logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .







look/images/icons/i1.gif رواية السماء تشهد أيها الماجن
  09-01-2022 11:29 مساءً   [7]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن

كان النوم على ارض الكهف الصخرية متعبا بحق فهى خلاف تلك الارض الرملية للشاطئ حيث كوخهما والتي كان النوم عليها اكثر راحة مما جعله يتقلب كثيرا اثناء نومه شاعرا بتيبس في عظامه، كانت النيران داخل الكهف على وشك ان تخبو وبدأ الجو يميل للبرودة قليلا وخاصة ان الحقيبة لا تسد الا جزء بسيط من مدخل الكهف رغم صغره وضيقه مقارنة بكهوف اخرى..

نهض يمتطأ يفك تيبس مفاصله واتجه حيث النيران يحاول ازكاء جزوتها وهو يعيد شد المئزر الذي تحرر بعض الشئ، انحنى نحو ركوة النارالا انه استمع لهمهماتها المعتادة والتي يستمع بعضها من داخل كوخه في بعض الأحيان عندما يجافيه النوم ويظل مسهدا..

يبدو انها كانت تحلم بشئ مزعج لان الهمهمات زادت عن وتيرتها وبدأت تهمس ببعض الأحرف المتقطعة، لا يعلم لما شعر ان عليه إيقاظها ليخرجها مما تعانيه وخاصة عندما سمعها تهمس باسم ذاك الاخربمثل ذاك التوسل الذي يعذبه: - لا، شهاب، لا تفعل، انا لا أستطيع، دع ط..

وبدأت الهمسات تخبو والنار بالركوة وبين أضلعه تستعر، قرر إيقاظها وما ان هم ببلوغ موضعها حتى ابصر شيء ما يقترب منها، اسرع يدنو في هدوء وانحنى نحوها وهى لاتزل على نعاسها وحاول ضبط أعصابه وهو يمسك بذاك الغصن المدبب ليغرزه ببطن ذاك العقرب الذي تلوى لتنتفض هى في نفس اللحظة لتجد وجهها ملاصقا لصدره، شهقت في ذعر محاولة الابتعاد عنه فقد ظنت انه يقترب منها لغرض دنئ في نفسه الا انه جذبها ليعيدها لصدره من جديد مبعدا إياها عن موضع العقرب حتى لا يطالها ذنبه وهو يلفظ أنفاسه الاخيرة..

تنبهت في تلك اللحظة للعقرب الصريع بالقرب منها فارتجفت بين ذراعيه في ذعر، لحظات ساد فيها الصمت وكفاها تتشبث بجانبي مئزره وجبينها يستند على صدره واخيرا همست في صوت متحشرج وهى ترفع نظراتها الدامعة متطلعة الى محياه: - لماذا لم تدعني ارحل!؟، الم يكن هذا ما تتمني!؟.

سال الدمع المتأرجح بمآقيها ليهمس هو بدوره وبنبرة تحمل دلالة ما لم تستطع تفسيرها في حينها: - ما اتمنى لن أدركه حتى تطير الافيال، وما اتمنى اللحظة لن أدركه ولو بلغت روحي الحلقوم..
جالت نظراتها بقسمات وجهه وهمست في تيه: - ما تتمناه اللحظة!؟، ما هو ذاك الشئ الغالي الذي قد تدفع روحك ثمنا له!؟.

هتف في وله وعيناه تتعبد في محراب محياها الباكي الذي زادها رقة: - ا نتِ، انتفضت مبتعدة وكأن كلمته كانت هى دلو الماء البارد الذي صبه على وعيها الغائب ليستيقظ اخيرا جاذبا إياها من خضم صخب المشاعرالاخرق ليعيدها مرة أخرى لارض الواقع..
ادرك ادم ما يعتريها لكنه استطرد في رغبة حقيقية: - انا أريدكِ يا حياة، ارغبكِ بشدة، فهل تقبلين الزواج بي!؟.

نظرت اليه وهى لا تعلم كيف واتتها الشجاعة لتتطلع لعمق عينيه متسائلة: - وماذا بعد!؟.
همس متعجبا: - وماذا بعد!؟، ماذا تعنين!؟ همست: - وماذا بعد زواجنا المزعوم، ماذا اذا قدر الله وعدنا كل الى دنياه!؟.
همس مؤكدا: - ولما نفكر في امر صعب الحدوث بعيد المنال، نحن هنا منذ فترة لم يعثر علينا احد فقد يكون الموج ألقى بِنَا بعيدا عن مجال بحثهم، فلنعش اليوم بيومه فقد لا يأت غدا..

همست تسأله في وجع: - وإذا أتى!؟، همس في ثبات: - ساعتها يمكن لنا تقييم علاقتنا، و..
قاطعته تومئ في رزانة: -لا نية عندي لاقامة اي علاقة تحتاج لتقييم، رجاءً، عد لموضعك، وشكرا على انقاذك حياتي، لم يكن الامر يستحق عناءك..

تطلع اليها للحظة وأخيرا نهض مندفعا في ثورة مبتعدا عنها دافعا الحقيبة بعيدا عن مدخل الكهف ليجلس بالخارج وقد بدأ الجو في الاعتدال قليلا، لكن مزاجه هو من تعكر ليصبح اكثر انقلابا من تلك الانواء التي هدأت..

اندفع شهاب بشكل همجي لداخل مكتب نهى رغما عن مديرة مكتبها التي حاولت استوقافه لكنها لم تفلح..
كادت نهى ان تهتف معنفة على هذا الصخب الا انها توقفت للحظة ما ان ابصرت شهاب فأشارت بالانصراف تؤمئ لها ان دعيه يدخل..
وقف شهاب بمنتصف حجرة المكتب يتطلع حوله في انبهار هاتفا في حقد: - كل هذا العز سيكون لي فيه نصيب..
حاولت السيطرة على أعصابها هاتفة: - تفضل يا سيد شهاب، اجلس ودعنا نتفاهم..

جلس شهاب امامها هاتفا: - جئت لأنال نصيبي من الإرث، اعتقد انه شيء واضح..
هتفت بثبات: - على حد علمي لقد طلقت حياة بعد زواج لم يدم اكثر من ثلاثة اشهر، كيف ترثها وهى لم تعد زوجتك من الأساس!؟.
قهقه شهاب هاتفا في سخرية: - يبدو ان لا علم لك، حتى حياة رحمها الله نفسها لم تكن تعلم..
ومال على سطح المكتب هامسا في وضاعة: - لقد أعدتها لعصمتي قبل انتهاء العدة ببضع ساعات..

شهقت نهى هاتفة: - انك تكذب، لم يحدث..
اكد شهاب وهو يعود موضعه على كرسيه واضعا قدم فوق أخرى: - بلا حدث، وعندي كل ما يثبت ذلك..
هتفت نهى بثورة: - انت نصاب تحاول استغلال وفاة حياة لتحقيق مكسب مادي، اما كفاك ما نلته وأختك حتى تطلقها!؟، الم تكتف بتدميرك لحياتها لتأتي راغب في مالها بعد وفاتها!؟، اى نوع من البشر انت!؟.
قهقه شهاب في سماجة: - انا فقط راغب في حقي لا شيء اكثر..

هتفت نهى في عزم: - واذا أخبرتك انك لن تنول مليما واحدا من مال حياة!؟.
تطلع شهاب لنهى هاتفا في لهجة تقطر حقارة: - سأخبرك اني ذاهب لجدك لأخبره ليس فقط بوفاة حفيدته المحببة لقلبه بل أيضا باني أعدتها لعصمتي وان مالها سيكون بحوزتي استمتع به كما يحلو لي..
ما رايك!؟، اعتقد ان كلا الخبرين سيكون مصدر سرور لجدك الخرف..

جزت نهى على أسنانها قهرا فقد كان كل ما يتفوه به هذا الحقير صحيحا وهى تدرك تماما انه قادر على تنفيد تهديده فقد جاء الى الفيلا بالفعل لولا ستر الله ووجودها ساعتها وتدخلها..
تنهدت في ضيق هاتفة: - اسمع، موضوع الإرث هذا لا أستطيع ان أتدخل فيه لانه يخضع لأمور قانونية وإجراءات سأجعل محام العائلة يتولاها، لكن كل ما يمكن ان أقدمه الان هو هذا..

زيلت شيك بتوقيعها ومدت كفها به هاتفة: - هذا من مالي الخاص، حتى لا تطأ قدماك الفيلا مرة أخرى، اعتقد انه كاف..!؟.
تطلع شهاب للرقم المدون بالشيك البنكي وحاول ان يظهر لامبالاته بذاك الرقم الضخم الذي سال له لعابه وهتف وهو ينهض مودعا: - حسنا، سأعتبر هذا عربون مبدأي حتى تحل الأمور القانونية الخاصة بالإرث، وداعا..
تنفست نهى الصعداء وهى تراه يرحل وتمنت الا تر محيا ذاك الحقير مرة أخرى..

تحسن الجو كثيرا فقرر النزول حيث كان موضع كوخيهما لتلحق به رغبة في مساعدته لاعادة بنائهما من جديد..

استمرا في العمل الشاق لفترة حتى انها شعرت بالتعب واالارهاق الشديد الا انه لم يتوقف عن العمل ولم ينبس بحرف واحد، فمنذ ذاك اليوم في الكهف عندما عرض عليها الزواج ورفضت وهو ينأى عنها ولا يخاطبها بكلمة، يفعل ما يجب عليه فعله لكنه ابدا لم يعد ادم المرح ذو الروح الوثابة الذي ما كانت السخرية والمزاح يفارقاه، ماذا فعلت ليكون رد فعله بهذا الشكل!؟، هى غير راغبة في علاقة واهية، فما عادت قادرة على العطاء من جديد دون ضمانات تحمى قلبها من العطب وروحها من الانهيار، ما عاد لديها ما يمكنها منحه له او لغيره فمعين مشاعرها قد نضب..

ليته يفهم ان العيب ليس فيه بل بالظروف العجيبة التي جمعتهما، ليته يتفهم ان العيب بقلبها السقيم وروحها المشروخة أنيناً وجراحها النازفة وجعا لا يزل سخينا وحيا..
تطلعت اليه وهويضع اللمسات الأخيرة على سقف كوخها مستندا على احد افرع الشجرة التي تسلقها رغبة في الوصول لاعلى الكوخ.

