نعم امرأته، وزوجته وحبيبته، انا احبك يا حياة وأريدك بحياتي.. همست في اضطراب: - ألن تندم..!؟.
همس مؤكدا: - لقد ندمت بالفعل، ندمت على كل لحظة أضعتها وانا بعيد عنكِ احاول التحايل على هذه المشاعر التي تقتلني شوقا اليك والتغلب على تلك الاحاسيس التي تدفعني دفعا للبحث عنك واعادتك اليّ وقد ايقنت انك سرقتي راحة بالي للأبد، فهل تقبلين!؟. همست بوله ودموعها منسابة في سعادة غامرة: - نعم اقبل، اقبل وبشدة جذبها لتنهض خلفه لتهتف في اضطراب: - الي اين!؟.
هتف متعجبا: - الي حيث عشنا السعيد، لقد رتبت كل الامور وكذا وسيلة لعودتنا حتى نلحق بزفاف سامي ونهى، المسكين، لم يستطع الفكاك من شرك ابنة عمتك.. قهقهت فهى تدرك نهى وتعرفها تمام المعرفة ليستطرد ادم مازحا: - سنحضر الزفاف لأسلم لها ابن خالي العزيز على طبق من فضة لتفعل به ما يحلو لها، ثم.. توقفت لتتطلع اليه هاتفة بمزاح: - ثم ماذا!؟
نظر اليها نظرات عابثة ولم يعقب لتنفجر ضاحكة هاتفة في مرح: - لا فائدة ترجى منك، العون يا الهي.. قهقه مؤكدا: - احسنتِ يا فتاة، استمري، فستحتاجين هذا الدعاء كثيرا الفترة المقبلة.. علت ضحكاتها من جديد وهى تتأبط ذراعه في عشق فاضح لا يمكن ان تخطئه عين..
انزلتهما الطائرة بالجزيرة على ذاك التل الذي ألتقطتهما منه يوم ًإنقاذهما..
كانت تقف بثوب زفافها تتحامي فيه من ذاك الريح الهارد الذي خلفه رحيل الطائرة مبتعدة.. استدار اليها ليتنحنح في شقاوة هاتفا وهو يقترب منها: - اين توقفنا في المرة السابقة!؟. امسكت ضحكاتها ولم تعقب خجلا ليضم خصرها بكفيه هامسا في نبرة من يسوق لها المبررات حتى ترضى عنه: - انا وانتِ وحيدان على هذه الجزيرة ومعي قسيمة زواجنا بما يرضي الله ولمزيد من التأمين أغلقت باب الجزيرة حتى لا نستقبل زوارا..
قهقهت لمزاحه فاضطرب خافقه جاذبا إياها خلفه ليهبطا التلة سويا.. توقفا حيث كان موضع كوخيهما القديمين لتشهق حياة من روعة ما تره.. فقد تم استبدال الكوخين باخر مبني بشكل اكثراحترافية مع وجود مصابيح بكل مكان من مدخل الكوخ بطول الطريق للشاطئ.. همس ادم في فخر: - ما رايك!؟. تطلعت اليه في سعادة: - ان هذا رائع، انت من فعل كل هذا!؟.
همس مبتسما: - ليس بالضبط لكني أمرت بذلك، حاولت الا أغير من الشكل الأصلي لكن بإضافة بعض الرفاهية.. وامسك بكفها ليدخلا الكوخ هامسا: - تعالي لم تر شيئا بعد!؟.
تبعته في وجل وهو يدفع باب الكوخ لتفغر فاها في دهشة فقد كان الداخل مصمم بشكل رائع اشبه بحجرة في فندق خيالي، الارض بها بعض البسط الخفيفة والأركان مزينة بالطنافس والوسائد الملونة والشموع ذات الرائحة العطرية تنتشر هنا وهناك بشكل ساحر، واخيرا ذاك الفراش الذي يشبه احد الاسرة التي رأتها يوما في فيلم تاريخي، كان رائعا وشديد العظمة بأعمدته التي يرتسم عليها رؤس لأسود ضارية وتنساب من اعلى تلك الأعمدة غلالات رقيقة متداخلة الألوان تهتز في رقة بفعل ذاك الهواء القادم من ناحية البحر لتعطي جوا أسطوريا مصاحبا لاهتزاز لهيب الشمعات التي تعكس أضواءها في سحر يخلب اللب.
