رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل الحادي عشر
لم تراه... النهار بطوله.. بعد ان خرج حانقا... هل تراها... قد تمادت فى قسوة كلماتها... !!؟..هل حقا.. تلك الكلمات.. كانت موجهة له... أم كانت موجهة لها فى الاساس... كأنما تذكر نفسها.. بأن عاصم الهوارى... هو خاطفها... هو من جاء بها إلى هنا... لينتقم من عائلتها.. ويذل أبيها.. وها قد حقق مراده.. وهى الان أسيرته... حبيسة داره... لا يمكن أن يجمعهما.. سوى البغض والكراهية.. التى هى مراثهما الأذلى...
هى تشعر انه.. يتغير فى طريقة معاملته لها.. يبحث عن ما يرضيها.. أو يشعرها بالأمان.. ليفعله لأجلها... لكن عقلها أكد عليها مراراً أن ذلك... ليس له دافع.. غير دافع الإحساس بالذنب فقط لاغير... ولا يمكن أن يكون لأى دافع أخر قد يومهما قلبها به... عاصم الهوارى غول بلا قلب... لا تنسى ذلك... تاكدى تماماً... ان ما يفعله قد يحمل أغراضا أخرى.. عير رغبته المفاجئة فى ارضاءك... أنت بحق ساذجة.. هتف عقلها.. فى سخرية... أنتبهى لخطواتك..
فقد تجدين قدميك.. مغروستين.. فى أرض موحلة.. ولن تستطيعى ساعتها الفكاك... كان قلبها منزوى يأن فى صمت... يحاول الدفاع عن ما يجول بداخله... من خواطر ومشاعر.. لكنه وقف عاجزا أمام سطوة عقلها... المسيطر تماماً... وفجأة جفلت وأخرجها عنوة من تخيلاتها وخواطرها طرق عنيف واندفاع لسهام داخل الغرفة..وهى تهتف فى فزع :- ألحجينى يا زهرة.. ألحجينى.. حسام واد عمك راح يطلبنى من اخوى عاصم.. دلوجت.. وأخذت تولول بعد جلوسها تلتقط انفاسها على احد المقاعد وهى تضرب بكفيها على رأسها..
-بجد.!!.. حسام راح لعاصم يطلبك.. مش قلتيله استنى اما أكلمه انا..!؟؟.. -مرضيش.. وجالى من ميتا بنوسطوا الحريم فى امور النسب.. دى تبجى عيبة فى حجه.. ولازماً هو اللى يكلمه كلام رجالة وراح له.. هانعمل ايه دلوجت..!؟؟.. يا مُرك يا سهام.. يا مُرك..
-اهدى يا سهام.. باْذن الله هاتيجى سليمة.. ومتهئ لى حسام أتصرف صح.. هو ادرى بالواجب والمفروض.. متخافيش ان شاء الله كله هايبقى تمام.. قالت هذه الكلمات.. وهى تربت على كتف سهام تطمئنها.. على الرغم من توجسها هى شخصيا بِمَا يمكن ان يحدث.. وخاصة ان اختيار حسام للتوقيت قاتل.. فعاصم بعد ما حدث بينهما بالامس.. لا تعتقد ابدا. انه يفضّل ان يراها او يرى اى شخص من طرفها.. او له صلة بها.
توقيت خاطئ تماما قد اخترته يا بن عمى للحديث فى موضوع شائك بهذا الشكل..همست فى نفسها.. وهى ترجو ان يمر الامر على خير.. وصل حسام لداخل حدود إسطبلات الهوارية.. متقدما نحو المقاعد المتراصة التى يجتمع فيها كل رجال الهوارية.. وشبابها على فترات لتباحث امور العائلة واستشارة كبيرها فيما يخص اعمالها او خصوماتها..
ولحسن الحظ.. لم يكن هناك الا جمع قليل..هموا بالانصراف فى نفس اللحظة التى ظهر فيها حسام يلقى السلام.. فألقوا السلام بدورهم ورحلوا.. -اتفضل اجعد.. خير يا حسام.. مش بعادة.. قالها عاصم فى تعجب من وجود حسام فى مكان هو اقرب ما يكون من حرم مقدس للهوارية لا يتطفل عليه غريب..ولا يطأه غيرهم..
تنحنح حسام فى حرج.. وقال فى هدوء :- أنا جاى لك يا عاصم فى موضوع شخصى.. -موضوع شخصى.. وعقد عاصم حاجبيه تعجبا.. خير تحت امرك.. -انا من غير مجدمات كتير.. جاى اطلب يد الانسة سهام أختك.. ظل عاصم بلا اى ردة فعل للحظات.. ثم نهض فى تثاقل.. متسائلا فى سخرية:- سهام..!؟؟... أختى أنى..!؟؟.. رد حسام فى هدوء متجاهلا نبرة السخرية فى تساؤل عاصم :- ويكون ليا الشرف طبعا.. يا عاصم..
-وانت بجى..وانت چاى تخطبها.. محدش جالك ان واد عمها متكلم عليها.. ولسه مديناهوش كلمة !!!؟؟؟.. ولا انت متعرفش عويدنا... !!؟؟؟ نطق كلماته الاخيرة بنبرة تقطر استهزاءاً.. مما دفع حسام لينتفض من مجلسه قائلا :- لاه.. محدش جال انها مخطوبة لواد عمها.. واللى نعرفه انه اتجدم لها واترفض والحديت ده جديم..
-لاه.. قالها عاصم مؤكداً.. طلبها تانى من كام يوم.. واحنا مردناش عليه.. وبعدين اذا كنّا رفضنا واد عمها اللى من توبها وأولى بيها.. هانجبل بيك إنتا... ليه !؟؟.. واستمرت نبرة الاستهزاء والتعالي فى كلمات عاصم.. -أفهم من كده.. ان طلبى مرفوض.. !!؟... سأل حسام وهو يتمسك باقصى درجات ضبط النفس حتى لا ينفجر غاضبا فى وجه ذاك المتغطرس الذى يحدثه.. -معلوم.. رد عاصم وهو ينظر لحسام نظرة احتقار من اعلى رأسه حتى اخمص قدميه.. مش عايزة ذكاوة دى.. ويكون فى معلومك اللى انت بتفكر فيه مش ها يحُصل..فريح روحك احسن..
-اللى بفكر فيه..!!؟.. سأل حسام وقد بدأ يفقد رباطة جأشه.. جصدك ايه..!؟.. انى طمعان فى اختك وعايزها لمالها.. ليه..!؟؟ انت متعرفش بتكلم مين !؟.. انا حسام جدرى التهامى.. وعِندى اللى عِندك وبزيادة.. يعنى عمرى ما هطمع فى مال ولا أرض لانى عندى منهم ويفيض والحمد لله..
انفجر عاصم ضاحكا باستهزاء.. وهو يقول :- طب اهدا على نفسك بس.. بلاها فشخرة كدابة.. وكون انك تفكر فى اختى من اساسه.. ده كده انت دماغك شطحت لبعيد جوووى.. والأبعد..انك تفكر انى بالساهل كده ممكن اجوزك اختى علشان تنتجم منيها وترد لى اللى عملته مع بت عمك.. ده نچوم السما اجرب لك من مچرد التفكير فى ده..
-هو ده اللى چه فى بالك.. !!؟.. رد حسام بصوت هادر.. اذا كان كده يبجى انى اللى ميشرفنيش أحط يدى فى يد بنى ادم ذيك.. واندفع حسام خارجا من حرم الهوارية.. تتعقبه شياطين الدنيا.. والمزيد من ضحكات عاصم الساخرة..
اندفع عاصم لداخل السراىّ.. كالثور الهائج.. ينادى بصوت جهورى على سهام.. التى قفزت من مكانها منتفضة عندما سمعت صراخه تحتمى بزهرة وهى ترتعد.. والتى طمأنتها.. وخرجا سويا لمقابلته على اعلى الدرج.. وما ان رأها.. حتى هتف صارخا فى اخته المذعورة:- تعالى هنا.. حالااااااا.. نزلت سهام الدرج فى بطء.. وكانما تساق الى قدرها..
وهى متشبثة بذراع زهرة من خلفها.. تأبى التخلى عنها.. حتى وصلت لأسفل الدرج وهى تسأل فى براءة مصطنعة وبنبرة مهزوزة متوترة :- خير.. يا خوى.. !!؟.. -حضرى نفسك.. خطوبتك السبوع الجاى.. قالها فى هدوء مخيف.. -صح يا خوى..!!؟... هتفت فى سعادة.. -أه.. أمال أيه..!!؟؟.. واد عمك.. سليم مستعجل.. رد فى نبرة تحمل المثير من الغموض والترقب.. -سليم..!؟.. هتفت سهام فى صدمة.. سليم واد عمى.. سألت فى ذهول.. -اه.. هو فى حد تانى.. !!؟... سأل ساخرا..
فاندفعت سهام فى لوعة تنحنى قرب كفه الممسكة بعصاه الابنوسية.. تقبلها فى توسل..:- لاه.. لاه ياخوى.. أحب على يدك.. سليم لاه.. الا سليم.. متجبلش حسام التهامى.. لكن.. مترمنيش لسليم.. اهون عليك تجوز.. لم تكمل جملتها.. فقد جذبها من شعرها لتصبح فى مواجهته.. وهو يقول جازا على اسنانه..:- وانتِ عرفتى كيف.. ان حسام التهامى.. اتجدم لك ِ..!؟.. كان ينظر الى عيونها التى تحولت.. لعيون مذعورة.. وبدأ جسدها ينتفض.. و.. صرخت زهرة إنقاذا لها.. :- انا اللى قلت لها..
كانت المرة الاولى.. التى يتنبه لوجودها.. فقد أعماه غضبه عن رؤيتها... تقف على جانب الدرج.. مختبأة خلف احد الأعمدة.. تشاهد المشهد من بعيد دون تدخل.. والآن.. لا تعلم ما الذى جعلها تقف فى وجه المدفع.. بهذا الشكل السافر... دفع عاصم اخته بعيدا.. لتتعلق بأحد المقاعد.. قبل ان تسقط أرضا.. وبدأ فى التحرك صوب زهرة بعد تصريحها الاخير الذى اخرجه عن طوره..
انقض على كتفيها بكفيه.. قابضا عليهما وهو يهزها فى ثورة صارخا بصوت هادر كالرعد :- اذا كنتِ فاكرة انى هسمح ان أختى.. تبجى فى يوم مكانكِ.. تبجى بتحلمى با بت الدااااكتور ناجى.. بتحلمى.. اختى مش ها تدخل دار التهامية.. علشان يخلصوا منها الجديم والجديد.. سمعانى..جولى لواد عمك.. خطتكم انتِ وهو خطة خايبة متخيلش على عيل صغير ما بالك ب عاصم الهوارى.. واخذ يهزها بقوة..
وهو يصرخ.. سمعاااانى.. هزات جعلتها تشعر بالغثيان الذى فاق الحد خاصة بعد سماعها كلماته المسمومة.. طاعنا فيها وفى بن عمها بتهمة كلاهما منها برئ.. تركها دافعا إياها بعنف عائدا لأخته.. صارخا فيها :- جومى.. هاتى المحمول بتاعك.. جووووومى.. فاندفعت سهام مهرولة تصعد الدرج.. فى تخبط.. ناظرة لزهرة بامتنان لانقاذها..
وفى نفس الوقت.. يقتلها إحساسها بالذنب تجاهها.. فلقد وضعت نفسها امام ثورة اخيها التى يتجنبها الجميع من اجل انقاذها من مصير مظلم.. لو علم مجرد علم انها على علاقة بحسام و تبادله الرسائل والمكالمات الهاتفية.. على فترات..لقتلها بلا رحمة... وتذكرت ان عليها حذف كل الأرقام والرسائل قبل اعطاءه الهاتف.. اما زهرة.. والتى لازال الغثيان يسيطر عليها لم تستطع الوقوف صامتة امام اتهاماته البشعة..
فتقدمت مترنحة.. لتقف أمامه من جديد.. لا تعرف كيف واتتها القوة او الشجاعة للوقوف امام قطار بدون مكابح لتتحداه الان.. لكنها.. لن تصمت على إهانتها.. وأهانة بن عمها وعائلتها بالكامل ولو كلفها هذا حياتها -عارف..!؟؟.. سألت فى هدوء يسبق العاصفة.. جعله ينتفض متعجبا.. ناظرا لها بعيون يملاءها الغضب والثورة.. وبحواجب معقودة بنفاذ صبر ينذر بتجدد العاصفة.. لتكمل هى بنفس الهدوء..انا بشفق عليك..
انتفض متوجها لها بكليته.. يشرف عليها بقامته المديدة..وبصدر يهبط ويرتفع ملتقطا الانفاس بعد ثورته الهادرة.. ومنذرا باندلاع ثورة قد لا تقل اشتعالا عن سابقتها.. اكملت دون ان يرمش لها جفن.. بجد والله انت صعبان عليا قوووى... معقول كل السواد والحقد والرغبة الغريبة دى فى الانتقام.. كل ده مخزون هنا!؟؟.. واشارت بسبابتها لقلبه.. لتسأل بصوت متحشرج... انت ازاى عايش كده..!!؟..
و بدأت عيونها تدمع رغما عنها وهى تستطرد غير قادرة على التوقف وكبح جماح لسانها.. اول مرة اعرف ان الناس عندها حق لما سمتك الغول.. غول قلبه مات ودفنه من زمان... ومبقاش غير الحقد والانتقام معششين فى صدره.. بجد.. ربنا يعينك على نفسك.. قالت كلمتها الاخيرة.. وهى تندفع من أمامه. قبل ان تغلبها دموعها.. صاعدة الدرج..
لتقابل سهام فى طريقها اليه.. وفى يدها هاتفها الذى تناوله فى غضب.. وبكل غل و انفعال.. وخاصة بعد كلماتها التى سمعها للتو قذف به للحائط ليسقط اجزاءاً.. مع صرخات سهام المذعورة وهتاف الحاجة فضيلة.. وهى تدخل من باب السراىّ متسائلة عن الثورة الهادرة التى تسمعها بالخارج.. وكذلك.. تلك العيون الدامعة التى كانت تراقب المشهد من بعيد.. من احد النوافذ.. وهى غير قادرة على الدفاع عن حبيبة لطالما تمناها.. ولا يستطيع ولا يجرؤ على البوح..