وضبط سقفه بالفروع والاخشاب بشكل سليم الا ان ذاك الفرع كان من الضعف بحيث انكسر ولم يستطع تحمل ثقل جسده ليسقط من عليائه متأوها في شدة..
صرخت حياة في ذعر متجهة الي حيث موضع سقوطه هاتفة في قلق: - هل انت بخير!؟، ارني قدمك لاطمئن عليها..

مدت كفها بتلقائية تتحسس موضع اصابته التي كان يتأوه ممسكا إياه الا انه دفع بقدمه بعيدا عن مجال يدها مؤكدا في غلظة وهو يحاول النهوض مبتعدا عن قربها المهلك: -لاعليكِ، انا بخير..
تحامل على قدمه السليم حتى استطاع الجلوس امام كوخه يحاول تمسيد قدمه الموجوعة حتى لا يطالها التورم..
هتف بلهجة خشنة وهى لاتزل بموضعها لم تتحرك: - كوخك اصبح جاهزا..

اومأت برأسها في تفهم ونهضت تدخله في هدوء وقبل ان تهم بغلق بابه خلفها همست: - سأدخل واعدك ان لا اخرج منه الا للضرورة القصوى..
هتف بحدة: - سيكون ذلك افضل للجميع، دخلت الكوخ ولم تعقب بكلمة لكن ما ان اغلقت عليها بابه حتى سالت دموعها..

قررت فعلا عدم الخروج من الكوخ مهما حدث فما عاد لديها القدرة على الجدال معه او تلقي نظراته الغاضبة او تلميحاته الموجعة، عليها تجنبه تماما وإذا لذم الامر واحتاجت للخروج فعليها ان تتأكد انه ليس بالخارج حتى لا تحتك به..
ظلت النهار بطوله بين جدران الكوخ الأربعة على الرغم من انها لم تسمع اي صوت له بالخارج وكان لابد لها من الخروج لتناول بعض الطعام فهى تتضور جوعا بالفعل..

فتحت الباب في حرص وتطلعت حولها تمد ناظريها شرقا وغربا تتأكد انه ليس موجودا بالانحاء، وتحركت في اتجاه الأشجار التي تحصل منها على الفاكهة التي يتناولاها، جمعت منها عدة ثمرات وسارت في طريق العودة محاولة ان لا تقابله قدر إمكانها..
ما ان وصلت لكوخها وهمت بدخوله حتى سمعته يتأوه، تذكرت قدمه المصابة من الامس، هل عليها الاطمئنان عليه!؟.

هزت رأسها نفيا فلا رغبة لديها في نيل تقريعه دخلت الكوخ وجلست تتناول ثمرات الفاكهة وما ان همت بقضم اولى الثمار حتى تركتها جانبا في ضيق ونهضت على عجالة حتى لا تتردد مندفعة تقف امام كوخه هاتفة في اضطراب: - ادم!؟، هل انت بخير!؟
هتف من الداخل في حدة: - سأكون بخير اذا ما ابتعدت عني وتركتني لحالي..

على الرغم من تلك الشدة في رده الا انها دفعت باب كوخه وتطلعت لجسده الممدد وسقطت عيناها على قدمه المصابة، تجاهلته تماما وانحنت تنظر الى ذاك التورم البسيط الذي اعترى كاحله..
هتفت وهى تضع اطراف أصابعها على موضع الورم في إشفاق: - لابد من علاج هذا التورم..
هتف ساخرا: - وكيف ذلك ايتها الطبيبة الفذة!؟.

لم تعره اهتماما ودخلت لكوخها تحضر قطعة من قماش وملأت احدي الأواني الصفيح ببعض الماء لتدفئتها على نيران الركوة التي لسوء الحظ لم تكن مشتعلة، حاولت إشعالها على قدر استطاعتها مثلما رأته يفعل واخيرا وبعد جهد جهيد أضرمت النيران في بعض الأغصان ووضعت الآنية الصفيح عليها..
هتف مستفسرًا: - ماذا تفعلين!؟.

هتفت دون ان تتطلع اليه: - لابد من عمل كمادات مياه دافئة على ذاك الورم حتى يشفى، وربط الجزء المصاب وعدم السير عليه لعدة ايّام..
لم يعقب على ما قالت بل تركها تقترب من قدمه وتبدأ في تمسيد الورم بقطعة القماش الندية الدافئة واعترف انه شعر بالراحة لحد كبير، ما ان انتهت حتى صنعت رباط ضاغط من قطعة من الملابس وبدأت في ربطها حول الجزء المصاب..

هتفت وهى تنهض مغادرة: - الان عليك الا تتحرك قدر الإمكان، ولا تضغط على القدم المصاب..
هتف في ضيق: - لكني سأمت الجلوس هنا، ارغب في البقاء خارجا..
اومأت برأسها هامسة: - حسنا، سأدبر لك الامر..
خرجت وغابت لبضع دقائق ثم عادت ومعها عصى كانت فرع قوى لشجرة قبل ان تقتلعه العاصفة من موضعه، دخلت الكوخ وقدمته اليه هاتفة: - يمكنك الاستناد على تلك العصى حتى الخارج والاستعانة بها اذا ما أردت الحركة..

تناول منها العصى وحاول النهوض متكئا عليها لكنه كاد ان يسقط، اندفعت تحاول دعمه لينهض وبلا وعي لفت ذراعها حول خاصرته ليضع ذراعه حول كتفيها، شعر بتيبس جسدها للمساته لكنه لم يرفع ذراعه عنها الا بعد ان ساعدته ليجلس بالخارج امام كوخه متطلعا للبحر الهادئ من موضعه..

قدمت له بعض ثمار الفاكهة التي كانت قد احضرتها وبدأت في تحضير وجبة من السمك المشوي والتي كان قد اصطادها امس ولم يتناوله نظرا لظروف سقوطه واكتفى كلاهما بالفاكهة..
بدأت في العمل وهو يراقب سكناتها مستمتعا، ظهرت اخيرا على جانب فمه ابتسامة وهو يهتف في استحسان: - أرى ان حياة الجزيرة اصبحت تناسبك تماما، فانتِ تقومين بالعمل في مهارة..

أجابت وهى تتشاغل عن النظر اليه بتقليب الأسماك حتى لا تحترق: - انا احاول ان أتكيف على حياة لا اعلم الي متى ستمتد، او حتى متى تنتهي..
انتهت من شواء السمكة الاولى فوضعتها على ورقة شجر عريضة اتخذتها كصحن وقدمتها له، تناولها وبدأ في التهامها مستطيبا إياها هاتفا: - أجدت الشواء باحترافية، فهى ناضجة بشكل مثالي..
ابتسمت دون ان تعقب وهى تتابع شواء سمكتها..

ساد الصمت للحظات كان قد انقض فيها على سمكته متسائلا: - كم سمكة لديك بعد!؟.
اكدت: - واحدة اخرى، ألاتزال جائعا..!؟
اومأ في إيجاب: - بلا، كنت أتضور جوعا، ولازلت جائعا..
ابتسمت في تفهم: - لقد خرجت من الكوخ لجوعي كذلك..
ومدت كفها بالسمكة التي كانت تطهيها لاجلها واضعة إياها امامه هاتفة: - تفضل..
هتف متعجبا: - لكنها لأجلك، يمكنني ان انتظر حتى انتهاءك من طعامك وشي السمكة الاخيرة..

اكدت في بساطة: - يمكنك تناولها وسأشرع في طهو الاخيرة..
هتف وقد بدأ في التهامها بالفعل: - حسنا..
ابتسمت لفعلته وساد الصمت من جديد وقد بدأت في التهام سمكتها كذلك وهمست في تأكيد: - في الغد سأحاول اصطياد عدد اكبر من الأسماك..
هتف مبتسما: - أرجو ان يحالفك الحظ، فالأمر ليس سهلا على الاطلاق..
واستند على كفيه ليدفع بجسده ليتمدد على الرمال متطلعا للسماء هاتفا: - انظري، كم عدد النجوم يا ترى!؟.

ابتسمت هاتفة: - لم احاول عدهم من قبل..
همس في رزانة: - الاعداد دوما ما تبهرني، فهي سر من اسرار الله..
تطلعت اليه للحظة فهى المرة الأولى التي تسمعه يذكر الله فيها بخلاف طبعا تلك الدعوات والأمنيات ليعود وحيدا وسعيدا لكن عليها ان تعترف انها لاحظت غيابه في عدة أوقات خلال اليوم وفي احدى المرات التي كانت في سبيلها لخلوتها رأته قائما يصلي في الخلاء، هل يعرف هذا الماجن ربا غير شهواته!؟.

تمددت بدورها منتزعة نفسها من خواطرها متطلعة للسماء على مسافة قريبة منه لحد ما، ابتسم لبساطة فعلتها منتشيا لكونها اصبحت تعتاده ولو قليلا وهمست متسائلة في تعجب: - وهل للإعداد سر..!؟
همس مجيبا: - نعم، الرقم ١، يدل على الفردية والتوحد الدال على الربوبية، و الرقم ٢..
وصمت لبرهة فتعجلته هامسة: - ما سره!؟
همس متطلعا اليها: - انه سر الزوجية، الروح ووليفها، القلب ونبضه، ادم وحواء..

تطلعت اليه بدورها وزاد اضطراب الخافق بين جنباتها وهتفت تحاول الخروج من سحر اللحظة ببعض المرح رافعة يدها مشهرة الرقم ٣ امام ناظريها: - والرقم ٣.
همس متطلعا من جديد للسماء الممتدة قبالته مبتسما لفعلتها: - انه ثمرة الازدواج ما بين كل شريكين، طفلهما الاول..
همست بغصة بحلقها وقد اصبح الحديث حميميا راسمة الرقم: - والرقم ٤..

همس متنهدا: - انه رقم دعامات الاسرة و اساسات البيت، رقم الاتجاهات الأربعة التي توجهك حتى تصل لمستقرك وسكناك.
همست: - رقم ٥..
اكد: - انه رقم درأ السحر والحسد...
وابتسم مستطردا: - الم تلحظي ان من ضمن معتقداتنا الشعبية عندما نشعر بطاقة حسد او عين نفرد كفنا بكامله امام صاحب العين الشريرة!؟.
ضحكت مؤكدة: - بلا صدقت، والرقم ٦..

همس: - انه رقم الانشغال والرغبة في إكمال الناقص، والرقم ٧ هوالسر الاعظم، فالسموات سبع، وأيام الاسبوع سبع، وأشواط طواف الحجيج سبع...
همست مبهورة: - والرقم ٨..
إبتسم لتفاعلها: - هو رمز الطريق الي الكمال، وكذا الرقم ٩ يؤكد انك اوشكت على الوصول..
هتفت متعجلة وهى تفتح كفيها بوجه السماء مشهرة أصابعها: - والرقم ١٠..
ضحك مؤكدا: - هو عين الكمال وبلوغ الهدف..
ابتسمت هاتفة: - لم اكن اعلم انك فيلسوف!؟.

