logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 4 من 36 < 1 5 6 7 8 9 10 11 36 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 02:51 صباحاً   [22]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل الثاني

هتف الحاج وهيب في تأنيب لنفسه :- يوووه .. انا ازاى مخدتش بالى ..!؟..
قفز فى عجالة من امام المنضدة المنخفضة الارجل الممتدة ليوضع عليها طعام العشاء و المسماه ( طبلية) ليرتدي حذائه ويتناول معطفه الصوفى لتهتف فيه زوجته نعمة :- خير يا حاج .. فيه ايه .. قمت مسروع كده!؟.
لتعاجله ابنته بدور هاتفة :- رايح فين الساعة دى يابا .. وفى التلج ده .. الدنيا بينها بتشتى .

هتف وهو يرتدى معطفه :- يا بنتى عمك رمضان كان مكلمنى على جدع صعيدى هايجى يأجر الأوضة اللى على السطوح و قلت اهى نواية تسند الزير .. و لما حصلت العركة الضهر نسيت الموضوع .. ولسه فاكرة دلوقتى .. و اللى مخلينى مضايق اكتر ان الجدع ده ..
هتفت بدور مستنتجة :- هو اللى دافع عنى قصاد سمرى و حاشه ..صح..!!..

- الظاهر كده .. و احنا بقى بدل ما نلحقه .. سبناه في القسم و لا سألنا .. حتى بعد اللى عمله معانا ..
- حتى ولو اللى بتقوله صح .. الصباح رباح .. اقعد اتعشى وبكرة الصبح تروح تضمنه في القسم .. هتفت نعمة و قد بدأت في تناول طعامها بالفعل.
هتفت بدور:- لا صباح ايه ..!!.. بقى نسيب الراجل مرمى في الحبس بسبنا و في البرد ده .. لا ميصحش يابا .. الواجب تروح له .. حتى عشان خاطر عم رمضان..

اندفعت نعمة :- بلا يروح .. بلا يجى .. بقى خايفة على الراجل من برد الحبس وهو شباب و مش خايفة على بوكى يخرج دلوقتى في الجو ده .. مدت كفها تخلع المعطف عن الحاج وهيب و هي تجذبه ليجلس على ( الطبلية ) من جديد و تبدأ في إطعامه بيدها لينسى كل ما عاداها ..
لتمصمص بدورشفتيها وتسير في وجوم باتجاه النافذة تنظر خلف زجاجها الذى تكاثرت عليه ذرات المطر المتساقطة بالخارج لتحجب الرؤية عن ما يدور خلف إطاره ..
و تهمس في تساؤل :- يا ترى عامل ايه .. يا دى الجدع ..!!؟

كان كل من زهرة و الحاجة فضيلة و سهام تجلسن في مقعدهن المفضل في صحن الدار و سهام ترضع طفلها الذى تغير كثيرا في الثلاث أشهر الماضية ليصبح اكثر طولا و اوفر صحة و تبدو ملامحه في الظهور ليتأكد الجميع انه نسخة مصغرة من حسام بعينيه العسلية الواسعة و بشرته الخمرية و شعره الأسود الناعم ..كانت زهرة تنتظر ان يتم باسل طعامه حتى تحمله في سعادة و تلهو معه قليلا الا ان باسل خذلها ليبدأ النعاس يداعب جفونه فتهمس سهام مازحة :- ملكيش حظ في اللعب معاه يا زهرة .. خلى بيكى و نام ..

ابتسمت زهرة في تحسر :- مااشى يا باسل بس لما تكبر شوية .. انا و انت هنخربها ..
ابتسمت سهام لمزاح زهرة بينما اشفقت خالتها فضيلة على حال ابنة اختها الحبيبة و كأنما ورثت عنها كل شيء حتى حملها العزيز .. فهى تتذكر ان فاطمة تأخرت في حملها لزهرة عدة سنوات .. همست الحاجة فضيلة في نفسها داعية :- يا رب يا بتى يكرمك باللى يفرح جلبك و جلبنا .. اللهم امين ..

اندفعت سمية من باب السراىّ الداخلى تتطلع حولها و ما ان رأت النسوة مجتمعات حتى توجهت إليهن تغالى في ترنحها مدعية التعب و الإرهاق من حملها حتى اتتهن ملقية السلام و هاتفة :- ازيك يا مرت عمى .. كيفك يا سهام و كيفه ولدك ..كبر الله اكبر ..
ألقين عليها السلام لتستدير باتجاه زهرة هاتفة:- كيفك يا زهرة ..زينة ..!؟..

أكدت زهرة محاولة ادعاء الهدوء في وجود سمية التي تعلم علم اليقين ان وجودها هنا ليس صدفة و انها ما أتت الا لتثير حنقها :- بخير الحمد لله يا سمية ..
هتفت سمية بنبرة كالفحيح :- طيب .. خير .. انا جلت هتفرحينا و تجولى الحبل تعبك زى حالاتى ..!؟.. ربنا يعطيكِ..
امتقع وجه زهرة و شعرت بأن ألم جارف اجتاح أعماق روحها بسبب ذاك الاستهزاء الواضح ..

هتفت الحاجة فضيلة تزود عن ابنة اختها الغالية :- كله چاى يا سمية بأمر الله ..و بعدين هو احنا يعنى كنا مجوزين زهرة لعاصم عشان الخلفة و بس ليه اُمال بهايم لمؤاخذة مش هنفكروا الا في كِده و بس ..!؟..
كتمت سهام ضحكاتها على رد أمها المفحم بينما لازت زهرة بالصمت و لم تعقب .. فهتفت سمية بغل :- لااه يا مرت عمى .. مش بهايم لا سمح الله .. بس يعنى كل ست تحب تفرح چوزها خصوصى لو بتحبه بحتة عيل من صلبه يشيل اسمه مش تبجى ارض بور جلتها احسن ..

همت سهام بالرد هذه المرة على وقاحة سمية الغير معقولة الا انها قاطعتهن وهى تنهض في عجالة و كأنها ليست هي نفس المرأة التي دخلت تترنح بحملها منذ قليل هاتفة في خبث:- طب افوتكم بعافية لحسن عدلى من ساعة الحمل وهو بيخاف عليا و على اللى ف بطنى معلوم .. ماهى العيال دى مبتجيش بالساهل و انفجرت في ضحكة ماجنة قبل ان تستدير راحلة و قد ملأت الأجواء توترا ..

عم الصمت للحظات قبل ان تهم سهام بقطعه في محاولة لترطيب الأجواء المشدودة لكن زهرة التي كان وجهها يحاكى الموتى و لم تنبس بحرف واحد منذ بدأت سمية هجومها المسموم اندفعت في سرعة نحو الدرج تعتليه في اندفاع لتدخل حجرتها و تبدأ في بكاء محموم طال كتمانه ...
لا تعرف كم طال بكاءها حتى انها لم تستشعر ذاك الذى دخل الغرفة في هدوء متقدما نحوها في حزن على حالها بعد ما قصته امه عليه من امر سمية و سخافاتها...

جلس على اطراف الفراش قبالتها ليجذبها نحوه في قوة ..
انتفضت عندما باغتها وجوده لكن ما ان اصطدمت نظراتها الدامعة بنظراته العاشقة حتى دفعت وجهها ليُدفن في أعماق صدره و تدثرها احضانه و يهدهدها عناقه ..
تركها تبكى كما شاءت حتى تفرغ كل ما بجعبتها من دموع .. و ما ان تيقن من هدوءها بين ذراعيه حتى حاول التفريج عنها هاتفاً:- زهرة ..!!؟..

رفعت رأسها اليه تتطلع الى نظراته التي تعشقها .. تلك النظرات التي تخبرها الف احبك دون ان ينطق هو بحرف واحد .. همست بصوت مبحوح من اثر البكاء :- نعم ..!؟..
همس يشاكسها :- انا هجول كلمة و تجولى ورايا ..مااشى ..!؟..
همست معاتبة :- و ده ايه بقى ان شاء الله !؟..
همس من جديد :- ده كورس علاچ إنما ايه متچرب ..!؟..
همست وهى تنظر اليه في شك :- مااشى ..

ها جولى ورايا :- بحبكِ يا عاصم يا هوارى..
ابتسمت وهى تردد:- بحبكِ يا عاصم يا هوارى ..
هتف عابثاً :- بموت فيك يا واد خالتى ..
اتسعت ابتسامتها مرددة :- بموت فيك يا واد خالتى ..
اكد هاتفاً :- ومش هبكى تانى من كلام ماسخ ملوش عازة ..

أكدت وقد ظهر الحزن على محياها من جديد:- و مش هابكى تانى على كلام ماسخ ملوش عازة ..
جذبها اليه اكثر و انحنى اليها مقبلاً لتهمس و هي تبتعد في دلال هامسة :- ايه دى بقى ..!؟.
همس بنظرات شقية :- ده اهم جزء في كورس العلاچ .. لو متمش العلاچ يبجى زى جلته ..
همست تكتم ضحكاتها :- لا طالما علاج خلاص ..الا العلاج..
ليجذبها اليه من جديد و هو يقهقه لمزاحها ..

دفع العسكرى بزكريا لداخل الحبس في عنف جعله يسقط أرضا متعرقلا في الارجل الممتدة بداخل الزنزانة لأحد المحبوسين الذى سب في غضب
انتبه زكريا واقفا و جال بنظره في الوجوه الغير مريحة التي تتطلع اليه الان في فضول .. وجد احد الأركان فارغا فتوجه اليه في تثاقل و ترك جسده ليجلس علي المسطبة الاسمنتية في يأس يرتكن بجانب وجهه على الحائط .. و يستكين في مجلسه ..

عم الصمت لدقائق حتى جذب مظهر زكريا المصاب الذى يكلل وجهه بعض الخدوش و جرح ظاهر بالجبهة فضول احد المساجين ليشاكسه في محاولة لفرض السيطرة :- سبع الرجال بقى .. كان بيضرب و لا بينضرب ..!!؟..
قهقه الجميع على تساؤله كأنه احد النكات برغم سماجته لكن ما كان احد يستطع الاعتراض ..

لم يرد زكريا .. فقد ناله ما ناله من جراء شجاره مع سمرى و رجاله .. شجار واحد في اليوم يكفى .. همس لنفسه في تأكيد حتى لا ينتبه لسخافات ذاك الاحمق هناك و التي استمر فيها هاتفاً في استفزاز عندما ادرك من ملبس زكريا كونيته :- مرة واحد صعيدى شاف الهرم قال يا بووى كل دى حتة جبنة نستو ..
انفجر الجمع ضاحكاً على نكات المسجون المستفز ..

همس زكريا لنفسه:- اللهم طولك يا روح .. اهدى يا زكريا و أعجل.
ليعاود المسجون استفزازه بإطلاق المزيد من النكات اللازعة على الصعايدة ..و زكريا رابط الجأش يحاول تهدئة نفسه كى لا يتأثر بإستفزاز ذلك الغبى .. لكن يبدو انه لن يتوقف عن تفاهته ..

و التي استطردت من جديد هاتفا :- مرة واحد صعيدى لم كل النكت اللى على الصعايدة و رماهم البحر .. السمك طلع يضحك ..
انفجر الجمع ضاحكاً من جديد و لكن هذه المرة كان وصل الاستفزاز بزكريا مبلغا خطرا ليندفع في ثورة باتجاة ذاك المسجون الاحمق ممسكاً بتلابيه و هو يهتف في غضب :- و مرة واحد صعيدى جابل واحد جليل الأدب جال لازماً يربيه عشان يعرف يغلط كيف في اسياده ..

و دفع زكريا بجبهته الصلبة في اتجاه جبهة المسجون ناطحا إياها والذى ترنح للحظات ثم سقط ليندفع رجاله مدافعين عن سيدهم و يشتبكوا واحد تلو الاخر مع زكريا ..
حتى شعراخيرا العساكر خارج الزنزانة بالهرج و المرج الذى يحدث بالداخل .. فاندفعوا مبلغين الضابط الذى جاء مهرولا و ما ان انفرج باب الحبس عن محياه الصارم وهو مشهرا سلاحه صارخاً حتى هتف فيهم :- في ايه يا حَووش .. !!؟..

جال بنظره في الوجوه .. حتى استقرت نظراته على المسجون الملقى أرضا لازال يشعر بالدوار و ممسكاً راسه متألماً .. ثم وقعت عيناه بسرعة على زكريا الذى ازدادت جروحه جرحا على احدى جانبي وجهه و تمزق ذراع جلبابه ..
هتف الضابط في غضب تجاه زكريا :- هو انت مفيش فايدة فيك بره عامل مشاكل و جوه عامل مشاكل .. طب اوديك فين ..!!

هتف زكريا :- يا باشا انى في حالى .. هو اللى كان بيجل أدبه.
هتف الضابط محاولا السيطرة على أعصابه :- طيب .. تعالالى هنا .. و دفع به خارج حجرة الحبس .. ليغلقها العسكرى مباشرة بعد خروجهما ليهتف الضابط في زكريا دافعا به أمامه :- هو انت مش شايف نفسك وعامل فيها السبع رجالة ..!!؟... انت ملكش القاعدة ..لازم تعمل حاجة مفيدة ..
و هتف الضابط في قوة :- يا شاويش مجاهد .. هات الجردل و الخيشة من عندك ..

احضرهم الشاويش في عجالة .. ليشير اليهم الضابط بتعالى هاتفاً في زكريا :- اتفضل .. خد دوول عايز القسم بيلمع من النضافة .. عارف لولقيت اثر رجل اللى داخل و اللى خارج بعد المطرة اللى بره دى .. هتشوف شغلك معايا ..
نظر زكريا للجردل و الخرقة البالية المصاحبة له وهمس في أعماقه .. هل هذا ما اتيت لاجله!؟.. هل هذا مقامك يا واد الهوارى ..!؟.. حسنا .. و لما لا كنت دوما خادما لقوم كان من المفترض ان أكون سيدهم ..

و الان انا خادما لأجل ما اطمح اليه ..!؟.. اختلفت الأسباب و لا زلت خادما يا زكريا .. لا بأس ..
صبرا جميل .. و الله المستعان ..
هتف الضابط في حنق مقاطعا زكريا عندما طال شروده:- خير.. الباشا عنده اعتراض و لا حاجة ..!!..
هتف زكريا :- لاه يا باشا .. حاضر .. و جذب الدلو و الخرقة و اتجه ليبدأ مهمته من حيث أشار عليه احد العساكر و قد حزم أمره بانها ستكون المرة الأخيرة التي ينكس فيها رأسه .. مهما كان ...

هتف الحاج مهران بسعادة وهو يطالع زهرة تدلف من باب حجرته كعادتها كل صباح .. تلقى عليه التحية و تأنس بمصاحبته التي تسعدها بقدر ما تسعده و تهون عليه يومه :- اهلا بالجمر .. مرت ولدى الغالى ..
ابتسمت زهرة في حبور وهى تقترب من العجوز الذى تجله وتحترمه بحق فتنحنى لتقبل كفه في مودة :- ازيك يا عمى .. اخبار صحتك ايه النهاردة ..!؟..
ابتسم العجوز :- زى البمب .. احسن منيكى ..

قهقهت زهرة لدعابته ليستطرد في فرحة :- بالكِ يا مرت ولدى .. لو مكنتيش جيتى كنت شيعت لك حد يجيبك لحدى ..
-هو انا اقدر اتأخر عنك يا عمى .. ده النهار ميبقاش ليه طعم و لا يبقى فيه بركة من غير ما أعدى عليك الصبح و اقعد معاك و اخد منك بركة اليوم كله ..
ربت العجوز على كفها القريب من كفه في امتنان وهو يشير اليها لتقترب وكأنه على وشك اطلاعها على سر خطير ..
همس في مشاكسة ذكرتها بعاصم فابتسمت رغما عنها وهو يقول :- انا عاوز حلاوة البشارة ..

انتبهت متسائلة في همس تقلده مازحة :- بشارة ايه يا حاج !؟..
ابتعد ناظرا اليها صامتا لحظات مشعلا فضولها وهو يقول :- بشارة الذرية الصالحة بإذن الله ..
انتبهت الان بكل حواسها و قد استطاع جذب انتباهها كليا لتردد خلفه بألية :- الذرية الصالحة .!؟.
هتف مؤكدا بين نوبات سعاله :- معلوم ..

نظرت متسائلة دون ان تنبس بحرف واحد ليستطرد هو في جزل :- عشية(مساءً) شفت لكم رؤية .. الله اكبر.. حاچة تفرح بصحيح ..
اندفعت في حماس :- شفت ايه يا عمى..!!؟. .. قووول ..
ضحك العجوز لحماسها وهتف مشاكساً :- هو ببلاش كِده.. لاه .. دى الحلاوة كَبيييرة ...
هتفت مؤكدة :- عنايا ليك يا عمى .. بس قووول ..

-طاجن عكاوي و كوارع من يدكِ .. هااا .. ايه جولك ِ.. انى حاسس انى لو كلتهم هجوم ارمح رمح ..
قهقهت :- يا سلام .. انت تأمر .. بس يا رب عاصم ميشمش خبر او الحاجة فضيلة تدرا.. ساعتها مش هلحق اخلف العيال اللى بتبشرنى بيهم دوول ..
كان دور الحاج مهران ليقهقه ساعلا وهو يقول :- حد يجدر يجرب لِك و انا موچود .. !!؟.. انتِ في حمايتى .. متجلجيش ..

ابتسمت في سعادة لمحبته الخالصة التي تشعها كلماته وأخيرا همس بعد ان هدأت نوبة سعاله :- بصى يا ستى .. خير اللهم اجعله خير يا رب .. جال شوفتك واجفة تايهة في وسط ارضنا بتتلفتى يمينك و شمالك كن في حاچة ضايعة منيكى و مش لجياها .. و فچأة ظهرت واحدة عچوزة جربت منيكى و طبطبت على كتفك فانتبهتيلها راحت فتحت كفوفك التنين و حطت ف كفك اليمين بذرة .. و ف كفك الشمال بذرة ..وجفلت كل كف على اللى فيه و غابت ..

اتلفتى انتِ ملجتيهاش .. بس لجيتى عاصم جاى على فرسه .. حكيتيله الحكاية راح واخدك على الچهة الچبلية من ارضنا اللى بينا و بين ارض ابوكى و عمك .. و راح ذارع وياكى البذرتين و يا دوب بتتلفتوا عشان تمشوا لجيتوا البذرتين طرحوا .. البذرة الأولانية طرحت شچرتين من اصل واحد .. و البذرة التانية طرحت شچرة اجصر شوية بس كانت فيها ميلة خفيفة ..

صمت الحاج مهران يلتقط أنفاسه وهى تتطلع اليه مبهورة .. و أخيرا همست متسائلة :- و ده تفسيره ايه يا عمى .. ربنا هايرزقنا باولاد باذنه ..!!؟..
أكد العجوز في يقين :- باذن الله يا بتى .. هايرزجكم بتلت عيال الله اكبر .. ربنا يطول في عمرى و يهنينى بشوفتهم ..
همست هي في وجل :- اللهم امين يا عمى .. اللهم امين .

هتف الحاج وهيب امام الضابط باستجداء:- معلش يا باشا .. مش هاتتكرر منه تانى .. انا هضمنه..
ده واد غلبان من بلدنا .. جى ياكل عيش ..
هتف الضابط :- جى ياكل عيش ولا يشتغل لى بلطجى .. لا وجى يعمل فتوة على مين .. على السمرى !!؟.. ده وقعته سودا ..
ربنا يستر و يعرف أصلا يقعد في الحارة دى .. شكل السمرى حطه في دماغه ..

كان زكريا يقف ساكنا لا ينبس بحرف و الحاج وهيب يستعطف الضابط السمج لفك حبسه .. خاصة و ان الشاويش رمضان غير متواجد في القسم منذ عاد اليه للمرة الثانية بعد شجاره مع سمرى و عرف انه في مأمورية لعدة أيام ..
هتف الحاج وهيب من جديد:- خلاص يا باشا سماح .. هو مش هيعدها تانى .. كان غريب .. و الغريب اعمى و لو كان بصير ..

تنهد الضابط بنفاذ صبر وهو ينظر لزكريا شذرا ثم قال أخيرا :- خلاص يا حاج وهيب .. هسيبه .. بس على ضمانتك .. مش عايز قلق تانى .. احنا مش ناقصين ..
هتف الحاج وهيب في حماس :- انت تأمر يا باشا ..

دفع الضابط بهوية زكريا على طرف مكتبه ليتناولها زكريا في هدوء .. و يضمنه الحاج وهيب و يرحلا معا خارج القسم .. الذى تمنى زكريا من صميم قلبه ان لايعاود دخوله ابدا .. لاى سبب كان .. و تمنى ان تستجاب دعوته هذه المرة .. و هو يسير بجوار الحاج وهيب في طريقهما للحارة .. ليخطو خطوة جديدة في مشواره .

