logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 3 من 36 < 1 2 3 4 5 6 7 8 36 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 02:41 صباحاً   [13]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع عشر

دخلت الحاجة فضيلة بهدوء الى غرفة زوجها الحاج مهران.. كانت تتوقع انه نائم كما هى عادته فى مثل ذلك الوقت من اليوم..لذا همت بالخروج.. لكنه فتح عيونه ليناديها قبل ان تفتح باب الغرفة :- فضيلة.. تعالى انا مش نايم..
وبدأ فى الاعتدال فى جلسته على قدر استطاعته.. لتستدير هى لتجلس قبالته.. من الجانب الاخر للفراش..
ليبادرها متسائلا :- كيفه ولدك.. عاود بالسلامة..!؟؟..

حاولت ان تدارى اندهاشها وهى تقول :- كنت عارف يا حاچ..!!؟...
ابتسم فى ثقة :- طبعا.. هو اكمنى بجيت أسد عجوز.. يبجى معرفش دارى بيُحصل فيها ايه..!!؟..
هتفت شاهقة :- متجلش كده يا حاچ.. !!؟.. بس انا كنت خايفة اجولك على اللى حُصل لعاصم... عشان..
قاطعها فى مودة :- عارف يا فضيلة.. عارف.. بس مش ده اللى جابك لحدى.. انتِ فى هم مضايجك ومكدرك..!!؟..

ابتسمت فى وهن وهى تتنهد :- طول عمرك حافظنى اكتر من نفسى.. صمتت لحظات ثم استكملت.. اه فى يا مهران..ولدك ومرته.. هم فاكرينى مش شايفة ولا عارفة اللى بِناتهم.. بس.. انا مش عاجبنى اللى بيحصل ده...
قهقه العجوز فى حبورمختلط بسعاله المعتاد :- واااه يا فضيلة.. كن التاريخ بيعيد نفسه صوح.. فاااااكرة..

اشتعل وجه الحاجة فضيلة خجلا.. حتى يظن من يراها الان انها فتاة فى العشرين من عمرها.. وهى تتطلع الى زوجها فى محبة..ولم تعلق بحرف..
ليستطرد هو ولازالت عيونه تحمل بريق مرح:- سبيهم يا فضيلة..هم ها يعرفوا طريجهم لبعض.. جلوبهم هدلهم..
ولما يوصلوا.. هاتتعلج روحهم ببعض.. زى ما روحى متعلجة بيكى..
أومأت برأسها وقد زادت ابتسامتها اتساعا من كلمات زوجها الاخيرة.. والذى استطرد فى لهجة عابثة :- بس جوليلى.!؟
انتبهت وارتسمت على وجهها الجدية :- خير يا حاچ !؟؟

ابتسم فى مشاكسة :- هو انت احلويتى اكتر ما انتِ حلوة.. ولا ايه اللى حُصل..!؟؟..
لتنفجر الحاجة فضيلة بضحكة مجلجلة.. وهى تهتف قائلة :- ياحاااچ.. راحت علينا خلاص..
اجاب وبريق عينيه ينطق قبل كلماته:- والله يا فضيلة.. لحد دلوجت وانت جاعدة جدامى واعيلك لِسَّه بت التمنتاشر..
اللى رأسها دايما فى السما.. ومكنش عاجبها حد.. اللى من ساعة ما دخلت دارى.. وانا مشيفش من الحريم غيرها..

واللى جمالها كل يوم بيزيد عن اللى اليوم اللى جبله.. بعجلها الكبير.. وجلبها اللى يساع الكل.. انت نعمة..
دمعت عينا الحاجة فضيلة تأثرا لكلمات زوجها.. لتقترب منه فى محبة.. لتحتضن كفه الممدودة بالقرب منها لتقبلها فى امتنان وحب.. وتلقى برأسها المجهد على حجره لتمسد كفه على ذاك الرأس المحبب.. وهو يقول كمن استطاع قراءة افكارها :- هو ده بس اللى شاغلك..!؟؟..

تنهدت :- سهام يا حاچ وموضوع حسام التهامى..!!؟..انت ايه رأيك..!؟؟..
-والله انا اسمع ان ولاد جدرى التهامى التنين ذى الفل.. وطالما عايز سهام وشاريها بجد.. يبجى وماله.. ما احنا واخدين بتهم لعاصم. وانا كمان حاسس ان سهام مياله لولدهم يبجى على بركة الله.. بس تفتكرى هايجى يتجدم تانى بعد ما عاصم رفضه وجاله انها محجوزة لواد عمها... !!؟؟..
هنا صمتت الحاجة لحظات.. ثم اجابت فى شرود..:- مش عارفة يا حاچ..!!؟..
لكن على العكس تماما... هى تعلم.. بل تعلم جيدا.. اذا كان سيأتى ام لا..

تهللت اساريرها عندما رأته يدخل لقاعة المحاضرات.. كان يبدو على محياه الإرهاق والإجهاد.. اسبوع كامل لم يأتى للجامعة واعتذر فيه عن محاضراته.. لكن يبدو انه كان اسبوع كامل من المعاناة المتمثّلة على قسمات وجهه.. وعينيه المرهقتين.. أين كان يا ترى..!؟؟.. لما غاب كل تلك الفترة..!؟.. هل كان بصحبة زوجته..!؟.. توقفت افكارها عند هذه النقطة.. تتساءل.. هل هو متزوج من الاساس..!؟..

وجدت عينيها تبحث عن كفه الأيسر.. لتتأكد.. فزفرت براحة عندما لم تجد خاتم زواج أو خطبة فى كلتا يديه..وابتسمت كالبلهاء.. وهى تشعر بسعادة عجيبة لهذا الاكتشاف.. ولم تنتبه لنداءه.. الا فى المرة الثانية.. عندما وخزتها صديقتها المجاورة لها.. لتستفيق من شرودها.. وتنتفض :- نعم يا دكتور..!؟؟..
ليبتسم هو وقد ادرك شردوها :- كنت بسرد بنود النظرية اللى أثرتيها المحاضرة اللى فاتت.. عندك اى اضافة..؟؟..
اجابت بسرعة:- لا يا دكتور.. معنديش..

ابتسم وأشار لها بالجلوس وهى تلعن شرودها الف مرة.. فقد حضرت نفسها كثيرا لتلك المحاضرة.. ووضعت العديد من النقاط لمناقشتها.. كل ذلك ضاع ادراج الريح بسبب شرودها الغبى..
وحاولت على قدر الإمكان.. ان تستحث تركيزها..ليتوجه لنقطة واحدة.. هى موضوع المحاضرة.. ولا ينحرف متوجها.. لذاك الأسمر الوسيم الذى يلقيها.. والذى يبتسم الان فى ثقة.. جعلت قلبها يخفق فى اضطراب دون سبب مفهوم...

الساعة الان قاربت الرابعة فجراً.. وهو لايزل يتقلب على فراش من جمر.. لم يزوره النوم مشفقا على حاله.. ولم يمس الكرى أهدابه.. ولو للحظات..
وكان لابد له ان يعترف.. ان سهاده راجع اليها والى التفكير فى بعدها وتباعدها.. فها هى تقرر المبيت مع سهام.. متحججة بمرضها الذى شفيت منه سهام بالفعل
وتتركه يضنيه الحنين اليها..انه يعرف انها حتى وهى معه تحت سقف واحد.. سترقد على اريكتها متحاشية إياه قدر إمكانها..

لكن وجودها فى حد ذاته بنفس الغرفة التى ينام فيها.. واختلاط انفاسه بانفاسها.. يبعث الطمأنينة بنفسه.. بنفس القدر الذى يذهب براحة باله ويثيررغبته فى الحياة والموت بين هاتين الذراعين الحانيتين.. تنهد فى ضيق.. قربها نار حارقة.. وبعادها آلامه لا تحتمل.. وما بين هذا وذاك.. يموت هو قهراً..ورغبةً.. وندماً.. وعشقاً...
انتفض من فراشه.. واندفع خارج الغرفة فى تهور..
ليصل لباب غرفة سهام وهو يلهث من فرط انفعاله..

فتح الباب فى هدوء..ليتسلل معه للداخل بعض ضوء من الردهة ليرى من خلاله جسد واحد متدثر على الفراش.. ليجيل بنظره للطرف الاخر من الغرفة.. ليرى خيالا أنثويا ميزه بسهولة.. انه لها.. تلك التى يؤرقه ويضج مضجعه مجرد التفكير فيها... وهى تقف فى خشوع تؤدى صلاة الفجر تسلل الى داخل الغرفة على أطراف أصابعه.. ليجلس على يسراها فى هدوء وما ان انتهت من صلاتها لتنهض.. حتى هتفت منتفضة:- اعوذ بالله من الشيطان الرجيم..

كاد ان ينفجر ضاحكا لولا خشيته من استيقاظ سهام والتى ولله الحمد... تغط فى نوم عميق فكتم ضحكاته هامسا:- اول كلمة اسمعها منكِ بعد رجوعى.. تبجى الاستعاذة.. مجبولة منيكى..

صمتت ولم تجب وهى تلتقط انفاسها بصعوبة..وابتسامة ما تقفز للظهور على شفتيها.. على الرغم من محاولتها وأدها.. ليستطرد هو بصوت متوسل أشبه بصوت طفل مشاكس يتحجج ليهرب من اداء واجبه المدرسى :- أنا جعااان..

جاء الان دورها لتجاهد جهاد الأبطال.. لؤد الضحكات التى كادت ان تفلت منها رغما عنها..وحمدت الله على الظلام الذى يغلفهما لحد ما.. حتى لا يرى تعابير وجهها...
جاهدت ناطقة فى هدوء :- حاااضر..
ونهضت بسرعة مندفعة خارج الغرفة لتطلق العنان لابتساماتها.. وهى تشعر به يتبعها ويغلق باب غرفة سهام خلفه.. دخلت المطبخ لتفاجأ به وراءها..

قالت فى نبرة حاولت ان تظهر متزنة :- ما تستنانى على السفرة لحد ما احضر الاكل..واجبهولك..
قال متحججاً:- لاه.. ما انا هستنى هنا.. عشان اسليكى..
هتفت فى نفسها.. يسلينى..!؟؟.. الله يكون فى عونى لأستطيع التركيز لدقائق فقط حتى احضر له بعض الطعام الخفيف..
واعود ثانية لأختبئ بغرفة سهام.. والتى كانت حاجتها إليّ
حجة رائعة لأبتعد عن طريقه وعن خطورة التواجد معه تحت سقف واحد..

حملت صينية الطعام حتى المائدة وهو يتبعها كظلها كطفل يتشبث بجلباب أمه..ليجلس أخيراً على كرسيه المعتاد على رأس المائدة.. لتهم هى بالذهاب فى عجالة فيمسك فى سرعة بمعصمها.. لترتد مرة اخرى حيث يجلس.. تكاد تصطدم به.. رغم بعض من تحكم.. جعلها تقف فى ثبات اخيرا قبل الاصطدام.. وقبل ان تشتعل عيونها غضبا كالمعتاد.. همس هو فى براءة مصطنعة:- أجعدى معاىّ.. عشان تفتحى نفسى وترك معصمها ليبعد الكرسى القريب منه عن المائدة.. ليدعوها للجلوس..لتخبو لحد ما نيران غضبها.. ويلاحظ هو ذلك.. فيبتسم فى حبور.. وخاصة بعد ان جلست بهدوء حيث أشار.. تناول الخبز وبدأ فى تناول طعامه بشهية..

كانت تهتف فى نفسها الان.. متى سينتهى هذا العذاب الاجبارى..!؟؟... ان نظراته مسلطة عليها.. لا على الأطباق أمامه.. تكاد تجزم انه يضع يده فى اى صحن تطاله دون ان يدرك اى نوع من الطعام هو..طبعا.. وكيف له التركيز فيما يتناوله.. والصحون على الطاولة.. لا على صفحة وجهها..
وكانت محقة لحد كبير..فَلَو سأله احدهم.. ماذا تناولت ؟!؟.

لأجاب لا اعرف بالضبط.. فكل ما أتذكره.. هو أننى كنت أتذوق الشهد من صفحة وجهها.. مع كل قضمة.. غيرذلك فلا أذكر..
انتهى اخيرا من تناول طعامه.. لتحمل صينية الطعام للمطبخ.. وتبدأ فى صعود الدرج.. لتجده يتبعها من جديد..
وصلت لغرفة سهام.. وهى تكاد تزغرد فى فرحة وهى تضع كفها على مقبض بابها لولم ينقلب كل ذلك فى لحظة وهو يحملها بخفة.. ويسير بها فى ثقة تجاه غرفتهما..
كانت لا تستطيع الاعتراض تحت وطأة حجابها الذى انزلق يغطى وجهها تماما وهو يحملها حتى وجدت نفسها اخيرا على قدميها.. لتندفع فى تخبط مبتعدة عنه وهى تبعد حجابها عن وجهها لتتنفس لاهثة...

لينفجر هو ضاحكا.. وهو يراها بمثل ذلك الاضطراب.. أغلق الباب.. فتحفزت هى.. ليقول بنبرة هادئة تخالف ثورتها المكبوتة :- أوضتكِ أولى بيكى... همت بالاعتراض... ليهتف.. وسهام خلاص ربنا شفاها..
تحرك للحمام.. فبدأت هى بتعديل الحجاب مرة اخرى.. على رأسها.. ليخرج ليجدها تقبع فى احد أركان اريكتها..
وتندفع للحمام.. ما ان غادره... لتغيب فيه وهويستعد ليلحق بصلاة الفجر..
وتخرج هى لتهم بالصلاة.. فيسأل متعجبا:- انتِ مش خلاص صليتى..

حركت رأسها رفضا :- كانت ركعتين السُنة اللى قبل الفجر..
ابتسم فى سعادة.. وهو يقول :- تمام.. صلى ورايا بجى..
انا لِسَّه هصلي الفجر اهو..
ووقف موليا وجهه لله.. مكبراً.. وتبعته هى.. وكل منهما فى قلبه الكثير والكثير من الامانى والدعاء..
فهل يستجيب.. مقلب القلوب..!!؟..

تحرك الحاج قدرى التهامى بصعوبة ليفتح باب داره الذى توالت عليه الطرقات.. واخيرا وصله ليفتح بوجه عابس بسبب الطرق المتواصل الذى لم ينقطع.. وما ان فُتح الباب
حتى طالعه شخص متشح بالاسود دفع الباب ليدخل فى سرعة ويغلق الباب خلفه.. ليرتد الحاج قدرى للخلف.. ليس خوفا.. بل تعجبا.. فقد كان من الواضح تماما.. ان ذاك الدخيل امرأة.. لكن من تكون..!؟؟..