ابتسم هامسا: - اشم رائحة سخرية تنتشر بالأجواء..
أكدت ضاحكة: - مطلقا، انها رائحة الشواء، هيا فعلى الفيلسوف العظيم الخلود للنوم حتى يحافظ على تلك الرأس الألمعية..

قهقه وهو يحاول النهوض بمساعدتها حتى دخلا الكوخ وما ان انحنت لتجلسه على فراشه العشبي حتى سقطت رغما عنها من ثقل جسده غير قادرة على التوازن بعد ما سقط هو قبلها متمدد، لثوان كانت بالفعل بين ذراعيه ترتكن على صدره، تلاقت نظراتهما وكل منهما تجول روحه بعالم اخر وللمرة الأولى، الاولى تماما تستشعر رغبة في البقاء قربه وعدم الفرار منه كما هي العادة..
همس ادم في وله: - حياة..

تطلعت نحوه يثور قلبها في عربدة عجيبة اقلقت راحة بالها فقد اعتقدت ان ذاك الخافق قد همد للأبد، قطعت الوصل بين روحيهما مبعدة ناظريها باعجوبة واندفعت هاربة لتعود لكوخها تنتفض في اضطراب تضم جسدها بذراعيها رغبة في الحماية والأمان لكن لم يكن ذاك كاف، كانت ترغب في ان تضم روحها اليها لكى تستكين، تلك الروح التي أنهكها التيه، لكن لم تفلح في ذلك..

وللعجب ايقنت انها لتوها ابتعدت عن ذاك الستر لروحها المعراه في وجه الوجع، ذاك الشعور الطاغي باحضانه الذي خلفتها لتوها..

كان ذاك النهار حارا على غير العادة والطقس داخل الكوخ يكاد يزهق روحها وهى لم تكن ترغب في الخروج لملاقاته بعد ما حدث بالأمس، لكنها لم تستطع البقاء ففتحت باب كوخها على استحياء تتلمس موضع بقاءه حتى تتجنبه ولحسن الحظ لم يكن موجودا بطول الشاطئ واعتقدت ان إصابة قدمه ستحد من حركته فخرجت في اطمئنان تجلس تحت شجرة ظليلة، لكنه ظهر فجأة من داخل الدغل يتكئ على قدمه المصابة والتي من الواضح انها تماثلت بعض الشئ للشفاء حاملا على كتفيه بعض الأغصان ابتسم بأريحية يحاول ان يتظاهر ان الوضع طبيعيا وكأن حادثة الليلة الماضية لم تكن وقد شكرت له ذلك كثيرا مما دفعه ليهتف مقترحا: - ما رأيك برحلة الي الجانب الاخر من الجزيرة!؟.

كانت تحمل ورقة عريضة من احدى الاشجار تلوح بها امام وجهها مرسلة بعض من هواء لعله يرطب ولو قليلا قيظ ذاك النهار هاتفة: - رحلة في ذاك النهار الحار!؟، لا اعتقد انها فكرة جيدة..
هتف مؤكدا: - صدقيني هذا وقتها فانا أقوم بها عدة مرات لاحضار الماء العذب للشرب..
همست: - أتقصد رحلة لذاك النبع العذب الذي أخبرتني عنه!؟.
اومأ مؤكدا: - نعم هو ذاك، هيا ِبنَا لا تتكاسلي..

نهضت متنهدة في غير حماسة: - حسنا، هيا ِبنَا..
تحركا داخل ذاك الدغل القريب يحاول تزليل الطريق امامها لتعبر خلفه، استمر المسير لبعض الوقت واخيرا انتهى الدغل فجأة لتشهق من جمال ذاك المنظر الرائع الذي يطالعها اللحظة..
تطلع ادم الى ردة فعلها مستحسنا وهتف في فخر: - الم اخبرك انها رحلة تستحق العناء..
همست مبهورة: - انه يستحق فعلا..

اكد ادم وهو يتقدم للنبع وحياة تتبعه: - كان هدية ربانية وقد اضناني العطش..
همست حياة: - لِم لم تقم كوخك قربه!؟، اكد ادم وقد وصل لحافة النبع: - فكرت بذلك فعلا لكني ايقنت اني سأكون بعيدا عن الشاطئ الذي تمر به السفن فاقمته هناك، كنت اريد ان اعطي نفسي املا ولو كاذبا ان هناك فرصة للنجاة..

جلست تضع قدميها بالماء البارد فشعرت بالراحة تسري بجسدها كله انتفضت عندما تناثر رزاز الماءعليها وجسده يخترق المياه، غاب لبعض الوقت تحت سطحه ليخرج فجأة من تحت اقدامها لتصرخ مصدومة ليهتف مازحا: - امير نبع المحبة في خدمتك سيدتي..

هتفت ساخرة: - ااسميته نبع المحبة!؟، ثم قهقهت هاتفة: - لما اشعر اني دخيلة على المشهد العام وانه يليق بك ان تجمع حسناواتك حول ضفاف النبع وانت تعزف على الأرغن كأحد أساطيرك التي لا تنتهي!؟.
زم ما بين حاجبيه وهتف ممتعضا: - اتسخرين من التسمية التي اطلقتها على النبع!؟، لكنها ليست من وحي خيالي، هناك فعلا نبع للمحبة وطالما انك تسخرين من اساطيري فلن اقص تلك الاسطورة عليكِ..

هتفت تشعر انه يحتال عليها: - ليس هناك واحدة، انت تمارس ألاعيبك على، أليس كذلك!؟.
هز راْسه في ثقة مؤكدا: - بل اقسم انه هناك ولن اقصها عليكِ حتى تعتذري وبشدة عن خطأكِ في حق اساطيري..
واندفع عائدا للسباحة من جديد وهى تهتف به ليتمهل: - عد يا عريس النبع اقصد يا امير النبع، قص على قصة نبع المحبة وانا اعتذر بشدة عن خطأي الغير مقصود في حق اساطيرك الراااائعة..

اندفع مقتربا من موضع قدميها داخل مياه النبع الباردة هاتفا في مرح: - قبلت اعتذاركِ..

ودفع بنفسه خارجا من المياه ليستقرجوارها ليهمس في سعادة تستشعرها تنتابه دوما وهو يقص عليها تلك الحكايا التي يعرف انها تحبها: - في مدينة العشاق والاباطرة المدعوة ساغالاسوس بجنوب تركيا يوجد نبع اسمه نبع انطونينلر، اونبع المحبة لان الاساطير القديمة كانت تقول ان الشرب من مياه هذا النبع يزرع المحبة بقلوب البشر، همست تسأله في اهتمام: - وهل تصدق ان هناك شيء ما يمكن ان يخلق المحبة بقلوب البشر!؟.

اكد هامسا في ثقة: - نعم، ولما لا!؟، ان المحبة سرألهي يربط الأفئدة يُخلق لأسباب لا نعلمها..
وتنهد وهو يتطلع امامه في تيه هامسا: - وتنتهي لاسباب نعلمها تماما..
تطلعت اليه في تعجب وهى ترى جانب اخر من جوانب شخصية ذاك الماجن الذي كانت تعتقد ان كل اهتماماته بالحياة تنحصر
في النساء والمتعة، لكن ذاك الشخص الذي يجلس جوارها اللحظة يخفي وجعا ما بصدره وسر ما بروحه لا تدركهما قدر.

ما تستشعرهما بقوة، ومن اقدر على استشفاف صاحب وجيعة الا من ذاق مُر مثيلتها!.
ايقظها دفعة واحدة من شرودها وهو يقذف ببضع قطرات من المياه باتجاهها هاتفا: - هاااي، الي اين ذهب عقلك!؟
ابتسمت ولم تعقب وهى تحاول تجنب قطرات الماء التي كان لايزل ينثرها باتجاهها واخيرا جمع كفيه اشبه بالمغرفة وملأهما بماء النبع البارد ورفعهما باتجاه فمها امرا بهمس: - اشربي..

ترددت قليلا في اضطراب لكنه اكمل امره مازحا: - فربما يكون لذاك النبع بعض القوى السحرية التي قد تجعل لى بعض من محبة بقلبك فتخضعين لسلطان إغوائي ولو قليلا وترضخين لطلبي الزواج بك..
قهقهت هاتفة: - هذا امر اذن..
اكد مقهقها بدوره: - اعتبريه دواء ما لجلب المحبة المستعصية..

ارتفعت ضحكاتها من جديد وما ان همت بالشرب حتى وجدت ان الماء قد تسربت من بين أصابعه فهتفت مازحة: - تسرب الدواء يا مسكين، فرصة اخرى في يوم اخر..
همت بالنهوض ليجذبها مازحا: - لا فرص اخرى ولا انتظار لايام اخر، الان وفي تلك اللحظة..
ودفع بها لتسقط فى النبع لتخرج بعد لحظات متشبثة بغطاء رأسها الذي كان يوشك ان ينخلع هاتفة في زمجرة: - ايها الاحمق، لقد..

تطلعت حولها فلم تجده ليظهر بالماء قربها هامسا بمزاح: - لم ترغبي في جرعة من دواء محبتي فدفعتك لتتجرعي القنينة كاملة، لنري كيف ستقاومين سحري بعد اليوم!؟.
وبدأ في قذفها برزاز الماء لتحذو حذوه محاولة الانتقام وقد علت ضحكاتها وهى تحاول الخروج من النبع بصعوبة هاتفة: - اشعر بالشفقة عليك منذ اللحظة، فانا محصنة تماما ضد اسحار المحبة، خيبة املك ستكون عظيمة..

هتف يستوقفها متحديا: - اتراهنين انك ستقعين بعشقي خلال ايّام قلائل!؟.
هتفت وهى لاتزل توليه ظهرها تهم بالرحيل: - انا لا اراهن على جواد خاسر!؟، واستدارت تتطلع اليه بنظرة تحمل ألما لا يستهان به مستطردة: - فالعشق فرس جامح متقلب لا امان له، قد يلق بك من على صهوته قبل ان تصل خط النهاية بلحظات وقد كنت على ثقة تامة انك الفائز، صدقني، رهانك لاجدوى منه مطلقا..