همس في سعادة لردة فعلها: - هل أعجبك!؟ همست بدورها: - انه اكثر من رائع.. اقترب يمد كفيه يزيح عن رأسها حجابها الذي أصرت على الاحتفاظ به وأقسمت الا تخلعه ابدا، فكما ستر عيبها قررت ان يستر جمالها له وحده، ذاك الرائع الذي تطلع اليها والي شعرها الذي استطال قليلا حتى وصل لطول مناسب يعطيها مظهرا أنثويا وهمس مشاكسا: - ها قد استطال زغب بطتي وظهرهذا الشعرالكستنائي الرائع قطتي..
قهقهت حياة متطلعة اليه: - ألهذا كنت تناديني بطتي!؟. اكد وهو يعبث بخصلات شعرها الناعمة مؤكدا: - نعم.. وغمز بعينه عابثا: - منذ ذاك اليوم على النبع.. نظرت اليه نظرة عاتبة ليقهقه وهو يضمها هامسا بمشاكسة: - ماذا!؟، قد أصلحت غلطتي وتزوجتك.. علت ضحكاتها ليهمس متطلعا لعمق عينيها: - بمناسبة هذا الجو الخيالي، هل أقص عليكِ احدى اساطيري.!؟.
كانت تداري نظراتها خجلا منه هامسة: - عن ماذا ستروي حكايتك هذه المرة!؟. كان رده على سؤالها بحملها بين ذراعيه لتشهق في صدمة هاتفة: - ماذا تفعل!؟. همس في مجون متجها لفراشهما: - ابدأ في قَص الأسطورة، هل سمعتي يوما عن هرقل، بالتأكيد سمعتي، انا الليلة ساوريك مناقبه فعليا.. قهقهت متعلقة برقبته هامسة: - ايها الماجن، كيف السبيل لتأديبك!؟.
همس وهو يضعها بوسط الفراش منضما اليها: - لا سبيل لذلك صدقيني، فلا تضيعي وقتك سدى.. قربها اليه متطلعا اليها من عليائه ناظرا لعمق عينيها ليهمس في وله: - حياة، اريد ان أعيش الحياة بكل تفاصيلها بين ذراعيكِ.. همست في اضطراب: - لكن، انا.. همس بعشق وهو يغيبها بين أضلعه: - انتِ لي وحدي..
ساد الصمت وتراقصت الشموع في رقة على نغمات القلوب العاشقة ونبضاتها و بدأت في البكاء فرحا مع كل لحظة تمر من ملحمة الهوى التي تشهدها وكانما الأرواح قد تعانقت لتصبح الطبيعة كلها شاهدة على ذاك العشق المسطور على لوح القلوب التي اضناها الوجع.. همس ادم اخيرا وهو يلقي برأسه فى ذاك التجويف ما بين ذقنها وكتفها متنهدا في سعادة هامسا باسمها: - حياة..
لم تفه بحرف او حتى همهمت فرفع رأسه متطلعا اليها ليجدها تغلق عينيها كانما تحتبس الدموع بين أجفانها ليهمس من جديد بالقرب من مسامعها: - حياة، انظري اليّ.. هزت رأسها نفيا ليعيد الامر من جديد وهو يضم جانبي رأسها بكفيه هامسا: - افتحي عينيكِ وانظري الىّ.. اطاعت في تردد وتطلعت اليه باعين لامعة لأثر الدمع بمآقيها ليهمس: - حياة، اخطأ من اسماكِ حياة..