سأل فى ادب :- خير يا بت الناس.. انتِ مين وعايزة ايه..!؟
هتفت صاحبة الصوت بثقة :- حمد الله بسلامة حسام ولدك يا جدرى.. بركة انه جام بخير..
اهتز الحاج قدرى لسماعه الصوت وبهت وجهه وكأنه يحاول ان يؤكد لنفسه ان استنتاجه لصاحبه الصوت صحيحا قبل ان يهتف فى نبرة ملؤها الحنين :- وااااااه يا فضيلة... والله زمان..

تحركت فى رزانة.. وهى ترفع غطاء وجهها.. وتجلس على اقرب مقعد صادفها.. وهى تقول بنبرة باردة :- أه فضيلة يا جدرى... كيفك..!!؟..
ابتسم الحاج قدرى :- بخير الحمد لله... يااااه زمن بيرمح رمح... وكنى لِسَّه شايفك امبارح.. متغيرتيش لساكى فضيلة ال..
هتفت مقاطعة :- جدرى.. بلاه الحديث اللى ملوش عازة ده... وجاوبنى على سؤال واحد..
-خير.. سؤال ايه..!؟.. انتبه الحاج قدرى فجأة.. وقد ألقى
وراء ظهره حديث الذكريات والحنين..

-ولدك.. عن جد عايز بتى..!!؟.. سألت فى جدية..
اجاب الحاج قدرى فى جدية مماثلة :- وهو فى حد لمؤاخذة
ع يهزر فى الحاجات دى..!؟؟.. ده يطير فيها رجاب..
-طيب.. حيث كده.. خلى ولدك يروح يتجدم لعاصم ويطلبها وكنها المرة الاولى..
-وايه اللى يضمن ان عاصم ميرفضوش تانى ذى ما عمل جبل سابج.. !!؟.. سأل الحاج قدرى فى حنق..
اجابت فى ثقة :- أنا أضمن.. فى اكتر من كده ضمان..!!؟.

هتف الحاج قدرى فى سرعة :- لاه طبعا.. كلمتك سيف على رجاب الكل.. وصمت لحظات ليسأل فى حيرة :- لكن معلش فى سؤالى.. ايه اللى يجيبك عشان تطلبى طلب زى ده..!؟؟.. يعنى.. غريبة شوية.. ولا انا غلطان..!؟..
اجابت فى هدوء ولم تهتز للحظة :- لاه.. منتش غلطان.. بس انا عملت كده لانى عارفة ان ولدك انسان محترم ومتربى واتمناه لسهام بتى...
رد فى حبور.. ده ولدك يا حاجة.. لتستطرد.. وكمان كان ممكن اخرج نفسى من الموضوع وكنت ممكن ابعت زهرة تبلغ واد عمها بالموضوع وخلصنا..هتف هو مؤكدا.. تمام..

لتستكمل هى حديثها... لكن انا حبيت ان الموضوع يبجى بين الكبار.. ومدخلش زهرة بيناتنا تانى..عشان.. وصمتت.. ليجيب رافعا عنها الحرج.. فاهم يا حاجة.. فاهم..
لتستكمل.. ده اللى جابنى يا حاج.. مصلحة عيالنا.. هم ملهمش ذنب فى اللى كان بناتنا زمان.. وهمست فى نفسها..كفاية عاصم.. واللى هو فيه بسببى وبسبب الكره اللى سجتهوله زمان..مش هتكون سهام كمان ضحية الانتجام..
ليهز رأسه مؤكدا :- صدجتى يا حاجة.. صدجتى..

لتنتفض من مكانها.. تغطى وجهها من جديد وهى تتجه للباب مؤكدة :- انا مجتلكش يا جدرى.. ولا انت شفتنى..
-طبعا يا حاجة.. طبعا.. مش عايزة كلام..
اندفعت خارج البيت مسرعة وهى تلقى السلام..ليلقى هو خلفها بسلام لم يصل لمسامعها بعد اختفاءها فى سرعة
وكأنها لم تكن موجودة.. وكأن هذا اللقاء كان دربا من خيال...

أغلق الباب وهو شارد فى ذكريات الماضى البعيد.. عندما كانت هى فتاة احلامه التى تمنى الاقتران بها.. وتقدم لها بالفعل.. لكن بطبيعة الحال رُفض من ِقبل رجال الهوارية.. والذين لم يروه ذاك الذى يليق بابنتهم.. وتحول الرفض.. الى عداوة دامية.. بعد هروب اخوه ناجى مع فاطمة اختها..ويصبح الوصول اليها دربا من مستحيل..
ليفاجئ بخطبتها لمهران الهوارى بن عمها.. لتتشعب بهم طرق الحياة ودروبها.. ويمضى كل منهما فى طريقه..

رؤيتها الان.. أعادت لمخيلته وايقظت فى قلبه وروحه ذكريات وخواطر.. كان يظنها دُفنت من عهد بعيد..
عادت كلها دفعة واحدة ما ان رأها.. وكأنه عاد بن الخامسة والعشرين.. ذاك العاشق.. الذى أحب ولم يطل..
وأبتسم فى حبور مرحباً بنوبات الحنين التى غمرته فتاه فيها لدرجة انه لم ينتبه لحسام الذى كان يتقدم اليه ببطء.. متساءلا فى وهن.. ليخرجه من شروده:- مين كان هنا يا حاچ..!؟؟.

ليجيب فى همس:- الماضى يا ولدى..
فيهتف حسام متساءلا :- مين..!!؟..
ليبتسم الحاج قدرى ابتسامة واسعة وهو يقول :- متخدش فى بالك يا حسام.. انت ايه اللى جومك من فرشتك.. ونزلك من فوج..؟!!..
رد حسام فى حنق:- زهجت.. انا مش متعود على الرجدة دى.. وبعدين انا الحمد لله بجيت كويس..فجلت امشى رجلى شوية..

نهض الحاج مقتربا من ولده وهو يقول متحفزا فى سعادة :- حيث كده.. تعال.. عايزك فى موضوع هيفرحك جوووى... ويخليك تجوم ترمح زى الحصان.. بس اللى اجولك عليه.. تعمله.. ومتسألنيش كيف.. وليه.. وعشان ايه..!؟.. حاكم انا عارفك.. انت تنفذ وبس.. اتفجنا..!؟..
أومأ عاصم برأسه فى حيرة وهو يهمس :- اتفجنا يا حاچ.

مالت الحاجة فضيلة على ابنتها سهام.. وهما على طاولة الافطار..تهمس فى تساؤل خبيث:- بت يا سهام.. هى لساتها زهرة بتبات معاكى فى الاوضة..!؟..
همست سهام بدورها لامها وصوتها يحمل نبرات مرحة ماجنة:- لاه.. اطمنى.. بجالها ليلتين بايته فى اوضتها.. وسيبانى وانا تعبانة..
هتفت الحاجة فضيلة معاتبة ابنتها :- ولا تعبانة.. ولا حاجة... ما انت زينة أها.. وذى الجردة...
هتفت سهام مستنكرة :- جردة.. هى دى اخرتها يا حاچة..!!

طبعا.. المهم ولدك... لكن انى مش مهمة..
انفجرت الحاجة فضيلة ضاحكة :- برضك يا سهام..!!؟؟.. ده انتى حبيبتى..
لتنفجر سهام ضاحكة بدورها:- طب ما انى عارفة..

عادت ام سعيد بباقى أطباق الفطور من المطبخ لنضم إليهما عاصم ومن وراءه زهرة.. وبدأ الجميع فى تناول طعامه.. كانت الحاجة فضيلة تختلس النظرات.. لعاصم تارة.. ولزهرة تارة أخرى.. محاولة ان تستشف ما يدور بينهما.. وتجاهد ان تكشف الحجب من خلال ردود افعالهما.. ثم ابتسمت فى سعادة.. عندما وجدت عاصم يختلس النظرات لزهرة فى محبة.. وهى لاتزل على هدوءها.. ورزانتها.. وخجلها المربك.. وهى تحاول قد استطاعتها الهرب من نظراته المتعقبة لسكناتها وحركاتها.. لتهمس الحاجة فضيلة فى نفسها.. والله ولجيت اخيرا.. حد يملك جلبك يا عاصم..

نهض عاصم من على الطاولة.. وتوجه بنظراته لزهرة..
يسألها فى تردد:- تجدرى تيجى معايا الاسطبلات.. ولا مش فاضية..!!؟..
كانت المرة الاولى منذ فترة طويلة التى يراها فيها متهللة الاسارير بهذا الشكل.. كان محقا عندما فكر فى ذلك الخاطر فسيرة الأحصنة والأسطبلات تسعدها.. وتذكرها بمهنتها التى تحبها.. فقد انتفضت فى سعادة وهى تقول :- اه طبعا.. ياريت.. انا فاضية ورايا ايه..

ابتسم بسعادة لحماسها :- طب تعالى اجهزى عشان نروح دلوجت..
اندفعت للدرج.. وهى تصعده بسرعة هاتفة :- اعتبرنى جهزت..
لتبتسم الحاجة فضيلة فى رضا ومحبة.. و تنادى عاصم.. ليندفع ملبياً قبل ان يهم بالصعود خلف زهرة..
-تعال يا عاصم.. عيزاك..
-أمرك يا حاجة..

تنحت به جانبا.. وهى تهمس له فى جدية :- بجلك ايه.. لو بفرض.. واد جدرى التهامى.. اللى كان طالب سهام جبل سابج.. چالك.. وطلبها تانى.. اوعاك ترده..
نظر عاصم لها مستفهماً :- هو ممكن يكررها.. !!؟.. حتى لو عايز.. مش هايعملها.. هايفتكر ان ممكن يجى فى بالى انه بيطالبنى برد للجميل.. اللى عمله معايا.. بشهادته فى جضيتى.. وهو الصراحة..راجل زين.. وميتعيبش.. بس كرامته هتوجعه ومش هايجى..

ربتت امه على ذراعه وهى تقول فى عجالة :- اسمع بس.. عشان معطلكش على مرتك.. انا بجول بفرض.. يعنى لو جه.. متردوش يا عاصم.. خلاص..
ابتسم عاصم :- خلاص يا حاجة.. ثم يتطلع اليها فى محاولة لكشف أغوارها.. طول عمرك بحورك غريجة يا حاجة فضيلة.. واتسعت ابتسامته مستكملاً.. بس ماشى.. هو انا أجدر اجول الا حاضر لست الكل..

انفرجت اساريرها وهى تربت على كتفه فى محبة خالصة داعية :- يحضر لك كل الخير والسعادة ياولدى.. ويرزقك براحة البال.. وهدوان السر.. يا رب..
ليهمس فى سره.. ومن أعمق أعماقه.. أمين.. وهو يتطلع لزهرة تهبط الدرج.. وقلبه يرفرف لمرأها..
انتظرته.. حتى انتهى من ارتداء ملابسه على عجالة.. ونهضت مسرعة عندما رأته.. هابطا الدرب.. وهى تكاد تطير فرحا... ابتسم لها هاتفاً :- يا الله بينا..

سارا جنبا لجنب حتى ادخلها السيارة.. واستدار ليركب امام مقودها منتشيا.. وما هى الا لحظات.. حتى كان منطلق بها.. كانت تغمره سعادة غير طبيعية لمرأها سعيدة بهذا الشكل.. اختلس نظرة جانبية اليها.. ليجدها تتطلع الى المقعد الخلفى.. ثم تشيح بوجهها بعيداً وقد اعتلت قسماته المحببة بعض من حزن.. لم يدرك مباشرة.. ما سبب هذا الانقلاب المزاجى... ولما كانت تنظر تلك النظرات المبهمة للمقعد الخلفى.. وفجأة.. تذكرانها نفس السيارة التى اختطفها فيها.. وذاك المقعد.. هو نفسه الذى ألقيت فيه لساعات.. لا تعرف لما..ولا الى أين..!؟..

لعن الصدفة التى دفعت به لركوب هذه السيارة فى هذا الوقت بالذات.. فهو نادرا ما يستخدمها الا فى أسفاره..
ويفضل السيارة القديمة.. او فرسه..
نظر من النافذة محاولا استنشاق اكبر قدر من الهواء النقى ليهدأ سخطه.. ومد يده ليضغط على مشغل الاغانى ربما يكون قادرًا على تغيير بعض من ذاك المزاج الذى تعكر لذكرى قاسية اجترتها... فصدح المذياع شادياً...

جيتك.. وشايل معى.. حقائب الدنيا اعتذار جيتك وكلى الم.. وبأيدك انت الاختيار..
يا ترى... هل تسمحين..!؟..
يا ترى... هل تصفحين..!؟..
أنا طفلك... أنا رجلك..
أنا بعضك... أنا كلك..
غير حبك.. غير حضنك.. مالى فى الدنيا.. دار..

أرهف السمع لتلك الكلمات.. والتى لو أراد ان يعبرعن ما يجيش بصدره.. ما وجد اروع منها كلمات لتصف حاله.
اشتدت كفاه تشبثاً بالمقود وهو يختلس اليها النظرات.. هل سمعت ووعت تلك الرسالة..!!؟؟.. وجاءه الجواب..
اسرع مما تخيل عندما وجدها تدارى وجهها فى النافذة.. وتحاول وأد دمعات خانتها وانحدرت على خديها..

نظراتها للمقعد الخلفى إعادتها لذكرى دامية.. هى حقا لا تعرف ان كانت تعتبرها ذكرى سعيدة ام تعيسة..شطريها لازالا يتنازعانها.. احدهما يوصم الذكرى بالتعيسة فمنذ تلك اللحظة تبدلت حياتها كلياً.. والآخر يؤكد على روعة الذكرى فلولا ما حدث.. واختطافه لها ما كانت هنا الان..

انها تبكى.. لا تبكى الذكرى.. بقدر ما تبكى تشتتها واضطرابها.. وها هى تلك الكلمات التى صدح بها مذياع السيارة..توقظ فى شطرها المحب له الامل.. منذ عاد من
محبسه.. وهى تلاحظ تغيرفى معاملته لها من جديد..
فهو يحاول ان يقدم اعتذار لها عما كان منه.. فهل تقبل اعتذاره.. !!؟.. هل تحاول ان تبدأ صفحة جديدة فى تعاملها معه..!؟؟.. هل.. وهل..!!؟.. عشرات الأسئلة انهكتها..
ولا تعرف ماذا عليها ان تفعل..!!؟..