واندفعت في اتجاه طريق العودة لكوخهما تاركة اياه لايزل بقلب النبع يتبعها بنظراته وهو يستشعر ان هذه الفتاة تحمل بفؤادها وجيعة بحجم المجرة..



look/images/icons/i1.gif رواية السماء تشهد أيها الماجن
  09-01-2022 11:29 مساءً   [8]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع

هتفت نهى في نفاذ صبر بشهاب الذي يجلس قبالتها في غطرسة عجيبة: - اعلم ان هذا هو اخر شيك سأكتبه لك..
هتف شهاب في برود: - لا اشحذ منكِ، هذا بعض حقي..
صمتت فهى تعلم ان الحوار مع هذا الحقير لن يجدي فزيلت الشيك بامضائها وما ان همت بإعطائه إياه حتى دخل مهنى في عجالة هاتفا بأمر ما الا انه توقف لحظة ان شاهد ما يحدث فهتف بغضب وهو يتطلع الى شهاب في احتقار: - ماذا يفعل هذا الوضيع هنا!؟.

انتفض شهاب في غضب مماثل هاتفا: - انا لن اسمح لك ب..
قاطعه مهنى محتدا: - ومن انت لتسمح اولا تسمح!؟، وما الذي أتى بك الى هنا من الاساس!؟
هتفت نهى تحاول توضيح الامر: - لقد جاء ما ان علم بوفاة حياة حتى ينل نصيبه من إرثها و..

هتف مهنى في ثورة: - أي ارث أيها الحقير..!؟ لقد طلقتها وانتهى الامر، ولولا رغبة السيد السعيد في عدم احداث جلبة حول زواجكما حتى لا يمس ذلك سمعة العائلة لكنت انت وأختك الان بالسجن بعد كل ما فعلتهماه بحفيدته، والان تأتي بكل صفاقة مطالبا بمال ليس لك فيه مليم واحد!؟، أي فجور هذا!؟.

هتف شهاب يحاول الدفاع عن حقه المذعوم مدعيا الشجاعة رغم انه يرتجف داخليا امام ذاك الرجل العالم ببواطن الأمور: - حياة رحمها الله كانت زوجتي، لقد رددتها لعصمتي قبل انتهاء العدة بساعات قليلة..
هتف مهنى ساخرا: - الى ان تثبت ذلك، لا مكان لك هنا، تفضل، وأي تعامل مستقبلي مع عائلة السعيد سيكون من خلالي انا فقط..

خرج شهاب مسرعا مدعيا الحنق وهو في الحقيقة هرول خوفا وهربا من ذاك الرجل الذي تطلع الى نهى عاتباً في رقة وقد تبدلت حاله في لحظة وهو يسألها: - لمَ لم تخبريني بأمر ذاك الحقير!؟.
هتفت نهى في اضطراب: - آسفة سيد مهنى، لم اكن ارغب في تحميلك كل الأمور يكفيك ما هو على عاتقك بالفعل، كما اني كنت اعتقد ان الامر سينتهى عند إعطائه بعض المال لكن يبدو انه لن يشبع..

ابتسم مهنى مقتربا منها هامسا في ود: - حسنا، لا بأس، لكن رجاءً اخبريني بأي امر يحدث بعد ذلك، فامورك، اقصد أمور كل عائلة السعيد والتي ستؤل اليك يوما ما بعد عمر طويل لجدك، تهمني، تهمني بشدة..
وابتسم في رقة ورحل مخلفا إياها تتعجب من أحواله تجاهها مؤخرا..

دفع باب كوخه خارجا منه وهتف صارخا في ضيق: - انا لن أستطيع تحمل هذا الوضع اكثر من ذلك، انا رجل ولي احتياجات..
كانت بالفعل تجلس امام كوخها تتطلع للبحر قبالتها فجفلت لثورته ونظرت اليه شذرا هاتفة: - و ماذا علىّ ان افعل بأعتقادك!؟، فلتذهب للجحيم انت واحتياجاتك..
هتف بغيظ: - انا في الجحيم بالفعل و احتياجاتى تصاحبنى هناك ليل نهار، انا لا أعلم لما ترفضين طلبي، انه طلب بسيط و لن يضراحد..

هتفت صارخة: - طلب بسيط!؟، انت تطلب جسدي يا رجل..
هتف مصححا: - انا اطلب الزواج بكِ يا امرأة، الزوااااااااج..
هتفت صارخة في ثورة: - اى زواج يا هذا ونحن فى هذا الوضع..
واشارت للفراغ حولها مستطردة: - اى زواج دون مأذون او شهود!؟.
هتف فى نبرة هادئة قدر إمكانه محاولا إقناعها: - وماذا علينا ان نفعل!؟، لا شهود فنحن الأحياء الوحيدون بالجزيرة، ولا مأذون بالطبع..

هتفت ساخرة: - حتى انه لا اوراق اواقلام لتوثيق الزواج..
هتف ساخرا بدوره: - ما رأيكِ لو جثوت على ركبتي طالبا يدكِ مثلما يحدث في الأفلام فقد يفلح الامر!؟، وساعتها اخبرك ان السماء والبحر هما شاهدا عقدنا الأبدي..
هتفت متجاهلة سخريته: - قد اقبل ما تقول ان كنت احبك بالفعل، لكني لا اسلم جسدي لرجل لا احبه..
هتف مؤكدا: - اذن احبينى، أمامك ثلاث ليال كاملة هى كل ما املك من صبر حتى تحبيني..

قهقهت هاتفة: - انت غير معقول، لديك اجابات شافية ومقنعة وحل لكل معضلة..
هتف في مرح: - هاقد بدأتِ فى محبتي، الخطوة الاولى لا بأس بها، استمرى و صدقينى خلال ثلاث ليال ستكونين غارقة حتى النخاع فى غرامي..
قهقهت من جديد وهتفت متسائلة: - واذا مرت الثلاث ليال ولم يحدث ان أحببتك..
ما الحل يا ترى!؟.

هتف مؤكدا فى مجون: - ساعتها سأجعلك تتمنين لو انك فعلت حتى ولو ادعيت كذبا انك احببتنى فعندها سأطلق رغباتي الدفينة تركض خلفك في الجزيرة بأسرها ووقتها..
واقترب هامسا فى عبث: - اما ان اقتلك عشقا اوتقتليننى دفاعا عن الشرف..
وعاد يتحدث بمنطقية مستطردا: - و صدقينى، انتِ الخاسرة فى كلتا الحالتين..

خسارتك الأولي فقدانك تجربة فريدة من نوعها بين ذراعيّ، والخسارة الثانية، هى خسارتي انا شخصيا اذا ما قتلتني لانك ستكونين وحيدة وستموتين قهرا فى اثري لانكِ تعلمين جيدا انك لن تستطيعي البقاء بمفردك على تلك الجزيرة..

صمت اخيرا بعد تلك المحاضرة المسهبة في سرد فوائد ومنافع الإزعان لمطلبه المجنون لتنظر اليه دون ان تعقب بكلمة مما استرع انتباهه ليهتف من جديد في محاولة أخرى لإقناعها: - صدقينى، قد نموت هنا بتلك الارض وحيدين، من سيعلم بما فعلنا، ومن..
قاطعته فى تأثر هاتفة: - الله يعلم أيها الأجوف..
هزه قولها داخليا وهتف بدوره: - الله شاهد على ما نحن فيه، ثم ماذا تعنين بأجوف!؟.

ابتسمت وهى تتطلع للأفق البعيد هامسة: - نعم اجوف، فالزير الفارغ يصدر صوتا اجوفا عند الطرق عليه، يا زير النساء..
قهقه هاتفا في فخر: - هذا شرف لا ادعيه، هتفت في غيظ: - هذا حمق تغرق فيه..
هتف مشاكسا: - اشم رائحة شئ ما يحترق هاهنا، هل هى الغيرة يا ترى!؟.
هتفت مؤكدة في هدوء: - انا لا اشعر بالغيرة مطلقا..
هتف مشاكسا من جديد: - اذن فلست امرأة!؟، فما من امرأة لا تغار، فما اروع الغيرة على من نحب!.

ابتسمت فى حسرة ولم تعقب وأشاحت بوجها عنه متطلعة للأفق البعيد لعلها تحاول تناسي ذاك الجرح النازف داخلها ونهضت مبتعدة تتحاشى التطلع اليه ليهتف هو خلفها: - و ماذا عن عرضي الذي لن يتكرر!؟.
هتفت ساخرة دون ان تستدير اليه وهى لاتزل تبتعد: - أحقا لن يتكرر!؟، هذا هو عرض الزواج رقم كم!؟.
هتف مازحا: - لا أتذكر، كررته وسأظل اكرره مرارا حتى انك قد تقبلين فقط حتى اكف عن الحاحي..

اتسعت ابتسامتها وتوقفت تستدير متطلعة اليه لا ترغب في رفض اخر قد يجعله ينأى عنها بشكل لن تطيقه فهتفت: - اذن أعدكِ التفكير فى عرضك المغري..
صفق منتشيا وهتف خلفها بصوت عال وقد ابتعدت بالفعل: - اشكركِ يا عروسى المنتظرة..
قهقهت هامسة: - لقد فقد عقله كليا..

صرخت شادية في غضب هادر: - أخبرتك ان ذاك الامر لن يستمر طويلا، وان تلك المبالغ الزهيدة التي تحصل عليها لا تسمن ولا تغن، لكن منذ متى تستمع لنصائحي!؟

صمت شهاب مهادنا وهو يعلم ان لأخته الحق في ثورتها فقد كان يصرف تلك الشيكات التي تعطيها له نهى ويأتي لها بالفتات حتى يسد نهمها للمال ويحتفظ بالأكثرية لنفسه، تنهد في ضيق مصطنع: - انتِ تظلمينني، انا افعل ما تمليه علىّ بالحرف، وأنفذ كل نصائحك دون تأخير، ماذا يمكن ان افعل اكثر مما فعلت!؟.
هتفت في لهجة شيطانية: - ليس أمامنا الا الحل الأخير..
تطلع اليها شهاب مترددا وهمس في اضطراب: - اتقصدين..

لم تمهله ليكمل بل هتفت في حماس: - اجل، لم يعد أمامنا الا هذا الحل، وستنفذه من فورك، دعنا ننه هذا الامر ونحصل على المال ونرحل من هذا المكان العفن..
اومأ شهاب إيجابا في استسلام تام لا طاقة له لمعارضة شادية وهى بتلك الحالة التي قذفت الرعب بقلبه وجعلته ينصاع لما تأمر في طاعة عمياء..