تطلعت اليه في وجع ليستطرد هامسا وابتسامة عاشقة ترتسم على شفتيه: - انتِ بعث، بعث لنبض قلبي وسعادة روحي، انتِ حياتي.. انسابت الدموع كخيوط من فضة على جانبي وجهها مع ابتسامة واسعة ارتسمت على شفتيها واندفعت تلقي بنفسها باحضانه تطوقه بذراعيها ليغمرها بين حنايا روحه يهدهد جراحها ويضمد الأوجاع التي خلفها الماضي..
لكنه استعاد روحه المرحة سريعا وهو يبعدها قليلا عن احضانه هامسا في مشاكسة: - هل أعجبتك أسطورة هرقل!؟. اتسعت ابتسامتها مؤكدة: - اعشق كل اساطيرك يا امير الحكايات.. تطلع اليها في عشق وهتف تعلو وجهه الفرحة: - من اجل هذا اللقب الرائع قررنا نحن امير الحكايات ان نقص عليك سلسلة هرقل كلها، والله الموفق والمستعان..
انفجرت ضاحكة وهو يجذبها مرة اخرى بين ذراعيه لتستعيد روحها التي افتقدتها منذ زمن، لتعود اخيرا حياة للحياة..
كان يستند على جذع احدى الأشجار وهى بجواره تتأبط ذراعه وتسند رأسها على كتفه يتطلعان للبحر المنسابة أمواجه في رقة مدفوعة للشاطئ تحمل اسرار البحر سرا وراء سر لتفضي بهم للعشاق على مقربة من موضع لفظها لانفاسها الأخيرة..
لمعت كوكبة من نجوم بالسماء ليشير ادم اليها هامسا: - انظري، هذه مجموعة النسر الواقع، امعني النظر، تشبه القيثارة.. تطلعت حيث أشار وتتبعت النجوم لتري تلك القيثارة فعلا.. همست في رقة: - وما قصتها!؟، فلا يوجد لديك امرا ليس له حكاية ما!؟. همس في فخر: - ألست امير الحكايات!؟. ضحكت مؤكدة: - بلا، هيا اخبرني، ما قصة هذه القيثارة اللامعة هناك!؟.
همس حاكيا في صوت رخيم أشعرها بسلام داخلي بحثت عنه طويلا والان وجدته بقربه: - كان اورفيوس بن الاله ابولو واله الشعروالموسيقى كاليوبه قد أهداه ابوه قيثارة ما ان يعزف عليها حتى يسحر بألحانه كل كائن حتى الحصى والشجر كانت تتبعه حيث يذهب بألحانه السحرية والتي كان النهر يتوقف جريانه لسماعها..
عشق اورفيوس حورية الغابة بوريديسي وهام بها عشقا لكن الموت اختطفها منه عندما لدغتها أفعى وهى تهرب من محاولة أخيه الغير شقيق مراودتها عن نفسها.. حزن اورفيوس وبكاها كثيرا وعزف ألحانا على قيثارته ابكت الحجر حتى ان ابوه تشفع له ليقوم برحلة الى العالم السفلي عالم الظلام والأموات ربما يستطيع استعادة زوجته الحبيبة.. همست حياة: - ألهذه الدرجة يعشقها!؟.
اكد ادم: - كان عشقها حدثا ومضربا للأمثال، لكن ابوه لم يستطع ان يوفر له فرصة الرحلة للعالم السفلي فقرر اورفيوس استخدام ألحان قيثارته ووقف على ضفاف نهر ستيكس الذي يفصل ما بين عالمي النوروالظلام وأخذ في عزفها ساحرا ناقل الأرواح خارون وكلبه كربروس لينقله لعالم الموتى بقاربه وهناك استطاع التأثير على اله العالم السفلي هادس مستعطفا إياه ليرد له زوجته التي يعشق وبدأ في عزف ألحانه فلان قلبه ووعده باعادتها معه لكن بشرط واحد ان لا ينظر للخلف حتى يصبح بعالم الأحياء..