اندفع زرزور مبتعدا عن النافذة التى كان يسترق النظر والسمع منها على ما كان يحدث داخل السراىّ.. ليعود ادراجه.. لحجرته المتواضعة فى أطراف الحديقة المحيطة بالسراىّ... والتى كانت دوما ملاذه من الدنيا عندما تضيق به نفسه.. ويريد ان يبتعد عن البشر بكل آثامهم.. وضعائنهم.. وأحقادهم.. لا يؤنسه إلا صحبة ناى.. ينفس فيه.. لتتمثل انفاسه أنغاما.. لا يستطيع البوح بما تحمله من معانى.. كان نايه هو وسيلة حديثه وبوحه للعالم..
جلس يحتضن ركبتيه لصدره.. وهو يتذكرها.. لقد دخل لهذه السراىّ وهى ابنة الثلاث سنوات.. وشعر يوم أوكلت له الحاجة فضيلة حمايتها..أن قدره أصبح مرهون بها.. رأها تترعرع كزهرة ندية امام عينيه.. وتحت إشرافه وحمايته.. مثلما كان أخيها عاصم.. تحت حمايته.. على الرغم من انهما فى نفس السن تقريبا.. ربما هو يكبر عاصم بعامين او ثلاثة على الأكثر.. لكن هى كانت دوما موضع اهتمامه ورعايته.. لم يكن يغفل عنها ولو لحظة..
كم عشق اسمه عندما نادته به للمرة الاولى.. انه يتذكر كل لحظة من لحظات حياتها مقترنة بحياته.. حتى أصبحت تلك الشابة فائقة الجمال.. بروح مرحة.. وعيون نجلاء.. وقلب طاهر.. أه.. يا سهام.. هتف زرزور فى لوعة.. وهو يحدث نفسه جاذبا أياها من أتون الذكريات... عرفتى تعشجى يا سهام.. عرف جلبك يدج لغير زرزور... لو تعرفى انى اولى الناس بكِ وبحبكِ... أه.. يا سهاااام... والله.. ما فى حد بالدنيا دى كلها.. يعرفك كدى.. ولا..هيحبك كدى. وأحتضن نايه بين شفتيه... ليخبر العالم كله.. انه عاشقها... دون ان يستطيع البوح بابجديات عشقه لمخلوق...
-على ايه الغاغة اللى انت عاملها دى يا عاصم.. خبر ايه.. ايه اللى حُصل لكل ده..!!؟..سألت الحاجة فضيلة.. فى حجرتها التى اصطحبت اليها ولدها البكرى.. لتستفهم عن سبب ثورته.. التى لم تشهد منها الا القليل..عندما دلفت لداخل السراىّ بعد قضاء بعض المصالح الخاصة ببعض الاقارب..و الذين تودهم كل فترة وتجود بما فيه النصيب لاعانتهم على مطالب الحياة والتزاماتها..
هم بان يتكلم.. حتى قاطعه طرق على باب الغرفة.. أذن لمن بالباب بالدخول فى ضيق.. لتتقدم فتاة بصينية عليها أكواب عصير منعش.. طلبته الحاجة فضيلة قبل صعودها.. كانت فتاة فى السابعة عشرة من عمرها..
لم ترفع وجهها عن الصينية التى تحملها.. هتف فيها عاصم بغضب :- انتِ مين يا بت.. !!؟.. اضطربت الفتاة حتى كادت تُسقط الصينية بما عليها.. ورفعت رأسها باضطراب تستنجد بالحاجة فضيلة.. التى هتفت فى عاصم :- سرعت البنية يا ولدى.. دى كسبانة.. بت رجب الكلاف الله يرحمه.. بتجرى على عيشها وعيش اخواتها.. وجصدتنى.. جلت تاجى تساعد ام سعيد..
فى شغل السرايا.. ونكسبوا فيها ثواب.. -طيب.. هدأ قليلا... حطى اللى فى يدك وروحى.. ولو الحاچة شكت منيكِ.. ملكيش عيش هنه.. هتف فى الفتاة التى وضعت الصينية من يدها وهى تحرك رأسها موافقة عدة مرات.. حتى غابت من الغرفة.. وهى تغلق الباب خلفها...
-ها مجلتش.. كانت على ايه الخناجة اللى شفتها تحت دى.. !!؟.. أعادته الحاجة لواقع القصة بسؤالها.. فعادت لهجته تنضح بالثورة والشدة من جديد.. -على أيه..!؟.. أجولك يا حاجة.. على أخر الزمن.. بن جدرى التهامى يتجرأ ويتجدم يطلب يد سهام..تخيلى انا اسلم اختى.. لولاد التهامى..!!؟... وبيدى..!؟؟.. لمعت عيون الحاجة فضيلة ببريق عجيب.. عندما سمعت ما اخبرها به عاصم.. ورددت فى شرود عجيب :- بتجول واد جدرى التهامى..هو اللى طلب سهام..!!؟..
-أه.. يا حاجة.. تصدجى.. !!؟.. هتف عاصم ساخراً - طب وفيها ايه دى..!؟.. سألت الحاجة فضيلة ببراءة جعلت ولدها ينتفض متعجبا وهو يتفرس فى أمه وكأنها شخصا غريبا لا يعرفه.. ليسأل باستغراب :-خبر ايه يا حاچة... !؟.. انت واعية انا بجول ايه.. وعلى مين.. !!؟.. دوول التهامية اللى طول عمرك ما بطجيش سيرتهم.. ها تديهم بتك.. !؟!..
-خابرة انهم التهامية..قالت بهدوء مريب..وبعدين انت شفتنى وافجت على جواز بتى من ولدهم.. انا بجول وفيها ايه.. ما يتجدم.. واحنا لينا نجبل او نرفض.. ولا أيه..!؟.. نظر عاصم لامه بشك وريبة.. لا يعرف ما الذى تخفيه الحاجة فضيلة بجعبتها.. فهى أمه التى يدرك عقليتها جيدا.. ويدرك تماما ان ردها هذا.. يخفى ويبطن.. الكثير والكثير...
اندفعت سهام لحجرة ابيها الحاج مهران باكية.. شاكية ظلم أخيها :-يرضيك يا حاچ..!!؟؟..عاصم عايز يجوزنى لسليم.. انت ترضهالى دى.. !!؟... ترضى يرمينى لسليم واد عمى اللى مش عايزنى الا عشان مالى وورثى بعد العمر الطويل ليك.. تجبل يا حاچ... قالت سهام كلماتها متشنجة.. وقد تورمت عيونها من البكاء والنحيب..
أشار اليها ابوها وهو يسعل كعادته فدنت منه مطرقة الرأس جسدها يهتز انفعالا وتشنجا على ما أل اليه حالها.. أخذ ابوها يربت على كتفها فى إشفاق فهى مدللته بلا منازع وما كان يرفض لها طلبا ولا يقوى على حزنها يوما.. -أهدى بس.. مين ده اللى يستجرى يزعل الجمر.. تلاجيكى ضايجتى عاصم فجال الكلمتين دوول.. لكن عمر اخوكى ما يعمل كده.. وبعدين.. هو انا رحت فين..!؟.. هو يجدر يعمل حاچة من غير شورتى.. جوليلى بجى.. عملتى ايه خلتيه عايز يجوزك المدعوج سليم..!!؟..
-انا معملتش حاجة.. قالت سهام فى براءة.. واد جدرى التهامى هو اللى عمل.. وارتسم الخجل على محياها.. طلب يدى من عاصم.. -واد جدرى التهامى.. مين فيهم.. !!؟؟.. ما هو عنده وادين.. -الكبير يا حاج.. حسام.. قالت سهام باندفاع.. فانفجر الحاج مهران ضاحكا :- ده انتِ تعرفيه بجى.!؟؟
طأطأت سهام رأسها من جديد.. لا تقوى على مواجهة عيون ابيها.. الذى قال فى ود :- طب وماله.. لو بن حلال وراجل جدع.. ايه المانع.. !؟؟.. -جول الكلام ده لولدك يا حاچ.. راجل محترم ومحاسب كد الدنيا..ومنسبينهم.. وبتهم عندنا.. وأخلاجهم ذى الفل.. ده يتعيب..!؟.. قالت سهام فى حماس منقطع النظير.. دفع ابيها للانفجار فى الضحك مجددا مصحوبا بنوبة السعال المعتادة.. وهو يقول بعد ان هدأ سعاله قليلا :- يخيبك يا سهام.. انا لازماً اشوف الحليوة ده اللى وافجت عليه سهام الهوارى بجلالة جدرها..
-انا مجلتش انه حليوة على فكرة... قالت سهام مشاكسة ابوها فى مرح.. -مش محتاجة تجولى يا جلب ابوكى.. الحاج مهران يفهمها وهى طايرة.. وربت على رأسها فى حنو.. وهو يقول.. متجلجيش.. اخوكى عيحبك ومش ممكن يضرك واصل.. أنتفضت سهام عندما أستأذن عاصم فى الدخول.. وما ان رأها حتى قال فى ضيق :- حلاً.. جاية جرى تشكينى للحاچ..
-واااه يا عاصم.. امال تشتكى لمين غير لابوها..!!؟؟.. هتف الحاج مهران فى نبرة مؤنبة جعلت عاصم يتراجع من فوره هاتفاً :- لاه.. طبعا يا حاچ.. ده انت الخير والبركة ده احنا عايشين بحسك ومن خيرك..
فاندفعت سهام تستأذن للخروج من الغرفة.. لا تقوى على رفع رأسها.. لتقابل نظرات اخيها المتوهجة غضبا.. بينما نظر ابوه له.. وهو يقول فى صرامة غيرمعهودة عند حديثه لولده:- خبر ايه يا عاصم.. مش كنّا فضيناه موضوع سليم ده.. ايه اللى فتحه تانى.. وايه المشكلة فى ان واد جدرى التهامى يتجدم لأختك.. ما احنا منسبينهم.. وبتهم اللى هى مرتك بالمناسبة عندينا.. ايه المشكلة لما نديهم بتنا.. وهم ناس محترمين.. وولدهم.. ميتعيبش... !!؟..
-خبر ايه..!!!؟.. انت كمان يا حاج..!!؟... انا مبجتش عارفلكم.. بجيت أنا دلوجت اللى غلط.. وانا اللى ضد التهامية على طوول الخط وكلكم معاهم.. لاه... وايه كمان..هتف ساخراً.. بتشعروا فيهم.. وهتدوهم بتكم..ثم هتف من جديد حانقا.. وانا ايه درانى يا حاج انه مش عايز اختى تخليص حج ذى ما خدنا بتهم..!!؟... مين يضمن لى انهم هايعملوها بما يرضى الله... ويشيلوها فوج روسهم..!؟؟؟.. انا بعمل كده.. عشان خايف على اختى.. يا حاچ..فهمتنى..!؟..
-فهمك.. فهمك جوووى يا ولدى.. فهمك اكتر من روحك..بس انت معذور.. فاكر ان التهامية كلاتهم جواهم نفس الغل والانتجام اللى امك سجتهولك ضدهم.. اللى چواك ده.. چواك لوحدك يا عاصم... عامى عينك وجلبك عن حاجات كتير حواليكةحاجات لو نسيت غلك وانتجامك شوية.. مش هتشوف أجمل منها.. وهاتندم على كل لحظة من عمرك ضيعتها فى اوهام كدابة ملهاش عازة..
اسمع من ابوك اللى ميهموش فى الدنيا كلها الا سعادتك.. وراحة بالك.. نزلت كلمات الحاج مهران على قلب عاصم كالبلسم الشافى.. فقد كانت كلماته شبيهة لحد كبير بكلمات سمعها منذ ساعة... وتذكر كلمة واحدة.. دوت ببراح روحه.. نطقتها صاحبة نظرات نارية..ولهجة متحدية... أنت أزاى عايش كده... !؟؟...
كانت تحتمى دوما.. بحجرة الحديقة.. تقضى فيها جل وقتها..تجلس فيها بالساعات.. تقلب اوراق رواياتها وكتبها.. هربا من واقع يحيط بها.. وواقع اخريفرض نفسه داخلها.. واقع من مشاعر وأحاسيس تفتك بها.. رغم رفض عقلها.. الا ان قلبها.. يضرب بكل تعقلها عرض الحائط..لم تكن تعرف ان هذا ممكن.. ان يتعارض قلب وعقل فى جسد واحد.. ان يتخذ العقل اتجاها.. ليأخذ القلب الاتجاه المضاد.. يا لها من معضلة..!!
وهى التى تتمزق اشلاءاً.. ما بين بين.. لا هى قادرة على مطاوعة عقلها... بسبب سطوة القلب.. ولا هى قادرة على مطاوعة قلبها..عندما يفرض العقل قرارته المصيرية.. كانت غارقة فى متابعة احداث حياتها..متصنعة الغرق بين سطور احدى الروايات.. لكن تركيزها كان ينصب على ما يدور بمخيلتها.. ولم تنتبه لذاك الخيال الأنثوي الذى يقترب..
-أزيك يا زهرة.. كيفك..!!؟؟.. سألت سمية فى وداعة مصطنعة.. -أهلا يا سمية.. اتفضلى.. نطقتها زهرة بلا حماسة.. فلا داعى لتصنع المودة.. فكل واحدة منهما.. تعرف انها لا تتقبل الاخرى.. على اي حال.. -مش عايزة اعطلك.. بس انا كنت معدية من جنب السرايا جلت أجى أطل على مرت عمى.. وعليكم.. -فيكى الخير يا سمية.. بيتك فى اى وقت..
-أه طبعا بيتى.. امال ايه معلوم.. بيت عمى يبجى بيتى.. قالتها وقد بدأ غلاف المودة المصطنع يذوب.. ويظهر الغل والحقد يقتر من الكلمات.. -طب أقوم أجيبلك حاجة تشربيها.. نهضت زهرة.. رغبة فى تجنب ذاك الحوار العقيم مع تلك الحاقدة..التى كانت علي استعداد لفعل اى شئ فى سبيل الفوز بقلب عاصم. ودت ان تهتف فى وجهها :- خذيه بكل سرور.. فلتأخذى قلبه القاسى.. فهو يناسبك تماما.. وصدقينى.. لن أغضب أو أحزن.. فهو يستحقك... كما انك تستحقينه..
