logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 2 من 36 < 1 2 3 4 5 6 7 8 36 > الأخيرة




look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 02:37 صباحاً   [7]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن

دخل الحجرة... يتطلع الى أريكتها.. لكنه لم يجدها..كانت فى الحمام ترتدى منامتها... خرجت لتجده فى مقابلتها... اخفضت نظراتها.. تحاول المرور حيث اريكتها لكنه كان يسد الطريق عليها... وقفت بلا حراك.. تنتظر ان يفسح لها الطريق... بلا جدوى... انتظرت.. وانتظرت... وكان كالجبل لا يتزحزح... انتظر ان تتطلع اليه تلك النظرات المتحدية التى تتقنها.. وتذهب بعقله وتثير جنونه.. لكنها حتى لم ترفع رأسها تتطلع اليه... كان يعرف انها غاضبة لما حدث امام سليم.. لكن منذ متى يهمه غضبها.. ويحاول استرضاءها..!!؟.. حاولت المرور.. على حين غرة... فوقف فى طريقها.. يسده عليها فارتطمت بذراعه المصابة.. فتأوه فى ألم... جعلها تجفل وتندفع عائدة اليه.. تتأسف فى ندم...

-انت كويس.. معلش مكنش قصدى..
-خلاص... قالها وهو يمسك ذراعه.. وقد غام وجهه ألما... محصلش حاجة.. وتوجه لفراشه فى صمت... شعرت
بندم يعتريها... وتذكرت انه قد حان دهانه على جرحه... كما انه لا زال يرتدى ذاك الجلباب الممزق من ذراعه المصابه.. ولم يبدله بالطبع..
توجهت لخزانة ملابسه فتحتها.. وتطلعت بها.. انها المرة الاولى التى ترى فيها محتوياتها... بنظرة سريعة.. أمتدت يدها.. لقسم القمصان... فتناولت احداها.. وقسم أخر للسراويل المنزلية.. فتناولت واحد منهم...

ثم فتحت احدى الأدراج التى رأت ام سعيد تضع فيها بعض الشراشف..فأخذتها... كان يراقبها صامتا فى استمتاع... نظرت اليه اخيرا :-... بعد إذنك بس أغير فرش السرير... تحرك فى هدوء.. للجانب الاخر للحجرة حيث اريكتها.. ليجلس عليها.. فى صمت ولازالت عينيه تتبعها كظلها... تراقب كل سكناتها... حتى انتهت من تبديل أغطية الفراش... ثم استدارت له.. وتناولت ملابسه... واضطربت وهى تقلبهم بين يديها... فأدرك حيرتها... فتناول السروال يحاول ارتداءه وهو جالس.. واخيرا جذبه.. الى وسطه ليرتديه كاملا... وهى تدير رأسها حرجا.. تتصنع البحث عن شئ ما.. اخيرا وجدته عند انتهاءه...

أمسكت بالمقص... لتشق جلبابه وتنزعه بعيدا عن جسده...
ليظل عارى الصدر.. يشرف عليها بقامته المديدة.. التى تشعرها بضاءلتها... امتدت يدها لتأخذ منه القميص لتساعده على ارتدائه وهى ترسل نظراتها فى كل أتجاه الا اتجاهين صدره العارى وعينيه القاتمة... لكنه رفض اعطاءه لها مشاكسا فى مرح.. رفعت نظراتها مستفهمة.. ليشير اليها
وابتسامة على شفتيه.. يذكرها بأنها لم تضع دهانه على جرحه بعد... ادركت ذلك.. فلقد نسيت من اضطرابها..
انه يشوشها.. ويفقدها تركيزها كليا.. وهو يحاصرها بهذا الشكل الغير عادل.. بنظراته الآسرة.. وصدره العارى..

تناولت الدهان.. واستدارت خلفه.. لتبدأ فى وضع الدهان.. ونشره على مواطن الجرح التى بدأت فى الاندمال الى حد ما..كان صامت تماما.. لم يتفوه بكلمة... الا انها شعرت بتصلب عضلات كتفيه.. انتهت اخيرا.. فتناولت منه القميص... ادخل يده السليمة اولا..

ثم وضعت الطرف الاخير من القميص على كتفه المصاب.. وهى تشب على أطراف أصابع قدميها.. لتلاحظ ذاك الشريان.. الممتد بطول رقبته.. ينبض فى عنف.. هل يشكو من شئ ما..!!؟؟..تساءلت فى نفسها.. ورفعت نظراتها.. لتصدم بنظرات عينيه التى ارتجفت عندما طالعتها... كانت تحمل مزيج غريب من المشاعر.. لم تستطيع تحديدها بالضبط.. مزيج لم تراه من قبل.. يختلف عن تلك النظرات التى لا تحمل فى طياتها سوى الرغبة فى الانتقام.. والتشفى..

وفجأة.. جفل كل منهما.. مع طرقات مسرعة على باب الغرفة.. ودخول أعصارى.. لسمية.. دون حتى الإذن لها بالدخول.. تطلعت إليهما.. لثوانى حاقدة... ثم اندفعت..
لعاصم فى هلع مصطنع تتحسس ذراعه وصدره بوقاحة..:-
أنت بخير يا واد عمى... هتفت فى فجاجة... خلعت جلبى عليك... دى انا من ساعة ما سليم جالى.. وانا ولا على حامى.. ولا على بارد... تعال.. استريح فى سريرك.. وجذبته من ذراعه... استريح.. انت ملكش الا الراحة دلوجت..