هتف هو اخيرا فى نفسه..حمد لله.. فلقد وصلنا بالفعل للأسطبلات..
فربما تعيدها تلك الزيارة لمزاجها المنشرح من جديد..
ترجلت تسبقه.. فقد كانت تريد استعادة رباطة جأشها...

مر بها على جميع الاسطبلات فى جولة سريعة.. وتنبهت فجأة ان تلك المنطقة التى كانت دوما تعج بالرجال.. خالية تماما وكأنها مهجورة تقريبا.. حتى من العاملين فيها.. هل أخلى المنطقة أكراما لزيارتها..!!؟.. سألت وشعورمن سعادة يتسلل لداخلها لتبدأ فى استعادة انشراحها السابق.. وها هما الان امام أسطبل عزيزة الذى دخلته فى السابق.. كادت تقفز فرحا..فلطالما عشقت الخيل.. وعزيزة لها معزة خاصة..

وكان عشقها هذا سبب فى تصميمها لدخول كلية الطب البيطري.. لطالما تمنت تملك احداها.. لكن أين وكيف..!؟؟
همت بالتوجه لعزيزة ترحب بها فى فرحة.. الا ان عاصم أمسك بكفها يجذبها خلفه فى سعادة.. حتى وصلا لأحد الأركان.. وقعت عيناها على مهرة جميلة بلون العسل..

وقعت فى هواها فوراً.. اقتربت منها المهرة فى مودة.. وكأنها تعرفها منذ زمن.. تتطلع لقطع السكر من يدها.. حركتها الحميمة دفعت الضحكات على شفتى زهرة..
عندها اقترب منها عاصم ليكون خلفها تماما و فى فرحة.. مال قليلا ليهمس فى أذنيها :- شايفة عرفاكى كيف..!!؟..
رفعت رأسها لتصطدم بعيونه فتضطرب وهى تسأل بصوت مهزوز النبرات :- أنا برضة مستغربة..!!؟..
ابتسم وهو يجيب بنفس الصوت الهامس:- كيف تنساكى.. ولولاكى ما كانت جت ع الدنيا..!!؟؟..

قفزت زهرة فى تلك اللحظة فى سعادة :- بجد..!؟.. هى دى الفرسة اللى اتولدت على أيدى..!؟.. أومأ فى حبور.. لتكمل هى تساؤلها المبتهج.. هى دى بنت عزيزة..!؟..
لينحنى هامسا من جديد.. :- هى دى زهرة..
توقفت فجأة قفزاتها المحمومة بالفرحة.. لتستدير بكليتها تواجهه وهى تعتقد انها لم تسمعه جيداً كما يجب.. وعيناها تحمل تساؤل..هل انت جاد فى ما تقول..!!؟..

ليبتسم مجيبا :- ايوه.. هى دى زهرة.. اللى هديتهانى يا زهرة..
وتذكرت تلك الرسالة الغامضة التى كتبها بداخل هديته المنحوتة على هيئة زهرة رائعة الجمال و التى وضعتها جانباً فى احد رفوف خزانة الملابس التى لم تستعملها بعد.. ولا تعلم ان كان سيتاح لها فرصة استخدامها اذن.. فقد أعطى المهرة الرائعة اسمها.. اسمى مهرته الجميلة اسم زهرة..

كان اضطرابها على أشده.. وخاصة مع تلك النظرات الحانية التى يغمرها بها.. والتى تجعل تعقلها فى سبات عميق.. وتدفع قلبها للقفز فرحا كالابلة.. لتبدأ الأعياد بجوانب صدرها على دقات نبضاته الماجنة..
أخذ ثانية بكفها.. ليعود بها لعزيزة و التى أنقذتها زهرة من موت محقق..
هللت الفرسة وكأنها تعرفت عليها.. وأطلقت صهيلا خاصا مرحبة بها جعل عاصم يقترب مقهقها لترحاب الفرسة بزهرة بهذه الطريقة..وقف على الجانب الاخر من الفرسة.. وأصبح بالكاد يرى زهرة التى تناهز عزيزة طولا..
قال مبتهجا:- عزيزة فرحانة بيكى..

ابتسمت فى خجل ولم ترد ليتحرك وهو يربت على عنق الفرسة ثم رأسها ليصبحا الان على نفس الجانب من الفرسة التى بدأت فى مشاكسة عاصم رغبة فى قطع السكر التى يكافئها بها.. فأطلقت زهرة بأريحية ضحكاتها على صنيع الفرسة جذبت أنظاره اليها كالمغناطيس ليتوه لحظات فى تلك الضحكات الرنانة التى يرقص قلبه الان على نغماتها والتى نادرا ما يسمعها.. جذب أنظاره عنها بصعوبة..

عندما وجدها تطأطأ رأسها خجلا وقد تنبهت لنظراته.. وضع كفه فى جيب جلبابه يخرج بعض قطع السكر من اجل الفرسة.. مكافئ لها.. فهى من جذبت بمشاكساتها تلك الضحكات الندية.. اقترح فجأة :- عايزة تأكليها.. وهو يمد يده بقطع السكر لزهرة.. تناولت منه بعضها فى فرحة.. ومدتها لعزيزة التى تناولتها مسرعة بسعادة..
همست زهرة معجبة بالفرسة :- فرسة جميلة..

ليؤكد عاصم :- اه.. فعلا جميلة.. ثم يستطرد.. عمرك ما ركبتى فرس.. وحرفية.. وقد تراجعت هى للخلف خطوات.. تتركه يعمل بجد.. وسؤالها المعلق لم تجد له جوابا الا عندما انتهى من وضع السرج لعزيزة وتطلع بكفه الممدودة لها.. فظلت مشدوهة مترددة ما بين كفه وعينيه التى اتسعت ابتسامتها.. واخيرا.. وضعت كفها فى احضان
كفه.. ليقبض عليها بلطف وترتعش هى كالعادة ليجذبها كليا الى احضانه.. وقبل ان تتنبه.. تجده يحيط خصرها بكفيه وفجأة وفى أقل من ثانية.. تجد نفسها على صهوة الفرسة..

ابدا لم تكن بتلك الخفة التى شعرت بها وهو يدفعها لاعلى صهوة الجواد فقد شعرت بأنها كالريشة..
واجتاحتها سعادة غامرة وهى فوق ظهر الفرس.. تنظر اليه من علياءها.. وهو يتطلع اليها.. ونظراته تشع بهجة لا توصف كانت نادرا ما تراها مرسومة فى هاتين الحدقتين التى تأسرها الان.. وجدت نفسها تبتسم له بشكل تلقائي عفوى.. تعجبت له.. ولكن..

تلك الابتسامة غابت فجأة.. وحل محلها التشنج والتوتر.. عندما وجدته.. فى لمح البصر..يقفز ليستقر على صهوة الفرس خلفها..يمد كفه ليمسك بلجامه..لتصبح هى اسيرة صدره وذراعاه.. وفجأة يلكز الفرس بخفه.. لتتحرك متهادية.. فتنتفض زهرة مرتعبة.. فعلاقتها بالأحصنة.. كانت دوما علاقة ارضية.. تفحصهم وقدماها على الارض.. ابدا لم تكن فى ذاك الموضع منهم فى يوم ما.. ولم تجرؤ يوما على اعتلاء صهوة احدهم.. ولا حتى فى أحلامها..

تلك الانتفاضة.. كان من اليسير علي عاصم ان يستشعرها وكيف لا.. وهى الان بين ذراعيه حرفيا..
همس بصوت متحشرج :- متخافيش.. انا معاكى..
بدأت زهرة تعتاد الامر قليلا.. عندما بدأت الفرسة فى السير متبخترة.. لكن لازال تشنجها على حاله.. ليس فقط خوفا من سقوطها من على صهوة عزيزة.. ولكن.. خوفا من ذاك الإحساس الذى بدأ يتسلل اليها.. احساس بالامان.. وهى محاطة بذراعاه.. وقريبة بهذا الشكل من صدره..

بدأت الفرسة تدريجيا فى زيادة سرعتها.. وبدأت هى ايضا بشكل عفوى فى التعلق به.. حتى اصبحت بالفعل ملتصقة تحتمى بصدره وذراعاها تتشبث به.. شعر بخوفها
فحث الفرسة على الإبطاء.. لتعود سيرتها الاولى..
همس فى أذنها:- عجبك ركوب الفرس.. ؟؟!؟
لتهمس بصوت مرتعش:- أه.. جداا..

ليعاود الهمس فى أذنها بصوته المتحشرج الذى تخالطه نبرات البهجة :- مش اكتر منى..
ابتسمت محاولة رفع رأسها مستفهمة:- ليه..!؟.. هو انت اول مرة تركبها انت كمان ولا ايه..!!؟..
ضحك بأريحية اربكتها مجيبا:- لاه.. ثم صمت قليلا ليعاود الهمس بالقرب من أذنها.. بس أول مرة أركبها معاكِ..
ابتسمت فى خجل.. وللعجب وجدت نفسها على الرغم من بطء الفرسة متشبثة به ملتصقة باحضانه ولا تريد الابتعاد.. وكانما هناك ما يجذبها للبقاء حيث هى.. ولا قبل لها.. لتغادر..

-عارفة..!؟.. سأل هامسا.. ليخرجها من خواطرها المخجلة نفسى حياتى تبجى كلها فوق الفرسة..
سألت بصوت متهدج تأثرا :- اشمعنى..!؟..
اجاب وهو يقترب اكثر من أذنها ويهمس بعشق :- عشان تبجى على طول.. زى ما انتِ كده..جريبة من جلبى..

وللمرة الاولى.. الاولى تماما.. ترفع نظراتها اليه ولا تكون نظرات نارية متحدية.. تمور بالغضب.. بل نظرات عاشقة نظرات هائمة.. نظرات تحمل الكثير وتقول الكثير..
نظرات جعلته يتشبث بها قريبة من صدره وهى ابدا لم تمانع.. بل كانت أكثر من مرحبة.. مما جعله ينطلق بالفرسة.. بسرعة كبيرة وهى بين احضانه لا تخشى شيئا..ينطلق حيث مكانه المفضل.. الذى ينطلق اليه.. كلما أهمه أمر ما.. بعيدا عن الاعين المتطفلة..

عند تلك التبة الجبلية التى يسلك لها طريقاً مهجوراً من مكان الاسطبلات.. ليصلا له فى دقائق ليتوقف بها.. على قمة تبته المفضلة.. والتى تشرف على الكفر كله من الأعلى.. تراه من بعيد.. وترى السراىّ سامقة عريقة من البعد.. كان منظراً مهيباً.. جعل روحها تحلق بعيدا فى هدوء ووداعة.. عيناها تتطلع اليه.. تراه ملكاً يطل على رعاياه من علياءه.. والاهم.. انه لازال يضم ذراعاه حولها.. أسرا إياها لاحضانه.. التى ما عاد لديها ادنى شك.. انها هى المكان الذى تنتمى اليه..

هى الوطن الذى بحثت عنه طويلا.. ليستوطن فيه جبينها..
لا تعلم كم مر من الوقت وهى معه.. على صهوة ذاك الجواد.. كل ما أدركته.. انها كانت هناك.. حيث لا مجال لانتقام او حقد او عداوة.. كانت بقربه وقد شعرت وللمرة الاولى.. بأنها أمنة تماما.. وان تلك الوساوس القديمة التى لطالما كانت حاجز بينهما.. قد تلاشت.. وشعرت انها تتمنى نفس أمنيته.. ان تعيش معه على صهوة الجواد العمر كله.. بعيدا عن الارض وصراعاتها.. وبالقرب من قلبه كما تمنى هو.. وكما تتوق هى وبشدة..

عادا الان للاسطبلات.. يترجل فى حسرة لانه سيبعدها عن صدره..تطلع اليها وهى لاتزل بالأعلى بنظرات تمور بعشق فاضح مد كفيه لخصرها فلم تعترض بل ازداد وجيب قلبها خجلا وشوقا.. رفعها ببطء عن صهوة الفرس.. ليدنيها من صدره حتى انزلها برفق وهى قابعة بين احضانه.. لا تصدق أن قدماها لامست الارض أخيرا.. بعد تلك الرحلة التى ما تمنت شيئاً.. الا امتدادها للأبد..

لم تكن لديه الرغبة فى إفلاتها من أسر احضانه.. ولم تكن هى بأقل منه رغبة فى البقاء..
همس بصوت يموج سعادة :- مبسوطة..!؟..
أومأت برأسها وهى تجيب هامسة بدورها وبصوت يذوب خجلا:- مكنتش مبسوطة فى حياتى.. أكتر من دلوقتى..
همس مشاكسا والابتسامة تكلل محياه العاشق.. وهو يشدد من جذبها لاحضانه أكثر :- دلوجتى..!؟؟.. ولا لما كونتى على الفرسة..!!؟..

تنبهت من خطأها.. فاضطربت.. وبدأت تتملص من حصار ذراعاه.. وجاءت النجدة أخيرا فى صورة.. صوت الخفير وهو يهتف من خارج الاسطبلات بصوت جهورى:- عاصم بيه..!؟؟.. حسام التهامى فى المضيفة من بدرى وعايز يجابلك.. أجول له ايه..!!؟..

بدأت زهرة فى التشنج.. وحمدت الله انه افلتها.. حيث اقترب من باب الاسطبلات مجيبا الخفير وهو يزفر فى ضيق :- جوله چاى.. وحضر العربية..ورجع الهانم السرايا.. ثم من مكانه أشار لها مودعاً.. واندفع ليقابل حسام لم يرغب فى العودة اليها.. لانه لو عاد فما من قوة على وجة الارض ستجعله يتحرك من قربها.. غادر اخيرا اما هى فقد بهت لونها.. وعادت كل مخاوفها للظهور من جديد..وانتهت الهدنة الرائعة التى مرت كالحلم.. همست فى نفسها.. يا آلهى لما عدت يا حسام.!؟

الا يكفى ما حدث بالسابق..!؟؟..
كانت تظن ان عبوسه بسبب مجئ حسام من جديد.. لم تدرك ابدا.. ان عبوسه هذا.. وحنقه الواضح كان بسبب اضطراره لافلاتها.. وابعادها عن ذراعيه..
ركبت السيارة.. ونظراته تتبعها حين مرت به وهو يتوجه لحسام... وقد قرر ان يرى ما بجعبته.. هذه المرة...