رأت مِن موضعها.. خيال سهام يشير لها من نافذة علوية... فاستأذنت وغادرت المكان الموبوء بالحقد مبتعدة.. متعللة بجلب المشروب.. اندفعت لداخل السرايا.. فبادرتها سهام.. لتلحق بها عند مهبط الدرج.. وهى تتلفت حولها قبل ان تتكلم :- زهرة.. هو حسام مبعتلكيش حاچة..!!؟..سألت سهام فى قلق وترقب -بعتلى..!!؟.. ها يبعت لى ايه..!!.. سألت زهرة فى تعجب -رسالة.. او اى حاجة نفهم منيها هو ناوى على ايه..!!؟..
-ما هو اللى كان ناوى عليه عمله.. وطلبك وأخوكى رفض.. انتِ مستنية يعمل ايه تانى.. !!؟..سألت زهرة بتعجب -مش عارفة ،.!؟.. بس اهو بسأل.. بصبر روحى.. -طيب.. اروح اطلب حاجة لبنت عمك تشربها.. عشان نخلص وتمشى هى مش ناقصة تعب اعصاب كفاية اللى احنا فيه.. هتفت زهرة بنفاذ صبر -عندك حج... انا مش طايجاها.. ولا طايجة سيرتهم.. هى وأخوها.. الله يكون فى عونك انك جاعدة معاها.. تركت سهام و توجهت للمطبخ تطلب شاى لسمية..
لتعود لها.. لتجدها من البعد.. تقلب بين الروايات.. وتعبث بالكتب على الأرفف.. والادهى من ذلك كله.. انها لاحظت انها كانت تعبث بهاتفها المحمول.. والذى نسيته هى.. حين اندفعت مسرعة لداخل السرايّ لأحضار المشروب وهربا من سخافاتها..وقد تركته سمية على عجل.. عندما شعرت باقترابها.. ماذا كانت تفعل به يا ترى..!!؟؟..وتتصنع الان العبث بالارفف.. وكأنى لم أراها..!!؟..
أرتشفت سمية رشفة سريعة من الشاى ثم نهضت راحلة على عجالة ليست من طبعها.. أثارت تعجب زهرة.. لكن.. رغبتها فى رحيلها.. كانت أقوى من ان تتساءل لما رحلت.. أخذت زهرة تقلب فى جوالها.. لتعرف لما كانت تعبث به.. لكنها لم تجد شئ غريب يدعو للدهشة.. ربما أعجبها وكانت تتفحصه.. ربما.. وفجأة رِن هاتفها معلنا عن وصول رسالة.. فضتها.. بوجيب قلب عال.. ظنا انها من عاصم.. لكن خاب ظنها..
فضت الرسالة العجيبة.. " يا ريت يا بت عمى.. انا عايز اجابلك فعلا.. فى حاجات لازماً نحط فيها النجط على الحروف.. هجيلك فى إسطبلات التهامية.. النهاردة الساعة خامسة المغرب.. معلش.. مش فى البيت مش عايز عمك ياخد خبر.. ".. تعجبت.. هذه رسالة من حسام.. فضتها من جديد لتتساءل فى استغراب هامسة :-.. بيقول يا ريت فى أول الرسالة على ايه..!!؟.. وبعدين وانا هقدر اعمل ايه فى موضوعكم تانى يا حسام.. اكتر من اللى حصل..!؟..
وبعدين هخرج ازاى أصلا..!!؟.. اندفعت بالرسالة الى سهام.. التى تلقتها فى فرحة غامرة.. -روحى يا زهرة عشان خاطرى.. شوفيه بيفكر يعمل ايه.!؟ -اروح فين يا سهام..!!؟.. هتفت زهرة غير مصدقة لما تطلبه سهام... لا كده جنان رسمى.. انا اصلا هخرج ازاى.. !؟.. ده أخوكى يدور فينا كلنا القتل.. انت شوفتى عمل فيا ايه لمجرد انه عرف ان انا اللى قلتلك على خبر طلب حسام لأيدك.. أنت أكيد ناوية على موتى.. صح !!!
لم ترد سهام.. وظلت تزرع الغرفة جيئة وذهابا.. حتى هتفت فى نشوة :- لجيتها.. انتِ تروحى للحاچة فضيلة.. وتستأذنى منها انكِ عايزة تزورى عمك جدرى.. وتروحى تشوفى حسام.. ولا من شاف ولا من درى.. ايه رأيك.!؟. -أه من دماغك لما تكونى عايزة حاجة..!؟.. انفجرت زهرة ضاحكة.. وسهام تنحنى تحييها وترسل لها القبلات فى الهواء.. كنجمة سينمائية.. -خلاص.. انا هروح استأذن من الحاجة.. واجهز و ربنا يستر.. قالت زهرة فى خوف -ها يستر.. بس بجولك.. صمتت سهام فى خجل.. أبجى سلميلى عليه..
-حااااضر... قالت زهرة بابتسامة.. وهى تندفع باحثة عن الحاجة فضيلة.. لتجدها قابعة بمكانها المفضل.. فى أحد القاعات المطلة على الحديقة.. ما أن دخلت.. حتى استرعت انتباه الحاجة فضيلة فورا.. كانت تشم فيها رائحة العزيزة الراحلة.. فأشارت لها الحاجة قبل جلوسها.. بان تأتى لتجلس بجوارها.. فأطاعت زهرة فى وداعة.. لتربت الحاجة على كتفها فى محبة خالصة.. -كيفك يا بتى.. زينة..!؟.. -الحمد لله.. أجابت زهرة..
-بجولك.. انتبهت زهرة.. أوعاكِ تكونِ زعلتى من عاصم..والله عاصم جلبه طيب.. بس هو حمجى حبتين.. لم تكن زهرة لتجادلها فيما يخص عاصم مطلقا.. لذا آثرت الصمت.. ثم تشجعت :- ممكن أروح لعمى.. لو سمحتى يا حاجة..!؟.. -زيارة.. يعنى.!؟.. سألت فضيلة فى توجس.. -أه طبعا.. ولو حضرتك فاكرة انى ممكن أقوله حاجة من اللى حصلت هنا.. حضرتك أطمنى.. مش ممكن طبعا.. انا بس عايزة ازوره.. لانى مرحتلوش خالص.. بابا وصانى أزوره دايما.. لو مفيش عند حضرتك مانع..!!؟؟..
-طب.. ومطلبتيش من جوزك ليه.. كان وداكِ بنفسه.!!.. سألت الحاجة فضيلة فى خبث.. ولكن زهرة.. صمتت قليلا ثم اجابت فى هدوء:- مش عايزة أفتح معاه مواضيع تخص عيلتى خاصة بعد موضوع حسام وطلبه أيد سهام.. فجيت أطلب من حضرتك السماح بالزيارة.. لو مش ها يحصل من وراها مشكلة.. -طيب يا بتى روحى.. وماله.. حجك طبعا.. -متشكرة يا حاجة.. هروح أجهز.. عن إذنك.. -روحى يا حبيبتى.. فى حفظ الله..
رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني عشر
اندفعت سمية متصنعة الهرولة.. حتى كادت تصدم بعاصم لولا يقظته.. ليوقفها فى الوقت المناسب.. -خبر ايه يا سمية..واخدة فى وشك..!!؟؟... -معلش.. اصل مستعجلة يا واد عمى.. مختش بالى -حصل خير.. بس على فين العزم ان شاء الله.. !!؟.. -راجعة دارنا.. ده حتى انا كنت لِسَّه راجعة من عنديكم.. وشوفت مرتك.. وهى رايحة نواحى إسطبلات التهامية.. -مرتى.. انتِ متوكدة..!؟..سأل متوجساً... -أه طبعا متوكدة.. هو انا هتوه عنيها... ما تاجى تروحنى.. وتتعشى معانا.. سليم تلجاه بالبيت دلوجت.. قالت فى دلالها الممجوج.. -معلش.. مرة تانية يا سمية.. أعتذر مندفعا.. والشياطين تتبعه.. وابتسامتها أقرب ما يكون لفحيح حية رقطاء..
اندفع حسام.. فى طريقه حتى وصل لأسطبلاتهم.. كان يسرع الخطى رغبة باللحاق بابنة عمه فى الميعاد المتفق عليه.. لابد وان يكون هناك جديد لترسل له ابنة عمه رسالة تبلغه فيها رغبتها فى لقاءه.. وترغب فى ذلك بعيدا عن دارهم..و.. بعيدا عن علم عمها وتحدد له فيها الميعاد والمكان المخصص للقاء.. لقد جاء وقد ألغى كل أعماله.. ربما يتحقق أمله.. فى الزواج من سهام.. ويكون لدى زهرة الحل لمعضلة زواجهما..
دخل الاسطبلات يبحث بعينيه عنها.. ثم تذكر انها لم تأتى الى هنا الا مرة واحدة.. وبالتأكيد لا تعرف فى المكان سوى ذاك الإسطبل الذى قابل فيه سهام للمرة الثالثة.. ابتسم للذكرى.. فهو بحق يحب تلك الغلباوية التى تملك لسانا يناهز طولها مرتين.. لكنها ايضا تملك حسا فكاهيا عاليا وروحا مرحة طفولية.. لقد تغير كليا منذ عرفها.. وذلك العبوس الذى كان يكلل ملامحه.. انقلب لابتسامة دائمة..
هو نفسه لا يعلم كيف ومتى حدث ذاك التغير..!!؟.. لكنه يستشعره فى نفسه.. مثلما استشعره جميع من حوله.. قاطع صوت زهرة استرسال خواطره وهى تنادى باسمه فى خفوت... فأندفع لمصدر الصوت على عجل.. -أزيك يا داكتورة.. هتف حسام.. -الحمد لله يا حسام.. كله خير..
-أزى سهام..!؟.. سأل حسام بابتسامة كان من النادر ان ترتسم على محياه.. تعجبت منها زهرة رافعة حاجبيها..انه بحق يعشق سهام.. ان مجرد ذكرها أبدله لشخص اخر لا تعرفه.. -على فكرة هى كمان بعتالك السلام.. ابتسمت زهرة.. -صحيح.. !!.. ربنا يسلمها.. أجاب فى حبور.. -المهم انت بعتلى الرسالة ليه.. فى جديد..!؟.. سألت متلهفة اما هو فقد اجاب عاقدا حاجبيه :- انا جلت الجديد عِندك يا داكتورة.. لان انتِ اللى بعتى الرسالة.. وحددتى المكان وزمان المجابلة.. هتفت زهرة فى تعجب :- انا مبعتش رسايل.. ده انا حتى معرفش رقمك..
نظر كل منهما للاخر مندهشاً... وقد شعرا بشكل غريزى.. ان الامر لا يخلو من ورطة ما.. لكن زهرة كانت الأسبق للخروج من حالة الدهشة تلك لتهتف متسائلة حتى يتسثنى لهما الرحيل فى عجالة:-المهم.. قولى انت ناوى على ايه فى موضوعك مع سهام..!!؟... سألت فى ترقب منتظرة أجابته.. والتى ما ان هم بنطقها... حتى سمعا صوتاً جعل الدم يتجمد فى عروقهما رعباً.. يهتف مجيباً سؤالها :- أجولك أنا يا داكتورة هو ناوى على ايه!؟... كان صوتا صارما.. قاسيا..يكسوه الغل... صوت لا يملكه الا شخص واحد فقط.. عاصم الهوارى..
كان كلاهما يقف مشدوهاً.. لم يستطع الإتيان بأى ردة فعل.. ولا حتى النطق بكلمة.. فزهرة عرفت ان هذه نهايتها.. من نظرات عينيه التى تمور بالغل والغضب القاتل.. نظرات بحدة سكين مَسنون تمزقها بلا رحمة.. اما نظراته لحسام.. فكانت تكفى لصرعه قتيلا فى لحظتها.. -عايزة تعرفى واد عمك ناوى على ايه.. !!سأل عاصم ساخرا بنبرة تقطر حقداً... ناوى على اللى انا كنت ناويه يوم ما شفتكِ يا داكتورة..
-لا يا عاصم.. انت فاهم غلط.. حسا.. اندفع اليها كالإعصار مما دفعها لتقطع كلامها فى رعب.. وها هو يصل اليها ممسكا بذراعها فى عنف.. جاذبا إياها خارج المكان وهو يهتف فى غل :- وچالك عين تدافعى عنيه كمااان..!!؟؟.. -انت مش راضى تفهم ولا تسمع حد ليه..!؟.. صرخت فى يأس وهى تحاول جذب ذراعها من يده التى تقبض عليها بلا رحمة.. ترك ذراعها وهو يهتف بغضب هادر..
-انا مبسمعش الا صوت واحد.. صوت ده.. أخرج من جيب جلبابه مسدسه الذى يحمله دوماً.. واستطرد فى وحشية أرعبتها.. ومشيفش جدامى دلوجت غير لون الدم.. انكمشت على نفسها.. وهى ترى تطور الموقف بهذا الشكل..وها هى الان.. ترى الغول.. بشحمه ولحمه وقسوته وجبروته أمامها.. وكم أرعبتها الصورة.. هتف حسام.. لعصام محاولا امتصاص غضبه باى طريقة.. :- اسمعنى بس يا عاصم... الموضوع فيه سوء تفاهم.. فى حد عايز يوجعنا فى بعض..
هتف عاصم ساخرا..:- ها.. وايه كماااان..!!؟.. ثم تغيرت نبرة صوته بشكل وحشى صارخا :-..ما اصل انا مغفل عشان اصدج الكلام ده.. هى خلصت على كده وانتوا جبتوا آخركم معايا يا ولاد التهامية.. ورفع مسدسه لاعلى.. وأطلق عيارا ناريا فى الهواء.. جفل على اثره البهائم فى الإسطبل.. وارتفع صهيل الأحصنة..
وصرخت زهرة فى رعب واضعة كفيها تغطى أذنيها فى هلع حقيقى.. وبدأت ترتجف وهى تتذكر تلك الليلة.. التى جاء اَهلها امام سرايّ عاصم..وبدأت المعركة.. كانت المرة الاولى التى تسمع فيها صوت الرصاص الحى.. لكن هذه المرة.. التهديد الذى يحمله عاصم.. و المرسوم الان على ملامح وجهه المرعبة.. لن يظل تهديدا.. بل سيأخذ موضوع التنفيذ حالا..لكن هى.. لن تدع ذاك يحدث.. لن تدع ميراث الدم يتجدد.. وتعيش العائلتان ويلاته مرة أخرى.. لا تعرف حقا كيف واتتها الجراءة.. لتدفع نفسها..لتقف أمامه تصد بجسدها جسد حسام صارخة.. :- لو عايز تقتل حد هنا.. أقتلنى أنا بس بلاش حسام.. كفاية دم بين العيلتين يا عاصم.. كفاية دم عشان خاطرى..