ابتسم عاصم في حبور .. فهى المرة الثانية التي يصطحب فيها زهرة للاسطبل بعد المرة التي اخذها فيها على صهوة عزيزة ..
كان ذلك بناء على طلبها.. وكان يرغب بصدق أن يُدخل السرور على قلبها فلم يرفض طلبها باصطحابه أياها للاسطبل لرؤية عزيزة، ومهرتها زهرة التي كبرت، لتضاهي أمها جمالا وفتنة..

وصلا لمربط المهرة الجميلة التي اندفعت تصهل اول ما طالعتها ..
رفرف قلب زهرة فرحا لمرأها .. و بدأت في إطعامها قطع السكر في سخاء .. و أخيرا .. وجدت عاصم انضم اليها ليهمس لها في محبة :- فاكرة .!!.. و أشار لعزيزة مذكرا أياها برحلتهما على صهوتها و التي لا يمكن نسيانها .. فمنذ تلك الرحلة وهى قد ايقنت كم تهوى ذاك الرجل الذى تضرب أنفاسه الحارة الان جانب وجهها ..فيثير فيها مشاعر شتى ..

رفعت نظراتها اليه وهمست :- و دى حاجة تتنسى يا عاصم .. يومها .. عرفت انى مخلوقة عشانك .. و لأول مرة وانا على ضهر الفرسة .. قريبة من قلبك .. قلبى وعقلى يتفقوا .. انهم ملكك ..
ابتسم في سعادة لاعترافها الذى يزيده شوقاً لقربها :- طيب .. و ايه رايك .. نعيدها ..

لمعت نظراتها :- صحيح يا عاصم ..!!.. وصفقت بكلتا يديها فرحا كالأطفال .. مما دفع الضحكات لشفتيه ..فجذبها من كفها في حماسة .. و أسرج عزيزة .. و قربها منه ليدفعها لأعلى الفرس لتستقر فوق السرج .. و يعود ليفك لجام عزيزة و يضبطه.. و يتأكد من جديد على متانة السرج و ثباته .. و ما ان هم بالقفز ليحتل مكانه خلفها حتى هتفت هي في صوت مضطرب متقطع :- ألحقنى يا عاصم ..

اندفع اليها .. لا يدرى ماذا يحدث حتى وجدها تسقط فاقدة الوعى بين ذراعيه ..
ليصرخ مناديا باسمها و لكن .. كانت هي في عالم اخر ..

جلس زكريا متململا منكس الرأس منذ دخل بيت الحاج وهيب .. خاصة في وجود ابنته و زوجته .. و التي كانت كل منهما
تروح وتجئ في نشاط محموم منذ ان وطأت قدمه ارض المنزل ..

اندفعت احداهما و التي لم يدرك انها ابنته .. تلك التي وقفت في وجه السمرى الا عندما اقتربت و بدأت تضمد جراحه فانتفض فزعا .. يرفع وجهه لتتلاقى نظراتهما فيخفضه من جديد مؤكدا في إصرار وهو يتناول منها المطهر و القطن الطبي :- عَنِك .. انى أجدر أطيب حالى تركت له المطهر و القطن و تعجبت وهى تجلس في احد الأركان تتطلع لذاك الرجل الذى لم يتطلع اليها ولو للحظات وهى تلك الجميلة التي تشرأب الاعناق لمرأها متى ما وضعت اقدامها خارج منزل ابيها ..

كانت لاتزل تراقبه حتى انتهى من تطهير جراحه ..فهتفت في امتنان :- و الله الواحد مكسوف منك يا سى زكريا .. مش عارفين نتشكر لك ازاى ..!؟.. لولاك .. كان سمرى الضلالى جاب الدكان فوقانى تحتانى .. وكان بهدلنا في قلب الحارة ..
رد زكريا في احراج :- مفيش شكر و لا حاچة .. دى حاچة بسيطة .. ربنا يكفينا شره .

هتفت نعمة وهى تضع أطباق الطعام على الطبلية :- امين يا خويا .. لحسن ده راجل شرانى و نابه ازرق ..
نهض زكريا في اضطراب هامساً للحاج وهيب :- مش هتورينى أوضتى فين يا حاچ..!؟
هتف الحاج وهيب في صدمة :- هو حد قالك علينا بُخلة و لا ايه.!؟ .. منتش متعتع من هنا الا لما تتغدى معانا ..
هتف زكريا :- اعفينى يا حاچ .. بالهنا و الشفا عليكم ..

هتفت بدور في عزم :- برضة يا سى زكريا..!؟ .. ترفض يكون بينا عيش و ملح ..
صمت وهو منكس الرأس و لم يستطع التعقيب فهتف الحاج وهيب في سعادة :- غلبتك بدور ..ياللاه .. تعالى كل معانا لقمة .. يبقى عيش وملح .. قبل ما تطلع اوضتك تستريح ..
جلس زكريا في هدوء و بدأ الجميع في تناول الطعام مرحبين به بينهم ..

اندفع الخفير سعيد مستدعيا الطبيب ما ان صرخ فيه عاصم أمرا بذلك و هو يحمل زهرة مندفعا لداخل السراىّ صاعداً الدرج في عجالة .. و اندفعت خلفه الحاجة فضيلة التي ما ان شاهدت ولدها يحمل زهرة فاقدة الوعى بين ذراعيه حتى صرخت في هلع و اندفعت تصعد الدرج خلفه ..
و ضعها عاصم على الفراش لاهثا في ذعر حقيقى عليها .. ينادى باسمها في وجل محاولا أفاقتها .. و الربت على وجنتيها لعلها تستجيب لنداءه ..

اندفعت الحاجة فضيلة تهتف في لوعة :- ايه اللى حُصل يا عاصم !!؟.. ما انتوا خارجين زينين ..
اندفع عاصم لطاولة الزينة يضع بعض العطر على كف يده و يعود ليقربه من انفها وهو يرد في نفاذ صبر :- معرفش يا حاچة .. معرفش .. فچأة لجيتها وجعت من طولها فجيت بيها چرى على هنا ..

قرب عاصم كفه المعطر من انفاس زهرة التي أخيرا استجابت لتهمهم في وهن محركة رأسها ذات اليمين و ذات الشمال ببطء فتنفس عاصم الصعداء .. في نفس اللحظة التي وصل فيها الطبيب على باب الحجرة طالبا الإذن بالدخول ..

دخل ليفحص زهرة ..لينسل عاصم مبتعداً .. تاركاً امه تباشر مهامها و ينفس هو في توتر حتى انه لم يستطع مداراة قلقه و حنقه في ذات الوقت فاندفع يزرع الردهة الطويلة خارجا .. ذهابا و إيابا .. حتى انفرج الباب أخيرا على خروج الطبيب مصحوبا باندفاع مفاجئ لزغاريد امه الحاجة فضيلة ..

وقف كالمشدوه لا يعلم ما يحدث ..حتى ابتسم الطبيب وهتف مشاكساً :- اهى زغاريد الحاجة قالت كل حاجة ..الف مبروك يا عاصم بيه .. الهوارى الجديد في السكة ..
تسمر عاصم للحظات محملقا في الطبيب الذى اتسعت ابتسامته و نقل نظراته لامه التي أومأت برأسها تأكيدا على ما قاله الطبيب لتوه ليهتف عاصم أخيرا :- إنت متأكد يا داكتور.!؟

قهقه الطبيب :- و الله .. على حسب معلوماتى الطبية المتواضعة ..اه .. متأكد ..
هتف عاصم معتذرا :- العفو يا داكتور .. متأخذنيش .. مجصدش ربت الطبيب بمحبة على ذراع عاصم هاتفاً :- و لا يهمك .. بس لازم دلوقتى أاكد على حاجتين .. الراحة التامة للمدام .. لان الحمل ضعيف و لسه في الاول.. ثانيا .. التغذية الكويسة لحد لما تقدر تتابع مع دكتور متخصص ..

هز عاصم رأسه مؤكدا وهو يصحب الطبيب مودعاً أياه للخارج ..ثم عاود صعوده لحجرته لتتركه امه مندفعة في حماسة لتغذية ام حفيدها المنتظر
دخل عاصم الغرفة و أغلق بابها خلفه في اضطراب واقترب من زهرة المسجاة على الفراش في وداعة و انحنى مملسا على شعرها في محبة .. ثم قبل جبينها في وجل .. فتحت عينيها لتطالع محياه المشدوه فأبتسمت في سعادة وهى تمد كفها تلتقط كفه و تضعه على بطنها هامسة :- مبروك يا أبو مهران..

ارتجفت كفه تحت كفها و فجأة وجدته يلقى برأسه على صدرها و كأنه صدق أخيرا النبأ السعيد ضمت رأسه لصدرها أكثر تذرعه بين اضلعها و تستنشق رائحة روحه علها ترزق بطفل يشبهه كثيرا كما تمنت ..
و تذكرت رؤيا الحاج مهران فابتسمت و هي تقبل جبينه هامسة:- مبسوط يابو مهران وسندس ..
همس من بين أحضانها :- مبسوط دى كلمة جليلة يا زهرة و رفع رأسه قليلا ليقابل عينيها وهو يهمس في صدق :- انا لو أطول احط الدنيا كلها تحت رجليكى دلوجت .. أجيبها لجل عيونك ..

دمعت عيناها حبورا .. و تساقطت دموع الفرح على خديها وهى تقول :- انا مش عايزة حاجة غير انك تروح تبشر عمى ان رؤيته صدقت ..
مد كفيه ليمسح دمعاتها و ينهض مقبلاً أياها ثم يندفع ليبشر الحاج مهران .. ان مهران الصغير سوف يقبع صارخاً بين ذراعيه في غضون تسعة أشهر على الأكثر...

تناول الحاج وهيب كوب الشاي الذى أعدته ابنته فى عجالة قبل ان تصعد هي و نعمة زوجته لترتيب حجرة زكريا قبل ان يتسلمها ليهتف الحاج وهيب ممتنا :-ربنا يبارك لك يا بنى .. انا لسه كنت بقول ازاى واحد لا نعرفه و لا يعرفنا يقف يدافع عنا كده ..!؟..ده محدش من اهل الحارة ادخل .. كله خايف من السمرى و رجلته ..

هتف زكريا متعجباً :- كيف ابجى راچل و واجف و شايفه بيمد يده على حرمة و مجفلوش ..!!..
هتف الحاج وهيب معجبا :- راجل و سيد الرجالة يا بنى .. ربنا يخليك و يبارك لك .. اصل انت متعرفش سمرى ده عامل فينا ايه ..!؟.. من ساعة ما بدور بنتى اترملت و هو حاططها في دماغه و جه أتقدم لها فعلا بس بعد ما طلع عنينا قلة ادب و حاول معاها كذا مرة و لما لقى ان ملهاش سكة الا الحلال جه يتقدم لها و يطلب ايدها .. بس طبعا بدور مقبلتش بيه و انا مقدرتش اضغط عليها .. كفاية مرة واحدة و اللى حصل من وراها ..

صمت الحاج وهيب و استطرد عندما لم يعقب زكريا لكنه لمح شبح فضول يحوم على ملامح وجهه :- انا ضغطت عليها مرة و كنت فاكر انى بعمل الصح ..
أكد زكريا :- اكيد يا حاچ انت ابوها يعنى في الأول و في الاخر عايز مُصلحتها ..

هتف الحاج وهيب في لهفة كانما جاء كلام زكريا على وتره الحساس :- ايوه يا بنى .. و الله كنت عايز مصلحتها و كنت عايزها تبقى في عصمة راجل يحميها و يحافظ عليها لانها مطمع و انا مش عايش لها العمر كله .. لكن الراجل الكبير اللى غصبتها تتجوزه عشان يحميها هو اول واحد بهدلها و عيشها في عذاب و قلة قيمة .. خمس سنين يا بنى عاشتهم في بيته خدامه ليه و لولاده مشفتش فيهم الراحة و لما مات.. عياله رموها بالهدمة اللى عليها بعد ما مضوها على تنازل عن كل ورثها من ابوهم و رجعت لى بعد ما ضاع من عمرها خمس سنين بسببى..

بعد كده مقدرش اغصب عليها في اى حاجة كفاية اللى شافته .. حتى الرجالة اللى كانوا بيتقدمولها بعد ما موت جوزها من سنتين كانوا بيطفشوا اول ما يعرفوا ان سمرى حاططها في دماغه بيقصروا الشر و يبعدوا عنها .. منه لله سمرى موقف حالها و هي مش راضية بيه و عندها حق .. يعنى بعد اللى شافته مع جوزها الله يرحمه وولاده .. يبقى اخرتها مع سمرى .. ده حتى ميرضيش ربنا ..

قطع كلام الحاج وهيب دخول بدور و نعمة و كلتاهما تلتقط أنفاسها في تتابع مرهق مما دفع زكريا ليرفع رأسه منتبها ليتطلع الي بدور للمرة الأولى .. هي بالفعل جميلة الطلّة .. مريحة القسمات.. وجهها طفولى النظرات لا ينقصه الأنوثة حتى ان لطخات الغبار التي تعتلى الان احدى وجنتيها و جبينها لم تستطع إخفاء ملامح الجمال .. و لا ذاك اللون القرمزي الذى اعتلى وجنتيها خجلاً عندما لاحظت تفرَّس زكريا بها للمرة الأولى ..

انتبه هو لتلك النظرات التي ألقاها بلا إرادة منه فتنحنح في احراج و نهض منتفضاً و هو يهتف :- طب استئذنك يا حاچ .. اطلع اوضتى و اسيبك تستريح ..
هتفت بدور :- خلينا الاوضة بقت عروسة .. يا رب تبقى عتبة السعد عليك ..
اخفض زكريا نظراته كالعادة وهو يهمس بإحراج وهو يمر بجوارهن مغادراً الغرفة:- تعبناكم ..

همست بخجل :- تعبك راحة يا سى زكريا ..
غادر صاعداً مع ابيها الذى اصر على اصطحابه للغرفة ليتأكد بنفسه انها لا ينقصها اى شيء .. غادر و ترك ابتسامة خجلى على وجه طفولى ملطخ بالغبار ..

اندفعت سهام لداخل السراىّ و هي تحمل صغيرها باسل على كتفيها في فرحة مهللة :- الله اكبر .. الله اكبر .. ثم أطلقت زغرودة مدوية جذبت اليها كل من بالسراىّ ..

ظهرت الحاجة فضيلة من داخل مقعدها الصيفى في القاعة البحرية و هي تقهقه على أفعال ابنتها و ما ان طالعتها ابنتها حتى اندفعت اليها في حبور تقبل وجنتيها :- مبروووك يا ام عاصم .. والله و اتحجج المراد .. ربنا يجوم زهرة بالسلامة ..

ابتسمت الحاجة فضيلة لابنتها :- يااارب يا بتى يتمم لها بخير .. انت مشفتيش عاصم اخوكى كانت فرحته كيف لما عرف .. و ازدادت ابتسامة الحاجة فضيلة اتساعا و هي تتذكر رد فعل ابنها عندما ابلغه الطبيب بحمل زهرة .. و استطردت هامسة .. ده كان هيمسك السما بيديه من الفرحة ..

لتنفجر كلتاهما ضاحكتين و هما في طريقهما للأعلى حيث حجرة زهرة ..و التي وصلتها سهام لتدخل في اندفاع بعد عدة طرقات متسرعة .. و اندفعت لزهرة التي كانت متكئة على الوسائد خلف ظهرها ..
ابتسمت زهرة في سعادة ما ان طالعتها سهام باندفاعها المعهود و نثرت القبلات على خديها و هي تهتف :- مبرووك يا مرت خوى ربنا يتمم لك بخير يا رب .. بصى بجى .. انت تخاوى باسل الأول .. و بعديها على طووول تجيبيله عروسة .. انا بجولك اهو ..

انفجرت كل من الحاجة فضيلة و زهرة ضاحكتين على تحكمات سهام الغير منطقية و ردت عليها الحاجة فضيلة :- طب و افرض جابت العروسة الأول .. هتعملى ايه يعنى ..!؟.. مش تجولى الحمد لله .. كل اللى يجيبه ربنا كويس بس ياجى على خير و هي تجوم بالسلامة ..
هتفت سهام :- دايما كده كلامك ميتردش يا حاجة .. صدجتى و الله ..

كان دور زهرة لتهتف ضاحكة :- طيب و ايه قولكم في اللى يجيب الاتنين سوا .. !!؟..
تنبهت كل منهما لها و فغرت كلتاهما فاها غير مصدقات لظنهما و استنتاجهما .. لتزداد قهقهات زهرة و هي تومئ برأسها إيجابا كانما تؤكد لهما صحة ظنهما..

و كانت سهام اول من هتف :- جصدك تجولى انك حامل في توأم يعنى ..!؟..
أكدت بأيماءة من رأسها و قالت في سعادة :- لما رحنا للدكتور أكد انهم توأم .. لسه معرفش النوع ايه .. لكن قال انهم اتنين .. و ازدادت ابتسامتها اتساعا ..
همت سهام بإطلاق زغرودة جديدة الا ان الحاجة فضيلة أسرعت باغلاق فمها محذرة :- اياكى ..
هتفت سهام في حنق :- ليه ياما خلينا نفرح .. و توجهت لزهرة مازحة .. كده الهوارية هايبجوا سابجين بخطوة .. تاريكى مش سهلة يا زهرة .. دكنتي و بتجيبى بالچوز ..

انفجرت زهرة ضاحكة و الحاجة فضيلة تخمس في وجه ابنتها .. وتهتف مؤكدة :- اااها شفتى .. عشان كِده معيزاش حد يعرف .. خلى حبلها يعدى و يكمل على خير يا بتى .. الناس مبتسيبش حد في حاله .. و العين حج ربنا يكفينا شر المستخبى ..
ابتسمت سهام لامها مؤكدة :- عِندك حج يا حاچة .. و انت خلى بالك على حالك بجى يا زهرة .. و تفرحى بشوفيتهم يا رب ..

هتفت زهرة في تمنى :- ياارب يا سهام .. اهو الدكتور طلب الراحة التامة و اديكى شايفة مش بتحرك من مكانى تقريبا .. قالت كلماتها الأخيرة في شبه امتعاض ..
فهتفت سهام :- لاااه .. انت لحجتى تزهجى..!؟.. .. لسه بدرى و المشوار لساته طوويل ..

بصى .. انا يوماتى هتلاجينى عِندك اسليكى انا واد المچنونة دِه .. و اشارت لولدها الذى تركته يحبو مبتعداً عنهما في اتجاه الطاولة البعيدة في الجانب الاخر من الغرفة و قد جذبه غطاءها ذى الألوان الزاهية .. انفجرت زهرة و الحاجة فضيلة ضاحكتين لتعليق سهام و اجتذب باسل انظارهن و هو يحاول التماسك لينهض ثم يسقط فجأة في وضع الجلوس و ينفجر ضاحكاً مجاريا لضحكاتهن ليحبو من جديد معاوداً اندفاعه في اتجاه الألوان الزاهية لغطاء الطاولة البعيدة..

جال زكريا ببصره في الغرفة بعد ان أغلق بابها خلف الحاج وهيب.
كانت غرفة متواضعة تم تنظيفها بمهارة لتصبح على قدر الإمكان قابلة للسكنى .. سرير معدنى صغير بالكاد سيكفيه ممددا و كرسى خشبى عليه شلت منجدة منذ زمن بعيد .. و موقد افقى و طاولة خشبية تترنح قليلا اذا ما استند عليها .. و عدة مسامير بالحائط لتعليق ملابسه عليها و مرآة على احد الحوائط فقدت بعض من بريقها .. و أخيرا نافذة خشبية تفتح على سطح المنزل الواسع و الذى يمتلئ بأحبال مختلفة الأطوال ممتدة من احد الجوانب للجانب الاخر بغرض نشر الملابس المغسولة عليها ..

تنهد زكريا في راحة و اندفع يتمدد على الفراش متأوها فقد كانت كل عضلة من عضلات جسده تأن ألماً و رغبة في الراحة بعد ما مر به منذ وصل القاهرة .
راح فكره يأخذه في نواح شتى وتذكر كل التفاصيل و الحكايات التي مر بها .. و أخيرا و دون ان يشعر تسلل الكرى لجفونه ..
و كأن تمدده ذاك كان كفيلا بان يدفعه دفعا ليغرق في نوم عميق من اثر التعب و الإرهاق ..