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 02:41 صباحاً   [14]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس عشر

اندفعت زهرة الى السراىّ.. وهى تكاد تموت قلقاً وتوتراً قابلتها سهام اعلى الدرج مصادفة.. ورأت شحوب وجهها فسألتها فى قلق :- خبر أية يا زهرة مالك وشك اصفر كده ليه.. !!؟.. فى حاچة..!!؟؟.. جولى.. وجعتى جلبى..

التقطت زهرة انفاسها..وسحبت سهام لحجرتها وهى تقول فى نبرة مرتعبة:- حسام.. راح لعاصم تانى..
ضربت سهام على صدرها وهى تهتف مصعوقة :- ااايه..!؟؟.. لاه.. تانى يا حسام.. يا وجعة مربربة.. يا ترى ايه اللى بيحُصل دلوجت.. استر يا رب..
لم تعقب زهرة التى اندفعت تجلس على الفراش فقدماها لم تعد تقدر على حملها لتستكمل سهام عويلها..

انا خلاص مش عايزة اتجوز.. والله ما عايزة.. نفضوها سيرة بجى وكفايانا دم.. والله بكفايانا دم.. جيب العواجب سليمة يا رب وانفجرت باكية.. لتنتفض زهرة اليها.. تهدأها.. وتقول فى توتر :- تعالى ننزل دلوقتى نقعد تحت.. أهو نعرف أي حاجة.. او نسمع اى خبر.. نشوف ممكن يحصل ايه.. وربنا يجبها على خير.. بس اغسلى وشك.. لحسن الحاجة تحس بحاجة وهى مش ناقصة.. بلاش نقلقها..
امتثلت لها سهام.. وخرجتا لتجلسا فى صحن الدار.. بانتظار ما قد يصل اليهما من أخبار..

هتف عاصم فى ترحاب :- اهلًا.. اهلًا.. شرفت يا حسام..
واستطرد وهو يشير اليه بالجلوس.. وقد انتبه على ذاك الحامل الطبى.. الذى لايزل يحمل ذراعه اليسرى..محتضناً إياها لجانبه الأيسر المصاب... والذى يبدو انه لم يبرأ بعد..
-لِسَّه جرحك مطابش.. !!؟.. سأل عاصم باهتمام..
ابتسم حسام :- لاه.. الحمد لله.. انا تمام.. بس انت عارف بجى تعليمات الدكاترة..

ابتسم عاصم وهو ينادى زرزور الذى جاء ملبىياً النداء اسرع من البرق وهو يرمق حسام بنظرات نارية مسمومة فهذا هو من حظى بقلب سهام والذى يحلم بالزواج منها..
كاد يصرخ به.. انا أولى بها منك.. انها لى أنا.. أنا فقط من يحبها.. انا فقط من سيسعدها.. انا الاولى.. أنا..
استيقظ من شروده على هتاف عاصم باسمه :- واااه... زرزور رحت فين يا مخبل.. روح أعمل شاى.. أچرى.
ليتحرك فى تثاقل.. على عكس عادته.. وهو لايزل يرمق حسام بنفس النظرات المميتة..

هم حسام ان ينطق.. الا ان قدوم جمع من الهوارية.. أخرسه... جلس الجمع..وكان من بينهم سليم الذى اخذ يتطلع لحسام بنظرات ممزوجة بالغيظ والحقد..اما باقى رجال الهوارية.. فنظراتهم كانت منقسمة ما بين متعجب.. ومتسائل... ما السبب الذى قد يدفع بأحد من التهامية ليأتى وحيدا الى عرين الهوارية..!!؟؟...
استجمع حسام شجاعته.. بعد ان قرر انه سيفاتحه فى مطلبه سواء فى وجودهم اوعدمه.. فهو لن يخرج من هنا الا ومعه الموافقة على زواجه بسهام..
اندفع حسام قائلا :- انا جيت النهاردة يا عاصم عشان اطلب يد أختك سهام..

الصمت الذى غلف المكان بعد تلك الكلمات التى القاها حسام والتى كانت أشبه بقنبلة.. لم يكن الرد عليها الا بعض الهمهمات.. او الشهقات من البعض.. بخلاف سليم الذى وقف متحفزا.. ينظر لحسام فى حقد.. ومنتظر رد فعل عاصم... حتى يبدأ هجومه..
تنحنح عاصم.. فصمت الجميع فى ترقب :- والله يا حسام..
انت راجل زين.. ومتتعيبش.. ومجدرش أجول غير.. الف مبروك..

انفرجت اسارير حسام غير مصدق.. بينما تعالت الهمهمات من جديد من افواه الحاضرين.. وكان سليم الذى إصابته الصدمة يقف كالمشدوه لا يحرك ساكنا..
حتى استفاق اخيرا بعد لحظات.. لينظر للجميع فى غيظ ويندفع مبتعدا.. وهو يهتف متوعدا:- ماااشى يا عاصم يا واد عمى.. بجى تفضل ده على انى..الصبر طيب يا واد عمى.. كله بيتحط على الكوم الكبير.. وحسابك معاى جرب جوووى..

اندفع عاصم هاتفاً فى الجمع الهوارى :- واااه.. مفيش مبروك للعريس ولا ايه..!؟؟..
هم احدهم بالاعتراض.. ليخرسه عاصم بنظرة نارية من نظراته المحذرة فيبتلع لسانه وتبدأ التهانى تتوجه لحسام الذى كان يطير فرحا..

انتفضت كل منهما.. عندما سمعت صوت عاصم يدخل للسراىّ محدثا خفيره فى امر ما.. وتمسكت كلتاهما بيد الاخرى فى ذعر حقيقى وقبل ان يدخل عاصم السراىّ
حاولتا ان تبدو كل منهما على طبيعتها على الرغم من مشاعر الرعب التى تغمرهما مما قد يكون حدث بين عاصم.. وحسام..
اندفع عاصم داخل السراىّ متوجها للدرج الا انه رأهما فعاد ادراجه.. ليقف امامهما مهللا:- واااه.. مالكم جاعدين كده زى اللى غيطه غرج المفروض تكونوا جلبينها فرح..
نظرت كل منها للأخرى فى حيرة.. لتتجرأ زهرة وهى تسأله :- بتقول فرح..!؟؟..

انفجر ضاحكاً:- اه.. فرح.. مش عندنا عروسة.. واحلى عروسة كمان..
ازدادت حيرة كل منهما ليستطرد ناهياً حيرتهما محدثا سهام :- حسام التهامى.. طلب يدك يا سهام.. وانا وافجت..
وقفت سهام مشدوهة تنظر لزهرة التى ارتسم على وجهها ملامح عدم التصديق.. ثم تعاود النظر لأخيها الذى كان يراقب رد فعلها مبتهجا والابتسامة تعلو شفتيه.. ثم تنفجر باكية.. بشهقات عالية..

دفعت عاصم للاقتراب منها على عجل ليأخذها بين ذراعيه هاتفاً محاولا مشاكستها :- خلاص.. متزعليش هنجوله.. بلاها سهام مش موافجة...
لتنتفض هى صارخة :- لاه.. موافجة..
فينفجر كل من عاصم وزهرة ضاحكين..
لتنضم اليهما الحاجة فضيلة.. وقد سمعت اخر كلمات عاصم لسهام.. فتطلق احدى نوادرها التى لا تتكرر بسهولة.. عبارة عن مجموعة متتالية من الزغاريد الرنانة.. معلنة دخول الفرحة اخيرا.. لتلك السراىّ العتيقة الاحزان..

خرجت زهرة من غرفة سهام اخيرا.. وقد انتزعت نفسها منها انتزاعاً.. فقد انتابت سهام حمى الحماسة بعد معرفتها ان زفافها قد قُرر خلال عشرة أيام من اليوم.. ساعتها اصابها الجنون بالمعنى الحرفى.. أخذت تتحدث بشكل متواصل لا ينقطع عن ما يجب جلبه وإحضاره من الاسواق التجارية على عجالة فالوقت ضيق وهى فى خطتها جلب الكثير والكثير من الأغراض التى أخذت تعددها مع زهرة وتضيف وتحذف اليها حتى اصابت زهرة بالدوار...

سارت الردهة الى غرفتها.. ووجيب قلبها يرتفع مع كل خطوة.. لما هى خائفة لهذه الدرجة!!؟؟.. وأجابت نفسها فى صدق.. انها خائفة لانها كفت عن مقاومته وبدأت فى الاستسلام كليا لذلك الشعور المتنامى منذ فترة تجاهه والذى حاولت وأده كثيرا.. وعاصم نفسه.. فى احيان كثيرة هو من كان يدفعها لذلك بتصرفاته القاسية وظنونه المقيتة.. لكن رغم كل ذلك وجدت روحها تتعلق به.. وقلبها يستطيب قربه.. وعقلها مشوش لا قبل له للاعتراض امام كل تلك المشاعر..

هى تعلم.. انها لو خطت الى تلك الغرفة الان..فستكون له بكامل ارادتها.. والعجيب انها راغبة فى ذلك.. انها ترغب فى ان تكون امرأته.. ان تكون أمنة بين هاتين الذراعين.. قابعة فى احضانه الدافئة.. للأبد..
ادارت مقبض الباب وهى تلتقط انفاساً قد تمنحها بعض الثبات.. وخطت الى حيث اللارجعة فى طريق قلبها..

رنت منها نظرة شملت الغرفة حتى وقع بصرها على الفراش.. فراشهما.. احمرت خجلا.. وتاهت فى ذكرى احتضانه لكفها قبل نومه وهو يستمع لروايتها..
ولم تنتبه لعاصم الذى تسلل خلفها وهو يهمس بالقرب من مسامعها.. :- الچميل سرحان فى ايه..!؟؟؟.. انتفضت مذعورة.. وكادت ان تسقط عندما اصطدمت به وهى تستدير لمصدر الهمس فجذبها بسرعة اليه قبل سقوطها..

لتصطدم مرة أخرى بصدره ليأسر خصرها بكفيه.. وتتلاقى الارواح المشتاقة للقاء منذ خلق الله الارض ومن عليها.. وتتقابل العيون.. نوافذ الروح.. ليهل منها الامل فى غد بلا ضغائن وأحقاد.. غد من فرحة.. وفجر جديد يؤسس للعشق امبراطورية... مترامية الأطراف..
رفع احدى كفيه عن خصرها... لتدفع عنها حجابها فى رقة.. ويغرس كفه فى شعرها الحريرى..يطلق جدائله.. وهى مستكينة فى وداعة.. عيونها معلقة بعينيه..
و دقات ذاك النابض فى صدرها لامتناهية السرعة..

كان كفها على صدره..يستقرأ أخبار قلبه.. من خلال دقاته.. التى تصلها دقة بدقة.. تشى به..
اقترب ينحنى يلثم جبينها فى نشوة حقيقة غير مصدق انها اخيرا.. ها هنا.. فى احضانه.. راضية..
جذبها اليه اكثر يطوقها بذراعيه ويزفر بعمق زفرة من عانى العذابات ليال طوال وانقطع به الامل ثم جاءه النعيم من حيث لا يدرى..كانت رأسها على صدره تتكئ عليه فى دلال لم تعهده فى نفسها من قبل..

تشعر بأنها تتبدل وهى بين هاتين اليدين.. فتستحيل زهرة أخرى.. لم تعهدها لكنها تحبها.. تحبها لان زهرة الجديدة.. هى زهرته هو.. زهرة لن تتفتح الا بين ذراعيه.. ولن تزهر الا بحنانه. لم ينطق بكلمة واحد.. وهى بدورها لم تنبس بحرف حملها فى خفة.. لتسكين اكثر بين احضانه..وسار بها خطوات مأخوذاً..و..لكن... هل هذه صرخات تلك التى يسمعها.. !!؟؟..وهل هناك حقاً من يناديه ليخرجه من ذلك العالم الوردى.. الذى كان لتوه على أعتابه..!!؟؟

وضع زهرة بهدوء على طرف الفراش.. وبدأ كل منهما فى النظر للاخر.. كانما يسأله.. هل سمعت انت ايضا.. ما تناهى الى مسامعى..!!؟؟...
توالت الصرخات.. وبدأ الدق على باب الغرفة..يوقظه كليا ليندفع فى زعر حقيقى.. فاتحا الباب.. لتطل اخته سهام هاتفة فى هلع:- ألحج ابوك يا عاصم.. ابوك مش جادر ياخد نفسه..

ليندفع عاصم كالسهم لغرفة ابيه الذى طالعه محتقن الوجه يلتقط انفاسه بالضالين.. خرج عاصم من الغرفة مسرعاً ينادى سعيد الخفير فى قوة ثائرا :- جيب الداكتور طاهر بسرعة.. فاهم بسرعة الحاچ تعبان جوووى..
ليعود لحجرة ابيه مرة أخرى يجلس على طرف فراشه..

يحتضن كفه بين راحتيه محاولاً تهدأته قدر استطاعته:- أهدا يا حاچ.. كله ها يبجى تمام.. اهدا وخد نفسك بالراحة.. فيحاول ابيه أطاعته.. ليعود عاصم فيكرر.. ايوه تمام يا حاج.. اهدا.. أزمة وهتعدى..
كان نحيب سهام لا ينقطع.. وذعر الحاجة فضيلة لا يُوصف وهى تقف لا حول لها ولا قوة ترى رفيق درب حياتها ينازع الالم ولا تستطيع ان تمد يد العون كما كانت تفعل دوماً.. هتف عاصم جازاً على اسنانه فى حنق :- بلاها بكا ونواح هنا.. اللى عايز يبكى يشوفله حتة تانية.. مش جنب الحاچ.. ما هو زين و زى الفل اها.. ايه لزمتها نخلعه على حاله..

ارتفع نحيب سهام ليستدير عاصم باحثاً عن زهرة.. ليجدها فى احد الأركان بجوار باب الغرفة وجهها شاحب وعيونها معلقة بابيه.. فهتف فيها:- زهرة.. خدى سهام.. عشان الداكتور زمانه جاى..
أومأت برأسها إيجاباً.. وهى تتوجه لتحتضن كتفى سهام تصطحبها خارج الغرفة.. ليعاود عصام الاعتناء بابيه الذى مازال يلتقط انفاسه بصعوبة..