هم حسام للزود عن ابنة عمه.. لكن عاصم فاجأه.. وفاجئ زهرة بدورها.. والتى كان يرمقها بنظرات مبهمة لم تستطع ثبر أغوارها.. لكن ما تعجبت له بالفعل كان ردة فعله.. فقد اخفض سلاحه ببطء شديد ولاتزال تلك النظرات التى تقفز من عينيه ترعبها.. وما أرعبها اكثر هو اقترابه منها..وميله اليها هامسا فى غل :- جلبك عليه جوووى !!!..
وماله.. هجتلك.. هجتلك بداله..وازداد همسه وحشية مؤكداً.. هجتلك بس بطريجتى..وجذبها من ذراعها خارجاً.. وهو يهتف فى وجه حسام صارخا :- أوعاك تكون مفكر ان حسابك معايا خُلص.. لاه.. لِسَّه حسابك معايا تجييييل جووووى..
اندفع حسام خلفه.. يضع جسده يسد باب الإسطبل.. مانعا إياه عن الخروج... وهى يجذب زهرة خلفه بهذه الطريقة يدفعه رعبه عليها.. ليتحدى الغول وهو على هذه الحالة التى يعميه فيها غله وحقده عن ادراك الحقيقة.. واستيعاب ما يحدث..والذى قد يصل لحد المكيدة.. فيما يجرى فهتف صارخا بدوره.. وهو يعترض طريقهما :- سيب زهرة يا عاصم.. بكفياها.. وانا جدامك أها..
انفجرت ضحكة خشنة ساخرة من اعماق عاصم بعد لحظات من الصمت يتبادل فيها النظرات بين حسام وزهرة.. والتى بدأت بحق ترى الدنيا تتأرجح امام عينيها وهو لايزل قابضا على ذراعها بقسوة :- ايه يا واد التهامى.. هاتمنعنى آدب مرتى ولا ايه.. !!؟.. ودفع بحسام بعيدا.. متعملش فيها فارس مش لايجة عليك الشهامة.. وبعدين.. ماحنا جلنا اصبر.. دورك چاى.. مستعجل ليه على رزجك..!!؟..
واندفع عاصم يجر زهرة خلفه.. ودفع بها بعنف لتصعد العربة التى صهلت أحصنتها عندما جذب لجامهما فى قسوة.. لتندفع العربة تسابق الريح.. وفجأة.. يُسمع طلق نارى مجهول المصدر.. يتردد صداه فى هدوء الليل.. ولم يكن ذلك الامر الذى يمكن ان يسترعى انتباه عاصم فى تلك اللحظات.. فذاك امرشائع لا يدعو للقلق او التساؤل.. وعاصم بعد تلك الحالة التى تلبسته عندما رأهما سوياً.. ورأى كل منهما كيف يدافع عن الاخرلم يكن ليهتم الا بتلك التى تجاوره فى العربة.. تنتفض رعبا..
وهى ترى على محياه أمرا لا تريد حتى تصديقه.. كان يجرى كالمجنون الذى تلاحقه شياطين الجحيم وقلبها ينتفض بشكل هستيرى بين جنبات صدرها.. عبرا بوابة السراىّ..وأوقف العربة بتهور.. كاد يدفعها لتنقلب بمن فيها... نزل قافزاً وجذبها من يدها فى خشونة.. حاولت ان تقاوم.. لكن مقاومة إعصار فى تلك اللحظة.. أهون بكثير من مقاومة هذا الوحش الذى يكبل معصمها.. ويدفعها دفعا أمامه.. كأسيرة حرب.
انتفضت امه وسهام عند رؤيتهما بهذه الحالة وهما يدلفان لداخل السراىّ... لكنه قال بصوت هادئ متصنع لا يعكس إطلاقا حجم الغضب الذى يعتمل بصدره وهو يضغط على اسنانه فى غل :- محدش يدخل بكلمة.. مرتى وانا حر فيها.. حاولت امه التدخل رغم ذلك وهى ترى الذعر بادياً من عينى زهرة... واندفعت الدموع من عينى سهام لمرأها بهذا الشكل..وخاصة انها تعلم السبب فيما يحدث.. ليتها لم تستمع لكلامها وتذهب للقاء حسام.. لكن بماذا يفيد التمنى الان.. وماذا سيحدث لهذه المسكينة..!؟..
هتفت الحاجة فضيلة بشفقة وهى ترى عاصم يجذب زهرة خلفه للأعلى والتى حاولت مقاومته.. ليحملها عنوة كجوال من القطن على كتفيه قابضاً عليها بذراعه والتى حاولت التملص منها.. لكن لا فائدة.. -مش كده يا عاصم.. التفاهم ميبجاش كده.. هى عملت ايه لكل ده.. طب فهمنى... !؟.. صرخ عندما وصل لاعلى الدرج :-.. عملت اللى عملته.. محدش له صالح..
دفع باب الحجرة بقدمه فى عنف ليدلفا اليها.. لينحنى قليلا ويدفع بها بعيدا عن كتفه لتلامس قدماها الارض وهى تترنح بلا اتزان للحظات قبل ان تستعيد توازنها من جديد.. ليدفع الباب بعنف مرة أخرى مغلقا إياه.. وقف يلهث بشدة يتطلع اليها وعيناه تنصب عليها فى جزل بغيض..نظراته أشبه بنظرات ذئب جائع... بدأت تتراجع خطوات بطيئة للخلف وهى تعلم انها هالكة لا محالة.. انه يبدو خارجاً عن السيطرة.. تراه الان يتقدم اليها كفهد يتربص بفريسته.. وفى طريق تقدمه خلع عمامته وألقى عصاه من يده..
وصل تقهقرها لنهايته عندما اصطدمت بباب الشرفة خلفها والتصق ظهرها بالحائط.. فى نفس اللحظة التى لحق بها ليأسرها بين الحائط و ذراعيه الممتدان بطولهما واللتان أسند كفهما على الحائط موازيتان لرأسها.. ليقول بصوت خفيض أجش يأتى من اعماق سحيقة :- فى نفس المكان اللى انت واجفة فيه ديه..يوم فرحنا... وعدتك انى مش ممكن ألمسك الا برضاكى.. وكنت كد الوعد.. لكن الوعد مع واحدة زيك..ميتصانش وميتبجيش عليه.. لانك مبجتيش على حاجة..ومصنتيش اى حاجة..
نظرت لعينيه الغائمة فى رعب حقيقى وهى تسأله :- قصدك ايه..!!؟.. اقترب اكثر وأكثر مقلصاً طول ذراعيه وهمسه يتخلل مسامعها مع انفاسه الحارة التى لفتحت جانبىّ وجهها كنيران الجحيم :-جصدى انى هجتلك.. بس بطريجتى يا بت التهامى..
كمحاولة اخيرة للفرار.. انحنت لتعبر من تحت احدى ذراعيه.. لتندفع مبتعدة.. لكنه كان الأسبق.. لتصل اليها ذراعه.. ليعيدها مرة أخرى لاسرها مطوقا إياها بين ذراعيه وهى تقاومه بضراوة.. جذب حجابها ليقذف به بعيدا.. وانفلت عقال جدائلها التى تثير جنونه.. ليزرع كفيه فيهما بقسوة ليمسك جدائله بكفه قابضا عليها.. ومثبتاً رأسها.. لينظر لعمق عينيها المرتعبتين حد الموت..وهو يهتف منتشياً :- شفتى كنت كريم معاكِ ازاى..!!؟؟ وحايش عنك نفسى كيف !!؟.. بس انت متستهليش أعاملك ولا الأميرة وانتِ أخرك جارية.. ياااا بت التهامى..
كانت لا تُزل تقاومه فى بسالة ولا تعرف أين ذهبت دموعها.. فقدت تحجرت تماما فى مقلتيها.. رعبا وهلعا مما يحدث.. استطاع بمهارة تكبيل كفيها خلف ظهرها.. فأصبحت لا تقاومه الا بعصيان جسدهاعن الانصياع لرغباته.. كان لسانها تعقده الصدمة.. لم تنطق بكلمة تدافع بها عن نفسها.. او حتى توصمه فيها بالعار...
لكن فجأة..وعلى غير المتوقع.. استسلم جسدها.. ولم تعد تستطيع مقاومة ذاك المارد الذى تدفعه الرغبة فيها حد الجنون..الى إذلالها بهذا الشكل الذى لم تتخيل حدوثه ولا فى اسوء كوابيسها.. ان ذراعيه حول جسدها.. تصيبها بالغثيان.. وقبلاته المتناثرة بعشوائية هنا.. وهناك.. تجلدها كالأسواط..
لا تعرف متى بالضبط... وجدت نفسها تهتف بهذا الصوت الهادر.. كانت المرة الاولى فى حياتها تسمعه يخرج من أعماقها بهذا الالم والقهر:- هو ده اللى انت عاوزه.!؟ ده اللى هايرضيك..!!؟.. توقف فجأة ينظر اليها وقد هزه صوتها وما يحمله من دلالات وكأنه يستفيق تدريجياً من غيبوبة تغشى عقله وقلبه وجوارحه عن ادراك مدى معاناتها.. كانت لاتزل فى أسرها بين ذراعيه.. يتطلع لعمق عينيها المقهورتين فى اضطراب وتشوش وهى تكمل بنفس النبرة الهادرة... خد اللى انت عاوزه وأعتقنى لوجه الله... ان كان هو ده التمن اللى يرضيك.. خده وأدينى حريتى بعيد عنك..
ابتعد عنها فى بطء غريب وذراعاه تخلصها من أسرهما وكأنه يستعيد وعيه تدريجيا. عيناه معلقتان بعينيها التى كساها الدمع.. وعرف طريقه اليهما اخيرا... نظرات عينيه تبدلت كليا.. من تلك النظرات الشهوانية التى لم تكن تحمل غير الرغبة والانتقام.. الى نظرات حائرة.. زائغة.. مضطربة..
انفجرت تجهش باكية بشهقات دامية تخرج من اعماق روحها المجروحة.. تدارى وجهها بكفيها.. وتحاول وأد شهقاتها.. لكنها لا تستطيع.. وقف كالمشدوه.. لا يعرف..ماذا فعل..!!؟؟.. وكيف يتصرف !!؟...
يكاد يقتلها الان غيظا وحقدا.. ويموت رغبة..ليأخذها بين ذراعيه.. ليقتلها هياماًوعشقاً.. انه يكاد يجن..ان لم يكن اصابه الجنون بحق.. فما كان الذى جرى بينهما منذ لحظات.. الا نوبة جنون دفعه اليها.. حقده.. وغيرته.. وغضبه.. وحمقه وعشقه.. ان رؤيتها مع بن عمها.. ودفاعها عنه بهذا الشكل جعل الحقد والغل يسيطرا عليه.. كمن تحركه الشياطين..
ما ان هم بان يتكلم.. عندما بدأت شهقات بكاءها تخمد قليلا حتى ارتفع الطرق على باب الحجرة فى قوة اجفلته..استدار مبتعدا ليفتح الباب فى آلية.. لتطالعه سهام لاهثة.. وهى تهتف :- ألحج يا خوى.. الحكومة تحت وطالبينك.. معرفش ليه..!؟... سأل بلامبالاة..:- حكومة.. عيزنى ليه دوول..!؟؟..طب روحى.. وانا نازل لهم..
عاد لداخل الحجرة من جديد.. يتناول عباءته وعمامته الملقاة أرضا وهو يتطلع اليها بنظرات مضطربة.. لا يملك من الكلمات.. ما يمكن ان يخفف به عنها... فخرج فى صمت يلقى عليها نظرة أسف أخيرة.. ليتركها تنخرط فى نوبة بكاء جديدة.. هبط الدرج فى رتابة..ليستقبله احد الضباط.. يبادره بالسؤال :- انت عاصم مهران الهوارى..!!؟؟.. اجاب فى هدوء:- ايوه يا باشا.. خير..
-اتفضل معانا.. قال الضابط فى حزم... قال عاصم ساخرا:- اتفضل يا باشا.. وماله.. بس على فين العزم ان شاء الله..!!؟.. هتف الضابط بنفاذ صبر :- انت مطلوب القبض عليك فى جريمة قتل.. قهقه عاصم باستهتار:- جتل مرة واحدة..!؟؟.. وجتلت مين بجى..!؟؟..
-انت متهم انك ضربت المدعو حسام التهامى بالنار.. هنا اختفت كل ملامح السخرية والاستهزاء من على محيا عاصم.. ليحل محلهما الصدمة وعدم التصديق.. فى نفس اللحظة التى انطلقت فيها صرخات مدوية من اعلى الدرج.. هاتفة باسم سهام.. التى سقطت مفترشة الارض..فاقدة وعيها..
-كنت فين من الساعة الخامسة.. للساعة الخامس والنص مساءاً..!!؟.. سأل وكيل النيابة عاصم فى حزم.. ليجيب عاصم فى هدوء :- كنت فى بيتنا سعادتك.. وحضرة الظابط لما جه ياخدنى لجانى هناك.. -يعنى مكنتش مع المجنى عليه.. لحظة وقوع الحادث..!؟.. صمت عاصم قليلا ليجيب فى هدوء مصطنع :- لاه.. مكنتش معاه..
بدأ الغضب يكتنف وكيل النيابة ليهتف فى حنق:- امال ليه فى شهود شافوك وانت خارج من نطاق إسطبلات التهامية بالكارتة.. وبتجرى بسرعة كبيرة.. وكان معاك حد جواها.. فى نفس وقت الحادث تقريبا.. صمت عاصم ليحسب كل كلمة بميزان الذهب قبل ان ينطق قائلا :- انا كنت معدى من هناك.. وكنت مستعجل.. ادى الحكاية كلها..