هتف عاصم مازحاً وهو يندفع لحجرة نومه ليرى زهرة ممددة على الفراش كعادتها منذ اكتشاف حملها :- الچميل عامل ايه النهاردة ..!؟..
انفرجت اسارير زهرة لمرأه لتهتف بحبور :- الحمد لله .. اهو واخدة وضع التمثال لحد ما ربنا يفك اسرى ..
انفجر ضاحكاً :- معلش .. كله يهون ..بصى انا جبت لكِ ايه .!؟

واندفع ليخرج عدة روايات من حقيبة بلاستيكية كانت بحوزته عند دخوله و اندفع ليجلس بجوارها مادا كفه بهم هاتفاً :- شوفى .. روايات من النوع اللى بتحبيه .. عشان تتسلى بيهم و متحسيش بالوجت و متبجيش مضايجة ..
تناولت الروايات في فرحة تقلب فيهم و هي سعيدة لأهتمامه و فجأة جذب انتباهها بضحكاته و هو يهمس :- روايات عشج و مسخرة ..

لتنفجر زهرة مقهقهة على تعليقه الذى يذكرها برأيه فيما كانت تقرأ في السابق .. و استطرد من بين قهقهاته هاتفاً :- الراچل بتاع المكتبة اول ما شفهم في يدى .. بجى يطلع لى شوية و بعدين يرچع يجلب في الروايات .. مش مصدج ..
و عاود عاصم قهقهاته التي تلاحمت مع قهقهاتها بدورها لتهمس أخيرا :- مش مصدق ايه بس ..!؟.. ده انت العشق كله يا عصومى ..

تحشرج صوت عاصم تأثرا و هو ينظر لعمق عينيها و أخيرا يتنحنح هاتفاً :- طب اجوم انا عشان لو جعدت اكتر من كِده همثل لك رواية من دوول و الدكتور جال مفيش روايات عشان صحتكِ انفجرت ضاحكة وهو يندفع خارجا من الغرفة متحسرا.

وقف زكريا امام الهاتف العمومى يضغط على اذراره في تركيز و ينتظر في وجل ان يُرفع الهاتف على الجانب الاخر .. و أخيرا و قبل ان يغلق الخط حانقاً جاءه صوت امه لاهثاً :- ألو .. ألوو..
هتف زكريا بشوق :- ألو .. كيفك ياما ..
هتفت بخيتة :- زكريا يا ولدى كيفك ..!؟.. غيبت و جلت عدولى
مش تطمنى عليك .. !!..

هتف زكريا :- انا بخير يا حاچة متجلجيش و سكنت عند ناس طيبين و كل حاچة تمام ..
قالت بخيتة :- الحمد و الشكر ليك يا رب .. طب و اشتغلت ..!!؟؟
قال :- لاه .. لسه هدور على شغل باذن الله .. دعواتكِ ..
قالت بخيتة متلهفة :- انا مجلتلكش صحيح ..!؟.. مش مرت اخوك ولدت و ربنا رزج بواد الله اكبر ..

هتف زكريا في حبور :- الله اكبر .. حمدالله على سلامتهم .. خلى بالك منهم ياما ..
هتفت بخيتة :- في عنايا يا ولدى بحج الله .. البنية مجصرت معايا من ساعة ما دخلت الدار وهى شيلانى على كفوف الراحة و بعد ما ولدت حلفت ما حد يسمى ولدها غيرك ..
هتف زكريا مندهشا :- انى ..!!؟..

أكدت بحيتة :- اه ..انت .. ومستنياك تسميه ..
صمت زكريا للحظات و أخيرا هتف في هدوء :- سميه حمزة .. حمزة ياما .. عايزه أسد يعرف يدافع عن حجه و يجيبه من حنك السبع
هتف صوت كسبانة على الجهة المقابلة :- يبجى حمزة يا سى زكريا ..
كانت قد تناولت الهاتف من بخيتة عند علمها بان المتصل زكريا لتخبره بوضعها ..

تنحنح زكريا محرجا :- كيفكِ يا مرت اخوى .. زينة !؟؟..
هتفت كسبانة :- بالف خير طول ما انت بخير يا سى زكريا و حمزة بخير و بيجلى سلميلى على عمى ..
ابتسم زكريا في حبور وهتف :- ربنا يبارك فيه .. و يبجى راچلك و عزوتك .. مرت اخوى ..!؟.. لو احتچتوا اى حاچة .. مهما كانت .. عليكى وعلى عاصم واد عمى .. هو هيتكفل بكل حاچة .. خلااص .. !!؟..

هتفت في تأكيد :- حاضر يا سى زكريا .. هو عاصم بيه مش سايبنا و على طول بيطل علينا و مش مخلينا ناجصنا حاچة .. البركة فيكم ..
هتف زكريا :- طب الحمد لله ..
همست كسبانة :- الحمد لله ..
وتناولت بخيتة من كفها سماعة الهاتف و بدأت في محادثة ولدها لدقيقة او اكثر ثم أغلقت الخط و هي تبكى حسرة على بعاده الذى كانت تعتقد انه انتهى أخيرا ..

كان يمكنها البقاء معه في القاهرة في شقتها التي كان يتولى دفع إيجارها ناجى التهامى والد زهرة لكنها كانت تعلم انه لن يرضى بذلك .. فهو لن يقبل ان يظل في شقة لا يدفع هو ثمن إيجارها و لا يستطيع أيضا ان يدفعه من ماله الذى يكسبه بشق الانفس بعد ان قرر و بلا رجعة الا يمس المال الذى اصبح من نصيبه من ميراث ابيه و الذى أعاده اليه عاصم من براثن سليم و كان السبب في الشقاق بينهما لو تعلم ان بقاءها معه سيكون له جدوى ما تأخرت عن اللحاق به لكنها تعلم ان وجودها سيكون حجر عثرة في طريق اختاره لنفسه حتى يحقق ما يريح قلبه و يعيد له كرامته الضائعة ..

خرجت بخيتة من شرودها على بكاء حمزة صارخاً من الحجرة المجاورة .. و تطلعت الى كسبانة و هي تندفع لوليدها و ما هي الا لحظات حتى عادت به لمجلسها تحتضنه لصدرها فيهدأ الصغير في وداعة ليأتيها صوت كسبانة هامسة ومداعبة طفلها :- حمزة ..عمك اختارهولك .. جال عشان تبجى أسد و تچيب حچك من حنك السبع .. تبجى راچلى و سندى ..سمعنى يا حمزة ..!!؟..

دمعت عينا بخيتة و هي ترى في كسبانة أيام ماضية ولت .. ترى فيها نفسها و كأنها تقف امام مرأة تعكس ألم روحها و عذابات ماضيها و صورة مصغرة منها وهى تحمل زكريا و تهمس في أذنيه بنفس الكلمات و لكن هل تأتى رياح الأيام بما شتهيه سفن النفس..!!؟.. تمنت ذلك من صميم قلبها .. وهى تبتسم لمداعبات كسبانة لولدها .. حمزة ..

جلست بدور على مقعدها المفضل بجوار تلك النافذة المطلة على الحارة و هي تحكم شالها الصوفي حول كتفيها مستمدة منه الدفء و تحتضن كوبا من الشاي الساخن بين كفيها ليطالها المزيد من سخونته فى ذاك الجو البارد الذى ينذر بهطول الأمطار التي بدأت تسقط بالفعل أولى زخاتها على النافذة أمامها مما جعلها تتذمر لانها بدأت تحجب الرؤية أمامها و رغم ذلك استطاعت تمييز ذاك الشبح ذو الجلباب الذى خرج يجرى من مدخل بيتهم حتى مدخل الحارة محاولا الاحتماء من الأمطار و التي زادت وتيرة هطولها .. و فجأة انتفضت عندما ادركت انها نسيت ما امرها به ابوها بعد ان عاين غرفة زكريا بالأعلى..

لقد أكد عليها ان تُخرج له بعض الأغطية و البطاطين الصوفية ليستخدمهم في هذا البرد القارص .. كيف لها ان تنسى ذلك ..!؟..
نهضت على عجالة و توجهت للغرفة تجذب الأغطية من فوق خزانة الملابس ..
ضمت الأغطية لصدرها و توجهت للباب لتطالعها نعمة هاتفة :- على فين العزم بالبطاطين دى ..!؟..

ردت بدور :- للراجل الغلبان اللى نسيناه فوق من غير غطا في البرد ده .. مش ابويا منبه علينا.. ازاى نسينا نطلعهم .. انا هروح أحطهم فى الاوضة .. هو مش موجود .. لسه شيفاه خارج ..
هتفت نعمة مستنكرة :- هاتطلعى في المطرة دى ..!؟.. ده أنتِ عقبال ما توصلى باب الاوضة هتكونى غرقتى ..
اكدت بدور :- معلش ... هلحق نفسى بس منسبش الراجل كِده .. دى غلطتنا ..
و اندفعت لخارج الشقة و منها للأعلى حيث غرفة زكريا ..

بالفعل حدث ما توقعته نعمة فقد تبللت بكاملها ما ان وصلت لباب الغرفة و فتحتها لتدخل .. وضعت البطاطين على الفراش و التي حمدت ربها انها لاتزل جافة في غلافها البلاستيكي و أخذت تحاول نفض المياه عن شالها الصوفي و منديلها الذى تعقف به شعرها ..قبل ان تندفع من جديد في مغامرة العودة للأسفل ..

فكت منديل شعرها و بدأت في نفضه بالفعل و اندفعت تخرج من باب الحجرة تحاول رفع الشال على رأسها اتقاءا لمزيد من البلل .. تجرى منكسة الرأس تحاول ان لا تنزلق قدمها في بركة المياه التي صنعها المطر على ارض السطح الاسمنتية .. و لكن ..
في اثناء اندفاعها .. كان في المقابل يندفع احدهما في الاتجاه المعاكس لها داخلا للسطح يحاول بدوره الاحتماء من المطر ..

صدمة شديدة نتيجة الاندفاع هي كل ما حصل عليه كلاهما .. حاول هو قدر استطاعته التمسك بها حتى لا تسقط لكنه لم يفلح .. بل الأدهى .. انه سقط معها..
سقوط مدوى .. ورذاذ ماء ينتشر من كل مكان .. زخات من مطر و رذاذ من بركة المياه بالأسفل منهما و التي سقطا فيها ..
استفاق كلاهما من الصدمة و نظر كل منهما للاخر في ذهول ..

كانت هي اول من نهض .. و لا تعرف ما الذى دفعها لتجذب الشال على جسدها .. ذاك الشال المبلل بل الذى شبع بللا و اصبح عبء عليها بكمية المياه التي تشربها نسيجه ..تصرف احمق .. هي شعرت بذلك و لكنها كانت في حاجة للحماية أو الشعور بالأمان ففعلت ما اشعرها بذاك الإحساس حتى ولو كذبا ..

نظرت اليه من جديد قبل ان تندفع للأسفل لتجده ينهض من بركة المياه و قبل ان يصل لغرفته يستدير لينظر اليها .. و قد شعر انه عندما اصطدم بها .. قد تبدل فيه شيء ما.. شيء لا يدرك كنهه و لكنه شعر ببعض الفقد .. و كأنه افتقد ذاك المجهول الذى لا يعرفه و يشعر بأنها استولت عليه عندما ذهبت و غادرته الان ..

تسلل عاصم على اطراف أصابعه وهو يدلف لحجرته .. بدأت أشهر الوحم بالنسبة لزهرة و ما ان تراه حتى تهتف به طالبة شيء عجيب يليه شيء اعجب .. بالكاد يستطيع السيطرة على أعصابه التي بدأت تنهار من طلباتها التي لا تنتهى و التي لا تُعقل من الأساس ..

تقدم قليلا في ثبات باتجاه الفراش يحاول ان يكون حريصا قدر الإمكان على عدم إيقاظها فهو بالكاد يستطيع فتح جفونه من كثرة التعب و كل ما يطلبه الان هو القليل من النوم و الراحة بعيدا عن الطلبات الغريبة في منتصف الليل ..

خلع نعليه بالفعل و بدأ في تبديل جلبابه حتى انه أجّل حمامه للصباح و بدأ يتسلل للفراش و فجأة .. استيقظت زهرة تتطلع حولها في تعجب و انفها الحساس للروائح تلك الفترة اصبح كقرون استشعار مرهفة .. رفعت جزعها عن الفراش و استدارت لتجد عاصم بجوارها يتظاهر بالنوم
لحظات و بدأت معدتها تمور و انتفضت تحاول اللحاق للدخول للحمام لتفرغ ما بها ..

عادت وقد نهض عاصم مشفقا عليها يتبعها حتى اذا ما وصل اليها كانت هي انتهت بالفعل تمسح وجهها بمنشفة و تضعها جانبا و ما ان اقتربت منه .. حتى عاودها الغثيان من جديد فهتفت في وهن :- اخرج يا عاصم ..مش طايقة ريحتك ..
هتف عاصم متأسفا :- يمكن عشان چيت من برة و مخدتش دش ..
و بدأ عاصم يتشمم ملابسه في تعجب ..

اشارت بكفها وهى تضع الكف الاخر على انفها و هتفت من ورائه :- عشان خاطرى اخرج .. بجد مش قادرة يا عاصم ..
اندفع عاصم من أمامها حانقاً و هو يغمغم في ضيق :- كِده كَتير .. و الله كِده كَتير ..
و خرج مندفعا لحجرة ابيه يطمئن عليه بعد ان طار النوم من عينيه.

دخل ليجد ابيه جالسا في هدوء يهز رأسه هامساً مرتلا لبعض ايات من القرآن الكريم الذى يفتحه الان على مصرعيه أمامه على مسنده الخشبي الخاص به ..
انهى الحاج مهران قراءته و انتبه متعجباً لولده الذى هتف في غيظ و كأنه لا ينتظر من يسأله :- حتى انا مش طيجانى .. حمل ايه دِه ..!؟..
انفجر الحاج مهران ضاحكاً تلازمه نوبات سعاله و أخيرا هتف :- يا ولدى ما هي الحامل كِده .. كل يوم بحال ..

تقدم عاصم ليتمدد بجوار ابيه في إرهاق .. ليبتسم الحاج قدرى في إشفاق و هو يضع كفه على جبين ولده هامساً :- طب نام هنا چار ابوك ..و بلاها حريم ..
همس عاصم مغلق العينين :- صُح .. بلاها حريم ..
قهقه الحاج مهران :- طب عينىّ في عينك كِده يا واد فضيلة ..!؟..
حاول عاصم مداراة ضحكة فرضت نفسها على شفتيه وهو يستديرباتجاه ابيه هاتفاً :- انا نعست...

قهقه الحاج مهران وهمس في حنو بالغ و هو يربت على رأس عاصم الذى بدأ بالفعل يخطو نحو النعاس :- نوم العوافى يا ولدى و بدأ يتزحزح قليلا ليكمل تمدده بجوار عاصم بعد ان أغلق مصحفه ووضعه جانبا و ضغط بكفه زر الإضاءة القريب من رأسه ليعم الظلام ..


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 02:56 صباحاً   [23]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل الثالث

بدأ زكريا عمله في ذاك المتجر الذى كلم الحاج وهيب صاحبه ليوظف زكريا عنده.. كان متجر لمستلزمات البناء و أساساته من طوب و إسمنت و أخشاب.. لم يكن زكريا على علم بالمطلوب منه بالظبط لكنه كان متحمسا للتعلم و المعرفة .. في البداية بدأ في نقل أجوال الإسمنت و رصها في أماكنها المعتادة و كذلك بعض الأخشاب و أدوات الحفر و الترميم و اوانى حمل الإسمنت التي يستخدمها العمال في تحويله للأدوار العليا في المباني المرتفعة قيد الإنشاء ..

كان العمل عند الحاج مرشدى ليس بالعمل الصعب لكنه شاق لحد كبير ..لكنه لم يعبأ ابدا بذلك فكل ما يشغل باله الان هو كيف يثبت أقدامه في ذاك العمل و يكتسب ثقة الحاج مرشدى و يتعلم كل ما يستطيع ادراكه و يتشرب الصنعة بجوارحه ..و في صبيحة احد الأيام و بينما هو سائر خارج الحارة و
وصل بالفعل للربع الأخير منها متوجها لعمله الجديد في همة حتى استوقفه فجأة رجل ضخم الجثة أشار أمرا بصوت أجش :- المعلم طالبك..

كان الرجل يشير لذاك المقهى البلدى الذى يقبع في الركن الأيسر من الطريق و الذى يستطيع رؤية كل من يدخل و يخرج من الحارة بفضل موقعه بالقرب من مدخلها ..
استدار زكريا في هدوء و بدأ في السير خلف الرجل الضخم الجثة باتجاه المقهى..
و التي ما ان خط زكريا عتبتها حتى سمع صوت جهورى مرحب في تهليل :- اهلا .. اهلا بسيد الرجالة .. الصعيدى المجدع...

نهض المعلم خميس اللول من خلف طاولته التي تحتل قلب المقهى هي و صورته التي تزين الجدار خلفها بشاربه وجسده الممتلئ المتوسط الطول مؤكدة انه المالك الأوحد لذاك المقهى ..
مد المعلم خميس كفه باتجاه زكريا في مودة حقيقية .. و بالمثل فعل زكريا على الرغم من توجسه لما يحدث فهو لا يعلم لما استدعاه المعلم خميس من الأساس وهو لا يعرفه و لا سبق ان تعامل معه او حتى جلس يوما ما على مقهاه ..

اجلسه المعلم خميس في مكانه المفضل بالقرب من مكتبه حيث يتسنى له مراقبة الزبائن و كذلك الحركة المتدفقة من و الى قلب الحارة ..
هتف المعلم خميس و هو يربت بقوة على كتف زكريا :- و المرسى أبو العباس .. انت مفيش منك اتنين .. وقفت زى السبع للسمرى و رجالته و لبستهم تُرح.. مجدع بصحيح ..

ابتسم زكريا و قد فهم المقصد من الزيارة :- انا معملتش حاچة يا معلم ..واحد غلط و بنأدبوه ..
انفجر المعلم خميس مقهقها و هو يربت على كتف زكريا من جديد :- تعجبنى يا صعيدى ... ثم استدرك قائلا :- انا لو كنت موجود مكنتش خليته يقرب لحد في الحارة و خصوصى الحاج وهيب و اهل بيته .. انا كنت بره الحارة بجيب لوازم للقهوة .. بس انت ما شاء الله عليك... سديت و قمت بالواجب و زيادة .. بص بقى .. انا هجيلك دغرى .. انا عايزك تبقى واحد من رجالتى .. ايه قولك ..!؟..

على قدر تعجب زكريا من مطلبه الا انه لم يبد تلك الدهشة و هو يقول مبتسما في هدوء :- معلش .. اعفينى يا معلم .. طلبك على عينىّ و راسى .. بس انى بچد مليش في شغل الفتونة دِه .. انا راچل عايز امشى چنب الحيط و تيجى معايا سلامات من غير مشاكل و بالذات ان الظابط حاططنى في دماغه من يوم العركة أياها ..ويمكن من جبليها كمان.

ربت المعلم خميس في تفهم على كتف زكريا و هو يهز راسه مدركا ما يقصده و أخيرا هتف :- خلاص يا زكريا .. على العموم فكر و انا قهوتى مفتوحة لك على طوول و انا تحت امرك في ايتها حاجة ..انا استجدعتك .. و انا اللى استجدعه و ينخشش في نفوخى مبيطلعش خلاص ..و انا استجدعتك.. و يا بخت اللى يعزه المعلم خميس اللول .. حبيب الكل ..

ضحك زكريا في مودة و هتف في راحة حقيقية :- تسلم يا معلم لول ..
ثم نهض زكريا مستأذنا :- طب ألحج انا شغلى يا معلم .. و متشكرين على الشاي ..
نهض المعلم خميس من مقعده مودعاً زكريا و هو يهمس خلفه في حسرة :- خسارة و الف خسارة .. جدع بصحيح ..

اندفع عاصم الى حجرته في ضيق واضح يبحث عن بعض الأوراق التي قد يكون نسيها في حجرة نومه ولم يودعها المكتب كعادته .. دخل في عجالة يبحث عنها و نظر باتجاه زهرة المستلقية دوما على الفراش في ثبات تتطلع اليه بعيون تتبعه في كل حركة ..
توقف لحظات ينظر اليها و هتف في ضيق :- انا خارچ متجلجيش .. بس استحملى شوية ريحتى اللى مش بطجيها و اللى بجالى شهر و اكتر مش بجرب من اوضتى عشانها ..

استدار يبحث في احد الإدراج و لم يدرك انها خلفه تماما ترنحت حتى وصلت حيث يقف ولمست ذراعه في شوق هامسة :- عاصم..!!؟..
انتفض هو و استدار بكليته و قد انتابه الذعر عندما وجدها تقف خلفه مترنحة بهذا الشكل فحملها بين ذراعيه في خوف و اتجه بها للفراش هاتفاً :- ايه بس اللى جومكِ من السرير ..!!؟..