قرر الطبيب بعد الفحص ضرورة نقل الحاج مهران للمشفى ليلقى الاهتمام اللازم والعلاج المضبوط حتى تستقر حالته... هز الحاج مهران راْسه رافضا وبشدة من خلف قناع الأكسجين الذى يغطى معظم وجهه الان.. وكان السبب لحد كبير فى عودة انفاسه للانتظام من جديد..
فطن عاصم لرغبة ابيه فسأل الطبيب فى رجاء:- طب ممكن يبجى هنا ونهتموا بيه وزى ما حضرتك هتجول هانعمل..

رد الطبيب:- بس الحاج محتاج ملاحظة.. الأربعة وعشرين ساعة.. لان الأزمة دى ممكن تحصله تانى فى اى وقت.. وساعتها هاتبقى الحالة صعبة جداا..
-متجلجش يا دكتور هانفضل تحت رجليه اليوم بطوله..
ومش ها يغمض لنا جفن.. تمام كده..هتف عاصم..
-تمام يا عاصم بيه.. وانا فى الخدمة فى اى وقت..قال الطبيب مؤكدا..

فيرد عاصم :- تسلم يا داكتور.. تعبناك.. وهو يوصله لباب السرايّ الداخلى أمراً سعيد ان يقل الطبيب الى حيث يريد.. ليعود ادراجه مسرعاً لحجرة ابيه.. جالسا على احد المقاعد والذى جذبه ليكون شبه ملاصق للفراش يتطلع لأبيه فى قلق.. عندها فتح الحاج مهران عينيه فى وهن..
مبتسما فى شحوب لمرأى عاصم بجواره والذى انحنى بدوره يلتقط كف ابيه ويلثمها فى محبة خالصة..

مر يومان.. والحاج مهران على حالته والتى استقرت نوعا ما..وعاصم لم يغفل له جفن قابع بجواره.. لا يريد ان يتزحزح لاى مكان.. حاولت معه.. كل من الحاجة فضيلة
وسهام.. لاخذ مكانه بجوار ابيه حتى يتسنى له الراحة قليلا.. لكنه ابى وظل على عزمه لا يبرح غرفة ابيه..
حتى طعامه.. لم يكن يتذوق منه الا النذر اليسير..

سمع عاصم طرقات خفيفة على الباب.. لم يعبأ برفع رأسه التى كان يلقى بها على عضديه المتشابكين على طرف الفراش.. لحظات وطلت زهرة داخل الغرفة تحمل صينية طعام تقترب بها لتضعها على الارض بجوار كرسيه وتجلس بجوارها وتمد يدها فى حنان تربت على كتفه.. ليرفع رأسه فى وهن.. ناظرا اليها.. كانت عيناه تحمل ألم عجيب.. والأعجب.. هو ذاك الخوف الظاهر بهما.. نعم خوف.. الغول يخاف..خوف من مجهول يترقبه ويطل على الأجواء منذّراً..بحزن يقترب..

وكم رق قلبها لتلك النظرات.. ولمحياه الذى بدا الان شاحباً بذقن بدأت فى الظهور منحته مظهراً أشبه بقرصان..
ودت لو تطوقه بذراعيها.. لتحمل عنه بعض من هذا الحزن بعيدا وتبدد مخاوفه لبعض من أمان..
رفع جسده ليجلس مستقيما.. وهو يتطلع اليها فى شوق..
فتنحنحت فى خجل قائلة :- لازم تاكل.. انت مكلتش حاجة من يومين..

رد فى ضعف :- ماليش نفس..
لم تعبء لاعتراضه ومدت يدها بقطعة دجاج لتناولها له قائلة فى ابتسامة محببة :- ولو قلت لك..
عشان خاطرى... !!
طلت الابتسامة من عينيه قبل شفتيه.. وتفاجأت عندما وجدته يحتضن كفها الممدودة بالطعام بين راحتيه يقربها من فمه.. ويلتقط الطعام متلذذاً..
انتفضت فى سعادة وهى تستعيد كفها الفارغ.. ليقول هو فى همس :- انا مستعد اكل الصينية دى كلها.. بس بشرط!!؟
همست هى فى خجل :- ايه هو..؟!!...

همس من جديد مشاكسا :- انكِ توكليهالى كلها بيدكِ..
أطرقت رأسها خجلا..وبموافقة ضمنية.. جعلت ابتسامته تتسع فى سعادة.. مدت كفها بقطعة جديدة.. وهى لا تقوى على رفع رأسها لمواجهة نظراته المربكة..
كان الحاج مهران.. قد استيقظ لتوه.. ينظر اليهما نظرة جانبية.. ملؤها البهجة.. فقد أعلن اخيرا.. سلطان القلوب شرعيته..فى حكم قلبيهما...

-مش هنروح لاى حتة.. استحالة اعتب هناك.. انا مش مستغنية عن نفسى ولاعن بنتى..صرخت منيرة زوجة الدكتور ناجى التهامى فى غضب عندما طلب منها الاستعداد للسفر لحضور زفاف حسام بن أخيه
-وليه لا..!!؟.. ايه اللى ها يحصل يعنى..!؟..هتف الدكتور ناجى غاضبا بدوره..
-انا ايه اللى يضمن لى يحصل مع بنتى زى ما حصل مع بنتك..!!؟؟..
-لا حول ولا قوة الا بالله.. زفر الدكتور ناجى محاولا التحدث ببعض الهدوء... يا منيرة اللى حصل مع زهرة ده وضع خاص.. ومش ممكن يتكرر..

-برضه لأ..مش رايحين..
لكن فجأة.. تتدخل ندى فى الحوار الذى شهدته منذ البداية
وتخالف امها الرأى على غير العادة قائلة :- بس انا هروح مع بابا...
لتتطلع امها اليها فى صدمة.. سرعان ما استفاقت منها هاتفة فى حنق :- من امتى بتعرضينى يا ندى..!؟؟..

-العفو يا ماما.. دى مش معارضة.. دى رغبتى فعلا.. انا نفسى اروح.. اولا.. لان زهرة وحشتنى جداا ونفسى أشوفها مش كفاية ان حضرتك منعانى اكلمها..
اضطربت منيرة.. عندما تطلع اليها ناجى بغضب مكبوت بعد تصريح ندى الاخير.. والتى ادركت مدى فداحة اعترافها من نظرات ابيها التى تحمل قدر لا يستهان به من الغضب المشتعل والذى يحاول كبته قدر استطاعته فى عزم يحسد عليه.. ورغم ذلك لم تتراجع قائلة :- انا هروح يا ماما.. لازم اشوف اهل بابا اللى عمرنا ما شفناهم..
يبقى لى عّم.. وأولاد عم.. ومعرفهمش.. ده ينفع..!؟؟..

صرخت الام من جديد :- انا قلت مفيش مرواح..
نهضت ندى هاتفة فى عزم :- اسفة يا ماما.. يمكن اول مرة اخالفك.. بس انا هروح..
لتقف امها فى صدمة.. تنظر الى ناجى فى غل.. ثم تترك المكان مغادرة فى ثورة... تتبعها موجة من صفق الأبواب..

ربت الحاج مهران على رأس عاصم المسجى بالقرب من كفه.. فانتفض عاصم فى ذعر حقيقى هاتفاً :- خير يا حاچ..؟؟؟!!.. انت كويس..!!؟..
ليمد الحاج مهران كفه الى وجهه مبعدا عنه قناع الأكسجين.قائلا فى وهن :- انا بخير يا عاصم.. متخافش.. جوم يا ولدى أرتاح فى أوضتك... انت بجالك اربع ليالى جاعد جنبى الجاعدة دى..جوووم.. انا بجيت كويس..

يهز عاصم رأسه رافضا :- لاه.. انا زين هنا.. ومرتاح..
-يا ولدى جوم شوف حالك ومصالحك اللى واجفة بسببى من يوم ما رجدت... هتف الحاج مهران فى نفاذ صبر..
-كل حاجة تهون فداك يا حاچ.. وانا جاعد هنا.. ومش متعتع.. الا لما اشوفك بجيت تمام..
كان من المؤكد ان عاصم قد عزم أمره ولم يكن ليتزحزح عن موقفه.. فأبوه ادرى الناس بصلابة رأسه.. فأزعن ولم يعترض من جديد.. مما دفعه ليسأل عاصم فجأة :- ايه اخبار فرح سهام.. جهزت الدنيا.. عايزين نفرحوها يا عاصم..

هتف عاصم متعجبا :- واااه يا حاچ.. فرح ايه دلوجت.. احنا وجفنا كل حاجة.. لحد ما نطمنوا عليك وتجوم بالسلامة
هتف الحاج مهران حانقا:- لاااااه... ليه عملت كده يا عاصم..!!؟... وبدأ يسعل من جديد.. مما جعل الرعب يدب فى قلب عاصم.. مخافة ان تعاوده نوبة ضيق
التنفس فهدأه قائلا :- طب ارتاح بس.. واللى تجوله ننفذه.

وفى وهن بعد ان هدأت نوبة السعال قال الحاج مهران :- اتصل دلوجت بحسام التهامى.. وجوله.. ثم صمت مفكرا لحظات.. النهاردة ايه..!؟
ليجيب عاصم.. الاتنين..
ليستطرد الحاج مهران.:- خلاص جوله.. الفرح الخميس ده
وروح بلغ سهام والحاجة.. يجهزوا..

هم عاصم بان يقاطعه.. ليهتف الحاج مهران فى نفاذ صبر.. متناجشنيش يا عاصم.. نفذ.. كلم حسام دلوجت.. ويوم الخميس بعون الله.. اختك تبجى فى بيت جوزها..
نفذ عاصم وابلغ حسام الذى تعجب من الإسراع بتلك الطريقة مع علمه بمرض الحاج مهران ولكنه امتثل عندما علم ان هذه هى رغبة الحاج مهران نفسه.. بل انه وللحق.. كاد يقفز فرحا لولا بقية من وقار.. عندما اخبره عاصم بذلك.. فسبحان الله..لقد استجيبت دعوته التى كان دوما يدعى بها منذ تحدد يوم زفافهما.." يا مقرب البعيد يا رب.."... وقد اقترب بأسرع مما كان يتوقع اوتمنى.. فما هى الا ثلاث ليال ويهل قمره فى سماء داره..

انهى عاصم مهاتفته مع حسام ليأمره ابوه قائلاً :-
-بلغ سهام والحاجة يا عاصم.. تلاجيهم هيتجنوا دلوجت... وضحك فى سعادة.. خليهم يتلهوا عنينا شوية.. عشان انا عايزك فى موضوع مهم كان لازم تعرفه من زمان.. وجه الوجت اللى ما ينفعش يدارى فيه بعد كده..
نظر عاصم لأبيه فى قلق وقد اعتراه الفصول.. عن اى موضوع يتحدث ابيه يا ترى.. هل يعتقد أنه لا يعلم بهوية
زهرة ومن تكون..!!؟.. ام.. لايزل هناك الكثير من الأسرار.. التى لم تُكشف..!؟..

شعرت بحنق شديد وهى تندفع لسيارتها تديرها فى عصبية بعد ان أكدوا جميعا.. ان محاضرة الدكتورنبيل قد تم ألغاءها وهى التى تركت كل ما كانت تجهزه لسفرها مع ابيها لتأتى مسرعة لحضورها.. هتفت فى حنق :- ايه اللى بيحصل معاه.. عمره ما كان غير ملتزم كده..
الكل كان بيحلف بالتزامه ودقة مواعيده..

انطلقت بسيارتها.. تكاد تعتصر مقودها بين كفيها عندما رِن هاتفها.. واستنتجت.. بالتأكيد هو الدكتور ناجى.. فأمها قد أعلنت الحرب عليها.. ولم تعد تبادلها الحديث بكلمة منذ أعلنت تمردها برغبتها فى السفر مع ابيه حيث اصولها الجنوبية.. هى لم ترتكب جرماً.. لكنه بالنسبة لامها هو الذنب الأعظم الذى لا يُغتفر..

اجابت رنين الهاتف.. وكان كما توقعت.. هو ابيها.. يعلمها بالإسراع فى العودة لان موعد الفرح قد تم تقديمه..
هكذا اخبر عمها قدرى ابيها فأنهت المكالمة وقد ازداد ضيقها.. فهى لم تكمل استعداداتها بعد.. فزادت من سرعة سيارتها.. لتنطلق للعودة محاولة إنهاء ما يمكن إنهاءه..

نزل عاصم الدرج فى سرعة ليبلغ كل من الحاجة فضيلة وسهام بتقديم موعد الزفاف عندما وجد سهام وزهرة قادمتان من الخارج وقد بدا عليهما الإرهاق الشديد..
يتبعهما سعيد بالكثير و الكثير من الأغراض التى ينوء بحملها.. فتبسم عاصم وهو يراهما تقذفان بجسديهما على الأريكة بجوار الحاجة فضيلة فى تهالك.. وقال :- ايه تعبانين أمال لما تعرفوا الخبر الجديد هاتعملوا ايه..!؟!!..

تنبهت الحاجة فضيلة ومن شدة إرهاقهما لم تستطع احداهما سؤاله :- خبر ايه الجديد يا عاصم.. خير..!؟..
قهقه قائلا:- الفرح اتجدم وبجى يوم الخميس.. وزادت قهقهاته عندما رأى رد فعل سهام.. والتى وقفت فاغرة فاها
لم تنبس بحرف.. واخيرا هتفت... :- انت بتتكلم جد يا عاصم..!؟؟..
ظل على ابتسامته التى تعلقت بها عيون زهرة بانشراح ظاهر وقال :- هى الحاجات دى فيها هزار..؟؟!.. الحاج هو اللى صمم على كده.. وجالى ابلغ حسام.. وبلغته..
سألت سهام فى ترقب :- وجالك ايه.؟!!.. ده مش ملاحج يخلص حاچة..

اتسعت ابتسامة عاصم اكثر :- موافج طبعا.. ده صوته كان بيزعرد اول ما بلغته.. جال ايه جال.. احمرت سهام خجلا وطأطأت رأسها..واستطرد عاصم مشاكسا.. الله يكون فى عونك يا واد الحاج جدرى.. ميعرفش اللى مستنيه..
لتنفجر كل من الحاجة فضيلة وزهرة ضاحكتين.. لتدفع سهام الخجل عنها.. وتدافع عن نفسها بضراوة قائلة :- مستنية كل خير طبعااا..ده امه دعياله جبل ما تموت..
وجالت له روح يا حسام.. يا بن.. وصمتت تفكر فى اسم امه لتسأل فى بلاهة.. ألا امه اسمها ايه صوح..!؟..