لم يشأ ان يذكر القصة الأصلية.. فهذا معناه استدعاء زهرة.. والاطلاع على امور عائلية حساسة لا يجب الإفصاح عنها او ذكرها.. هو لم يطلق النار.. هى الوحيدة التى تعرف تلك الحقيقة.. هى الوحيدة التى يمكن ان تشهد بذلك.. ففى لحظة إطلاق النار كانت هى معه.. وحدث ما تبع ذلك من تداعيات جنونه.. ان الله انتقم لها.. بأسرع مما تتخيل.. او حتى تخيل هو..
اخرجه صوت وكيل النيابة النزق من شروده :- المسدس ده بتاعك.. !!؟.. وقدم له مسدس فى كيس بلاستيكى.. تطلع اليه عاصم فى تركيز.. ثم أومئ ايجابا.. :- أه يا باشا.. بتاعى.. بس جبتهوه منين..!؟.. ده عِندى فى دلابى.. مش بستخدمه بجالى فترة.. اللى معايا فى جيبى هو اللى بستخدمه و مش بيفارجنى الا لما خده حضرة الظابط منى.. والاتنين مرخصين يا باشا..
-السلاح ده هو اللى لقيناه بالقرب من موقع الجريمة.. و لقينا رصاصة.. موجودة بجوار المصاب.. والمعمل الجنائى هيحدد.. اى من السلاحين المتحرزين بتوعك.. هو اللى عملت بيه الجريمة... تغيرت ملامح عاصم للغضب هاتفاً :- بس انا مجتلتش حد.. ومعرفش ايه اللى ودى سلاحى الجديم هناك..!!؟..
ابتسم وكيل النيابة فى سماجة :- متقلقش يا سيد عاصم.. احنا ها نعرف ايه اللى ودى سلاحك هناك وهنبلغك.. وأخذ يملى على مساعده الآتى..:- قررنا نحن وكيل نيابة.. حبس المتهم.. عاصم مهران صادق الهوارى.. أربعة أيام على زمة التحقيق.. وضغط وكيل النيابة على ذر بجواره ليندفع احد العساكر لداخل المكتب مؤديا التحية العسكرية فى صلابة.. ليأخذ عاصم لحبسه كما أمر.. وحتى إشعار أخر..
كانت تقف فى مرح مع بعض صديقاتها يتبادلن الحديث.. حتى موعد المحاضرة القادمة.. لم تكن ابدا ممن يفوت محاضراته.. مهما كانت الأسباب.. فهى بحق تستحق وعن جدارة.. ان تكون الاولى على دفعتها.. ثلاث سنوات متتالية..وهذه السنة كما تتمنى... لن تكون استثناءً... فهى ابنة الدكتور ناجى الهوارى.. على ايه حال.. وهى ورثت حب العلم عنه بكل تأكيد..
كانت فتنة متحركة خاصة بملابسها المتحررة قليلا عما هو معتاد.. وكانت تلك هى نقطة خلافها الاساسية مع اختها الكبرى زهرة.. التى لطالما لامتها عليها.. وحاولت إقناعها بارتداء الحجاب.. لكن تأثير امها.. السيدة منيرة.. كان على ابنتها.. بالتأكيد هو الأكثر وقعاً..
بدأت المحاضرة.. ليدخل استاذ جامعى جديد.. شاب فى نهاية العقد الثالث من عمره.. انه هنا فى الجامعة.. منذ عدة ايام.. الجميع يتحدث عن نبوغه فى تخصصه.. وقف الاستاذ الجامعى على منصته ليتحدث فى ثقة وابتسامة بشوشة ترتسم على محياه الأسمر.. يعدل من وضع نظارته الطبية :- انا الدكتور نبيل قدرى.. سعيد انى بينكم هنا النهاردة.. وانى هكون.. أستأذكم السنة دى.. نبدأ على بركة الله..
-واضح انه دكتور لذيذ ومش هايتعبنا.. همست احدى صديقات ندى لها.. والتى نهرتها بدورها كالعادة.. لتركز فى كل كلمة ينطق بها.. ذاك العبقرى.. والذى طارت فرحا عندما علمت انه أستاذهم المختار لهذه المادة التى يشكو من صعوبتها الجميع.. رفعت ندى يدها رغبة فى طرح احد الأسئلة التى جالت بذهنها..ليسمح لها بطرح سؤالها.. وابتسامة هادئة ترتسم على شفتيه :-.. لكن يا دكتور.. نظرية حضرتك تخالف نظرية تانية كانت بتؤكد على العكس تماما.. بانه..
بدأت هى فى سرد بنود نظريتها.. وهو يستمع فى اهتمام لتتسع ابتسامته.. هاتفاً :- اسمك ايه..!؟.. ابتسمت فى ثقة :- ندى.. لازالت ابتسامته الواسعة تكلل شفتيه وهو يتطلع اليها والى جمالها الأخاذ.. كان يعتقد دوما ان الغبيات فقط من يسعين لابراز جمالهن بهذا الشكل الصارخ رغبة فى التغطية على ضحالة عقولهن.. لكن.. هى اثبتت العكس لتوها.. جمال فى العقل يصاحبه ابداع فى الخلقة...
اخرج نفسه من خواطره حولها.. وهو يشير لها لتجلس.. ليقول فى هدوء:- الإجابة عن السؤال القيم للانسة ندى.. هيكون عنوان محاضرتنا الجاية باْذن الله.. وانهى محاضرته.. ورحل فى هدوء.. حيث مكتبه الذى خصص لاجله عندما تم ندبه للعمل بهذه الجامعة.. فقط لهذا العام.. ليسد عجزا فى تدريس مادة تخصصه.. قبل تحضيره للسفر من اجل تلك المنحة التى حصل عليها.. ليكمل دراساته بالخارج..
انه يشعر بالحرج الشديد.. فها هو بالقاهرة.. ولم يزورعمه الدكتور ناجى التهامى للان.. فوقته مزدحم للغاية ما بين محاضراته بالجامعة.. وتجهيزه لسفره.. والعمل على بعض أبحاثه.. انه حتى لم يستطع زيارة نجع الصالح.. بعد تلك التطورات التى قصها عليه أخوه حسام.. وتجدد العداء القديم.. بين عائلته والهوارية.. والذى كان ضحيته.. بنت عمه الكبرى.. والتى لم يلتقيها يوما.. ولا حتى ألتقى عمه.. الذى كان دائم الاختباء بسبب ذلك العداء.. كان يعتقد ان عمه يبالغ فى الاختفاء هكذا.. لكن بعد ما حدث لابنته.. تأكد انه ظلمه.. وان عمه كان لديه كل الحق فيما فعل..
همس فى رغبة صادقة..:- لابد من أفرغ وقت لزيارة عمى.. حتى لا يغضب الحج قدرى علينا.. اندفعت ندى باتجاه سيارتها الصغيرة.. بعد ان أنهت محاضراتها..وما ان همت بفتح بابها.. حتى اعترض طريقها.. شابان.. كانا فى أثرها منذ خروجها من المحاضرة هتفت فى حنق لهما :- أى خدمة.. !؟...
-طبعا.. وده سؤال..!؟.. عايزين نتعرف على القمر. قال احدهما فى لهجة سمجة.. أثارت سخطها.. هتفت فى ثورة :- طب يا الله من هنا.. بدل ما انديلكم الأمن يمنعكوكم تدخلوا الجامعة من اساسه.. صرخ فى وجهها احد الشبان بعد ان اثارته بلهجتها الغاضبة التى تحمل بعض من التعالى :- انتِ شايفة نفسك على ايه.!! ده انت ِ..
هتف صوت هادئ من خلفهما يحمل نبرات حازمة :- هى انسانة حرة.. على ما اعتقد.. !!؟.. نظر الشابان خلفهما.. ليواجهاه.. ليسخر احدهما :- وحضرتك بقى.. أحد المعجبين.. ولا ايه حكايتك بالظبط.! ليبتسم نبيل فى سخرية.. ويصرخ الشاب الاخر فى صديقه:- ده الدكتور نبيل.. انت هتودينا فى داهية.. يا الله بينا.. واندفع الشابان من أمامه فى ذعر.. ليتابعهما بنظراته.. حتى تأكد من أختفاءهما.. ليعاود النظر اليها بنفس النظرات الواثقة الرزينة:- أنتِ بخير..!!؟؟..
أومأت وهى تقف مندهشة من رد فعله الواثق.. وتصرفه الراقى.. استطرد مشيراً لسيارتها.. أركبى.. وخلى بالكِ بعد كده.. أبقى أركنى العربية فى مكان ميكنش هادى.. عن إذنكِ.. وغادرها.. وهى كالبلهاء.. لم تستطع حتى ان تشكره على موقفه معها.. وكأن القطة أكلت لسانها ما بهرها حقا.. ليس تعامله مع الموقف.. لكن هى عيناه.. نعم عيناه التى لم تحيد عن وجهها.. ولم تتفرس فيها.. كما يفعل الجميع بلا استثناء.. هى تعلم ان ملابسها متحررة.. لكن هى حرة.. لطالما أكدت على ذلك مع زهرة أختها..
هى حرة فيما ترتديه.. هى تُمارس حقها لا اكثر.. لما لا يدعوها فى سلام.. هم يقيمون المرأة بقدر القطع التى ترتديها.. كل الرجال تفعل ذلك.. كان هذا ظنها فى كل الرجال بالفعل.. لذا أسقطتهم من حسابها تماما.. لكن هو..
انه الوحيد الذى لم ينظر الى جسدها.. بل نظر لعقلها.. ومنحها صك الحرية الذى كانت تسعى لامتلاكه.. على الرغم من إدعاءها دوما.. بأنها تملكه بالفعل منذ ولادتها.. "هى انسانة حرة " الم يقل كذلك.. وهى بالفعل كذلك.. فلتضرب بأراء الجميع عُرض الحائط.. ما عادت تعنيها أراءهم.. يكفيها تلك النظرات التى لم تُبتذل فى تقييم ما هو دون عنقها.. لتتشبث فقط بتقييم ذاك العقل الذى يحتل تلك الجمجمة الصغيرة..
صرخ الحاج قدرى التهامى صارخاً وهو يندفع بين طرقات المستشفى التى نقل اليها ابنه حسام..:- ولدى.. ولدى.. حد يخبرنى..حصله ايه..!؟.. كان يتلفت حوله كالذى فقد عقله من شدة صدمته.. وجميع التهامية من حوله يحاولون تهدأته.. حتى عثروا اخيرا على الطبيب.. الذى استوقف الجمع المتجمهر متسائلاً:- انتوا جايين لمين كده.. ؟؟!!.. رد احد المصاحبين للحاج قدرى:- احنا بندور على حد يدلنا على حال واد عمنا حسام..
-أه اللى جه من ساعة.. مضروب بالنار..!!؟.. صرخ الحاج قدرى بصوت مرتعش:- أه.. هو يا بنى.. هو -هو فى أوضة العمليات.. أدعوله تعدى على خير.. انتحب الحاج قدرى.. وهو يستند على احد مرافقيه..صارخا من قلب اب مفطور على ولده:-ياااارب..
رفرفت أهدابها فى بطء..و اخيراً.. فتحت سهام عينيها.. لتنتفض وهى تطالع عيون أمها الملتاعة.. والتى تجلس مجاورة لها على طرف الفراش.. وزهرة التى تتطلع اليها فى ذعر.. وخوف حقيقى.. وشخص اخر يقف بعيدا فى طرف الحجرة.. يحضر شئ ما بين يديه لم تتبن ملامحه.. لتصرخ فجأة وقد تذكرت كل ما حدث.. لتحاول الحاجة فضيلة تهدأتها..لكن لا فائدة.. وبدورها حاولت زهرة..
لكن كان رد الفعل واحد فى الحالتين.. الصراخ كان هو رد الفعل الوحيد..وكلمة واحدة.. جتله.. أخويا جتله.. ليندفع الطبيب من طرف الغرفة.. ليمسك بذراعها.. غارساً فيه محقن مهدئ حتى استكانت فى ثوان وتوقفت صراخاتها..وارتخى جسدها المتشنج..
دخل سليم السرايّ.. مندفعا.. وهو برفقة ذاك المحامى الذى يتولى كل قضايا العائلة وامورها القانونية..و الذى طلبته الحاجة فضيلة.. ليأتى اليها.. أدخله سليم لأحد القاعات.. واندفع ناحية المطبخ.. لتطالعه كسبانة.. وهى تقول فى خلاعة..:- اى خدمة ي سليم بيه..!!؟.. أشار اليها لتتبعه لأحد الجوانب المتطرفة خارج السراىّ..
ليهمس مؤكداً :- خدى اللى ليكى وغورى من هنا.. فى اى وجت ممكن يجروكى.. انا حذرتك اهو.. انتفضت وقد تغير لونه وجهها :- لكن انت جلتلى.. اعمل اللى تطلبه.. وها تتجوزنى ذى ما وعدتنى..
كان يتلفت فى قلق :- أه.. أه هايُحصل.. بس لما الدنيا تروج.. انتِ بس أخفى فى اى حتة دلوجت.. وبعدين يحلها ربنا.. وتركها.. وقبل ان يبتعد هتف :- روحى بلغى الحاجة فضيلة ان المحامى تحت معاي.. واعملى اللى جلتلك عليه..واختفى داخل السراىّ.. ليجعلها تتساءل.. هل كانت مخطئة عندما غامرت بكل شئ من اجل.. سليم الهوارى.. واندفعت بدورها.. لداخل السراىّ.. لغرفة سهام.. تستدعى الحاجة فضيلة لمقابلة المحامى..
خرجت الحاجة فضيلة برفقة الطبيب من حجرة سهام لتودعه وتركت برفقتها زهرة.. لتدخل القاعة.. فيقف المحامى وسليم احتراماً.. ويتصنع سليم الحزن هامساً:- كان مخبلنا فين ده يا حاجة فضيلة !!؟..
لتنهره الحاجة فضيلة فى صلابة :- ايه.. جلبت معددة يا سليم.. ولا ايه !!؟... عاصم برئ وميعملهاش.. وربنا هينجيه بعون الله.. وانصرفت بانظارها للمحامى وهى تسأل بغرض التأكد:- ولا أيه.. يا استاذ حامد..!!.. تنحنح المحامى فى احراج وهو يجيب :- والله يا حاجة.. انا كنت فاكر الموضوع بسيط..وكان نفسى أطمنك... لكن انا لِسَّه راجع من النيابة..