شبكت كفيها خلف رقبته و دفنت رأسها في صدره و همست :- اصلك وحشتنى قووى ..انحنى
يضعها على الفراش و هم بالنهوض لكنها ابت ان تفك تشابك كفيها حول عنقه .. فرفع ناظريه تجاهها هامساً :- مش اكتر منى يا زهرة و ربنا العالم .. بس انا..
و جلس على طرف الفراش و رفع يده يفك تشابك كفيها حول عنقه و يلثم كفيها في شوق ..

عاد للنظر اليها من جديد و شوقه يكاد يقتله فهمس :- هانت يا بت خالتى .. و بس ياجوا العيال دى .. اما طلعت عينهم زى ما طلعوا عينا ولاد ..
ابتسمت في شجن و هي تضع كفها على شفتيه هامسة :- أوعى تشتم ابوهم .. ده حبيبى ..
اقترب منها اكثر و ضمها لصدره وهو يربت على شعرها في حنو بالغ و دموعها الساخنة تبلل كتفه حيث يرقد خدها، و شوقه اليها يكاد يذهب بتعقله، ظل بقربها ينعم بمحياها الذى افتقده حد العذاب و قد نسى كل ما يتعلق بالأوراق التي كان يبحث عنها .. و تذكر فقط انه بالقرب منها .

كان يصعد الدرج بعد يوم عمل شاق عند الحاج مرشدى كان كل ما يتوق اليه في تلك اللحظة هو التمدد على الفراش و الغرق في نوم عميق حتى صباح اليوم التالى..

تناهى لمسامعه وهو يتوجه ليعتلى ما تبقى من درجات حتى غرفته صوت نعمة و هي تنهر بدور في صوت مؤنب :- ما قولنا ما تطلعيش في المطرة تودى البطاطين أوضة السطح .. اهو ده اللى نابك .. نازلة غرقانة مية من فوق و آخرتها دور ما يعلم بيه الا ربنا ..
لم يسمع ردا لبدور غير ذاك السعال الذى تردد في قوة حتى وصل الى اسماعه و اخترقها كأنه الرعد ..

لا يعلم لما توقفت قدماه عن الصعود و تسمر للحظات مكانه على اعتاب السطح ليجد نفسه يستدير عائدا ليهبط الدرج في سرعة ليختفى للحظات خارج البيت ثم يعود حاملا كيسا ورقيا .. صعد حتى وصل لبيت الحاج وهيب و امام باب شقته وقف للحظات ..
انحنى ليضع الكيس الورقى و يطرق الباب ثم يصعد في سرعة لحجرته ..

سمعت نعمة الطرق على الباب فاعتقدت انه زوجها الحاج وهيب فاندفعت تفتح في عجالة الا انها لم تجد احدهم بالباب .. همت بغلق الباب لتكتشف ذاك الكيس الورقى لتحمله في تعجب و تدخل ..
هتفت بدور التي كانت تتمدد الان على الأريكة فى ردهة المنزل تتدثر بالأغطية الصوفية من رأسها حتى اخمص قدميها .. تسعل بشدة في كل دقيقة متعجبة مما تحمل نعمة :- ايه اللى في إيدك ده يا نعمة ..!؟..

هتفت نعمة متعجبة بدورها :- ده كيس برتقان(برتقال) بس مين اللى جابه ..!؟.. يكون ابوكِ بعته .. أصل لقيته محطوط قدام الباب ..
صمتت بدور و لم تعقب لتهتف نعمة و كأنها تسأل و تجيب نفسها :- بس هيسيبه قصاد الباب ليه ..!؟.. طب ما كان جابه في أيده و هو طالع ..
ثم توجهت بالحديث لبدور هاتفة بخبث :- عارفة مين اللى جابه ..!؟..

تنبهت بدور لتعرف الإجابة .. لتستطرد نعمة بنبرة العالم ببواطن الأمور :- الراجل الصعيدى اللى فوق ..
هتفت بدور :- طب و ليه يعمل كده ..!؟.. و مخبطش ليه يدهولنا لو عايز يهادى يعنى !؟..
ابتسمت نعمة هاتفة :- يا بنتى تلاقيه عارف ان ابوكِ مش موجود مرضيش يخبط علينا و احنا لوحدنا .. أنتِ مش شيفاه طالع نازل و عينه في الأرض مبيرفعهاش ..

و اتسعت ابتسامة نعمة هاتفة :- لا.. وجايب برتقان عشان البرد .. تلاقيه عرف انك عيانة..
صمتت بدور و تذكرت صدمتها به و سقوطهما المدوى في بركة الماء فوق ارض السطح فابتسمت و لم تعلق بحرف ..

هتف احد رجال المعلم سمرى في غيظ :- جرى ايه يا معلم سمرى!!.. هو احنا هنسيب الواد الصعيدى ده عاادى كِده بعد ما علم علينا لامؤاخذة ..!!؟..
صرخ المعلم سمرى خانقا :- نسيب مين ..!!؟.. ده انا هجيبه تحت رجليا هنا يطلب العفو و السماح قدام الحارة كلها .. و الكبيرة بقى .. و ضحك ضحكة خشنة ملؤها الحقد مستطرداً:- هخليه يشهد على جوازى من ست الحسن والدلال اللى بيحاميلها و عامل لنا فيها عنتر ..

انتشى رجال السمرى و انتفخت أوداجهم ليهتف احدهم :- امتى يا معلم .. امتى ..!؟؟.. لحسن الواحد من يوميها مش عارف يرفع عينه في وش جربوع من اهالى الحارة ..
اومأ المعلم سمرى برأسه متمهلا و هو يهمس بصوت مسموع لرجاله وهو يدفع بمبسم نرجيلته بين شفتين صبغهما النيكوتين بلون ازق مقيت :- قريب .. كله جاى .. و الحساب يجمع ..

اندفع زكريا صاعداً درج بيت الحاج وهيب في حماسة و ما ان وصل للدرجات التي توصله باتجاه حجرته حتى كاد يصطدم ببدور التي كانت في طريقها للأسفل حيث شقة ابيها .. تراجع زكريا في سرعة قبل ان يصطدم بها فاصطدام واحد يكفى و يزيد.. سرعته كادت ان تسقطه مرتدا على الدرجات خلفه لكنه تماسك قدر استطاعته وهى أيضا لم تتوانى عن تقديم يد المساعدة التي مدتها ليستعيد توازنه حيث هتفت في لوعة :- حاسب يا سى زكريا ..

استعاد ثباته من جديد و انتفض من لمستها على ذراعه حيث انتشلته .. تنبهت فانتفضت مبعدة كفها و اضطربت وهى تبرر تواجدها على السطح بالقرب من حجرته :- كنت بحط لك لقمة كده على ما اُسم قبل ما ترجع .. حاجة بسيطة يا رب تعجبك ..
واندفعت مهرولة للأسفل لكن زكريا استوقفها هاتفاً بدوره :- يا ست بدور ..!!؟..
توقفت فجأة لندائه و رفعت بصرها باتجاهه ليستكمل قوله :- الحاج وهيب موچود تحت ..!!؟..

أومأت برأسها إيجابا .. فقال في عزم :- طب انا نازل .. يا ريت تبلغيه ان انى هنزله دلوجتى ..
هتفت :- طب ما تتفضل ..
قال :- ادخلى ناديه و انا نازل حالا ..
خرج الحاج وهيب لزكريا الذى طلب لقاءه و ما ان طالعه محياه حتى هتف في عزم :- بص يا حاج وهيب .. احنا خلاص بجينا اهل و كِده مينفعش الصراحة ..
متزعلش منى .. بس اى اكل هلاجيه فوج هدفع تمنه و الا و الله مانا دايجه ..

هتف الحاج وهيب :- ايه ده ..!؟ و انا اللى بقول ان الصعايدة اهل الكرم ..
هتف زكريا مؤكدا :- و الله هم فعلا اهل الكرم و الچود كله .. لكن اهل حج كمان .. و ده حجك يا حاچ وهيب .. هو انى كنت بدفعلك اجرة الاوضة عشان تأكلني بيها .. !!!؟..ده ميرضنيش
عشان كِده هزود ايچار الاوضة
هتف الحاج وهيب في استسلام :- خلاص يا زكريا يا بنى اللى تشوفه ..

هتف زكريا :- تسلم يا حاچ .
و اندفع صاعداً لحجرته مرة أخرى .. دخل حجرته ليجد صينية الطعام في انتظاره .. أنعشت الرائحة الذكية صدره و هو يرفع الغطاء عنها و شعر فجأة بالجوع الشديد امام منظر الطعام الشهى الذى جلس يتناوله في استمتاع حقيقى فقد افتقد طعام امه بشدة و هذا الطعام يحمل نفس نفسها الشهى ..

اندفع عاصم لداخل حجرة نومه بما يحمل من أكياس مختلفة الاشكال و الاحجام تتبعه الحاجة فضيلة في فرحة ..
و ما ان طالعه وجه زهرة الباسم وهو يدفع الباب والجاً الى داخل الحجرة حتى هتف في حبور:- ازيك النهاردة يا ام العيال ..!!..
اتسعت ابتسامة زهرة و شعرت بالزهو فهى ستصبح ام لاطفال ذلك الرجل الذى تعشقه روحها المتعلقة به كمن يتعلق بسبب وجوده ..
وضع الاكياس أمامها و جلست الحاجة فضيلة بدورها على الجانب الاخر من الفراش تستمتع بتلك الفرحة البادية من ولدها و نشوته التي لم يستطع مداراتها..

جلس بدوره و بدأ في فتح الاكياس بلهفة هاتفاً في حماسة :- بصى يا ستى .. بعد ما خلاص عرفنا اللى فيها ..واد و بت ..
ضحكت الحاجة فضيلة عاليا على تشبيه ابنها على ما تحمله زوجته ليستطرد عاصم بابتسامة و هو يفرد ما اخرجه من اول الاكياس البلاستيكية :- أدى يا ستى لبس الواد مهران الصغير ..و أدى لبس البت سندس .. كل الاكياس دى فيها حاچات ليهم بس ايه بجى مجلكيش ..

ردت زهرة في حبور وهى تطلع للملابس أمامها :- تعيش و تجيب لهم يا عاصم ..
هتفت الحاجة فضيلة في سعادة فائقة :- ربنا يجعلهم ذرية صالحة يارب و يرزجكم برهم .
هتف كل من زهرة و عاصم مؤمنين على دعاءها ..
نهضت الحاجة فضيلة مستأذنة لتطل على الحاج مهران و ما ان أغلقت الباب خلفها حتى اقترب عاصم من زهرة دافعا الاكياس جانبا وهو يهمس في سعادة و قد انحنى مقبلاً جبينها ثم عاد ليستقر أمامها من جديد :- مبسوطة!!؟..

احتضنت وجهه بين كفيها في عشق وهى تهمس بدورها :- مش هكون مبسوطة اكتر من كِده يا عاصم .. كل اللى طلبته من ربنا بيحققهولى .. طلبت يرزقنى بطفل منك و كان أكرم و رزقنى باتنين .. هعوز ايه تانى .. الحمد لله ..
همس عاصم بصوت متحشرج تأثرا :- الحمد لله ..
و فجأة انتفض من مكانه هاتفاً :- وااه .. نسيت الناس اللى مستنيانى تحت .. واعية .. نستينى روحى انتِ وعيالكِ ..
انفجرت ضاحكة وهى تسأله في فضول وهو يبدل ثيابه :- ناس مين دوول يا عاصم ..!؟؟..

هتف :- دوول الجزارين .. عشان ندبح عجلين لوجه الله ..
قالت زهرة :- مش لما أولد باذن الله ..!!؟..
هتف محتجا :- لاااه ..احنا مش هنتشرطوا على ربنا .. و بعدين لما تجومى بالسلامة انتى و العيال يبجى فيها حديت تانى ..
و ما ان اكمل تبديل ملابسه حتى هم بالخروج من الغرفة لكنه استدرك و عاد لزهرة مرة أخرى لينحنى في شوق هامساً :- خلى بالكِ على حالكِ ..انا عارف انكِ تعبتى من الرجدة الطويلة دى ..

هااانت .. هزت رأسها إيجابا و على شفتيها ابتسامة حبور لأهتمامه و تفهمه و زادت سعادتها عندما طبع قبلة على خدها قبل ان يندفع خارج الغرفة مغالبا
شوقه في البقاء قربها ..

كان يجلس في غرفته يحضر لنفسه كوبا من الشاي يعينه على تحمل ذاك البرد القارص و فجأة لمح ظلا ما يتحرك على السطح .. شعر برغبة عجيبة في الخروج و رؤيتها .. شعر انها هي .. ربما صعدت تحصل على بعض الأغراض من غرفة الخزين الصغيرة المقابلة لغرفته ..
ظل يسأل نفسه الف سؤال لم يستطع ان يجد الإجابة داخله على اى منها .. كل ما يعرفه انه يريد رؤيتها و التأكد انها بخير ..

لم يحدث مطلقا ان شعر برغبة كهذه تجاه اى امرأة حتى سهام ابنة عمه كان دافع حمايتها هو انها ابنة عمه و وصاية الحاجة فضيلة له بان يحرص على سلامتها .. كان يفعل ذلك بدافع الواجب ثم تلك العاطفة التي تولدت تجاهها فيما بعد .. لكن هذه المرأة التي لا يعرف .. هناك شيء خفى يجذبه اليها كالمغناطيس .. يشعر انه يشبه البحار الذى تأسره عروس البحر بسحر غنائها فلا يستطيع الفكاك حتى يجد نفسه غارقا بين الأمواج و لا قبل له على مقاومتها..

اندفع بقوة لا إرادية تجاه باب غرفته ليفتحه حتى يطالع محياها .. و اخيراً توقف مصدوما..
فما كان ذاك الظل التي تخيل الا تراقص ملابسها المنشورة على احد الأحبال بعرض السطح .. رداءها الذى يتطاير في رقة الان جعلت قلبه يتطاير كورقة شجر خريفية في مهب الريح ..

ابتسم لنفسه في حسرة و دخل مرة أخرى يحتمى داخل غرفته من الجو البارد .. يتعجب من حاله التي اضحى عليها
هو هنا بالفعل منذ عدة شهور .. و دوما ما كانت نظراته لا ترتفع لمحياها .. لكنه يشعر انه يراها .. نعم يراها و يكاد يحفظ تفاصيل وجهها عن ظهر قلب و كأنه رفع الطرف مرة اليها لتكون كافية تماما حتى تضحى قسمات وجهها الصبوح موشومة على جدار قلبه ..

تناول كوب الشاي يرتشفه ليجده قد برد بالفعل .. ارتشفه على اى حال فقد شمله دفء من نوع خاص لا يعرف كنهه ..

لكزت نعمة ابنة زوجها بدور بمرفقها لتستفيق من أحلامها وهى تطل من نافذتها المفضلة كالعادة و لكن من خلف زجاجها اتقاءا للبرد هاتفة بها في صوت خفيض حتى لا يصل الصوت لزوجها بالخارج و الذى كان يجلس على أريكته المفضلة يشاهد التلفاز :- خليكى كِده يا خايبة .. متشعلقة في حباله الدايبة ..
هتفت بدور باضطراب :- هو مين ده ..!!؟..

قالت نعمة :- قال يعنى مش عارفة ..!؟.. الصعيدى اللى طالع نازل عينه في الأرض كأنه بيدور على حاجة ضايعة منه و هو لو دقق شوية هيلاقى قلبكِ انتِ اللى مدعوك تحت مداسه ..
هتفت بدور تتصنع اللامبالاة :- و النبى انتِ فايقة يا نعمة .. حب ايه و صعيدى ايه بس ..!؟..

كل الحكاية ان الراجل نجدنا من سمرى و بجد خايفة الموضوع يقلب بمصيبة و تكون من تحت راسى ..سمرى غايب عن الحارة بقاله مدة و ده يوغوش.. حاسة انه بيحضر بلوة ربنا يستر ..
همست نعمة متجاهلة كل ما قالت بدور راغبة في استثارة غيظها :- اصله صعبان عليكى !؟ اصل هو وحدانى..!؟.. اصل هيجيله مشاكل بسببى ..!؟.. كلها حجج فاضية بس نقول ايه .. هو بيبدأ كده ..

و ما ان همت بدور بفتح فمها لتسأل عن كنه ذاك الشئ الذى تتحدث عنه نعمة حتى ابتدرتها الأخيرة تدندن في سعادة كلمات اغنية ليلى مراد .. الحب جميل ..
و تركت بدور في تخبطها و حيرتها ..

اندفعت سمية لداخل بيت ابيها و الذى اضحى أشبه بخرابة ينعق حولها البوم و تحلق فوقها الغربان .. جلست لأقرب مقعد جوار الباب تتنهد في حسرة و هي تتطلع حولها لجدران البيت و اخيراً طالعتها أمها التي كانت تجرجر قدمها أتية من الداخل ..
تحدثت أمها بصوت مرهق :- سمية .. كيفك يا بتى ..

بكت سمية في صمت هامسة :- يا ريتنى سمعت كلامك ياما .. ياريتنى فضلت هنا چارك و لا اتچوزت الچوازة الشوم دى ..
ربتت رتيبة على كتفها في محاولة لتطييب خاطرها :- خلاص .. معدش الكلام دِه يچيب همه يا بتى .. ارضى بنصيبك .. حتى عشان خاطر ولدك اللى على يدك دِه ..

هتفت سمية في ضيق :- مش جادرة .. عدلى و أمه مبهدلينى .. جلة جيمة و مسخرة في الروحة و الچاية كنهم اشترونى .. لو سليم هنا مكنش استچرى يرفع صوته علىّ .. لكن اجول ايه .. حظى و نصيبى..
هتفت أمها :- لو سليم هنا مكنش چوزك ليه من الأساس .. و معدش ليكِ غير واد عمك اللى اتچوزتى عدلى عشان تكيديه ...
تاريكِ كدتى روحك ..

هتفت سمية :- ايوه .. عاصم .. هروحله يشوف لى حل مع عدلى واد محروس .. انا خلاص مبجتش جادرة عليه و على أمه .. انا بت غسان الهوارى .. يتعمل فيا كِده .. !!..
و بدأت في النواح من جديد...

أسرعت بدور لتضع شالها على كتفها مندفعة تهبط درجات سلم بيتهم في عجالة لتصبح خارجه في ثوان معدودة متجهة بذعر لتشترى ذاك الدواء لابيها الذى فاجأته نوبة من نوبات مرضه التي تدخله في شبه اغماءة لا يبدأ الاستفاقة منها الا بعد تناوله الدواء الذى تحث السير لتبتاعه بانفاس لاهثة و خطوات متعثرة..

عادت في عجالة و ما ان همت بالولوج لبيتها حتى اعترض طريقها رجال المعلم سمرى الذى كان يقف في الزاوية يتطلع لرجاله وهم يحاصروها و هي لا تستطيع الفكاك منهم لتسرع بالدواء لابيها ..
سار المعلم سمرى بخطوات متمهلة حتى وصل للحلقة المتمثلة في رجاله و ضحك بخشونة ضحكة مستفزة اثارت اشمئزازها وهو يهمس بالقرب منها :- خلاص .. معدش بخطرك يا جميل .. برضاكِ او غصب عنكِ هتبقى حرم المعلم السمرى ..

و زاد صوته فحيحا و هو يهمس متطلعاً اليها برغبة شديدة .. و الليلة ..
كانت بدور تقف لا حول لها ولا قوة .. تتطلع اليها الاعين المحيطة بها في الحارة غير قادرين على التدخل و الزود عنها و معاداة المعلم سمرى و رجاله ..فما كان منها الا اعمال العقل و الحيلة فهتفت متصنعة الموافقة :- و ماله يا معلم .. هو انا أطول ..بس سبنى اطلع لابويا بالدوا بتاعه و يبقى الكلام بين الرجالة
مش في الشارع و على عينك يا تاجر كده ..

انفجر ضاحكاً باستهزاء :- لااا .. الكلام ده مبقاش ياكل معايا يا حلوة ..
و جذب من كفها دواء ابيها و دفع به لأحد رجاله هاتفاً :- اطلع بالدوا ده للحاج وهيب .. و قوله.. بنته بدور ..عروسة المعلم سمرى .. عنده معززة مكرمة و لما يفوق كِده و يقوم بالسلامة يبقى يحصلنا عشان نكتب الكتاب و نعلى الجواب ..

وما ان انتهى من كلماته التي جمدت بدور مكانها غير مدركة لما يحدث .. مذهوله لما يقوم به المعلم سمرى و ما وصل اليه من جنون .. هل وصل به الامر لأختطافها هكذا على اعين الأشهاد و امام كل من بالحارة حتى يتزوجها غصبا .. و رغما عن ارادتها ..!!؟؟..
استفاقت من ذهولها على كفه التي اندفعت قابضة على ساعدها جاذبة أياها خلفه كالذبيحة لتصرخ هي مستنجدة بمن حولها و لا مجير ..