انفجر عاصم وزهرة ضاحكين.. ليقول عاصم مؤنبا :- متعرفيش اسم حماتك الله يرحمها.. مش بجول الله يكون فى عونه.. تصنعت سهام الغيظ.. وهى تقول لامها فى
فضول :- الا كان اسمها ايه صوح يا حاجة..!؟..
شردت الحاجة فضيلة قليلا.. وهى تجيب بصوت قادم من اعماق ماض بعيد ملئ بالذكريات.. :- اسمها رئيفة.. الله يرحمها.. وتنهدت.. مما استرعى انتباه سهام لتسألها..
كنتِ تعرفيها يا حاچة..!؟..

هزت الحاجة فضيلة رأسها ايجابا :- ايوه طبعا.. كانت آيه من الطيبة.. بس راحت فى عزها.. كان حسام بن سبع سنين.. وأبوهم مرضيش يتجوز بعدها.. وجعد على تربية عياله.. لحد ما بجوا رجالة الله اكبر يفرحوا.. الله يرحمها عّم الصمت.. بعد حديث الذكريات الذى انهته الحاجة فضيلة ليقطعه عاصم ناهضا من على مقعده فجأة قائلا :- انا طالع للحاچ.. بجالى فترة سايبة لوحده.. عايزين حاچة !!؟

وهو ينظر نظرة جانبية لزهرة.. التى كانت تتطلع اليه الان ونظراتها تحمل الكثير من الرغبة فى بقاءه ولو قليلا..
فلقد افتقدته بشدة حتى حجرتهما اصبحت باردة ومخيفة بدونه.. لم تجرؤ مطلقا على النوم فى الفراش ظلت رغم عدم وجوده تنام على اريكتها عندما يزورها النوم مشفقا بعد ساعات مضنية من التفكير فى حالها وحال قلبها معه.. رغم إرهاق جسدها نهاراً مع سهام فى جلب مشترواتها وأغراضها للزفاف.. والآن تراه أمامها.. تشعر بشوق جارف لقربه فتجد نفسها تهتف فى لهفة :- احضر لك حاجة تاكلها..!!؟..

ليستدير اليها متطلعاً فى سعادة لاهتمامها.. وهم بالموافقة..
الا انه تذكر ابيه الذى ينتظره بالأعلى.. وقد تأخر عليه بالفعل.. فابتسم فى سعادة.:- تسلمى.. لما هعوز أكل هجولك.. واستدار مغادرا لكنه غمز لها بطرف عينه عندما رأى الاحباط مرسوم على محياها..مما جعلها تبتسم رغما عنها.. وتشيح بوجهها عنه.. حتى لا تتسع ابتسامتها.. فتفضحهما..
هتف فى عزم لسهام.. وهو يشيح بناظره عن زهرة بصعوبة..:- متجلجيش يا سهام.. كله هايبجى تمام.. جدامنا تلت ليالى..وهتلاجى كل اللى انت عوزاه وتتمنيه جاهز.. ومن احسن نوع كمان..

ابتسمت سهام فى راحة وهى تقول :- ربنا يخليك ليا يا خوى.. تسلملى..
صعد عاصم لأبيه والفضول يتأكله لسماع أسراره التى قرر اخيراً اطلاعه عليها.. دخل الغرفة فى هدوء ظناً منه ان الحاج قد غافلته سِنة من نوم..فاخذ يمنى نفسه بالعودة ادراجه بحثا عن الطعام وعن صاحبة الدعوة لكنه وجد ابيه مستيقظا متلهفاً لحضوره وما ان طالعه.. حتى مد يده ليخرج مفتاح ما من بين طيات ثيابه يسلمه لعاصم قائلا :- افتح وهات الصندوق الأبنوس الاسود الموجود عندك فى الدرچ ده.. وهو يشير للدرج الثالث فى خزانة الملابس.. لينفذ عاصم فى ألية..

ويحضر الصندوق ليضعه على قدمى الحاج مهران الممدودة وقد اعتدل قليلا بصعوبة وبمساعدة عاصم ليفتحه مخرجاً بعض من الأوراق يسلمها لعاصم أمراً أياه بقراءتها.. فيفض عاصم الأوراق فى لهفة ويتطلع الى المكتوب فيها.. عيونه تجرى على الأسطر بسرعة رغبة فى معرفة محتواها.. ليقف بعدها بلحظات فاغراً فاه مشدوهاً.. وهو يقول بصوت يحمل نبرات عدم التصديق :- الكلام اللى مكتوب فى الورج ده.. صوح يا بوى.. !!؟..

طأطأ ابوه رأسه أسفاً.. واخذ يهزها موافقاً..
ليعاود عاصم التطلع للأوراق وما تحتويه ليتأكد انها لاتزل بين يديه وان ما بها حقيقى لا يحمل الشك..
ليعود ليسأل عاصم ابيه فى حيرة :- طب ليه متجالش الكلام ده من زمان..!؟.. و ليه يفضّل الغلبان أجير عندنا وهو ميجلش عننا فى حاجة..!؟.. وورثه من عّمى الله يرحمه ما يتهناش بيه.. ده ظلم يا حاچ.. ظلم..هتف عاصم كلماته الاخيرة فى حنق..

فترة من الصمت شملتهما حتى نطق الحاج مهران أخيراً :-
عمك غسان الله يرحمه.. كان طووول عمره شغلته الحريم.. وياما حصلت من وراه مشاكل بسبب الموضوع ده.. وكنا بنحلوها.. لحد ما فى يوم.. لجيت واحدة جاية بعيل ياجى ١٢ سنة.. مش بيتكلم.. وبتجولى ده واد أخوك..وعطتنى الأوراج اللى فى يدك دى و اللى تثبت ان كلامها صوح..لما واجهت عمك.. كدبها وجال بتتبلى عليه.. وجايباله واد أخرس فى السن ده.. تجول عليه ولده.. وهو عمره ما شافه.. ولا علم بيه.. ولما سألت بخيتة..

جالت انها هربت هى وأبوها المراكبى من البلد بعد ما عرفت انها حامل..خوف من عمك وعشان تتجى شره لانها كانت عارفة انه ممكن يجتلها لو عرف بحبلها.. ورچعت لما ابوها مات تدور على حج ولدها.. وتأمنى عليه..

تنهد الحاج مهران براحة وكأنه ألقى حملا مضنيا عّن كاهله :- بص يا عاصم يا ولدى.. محدش عارف ساعته امتى.. وانا شفت الموت بعنايا من كام يوم.. وكن ربنا بيدينى رسالة عشان ارچع لكل واحد حجه.. أوعدنى يا عاصم انك ترجع لزكريا حجه.. دى وصيتى ليك يا ولدى..
هتف عاصم :- زكريا..!؟؟.. زرزور.. اسميه زكريا..انا عمرى ما سألت على اسمه..و لا اعرف مين اللى سماه زرزور..!؟..

أومأ الحاج مهران..وهو يقول :- ايوه.. اسمه زكريا..
وأمه اللى كانت بتجله كده.. فبجيت انا كمان اندهله كده..

وأتعرف بيها.. وعمر ما حد سأل على اسمه.. ولا هو كان هايعرف يجوله.. لانه من ساعة ما جه.. وهو مبينطجش زى ما انت واعيله..امه سابته واختفت.. خافت من غسان
وجالتلى يبجى امانه عندى.. لحد ما ياچى الوجت المناسب وإرجعله حجه.. وعرفت ان امك بعتت بخيتة عند فاطنة ام زهرة مرتك لان امك الوحيدة اللى كانت تعرف مكانها.. وزهرة اتولدت على يدها وبخيتة اللى ربَّتها لحد ما ابوها اتچوز وانجطعت اخبارها.. ونام السر ده..

ومحدش يعرف بيه غيرى انا وأمك.. ومجدرتش أعارض عمك.. ولا باجى رجالة الهوارية اللى وجفوا فى صفه.. ومكنش همهم الا الفضيحة اللى ممكن تمسهم.. انا ندمان ان بعد موت عمك غسان مجلتش على الحجيجة واديتله حجه بس ايامها ابتديت اتعب ورجدت الرجدة اللى مجمتش بعديها..

وانت كنت لساك عود اخضر.. مشدتش يا عاصم.. ومكنش ينفع اوجفك لحالك جدام سليم واد عمك.. وباجى رجالة الهوارية واللى كلمتك مكنتش مسموعة بناتهم زى دلوجت.. أوعدنى يا ولدى.. بعد فرح اختك سهام ما ينفض.. تجمع الهوارية كلاتهم وتعلن الخبروترجعله حجه.. أوعدنى هتف عاصم فى ثقة :- أوعدك يا حاج.. أوعدك.. مش هايهدى لى بال.. الا لما ارجع له حجه.. وتعرف الدنيا كلها انه واد عمى غسان.. وانه من الهوارية..

ابتسم الحاج مهران برضا.. وتنهد براحة وهو يشعر انه اخيرا قد أدى الأمانة التى كانت معلقة بعنقه..


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 02:42 صباحاً   [15]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس عشر

وقفت ندى تتلفت حولها لامبالية فى انتظار ابيها الذى ذهب لإنهاء بعض الامور.. تتطلع حولها فى فتور.. وقد بدأ الملل يتسرب اليها.. بحثت عن ابيها بعينيها.. لكنها لم تبصره فى محيطها.. فتنهدت فى ضيق.. وانتظرت على أمل ظهوره.. لكن فجأة سمعت صوت مألوف لديها.. جعلها تجفل مستديرة تتطلع لمصدره..
-اهلًا..صدفة عجيبة انى اشوفك هنا..كانت تلك كلمات الدكتور نبيل والتى هتف بها وهو يتطلع لندى فى تعجب..

هتفت هى بحماسة ممزوجة بالفرحة بعد ان تغلبت على دهشتها :- اهلًا دكتور نبيل.. فعلا صدفة عجيبة.. حضرتك مستنى حد.. سألت فى فضول..
ابتسم :- اه.. وَأهو وصل الحمد لله.. عن إذنك..
وتركها وانصرف.. فانقلبت ملامح وجهها الجميل ساخطة.. وهى تستدير لترى من استرعى انتباهه لهذه الدرجة.. وكانت المفاجأة الثانية.. فقد كان ذاك الشخص ابوها.. الدكتور ناجى التهامى الذى اندفع نبيل محتضنا إياه.. ومرحبًا فى حفاوة لم تتحرك من مكانها.. هل يعرف كل منهما الاخر..؟!.

هتف ابوها جاذبا إياها من افكارها :- ندى.. تعالى..
استدار نبيل فى تعجب.. وهو لا يكاد يصدق ما وصل اليه
استنتاجه.. الا عندما هتف الدكتور ناجى معرفاً ندى :- ندى بنتى يا نبيل..
تطلع نبيل اليها فى حيرة.. ثم قهقه فجأة بشكل تعجب منه الدكتور ناجى.. فقال نبيل مفسرا:- ندى طالبة عندى فى الكلية يا عمى.. وتخيل معرفش انها بنت عمى الا دلوقتى..

ابتسم الدكتور ناجى ابتسامة يشوبها الشجن :- معلش بقى يا بنى.. حكم الظروف اللى تخلى واحد ميعرفش بنت عمه..
انتبه نبيل لحزن الدكتور ناجى..فأستدرك :- حصل خير يا عمى.. أدينا عرفنا بعض.. ولا ايه يا آنسة ندى..
اجابت ندى فى بلاهة :- هااا.. وهى لاتزل تحت تأثير الصدمة عليها.. الدكتور نبيل قدرى.. والذى اعتقدت انه نجمة فى السماء صعب ان تطالها.. اصبح بين ليلة وضحكاها اقرب مما تتخيل.. وحمدت ربها سراً وهى فى تلك السيارة التى استقلوها لتقلهم لنجع الصالح انها قررت المجئ الى هنا حيث جذورها الحقيقية وحيث وجدت ان أحلامها اصبحت قاب قوسين او ادنى..

دخلت زهرة لحجرتها.. اخيرا وصلت اليها بعد نهار شاق بالخارج تجلب اخر مشتروات لسهام.. والتى لم تستطع المجئ معها.. فذهبت وحيدة.. لتنتقى كل شئ بعناية.. وبمجهود أرهقها حد الإنهاك كل ما تريده الان هو حمام ينعشها ويزيل ذلك الإرهاق عن جسدها والقليل من الراحة... قبل ان تأتى النسوة ليلا.. للاحتفال بليلة الحنة..
الليلة الاخيرة لسهام بدار ابيها.. أدارت مقبض الباب..

وهى تتنفس الصعداء فى تعب مضنٍ وما ان أضاءت نور الغرفة حتى طالعها ذاك الشئ المسجى هناك بعرض الفراش..تقدمت ببطء.. هل هو احد فساتين سهام التى قد نسيتها هنا ومدت كفها، تفض ذاك الغلاف الشفاف عن الفستان الاسود الذى يعد قطعة من السماء بتلك اللآلئ.. المرصع بها..
وضعته على جسدها.. لتقف امام المرأة.. لا تصدق..

كم هو رائع.. ومناسب لقياسها.. وكأنه فُصل خصيصا لها عادت لتضعه فى غلافه من جديد.. لتفاجأ بعلبة من القطيفة المخملية تحت الغطاء.. تركت الفستان جانبا.. ومدت يدها تلتقطها فى فضول لتفتحها.. فتطالعها قلادة رائعة..

تتابع فيها الزهور.. حتى تنتهى متشابكة مكونة زهرة كبيرة فى منتصف القلادة.. وانتبهت لورقة موضوعة بعناية تحت القلادة فأمسكت بها وهى تجلس على طرف الفراش تلتقط انفاسها المتلاحقة من فرط سعادتها..لتفتحها وتقرأ السطور الاولى.. فلا تع شيئا كالعادة لتعاود القراءة من جديد.. وهى تهدئ من ضربات قلبها المتسارعة
"احلى فستان واحلى عجد.. لأحلى زهرة.. انا عارف انك نسيتى نفسك وسط انشغالك بسهام وطلباتها.. لكن انا منستكيش..

يا رب يعجبوكى.. أمرى لله.. عارف ان عيون الحريم هتاكلك النهاردة.. لكن معلش..بصبر نفسى واجول حريم.. أوعاكى تطلعى بيه من باب السرايا.. لحسن انت عارفة.."... انفجرت ضاحكة حتى دمعت عيناها فرحاً..