للاسف.. فى مكان الجريمة لقوا سلاح عاصم بيه.. وفى رصاصة منه كانت فى مكان الحادث.. وكمان.. سلاحه التانى.. أكدوا ان هو اللى تم بيه الجريمة..والرصاصة اللى كانت فى جسم المجنى عليه.. انطلقت منه.. انتفضت الحاجة فضيلة فى ذعر حقيقى هاتفة :- يعنى ايه الكلام ده..!؟؟.. فهمنى..
ازدرد المحامى ريقه بتوتر :- يعنى الجريمة لابسة عاصم بيه.. وخاصة مع الشهود اللى أكدوا وجود العداوة بين العيلتين.. وان عاصم بيه كان اخر واحد مع المجنى عليه قبل وقوع الجريمة.. اختفى اللون من وجه الحاجة فضيلة :- يعنى مفيش أمل..!!؟
أنا متوكدة.. وأخذت تهز رأسها بعدم تصديق... ولدى ميعملهاش.. ميعملهاش.. -لكن لِسَّه فى أمل.. هتف المحامى وهو يرى حالتها المنهارة لتتطلع اليه بكليتها.. ويعود اللون لمحياها الشاحب من جديد وهى تهتف متلهفة :- أمل أيه جوول.. ولو كان ايه.. هانعمله..!؟..
-الامل الوحيد.. فى حسام نفسه.. المجنى عليه.. هنا صرخت الحاجة فضيلة فى فرحة :- هو مماتش.. !!؟ ابتسم المحامى :- لا.. الحمد لله.. ادعيله بس ربنا ينجيه.. نجاة عاصم بيه متعلقة بكلمة منه.. لو فاق وأكد ان مش عاصم اللى ضربه بالنار.. ساعتها.. عاصم بيه يطّلع منها ذى الشعرة من العجين..
وقفت الحاجة فضيلة وقد استعادت كامل حيويتها هاتفة :- ربنا يجومه بالسلامة لأبوه الغلبان اللى تلاقيه جاتل حاله عليه دلوجت.. وربنا يجدم اللى فيه الخير.. -يا رب يا حاجة.. لحسن موقف عاصم بيه سئ جدا... ابتسمت الحاجة فضيلة فى ثقة وهى تهمس.. كله خير.. كله باْذن الله.. خير..
رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث عشر
كان يزرع زنزانته جيئة وذهابا وقد مسه الجنون بالفعل.. انه لا يطيق الحبس.. لا يحتمل القضبان.. لم يعتد هذا القيد لروحه..قبل جسده.. واخذ يتساءل كالممسوس.. ما سبب كل ما يحدث له..!؟.. هل دخولها لحياته.. بهذا الشكل القصرى.. جلب عليه كل تلك الويلات.. ليعود ذلك الصوت الداخلى يهتف من جديد..
لما تُلصق بها كل مصائبك وأخطاءك..!؟.. كفاك.. هى ابدا لم تكن مذنبة.. ان الذنب ذنبك.. اعترف بذلك أيها الاحمق الاحمق..!؟.. لو نطق بها.. اى من كان.. بخلاف ذاك الصوت الداخلى الصادر من أعماقه.. لكان الان قتيلا.. يترحم عليه الأحياء.. ولكن.. ماذا يفعل بذاك الهاتف الذى يؤرقه.. ويدافع عنها.. ويجلده.. لقد اصابه الجنون بحق.. انه مشطور لنصفين.. جزء يدافع عنها بضراوة.. وجزء يوصمها بكل آثام الارض..
متى سينتهى هذا الصراع.. لا يعلم..!؟.. كل ما يعلمه انه ممزق ما بين بين.. لا هو يدينها فيرتاح ويقذف بها خارج حياته.. ولا يبرأ ساحتها.. فيحمل كل الأوزار كاملة بلا نقصان ويطلب منها الصفح والغفران.. لم يخطئ ذاك الصوت.. انه بالفعل أحمق.. وهل هناك حمقاً أشد ضراوة.. من محبته لتلك البريئة المذنبة..!!؟.. وفجأة.. تمثلت أمامه على الجدار المقابل.. بكل رقتها وصلابتها.. ضعفها وعنفوانها.. إغراءها وطهرها.. دموعها وضحكاتها.. خجلها وجرأتها..
وتذكر.. فى حسرة.. كيف تركها !!؟.. وقفزت لمخيلته صرختها النابعة من اعماق روحها.. وهى بين ذراعيه.. فطأطأ رأسه.. وهو يضعه بين كفيه فى إنهاك.. لو كانت غفرت لى كل ما سبق.. فهى بالتأكيد لن تغفر له مطلقاً.. ما اقدم عليه.. فى تلك اللحظة المشؤومة.. مسح وجهه بكلتا يديه.. محاولا صرف تلك الخواطر عن مخيلته.. وسؤال واحد يلح على فكره.. ينهكه حد اللانهاية.. هل من الممكن.. ان يحبها... وأن يكرهها.. بنفس القوة.. وبنفس القسوة.. ولنفس الأسباب.. !؟.. هل هذا ممكن.!؟...
هتف نبيل التهامى.. لعمه بعد ان أغلق هاتفه.. -عمى انا لازم اسافر البلد حالا.. واندفع متجها للباب.. ليهتف فيه عمه الدكتور ناجى بدوره.. :- زمانهم جايين فى الطريق يا نبيل.. انت لِسَّه مقابلتش منيرة.. وند.. قاطعه نبيل.. وهو يفتح باب الشقة فى عجالة :- بقلك لازم اسافر يا عمى.. ودلوقتى حالا.. حسام اخويا ضربوه بالنار.. صرخ ناجى :- ايه..!!؟.. انت بتقول ايه..؟؟.
-للاسف يا عمى.. والمتهم.. صمت لحظات.. عاصم جوز بنتك.. الدكتورة زهرة.. صرخ ناجى من جديد :- كمااان.. ثم اضطرب وهو يتلفت متوترا.. استنى.. انا لازم أجى معاك.. أسترها يا رب..واندفعا للمصعد.. الذى وصل فى تلك اللحظة.. وكلاهما يتأكلهما القلق.. من القادم..
-زهرة.. حبيبتى.. انتِ بخير..!؟ هتف الدكتور ناجى.. قلقا..عندما اجابت زهرة على اتصاله.. لابد وان اخبار ما حدث قد وصلته بالتأكيد.. ردت زهرة بصوت حاولت ان يبدو طبيعيا.. لا ينضح بكل ما عانته فى الايام الماضية :- اهلًا بابا.. وحشتنى.. انا كويسة الحمد لله.. تنهد الدكتور ناجى :- الحمد لله.. انا كان عندى الدكتور نبيل بن عمك قدرى.. وعرفنا اللى حصل.. وجينا..وقاطعته زهرة بلهفة :- يعن انت هنا.. فى النجع..!!؟.
-أه طبعا.. كنت هعرف ان ده كله حصل ومجيش اشوف عمك واطمن على حسام.. واطمن عليكى.. عاملة ايه فى كل اللى بيحصل..!؟.. -تطمن على حسام.. هو..!!؟.. كانت تسأل فى تعجب.. فقد فهموا من ضابط الشرطة.. الذى قدم لالقاء القبض على عاصم.. ان حسام إصابته الرصاصة فى مقتل.. وتوفى على الفور.. ان دموعها لم تجف من لحظتها.. وما حدث لسهام.. زاد الامر صعوبة..
اجاب ابوها ولم يلحظ تعجبها :- أه.. ده لِسَّه خارج من أوضة العمليات دلوقتى.. حالته صعبة.. بس خير..يقوم بالسلامة باْذن الله.. لم تصدق زهرة اذنيها.. وانفجرت باكية.. غير قادرة على مداراة فرحتها بنجاة بن عمها.. الحمد لله.. هتفت فى سعادة ليقابلها ابوها على الخط الاخر مرددا:- الحمد لله.. ربنا يتم شفاه على خير.. المهم.. ايه وضع جوزك فى القضية..
صمتت ولم تجب للحظات واخيرا اجابت بتوتر :- وضعه صعب.. لان سلاحه هو اللى اضرب منه النار فعلا على حسام.. بس هو معملهاش با بابا.. انا متأكدة.. تنهد الاب :- جوزك ومن حقك تدافعى عنه يا بنتى.. تنهدت فى عمق محاولة التحدث بحيادية :- لا يا بابا.. انا عارفة انه محاولش يقتل حسام.. انا متأكدة.. وحسام نفسه عارف كده.. هو الوحيد دلوقتى اللى فى ايده نجاة عاصم..
صمت ابوها متحيراً.. لم يعلق..فاستطردت.. فى تفاصيل كتير محدش يعرفها يا بابا.. ولو انا متأكدة ان كلامى ها يفرق وهايخرج عاصم منها مكنتش كتمت شهادة حق.. لكن كلامى.. وشهادتى ممكن يورطوه اكتر.. عشان كده متكلمتش.. والحمد لله ان حسام بخير..وباذن الله.. يقول اللى يرضى ضميره.. -باْذن الله يا بنتى.. خلى الدم بين العيلتين يوقف بقى.. ثم تنحنح مستطردا.. ده انا كنت عايز اقابلك عشان اقولكِ على موضوع مهم.. لكن واضح ان التوقيت طبعا غير مناسب.. سألت زهرة :- موضوع ايه..!!؟..
اضطرب ابوها:- موضوع مهم خاص بيكِ.. كنت عمال آجله من زمان.. بس واضح انه هايتأجل المرة دى كمان.. سألت زهرة بلهفة :- مينفعش تقوله على التليفون.. ما انا سمعاك أهو يا بابا..!!؟.. -مينفعش على التليفون.. للاسف.. لازم نتقابل.. لان فى امور كتير.. هتحبى تسألى فيها ومش هتلاقى الاجابات الا عندى.. بصى.. سبيها بظروفها.. لو الوضع اتحسن وقدرت اقابلك هعرفك.. خلاص..
-خلاص.. اجابت بعدم اقتناع والفضول يقتلها.. -سلام يا حبيبتى.. وخلى بالك من نفسك.. -سلام يا بابا.. وابقى سلملى على ماما وندى.. اللى نسيونى.. إصابته الكلمة الاخيرة فى مقتل.. لكنه اجاب متجاهلا لها.. وكأنه لم يسمعها :- حاضر يا زهرة.. سلام عليكم.. -وعليكم السلام..
اغلقت الهاتف.. وألف الف تساؤل يقفز الى ذهنها.. ما هذا الموضوع الذى يريد ابيها اخبارها عنه.!؟.. ولما شعرت انه يتلكأ فى ذلك.. ويتحين الفرص لتأجيل اخبارها..!؟.. والكثير الكثير من الأسئلة.. التى لم تجد لها اجابة واحدة شافية ترضى فضولها.. نهضت مسرعة.. وقد ألقت كل ذلك الفضول.. وكل تلك الأسئلة خلف ظهرها.. لتندفع حيث سهام.. لتعلمها بالخبر السعيد.. اندفعت زهرة لحجرة سهام فى سعادة.. وهى تتقافزكالاطفال هاتفة :- الحمد لله.. الحمد لله..
نظرت اليها سهام فى تعجب.. ولم تهتم ان تسأل عن السبب واشاحت بوجهها بعيدا.. فأسرعت زهرة.. تواجهها وهى تهتف فى لهجة جزلة :- حسام لِسَّه عايش.. انتفضت سهام.. واعلنت كل خلاياها الانتباه.. وهى تهتف فى عدم تصديق..:- صوح.. ولا بتكدبى علىّ.. !!؟..
هتفت زهرة ضاحكة :- وهى دى حاجة فيها كدب.. أه.. عايش.. والله العظيم عايش.. وخرج من أوضة العمليات.. بعد ما خرجوله الرصاصة.. وهو تحت الملاحظة دلوقتى.. دمعت عيناها.. وتهدج صوتها وهى تمسك بكف زهرة :- بجد.. بجد يا زهرة عايش.. حسام عايش.. أومأت زهرة برأسها ايجابا.. وقد غلبها التأثر فدمعت عيناها لتندفع سهام لاحضانها.. وتنفجر باكية بشكل هستيرى جعل زهرة تحيطها بزراعيها.. مشفقة على حالها.. وهى تفكر.. كم هو مضنٍ.. حال المحبين..!!..
فها هى منذ لحظات.. فى مكالمتها مع ابيها تدافع عنه.. متأكدة من براءته.. على الرغم من ما فعله معها.. وتلك القسوة التى عاملها بها.. كان فعلا كالوحش.. كان قبلها يعاملها بحق كالأميرة ويقوم بكل ما يرضيها ويسعدها، حتى انها تعجبت لذلك، كان رائعا فى الايام الاخيرة.. اثناء مرض قدمها.. احيانا كانت نظراته لها تثير شكوكها و ظنونها.. لكن نفس تلك النظرات تتبدل فى لحظات لتحمل الكثير من الحنان والدفء.. كان بالفعل يثير جنونها..
تذكرت فجأة تلك النظرة الاسفة التى القاها قبل ان يندفع من الباب عندما جاءت الشرطة لاصطحابه.. وكأنها نظرة مودعة.. كان تحمل الكثير من الأسف والالم.. والرغبة فى طلب الصفح.. قرأت تلك النظرة ككتاب مفتوح.. وتعجبت.. كيف أمكنها ذلك..!؟.. كيف استطاعت ان تترجم تلك النظرة بهذه الاحترافية.. وهى التى لطالما احتارت فى تفسير نظراته التى كان يغمرها بها.. وخاصة فى الفترة الاخيرة.. !!؟... انها مشطورة لنصفين.. وكأنها تعانى ازدواجاً فى الشخصية.. شطر منها يمقته ويتمنى ان يذهب بغير رجعة جراء ما قام به تجاهها منذ اللحظة الاولى التى رأته فيها ودخل حياتها.. ليخط اول سطور لإذلالها وعذابها فى كتاب قدرها..