على اعتاب الحارة استشعر المعلم خميس اللول صاحب مقهى الشمندورة بعض من توتر في قلب الحارة حيث الاحداث التي لا تصل اليه في أطرافها الا متأخرة نوعا ما فدفع بأحد رجاله ليستطلع له الامر و قد صدق حدسه عندما جاءه رجله يلهث هاتفاً :- إلحق يا معلم لول .. السمرى لامم رجالته و بيسحب بدور بنت الحاج وهيب من قدام بيت ابوها و عايز يكتب عليها بالعافية و ابوها تعبان فوق بيموت عنده الأزمة و محدش ادخل ينجدها من ايده ..

انتفض المعلم خميس ما ان سمع ما يحدث ليهب هو ورجاله صارخاً :- و الله ما نبقى رجالة لما الحريم يستنجدوا و ما يلاقوا اللى ينجدهم من أيدين واحد زى سمرى ده ..
و ما ان وضع المعلم لول اول خطوة لقدمه خارج مقهاه و خلفه رجاله مدججين بالعصى و الأسلحة البيضاء حتى ظهر زكريا متجها الى مدخل المقهى وما ان رأى المعلم اللول و رجاله على هذه الحالة من التأهب حتى هتف مستفسراً في تعجب :- چرى ايه يا معلم .. خير ..!؟؟.. رايح برچالتك على فين ..!؟..

اندفع احد الرجال ليقص على زكريا ما يحدث لينتفض قبل ان يكمل الرجل حكايته منتشلا احدى العصى من كف احد رجال المعلم خميس و قد اندفع لقلب الحارة بأقصى قوته و قد ابصر من موضعه كف السمرى وهى تكبل ساعد بدور جاذباً إياها خلفه في مهانة ..
لم يشعر الا وهو يطيح ذراع السمرى القابضة على بدور بعصاه صارخاً في غضب هادر:- هي حَصلَت يا خسيس ..!؟..

ما ان تدخل زكريا وكسر القيد الذى كان يكبل معصمها حتى اندفعت في ذعر لمدخل بيتها تحتمى من السمرى ورجاله و قد أغلقت بابه خشية ان يصل اليها احدهم.. ألتقطت أنفاسها في تلاحق و هي لا تصدق انها نجت من بين يدى هذا الحقير .. و نظرت من خلال شراعة الباب لما يحدث بالخارج تتابع تلك المعركة التي يدور رحاها بين زكريا و قد انضم اليه رجال المعلم خميس اللول وبين رجال السمرى...

تدخل المعلم خميس هاتفاً بصوت جهورى في المتقاتلين يحثهم على وقف التناحر فأشار المعلم سمرى لرجاله بالتراجع و كذلك فعل زكريا و رجال المعلم خميس والذى هتف مستنكرا :- دى أصول يا معلم سمرى ..!!؟.. من امتى بنات الناس بيتعمل معاها كده ..!؟

هتف سمرى مستنكرا بدوره :- لما يبقوا بنات ناس بصحيح و مش بيلوعوا اللى طلبهم في الحلال على سنة الله و رسوله ...!؟..و عشان أحميها من كلام الناس عليها من ساعة ما الصعيدى ده .. و أشار على زكريا مشمئزا و مستطرداً .. جه و سكن في البيت عندهم و الناس لسانتها مبتبطلش .. و دى بت حتتى وتهمنى ..

ما ان انتهى السمرى من كلماته المسمومة حتى اندفع اليه زكريا في غيظ بعصاه ينوى تجديد الصراع و التهجم عليه من جديد بغية خلع لسانه النجس من منبته لما تفوه به في حق سمعة بدور و شرفها ..

و قال صارخاً و المعلم لول يحول بينه و بين الوصول لعنق السمرى ليزهق روحه :- دى اشرف منيك و من اهلك كلهم يا نچس.. و انطج كلمة تانية في حجها عشان يبجى اخر يوم في عمرك النهاردة ..

انفجر السمرى ضاحكا في سخرية :- معلش.. متخدوش على كلامه .. عايز يعمل فيها سبع الرجال قدام المحروسة .. مش عيب .. بس مش مع السمرى يا واد ..عشان السمرى لما يحط عينه على حاجة هيخدها غصب عن عين التخين .. وورينى بقى يا حيلتها هتمنعنى ازاى ..!؟..
هتف زكريا في ثورة :- ورينى انت هتچوزها ازاى ..!؟.. دى مرتى(زوجتى) ..سامع يا سمرى .. مرتى ..

لا يعرف زكريا ما الذى دفعه لينطق بها كاذبا بهذا الشكل و على مسمع و مرأى من الحارة كلها .. كان يصرخ بها مؤكدا .. و كأنما يؤكدها لنفسه .. يصرخ بها و هو لا يطيق ان يسترجع مشهد السمرى منذ لحظات وهو قابض على ذراعها بهذه المهانة جاذباً أياها خلفه .. لا يطيق ان يفكر انها يمكن ان تصبح ملك لغيره .. لا يعرف متى ادرك كل تلك المشاعر المتضاربة ووجودها مختزنة داخله
لكن هاهى انتفضت حية من أعماقه متى استشعر انها ستذهب عنه بعيدا بغير رجعة ..

هو لا يدرك ما الدافع .. كل ما يدركه انه كان على استعداد لقطع يد سمرى التي تجرأت و لمستها .. لا يدرك ما معنى ذلك ..
كل ما يدركه انه يشعر انها مسؤولة منه و تخصه و ان أى سوء تتعرض له يسوؤه بشكل ما لا يدرك كنهه .. لكن يستشعره و بقوة...يوما ما كان له حبيبة لم يستطع البوح بحبها و لا استطاع نيلها رغم انه كان احق الناس بها الان .. لا و الف لا .. لن يقف مكتوف الايدى و هي تضيع امام عينيه ..

لن يقف مكبلا لا يحارب من اجل الاحتفاظ بها .. ستكون له .. و لن تكون لغيره ابدا.. فقد اكتفى من خساراته القلبية و ما عاد قادر على تحمل المزيد مهما كلفه الامر...
ظهر صوت الحاج وهيب ضعيفا و قد سار لقلب الحلقة البشرية بمساعدة زوجته و ابنته بدور .. توقف يلتقط أنفاسه و أخيرا هتف على قدر استطاعته :- يا سمرى .. بينا و بينك ربنا في عرض الولايا و بنتى مش ممكن تعمل كده عارف ليه ..!!؟.. عشان مفيش واحدة هتمشى في السر مع جوزها ..

اندفعت الهمهمات المتعجبة من كل صوب وناحية حتى من النوافذ و الشرفات التي كانت تضج بساكنيها ممن استرعى انتباههم المشهد فوقفوا يتابعونه في فضول ..

شمل الذهول ملامح الجميع حتى أصحاب الشأن أنفسهم ..وكأنما الحارة بأسرها ايقنت صدق زكريا لادعائه انها زوجته عندما هتف بها الحاج وهيب ..و على الرغم من ذلك فلقد ارتسمت ملامح الدهشة على وجه زكريا الذى اعتلاه بعض الجروح و الخدوش مما ساعده على مداراة مفاجأته بما يدعيه الحاج وهيب .. اما بدور فوقفت لا تحرك ساكنا كل ما جال بخاطرها هو النظر الى زكريا و مشاهدة اثار دهشته لتأكيد ابوها بما ادَّعاه امام الحارة بأكملها..

كانت عيناها تتعلق به وكأنما هو طوَّق النجاة الأخير لتصل لشاطئ الامل في رجل حقيقى يعوضها شبابها و يعيد اليها رغبتها في الحياة بين ذراعيه من جديد .. لقد هتف بها صارخاً .. انها زوجته .. فهل كان يقصدها بالفعل ..!؟؟.. هل هي رغبة حقيقة ظهرت من أعماقه في لحظات فارقة..ام انها شهامة و مروءة يحاول بها انقاذها من السمرى و رجاله .. !!؟..

اما المعلم سمرى فقد كانت الصدمة الأكبر من نصيبه فقد وقف مسمرا لا يأتي بأى رد فعل ينظر لرجاله في ذهول غير قادر على التصرف و أخيرا هتف في صرخة غاضبة :- طب فين قسيمة الجواز ..!؟؟.. شكلها تمثيلية ومتفقين عليها سواا..
هتف المعلم خميس بدوره مستفسراً :- اه يا حاج وهيب صحيح .. فين قسيمة الجواز !؟.
طلعها و حطها في عين التخين .

قال المعلم خميس كلمته الأخيرة بإستهزاء و هو ينظر الى السمرى الذى احتقن وجهه غضبا و حقدا ..
تحدث الحاج وهيب في هدوء واثق مؤكدا :- قسيمة الجواز موجودة .. بس احنا لسه كاتبين الكتاب امبارح .. و هي بتاخد وقت على بال ما تطلع .. بس الشيخ حسنين المأذون موجود و نسأله ..

لم يكذب السمرى خبرا و لم ييأس ليدفع بأحد رجاله على دراجته البخارية ليحضر الشيخ حسنين من بيته الذى يقع على بعد حارتين ..ليعود في لمح البصر مؤكدا ان الشيخ حسنين ليس في داره .. ليهتف سمرى حانقاً من جديد :- و لما انتوا كتبتوا الكتاب كنتوا ناوين تقولوا امتى إن شاء الله... لما تجيبوا اول عيل ..!!؟... ثم استدرك شامتا :- و لا ده انا افتكرت صحيح .. العروسة ملهاش في الخلفة ..

هنا لم يطق زكريا الوقوف ساكنا و القيام بدور المتفرج و هذا الاحمق يهين من هي زوجته على الأقل امام الناس .. فأندفع كالإعصار ليسقط على وجه سمرى بكف يده جعله يترنح متأوها كثور يخور و قد انبثقت الدماء من شفتيه ..
كان دوى الصفعة كقنبلة بقلب الحارة عم بعدها الصمت الرهيب

كان الجميع يتوقع هجوما شرسا من سمرى و رجاله و الذين تأهبوا بالفعل للفتك بزكريا الا ان سمرى مسح فمه المدمم بسطح كفه في استهانة و أشار لرجاله بالتراجع و نظر لزكريا في غل و حقد لثانيتين و أخيرا اندفع مغادراً يتبعه رجاله في صمت قطعه المعلم خميس هاتفاً في سعادة :- امبارح انكتب الكتاب يبقى النهاردة احلى فرح و احلى زفة اسكندرانى للصعيدى المجدع وعروسته و كله تحية من المعلم خميس اللول ..

و هتف في رجاله ليبدأوا في تحضيرات الزفاف الذى سيقام في قلب الحارة وعلى مسمع و مرأى من سمرى الذى كان الحقد الأعمى قد وصل به للذروة ونساء الحارة تودعه بالزغاريد المنطلقة من كل صوب و جهة تشفيا ..
اما العروسان فيبدو ان كل منهما كان في واد .. فالعروس اندفعت لتصعد درجات منزل ابيها باكية بعد إهانة سمرى لها .. اما زكريا فوقف لا يعرف ما عليه فعله ..فها هو يجد نفسه عريسا بالصدفة ..

هتف عاصم حانقاً في غضب مكتوم و هو يزرع الردهة الطويلة ذهابا و إيابا و امه الحاجة فضيلة تحاول تهدأته :- ايه الوجت دِه كله..!؟.. ايه اللى بيُحصل .. مش يفهمونا ..!؟
قال الحاجة فضيلة بهدوء حاولت به مداراة قلقها على زهرة :- اتصبر يا ولدى .. دلوجت الداكتور يخرچ يجول ايه في ..

و بالفعل ما ان انتهت كلماتها حتى فتح الطبيب باب غرفة الولادة متطلعاً لعاصم الذى اندفع اليه كالمجنون يسأله في لهفة :- ايه يا داكتور ..!؟.. مش خير ان شاء الله .!؟..
هز الطبيب راسه بألية متحدثا بنبرة عملية باردة :- خير باذن الله يا عاصم بيه .. بس انا لازم اخد توقيع حضرتك على بعض الأوراق عشان المدام لازم لها عملية قيصرية ..

هتف عاصم في ذعر بينما شهقت الحاجة فضيلة في لوعة ..:- عملية .. ليه ..!؟؟.. دى ولادة عااادى ..
تكلم الطبيب :- المدام حامل في توأم و الأجنة وضعهم مقلوب فلازم عملية قيصرية و إلا هايبقى في خطر على حياة الأجنة و الام ..
هتف عاصم في ذعر :- سترك يا رب .. و اخذ يضرب كفا بكف في قلة حيلة و أخيرا اندفع للطبيب هاتفاً في تأكيد :- يا داكتور اعمل اللازم .. بس بجول لك ايه .. انا ميهمنيش حاچة الا مرتى .. المهم هي ..اى حاچة تانى تاجى بعد حياتها سامعنى يا داكتور..!!؟..

ربت الطبيب على ذراع عاصم هاتفاً :- اطمن يا عاصم بيه .. الام و الأولاد هيكونوا كلهم بخير باذن الله .. بس انت قول يا رب .. واتفضل نمضى الأوراق .. اندفع خلفه عاصم و ترك خلفه الحاجة فضيلة تتمتم من خلفه بالدعاء الذى لم ينقطع للحظة ...

هتف الحاج وهيب مناديا عندما لاح له خيال زكريا صاعداً حجرته من خلف باب شقته التي تركها مواربا حتى يتسنى له رؤية زكريا في صعوده .. وقف زكريا ملبياً و نظراته لم تُرفع على الباب الموارب
قائلا :- نعم يا حاچ وهيب ..
أمره الحاج وهيب :- ادخل يا بنى عايزك ..

دفع زكريا الباب في هوادة متنحنحا حتى ما ان ادرك ان الطريق خال من النساء الا و تقدم باتجاه الحاج وهيب الذى نهض امرا بصنع الشاي و تبعه زكريا الى غرفة الصالون ..
أغلق الحاج وهيب الباب خلفه و جلس و هو يربت على كتف زكريا الذى كان يهم بالنهوض تأدبا ليعاود جلوسه من جديد ..
تحدث الحاج وهيب بصوت هادئ قائلا :- سامحنى يابنى .. مكنش القصد توريطك في جوازة حتى ولو بالكدب .. بس اعمل ايه !؟..

هم زكريا بمقاطعته ليوضح انه بالفعل يطلبها رغبة في ذلك .. و لا شبهة توريط في الامر. لكن الحاج وهيب أشار له بكفه ليصمت مستمعا ليكمل الحاج وهيب بنفس النبرة الهادئة..:- ما باليد حيلة .. كنت هقول ايه و سمرى بيخوض في عرض بنتى قدام الحارة كلها .. والناس بقت نيتها وحشة و محدش هيفسر وقفتك معانا جدعنة و لوجه الله ...

انا عارف ان ملكش ذنب في حاجة و حظك اللى وقفك في طريقنا..
وان ده مكنش في حسبانك و انت لسه نازل من بلدكم بتقول يا هااادى و كرم أخلاقك هو اللى خلاك تعلن قدام الناس كلها انها مراتك عشان تخرسهم .. بس انا مش طالب حاجة و لا انت ملزم بحاجة..انا هبعتها عند اهل أمها و انا هروح انا ونعمة نقعد في بلدها عند أهلها و أبيع البيت و المحل من سكات و انت تشوف حالك و قدام الناس و لحد ده ما يحصل تفضل كأنها على زمتك ..قلت ايه يابنى ..

هتف زكريا مؤكدا :- جلت انها مرتى جدام الناس كلها يا حاچ وهيب و انا كنت جاصدها وبطلبها تانى .. انا بطلب يد بتك يا حاچ وهيب .. و على سنة الله و رسوله ..و.. قاطع كلامه طرقات على باب الحجرة تعلن وصول الشاي نهض الحاج وهيب ليفتح الباب وقد تهلل وجهه بالبشرلطلب زكريا ... اشار لبدور التي تحمل صينية الشاي بالدخول ..و

ما ان همت بوضع الصينية على الطاولة امام زكريا و لا قدرة لها على رفع نظراتها تجاهه حتى هتف ابوها لها في فرحة :- قدمى الشاي لعريسك يا بدور ..
انتفضت هي متطلعة لابيها :- عريسى .. عريس مين ..!؟.. ما كلنا عارفين اللى فيها يا حاج ..
هتف الاب حانقاً :- زكريا طلبك منى و انا وافقت ..
هتفت بعناد :- بس انا اللى مش موافقة .. و خلاص قررت اتجوز سمرى ..

اندفع عاصم من موضعه الى الفراش المسجاه عليه زهرة ما ان استشعر بوادر استفاقتها .. امسك بكفها بين راحته و هو يهمس باسمها لعلها ترد باسمه او حتى تفتح عيونها تطمئنه انها بخير فما عاد يحتمل القلق عليها :- زهرة .. زهرة .. انا عاصم ..
تنبهت ببطء لاتجاه صوته و ابتسمت في وهن ونادت باسمه في حشرجة واهنة ..ابتسم لها بالمقابل و هو ينحنى يقبل جبينها و يهمس في راحة :- حمدالله على السلامة ..

ترك كفها و اندفع ينادى الطبيب المعالج ليطمئنه على حالها ..
قام الطبيب باللازم و انصرف مباركا في حبور .. عاد عاصم لموضعه الأول و هو يمسك بكفها محتضناً أياها و بكفه الاخر يملس على شعرها في حنو هامساً :- اعملى حسابك مفيش عيال تانى ..
نظرت له و ابتسامة على شفتيها و همست مستفهمة :- ليه ..!!؟..

همس صادقا :- انا دمى نشف و اعصابى بَاظت لما الداكتور جال عملية .. لااااه .. لو العيال بياجوا بالمرار ده بلاها .. كفاية علينا اللى ربنا رزج بيه .. مهران و سندس ..
ابتسمت وهى تشد على كفه المحتضنة لكفها و تساءلت :- هم الولاد فين يا عاصم ..!؟..

ربت على رأسها مطمئناً :- متجلجيش .. زى الفل بس الداكتور جال لازم يتحطوا في الحضانة كام يوم .. و قهقه مستطرداً ..و الحاچة فضيلة من ساعتها واجفة جصاد الاوضة الجِزار تطل عليهم خايفة يبدلوهم ..
أمسكت ضحكاتها رغما عنها حتى لا تتألم و اكتفت بابتسامة واسعة طلت على شفتيها في سعادة و هي ترى الابتسامة تعاود ظهورها من جديد على وجه عاصم الذى كان وجهه شاحبا مذعوراً يحاكى وجوه الموتى و هو ينقلها الى المشفى عندما فاجأتها ألام المخاض

هتفت نعمة في بدور بغيظ :- انتِ اتهبلتى و لا حصل ايه في دماغك ..!؟.. مش ده اللى كنتِ هتموتى بس عشان يرفع عينه و يبص لك.. جه لحد عندك و طالبك في الحلال و انت اللى ترفضيه .. ده جنان رسمي ..
هتفت بدور :- برضة لا .. مش هتجوزه و لو حصل ايه ..!؟.. انا حرة ..
هتفت نعمة :- لا انتِ مش حرة .. انتِ مجنونة اقسم بالله .. هو الراجل الجدع ده يتساب ..!!..
هتفت بدور و الدموع تطفر من عينيها :- ماهو عشان جدع لازم اسيبه ..

همست نعمة :- لااا.. كده كتير.. هتجنينى معاكِ .. منين جدع و منين تسيبيه و انت هتموتى عليه اهو ..!؟.. فزورة دى..!! ..و بعدين الصِوان اللى بينصبه المعلم خميس و رجالته تحت ده هنعمل فيه ايه .!؟.. هنقوله خلاص فضينا الليلة و العروسة رجعت في كلامها.!؟.. .. مش بمزاجك .. ده انت مراته قدام الناس و متقال ان اتكتب كتابكم .. خلاص اطلعى قولى الحقيقة عشان الصوان اللى تحت ده يبقى لدخلتك على سمرى يا جدعة ..

هتفت بدور و الدموع تخنق حروفها :- هو ذنبه ايه يا نعمة .. ذنبه ايه ياخد واحدة هو مش اول بختها و كمان مبتخلفش و فوق كل ده يبقى من وراها مشاكل وعداوات .. هو ميستاهلش كل ده .. هو يستاهل ست البنات
حرام يا نعمة اشبكه بيا .. حرام ..

هزت نعمة رأسها في تفهم و ربتت على كتف بدور في حنو هامسة :- بس يا بدور اذا كان هو عارف ده كله و راضى ..و ..
قاطعتها بدور هاتفة :- لااا .. هو كان بيدافع عن سمعتى و شرفى و اضطر يقول كده ..