لكم تحب هذا الرجل.. لقد تذكرها وقت ان نسيت هى نفسها..وهتفت فى نفسها... انه احبها.. ويحبها.. رغم كل ما كان بينهما.. رغم الشكوك والظنون.. رغم مشاعر الحقد والكراهية و التى تحولت.. شيئا فشيئا لتلك المشاعر الطاغية التى تغمر كليهما..

انه يحبها.. وهى مازالت ابنه الدكتور ناجى.. ابنه التهامية والذين يكرههم كراهة التحريم... لقد تخطى كل تلك العقبات والاحقاد ليصل اليها ألقى كل هذا وراء ظهره ليظفر بقلبها كل ما قدمه لها.. يشى بحبه.. ورغبته فى ارضاءها..

والتقرب اليها.. فعل الكثير.. هى تعترف.. لكنه اخيرا فاز بقلبها.. وهدأت ثورات عقلها ضده.. واستسلم هو الاخر بمحض ارادته.. اما روحها.. فهى قصة أخرى.. وعالم اخر.. فقد ايقنت.. انه هو توأم تلك الروح التى كانت هائمة حتى ألتقته لتتشبث به متعلقة كمن وجد اخيرا ضالته المنشودة..
انها له.. منذ قُسمت الارزاق.. هى رزقه.. وهو رزقها..

رزقها ونصيبها الاروع.. تطلعت مرة اخرى للثوب والقلادة..
وجرت عيونها مرة اخرى على سطور الرسالة.. لتدمع عينيها فرحا من جديد.. وهى تحتضن الرسالة لصدرها وابتسامة رضا على شفتيها..

-الله اكبر.. الله اكبر.. هتف الحاج قدرى التهامى عندما طالع ندى أمامه هى وأبيها على درجات الدار..
جذبها بين ذراعيه مرحباً مباغتاً إياها.. فهى لم تتوقع هذا الترحيب الحار وبتلك الطريقة.. ولكنها استكانت بين ذراعيه فى لحظات.. عندما لمست كم الحنان والطيبة التى
يبثها ذاك الرجل... عمها.. اخو ابيها الذى لم تره فى عمرها كله.. كان لا يشبه نبيل كثيراً.. ربما نبيل يشبه امه على الأرجح.. تطلعت الى نبيل بنظرة جانبية..

لتراه يبتسم فى ود لاستقبال ابيه.. الذى نال نصيبه منه لاحقاً هتف الحاج قدرى وهو يربت على كتف ندى فى محبة خالصة :- الجمر دى بتك التانية يا ناجى.. بِسْم الله ماشاء الله بناتك التنين الله اكبر عليهم.. جمال وأدب.. حمدت ندى ربها سراً لانها استمعت لنصائح ابيها وأحضرت ملابس محتشمة لحد كبيرتختلف تماما عما ترتديه فى حياتها العادية.. وأقنعها ان المكان هنا له تقاليده التى يجب احترامها.. وحمدت ربها بحق انها اقتنعت..

اخرجها نبيل من شرودها عندما قال متبسما:- تصور يا حاچ ندى تبجى طالبة عندى فى الچامعة.. وانا معرفش انها بت عمى.. !؟..
أمسكت ندى ضحكاتها بالكاد وهى تستمع لنبيل يتحدث للمرة الاولى باللهجة الصعيدية.. اما ابوه فقد اجابه..
فى تحسر :- معلش يا ولدى.. اللجا نصيب.. والحمد لله ان جه اليوم اللى اشوف فيه اخويا ناچى وبناته عندينا فى النجع.. ده كان حلم بعييييد..
قاطعه ناجى بنبرات متحسرة:- لكن التمن كان غالى يا قدرى ومحدش دفعه الا زهرة بنتى..

انتفضت ندى على ذكر زهرة :- وحشتنى قووووى يا بابا..
عايزة اروح لها.. نفسى أشوفها..
ابتسم عمها فى ود:- هتشوفيها وتجعدى معاها زى ما انتِ عايزة.. بس تلاجيها دلوجت مشغولة معاهم فى السرايا عشان حنة العروسة الليلة..
هللت ندى فى فرحة :- صحيح.. !!؟.. هم هايعملوا حنة والحاجات دى.. نفسها أشوفها قووى..
انفجر الجميع ضاحكا.. ليرد نبيل :- هتشوفيها متقلقيش..
وانا هوديكى لسراية الهوارية بنفسى.. بعد اذن عمى طبعا..

ابتسم الدكتور ناجى :-.. طبعا.. وماله..
دخل حسام فى تلك اللحظة.. فهلل الجميع للعريس الذى رحب بندى قائلا :- شرفتينا يا بت عمى.. ده زهرة هاتفرح كتير بشوفتك.. هتروحى فى الحنة النهاردة تشوفيها والله كتر خيرها تعبناها.. سهام بتجلى الحمل كله عليها..عشان تجديم الفرح اللى حُصل ده..
قاطعه ابوه متسائلا :- المهم جولى كله تمام.. اوضتكم فوج اتوضبت.. وكل الحاجات اللى بعتها عاصم فى مُطرحها..!!؟..

-اه يا حاج كله تمام..
-طب يا ولدى... يتمم لك على خير يا رب ويجعلها جوازة العمر.. أمين..
ليردّد الجمع كله.. أمين..

انتبهت زهرة لبدأ توافد النسوة على القاعة التى خصصتها الحاجة فضيلة لتكون مجتمعهم.. تلك القاعة الكبرى التى تطل على الحديقة.. والقريبة من تلك الحجرة التى احتجزها فيها عاصم ليلة اختطفها.. تتذكر ذلك الان.. وكأنه كان من امد بعيد.. وتسير الان بجوار تلك الغرفة وهى فى طريقها للترحاب بالنسوة حتى تلحق بها الحاجة فضيلة بعد ان تطمئن على الحاج مهران.. فتحت الغرفة فى هدوء وتطلعت الى كل ركن فيها.. وتذكرت كل لحظة مرت بها بين جدرانها.. وتعجبت من تقلب مشاعرها..

ما بين تلك المشاعر التى كانت تفيض بالكراهية والرغبة فى الانتقام ممن جعلها تطأطأ رأسها خجلا امام عائلتها بأسرها.. وما بين مشاعرها الان والتى لا تستطيع ان تصفها الكلمات..فهى عاشقة.. عاشقة حتى النخاع.. مررت كفها على قماش ثوبها الذى يجعلها قطعة من الفتنة والجمال.. وتلك القلادة الرائعة التى تزين جيدها بالورود.. والتى اختارها تيمنا باسمها..

اغلقت الغرفة وأغلقت أبواب الماضى القاتم فهى ستبدأ معه صفحة جديدة من كتاب العشق والسعادة وليذهب الماضى بكل أحقاده غير مأسوف عليه.. تمنت لو انه يراها الان.. لكنه مشغول بالخارج يُعد الدبائح.. ويفرقها.. ويشرف على ترتيب مجلس الرجال..استعداد لكتب الكتاب غدا.. باْذن الله تطلع النسوة اليها عندما دخلت القاعة.. وأعينهم تتفحصها ولسان حالهم يقول.. "والله وعرفت تختار يا عاصم " هكذا قرأت فى نظراتهم.. التى كانت ما بين استحسان وغيرة..

وخاصة زوج العيون الذى يطل عليها الان يتفحصها من قمة رأسها حتى اخمص قدميها.. عيون سمية التى هبت تظهر المحبة الزائفة كالمعتاد..
وصلت العروس اخيراً مع امها الحاجة فضيلة لتضج القاعة بالزغاريد من كل صوب وجهة.. لتبدأ النسوة مجاملات من نوع مختلف.. مجاملات تدفع كل منهن لتتوسط القاعة وتأخذ فى وصلة من الرقص المحموم على دقات الطبول.. والاغانى الفلكلورية المعتادة فى مثل تلك الليلة..والتى بدأتها احدى النسوة هاتفة فى حماسة.. لترد عليها باقى النسوة:- هو اللى جانا لوحده.. ومحدش فينا راحله..

يا واد مين نجهالك... عمك ولا خالك..
يا بت مالك خسيتى.. وانت ولا رحتى ولا جيتى..
يا بت تكونى حبيتى.. وماله الهوا ماله.. ماله الهوا ماله..
لا تقولى بوسى ولا نورا.. عروستنا حلوة وامورة..
وماله الهوا مااااله.. ماله الهوااا مااااله..

لتتبادل النسوة الأدوار فى منتصف القاعة.. تظهر كل منهما فرحتها بإهداء رقصة الى العروس الجميلة.. حتى رنت من سمية نظرة الى زهرة.. التى كان وجهها ينطق بالسعادة وهى تصفق فى نشوة.. لتقطع سمية عليها سعادتها.. وتجذبها فجأة الى وسط القاعة.. تعطيها فرصتها فى مجاملة العروس.. لكن لم يكن هذا قصدها بالطبع.. بل كان المقصود إحراجها.. شعرت زهرة بالتيه وهى تقف فى منتصف القاعة وجميع النسوة ينظرن اليها متفرسات..

هى ابدا لم تعتد ان تتمايل امام احد هكذا.. نظرت تجاه الحاجة فضيلة تطلب منها العون.. فوجدتها تبتسم لها مشجعة.. لتدع جسدها يعبر عن فرحته منتشياً.
كان عاصم فى الخارج.. يحضر لمجلس الرجال فى الجانب الاخر من السراىّ.. لكن العمال وضعوا اغراضهم فى غرفة الغلال..بجوار قاعة الحريم.. وهو قد امر الجميع
عمال وغفر بعدم الاقتراب من تلك القاعة.. فكيف سيدخل احدهم لجلب الأغراض..!!؟؟

حاول البحث عن ام سعيد.. لكنها بالداخل تقوم بالخدمة على مجلس الحريم..
لم يكن هناك حل الا دخوله خلسة وبسرعة لجلب الأغراض..دخل مطأطأ الرأس.. يتعجل المسير حتى غرفة الأدوات التى يحتاجها حملها فى عجالة مندفعا للخارج لكنه سمع إحداهن تنادى باسمها.. انه صوت سمية ابنة عمه:ما لها وزهرة !!؟... شعر بالقلق ولكن من خلال تلك النافذة المطلة على القاعة.. والتى تتشكل على هيئة الاربيسك وقعت عيناه عليها... على زهرته.. تسمر فى مكانه ولم يستطع الإتيان باى حركة.. نظراته معلقة بتلك الحورية الرقيقة التى تتمايل فى اغراء بثوبها الاسود الأبنوسى ليقفز قلبه من صدره مع كل خطوة تخطوها..

مشدوهاً وقف.. مشدودا كمغناطيس لا يستطيع ان يحمل اغراضه ويرحل دون ان يمتع ناظريه بتلك الزهرة التى خلبت لبه وهى تتمايل على أغصانها..انه يشعر انها الان
ترقص بمداخل أوردته وشرايينه... تتمايل على دقات قلبه التى أصبحت تعلو على طبول العرس.. وهل هناك عرسا اكثر فرحا وصخبا.. من ذاك المقام بين جنبات صدره لمرآها... !!؟...

ترك الأدوات التى كان يحملها جانباً وعادت عيناه تتعلق بتلك الرائعة بالثوب الاسود والتى لاتزل تتمايل وبدأ يشعر بوخز الغيرة يدب بقلبه عندما طالع نظرات النساء المحيطين بها.. والتى كانت تشع استحساناً وغبطة وود لو اقتحم القاعة ليجذبها بعيداً عن تلك النظرات.
انتفض فى قوة.. عندما طالعه صوت ام سعيد منتشلا إياه من بحور نشوته.. :- خير يا عاصم بيه.. فى حاچة..!؟

هتف مدارياً إحراجه متصنعاً الغضب بصوت خفيض:- كنتى فين..!؟.. ناديت تجيبى الحاجة مردتيش اضطريت ادخل لحالى أچيبها.. وتطلع حوله يبحث عن تلك الأدوات التى القاها جانباً عندما أختطفته الحورية الى عالمها..

واخيرا وجدها.. فألتقطها ورحل بعيداً.. مندفعا خارج السراىّ.. لكن صورة زهرته المتمايلة لم يفارق مخيلته.
صرخت زهرة فى فرحة عندما طالعتها ندى تقف على باب القاعة فى حيرة والجميع ينظر اليها فى تعجب..
فاندفعت تحتضن كل منهما الاخرى فى شوق حقيقى.. واخيرا تجذب زهرة ندى من يدها تعرفها على الحاجة فضيلة التى استقبلتها فى احترام يخلو من الحرارة.. وشكرتها سهام كثيرا على حضورها وتحملها مشقة السفر من اجل زفافها.. ابتسمت ندى فى ود للجميع.. وسريعا اندمجت فى جو السعادة والنشوة المنبعث من تلك القاعة..

حتى ان النسوة زادت حماستهن عندما أعلنت الحاجة فضيلة رغبتها فى الانضمام لمن وهبت العروس الفرحة فى تلك الليلة.. الليلة الاخيرة للعروس ببيت ابيها قبل انتقالها لبيت زوجها فى اليوم التالى.. بعد عقد القران..

وتقازفت النسوة الزغاريد المنتشية عندما نهضت الحاجة فضيلة لتتوسط القاعة.. حتى ان سهام طفقت عيناها بدموع الفرحة عندما وجدت امها و التى لم تقدم على تلك الفعلة ابدا فى حياتها ولكن ها هى تفعل رغبة فى اسعادها..

وبدأت الحاجة فضيلة فى التمايل.. بتلك الرقصة المعروفة فى الصعيد باسم.." الحروبى"... والتى يستخدم فيها النساء الجزء الأسفل من أجسادهن بإيقاع محدد على الموسيقى.. وما ان بدأت الحاجة فضيلة فى تمايلها حتى أشعلت حماس كل نسوة القاعة اللاتي يماثلونها فى العمر.. ليندفعن مشاركات إياها.. لتشتعل القاعة ضحكات وزغاريد..حتى ان ندى اخذتها الحماسة.. فشاركتهن فى نشوة..