أطاع اورفيوس لكن الشوق استبد به حتى انه استدار ناظرا لزوجته قبل ان يعبرا الفاصل ما بين العالمين لتختفي بوريديسي للأبد، هام اورفيوس حزنا على محبوبته التي أضاعها، راودته كثيرا من النساء عن نفسه لكنه ظل مخلصا لمحبوبته حتى تأمرت هؤلاء النسوة عليه لقتله، ولم يكن يعلمن أنهن بقتله قد ارحوه من عذابه أخيرا لانه انضم الى زوجته الحبيبة بالعالم السفلي ليعيشا للأبد بينما حولتهن الاله لشجر بلوط ورفعت قيثارته تخليدا لوفاءه لتكون تلك المجموعة الرائعة من النجوم بالسماء..
همست حياة في استمتاع: - قصة رائعة.. همس مشيرا لاحدى الأشجار متسائلا: - اتعرفين ما نوع هذه الأشجار السامقة هناك..!؟. هزت رأسها نفيا ليهمس مؤكدا: - انها أشجار بلوط.. هتفت حياة في ذعر: - المتأمرات!. قهقه ادم وهو ينهض جاذبا إياها: - تعالي.. ضغط ذر تشغيل الموسيقى وضمها بين ذراعيه متمايلا هامسا في عشق: - اورفيوس يعزف ألحانه بقيثارته بالأعلى وانا سأغني بالأسفل ولتشتعل المتأمرات هناك غيرة..
قهقهت وهو يضمها اليه اكثرهامسا بكلمات الاغنية التي بدأت تنساب من بين شفتيه: - أنا لم أتغير... ما زلت ذلك الشاب الغريب الذي أطربك يوماً بالشاعرية... والذي خلق لكِ الأعياد... وجعلكِ تسافرين... أنا ما تبدلت... ما زلت ذلك الصبي الذي يغزوه قليلٌ من الجنون.. أرغب في أن أحميك... وأرغب في أن أحرسك وأذوب فيك... .
صرخت حياة في ثورة وهى تدخل حجرة طفلها باحثة عن ادم وهى على علم تام انها ستجده هناك يقص على لده احدى أساطيره: - اترك الولد لينام، لقد تأخر وعليه الاستيقاظ مبكرا من اجل المدرسة.. هتف ادم متعللاً: - لقد اوشكت على الأنتهاء.. هتفت في غيظ: - انت ما ان تشرع في بداية أسطورة من تلك الأساطير الا وتنهيها بعد ساعات، كيف سيستيقظ الولد صباحا!؟، انه ينام بالصف حالما بالجنيات..
قهقه ادم متطلعا لولده: - هل هذا صحيح يا صغيري!؟. شعر الولد بالحرج قليلا واخيرا تطلع لابوه يهز رأسه في إيجاب ليعاود ادم القهقهة رافعا كفه ليضرب عليها الصغير مصفقا فيهتف مؤكدا: - مرحى فالولد سر ابيه، لقد كنت اترك الدرس وامضي في.. تنحنحت حياة في حنق محذرة من تشجيع الطفل على التمادي في الخيال: - ادم..
تنحنح ادم بدوره في ادراك وتفهم هاتفا لولده: - لقد كنت الاول على الصف دوما وعليك ان تكون نسخة مصغرة من ابيك.. وتطلع الى حياة في قلة حيلة: - هل يرضيك هذا الان!؟. ثم عاد متطلعا لابنه وهو يشد عليه غطائه: - هيا يا صغيري، عليك ان تحصل على قدر كافِ من النوم، تصبح على خير.. همس الصغير في عتب: - وكيف سأنام الان وانت لم تنه الحكاية!؟. انحنى أدم مقبلا جبينه هامسا: - لا بأس، غدا باذن الله اكملها..