والشطر الاخر منها.. يتمنى له النجاة والخلاص.. لا يهم ماذا فعل..!؟.. الأهم ان يكون بخير..وان يعود من جديد إلى حياتها.. الى مشاكستها ودفعها لتحديه.. ليعود لأمه التى تموت من اجله دون ان تُظهر.. ولأبيه الطيب الذى يحتاجه سندا فى أخر أيامه.. وأخته الوحيدة.. والتى مهما قالت او فعلت.. فهى لازالت تحبه وتحترمه.. انها تكاد تفقد صوابها.. وهى لا تدرى.. الى اى شطر من نفسها يمكن ان تنحاز.. !!؟.. وتسألت.. هل يمكن لها ان تكره.. وتحب... ذاك القاسى الحانى.. بنفس القسوة.. والقوة.. ولنفس الأسباب!؟؟... لم يكن هناك اجابة.. وايضاً لم تكن تعلم انها ليست الوحيدة التى سألت نفس السؤال.. ولم تكن الوحيدة ايضا التى لم تجد الإجابة..
-يعنى برضة مش عايز تعترف..!؟.. صرخ وكيل النيابة فى وجه عاصم المجهد.. ليلتان مرا عليه.. بلا راحة او غمضة جفن.. أغمض عينيه الان فقط.. رغبة فى التقليل من شدة الصداع التى اكتنفت رأسه المكتظ بالخواطر والأفكار وهو يجيب فى نفاذ صبر :- اعترف بايه بس يا باشا.. اعترف بحاجة معملتهاش.. انا مجتلتش حد.. وعمرى ما رفعت سلاحى الا فى الحج..
ابتسم وكيل النيابة ساخرا:- اه.. الحق.. الحق ده من وجهة نظرك طبعا..!!؟.. كظم عاصم غيظه وهو يضم كفه فى قوة رغبة فى تسديدها لوجه ذاك الاحمق.. ولكنه كظم غيظه ولم يرد.. ليعاود وكيل النيابة الضغط من جديد.. لسلب اعتراف منه هاتفاً فى حنق :- الجريمة لبساك.. لبساك.. والشهود والادلة كلها ضدك.. اعترف بقى متتعبش قلبنا.. لانك فى الاخر برضة.. هتشيل القضية..
تنهد عاصم فى إرهاق.. ولم يجبه.. لتتابع طرقات على الباب.. ويدخل أحد العساكر ليعطيه إشارة ما.. يقرأها معلنا فحواها..:- المستشفى بلغتنا.. ان المجنى عليه فاق.. قالها وكيل النيابة وهو ينظر لعاصم... انا رايح على هناك..يمكن أقدر أخد منه كلمتين.. ونقفل القضية دى.. و أرجع يا اما بدليل ادانتك.. يا بدليل براءتك... قالها وهو ينظر لعاصم بشك.. وأمر العسكرى.. ليعود بعاصم من جديد.. لمحبسه..
-حمدالله على السلامة.. يا حسام.. همس وكيل النيابة بالقرب من رأس حسام.. الذى فتح عينيه فى وهن.. ليبتسم فى بطء.. بملامح شاحبة..وشفاه جافة.. :- الله يسلمك يا باشا.. -أنا مش هتعبك.. انا عايز منك تأكيد.. بأه او لأ..على كام سؤال... هز حسام رأسه موافقا.. ليستكمل وكيل النيابة.. انت شفت اللى ضربك بالنار..!!؟.. فهز حسام رأسه رافضاً.. يعنى مش هو عاصم الهوارى.!!؟
ليفتح حسام عينيه باقصى قوة يملكها تعجبا.. وهو يقول :- عاصم الهوارى.. لاه.. مين جال كده.. !!؟.. -سلاحه.. اللى انت أضربت بيه.. حاول حسام باقصى قدرة لديه التحدث رافضا ما قيل :- لاه يا باشا... جلت لك لاه.. عاصم الهوارى معملهاش.. -بس الشهود بتقول انه اخر واحد كان معاك.. وانه كان طالع يجرى من ناحية الاسطبلات.. اللى انت أضربت فيها..
-أه.. صوح.. لم ينكر حسام.. وهو يبتلع ريقه الجاف بصعوبة..ليكمل فى إرهاق.. هو كان معدى من جنب إسطبلات التهامية.. مر وسلم لما لجينى.. وبعدها خد كرتته ومشا... وحُصل اللى حُصل بعديها.. -ورصاصته اللى لقوها على ارض الإسطبل.. جت هناك ازاى.. !!؟.. سأل وكيل النيابة.. فى خبث..
صمت حسام قليلا.. ثم اجاب فى هدوء:- واحنا واجفين يا باشا.. اتخيلنا بتعبان.. فضرب عاصم نار عليه.. خوفنا يأذى البهايم.. ادى كل الحكاية.. تنهد وكيل النيابة فى نفاذ صبر :- يعنى خلاصة القول.. عاصم الهوارى.. مش هو اللى ضربك بالنار..!!؟.. اومأ حسام فى تأكيد.. لاه مش هو يا باشا.. مش هو.. انتفض وكيل النيابة.. ومساعده الذى كان يكتب كل كلمة نطق بها حسام.. ليغادرا غرفته..
ليعود الحاج قدرى.. والدكتور ناجى.. ونبيل للحجرة.. ليطمأنوا على حسام بعد هذا الاستجواب المرهق.. ولم يكن يعلم اى منهم.. ان اعترافات حسام تلك.. انقذت عاصم.. من مصيبة محققة.. لم تكن لتنزاح عن كاهله.. لولا تلك الكلمات..
هتفت سهام فى زهرة تُلِّح فى اصرار :- عشان خاطرى يا زهرة.. اسمع صوته بس.. اصدج.. يجول ألو بس.. عشان خاطرى.. ربنا يخليكى.. -طب بابا هيقول ايه بس..همست زهرة مؤنبة... لما اتصل فى ساعة ذى دى.. عشان اطمن على حسام.. والله ليقول مجنونة..ابتسمت زهرة.. لتعاود سهام ألحاحها:- وماله.. ما يجول.. هى الكلمة ها تلزج.. ده ابوكى برضك.. انفجرت زهرة ضاحكة.. لتستكمل سهام..هيجول جلجانة على واد عمها.. وعايزة تطمن عليه..
-طيب خلاص.. وافقت زهرة.. اقنعتينى.. انا هتصل وامرى لله..وأمسكت بهاتفها ترن على ابيها الذى كانت تعلم انه لازال بالمشفى مع عمها ونبيل.. رد بعد عدة رنات.بصوت قلق :- خير يا زهرة.. فى حاجة..!؟.. -لا بابا.. متقلقش كده.. انا كنت بطمن على حسام..اخباره ايه دلوقت..!؟.. -الحمد لله.. احسن كتير.. فاق وبيكلمنا.. وكله تمام..
هزتها سهام تتعجلها.. فقالت فى سرعة :- ممكن اكلمه يا بابا.. ؟!!؟.. يعنى يقدر يرد عليا.. !!؟.. استغرب ابوها طلبها.. لكنه قال فى تردد.. أعتقد ممكن.. هشوفه كده.. وابعد الهاتف عن أذنه.. يسأل حسام.. هل بامكانه التحدث لزهرة.. فاجاب حسام بلهفة.. اه.. طبعا.. وهو يمد يده.. يلتقط الهاتف الذى سلمه له عمه.. وهو لايزل على تعجبه..
-ألو.. همس حسام.. فلا يتلقى رداً على الطرف الاخر غير شهقات بكاء.. كان يعلم انها لها.. لسهام.. التى التقطت الهاتف من زهرة.. وابتعدت عدة خطوات.. لتجلس على طرف فراشها.. غير قادرة على الوقوف.. وهى اخيرا تستمع الى صوته.. الذى ظنت انها لن تسمعه من جديد.. لن تسمعه للأبد.. -سهام.. همس حسام مرة اخرى..متأثرا من صوت بكاءها الحار.. واخيرا.. اجابت بصوت متحشرج يكتنفه الدمع :- نعم..!!.. -بحبكِ.. يا مجنونة..
لتزداد شهقاتها وهى تقول :- سامحنى.. انا السبب.. اخويا.. قاطعها حسام متنهدا :- اخوكى مش هو اللى ضربنى بالنار يا سهام.. مش عاصم صدجينى.. انتفضت فى فرحة وهى تُمسح دمعها عن خديها :- صوح.. بجد يا حسام.. مش عاصم..!؟؟...
ابتسم حسام فى ضعف محاولا كتم ضحكاته متألما :- حتى وانتِ زعلانة وبتبكى.. جادرة تضحكينى.. اه عاصم بيحبك.. وموفجش على جوازنا.. بس مش لدرجة يجتلنى عشان خاطرك يعنى.. استعادت شغبها لتهتف :- جصدك ايه..!؟.. مستاهلش يجتل عشان خاطرى..!؟.. كتم حسام ضحكاته من جديد ليقول مشاكسا:- تستاهلى طبعا..بس سيبيلى انا موضوع الجتل ده.. شاورى بس.. وانا اجيب لك خبر اللى ميعجبكيش.. قالت فى دلال مشاكسة :- لاه.. مفيش داعى.. انا مش هتجوز سوابج..
-دى اخرتها.. سوابج.. ابتسم حسام.. ادى أخرت اللى يتبع الحريم.. انفجرت ضاحكة.. لتقول :- طب كفاياك كده.. عشان متتعبش.. وباذن الله هكلمك تانى.. -طيب.. وعلى العموم.. عاصم خارج.. وممكن تلاجوه عندكم فى اى وجت.. هتفت فى فرح :- صوح.. عاصم هايخرج.. لتنتفض زهرة لسماع سيرة عاصم.. وتنتبه لمجرى الحديث..
-اه باْذن الله.. قال حسام.. عجبال ما اخرج انا كمان.. واعرف اشوفك... صمت قليلا ليهمس ثانية... سهام.. انتبهت دون ان تجيب..مش هتكونى لحد غيرى.. ولو كانت دى اخر حاچة اعملها فى حياتى.. وفجأة.. انطلقت الزغاريد من قلب السراىّ.. لتنتبه كل منهما.. فتنتفض زهرة فى وجل.. وتبتسم سهام.. للفأل الحسن.. وهى تغلق الهاتف.. فى نشوة..
عبرت ندى بوابة الكلية بعربتها.. وكانت تتجه لتوها لمكان تصف فيه سيارتها.. وتذكرت نصيحته لها.. فبحثت عن مكان مزدحم قليلا.. لتصف سيارتها به..وتندفع لحضور محاضراتها.. وكانت محاضرته إحداهن.. انها تنتظر المحاضرة بلهفة.. لانه سيناقش نظريتها التى اثارتها المحاضرة الماضية.. جلست تنتظر فى قاعة المحاضرات لكن الوقت مر.. ولم يأتى احد.. هو معروف بدقة مواعيده ماذا حدث يا ترى..!!؟.. دخل احد الطلاب.. ليهتف لهم..
-الدكتور نبيل قدرى معتذر عن محاضرات الاسبوع ده يا شباب.. الاسبوع بكامله..!!؟؟... ترى ماذا حدث.. ليتغيب عن محاضراته وهو المعروف عنه دقة مواعيده.. وعدم تخلفه عن احداها.. لابد وان السبب أمر جلل..!؟؟.. لكن.. ما هو يا ترى..!!؟..
وقف عاصم فى صحن السراىّ.. يتطلع لامه الحاجة فضيلة..التى اندفعت اليه فى شوق.. تلقى بنفسها بين ذراعيه باكية كانت هذه من المرات النادرة.. التى يرى فيها تلك السيدة الفولاذية.. تبدى بعض من ضعف الأنوثة.. ضمها بين ذراعيه بحنان وهو يهتف متصنعاً المرح :- واااه يا حاجة.. ايه امال.. خبر ايه.. انا مكنتش فى الغربة.. دوول هم يومين غيبت فيهم..!؟؟.. واحنى رأسه يقبل هامتها التى كانت مغروسة باحضانه.. لترفع هى نظراتها اليه وهى تقول بصوت متحشرج..:- والله يا ولدى.. كنهم سنتين.. مش يومين.. بركة انك خرجت بالسلامة..
وفجأة كعادتها.. نفضت عنها حزنها كأنه لم يكن لتأمره فى محبة..:- يا الله.. روح اتسبح.. وهجيبلك لجمة تاكلها.. وتنام كد تلت تيام كده.. عشان شكلك تعبان.. وجعان نوم.. انفجر عاصم ضاحكا وهو يكرر:- تلت تيام نوم.!!؟.. وماله.. أوامرك يا حاچة.. وسحبته من كفه.. تدفعه لصعود الدرج.. وهى تهمس له فى إشارة لأعلى.. ليتطلع للأعلى..
فيرى زهرة تقف.. على استحياء.. فى اعلى الدرج.. كانت تريد الاختباء فى غرفة سهام.. لكن لمتى.. وهى لا تريد ان يدرك احد ما يدور بينها وبين عاصم..وهتف بداخلها صوتا لذاك الشطرمنها والذى يناصره... مهللاً بفرحة لمرآه عندما أزعنت لإصراره فى الخروج لاستقباله رغما عنها.. لم تجرؤ ان ترفع نظراتها لتتطلع اليه.. لكن هو رفع بصره لإشارة امه التى أكدت هامسة :- البنية كان مخلوع جلبها.. شوية عليك.. وشوية على واد عمها.. وشوية على سهام وحالها..
اطلع لأوضتك يا ولدى.. وخد مرتك فى حضنك.. ومشفكش جبل تلت تيام تحت.. جبل كده.. ميحصلش.. لم يقهقه عاصم لدعابة امه هذه المرة.. بل طرقت كلماتها قلبه وعقله كالمطارق.. يأخدها بين احضانه!!؟..يا ليته يستطيع.. ولثلاث ليال فقط..!؟..بل يتمناها بين ذراعيه عمره كله..
صعد الدرج بآلية حيث تقف.. ولم يتفوه بكلمة حين وصل اليها.. وهى بدورها لم تنطق بحرف.. كانت ترتعش من قمة رأسها حتى اخمص قدميها حين طل عليها من علياءه.. تخطاها ليسير فى ذاك الممر الذى يؤدى لحجرتهما.. وهى خلفه.. تسير بتؤدة.. دقات قلبها.. وكأنها طبول حرب.. تظن ان الجميع يسمعها.. كما تسمعها الان تصم آذانها فترتبك خطواتها خلفه..