كانت تجلس على اعتاب كوخها الخشبي تتطلع للافق البعيد ولم تتنبه الى ذاك المتجه للبحرالا عندما دخل الى مجال رؤيتها فانتفضت متعجبة لما يفعل فالشمس اوشكت على المغيب وهو يفكر في النزول للبحر في هذا الوقت، اندفعت تتجه اليه وما ان وصلت لموضعه حتى هتفت خلفه متسائلة: - الي اين!؟، هل تفكر في النزول للبحر في تلك الساعة!؟.

اكد بايماءة وبلهجة واثقة: - وماذا في ذلك!؟، انها افضل أوقات اليوم للسباحة بالنسبة لي..
واستدار مواجها لها مازحا: - وقد يحالفني الحظ واقابل اتارجاتيس..
تسألت في تعجب: - من هذه!؟.
هتف يغيظها متجها للبحر: - سأخبرك عندما اعود عن قصتها او ربما مع بعض الحظ قد اقتادها لك لتقابلينها شخصيا..
هتفت تستوقفه وهى تشعر بالرعب ان تصبح وحيدة على الشاطئ وهو يسبح بالبحر وقد حل الظلام: - ارجوك، اخبرني الان..

تطلع نحوها وبرقت عيناه ببريق عابث وهتف مقايضا إياها: - حسنا سأقص الحكاية لكن على شرط..
هتفت متعجلة: - ما هو!؟.
اكد مبتسما: - نتسابق سباحة، ما رأيك!؟، تطلعت للبحر ولونه الذي بدأ يميل للقتامة مع إرخاء الليل لسدوله وعاودت النظر اليه هامسة: - الان!؟، الا يمكن ان..
هتف مقاطعا إياها: - نعم، الان، دعينا ننعم ببعض الاثارة..
همست بتردد: - حسنا، ولما لا!؟.
هتف مستحسنا: - رائع، اتفقنا..

جلس ضاما ركبتيه لصدره لتحذو حذوه ليهمس بذاك الصوت الرخيم الذي يتملكه ما ان يبدأ في قص احدي أساطيره الشيقة والذي يجعلها بعالم اخر تماما تشعر بشغف طفلة صغيرة لسماع حكايا ما قبل النوم: - اتارجاتيس هى احد الاله القديمة وام الملكة الاشورية سميراميس، كانت تحب بشريا لكنها قتلته عن طريق الخطأ فشعرت بالذنب وما عادت قادرة على العيش على الأرض فألقت بنفسها في الماء لتعيش فيه بجسد النص العلوي لبشرية والنصف السفلي لسمكة..

هتفت حياة مبهورة: - تقصد عروس البحر!؟.
اكد مبتسما لانبهارها الذي يسعده: - نعم، هى كذلك، تقول الاساطير ان عروس البحر دوما ما تكون قريبة من شواطئ الجزر، تتمدد احيانا على صخورها عندما تمل الماء وتأخذ في الغناء بصوت عذب عندما ترى السفن تقترب فيشعر البحارة بالنشوة ويفقدون السيطرة على سفنهم، همست متعجبة: - ألهذه الدرجة صوتهن عذب!؟.

اكد مبتسما: - صوتهن ساحر يخدر المشاعر ويسلب الارادة، كما ان دموعهن غالية القيمة، تسمى الزمرد الريحاني ، تلك الدموع يقال انها تعطي القدرة على الوصول الى ينبوع الشباب الابدي..
واستطرد متنهدا في نبرة عابثة: -هذا بالنسبة لدموعهن ما بالك بقبلاتهن!؟.

نظرت اليه نظرة ان كف عن عبثك ليقهقه مستطردا: - صدقا هذا كلام الأسطورة، فالقبلة من احداهن تمنحك القدرة على العيش تحت الماء والاستبصار ومعرفة مكنونات البشر وكذا القدرة على شفاء الامراض..
هتفت ساخرة: - يا لها من مميزات، تستحق التجربة حقا..
اكد متطلعا اليها في رغبة لاغاظتها: - اتمنى لو احصل على احداها لاستبصر مكنونات روحك وعقلك..

همست ساخرة: - لم اكن ادرك ان مكنوناتي بهذه الأهمية لأي من كان، صدقني، ستشعر بالندم لو ادركت بعضها، فهى لا تستحق لمعرفتها كل ذاك العناء...
ونهضت ما ان شعرت بان الحديث ينحى باتجاه لا تستسيغه هاتفة: - حظا سعيدا مع حوريتك..
هتف يستوقفها: - الى اين!؟، ووعدك بالمنافسة سباحة!؟.

توقفت تفكر للحظة واخيرا استدارت عائدة اليه هاتفة: - حسنا، فانا لا اخلف وعدي، رغم ان القصة لا تستحق هذه المخاطرة، ضحك دون ان يعقب على رايها شارحا: - نهاية السباق عندما تنتهي من عد عشر ضربات للماء بذراعيكِ، اتفقنا..

هزت رأسها موافقة وهى تحكم ربط غطاء رأسها حول عنقها، توغلا لداخل الماء وما ان وصلا لنقطة عمق مناسبة حتى هتف معلنا بدء السباق ليندفع كلاهما لداخل الماء، لحظات مرت وكلاهما يضرب الأمواج بكلتا يديه في قوة، وما ان أنهت حياة العدات العشر حتى رفعت رأسها مستطلعة موضعة لتجده خلفها بقليل، أمعنت النظر قليلا تحت ضوء القمر الذي سطع بدرا فوقهما فأدركت ان هناك شيء ما غير طبيعي يحدث، حاولت التركيزواخيرا استطاعت إبصار جسده يهبط ويصعد بين الامواج..

اندفعت في ذعر نحوه صارخة لا تعرف ما عليها فعله الا السباحة نحوه وكل ما جال بخاطرها لحظتها هو انقاذه مهما كان الثمن، وصلت موضعه واتته من الخلف كما تعلمت من دورة الإنقاذ التي اجتازتها منذ عدة
سنوات وبدأت في تطويق جسده قبل ان يغيب تحت الماء مجددا..
اخذت في سحبه وإلقائه باتجاه الشاطئ رويدا رويدا ولعدة مرات حتى استطاعت ان تجذب جسده بصعوبة لتلق به على الرمال.

الندية وتسقط جواره تلتقط انفاسها في تتابع مضن لكنها لم تعط نفسها الفرصة لتستريح بل اندفعت نحوه تضغط على صدره وتتأكد ان باستطاعته التنفس، لكن صدره كان
متخشبا مما زاد من ذعرها لتبدأ في الضغط على صدره من جديد بكلتا كفيها ضغطات سريعة متتابعة، لكنه لم يستجب..
بدأت في الانهيار هامسة بأحرف متقطعة وصوت متحشرج وهى لاتزل تحاول إنقاذه: - ارجوك، استيقظ، رجاءً لا تتركني وحيدة، هيا تنفس، هيا..

قرر إنهاء مزحته الثقيلة هامسا: - المرحلة.

الاخيرة من إنقاذ احدهم هى قبلة الحياة، لكن يبدو اني لن انلها ولو كنت جثة هامدة، شهقت وسقطت دموعها الساخنة على خديه ففتح عينيه متطلعا الى الهلع البادي على قسمات وجهها الذي لايزل رطبا والماء الذي يقطر من غطاء رأسها الذي أحكمت ربطه حول رقبتها قبل نزولها والذي ارتخى قليلا فهتف وقد شعر بتأنيب ضميرعلى حالتها تلك والتي لم يتوقع ان تصل لهذا الحد من الفزع ابدا: - انا بخير، لن تكوني وحيدة حياة، اطمئني، انا هنا..

هتفت ما ان تمالكت أعصابها وصرخت بانفعال من بين شهقات نحيبها وهى تنهض مبتعدة: - ليتك لم تكن، ليتك لم تكن، واندفعت تحاول الهرولة لكن ملابسها المبللة جعلت خطواتها ثقيلة على الرمال، تطلع حيث كانت تغيب اللحظة وشعر بمدى حمقه ليعرضها لموقف كهذا..

تعالت تلك الهتافات السوقية داخل فيلا السعيد لتحثه على دفع كرسيه المدولب خارجا من حجرته ليرى لمن هذه الصيحات..

هتف شهاب في غضب: - اين انت أيها العجوز!؟، انا لن اتركك تهنأ لحظة واحدة..
هتف شهاب عندما لاح له السعيد قادما على كرسيه: - اين انت أيها الخرف!؟، اما كفاك ما فعلته بِنَا حتى تأتي اللحظة لتحرمني من حقي..
هتف السعيد بلهجة محتقرة موجها حديثه لمدبرة المنزل التي كان لها علم بكل مجريات الاحداث والتي كانت تقف ترتجف حرفيا من الصدام القادم: - عن أي حق يتحدث هذا الاخرق!؟.

اندفعت مدبرة المنزل تجاه شهاب هامسة من بين أسنانها في توسل: - ارجوك، لا تفعل، لن يحتمل الصدمة..
لكن شهاب لم يستمع لتوسلاتها وهتف شامتا: - اتحدث عن حقي في ارث زوجتي، حفيدتك المصون، حياة..
واقترب من كرسي السعيد منحنيا وهو يظهر له نعيها بالجريدة التي نشره احد أصدقاء جدها لمجاملته وهولا يعلم انه جاهلا بخبر وفاتها من الأساس هامسا في تشفِ: - رحمها الله..

اتسعت عينا السعيد عن آخرهما وهو يتطلع لصورة حفيدته بالجريدة ومد يديه بكفين مرتعشتين يمسك بها في اضطراب غير مصدق ما يقرأ، وما ان انتهى حتى رفع رأسه موجها حديثه لمدبرة المنزل في صوت متحشرج النبرات: - هل هذا الخبر صحيح..!؟.
كانت المرأة تبكي في قهر غير قادرة على الرد..
سكت الجد للحظات وأخيرا همس: - كيف حدث ذلك!؟، ومتى!؟.

دخلت نهى الفيلا مبكرة على غير العادة واندفعت تهرول لداخلها وما ان ابصرت شهاب والجريدة في كف جدها حتى ادركت ما يحدث فصرخت في غضب قاهر مندفعة في اتجاه شهاب تريد قتله ممسكة بتلابيه: - انت لست إنسانا، أخبرتك ان قلبه لن يتحمل، كيف دخلت الى هنا من الأساس مع كل تلك الحراسة بالخارج!؟.
ابتسم شهاب في سماجة: - أخبرتهم اني زوج حفيدة السعيد فلم يمنعني احد..