و احنا بقى بدل ما نقوله كتر خيرك و متشكرين و نفضوها .. لا ماسكين فيه و ما صدقنا... مش هتجوزه يا بدور .. عشان خاطره هو .. عشان مصلحته .. واذا كان على الصِوان و الناس اللى تحت .. خلاص هو ينزل يقعد مع الرجالة و انا هظبط نفسى و اقعد مع النسوان فوق .. و بعد ما المولد ده يتفض خلاص .. كل واحد يروح لحاله لكن جواز و مأذون .. لااا ..

ربتت نعمة على كتفها من جديد في تفهم و لم تعقب بحرف بعد ما ايقنت انها غير قادرة على إقناع بدور بالزواج من زكريا و خرجت من غرفة بدور لتخبر الحاج وهيب الذى كان ينتظر بفارغ الصبر نتيجة ما توصلت اليه بعد ان أعيته الحيل ليدفعها للقبول بعرض زكريا الذى لا يُعوض ...وما ان طالعه محياها حتى اندفع اليها متسائلا :- هااا .. عرفتى تلينى دماغها ..

هزت رأسها نافية لكنها همست للحاج وهيب مؤكدة :- بس مطاوعهاش .. اعمل اللى انت قلت عليه ..
همس مستفسراً في تردد :- بس مش هايبقى حرام يا نعمة ..!!؟..
أكدت هامسة :- حرام لما تكون عارف و متأكد انها مش موافقة لكن احلف لك على مصحف و ابصم بالعشرة كمان انها موافقة و بتكابر ..

سأل الحاج وهيب :-فكركِ كِده.. !!؟.. يعنى اتوكل على الله ..!؟..
أكدت :- طبعا .. و من غير تأخير ..
اومأ برأسه موافقا .. و اندفع ينفذ ما اتفقا عليه من غير تأخير

صدحت الاغانى و الأنغام من قلب ذاك الصِوان الذى نصبه المعلم خميس ورجاله في قلب الحارة تحية منه لزفاف زكريا و بدور و و أخيرا بدأ الجميع في الاستئذان حتى خلا الصِوان على المعلم خميس و رجاله و الحاج وهيب و زكريا الذى شكر المعلم خميس لكل ما تكبده في سبيل احياء الليلة و إخراجها بهذا الشكل .. و اندفع زكريا و معه الحاج وهيب للبيت..

دخل الحاج وهيب لشقته ظنا منه ان زوجته و بدور بالداخل بعد رحيل جميع النساء بالأعلى.. و كذلك زكريا الذى دلف الى السطح غير متوقع لوجود احد الا انه فوجئ بوجود بعض النسوة المقربات لبدور ما ان رأينه حتى اندفعن مغادرات يصحبهمن الغمز و اللمز و الضحكات المستترة ..و المزيد من الزغاريد .. صاحبتهن نعمة في خروجهن و نزلت معهن حتى تترك العروس بصحبة العريس امام النساء ليتم اكتمال المسرحية حتى النهاية ..

وقفت بدور مرتبكة لا تعرف ما عليها فعله هل تبقى قليلا حتى التأكد من رحيل النساء او ترحل الان وفورا من أمامه.!؟..
فهى المرة الأولى التي تجد نفسها معه وحيدين .. وهي معه وبصحبته تكاد تذوب خجلاً و حياءً ..
تقدم منها في هدوء و كلما تقدم خطوة زاد وجيب قلبها أضعافا حتى توقف أمامها مباشرة و همس في ثبات و بنبرة رجولية تعشقها :- مبرووك ..
رفعت رأسها محاولة تصنع الثبات :- مبرووك على ايه ..!؟.. انت عارف اللى فيها يا سى زكريا ..

ابتسم للمرة الأولى منذ وعته عيناها و هو يهمس مؤكدا :- ما هو عشان انى عارف اللى فيها بجولك مبرووك ..
نظرت اليه مستفسرة في تعجب وابتسامته تزداد اتساعا و تزيده وسامة و محبة الى قلبها الذى يئن الان شوقاً يكاد يدميه ..
همس مستطرداً :- انا جلتها جدام الناس كلها .. و الشادر اللى تحت دِه كان لفرحنا .. الجواز اصله الاشهار مش ورجة .. و الناس كلها عرفت خلاص انك مرتى .. عشان كِده بجولك مبروك .. وهو ده اللى فيها يا مرتى ..

فغرت فاها غير مصدقة ما يقول .. ألهذا طاوعها ابوها و تركها تقول ما تريد ..!؟..
هتفت متحدية أياه :- برضك لا .. مفيش كتاب اتكتب .. و لا ورق رسمي يقول انى مراتك ..
يبقى لا و الف لا ..

ابتسم وهو يقترب منها مشاكساً :- مين جال كِده ..!؟.. انا و الحاج وهيب كتبنا الكتاب لما الشيخ حسنين كان هنا وكان محضر كل حاجة على الإمضا و لما دخلت نعمة تمضيكى في اوضتك و الحريم بره مجدرتيش تجولى لا .. و مضيتى .. و بكده بجيتى مرتى رسمي...
شهقت و هي تبتعد عنه متقهقرة للخلف في ذعر غير مصدقة انها بالفعل أضحت زوجته
لكنها استعادت ثباتها فجاة وهى تهتف :- الجوازة باطلة لانها مش بموافقتى ..
جذبها زكريا اليه مشاغبا :- طب و اللى يخليكى توافجى ..!؟..

شهقت وهى ترى نفسها مصطدمة بصدره الصلب .. نظرت اليه في صدمة غير مصدقة ما يحدث معها .. البارحة كانت تتمنى ان يتطلع فقط اليها و يرفع نظراته المسبلة دوما تجاه الأرض ناحيتها ولو للحظة و اليوم هاهى بين احضانه ينظر اليها ملأ العين و يشاكسها بتلك النظرات التي غابت فيهما كما يغيب قمر خلف الغيوم ..

انتفض كلاهما و ابتعدت هي عنه عندما أتاهما صوت نعمة من الدور السفلى تنادى بدور التي ما ان سمعت النداء حتى اندفعت ملبية و كأنه جاءها نجدة من السماء ليبعدها عن طوفان المشاعر الذى كانت تعيشه مع ذاك الصعيدى الذى يدفعها للجنون ..

هبطت في عجالة حتى ما ان طالعتها نعمة حتى دفعت اليها بصينية طعام ممتلئة و مغطاه هتفت بها وهى تغمز لها ضاحكة :- خدى ياختى عشاكم ..
تناولت بدور الصينية في صمت وهى لم تستفيق بعد من صدمة ما حدث بالأعلى وصعدت بها في تردد وقدماها تترنح .. و أخيرا ما ان دلفت لمدخل السطح حتى تركت الصينية ارضا هاتفة في عجالة :- عشاك يا سى زكريا ..

و اندفعت تهبط الدرج في سرعة و كأن الشياطين تتعقبها وضحكاته الخشنة تتبعها و كل ما يجول بخاطرها ان لا قبل لها لمواجهة ذاك الرجل الذى تملك قلبها منذ طالعته عينيها...


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 02:57 صباحاً   [24]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل الرابع

هتف الحاج مهران في فرحة غامرة مكبرا و عاصم يضع طفليه بين ذراعيه في فخر :- الله اكبر .. الله اكبر .. ربنا يحفظهم و يحميهم يا رب و يجعلهم الذرية الصالحة باذنه ..
هتف الحاج مهران بسعادة :- سمتهم ايه يا عاصم .. !!؟..
ابتسم عاصم هاتفاً بفخر :- مهران و سندس
انتشى الجد في سعادة هاتفاً :- رب يبارك فيك يا عاصم .. سميته على اسمى يا ولدى ..

هتف عاصم و هو ينحنى يقبل رأس ابيه :- هو في أغلى من اسمك يا حاچ مهران .. طب ده يا ريته يطلع نصك يا حاچ..
انحنى الجد مبتسما لأحفاده مقبلاً لرؤسهم الصغيرة هاتفاً :- هايطلع احسن منى كمان .. و البنية هاتطلع ست البنات كلهم لامها .. بلغها سلامى يا عاصم .. لو أجدر مكنتش اتأخر اروح اطمن عليها .. دى الغالية ام الغاليين ..
هتف عاصم مشاكساً :- وااه .. شكلى طلعت من الحسبة يا حاچ .. !!؟..

نظر الحاج مهران لولده عاصم في محبة خالصة و هو يهتف :-واااه ياااعاصم .. غلاوتك عندى متتجدرش ..
و أعاد النظر الى احفاده بين ذراعيه من جديد و همس في راحة :- دلوجت اموت و انا مش ناجصنى حاچة في الدنيا ..
انتفض عاصم هاتفاً :- طولة العمر ليك يا حاچ .. ربنا يخليك لينا و تشوف عيال عيالهم..
هتف الحاج مهران ضاحكاً :-عيال عيالهم ..!! طب جول اشوف عيالك انت الباجيين ..

صمت عاصم و لم يعقب حزنا على كلام ابيه فاستشعر الحاج مهران ما بولده فهتف مازحاً وهو يرى احفاده و قد بدأوا في الاستعداد للاستيقاظ جوعى :- خد يا عاصم عيالك .. شكلهم چاعوا.. ربنا يبارك لك في ذرعتك يا ولدى .. وتعيش انت لما تشوف عيال عيالهم .
انحنى عاصم من جديد يقبل هامة ابيه و يتناول اطفاله الذين بدأوا في البكاء بالفعل من بين ذراعىّ والده ..

صرخت نعمة في بدور وهى توقظها من نومها :- قومى يا منيلة .. قومى هتفضحينا ..
هتفت بدور وهى تعطى لها ظهرها لتعاود النوم مستمتعة بحلم رائع كانت تعيشه لتوها :- أقوم ليه ..!؟.. سبينى يا نعمة ربنا يخليكى ..
هتفت نعمة من جديد :- بقولك هنتفضح .. النسوان كلها طالعة تبارك لكم انت و سى زكريا ..هيشفوكى هنا يا خايبة .. نعمل ايه دلوقتى ..!!؟..
انتفضت بدور من فراشها وقد ايقنت ان ما اعتقدته حلم لم يكن الا واقع ما حدث بالأمس
وما يؤكده الان هو زغاريد النساء التي يصل اليها صداها من سلم بيتهم الداخلى ..

هبت من الفراش تدور حول نفسها هي ونعمة غير قادرتين على التصرف و أخيرا هتفت هي في عجالة :- دخليهم من باب الصالون مش من باب الشقة يا نعمة .. و انا هتسحب و اطلع على فوق و عطليهم شوية و قدميلهم حاجة ماشى ..
أومأت نعمة برأسها موافقة في سرعة وهى تدخل للصالون لتفتح للنساء بابه ليدخلوا منه وما ان استقروا داخله حتى تسحبت بدور في خفة و اندفعت خارج باب الشقة و منه تصعد السلالم في هرولة حتى ما ان وصلت للسطح منقطعة الانفاس انفعالا حتى اندفعت تطرق الباب على زكريا الذى لم يستجب لطرقاتها فهتفت في غيظ :- يا دى النيلة .. شكل نومك تقيل .. اعمل ايه انا دلوقتى ..!؟..

دارت حول الغرفة باتجاه نافذتها الجانبية لعلها تجدها مفتوحة او حتى تستطيع فتحها ..
صعدت على الأريكة الموضوعة تحت النافذة
و بدأت في معالجة النافذة حتى فُتحت بالفعل .. تنفست الصعداء وهى تضع قدمها على الجانب الداخلى منها و بدأت تدخل بجسدها و ما ان لامست قدمها سطح ما حتى تنفست في راحة و أدخلت باقى جسدها لتلقى به لداخل الغرفة لتسقط مباشرة فوق زكريا الذى كان غارق في النوم غير مدرك لما يحدث حوله و فجأة انتفض عندما سقط جسدها عليه ..

شهقت هي في ذعر و حملق هو فيها بتعجب و أخيرا ابتسم.. ثم انفجر مقهقها وهو يقول :- و الله و جاتلك على الطبطاب يا زكريا ..
هتفت هي في ذعر مضاعف وهى تراه يحيطها بذراعيه :- لا .. انت مش فاهم ..اصل ..
هتف مقهقها :- ايوه عارف .. اصل الحاچ وهيب جالك روحى انچرى اطلعى لچوزك ..
هزت رأسها رافضة في عنف هاتفة :- انت مش فاهم ..

هتف مشاكسا :- في واحدة تجول لچوزها كِده .. بس و ماله ..!؟.. فهمينى ..
هتفت وهى تجز على أسنانها غيظا محاولة تحرير نفسها من أسر ذراعيه :- .. اصل النسوان ..
و هنا ادرك ما كانت تقصده عندما صدحت زغاريد النساء وهن متوجهات للأعلى حيث حجرتهما .. فأبتسم مشاكساً :- و ماله .. يشرفوا ..
استطاعت اخيراً تحرير نفسها من قيد ذراعيه و اندفعت مبتعدة وهى تلهث من فرط انفعالها..

وهتفت في غيظ :- يشرفوا و انت على حالك ده..!؟.. و اشارت لهيئته في استحياء .. وهو يقف أمامها عار الصدر لا يرتدى الا بنطال قطنى ابيض ..
تناول جلبابه المطروح جانبا و ارتداه في سرعة و هو يفتح الباب و على وجهه ابتسامة كانت موجهة لها من الأساس و ما ان طالعه فوج النساء يعبر اعتاب السطح حتى اخفض نظراته في مقابلتهن وهو يرد على مباركتهن مندفعا للأسفل ليجلس مع الحاج وهيب حتى رحيلهن ..

دق الهاتف تلك الرنات المتتابعة التي تعرفها بخيتة جيدا و تدرك انها لا تاتى الا من ولدها القريب البعيد الذى طالما يحتل تفكيرها و يحصل على الكثير من دعواتها..
وصلت لاهثة حتى الهاتف لترفعه على عجالة هاتفة في لهفة :- ألو .. ايوه .. كيفك يا زكريا..!؟..
هتف زكريا على الجانب الاخر :- الحمدلله ياما بخير.. بخير جووى واشتغلت عند راچل طيب و في خبر كمان .. يا رب يفرحك ..

هتفت بخيتة بلهفة :- خير يا ولدى .. كل مجايبك زين و تفرح يا حبة عينىّ ..
هتف زكريا قبل ان يفقد شجاعته :- انا اتجوزت ياما ..
هتفت بخيتة في صدمة :- اتچوزت ..!؟.. ميتا..!؟ و مين العروسة يا زكريا ..!؟.. زينة يا ولدى ..!؟..
ضحك زكريا :- صبركِ عليا يا حاچة هجولك كل حاچة .. ايوه اتچوزت من كام يوم .. و العروسة بت صاحب البيت اللى سكنت فيه .. و ايوه زينة ياما و بت حلال..

تنهدت بخيتة متحسرة :- ياما كان نفسى اشوفك عريس جار عروستك يا زكريا ..
تنهد زكريا بدوره :- النصيب ياما .. النصيب.
هتفت بخيتة تبدل من نبرة صوتها المتحسرة حتى لا تحزنه:- المهم يا ولدى انها تبجى بت حلال تسعدك وتجيب لك الخلف الصالح باذن الله ..
ازدرد زكريا ريقه و لم يعقب .. لكنه هتف في محاولة لإنهاء الحديث عند تلك النقطة :- باذن الله .. دعواتكِ يا حاچة..
هتفت بخيتة :- دعيالك يا زكريا .. ربنا يرزجك محبة خلجه و مايوجعك في ضيجة ابدا يا رب و يمتعنى بشوفتك عن جريب ..

هتف زكريا مؤمنا :- اللهم امين يا حاچة ..
اعادت الحاجة بخيتة سماعة الهاتف مكانها و تنهدت و هي تستدير لتجد كسبانة أمامها تسألها في فضول :- خير يا خالتى ..!!؟.. التلفون ده من سى زكريا .. صُح ..!؟..
أومأت بخيتة وهى تجلس على الأريكة المجاورة للهاتف متنهدة لتستجلب المزيد من فضول كسبانة الممزوج بالقلق وهى تهتف :- طب مش خير .. !!؟.. ريحينى يا خالتى ..

أكدت بخيتة و هي تربت على كف كسبانة الملقى على كتفها :- خير يا بتى .. زكريا أتچوز ..
على الرغم من الصدمة التي تلقت بها كسبانة الخبر الا انها تماسكت ببراعة تحسد عليها وهى تهتف بثبات :- ربنا يهنيه .. سى زكريا يستاهل كل خير ..
همست بخيتة :- كان نفسى افرح بشوفته عريس و انچى له عروسته على حياة عينى..

بس اچول ايه ..!!؟.. الحمد لله .. اللى مصبرنى انه اهاا لجى واحدة بت حلال تخلى بالها منيه و تراعيه و انا مش چاره ..
ربتت كسبانة على كتف الحاجة بخيتة تواسيها و في نفسها تتساءل بحسرة .." و انا مين يصبرنى ..!؟.. مين يصبرنى .!؟.."..
و جاءها الجواب في حمزة، رضيعها الذى جاءها يحبو في سعادة حتى تعلق بجلبابها و ابتسامته تملأ وجهه، لتلتقطه و تضمه لصدرها و كأنها تدفن بضمته ذاك الألم الذى كان يرتع بصدرها ..

دست نعمة نفسها بجوار بدور داخل فراش الأخيرة و هي تهتف بها في غيظ :- انتِ مش هتبطلى عبط بقى و تروحى لجوزك ..!!؟..
نظرت بدور اليها نظرة جانبية و لم ترد لتستطرد نعمة بغيظ أكبر :- ما كفياكم لعبة القط و الفأر اللى انتوا شغالين فيها دى ..
انت تطلعى تحطى الاكل و تنزلى تجرى .. و هو يجى يسأل عليكى من على الباب و يمشى ..ايه ده ..!!.. انتِ عايزة ايه تانى ..!؟

واحد وقف قدام الحارة كلها و قال انك مراته و جه طلبك رسمي من ابوكِ و كتب كتابك .. عايزة ايه بقى .. !!؟..
هتفت بدور حانقة :- عايزة اصدق يا نعمة ..عايزة اتاكد انه مطلبنيش جدعنة أو عشان كلمة قالها مقدرش يرجع فيها ..
هتفت نعمة :- و الله انتوا هتجنونى .. بعد ده كله وعايزة تتأكدى .. ده انا لو منكِ امسك فيه بايدى و سنانى هو في رجالة جدعة كِده اليومين دوول ..!!؟..

صمتت بدور و لم تعقب بينما تنهدت نعمة في حسرة هاتفة بلهجة صادقة النصيحة :- بدور.. انا من ساعة ما دخلت البيت ده و انا بعتبرك زى اختى الصغيرة .. يمكن عشان لقيت فيكِ صورة منى .. يمكن عشان اتبهدلنا و شوفنا نفس الهم .. و ادينى اهو ربنا جبر بخاطرى و اتجوزت ابوكِ .. لاكبر منى صحيح بس على الأقل مريحنى و مراضينى ..لكن انت بقى ..!؟.. يا بدور الفرحة عاملة زى الضيف المجنون .. متسيبهاش تهرب منك قبل ما تخدى حقك منها .. فرصتك في الفرحة جت لحد عندك امسكى فيها و تبتى ..

همست بدور :- عندك حق .. بس انا مش عايزة افرض نفسى عليه يا نعمة .. مش عايزة احس انى حمل هو مكنش مستعد له وفجأة لقاه على كتافه ..
همهمت نعمة متفهمة ثم هتفت في ثقة :- يبقى مفيش غير حل واحد يريحكِ ..
هتفت بدور في لهفة :- ألحقينى بيه ..

قالت نعمة في هدوء :- تطلعى له و تتكلمى معاه و تشوفى اخره ايه .. و يا اما تنهوا الحوار ده و تبقى عرفتى اخرها .. يا اما تبدوه صح و على حق ربنا ..
هتفت بدور مشدوهة :- اطلع أتكلم معاه ..!!؟؟
أكدت نعمة :- اه .. و تحطى النقط على الحروف .. لكن اللى بيحصل ده مش صح .. مش يمكن هو برضة بيفكر زيك و فاكر انك اتغصبتى عليه بسبب قولته انك مراته و انك مش عيزاه ..!؟..

تذكرت بدور حوارها مع زكريا يوم زفافهما على السطح بعد رحيل النساء .. لقد أكدت بالفعل في كلامها معه انها لا تريده و لا ترغب به كزوج ..
همست داخليا لنفسها .. قد يكون كلام نعمة يحمل الكثير من الحقيقة ..
هتفت نعمة وهى تجذب بدور من الفراش :- انت لسه هتسرحى و تفكرى .. قومى ياللاه كلميه ..