واتجه الي حياة يطوق خصرها بإحدى ذراعيه هامسا بالقرب من مسامعها وهو يدفعها برفق لخارج الغرفة: - أما الان فقد جاء دور ماما في قَص الحكاية، أسطورة هرقل للمرة الالف بعد، كم، ذكريني من فضلك!؟. قهقهت حياة هاتفة: - لا اذكر.. هتف مدعيا الضيق: - هكذا النساء لا خير لك يذكرنه ابدا، الامر لله، فلنبدأ العد من جديد.. وحملها مندفعا لداخل حجرتهما صافقا بابها لترتفع قهقهاتهما من الداخل.. .
تقلبت في فراشها وما ان وضعت يدها موضع رقاده حتى انتفضت لتكتشف انه ليس جوارها.. نهضت باحثة عنه تتسلل لحجرة ولدها حتى لا توقظه وما ان طلت من خلف الباب الموارب حتى وجدته يحشر جسده جوارابنه ويهمس له ببقية الحكاية لتتنهد في قلة حيلة دافعة الباب لتدخل.. رفع ادم الغطاء ليختبئ كلاهما من غضبتها الا انها ابعدت الغطاء عنهما وحشرت جسدها على الجانب الاخر من الفراش ليصبح الصغير بينهما..
همس ادم: - ماذا تفعلين!؟. اكدت في قلة حيلة: - استمع للحكاية.. انحنى نحوها هامسا في مجون: - الم تكتفِ من الحكايات!؟. امسكت قهقهاتها وهى تهز رأسها نفيا لتهمس اخيرا: - لن امل ابدا يا امير الحكايات.. هتف الطفل الراقد بينهما مقاطعا في غضب: - ألن ننتهي يا ابي من هذه القصة في هذه الليلة العجيبة!؟.
انتفض كلاهما ليتنحنح ادم متطلعا اليها في عتاب لانها تأخره عن انجاز مهمته ليتمدد الجميع ويهمس ادم مستطردا بحكايته لبعض الوقت وهمس ينهيها اخيرا في هدوء: - وهكذا عاش العمالقة والأقزام، في عالم من الوئام، يعمه الفرح، ويغمره السلام.. تطلع ادم لابنه وزوجته ليجدهما قد راحا في سبات عميق ليتنهد في راحة وهو يحذو حذوهما ويطبق أجفانه على صورتهما وقد ادرك انه قد حاز الحياة ومباهجها جميعا.. .
تنهدت حياة في راحة ممزوجة بفرحة وهى تدخل لحجرة نومهما وما ان جلست لتخلع حذائها ذو الكعب العالي لتتخلص من تقلصات قدمها حتى بادرها ادم الذى تبعها للغرفة جاذبا إياها لتنهض حافية القدمين معترضة: - ادم، اشعر بالتعب، لقد كنت طول النهار اقف على قدميّ.. همس مشاكسا: - دقائق من العبث البرئ لن تضر أحدا حياة..
قهقت وهو يتجه الى مشغل الموسيقى وهتفت في عتب: - أيها الرجل، اليوم كان زفاف ابنتك الصغري وقد أصبحت جدا منذ زمن، الم تكتفِ من المجون!؟. اكد وهو يتلقفها بين ذراعيه والموسيقى تنساب في رقة: - مطلقا، القلب الماجن لا يشيخ ابدا.. اتسعت ابتسامتها وهو يتمايل بها في سلاسة حتى خرجا للشرفة فهمس مشاكسا وهو يتطلع للسماء: - الاميرة المسلسلة تشير اليكِ مرحبة..
تطلعت اليه في عشق هامسة: - ما عادت مسلسلة، فقد انفك قيدها و برءت جراحها بفضلك بوريسيوس.. ضمها اليه اكثر هامسا في عشق بكلمات الاغنية والتي تمايلا على أنغامها من جديد.. انا ما تغيرتُ... فأنا دائماً أمشي في الطريق التي تروقني... وطريق وحيدة فقط تلك التي أعجبتني على الأرض... هي تلك الطريق التي سلكناها يوماً معاً... تمت نهاية الرواية أرجوا أن تكون نالت إعجابكم