هتف جدها يستوقفها وهو يلتقط أنفاسه في عمق محاولا الثبات: - دعك من هذا الحقير واخبريني، كيف ومتى حدث هذا!؟.
دفعت نهى بشهاب بعيدا واجابت من بين شهقات بكائها المقهور: - سقطت الطائرة التي كانت تقلها وهى في طريقها الى هنا عندما علمت بمرضك، كان ذلك في اليوم الثاني لدخولك المشفى، لم نشأ ان نخبرك لان..

قاطعها الجد باشارة من كفه لتصمت مستطردة في بكائها موجها ناظريه لشهاب هاتفا به في لهجة امرة: - الي الخارج، ولا تطأ هذه الفيلا باقدامك مرة أخرى، ولا حق لك عندي أيها الحقير، السماء اقرب لك من ان تمس قرشا واحدا من مال حفيدتي الغالية..
هتف شهاب مزمجرا في ثورة: - سأفعل، فهى زوجتي..
هتف السعيد في ثبات: - لقد طلقتها وانتهى الامر..

هتف شهاب ساخرا: - لا لم ينته، لأني رددتها لعصمتي من جديد قبل ان تنتهى العدة ببضع ساعات ولي الحق في الارث، وسأخذه مليما مليما أيها العجوز المتعجرف، وسترى..
اندفع شهاب خارج الفيلا بعد تهديداته لتسرع نهى نحو جدها تلقي بنفسها قرب قدميه هاتفة في تضرع: - ارجوك يا جدي كن صلبا لأجلي، انا لن احتمل رحيل كلاكما، انت وحياة..
ربت السعيد على كفها التي كانت تقبض على كفه في توسل هامسا: - من قال ان حياة رحلت..

تطلعت اليه نهى في خوف معتقدة ان هذا الإنكار أعراض صدمة ما وانتفضت مسرعة ليسألها السعيد في تعجب: - الى اين!؟..
اكدت في اضطراب: - سأذهب لفصل كل الحراس على بوابة الفيلا والذين سمحوا بدخول هذا الوضيع كما اعتقد انه على الاتصال بالعم مهنى ليحضر و..
قاطعها الجد في ثبات: - بل اشكريهم لانه لولاهم ما كنت عرفت بما يدور من خلفي..

انسابت الدموع مجددا من عيني نهى ليهتف جدها في محبة: - لا تفزعي يا صغيرتي، انا لم اصب بالجنون بعد، انا على يقين ان حياة حية ترزق، قلبي يحدثني انها لاتزل على قيد الحياة، ولا داع لاستدعاء مهنى فيبدو انه لم يقم بما كان يتوجب عليه فعله وفى الأساس الامر اكبر من تدخله، حان وقت تدخلي انا، اذهبي واحضري هاتفي، هيا..

اطاعت نهى في تعجب، فهى المرة الأولي التي ترى فيها جدها بهذه الحالة، مر وقت طويل لم تظهر به شخصيته الواثقة القادرة تلك، ربما بعد انكساره بسبب موت ولديه وكذا مرضه، اما الان، فهى ترى السعيد كما كانت تراه ايّام والديها رحمهما الله، رجل محنك ومسيطر..

اختفت نهى داخل حجرته ليتطلع السعيد لتلك الصحيفة التي خلفها ورائه ذاك الحقير شهاب وما ان طالع ذاك الخبر المشؤوم من جديد حتى مزقها في عنف ملقيا بها بعيدا بطول ذراعه..

كان يعلم الي اين تتجه عندما تريد الاختلاء بنفسها نائية عنه بهمومها وأحزانها التي يراها دوما مطلة من شرفات عيونها العميقة النظرة المسربلة بالوجع..
صعد ذاك التل المتوسط الارتفاع والقريب من موضع كوخيهما ليصل لقمته فيجدها هناك توليه ظهرها وتلق بناظريها باتجاه البحر..

ادرك انها لاتزل تبكي من اهتزاز كتفيها فشعر بالمزيد من الذنب يكتنفه فاقترب في هدوء واضعا احدي السترات على كتفيها اتقاء للبرد وخوفا عليها من المرض مجددا وهمس بصدق: - انا اسف، اشعر بالحماقة لما فعلت..
انتبهت لوجوده فأسرعت بمسح دموعها المنسابة على خديها بظاهر كفها في سرعة وحاولت اجلاء صوتها هامسة: - لقد انتهى الامر..

حاول تغيير الاجواء القاتمة التي تعتريهما فهمس وهو يجلس بالقرب منها هامسا: - رأيتها بالمناسبة، لما أضعت تلك الفرصة الثمينة وازحت الزمرد الريحاني من على وجنتيكِ..
همست ساخرة: - انا لست احدي حورياتك، ولن أكون..

همس بصدق: - وانا لا أريدك ان تكوني، لانهن اوهام وانتِ الحقيقة، دموعهن محض أسطورة، ودموعكِ هى الواقع، تلك القطرات الساخنة هى الأغلى على الاطلاق من اى زمرد ريحاني مزعوم، هى الأثمن، لانها زرفت لأجلي..

أدارت وجهها باتجاهه وتطلعت اليه في اضطراب لترى على صفحة وجهه الصدق مجسدا بكل قسمة من قسماته، توترت وهمت بالنهوض الا انه امسك بكفها يعيدها لتجلس من جديد هامسا: - حياة، انا أريدكِ، ارغب فيكِ حد اللامعقول..
تطلعت اليه دون ان تنبس بحرف واحد ليهمس بلوعة من جديد: - حياة، اقبلي عرض الزواج رجاءً، اقبليه بحق السماء..

وقع ناظريها على كفها التي لايزل متشبثا بها غير راغب في اطلاقها حرة وكأنه على استعداد لاعتقالها جواره للأبد حتى يستمع لجوابها والذي لن يسمح لها بان يكون جوابا لا يرضيه لذا تنحنحت في اضطراب وشعرت بجسدها كله يرتجف توترا رغم ادعاء عقلها ان ذاك عائد لجلوسها في مهب الريح بملابس مبتلة وهمست بحروف متقطعة: - حسنا، انا موافقة..

انتفض صارخا في فرحة اجفلتها وجذبها لتنهض واقفة قبالته ليتطلع لعمق عينيها ضاما كفيها هاتفا في لهفة: - فليكن زفافنا الليلة اذن، فأنا لن احتمل نكوصكِ في عهدك..
اضطربت وهى تسحب كفيها من احضان كفيه هامسة وهى منكسة الرأس لا تقو على التطلع الي عينيه: - انا لا اخلف وعدا ولا انكص عهدا، فليكن زفافنا غدا مساء هنا على هذه الربوة..

مد كفه واضعا اياه اسفل ذقنها رافعا وجهها ليقابل نظراتها المضطربة حياءً وهمس في وله: - فليكن موعدنا الغد اذن، والسماء وحدها تشهد ايتها الشهية كم سيكون الصبر مرا كالعلقم حتى ذاك الوقت..

ارتجفت من جديد فشدت السترة لجسدها واندفعت هاربة من امامه عائدة لكوخها تحتمى به من تلك المشاعر التي اكتنفتها في حضرته والتي بدأت في اعلان الثورة على الذكريات الموجعة محاولة وأدها ورفع اعلام الفرحة من جديد على ارض الفؤاد..



look/images/icons/i1.gif رواية السماء تشهد أيها الماجن
  09-01-2022 11:30 مساءً   [9]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل العاشر

هبط التلة ورائها بفترة وجيزة تاركا لها مساحة من الحرية لتنفرد بنفسها داخل كوخها ليمر من أمامه اللحظة ليقف ببابه برهة واخيرا اندفع داخلا لكوخه الملاصق ممنيا نفسه بقرب الوصل وداعما روحه بالصبر تلك الساعات التي تفصله عن قربها الذي تمنى..
تمدد داخل كوخه مسهد لا نعاس يزور أجفانه، عيونه معلقة بسقف الكوخ الخشبي وقلبه معلق بتلك التي يفصله عنها حاجز مشترك من أعواد من نبات يشبه البامبو الى حد كبير..

دفع بنفسه من موضعه واتجه برأسه يضعها على ذاك الجانب المشترك بينهما لعلها تنام بهذا الجانب فيهنأ بقربها ولو وهما..
همس ربما تكون قد راحت في سبات عميق: - حياة..
ردت بهمهة خفيفة جعلته يدرك ان موضع رأسها على ذاك الجانب بالقرب من موضع رأسه بالفعل فابتسم في راحة هامسا: - هل من الممكن..
قاطعته هامسة: - الى الغد آدم، الى الغد..

قهقه رغما عنه هاتفا: - انا لم اقل شيئا، كيف استطعتِ معرفة ما كنت بصدد سؤالك عنه!؟.
همست وابتسامة تكلل شفتيها وهى تضع كفها على موضع قلبها الذي بدأ يرفرف بين جنباتها لسماع صوت ضحكاته: - وهل لديك امر اخر يشغل تفكرك غير هذا!؟.
اكد مبتسما: - بكل صراحة، لا، لكنى اشعر بالقلق، فإعطاءك مهلة للغد يوترني فقد تغيرين رأيك بعد ان حصلت على موافقتك اخيرا..

ابتسمت هامسة: - لا تقلق، فلن أغير رأيي فانا لا قبل لي على مواجهة رغباتك الدفينة والتي ستطلقها خلفي، الم تقل هذا عند عرضك الثاني للزواج!؟.
انفجر مقهقها واكد: - بلا فعلت، ويعلم الله كم جاهدت في سبيل تهذيب تلك الرغبات، لقد علمتني الفضيلة وهذا عكس طبيعتي..
كان دورها لتعلو ضحكاتها قبل ان يشملهما الصمت للحظات لتقطعه هى هامسة بنبرة مترددة: - لم يكن هذا هو السبب الوحيد الذي دفعني لقبول الزواج بك، بل..

حثها متلهفا وقد اعتدل متطلعا الى الفاصل بينهما وكأنما خيل اليه انه يراها من ورائه يرهف السمع لجوابها بعد ان هتف مصرا: - بل ماذا!؟.
همست بنفس النبرة المترددة: - بل لان لا قبل لي على قتلك دفاعا عن الشرف..

ابتسم دون ان يعقب يعرف ان السبب الحقيقى قادم في الطريق لتستطرد: -و لأني ايقنت اني لن أستطيع العيش وحيدة دونك بتلك الجزيرة، وان الحق كان معك عندما قلت ان خسارتك ستكون فادحة وقد ايقنت هذا عندما اعتقدت انك غرقت، كانت لحظات من كابوس..
همس معتذرا: - انا اسف..