أومأت بدور برأسها إيجابا و اندفعت خارج حجرتها في أتجاه باب الشقة الا ان أوقفتها نعمة ضاحكة :- يخيبك .. هاتطلعى للراجل بهدومك دى و حافية كمان ..
تنبهت بدور لملاحظة نعمة فعادت ادراجها من جديد لغرفتها و ارتدت عباءتها و توجهت بألية تجاه باب الشقة .. و استدارت و هي على أعتابه مترددة و قد قررت العودة في قرارها الا ان نعمة كانت لها بالمرصاد و دفعت بها على اعتاب الشقة بالفعل في اتجاه الدرج المؤدى لحجرة زكريا ..

همست بدور في اضطراب :- طب ابقى طلى عليا ..
أمسكت نعمة قهقهاتها :- أطل ايه ..!؟.. لااا .. انا داخلة انام .. لو اتصبحت بطلتك البهية الصبح هعرف ان الموضوع خلص على كِده.. و لو ملقتكيش .. و قهقهت كاتمة فمها بكفها مستطردة .. يبقى صبحية مباركة يا قمر و استنى صينية فطورك يا عروسة ..

و دفعت نعمة ببدور لأول درجات السلم و عادت مسرعة ادراجها تغلق باب شقة الحاج وهيب تاركة بدور مترنحة لا تستطيع ان تخطو باتجاه الأعلى حيث امل تتمنى تحقيقه و ما بين عودة لا تستطيع إتيان خطوة تجاهها ..

دخل عاصم غرفة ابيه الحاج مهران يتفقده فاذا بالحاج مهران يهتف ما ان طالعه عاصم يفتح بابه :- عاااصم .. فيك الخير يا ولدى .. تعال عايزك ..
دخل عاصم مغلقا الباب خلفه مندفعا يقبل هامة ابيه هاتفاً :- خير يا حاچ ..
ابتسم الحاج مهران قائلا :- بجولك ايه ..!؟.. انا عايز اتسبح (استحم) ..
هتف عاصم باسما :- و ماله ننادم على الحاچة فضيلة .. ما انت يا حاچ مبترضاش الا بيها ..

ابتسم الحاج مهران مؤكدا :- صُح .. بس انا عايزك انت اللى تسبحنى النوبة دى ..
هتف عاصم متحمسا :- يا سلام .. تأمر يا حاچ .. و بدأ في خلع جلبابه و عباءته و عمامته و ألقى بهم بعيدا و اندفع للحمام يحضر المغطس بدرجة حرارة مياه مناسبة ثم يعود ادراجه لأبيه هاتفاً :- بس انا مليش صالح لو الحاچة فضيلة خدت على خاطرها .. انا بجولك اهااا ..
اتسعت ابتسامة الحاج مهران هاتفاً :- لااه ملكش صالح انت .. فضيلة عتفرح للى يريحنى ..

حمل عاصم ابيه بين ذراعيه بعد ان ساعده في خلع ملابسه و ارقده في المغطس الممتلئ حتى منتصفه بالماء ..
همس الحاج مهران متنهدا :- متشال .. وشايل و متشال ..
هتف عاصم :- بتجول حاجة يابوى .. !!؟..
همس الحاج مهران :- سلامتك يا ولدى .. بتعجب على حال البنى ادم ..

جذب عاصم احد المقاعد من احد الأركان و جلس عليه ملتصقا بالمغطس ليبدأ في فرك جسد ابيه برفق ..
استطرد الحاج مهران هاتفاً :- اوعاك يا عاصم يا ولدى تتغر بجوتك و لا مالك و لا صحتك .. كله زايل في لحظة .. لحظة تفرج بين الصحة و المرض و لحظة تفرج بين الفَجْر و الغنا .. و لحظة تفرج بين الحياة و الموت ..

توقفت يد عاصم عن عملها و تنهد بقلب منقبض ولم يعقب .. ثم عاودت كفه عملها من جديد تزرع جسد ابيه ..
هتف الحاج مهران بعد فترة من الصمت مازحاً :- عارف يا عاصم .. امك دى تربية يدى ..
رفع كفيه اما ناظريه من ماء المغطس مستطرداً .. فضيلة دى ارضى اللى عمرها ما خيبت و طرحها دايما كان على هواى ..
ابتسم عاصم في محبة .. ليكمل الحاج مهران مشاكساً :- خلى بالك عليها يا عاصم ..

هتف عاصم محتجا :- واااه .. بتوصينى على امى يا حاچ .. دى فوج راس الكل ..
انفجر الحاج مهران مقهقها و سعل قليلا و أخيرا هتف و هو يدفع كتف عاصم بكفه مازحاً :- يا غشيييم .. انا بوصيك على ارضك انت .. زهرة بت خالتك .. خلى بالك منيها .. اللى يحبه ربه يا عاصم يرزجه مرة
( ست) زينة تعينه على حاله و دنيته ..

مرتك ارضك يا عاصم .. بدرت فيها المحبة هاتطرح محبة و عشج .. بدرت فيها جلة جيمة ..
و صمت الحاج مهران ليتعجله عاصم هاتفاً بمشاكسة:- عاتطرح ايه ..!؟..
انفجر الحاج مهران ضاحكاً :- هاتطرح علجم و حنضل على دماغ صاحبها ..

انفجر عاصم بدوره ضاحكاً على تعليق ابيه و أخيرا انتهى .. فعاد به محمولا لسريره من جديد و ساعده على ارتداء ملابس نظيفة و سحب عاصم الغطاء على جسده يدثره و ابيه يتمتم ببعض من ايات الذكر الحكيم..
انحنى عاصم يقبل جبين والده و يندفع حاملا ملابسه مغلقا الإضاءة و الباب خلفه تاركا ابيه يغط في نوم عميق ..

تقدمت بدور تعبر عتبة باب السطح الخشبية
بعد ان جاهدت حتى تستطيع صعود درجات السلم الفاصلة بين شقة ابيها و تلك العتبة ..
وضعت أولى خطواتها و هي تضم شالها الأسود فوق عباءتها السماوية لعلها تلتمس منه بعض من عون يساعدها على أداء ما جاءت من اجله ..
توقفت قدمها و لم تتقدم خطوة تقف مشدوهة
امام خياله الورع و همسات صلاته التي تراه يؤديها الان موليا ظهره لها ..

تقدمت في وجل لتقف قربه تراقب سجوده و ركوعه و صوته الهامس أحيانا و المرتفع في بعض المقاطع أحيانا أخرى ..
دابت في ظل التفاصيل التي كانت تحيطه بهالة ما لا تدرك ماهيتها و أخيرا انتفضت
عندما تناهى لمسامعها تحية إنهائه الصلاة ..

دفعت نفسها دفعا لتنحنى قليلا واضعة كفها على كتفه هامسة بصوت متحشرج مضطرب:- حرما يا سى زكريا ..
لم يفاجأ بوجودها و كأنه كان على علم بتواجدها من البداية .. رد هامساً :- جمعا باذن الله ..
نهض في هدوء يجمع مصلاه و يضعها بقدسية على الأريكة الوحيدة بالسطح .. لم ينظر اليها حتى .. هكذا هتفت لنفسها ..

لما يصعب عليها الامر ..!؟؟.. كادت تصرخ في وجهه متسائلة .. الا انها تماسكت و استطاعت بالكاد تحريك قدميها للوصول لتلك الأريكة و الجلوس عليها لعلها تستعيد بعض من ثباتها و جزء من رباطة جأشها التي ذهبت ادراج الريح ما ان طالعت محياه ..
كان هو يقف بالقرب من احد أسوار السطح الخالى نائيا بنفسه عن تلك الجالسة على الأريكة والتي تحتلها بمحياها .. هتف في نفسه حانقاً :- عليك ان تعيد صلاة العشاء من جديد يا زكريا ..

فما ان شعر بقدمها تطأ ارض السطح و راح خشوعه و تركيزه في خبر كان .. رائحة عطرها أسكرته و خطواتها المتثاقلة خلفه كانت كأنما تخطوها على جدران قلبه ..
لما لا تفهم انه يريدها ..!!.. لقد صرخ بها امام الحارة بأسرها .. ماذا تريد اكثر ..!!؟..
لم يعد يستطيع ان يقف مكتوف الايدى وهى هنا .. لما جاءت من الأساس .. لما لا تتركه لحاله طالما انها لا ترتضيه زوجا لها ..!!؟..

احترق الدم بعروقه و لم يعد يحتمل المزيد من ذاك القهر .. اندفع الى مجلسها و جذبها صارخاً :- جوليها دلوجت .. جوليها وانت ِطاالة في عينى.. جولى مش ريداك .. جولى انى مش الراچل اللى ..
رفعت كفها امام فمه الثائر بالكلمات و المتفجر بها كبركان يلقى حممه لتهمس و عيونها تلتمع بدمع محبوس :- انت سيد الرجالة .. بس انا عايزة اطمن يا سى زكريا .. اصل مش انا اللى يتعمل عشانها كل ده ..!؟..ليه يا سى زكريا .. ليه ..!؟..

رفع كفه بعد ان هدأت نفسه قليلا لجوابها و امسك بكفها الموضوعة بقرب فمه ليخفضها و هو لايزل ممسكاً بها هامساً بتعجب:- ايه هو اللى ليه ..!؟..
هتفت هي و قد بدأت عيونها تزرف دمعها بسخاء :- ليه عملت كل ده عشان واحدة منتش اول بختها .. و عارف انها .. و صمتت قليلا تزدرد لعابها بحسرة مستطردة .. انك مش هتشوف معاها الخلفة اللى اكيد هاتشتاق لها ..

ليه يا سى زكريا ..!؟.. لو عشان كلمة اتربطت بيها قلتها ساعة جدعنة قدام الناس او كتب الكتاب اللى انكتب .. انا بحلك من الاتنين .. منتش مجبر .. انت ..
هتف فيها صارخاً :- انا رايدك و كل اللى جلتيه ميهمنيش .. عايزة تعرفى ليه ..!؟.. مفهاش ليه يا بت الحاچ وهيب .. ربك مجلب الجلوب .. انا محدش غصبنى يوم ما جلت انك مرتى جدام الكل .. انا مش عيل صغير عشان اجول كلام و أندم عليه .. دى كلمة طلعت من جلبى جبل لسانى .. سامعة ..
انت بجى اللى بسألك ليه ..!؟..

نظرت مستفسرة بأعين فاض منها الدمع ليمد كفه ماسحا دمعها هامساً :- ليه مستجلة بحالك يا بت الراچل الطيب ..!؟.. انتِ موعياش لروحكِ..
لف كفيه حول مؤخرة رأسها ليزرع جبينها بصدره هامساً :- انا لما شفت السمرى بيتچرأ عليكى .. اقسم بالله كان هاين عليا ادفنه مُطرحه و لا يلمس طرف توبك ..

و بعد دِه كله .. تجوليلى ليه .. عشان انتِ حلالى .. عشان انا رايدك بجلبى جبل عيونى
.. عشان .. انتِ بدور ..
كانت المرة الأولى التي ينطق بها اسمها مجردا .. المرة الأولى التي تسمع اسمها منغما من بين شفتيه ...و المرة الأولى التي تعشق فيها ذاك الاسم ..
رفعت رأسها من على صدره تشهق باكية لا تكاد تصدق انه يريدها حقا ..

اخفض راسه لتقارب مسامعها هامساً :- ايوه انا مش اول بختك بس ده لا بيدى و لا بيدك يا بت الناس ..امر الله ..
مبتخلفيش .!؟.. ربك اداكِ علمه ..!!.. كله بمشيئته ..
ثم ازداد ضمَّا لها وهمسه يزداد حميمية :- و مشيئته اللى علجت روحى بيكِ من غير ما انى أكون دارى و لا واعى انكِ بجيتى غالية عندى اكتر من روحى نفسها .. شملهما الصمت لحظات و فجأة انتفضت بدور شاهقة و هي تجد نفسها محمولة بين ذراعيه فهتفت مذعورة :- في ايه يا سى زكريا ..!؟؟..
هتف مشاكساً :- مفيش يا بت الناس .. انا بضمن بس انكِ متطلعيش تچرى على تحت زى كل مرة ..

انفجرت ضاحكة و هي تتعلق برقبته هامسة:- هو حد يلاقى زيك يا سى زكريا و يطلع يجرى و لاه المفروض يتعلق برقبته و ميسبوش ابدا ..!؟...
هتف زكريا ساخراً :- في واحدة غشيمة كانت بتعمل كِده ..
قهقهت بدور :- لا .. خلاص .. الغشيمة عقلت و متبتة بأيديها و سنانها .. و شدت وثاق ذراعيها حول رقبته في تملك ..
ليهتف زكريا في نشوة وهو يتجه لغرفته :- واااه .. و الله ودعواتكِ صدجت يا حاچة بخيتة..!!..
لتعلو وتيرة قهقهاتها و هو يغلق خلفهما باب غرفته .. غرفتهما ..

دخل عاصم حجرته فنهضت زهرة من فراشها تاركة توأمها الذى راح في نوم عميق بعد إطعامهما ...
تنبهت لحال عاصم و ملابسه التي يحملها على كتفه فتعجبت متسائلة :- ايه يا عاصم .. ليه شايل لبسك كِده على كتافك .. انت جاى منين ..!؟..
رد عليها بنبرة تائهة و عقل شارد :- كنت عند أبوى .. بسبحه ..

ابتسمت في مودة وهى تربت على كتفه بعد ان جلس في إرهاق على طرف الفراش :- ربنا يديك الصحة و تخدمه و يديله طولة العمر يا رب ..
ابتسم هو ابتسامة باهتة لم تصل ابدا لعمق عينيه فاستشعرت زهرة ان هناك خطب ما فانحنت تربت من جديد على ظهره هامسة :- خير يا عاصم .. في حاجة ..!؟..

هز راسه في تردد هامساً :- مش عارف .. بس جلبى مجبوض الليلة دى ..
شعرت بحاله المضطرب فضمت راسه لصدرها و همست :- ربنا يريح قلبك .. خير يا عاصم ..بص قوم خد دش و اقرى قرأن
و بجد هاتبقى زى الفل ..

اومأ برأسه متفقا معها و نهض في تكاسل متوجها للحمام وهى تشعر بقلق بالغ على حاله
توجهت لتفتح احد الأدراج تخرج له ملابس نظيفة ليرتديها ليتناولها منها قبل ان يغلق باب الحمام في هدوء مبتسما ابتسامة باهتة و هو يهمس :- تسلميلى يا ارضى ..
لم تدرك ما كان يعنيه .. و لم تتوقف عنده طويلا فما كان يشغل بالها من الأساس هو حاله التي جاء بها من غرفة ابيه ..

دارت رأسها و لم تستطع التوصل لسبب منطقى قد تدفع عاصم لما هو عليه من تيه لكنها أكدت لنفسها ربما رغبة في طمأنة حالها
بانه سيكون افضل بعض حمام دافئ يعيد اليه هدوء أعصابه ..
خرج عاصم من الحمام ليجدها على حال لم تخفى عليه من الاضطراب فتقدم اليها في ثبات ليؤكد لها انه افضل حتى لا يزيد من حيرتها و قلقها عليه..

انحنى يقبل رأسها و يتجه ناحية باب الغرفة .. فهتفت زهرة في تعجب :- مش هاتيجى تنام يا عاصم ..!!؟.. شكلك تعبان .. و الولاد هوديهم أوضتهم..
هز رأسه نافيا و معترضاً على اقتراحها :- لااه .. خليهم چارك .. انا مش هبيت هنا الليلة دى ..
لمح الاستفسار في نظراتها فهتف مفسرا :- هبات چار ابويا ..
و خرج من الغرفة تاركا أياها و قد ازداد قلقها أضعافا مضاعفة ..

هتفت نعمة صباحا منادية على بدور من خارج شقة ابيها لتنتفض مندفعة اليها هابطة الدرج حتى تلاقيها و ما ان طالعتها بدور حتى همست نعمة متسائلة في خبث ماجن :- هااا ايه الاخبار ..!؟..

لم تعقب بدور بل خفضت رأسها في الأرض حياءاً و اكتسى وجهها بحمرة محببة .. فانفجرت نعمة ضاحكة وهى تدفع بصينية طعام مغطاة باتجاه بدور هاتفة :- طب خدى يا عروسة .. صينية فطوركم اهى .. و ألحق أفطر ابوكِ ..
تناولت بدور الصينية في سعادة و اتجهت بها لأعلى و ما ان صعدت اول درجة حتى وقفت للحظة و استدارت باتجاه نعمة هاتفة :- نعمة.!!..

تنبهت نعمة قبل ان تغلق الباب فعادت لتشرعه من جديد مستفسرة لتستطرد بدور في امتنان:- ربنا يسعدك .. لو ليا اخت مكنتش عملت اللى عملتيه معايا..
ابتسمت نعمة و لم تعقب بحرف واحد لكن تلك الدموع التي ترقرقت بمأقيها كانت اكثر من كافية للرد على ما قالته بدور ..
أغلقت نعمة الباب و اتجهت بدور للأعلى و ما ان دفعت الباب لتدخل بالصينية حتى فاجأها زكريا مازحاً و هو يأسر ظهرها لصدره ..

شهقت فزعة الا انها تمسكت بصينية الطعام في ثبات تحسد عليه و انفجر هو ضاحكاً و لم يفلتها ..
هتفت معاتبة :- كِده برضك يا سى زكريا .. كنت هوقع صينية الاكل من ايدى ..
همس زكريا مغازلا :- فداكِ ميت صينية ..

فك أسرها لتضع الطعام فوق الطبلية و يجلسا متجاورين و ما ان رفعت الغطاء حتى هتف زكريا بسعادة :- حمام محشى .. و الله زمان .
قهقهت بدور :- اومال ايه..!؟ مش عريس ..
هتف زكريا في سعادة وهى يتناول الطعام في شهية :- كتر خيرها الست نعمة و الله .. ربنا يبارك فيها ..

ابتسمت بدور في تأكيد ليستطرد :- بس بجولك ايه ..!؟.. اليومين دوول هعديها عشان انتِ لسه عروسة لكن اكل تانى ياجينا من تحت .. لااه .. مش هاكل الا من يدك و من حر مالى .. مفهوم يا بدور ..!؟..
أومأت برأسها إيجابا و هي تضع بعض من طعام في فمه ليستقبله منتشياً و يرفع كفه ليطعمها بالمثل لكنها ترفض معترضة :- كل انت يا سى زكريا ..
هتف متعجباً :- هو انتِ مش عايزة تدينى الثواب و لا ايه ..!؟..

سألت بدهشة :- ثواب ايه ..!؟..
قال و ابتسامة تطل على شفتيه وهو يضع بعض من طعام في فمها :- هو انت متعرفيش ان الراچل لما يوكل مرته بيده ياخد ثواب ..!!
هتفت بدور :- لا معرفش .. بس اذا كان كده بقى .. لا ده انا اسيب ايدى ووكلنى للصبح ..
انفجر ضاحكاً :- و انا اكل بأيه ..!؟..
قهقهت بالمثل ليستطرد مازحاً :- شوية لدنيتنا و شوية لاخترنا يا بدور ..

اندفعت ترد عليه مازحة بدورها :- مااشى .. الحق عليا .. كنت عايزة اضمن لك الجنة ..
نظر اليها في عشق هامساً :- الچنة دخلتها امبارح على يدكِ يا بدور ..
احمرت خجلاً و طأطأت رأسها و ابتسامة ناعمة تكلل ثغرها و نظرة عاشقة تطل من عينيها ..

مرت الليلة بسلام و خرج عاصم بعد تردد لمباشرة مصالحه و لكن قبل ان ينتصف النهار لاح سعيد في استراحة الاسطبل مندفعا مما جعل عاصم ينتفض في تساؤل :- خبر ايه يا سعيد .. الحاچ مهران بخير ..!!؟..

التقط سعيد أنفاسه المتلاحقة في صعوبة مؤكدا حدس عاصم بان الامر يخص أبيه :- الحچ طالبك ضرورى يا عاصم بيه و جالى ياجى لو في يده ايه ..
اندفع عاصم في عجالة صاعداً سيارته التي لا يستخدمها الا للضرورة متوجها الى سراىّ الهوارى ووصل في اقل من دقائق مندفعا الى حجرة ابيه .. منذ البارحة و هو منقبض الصدر يشعر بثقل غريب يخيم على نفسه ..

دفع باب حجرة ابيه في قلق لكنه تنهد في راحة عندما طالعه ابوه في تمام الصحة .. حتى انه بدا له كما لو لم يكن مريضا قط ..
هتف عاصم في قلق :- خير يا حاچ ..!؟؟..
أشار الحاج مهران للفراغ المجاور له في الفراش ليجلس عليه عاصم :- تعال يا ولدى..
جلس عاصم حيث اشار ابيه و القلق وصل به مبلغا عظيما ..