اندفعت زهرة خارج القاعة.. لإحضار المزيد من العصائر والمرطبات للنسوة القابعات فى القاعة.. بعد ان انهكتهن حمى الرقص المستعر بالداخل.. لحقت بها سمية فى اصرار وعلى الرغم من محاولة زهرة أثناءها عن اللحاق بها لتساعدها كما تدعى.. الا انها اصرت بشكل عجيب على مرافقتها لتلحق بها الى المطبخ.. تتطلع الى زهرة فى غيرة وهى تراها تتسيد السراىّ بهذا الشكل.. ومرحب بها طبعاً فهى ابنة الغالية التى يرغب فى رضاها الجميع إرضاءاً للحاجة فضيلة..

تنبهت لتلك الحقيقة.. وان زهرة لاتزل تجهل بها فقررت نشر سمومها وهى تقول :- انا شايفة الكل بيعاملك احسن معاملة على خلاف ماهو مفروض يعنى واولهم الحاجة فضيلة ذات نفسها واللى سممت عجل ولدها من ناحيتكم.. مش غريبة دى..!؟؟..
كان ذاك دوما هو السؤال الذى حير زهرة والذى لم تجد الإجابة عليه أبداً.. فهى بنفسها قد شعرت بفارق فى التعامل فى مرحلة ما.. وتسألت عن السبب..لكنها لم تتوصل اليه.

شعرت سمية انها اجتذبت انتباه زهرة على الرغم من محاولة زهرة إظهار عكس ذلك.. فتمادت قائلة.:- الظاهر انك لِسَّه متعرفيش..!!؟. هم ناويين يجلولك ميتا.. !!؟.. اصل دى حاچة متداراش..!؟..
نجحت سمية الان فى جذب انتباه زهرة كلياً :- حاجة ايه اللى مدارية..!؟.. انتى بتتكلمى عن ايه..!؟..
ردت سمية راغبة فى زيادة فضول زهرة :- انت متعرفيش انت تبجى ايه للهوارية..!؟..

-واضح انك خرفتى.. انا تهامية.. وماليش اى علاقة بالهوارية.. قالت زهرة فى حنق.. وهى تندفع لتخرج من المطبخ حاملة الصينية بماعليها من مشروبات.. لتوقفها سمية معترضة طريقها هاتفة :- اجولك انا ايه علاقتك بالهوارية.. انتى منيهم.. دمهم بيچرى فى دمك لأن امك الحجيجية هى فاطنة.. اخت الحاجة فضيلة.. اللى هربت مع ناجى التهامى.. ابوكى يا داكتورة.. صمتت قليلا بعد ان حقنت سمومها فى شرايين و أوردة زهرة.. التى وقفت مشدوهة لا تستطيع حراكاً..

عيناها مسمرة على سمية التى شعرت بنشوة النصر اخيراً.. فتمادت بكل حقارة هامسة بالقرب منها.. وبنبرة تقطر غلاً... عرفتى ليه بيعملوكى ولا الأميرة.. لولا كده... لكان زمانك بتتعاملى اجل من ام سعيد.. مجرد واحدة من التهامية.. خطفها عاصم واد عمى عشان يبرد نار امه الجايدة فى صدرها من يوم ابوكى ما هرب مع اختها..

وبتردهاله فى بته اللى كانت فاكرة انها بنت الداكتور ناجى من مرته التانية.. لكن اكتشفت انها بت الغالية اختها.. فانعكست الآية.. وبدل ما تنتجم منيها.. بجت حطاها فى عينيها وبتوصى ولدها عليها يعاملها ولا البرنسيسة.. امال ايه.. معلوم.. مش من دمهم ولحمهم..ربتت سمية بغل على كتف زهرة وهى تهمس كحية رقطاء..فوجى يا بت الناس.. لتكونى مفكرة ان عاصم بيحبك.. عاصم ملوش جلب... عاصم ميعرفش يحب.. عاصم غول... عمر كان للغول جلب..!؟..

ثم ابتسمت فى انتصار لوجه زهرة الذى اضحى يحاكى وجوه الموتى شحوباً وهى تقول.:- انا خلصت زمتى من ربنا وجلت لكِ.. وانت وعجلك تصطفلى..
لترحل سمية مبتعدة تجاه القاعة.. وقد ارتعشت يد زهرة بحملها.. لتسقط الصينية بما تحمله من كؤوس مهشمة على الارض فى قوة.. ومندفعة فى كل أتجاه...
لتهتف ام سعيد التى جاءت على صوت الارتطام :- اسم الله عليكى يا بتى حصل خير.. اطلعى ارتاحى.. النسوان كلهم مشوا وحتى اختك.. واد عمك جه خدها.. اطلعى يا بتى..

وكانما كانت تنتظر هذا الامر لتندفع زهرة فى قوة تصعد الدرج فى ثورة مدفوعة بمشاعرها المحترقة ذاتيا تلتهب عينيها بدموع محبوسة تأبى الانحدار.. وقلبها يغلى كمرجل.. دخلت الغرفة.. تروح وتجئ فيها من شرقها لغربها.. كغزال جريح.. يؤلمها جرحها حد الوجع..وتأبى بكل انفة وكبرياء الاعتراف به.. ينزف جرحها حد الموت قهرا.. وتتجاهل سيل الدماء الساخنة.. عزةً...

انها تموت.. هكذا شعرت.. أهكذا هو الموت.؟؟!..
روحها تغادرها مقهورة فتشعر بخواء يجمد اطرافها ويدفعها لترتعش لاأراديا..
انها لا شئ..واخذت تسأل.. كالممسوسة... انه يريدها..!؟؟... نعم... هل يحبها..!؟؟.. لا.. بدأت تشك فى كل ما كانت على ايمان مطلق به منذ ساعات...
انها لم تكن تمثل لعاصم سوى وسيلة انتقام والتى اكتشف فجأة.. انها ابنة خالته.. تلك الغالية.. التى يجب ان يحسّن معاملتها ويدللها اكراماً لأمه... مما يعنى انها من بداية القصة وحتى نهايتها.. ما هى الا وسيلة لارضاء امه... لكن.. أين هى من كل هذا..!؟...

أين قلبها ومشاعرها التى تلاعب بها..!!؟؟..
أين حق روحها التى تعلقت به حد الوجع.. !!؟...
أين هى من كل حساباته... !!؟..
أين انا من قلبه..!!؟..

وهنا طفقت الدموع من عينيها اخيرا.. لتشهق بالم يمزق روحها المحتضرة بين جنباتها.. بكت كما لم تبك من قبل بكت حتى جفت دموعها وتحجرت مأقيها.. اصبحت نظراتها رخامية خاوية من اى روح.. نهضت فى عزم للحمام.. غسلت وجهها.. وقررت.. ان الليلة هى اخر ليلة لها هنا.. فى سراىّ الخزلان والقهر.. لم يعد لها مكان بها.. فقد اكتفت بهذا القدر من الالم ومن الدموع.. وانتفضت عندما شعرت بباب الغرفة يُفتح... كان ملهوفاً يبحث عنها بنظراته يدفعه شوقه اليها.. يتمنى لو يدثرها بعينيه.. ويطويها بصدره.. انها له... دوما كانت.. منذ اللحظة التى التقطها فيها بين ذراعيه فى المزرعة..

وحتى اخر العمر ستكون.. انه يحبها بل يعشقها ويتمناها.. يأنس لقربها ويستوحش فراقها.. ان روحه معلقة بها لا يعرف كيف..!؟.. لكنه لا يشعر براحة الا وهو معها تطالعه بنظراتها الحانية وتدثره بفيض من حنانها ورقتها..
ظهرت فجأة من الحمام..تحاول مدارة وجهها قدر استطاعتها..تستجمع شجاعتها لمواجهته.. بدافع من قلبها المجروح.. وروحها العليلة..وعقلها اللائم..

اندفع اليها فى لهفة يضع كفه على كتفها ليديرها لتواجهه.. لكنها قالت فجأة وبلهجة تحذيرية جعلته يجفل :- ارفع ايدك بعيد عنى... ومتفكرش تلمسنى تانى..
تسمرت يديه على كتفها لحظات فى صدمة.. واخيرا تنبه.. فابتعدت يديه كالمصعوق وهتف هو متعجباً :- ايه اللى حُصل..!!؟..
ردت فى برود وهى لا تُزل مولية ظهرها غير راغبة فى التطلع اليه :- محصلش حاجة خااالص.. هيكون حصل ايه يعنى..!؟.. انا فكرت وقررت اننا مش هاينفع نكمل مع بعض.. وأننا لازم ننفصل..

هنا لم يستطع الصبر اكثر من هذا.. ليجبرها على الاستدارة والتطلع اليه.. ليواجهه عينيها الحمراوين من اثر البكاء.. ووجها الشاحب.. فيهتف ملتاعاً :- كنتى بتبكى..!؟.. ليصمت لحظات وهو يتطلع لملامحها المقهورة ألماً.. ايه اللى جرى لكل ده..!؟... فى ايه فهمينى..!؟..
ردت ببرود:- قلت لك محصلش حاجة.. انا شايفة ان ده الصح.. واللى المفروض كان يحصل من زمان.. احنا عمرنا ما كنّا لبعض.. ولا هنكون..

فهتف بغضب ترتفع وتيرته وهو يهزها من كتفيها لعله يفيقها من ذاك الكابوس الذى يعايشه حيّا فى تلك اللحظة :-فجأة كده
عايزة تفوتينى وتروحى !!؟.. فجأة كده.. خدتى بالك اننا مننفعش لبعض.. ولا عمرنا كنّا لبعض..!!؟..المفروض انى اصدج الكلام ده.. فى ايه..!!؟..
هتفت محاولة كتمان ذاك الالم الذى يعصف بها :- قلت لك مفيش..

ليصرخ هو مجدداً وهو ينظرلعينيها الرخامية النظرة والتى لم يستطع ان يثبر أغوارها :- انتِ مين..!؟.. انت مش زهرة..!؟.. زهرة اللى كانت من كام يوم بين درعاتى طايعة وراضية.. مش ممكن تكونى هى..!؟.. انتى مين..!؟.. صرخ بسؤاله الاخير فى لوعة..
لتهتف هى صارخة:- انا بنت خالتك.. يا عاصم بيه..
فأبعد كفيه عن كتفيها منتفضاً كالمصعوق ليصمت لحظات قبل ان يهتف متسائلا:- مين جالك..!؟ أبوكى..!؟..

قهقهت بهستيرية تعكس مدى الوجع الذى يتشعب بروحها ويسكن اعماق قلبها :- مفيش فايدة... لِسَّه بكرهك وحقدك القديم... اى مصيبة او قصة مش على هواك يبقى التهامية هم السبب فيها..مش كده..!!؟؟... وخاصة طبعا بابا.. اللى حرمته من انه يحط ايده فى ايد عريس بنته زى كل اب هتف فى غضب هادر :- انتى مش فاهمة حاجة..!؟..

قالت فى برود :- ولا عايزة افهم اى حاجة.. انا عيزاكوا تسيبونى فى حالى.. تعتقونى لوجه الله.. وتطلقنى..
بهت لونه.. عندما رنت الكلمة الاخيرة فى مسامعه ليعاود إمساكه بكتفيها من جديد.. يرجها رجا بعنف :- ايه..!؟. فى ايه..!؟.. انتِ جبتى منين الجسوة دى..!!؟؟
-ده الدم الهوارى اللى فى عروقى.. قالتها فى سخرية... مش انا طلعت قريبة الغول..!!!.. وعادت لضحكاتها الهيستيرية.. عرفت القسوة جبتها منين..!!..

تطلع اليها فى حيرة واضطراب وهتف اخيراً محاولاً إقناعها قدر استطاعته بحبه لها دون ان ينطقها لعله يغير من منطقها وتظل باقية :-انا عملت كل اللى يرضيكى ويسعدك.. حاولت على كد ما جدرت انى مجساش عليكى.. وأفتكر..

قاطعته فى غضب محموم :- وتفتكر ان انا بنت خالتك.. ولازم اتشال على كفوف الراحة.. عشان انا بنت الغالية.. لكن انا زهرة... بنت الدكتور ناجى التهامى.. عمرها ما كانت هى الغالية فى نظرك.. زهرة.. اللى كنت بتناديها باسم إبوها وكأنه سبة.. زهرة اللى استحملت اللى أتعمل فيها من خطف وإهانة عشان تحمى ابوها واهلها منك ومن جبروتك...

وتحشرج صوتها متأثراً.. وهى تنطق بصوت خفيض غلبه الوجع :- زهرة دى.. مش هى اللى غالية يا عاصم.. مش هى اللى عملت كل حاجة عشان ترضيها.. مش هى اللى كنت تتمنى تبقى مبسوطة.. مش هى يا عاصم.. أسأل نفسك انا لو فضلت بس بنت الدكتور ناجى ومكنتش اكتشفت انى بنت خالتك كنت هاتعمل كل ده عشان خاطرى... مظنش..!!؟..

كان يقف مشدوهاً.. امام سيل كلماتها المدوية.. لا يعرف لما لم يتكلم..!!؟.. لما لم يدافع عن نفسه..!!؟؟.. لما لم يبرر الكثير من الأفعال..!!؟؟... واخيرا.. لما لم يبلغها ان ابيها هو من طلب عدم كشف الحقيقة لها الا بمعرفته هو..؟!.
لما لم يتحرك..ليخبرها بانه احبها من قبل حتى ان يكتشف بأنها ابنة خالته.. !؟؟..
لم يجد اجابة تريحه لكل تلك الأسئلة.. فوقف ينظر اليها فى ألم غير قادر على تكذيب حرف واحد مما قالت...

مما دفعها لتكمل قذف حممها:- زهرة التى كنت عايزها.. راضية وطايعة بين درعاتك معدتش موجودة.. اللى موجودة قدامك دلوقتى زهرة تانية خاالص.. زهرة ام قلب قاسى.. زهرة اللى عايزة تفتح عينيها تلاقى نفسها بعيدة عن النجع ده باللى فيه.. يمكن لو بعدت..
تعرف ترجع لنفسها تانى..

نظر اليها نظرات مبهمة لم تستطع تفسيرها.. وتسمر فى مكانه للحظات تتأكله الرغبة فى قتلها..
تارة عشقاً.. وتارة غضبا...
قبل ان يندفع كالسهم باتجاه الباب..
ليخرج مغلقا الباب خلفه فى غضب هادر..

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 3 من 36 < 1 2 3 4 5 6 7 8 36 > الأخيرة





الكلمات الدلالية
رواية ، ميراث ، العشق ، والدموع ، موال ، التوهة ، والوجع ، رباب ، النوح ، والبوح ، العمر ، وزواده ،











الساعة الآن 04:32 PM