ثم هتف فجأة مهللا وقد تنبه لحقيقة ما: - بل لست اسف، لست آسفا على الاطلاق، فلولا تلك المزحة ما كنتِ اقتنعتِ بقبول الزواج بي، ليتني قمت بها منذ زمن..
علت ضحكاتها ليهمس من جديد: - حياة..
همست بدورها: - ان غدا لناظره قريب، تصبح على خير..
تنهد وقد علم ان لا امل في تغيير رأيها فهمس بدوره: - بل اصبح على اجمل حياة..

ابتسمت واغلقت عينيها تحاول الولوج لدنيا الحلم تاركة إياه يحلم بها وهو لايزل بيقظته التي تضنيه..

جلست نهى بمائدة الإفطار تفرد بعض من زبد على شريحة خبر تناولها لجدها متطلعة اليه في تساءل: - هل هناك امل حقا في تلك الاتصالات الموسعة التي قمت بها يا جدي!؟
اكد السعيد وهو يقضم من شريحة خبزه بعد ان وضع عليها بعض من المربى: - نعم يا نهى، وانا على استعداد لدفع ثروتي كلها في سبيل العثورعلى حياة..

تنهدت نهى في تمنى هامسة: - أتعشم يا جدي ان تكون ثقتك في محلها، فانا لا اصدق اني قد اجد حياة امامي ما بين لحظة وأخرى، لكن بالمناسبة لمَ لم تخبر العم مهنى باتصالاتك هذه!؟.

أجاب السعيد متنهدا: - مهنى كان يوما صديقا لوالدكِ رحمه الله، تقرب الى العائلة حتى اصبح فردا منها وكان دوما متعشما في العمل بمنصب كبير بامبراطورية السعيد، لم اكن لاسمح بذلك وأبيك وخالك على قيد الحياة، لكن بعد رحيلهما كُسرت وهزمتني الاحزان فلم يكن هناك الاه ليتولى منصبا ما كان لينله ولو في أروع أحلامه..

وتنهد مستطردا: - تأتي الشدائد يا صغيرتي لتجبركِ على اتخاذ قرارت ما كان يخطر ببالك لحظة اتخاذها وتدفعك للتخلي عن أمور كان من المستحيل يوما التخلي عنها او حتى تخيل فقدها، الشدائد هي المعلم الأول لذاك الذي اعتقد انه اصبح المهيمن على مقاليد الأمور فتأتي لتعيده لصوابه وتأدبه في حضرتها..

انهى الجد كلماته وشرد في الأفق الأخضر الممتد قبالته لتهتف نهى محاولة إخراجه من صمته المحمل بالشجن: - ان لا أطيق صبرا، متى تعود حياة فلكم اشتاقها!؟.
اكد جدها وقد استعاد روحه المتقدة مع ذكر حياة: - لقد اخبروني ان البحث يتطلب وقتا وجهدا لانهم على يقين ان البحث الذي تم حول حطام الطائرة كان متقنا، لكنهم سيقومون بكل ما يلزم..

هتفت نهى في نفاذ صبر: - لقد مرت عدة ليال منذ اتصالك يا جدي!؟، كم سيستغرق الامر..!؟.
اكد السعيد: - لا اعلم، سننتظر مهما كلفنا الانتظار..
وهمس بصوت متحشرج يهتز ايمانا: - وانا اعلم انها ستعود مهما طال الوقت، ستعود ابنة خالك الينا فقد استودعتها رب العالمين حين رحيلها وانا على يقين انه لن يضيعها ابدا..
دمعت عينا نهى تأثرا وتضرعت ان تعود حياة، فعودتها المرجوة هي التي تجعل جدها متمسكا بأهداب الحياة..

طرقات على باب حجرتها جعلتها تنتفض محاولة ايقاظ ذاك الذي يجاورها ليفتح الباب لكن لا استجابة من قبله مما اضطرها لتنهض على استحياء لتفتحه معتقدة ان فطورها الصباحي قد حضر، لكن هيهات فما طالعته اللحظة يختلف تماما عما توقعت فقد ظهرت اخته وهى ممتعضة الوجه كعادتها تقف مستندة على عارضة الباب وتضع كفا بخصرها وما ان طالعها وجه حياة حتى هتفت في استهزاء مشيرة لدلو كان يجاورها ارضا: - هيا يا جميلة الملامح، اتعتقدين اننا هنا من اجل خدمتك كأميرة!؟، هذا هناك بفيلا جدك، اما هنا فعليك القيام بدورك كما أقوم بدوري، و الآن دورك لتنظيف الشقة ومسح الأرضيات..

تطلعت اليها حياة في صدمة غير قادرة على الرد على تلك المرأة العدوانية واخيرا همست بعد ان استطاعت استجماع شتات نفسها: - لكني عروس وهذه ليلتي الاولى هنا بالمنزل، كنت اعتقد اني سأنال الترحاب اللائق وانك تطرقين الباب في هذه الساعة من اجل إفطارنا..
هتفت شادية في سخرية: - افطار!؟.

وارتفعت قهقهاتها المجلجلة في استهزاء هاتفة: - اى افطار!؟، لا طعام لمن لا يعمل، والبيت خالِ تماما من الطعام، هيا يا مدللة جدك اخلعي عنكِ ملابس المجون تلك وارتدي هذه..
وقذفت بوجه حياة جلباب قديم ممزق لتستبدله بقميص نومها الحريري الابيض..

ضمت حياة الجلباب الي صدرها واغلقت باب حجرتها وتطلعت لشهاب الذي مايزل يغط في سبات عميق لا يشغله شاغل، انحدرت على خديها دموع قهر وقد ادركت اي مصيبة أوقعت نفسها بها، وهمست شاعرة بالندم: - انا آسفة يا جدي، سامحني لقد كنت على حق..

اخذت تكرر كلماتها الاخيرة منادية على جدها الذي كان ينظر اليها نظرة ملؤها العتاب واللوم ثم رحل مبتعدا عنها موليا ظهره مؤكدا على سخطه وغضبه لتصرخ تستوقفه هاتفة باسمه من جديد لكنه لم يستجب فانتفضت متطلعة حولها وهى لاتزل تنادي لتدرك انها بكوخها وحيدة، انحدرت الدموع على خديها وهى لا تعلم ما مصير جدها اللحظة!؟، هل علم بخبر وفاتها ام يعتقد انها حية ترزق!؟.

وهل استطاع تجاوز امرموتها اذا ما وصل خبره اليه!؟، ام انه رحل متأثرا بحزنه عليها!؟.
اسئلة كثيرة كانت ومازالت تشغلها منذ لحظة استيقاظها على شاطئ الجزيرة لتدرك انها لاتزل في عداد الأحياء، لكن لا اجابة تريح بالها وتهدئ خاطرها الملتاع..
نهضت تمسح دموعها وتفتح باب الكوخ في بطء متطلعة للبحر امامها مستنشقة هواء الصباح العليل وذاك الهدوء المحيط بها يسكن قليلا من اثار ذاك الكابوس المقبض..

تطلعت حولها فأدركت ان ادم لايزل نائما فقررت الاختلاء بنفسها قليلا، والقيام بشئ ما يخفف ذاك الضغط على قلبها وعقلها..

استيقظ اليوم متأخرا على غير العادة فقد أضناه شوقه اليها تاركا اياه مسهدا الليل بطوله تقريبا حتى زار الكرى أجفانه اخيرا في ساعة متأخرة..
تمطع يحاول استعادة وعيه كاملا ونهض يفتح باب كوخه يعتقد انه قد يجدها تجلس قبالة كوخها تنتظر استيقاظه، لكنه على العكس لم يجدها كما توقع..
اعتقد أنها لاتزل نائمة، ابتسم رغما عنه يمني نفسه انها كانت على نفس حاله من السهد والأرق..

وقف امام الكوخ ينادي باسمها لكنها لم تجب، دفع بباب الكوخ قليلا وبدأ في النداء بصوت خفيض لكنه لم يتلق جوابا كذلك، دفع برأسه لداخل الكوخ ليجده فارغا..
اذن اين ذهبت..!؟.
جال بناظريه في اتجاه البحر وبطول الشاطئ لكنه لم يبصر محياها في اي اتجاه..
شعر بالقلق فاندفع صارخا باسمها من جديد، لكن لا اجابة تريحه وتخبره عن موضع اختفائها..

اندفع يعتلي الربوة التي تختلي فيها بنفسها وتجلس منفردة لبعض الوقت لكنه لم يجدها كذلك، استغل ارتفاع المكان نسبيا يحاول ان يستدل على مكانها لكن الوضع لم يتغير..
اندفع هابطا التلة يبحث في كل مكان كالمجنون، اين تراها قد ذهبت!؟، واخيرا اندفع باتجاه الدغل خلف الأكواخ وقد أضاءت بفكره خاطرة ما..

وصل لموضع النبع وتسلل بحذر باحثا عنها واخيرا ابصرها، وقف خلف بعض الأحراش متطلعا الى تلك الحورية التي تقف تحت شلال الماء المنهمر من علي..

لم يكن يريد خرق عزلتها وجرح خصوصيتها بالظهور امامها رغم ان الامر كان يستهويه كثيرا، الا انه تغلب على شياطينه باعجوبة وقرر الرحيل تاركا إياها تنعم بذاك الاغتسال الملائكي والذي كانت تبدو فيه وكأنها تغتسل بغلالات من نور فضي ينحدر على جسدها الذي يحجبه لحد كبير رزاز الماء المنهمر بشدة..

ما ان هم بالخروج من موضعه عائدا في حذّر الى كوخه حتى ابصرها تخرج بالفعل من تحت الماء متجهة لموضع قريب تركت به ملابسها..
تسمر موضعه وقد اضحى واضحا ما تره عيناه ولا يمكن ان تخطئه، ألهذا تنأى مبتعدة!؟، ألهذا السبب كانت ترفض الزواج به!؟، وهل هذا الذي يدفعها لتتسربل بملابسها من قمة رأسها حتى اخمص قدميها..!؟.

اجبر نفسه على ابعاد ناظريه عن محياها وتسلل في بطء يحاول قدر الإمكان العودة سريعا ليجلس امام كوخه حتى لا تدرك او يساورها الشك حتى انه كان هنا..