همس الحاج مهران و قد بدا صوته متحشرجا من اثر السعال الذى يلازمه :- اسمع يا عاصم.. لليوم ده ربيتك يا ولدى .. شيع لسهام اختك عايز اشوفها و كمان بلغ الحاچة فضيلة و زهرة انى عايزهم .. و متجلجهمش ..
اما انت يا عاصم .. ربنا يعينك يا ولدى على حملك .. دير بالك على اختك و امك دوول أمانة في رجبتك يا عاصم .. مرتك و عيالك دول ارضك و ذرعتك .. حاچى عليهم من الزمن و ربنا يكرمك فيهم يا ولدى ..

اهلك ياعاصم .. اهلك لتهلك .. دوول عزوتك و ناسك .. اتجى الله فيهم يا ولدى و في صغيرهم جبل كبيرهم .. و في أفجرهم جَبل أغناهم ..
تحشرج صوت عاصم هاتفاً :- ايه لزمته الحديت ده يا بوى دلوجت ..!؟..
هتف الحاج مهران واهنا :- دِه هو وجته .. اسمع بس .. الدورچ الأخير دِه .. و أشار لأحد ادراج خزانة الملابس القابعة في ركن الغرفة الأيمن مستطرداً و هو يجذب مفتاح معلق برقبته .. ده مفتاحه يا عاصم فيه كل الاوراج اللى تخصنى .. هتحتاچها ..

سعل الحاج مهران مما دفع عاصم للإسراع خارج الغرفة صارخاً في سعيد :- جوام .. ارمح چيب الداكتور ..
هتف الحاج مهران بصوت بدأت تخبو نبراته:- لاااه .. داكتور ايه .. هو في داكتور عايمنع جضا ربنا .. اسمع يا عاصم ..
اندفع عاصم من جديد لأطراف فراش ابيه ممسكاً بكفه يكاد يموت قهرا و عجزا امام ابيه الذى يخبو لون الحياة من وجهه تدريجيا غير قادر على التصرف حيال ذلك ..

ليستطرد الحاج مهران لاهثاً :- معيزش صراخ و عويل .. معيزش عزا و لا صوان .. كل اللى كان هايتعمل.. فلوسه خرجها على روحى صدجة يا عاصم .. ادفنى جار أبوى و اخوى غسان .. عشان اجوله انى رديت حج ولده زكريا .. اما ولده سليم فربنا يهديه و يسامحه ..
شهق الحاج مهران و بدأت أنفاسه تتلاحق مما دفع عاصم ليهتف صارخاً :- حاچ .. ياحاچ ..
و خرج ليكمل صراخه لسعيد على الرغم من علمه انه لم يعد بعد .. الداكتور فين يا وااد ..

اندفعت الحاجة فضيلة من الخارج على صوت صرخات عاصم مذعورة و بالمثل هرولت زهرة في قلق من حجرتها حيث كانت تطعم صغارها ..
تجمع الكل امام باب غرفة الحاج مهران .. و اندفعوا داخلها مذعورين لرؤية الحاج مهران بتلك الحالة و الذى همس :- وينها سهام .. شيعولها ..
اندفعت الحاجة فضيلة لام سعيد هاتفة :- سيبى اللى وراكِ و هاتى سهام في يدك و تعالى چرى ..

اندفعت ام سعيد تنفذ في عجالة و دون إبطاء و عادت الحاجة فضيلة تقف مشدوهة على باب غرفة رفيق عمرها لا تستطيع الا ان تذرف دمعا لا يبذل الا لعزيز غالى ..
أشار الحاج مهران لها فاقتربت و أمر الجميع لتركهما وحيدين و لكن قبل ان تخرج زهرة ناداها لتقترب و دموعها تغرق وجهها غير قادرة على التفوه بكلمة فهمس لها :- زهرة يا بتى .. خلى بالك على عاصم ..متسبيش يده مهما حُصل و خليكِ چاره..
ربنا مايفرجكم ابدا ..

ربت على ظاهر كفها و تركه لتندفع زهرة خارجا و شهقاتها تسبقها .. و هي تغلق الباب خلفها تاركة الحاجة فضيلة تجلس على احد المقاعد بجوار فراش الحاج مهران .. لكنها انتقلت ما ان أُغلق الباب لتجلس على طرف الفراش مقابلة له .. تجود بدمعها العزيز ..
همست الحاجة فضيلة شاهقة:- متسبنيش يا مهران .. ده انى عايشة على حسك ..
ربت الحاج مهران على كفها مطمئناً :- مش هسيبك يا فضيلة .. هكون دايما چنبك وحواليكِ ..
شهقت الحاجة فضيلة من جديد :- راضى عنى يا مهران .. !!؟..

همس بوهن متزايد :- وااه يا حبة جلبى .. راضى دى كلمة جليلة ..
و بدأ في السعال من جديد مما دفع الحاجة فضيلة لتفتح الباب تستدعى عاصم مذعورة لتندفع معه سهام من باب حجرة ابيها و قد وصلت لتوها في حالة انهيار تام و خلفها حسام زوجها ..

بكت في أحضان ابيها غير قادرة على رفع رأسها و الاستماع لما يقوله بصوته الواهن.. دفعوا بالجميع خارجا عندما وصل الطبيب أخيرا .. و الذى أقر بضرورة نقل الحاج مهران للمشفى فى التو ..
الا ان الحاج مهران رفض هاتفاً :- لاااه .. عموت على فرشتى ..

.. الا ان عاصم لم يعبء بمطلب ابيه و طلب سيارة اسعاف لنقله فقد استشعر ان الحالة اخطر من اى مرة مضت..لذا اتفق مع الطبيب على ذلك .. و ما ان عاد للغرفة التي كان بابها مواربا حتى سمع ابيه يرتل بعض من ايات الذكر الحكيم بصوت هامس مضطرب النبرات:- َوسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ
و أخيرا صمت الهمس و سكن الجسد و مال عاصم على الباب يستمد منه قوة كان احوج ما يكون اليها ..

هتف الحاج مرشدى عندما طالعه محيا زكريا قادما الى المحل بعد ان قضى الثلاث ايام الاولى فى زواجه فى اجازة منحها له ما ان علم بزفافه:- مبروك يا عريس .. الف مبروك يا صعيدى ..
ابتسم زكريا رابتاً على صدره هاتفاً فى سعادة :- يبارك فيك يا حاچ مرشدى .. ربنا يخليك لينا ..

هتف احد زملاء زكريا فى العمل مستعجبا :- لكن اتجوزت فجأة كده يا زكريا .. مش غريبة دى !؟.... ده احنا حتى مسمعناش انك خاطب او حتى حاطط عينك على واحدة ..
هتف الحاج مرشدى فى سخرية :- ما هو كِده يابنى .. الجواز ده زى القضا المستعجل لا تعرف يجى امتى و لا ازاى ..

انفجر جميع صبيان المعلم مرشدى ضاحكين على تعليقه الساخر و كان من بينهم زكريا الذى خاطبه المعلم مستطرداً فى مساخره :- بس قولى يا زكريا .. فتحت البرميل من فوق و لا من تحت ..!؟.
تعجب زكريا للسؤال :- برميل ايه لامؤاخذة يا حاچ ..!؟..

انفجر الجميع ضاحكين على جهل زكريا بمصطلحات الحاج مرشدى و فلسفته الحياتية ليستطرد الحاچ مرشدى من بين قهقهاته :- برميل الزفت يا غشيم .. ماهو الجواز عامل زى برميل الزفت على وشه شوية عسل و الباقى قطران لامؤاخذة .. فَلَو انت فتحته من فوق اهو طلت لك لحستين عسل قبل ما تدوق المر يا خفيف و لو فتحته من تحت يبقى وقع الزفت على دماغك الكريمة ..

انفجر زكريا و من معه مقهقهين حتى اجاب زكريا باسما :- لاه .. طلت لحستين عسل يا معلم ..
هتف الحاج مرشدى :- طب اشكر ربك .. و بوس ايدك وش و ضهر ..
هتف زكريا :- شكرينه و حمدينه يا حاچ .. كل مچايبه خير ..
هتف الحاج مرشدى و قد استعاد وقاره :- الحمد لله .. ربنا يهنيك يابنى .. و الف مبرووك ..
ثم هتف أمرا زكريا :- قرب ..

اقترب زكريا كما أمره الحاج مرشدى ليودع فجأة فى كفة حفنة من النقود هامساً :- ده نقوط جوازك .. عشان تفرح العروسة ..
هتف زكريا محتجا:- ده كتير يا حاچ ..
هتف الحاج مرشدى فيه ليوقف سيل اعتراضاته :- انت هتكسف ايدى و لا ايه .. خد و بلاش غلبة .. و شيلهم من سكات ربنا يبارك لك فيهم ..
هدأ زكريا ووضع المال فى جيب جلبابه وهمس فى امتنان :- ربنا يبارك لنا فى عمرك يا حاچ ..

ربت الحاج مرشدى على كتف زكريا فى محبة و اشار له :- يا اللاه .. روح شوف شغلك .. و خف على نفسك يا عريس ..
ابتسم زكريا و هو يندفع لشكائر الإسمنت من الخارج يحملها بكل همة و يضعها حيث مكانها فى داخل المحل ..

دخل عاصم السراىّ متجهما يملؤه حزن العالم
على رحيل والده الغالى ..كان يسير في تؤدة تحمله قدماه بالكاد و ما ان اقترب من الباب حتى سمع صراخ و عويل فاندفع بكل عنف لداخل السراىّ ليرى من تجرأ وخالف وصية ابيه .. وصل لقاعات الحريم فدخل هاتفاً بصوت كالرعد اهتزت له الأركان و انتفضت له النساء :- جلنا مفيش لا صراخ و لا عويل .. و اللى چاية و فاكرة صراخها و عويلها دِه الواچب .. بناجصه الواچب دِه .. اللى هاتجعد .. تجعد من غير حس يا اما تفارجنا بالمعروف ..

ساد الصمت بعد كلمات عاصم الهادرة .. و اندفع لاعلى في غضب عارم و بالفعل نهضت بعض النساء تستأذن للرحيل ..
اندفعت زهرة خلفه .. لتراه يدخل غرفتهما و يدفع الباب بعنف خلفه .. دخلت في هدوء لتجده يتناول بعض من ملابسه و يندفع ليغادر الغرفة من جديد...

ثلاثة أيام مرت منذ وفاة الحاج مهران لم تنظر فيها لوجهه او حتى تلمح عيناه و كأنما يهرب بهما بعيدا لا قبل له بمواجهة عينيها حتى انه لم يعد ينام في فراشه بل اتخذ من حجرة ابيه ملاذ له .. يلجأ اليه بعد ان ينتهى من مهام العزاء في استراحة الاسطبلات و يختفى بداخلها حتى صباح اليوم التالى ..
تنهدت في حزن على حاله و حال البيت الذى عمه الحزن و عششت عليه الكأبة منذ رحيل الحاج مهران .. دمعت عيناها لذكراه و ترحمت عليه بصوت عال ..

دق زكريا باب غرفته لتفتح بدور في لهفة لرؤيته و عادت من جديد مسرعة امام الموقد.. ليهتف زكريا :- ايه الروايح الچامدة دى ..!؟.. هتغدينا ايه يا بدر البدور..
انفجرت ضاحكة لذاك الدلال المحبب لقلبها و هتفت متعجبة لاعجابه برائحة الطعام :- ده برنجان ( باذنجان) يا سى زكريا ...
هتف ممتنا :- و ماله .. رضا .. من يدكِ هايبجى شهد ..

ابتسمت لمغازلته ووضعت الطعام على الطبلية و بدأوا في تناوله بشهية..
و أخيرا هتف متذكرًا :- اه صحيح .. خدى ..
و اخرج من جيب جلبابه بعض النقود ووضعهم أمامها على الطبلية ..
هتفت في سعادة :- ايه ده كله يا سى زكريا!!؟ ماشاء الله ..
هتف زكريا فرحا :- ده نجوط الحاچ مرشدى
لما عرف انى اتچوزت .. عطاهملى و جالى ابسط العروسة ..

انفجرت بدور ضاحكة و سعيدة تدعو للحاج مرشدى بدوام الصحة و طول العمر ثم تهمس في دلال :- عارف يا سى زكريا .. !!..
تنبه لها بكل حواسه لتستطرد :- انا فرحتى بإنك هاتفضل معايا بكرة اليوم بطوله .. اكتر من فرحتى بالفلوس و الله ..
لمعت عينا زكريا ببريق مشاكس و هو يخرج من تحت الطبلية لفافة صغيرة و يقدمها لها هاتفاً :- طب و ايه رايك .. مع زكريا و لا مع حبيبتك دى ..!!؟..
انتفضت بفرح و فضول طفلة صغيرة هاتفة :- ايه ده يا سى زكريا .. ده انا مشفتكش داخل بحاجة في ايدك ..

ابتسم لانه استطاع تمريرها وهى تعطى له ظهرها تتجه للموقد تنقذ الباذنجان قبل احتراقه
فتحتها في لهفة لتصرخ في سعادة :- بسبوسة.!!..
انفجر ضاحكاً لردة فعلها لتهتف هي في تعجب :- بس ازاى عرفت انى بحبها ..!!.. سألت نعمة ..صح ..!؟..
هز راسه نافيا و لازالت الابتسامة تكلل محياه ثم همس :- انتِ اللى جولتيلى ..

همت بالاعتراض الا انه استطرد :- في يوم كنت راچع من المحل بدرى لمحتك جدام محل الحلويات اللى على طرف الحارة ..وجفت .. خفت لسمرى او حد من رجالته يتعرض لكِ... و سمعتكِ و انت بتطلبى البسبوسة و خدتيها و مشيتى و انا وراكِ حارسك وانتِ مش دريانة لانك فتحتى طبج البسبوسة و هاتك يا اكل ..

انفجرت ضاحكة .. ليعقب هو مازحاً وهو يختطف طبق البسبوسة من أمامها و يندفع واقفا و هو يهتف :- دلوجتى نشوف بتحبى مين اكتر.. زكريا و لا البسبوسة ..!!..
اندفعت بدور تدافع عن محبوبتها تحاول ان تطالها و هو يرفعها عنها لاقصى ما تصله كفه و هو يضحك هاتفاً :- جولى .. زكريا و لاه البسبوسة ..!!؟..
لتهتف هي محاولة الوصول للطبق و إيجاد حل وسط :- زكريا بالبسبوسة ..

لينفجر زكريا ضاحكاً و هو يخفض الطبق لمستوى ناظريها لتلمع عيناها في لهفة ممنية نفسها بتذوق قطعة و مدت كفها تتناول احداها بالفعل و ما ان همت بقضمها الا و أدارت كفها التي تمسك بها و تتجه بها ناحية فم زكريا الذى ادرك انها تأثره على نفسها و تقدم له يدها ليتناول القضمة الأولى ففعل في محبة و أخيرا عادت بكفها لتضع باقى القطعة كلها في فمها لينفجر زكريا مقهقها و هو يراها تلعق أصابعها في استمتاع و همس متحسرا :- ده شكل اچازة بكرة هاتبجى للبسبوسة و خلاص راحت عليا انا بجى ..

لتهتف بلهفة و هي تضع طبق حلواها المفضلة جانبا :- متقلش كده يا سى زكريا .. طب شايف انا بحب البسبوسة قد ايه .!؟.. انا بحبك اكتر بكتييير ..
قهقه زكريا هاتفاً :- كتر خيرك .. انا عرفت كِده انك بتموتى فيا بچد ..
اندفعت بين ذراعيه ضاحكة في سعادة.

خرجت تطمئن على صغارها في حجرتهما الخاصة و تتأكد انهما على خير حال ..
قابلت الحاجة فضيلة التي كانت تصعد الدرج بعد رحيل اخر النسوة المعزيات ..

نظرت اليها زهرة في حسرة و قد ارتسم على وجهها تغضنات لم تكن موجودة على وجهها من قبل .. أضحت الحاجة فضيلة عنوان القوة و الصمود امرأة عادية يُظهرها الحزن اكبر بكثير مما هي عليه حقا .. حزنها كبيير.. زهرة تعلم ذلك جيدا .. فحبها للحاج مهران كان كبيرا أيضا .. اشفقت عليها .. فاندفعت زهرة تتلقى كفها ما ان وصلت لاخر درجات السلم لاهثة و سارت تستند عليها حتى وصلت بها لحجرتها .. مرت على حجرة الحاج مهران في طريقها فتوقفت لحظة تدنى الطرف على مقام حبيبها الذى ما عاد يسكنه ...

همست لزهرة بشجن :- لساته عاصم بيبيت في أوضة الحاچ.. !؟..
أومأت زهرة إيجابا .. و همست بدورها و قلبها يئن حزنا على حال زوجها و حبيبها:- هنسيب عاصم كده يا خالتى ..!؟.. انا خايفة عليه من الكتمة و القهرة اللى ملياه دى ..
ربتت الحاجة فضيلة على كفها مطمئنة و قد وصلت لباب حجرتها وهمست في هدوء مؤكدة :- متجلجيش .. عاصم ولدى شديد ..

أومأت زهرة برأسها إيجابا على الرغم من عدم اقتناعها و قبلت رأس خالتها و تركتها لتعود لصغارها ..
عادت لحجرتها أخيرا تحاول الحصول على قدر من النوم و الراحة بعد عناء الأيام الماضية .. لكن من أين تاتى الراحة ..!؟..
وهي تراه لا ينعم بها .. من أين يأتي النوم..!!؟.. و قلقها علي حاله يضج مضجعها..

تقلبت على فراشها لكن هيهات ان يزور النوم جفونها .. ثلاث ليال وهو بعيد .. ثلاث ليال بلا نوم .. ثلاث ليال ممزوجة بالأرق و القلق
هي لم تعد تحتمل .. ظلت بعيدة تحترم حزنه و قررت ان تتركه يتصرف كما يحلو له مراعية لظروفه النفسية الصعبة .. لكنها لن تظل بعيدة للأبد .. لن تتركه وحيدا غارق في حزنه .. فليكن ما يكون .. هكذا هتفت و هي تندفع من فراشها و تخرج من غرفتها في هدوء و حرص و تتسلل لغرفة الحاج مهران
و تفتح الباب في حذر و تدلف للداخل و تغلق الباب خلفها ..

رأته على ضوء خافت صادر من باب الحمام الجانبى على اطراف الغرفة كان دوما ما يتركه الحاج مهران رحمه الله مضاءً ..
كان يتكوم كجنين على اطراف الفراش يحتضن في تشبث وسادة كان دوما ما يرتكن عليها ابيه عند جلوسه في ساعات استيقاظه..
دمعت عيناها لمرآه بهذا الشكل .. تحركت في بطء حتى أصبحت على الجانب الاخر من الفراش و ما ان وضعت جسدها عليه حتى اصدر صريرا فتنبه عاصم لكنه لم يحرك ساكنا بل همس بحسم :- روحى يا زهرة من هنا ..انا زين ..

لم تجبه بل اقتربت اكثر حتى أصبحت تلتصق بظهره الذى يوليه أياها ووضعت كفها على ذراعه هامسة بأسمه بنبرة مستجدية رغبة في الاطمئنان عليه :- عاااصم ..!!؟..
همس من جديد بحسم اقل :- انا زين .. روحى الله يخليكِ ..

جذبت ذراعه ليواجهها فلم يعترض و استدار بكليته اليها فتشجعت و جذبت برفق الوسادة من بين ذراعيه ووضعتها جانبا ..و أخيرا ضمت رأسه لصدرها و همست :- ابكى يا عاصم .. ابكى ..
تنهد بعمق وهمس بين أحضانها :- انا شَديد يا زهرة .. انا شَديد ..

احنت رأسها لتقبل هامته التي بين ذراعيها في حنو و بدأت تهدهده في وداعة لتستشعر شهقاته التي يحاول كتمانها في أحضانها لتعتصره الى صدرها اكثر و تحيطه بذراعيها كأنما بفعلتها تطرد اشباح الحزن بعيدا .. بكت
تشاطره ألمه الذى تستشعره يلهب صدرها و يعذب روحها ..
لا تعلم كم ظلا على حالهما .. لكن كل ما تعرفه انه غفا أخيرا كالطفل بين ذراعيها ..

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 4 من 36 < 1 5 6 7 8 9 10 11 36 > الأخيرة





الكلمات الدلالية
رواية ، ميراث ، العشق ، والدموع ، موال ، التوهة ، والوجع ، رباب ، النوح ، والبوح ، العمر ، وزواده ،











الساعة الآن 04:33 PM