دلف للغرفة وترك بابها مفتوحاً.. لتتردد قليلا.. ثم تدخل مغلقة الباب خلفها... أين يمكن لها ان تبتعد حتى يتجاهل وجودها وينساها..!!؟... فربما يفكر فى استكمال ما لم ينتهى منه.. قبل عدة ايام..!!؟.. اتخذت احد الأركان ملجأ لها.. ليدخل هو الى الحمام لثوانى..ثم يخرج وقد نسى شئ ما.. اقترب من ذاك الجانب.. لتنكمش فى مكانها فى ذعر.. هاله ما ارتسم على محياها من ملامح مرتعبة.. مد يده للمشجب خلفها يلتقط جلبابه..
ليهمس صادقا :- اطمنى... مش هتتكرر تانى... اخر حاجة عايزها هى.. وتردد قليلا ليكمل.. انك تكونى فى حضنى وانت مش راضية.. ولو هموت..مش ها تُحصل تانى... دمعت عيناها.. وبدأت تشعر بالارتخاء والراحة بعد ان وصلها الصدق فى كلماته.. ولا تعرف ما الذى دفعها لترفع عينيها الدامعتين اليه.. ليسب فى سره ويلعن.. وهو يجذب أنظاره بالضالين.. بعيدا عن عينيها التى تآسره..ليندفع للحمام جاذبا جلبابه خلفه فى عنف.. وهو يقسم انه لو انتظر لثانية واحدة فقط..
امام تلك النظرات.. فانه لا يعتقد ابدا انه.. سيكون قادر على الوفاء بعهده.. الذى تعهد به منذ لحظات فقط..انتهى من حمامه.. ليخرج فلا يجدها بالغرفة..فيتنفس الصعداء.. ليرتدي عمامته وعباءته ويتناول عصاه الابنوسية ويندفع هابطاً الدرج.. لتفاجأ به امه فتهتف فى تعجب..:- على فين العزم.. انت لحجت ترتاح..!!؟..
-معلش يا حاجة.. مشوار ضرورى مينفعش يتأجل.. أخلصه وارجع ارتاح بجد.. -مشوار ايه ده..!؟؟.. سألت الحاجة بفضول.. ابتسم عاصم :- مشوار يا حاجة.. مشوار.. ليندفع خارجا.. هربا من أسئلتها.. وفضولها..
طرقات على باب غرفة حسام.. جعلت الجميع يتنبه للقادم.. ويفغر كل منهم فاه مدهوشاً.. كان الاول الذى استفاق من ذهوله و اجاب الطارق الذى يقف الان على اعتاب بابه.. هو حسام.. الذى هتف فى ترحيب وهو يعتدل بصعوبة :- اهلًا.. اهلًا..اتفضل يا عاصم.. ادخل..
وقف كل من نبيل والدكتور ناجى والحاج قدرى لثوان.. مشدوهين.. لرؤية اخر شخص يمكن ان يتوقعوا زيارته لحسام.. لينتبه نبيل متوجها لعاصم يتناول منه كل تلك الهدايا والأغراض التى يحملها.. ويضعها على المنضدة الموجودة فى أطراف الغرفة.. ويرحب به الحاج قدرى هاتفاً :- اهلًا يا بنى.. اتفضل.. مشيرا لهداياه.. مكنش فى داعى تكلف نفسك..
ليرد عاصم فى هدوء وهو يجلس على احد المقاعد القريبة من حسام :- دى حاجة بسيطة يا حاچ.. حمدالله بالسلامة يا حسام.. قالها ملتفتا لحسام.. الذى ابتسم فى ود :- الله يسلمك.. وحمدالله بسلامتك انت كمان.. ليبتسم كل من بالغرفة.. ليقول عاصم :- انا جاى أتشكرك.. لولا شهادتك.. كان زمانى..
قاطعه حسام.. هاتفاً بتعجب :- بتشكرنى على شهادة الحج.!! ده مش جميل انا عملته فيك ده حجك وانا رديتهولك.. ابتسم عاصم فى امتنان.. ونهض يربت على كف حسام الممددة أمامه على الفراش.. ليستدير مغادرا لكن يوقفه حسام مناديا :- عاصم.. عايزك..!!؟. ليستدير اليه عاصم.. مواجها ومستفسرا.. ليوجه حسام كلامه لعمه وأخيه وأبيه.. :- ممكن بس تسيبونى شوية مع عاصم.. !!؟..
-امرك يا ولدى.. وماله.. خدوا راحتكم..هتف الحاج قدرى ليندفع ثلاثتهم لخارج الغرفة.. وما ان أُغلق الباب خلفهم.. حتى وجه حسام نظراته لعاصم الذى توقع ان يحدثه فى رغبته بالزواج من سهام.. لكنه كان مخطئ حين همس حسام فى هدوء :- عاصم.. انا مبحبش ادخل ما بين راجل ومرته..صمت حسام وهو يرى تعابير وجه عاصم المبهمة ليكمل فى اصرار.. مدافعاً عن ابنة عمه التى قاست الكثير زهرة بت عمى.. مرتك وانت حر معاها.. بس لما ابجى عارف انها مظلومة وان انت اللى ظالمها.. يبجى مفيهاش سكات..
تململ عاصم فى جلسته لا يعرف لما يشعر بأحاسيس ومشاعر غريبة تعتريه ما ان يذكرها احدهم أمامه.. او ينطق باسمها حتى تتقاذفه الشياطين.. شياطين الغيرة والرغبة.. والغضب.. والشك... والحيرة..
اكمل حسام.. ولم يُخفى عليه ما اعترى عاصم من مشاعر فرضت نفسها فرضاً على محياه..:- بت عمى مظلومة.. هى معندهاش نمرتى.. يبجى كيف بعتت لى رسالة.. وانا مش معاى نمرتها.. لكن بعت لها.. على النمرة اللى وصلتنى منها الرسالة.. مد يده بهاتفه لعاصم..:- شوف الرسالة.. بتجلى فيها ايه!!؟..
انا زهرة بت عمك.. هو لو نمرتها معاى.. هاتجول ليه كده..ما طبيعى هبجى عارف انها هى.. شوف مين يا عاصم.. اللى عايز يوجعنا فى بعض.. وبعت رسالة ليا وليها.. وجالك احنا فين.. وضربنى وانا معاكم.. وكان عايز يضرب كذا عصفور بحجر واحد.. تنهد حسام متعبا :- انا خلصت زمتى من ربنا.. وانت حر..
تنهد عاصم بدوره لينهض بهدوء مكررا:- حمد الله بسلامتك يا حسام.. انتبه على نفسك.. ولم يرد بحرف على ما ذكره حسام منذ قليل.. ليخرج من الغرفة.. ليلقى التحية على الجميع.. ويختص الدكتور ناجى الذى قال له بنبرة صادقة :- مش هتشرفنا بالزيارة يا دكتور ناجى.. ولا أيه..!!؟.. تعجب الدكتور ناجى من عرضه.. لكنه اجاب بابتسامة هادئة كعادته.:- باْذن الله.. ليكم زيارة مخصوص لانى لازم اسافر.. سايب منيرة وندى لوحدهم بقالى كام يوم... سلملى على زهرة..
ابتسم عاصم :- يوصل يا دكتور.. سلام عليكم.. وخرج من المشفى.. يشعر بسلام داخلى وهدوء نفسى.. يفتقدهما منذ زمن بعيد.. واخيرا.. تكرما بزيارته..
دخل عاصم الى السراىّ.. ليجد الحاچة فضيلة فى مقعدها المفضل.. استقبلته بحبور.. ليجلس بجوارها وهو يشعر بسعادة عجيبة تكتنفه.. شعور غريب بالراحة والطمأنينة يشمل روحه.. بحث عنها بعينيه لكنه لم يجدها بالجوار.. وفطنت امه لنظراته فقالت فى خبث محبب:- زهرة عند سهام.. مفرجتهاش لحظة من ساعة ما غميت لما خدتك الحكومة..ربنا لا يعيدها.. من يوميها وأختك لا بتاكل ولا بتشرب يا حبة عينى.. ومش بتبطل بكا..
نادى عاصم على كسبانة.. لترد امه قائلة :- معرفش غارت فين البعيدة.. بجالها يومين مبتجيش السرايا.. والحمل تجل على ام سعيد.. صمت عاصم لبرهة مفكراً.. ثم ابتسم ساخرا :- طبعا مش هتشوفيها تانى يا حاجة.. ولا هتورينا وشها..لان هى اللى سرجت سلاحى الجديم من دولابى.. واديته للى كان عايز يجتل حسام.. وتلبسنى الجضية..
صرخت الحاجة:- وااااه.. وليه تعمل كده..!!؟.. ده جزات المعروف اللى عملته فيها.. صحيح.. اتجى شر من احسنت اليه.. -متلوميش حالكِ على خير عملتيه يا حاچة.. شوفى انتِ اللى وزها تعمل كده.. وعدها بايه.. او هددها بايه.. ربنا يستر على عبيده.. قالها عاصم فى هدوء.. وهو يعاود النداء.. ولكن على ام سعيد هذه المرة.. لتأتى مهرولة.. ملبية للنداء -طلعى صنية عليها خيرات ربنا لأوضة سهام.. همى يا ام سعيد..
-عنايا.. هتفت السيدة الطيبة فى حماسة..وما هى الا دقائق معدودة.. ورأها تصعد بصينية الطعام.. ليستأذن من أمه ويصعد خلفها.. طرق الباب.. وما هى الا ثوانى.. حتى أذن من بالداخل.. للطارق بالدخول.. لتهتف سهام فى حنق :- مش عايزة أكل يا ام سعيد.. رجعى الصينية دى.. ليدخل عاصم متنحنحاً وهو يتطلع الى حيث تجلس زهرة باريحية بجوارها.. وتنتفض فى نفس اللحظة التى سمعت فيها صوته وهو يهتف مازحا:- حتى ولو جلت لكِ.. انى هوكلك بيدى..
انتفضت سهام عندما اقترب منها.. وانحنى يقبل رأسها فى حنان ثم يجلس على طرف فراشها.. أمرا ام سعيد بوضع الصينية على الطاولة الملاصقة للفراش.. لتنفذ ما طلب وتتركها وترحل.. اما زهرة.. فكانت تقف مشدوهة.. لا تصدق ان هذا الرجل الذى يقطر حنانا مع أخته.. هو عاصم مهران الهوارى.. بشحمه ولحمه.. كانت سهام تطأطأ رأسها وقد بدأت دموعها فى الجريان..
ليهتف هو منزعجا:- واااه.. ليه الدموع دى دلوجت.. دى حمد بالسلامة.. اللى مسمعتهاش منيكى.. قال كلماته الاخيرة وهو يمد يده ليمسح دموع اخته من على خديها.. لكن عيونه تلقى بنفس التساؤل على تلك المشدوهة هناك..والتى تضرب أخماسا فى اسداسا.. وعيونها زائغة..ودقات قلبها تفقدها توازنها وتعلو حتى تكاد تختنق فلا تستطيع ألتقاط انفاسها بالشكل المعتاد.. وكأن احد ما قد سحب كل هواء الغرفة..
مد عاصم يده للطعام.. يتناول منه لقمة يغمسها فى العسل ليضعها فى فم أخته.. التى تناولتها من يده وهى لازالت تشهق باكية وردت اخيرا بعد ان ابتلعت لقيمتها:- انا اسفة يا خوى.. سامحنى.. -انتِ معملتيش حاجة أسامحك عليها.. انت اللى تسامحينى عشان جسيت عليكى... وامتدت نظراته للمرة الثانية.. بنفس الرسالة.. لزهرة.. التى تسللت فى خفة.. لتجلس على الكرسى الوحيد القريب من موضع وقوفها.. والذى لسوء حظها..كان مقابل.. الى حد كبير.. لموضع جلوسه.. التقطت رسالته.. فحارت فى تفسيرها..هل هو حقا يعتذر!!؟..
الغول.. يعتذر ؟؟!.. لا.. انها تهزى.. ليست بارعة ابدا فى فك الشفرات وحل الألغاز.. وخاصة الكلامية منها.. ولا تميل لتفسيرات قد تكون مجرد امنيات ما بداخلها حلمت يوما ما بتحقيقها.. هى لا تعرف كيف تفسر... وليس لديها رغبة فى ذلك... فخيبة الامل التى ستصاحب تفسيرها الخاطئ.. ألمها لن تتحمله لانه سيكون موجاً لحظتها.. ليس لكرامتها او كبرياءها فحسب.. وانما الى قلبها الذى تشعر انه لم يعد يطاوعها منذ امد بعيد.. وانه ينحى بمشاعره منحنى قمة فى الخطورة رغم تحذيرات العقل المتكررة.. ولكن.. من يبالى.!!؟..
هتفت سهام فى نزق:- لاه.. انت اللى تسامحنى.. لانى صدجت انك ممكن تكون جتلت حسام.. بسببى.. ازاى أفكر فيك كده..!!؟؟.. وانا اللى مفروض أدافع عنك وابجى متوكدة اكتر من اى حد.. انك متعملهاش.. وانفجرت باكية من جديد.. ليبتسم عاصم على براءتها وهو يقول :- بس انت عندك حج.. انا ممكن اجتل اى حد.. عشان خاطرك يا سهام.. اى حد يفكر يأذيكى.. اجتله ولا يهمنى.. انا مستحملش النسمة عليكى.. وانت عارفة..
ابتسمت سهام من بين دموعها :- ربنا يخليك ليا.. رد الابتسامة فى المقابل.. وهو يلتقط لقيمة اخرى من صينية الطعام.. ليضعها فى فمها..وهو يمازحها:- يا الله.. عنجلعوكى اها... جبل ما ياجى عريس الغفلة.. ويخدك منينا ويجلعك هو.. لتنفجر سهام ضاحكة... وتعود لطبيعتها المرحة من جديد..
لينهض عاصم وقد شعر بانه أنجز مهمته وأعاد اخته لمرحها المعتاد... اما هى... تلك الحبيبة المتباعدة هناك.. تلك التى لا يعلم.. كيف يراضيها..!؟؟؟.. كيف يشق طريقه الى قلبها... !!؟.. كيف يجعلها تصدق.. انه بالفعل يتمناها..!!؟.. كيف يهدم ذاك الماضى المشؤوم.. والذى يقف كجدار من فولاذ بينهما.. ليستطيع الوصول لذاك القلب الذهبى.. العامر بالحب والحنان اللذان انتظرهما طويلا.. وبحاجة إليهما.. حاجته للماء والهواء.. اه لو يعرف كيف!!؟...