ظهرت من داخل الدغل قادمة من النبع في اتجاه تلك الجلبة ليطالعها ادم عارالصدر يقوم بتقطيع بعض الأخشاب بتلك الأداة التي وجدها ملقاة على الشاطئ ذات ظهيرة عندما كانوا يمشطون الجزيرة بحثا عن اى شيء ذو فائدة قد يكون البحر قذف به..
شعرت بالحياء لمظهره فهتفت وعيونها تتجه الي البحر: - صباح الخير، ماذا تفعل!؟.
هتف رافعا رأسه متطلعا اليها وقد علت الابتسامة وجهه: - صباح الجمال يا بطتي..

تطلعت اليه في تعجب وقد تضرج وجهها بحمرة خجل ونأت بناظريها عنه من جديد متسائلة في دهشة: - بطتك!؟.
اكد هاتفا في مزاح: - انا ادلل زوجتي بالطريقة التي تعجبني..
لم تجادله فقد كان الامر برمته يصيبها بالاضطراب فسألت من جديد تحاول تغيير الموضوع: - ماذا تفعل!؟.
أجاب سؤالها وهو يرفع تلك الأداة ضاربا غصن شجرة مقسما إياه تحتها لنصفين: - احضر بعض الأخشاب للاحتفال ليلا..

ابتسمت هاتفة: - جعلته احتفالا..!، انه انا وانت فقط، لا داع لكل تلك الجلبة..
توقف عن عمله وهتف متعجبا يتطلع اليها في محاولة لثبر أغوار نفسها: - كنت اعتقد ان النساء هُن الأكثر رغبة في اجواء احتفالية تليق بمناسبة كالزواج لا زاهدات فيها، وكنت احاول فعل ما كنت اعتقد انه قد يسعدك..

شعرت بانها لم تقدر ما يفعل لاجلها وأدركت ان مزاجها عكر بما فيه الكفاية بسبب ذاك الحلم السخيف الذي اعاد اليها ذكريات مقيتة تحاول تناسيها بجانب احياء قلقها على جدها والذي لم يخبو بداخلها بل انها فقط تحاول تناسبه لان لا إمكانية لتعلم حاله وهى على تلك الجزيزة معزولة عن الحياة ولا احد يعلم ايضا انها لاتزل حية ترزق..

وقفت تفرك كفيها في تردد واخيرا همست في اضطراب: - هل لي باخبارك ببعض الامور قبل ان يتم زواجنا مساءً!؟.
ترك ما كان بصدده وتطلع اليها للحظة ثم اقترب منها ليقف قبالتها رافعا وجهها بأطراف أصابعه لتقابل نظراتها المضطربة نظراته الحانية: - اعرف ما انتِ بصدد اخباري به..
تحولت نظراتها لنظرات شك غير قادرة على تصديقه ليهمس مؤكدا على خطأ
ظنها: - تريدين اخباري عن شهاب أليس كذلك..!؟.

شهقت في عدم تصديق وازدردت ريقها هامسة: - كيف عرفت بشأنه!؟.
ابتسم هامسا: - لا يهم كيف عرفت، الاهم هو اني لا اريد سماع اي أمور تخصك من الماضي، نحن هنا يا حياة وحيدان، وانا اعتبر اننا خلقنا منذ اللحظة التي وجدنا أنفسنا فيها احياء على شاطئ تلك الجزيرة، ما قبل ذلك ما عاد يعنينا، لقد ولى بغير رجعة، دعينا نبدأ من جديد، ادم وحياة، فقط...
همست بحرف مرتجفة: - لكن انا اريد ان...

وضع إصبعه على شفتيها مقاطعا استرسالها هامسا: - وانا لا اريد إلاكِ، وكل ما عداكِ هراء..
اضطرب قلبها بين حناياها ليهمس في عبثية متطلعا الي عمق عينيها: - هيا اذهبي، فعلى العروس ان تعد نفسها من اجل ليلة العمر..

هتف بكلماته الاخيرة وهو يغمز بعينه فأمسكت ضحكاتها رغما عنها وابتعدت للخلف خطوة فيبدو ان نوبة مجونه قد حانت وهى لا تأمنه على الاطلاق مما دفعه لينفجر ضاحكا هاتفا بمرح: - ايتها السماء امطري بعضا من الصبر على قلبي المسكين..
وتطلع الي حياة هاتفا في شوق: - ساعات وتغرب تلك الشمس بالافق هناك لتشرق شمسا جديدة داخل ذاك الكوخ، فاستعدي للاحتراق عشقا..

خبأت وجهها بين كفيها حياءً واندفعت هاربة لداخل الكوخ لترتفع ضحكاته التي لاحقتها وهى تحتمي بجدرانه الخشبية من تلميحاته العابثة..

هتفت شادية في حنق: - هل ستجلس هكذا بلا حول ولا قوة!؟، قف افعل شيئا، فأموال السعيد تتسرب من بين أيدينا..
هتف شهاب في ضيق: - وماذا علىّ ان افعل!؟، الا تتشدقين دوما برأسك العبقري وتفكيرك الخارق!؟، اين هما الان!؟.
تطلعت اليه شادية في غيظ تود قتله الا انها صمتت للحظة وهتفت في حماسة: - انتظر وسترى، لن ادع هذا العز، لابد وان يكون لنا نصيبا فيه بأي طريقة..
هتف شهاب متعجبا: - كيف ذلك!؟.

ابتسمت ابتسامة شيطانية صفراء وهمست: - سنقتل السعيد..
شهق شهاب في صدمة ولم يعقب بحرف..

اقتربت الشمس على المغيب ليخرج هو من كوخه متطلعا الى الأفق واستدار موليا ناظريه لباب كوخها فأخيرا حانت لحظة اجتماعهما التي تمناها كثيرا..
قطع تلك الخطوة التي تفصله عن اعتاب الكوخ هاتفا من الخارج: - حياة!؟، هل انت مستعدة!؟.
ترددت ان تجيبه للحظة واخيرا هتفت بصوت متحشرج: - حسنا، نعم، اذهب الي التلة وانا قادمة خلفك..
ابتسم هاتفا: - سأفعل لكن لا تتأخرى رجاءً..

تحرك مبتعدا لتتنهد هى في اضطراب وقلة حيلة، تعلم انها قطعت له وعدا بالموافقة على زواجهما العجيب ذاك لكنها تشعر بتلك اللحظة انها غير مؤهلة لفعل كهذا، وانها تسرعت في الموافقة..

فتحت باب الكوخ ووقفت تتطلع للمغيب بتوتر واخيرا قررت إنهاء الامر والذهاب الي حيث ينتظرها وإتمام ما وعدت به، فلقد انتهى امر الحياة خارج هذه الجزيرة وعليها ان عاجلا او آجلا ان تقبل الحياة بقرب آدم وخاصة ان فرص نجاتهما بعد هذه المدة تكاد تكون معدومة..

كان يضع بعض الأخشاب في تلك الركوة التي اشعل بها النار والتي حاول ان يحافظ على اشتعالها مع وجود نسمات الهواء القادمة من ناحية البحر لكى ينير المكان فقد اوشك الظلام على سدل ستائره..

انتبه عندما شعر بحفيف خفيف يقترب ووقع ناظريه عليها تسير الهوينى لا تجرؤ على رفع نظراتها تجاهه، كان يستشعر اضطرابها ويخيل اليه انه يسمع خفقات قلبها التي اصبحت اشبه بالمطارق كلما زاد اقترابها من موضعه، تنبه من شروده ووقف فى اللحظة التي أصبحت تقف بدورها قبالته، كانت ركوة النيران بينهما وكل منهما على احد جانبيها..
هتف ادم يحاول ترطيب الأجواء المضطربة: - كيف حالكِ!؟، تبدين رااائعة..

لم يكن يجاملها بل كانت الحقيقة، فعلى عكس ما توقع انها قد تحضر بملابس لا تلائم المناسبة على الاطلاق لكنه اضطرب وشعر بخفان عجيب بصدره عندما طالعه محياها بذاك الثوب الوردي من المخمل والشيفون والذي كان يعلم انه من محتويات الشنطة العجيبة التي وجدها، لكنه لم يتوقع ابدا ان يكون بهذا الجمال والروعة وهى ترتديه مع غطاء شعر من محتويات الحقيبة أيضا يتسق تماما مع الثوب..

تطلعت نحوه وهولا يصدق ان تلك الحورية ستصبح ملكه بعد لحظات..
اقترب منها يرفع وجهها لتقابل ناظريه هامسا في مودة تضعف دفاعاتها: - حياة السعيد، ايتها الفتاة العنيدة الفاقدة الرغبة في الحياة، هل تقبلين الزواج بذاك الماجن الذي تاب على يديكِ واصبح اخيرا رجلا لامرأة واحدة..
رفعت ناظريها وابتسمت حياءً هامسة: - رجلا لامرأة واحدة رغما عنه..

قهقه وهمس عابثا: - لم احصل على جواب لسؤالي حتى اللحظة، هل تقبلين بي زوجا حياة!؟.
همست باضطراب وبأحرف متقطعة: - نعم، نعم اقبل والسماء تشهد ايها الماجن..

صرخ في سعادة اجفلتها وهو يقفز عاليا مستشعرا انه ملك في هذه اللحظة الدنيا وما فيها لكن حاله تبدل اللحظة التالية ليقترب منها في هوادة وهو يمد كفيه في خفة ليحتضن خصرها النحيل مقربا إياها منه متنهدا في شوق هامسا: - وأخيرا استطعت ان أضع يدا عليكِ واقسم ان لا ارفعها ابدا..

تطلعت الى عمق عينيه ترتجف في سعادة ممزوجة برهبة عجيبة وهو يهمس مستطردا وقد ارتفعت كفيه لتحتضنا وجهها: - فانا كالمحتل الذي يرفض الجلاء عن مستعمراته مهما تظاهرت الشعوب وشجبت الحكومات...
لثم جبينها في عشق ومنه لأرنبة انفها في محبة وما ان هم بالحصول على مبتغاه ظافرا بالشهد المصفي على بوابات الثغر المقدس حتى انتفضت حياة مبتعدة..

تطلع اليها في تعجب فقد كان مأخوذا تماما بتلك الجنة التي كان على أعتابها لدرجة انه لم ينتبه لسبب ذعرها وابتعادها عنه بهذا الشكل متطلعة للسماء وعيونها شاخصة واخيرا بدأت في الصراخ والقفز بشكل هستيري ليدرك تماما ان ما تمناه ذهب ادراج الرياح.

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 5 < 1 2 3 4 5 >





الكلمات الدلالية
رواية ، السماء ، تشهد ، أيها ، الماجن ،











الساعة الآن 08:38 AM