وقفت زهرة فى صمت تتطلع لذلك المشهد الممجوج.. تحاول
على قدر استطاعتها كبح جماح رغبتها فى الامساك بسمية تلك والإلقاء بها خارج الغرفة... لا تعرف لما سمية بالذات تثير فيها ذاك القدر من الكراهية.. والرغبة الحقيقية.. فى قتل احدهم.. لما هى بالذات يا ترى !!؟؟.. ربما لانها مدعية
وتحاول إظهار ما لا تستشعره حقا و بشكل فج..!!؟. ربما..همست فى نفسها.. هى شخصيا ليس لديها تفسير منطقى يريحها..

اندفعت فى تلك اللحظة الحاجة فضيلة.. تنظر لذلك المشهد بعينى صقر... لتهتف فى صرامة :- خلاص يا سمية.. اطمنتى على واد عمك اهو.. بخير والحمد لله.. سيبيه يستريح.. هو ومرته... وضغطت الحاجة فضيلة على تلك الكلمة الاخيرة.. وهى تكمل فى حنو.. المسكينة منامتش طوول الليل جنب عاصم من حجها تستريح..

-طيب... قالتها سمية بحقد سام.. انا تحت على العموم يا واد عمى لو احتجت لأى حاجة... ونهضت فى تثاقل.. ورشقت زهرة بنظرات مميتة.. وخاصة عندما رد عاصم وهو يتطلع لزهرة التى كانت تقف على الطرف الاخر من الأحداث صامتة.. لم تنبس بكلمة.. ويتعجب لشعوره بإدراك ثورتها الداخلية على الرغم من هدوء ملامحها... فقال وهو يتطلع لزهرة قائلا:- متشكرين يا سمية.. بس مظنيش هحتاجلك... ومرتى چنبى...

كانت القشة التى قسمت ظهر البعير.. والتى جعلت سمية تندفع من الغرفة كسهم انطلق من قوسه... وتمتد يد الحاجة فضيلة لتغلق خلفهما الباب وهى ترمى ولدها بابتسامة واسعة..اما زهرة.. فكانت أشد الموجودين.. تعجبا.. ليس لما قاله.. ولكن لما شعرت به... ما تلك الفرحة البلهاء التى تشعر بها !!؟؟... وما تلك السعادة التى غمرتها فجأة..!!؟؟...

لما ينبض قلبها بذاك الشكل المجنون..!!؟؟... ولما تغالب ابتسامة تحاول القفز عنوة على شفتيها..!؟؟...
من المؤكد انه قد اصابها الجنون.. لابد وانه كذلك..
لتفعل بها مجرد كلمات عادية.. كل تلك الافاعيل..
وتجلب لها ذاك الكم الهائل من الحبور.. وشعور طاغى بالفرحة.. لم تستشعره منذ أمد بعيد...

كان يتطلع اليها... والى اضطرابها الذى تحاول مداراته..كان يعتذر منها بطريقته على شدته معاها امام سليم..
كانت لاتزال واقفة يعتريها الخجل والتساؤل..
لكنه أدرك كل ذلك بمهارة.. وشعر به فى سهولة عجيبة.. جعلته يتعجب من نفسه.. وقدرته على قراءة مشاعرها واحاسيسها بتلك الشفافية.. متى استطاع ذلك..!!؟؟.. وكيف !!؟؟...

تمدد على الفراش... يحاول قطع ذاك التواصل اللاشعوري بينهما... فاندفعت هى فى عفوية تسحب الغطاء على جسده المسجى... التقت العيون لثوانى خاطفة...
واندفعت هى تحتمى باريكتها... لعل النوم يزورها... ويخلصها من تلك المشاعر الغامضة التى تتلاعب بها..

. تحسنت ذراعه كثيرا... وعادت لطبيعتها... والفضل لها..فالحق يقال لم تكن تغفل عن موعد دواء.. او دهان لجراح كتفه.. او حتى غذاءه... كانت تهتم بكل كبيرة وصغيرة..
لا تغفل اى ما يخصه... فترة بقاءه الطويلة نسبيا داخل السراىّ جعلته.. يحتك بها ويتعامل معها عن قرب.. ليكتشف عنها الكثير الذى يجهله.. والعجيب ان كل ما اكتشفه أسعده كثيرا..بقدر ما اقلقه.. لان ما اكتشفه جعلها تقترب اكثر وأكثر من قلبه بشكل اثار حيرته..

رأها ودودة مع الجميع.. ام سعيد والتى دوما ما تمازحها... امه التى تعاملها كابنة لها.. مما يثير تعجبه.. سهام التى تحبها كشقيقة... ودوما ملتصقة بها... ابيه.. الذى ما يفتأ يذكرها بالخير.. وينادى عليها لتجالسه.. ويأنس لها.. وكم وجده.. يضحك مغتبطاً على نوادرها.. والمواقف التى تعرضت لها.. من جراء مخالطتها للحيوانات...
كانت تتنازعه مشاعره... ما بين امتنان لها.. وحقدا عليها...

هل هذه ابنة الرجل الذى أراد الانتقام منه... التى أراد إذلالها وأخضاعها له وجعلها تركع طالبة العفو والرحمة... !!؟؟... يكاد يجن... من فى السراىّ بأسرها.. لا يحبها.. ويأنس لوجودها.. !!؟؟..حتى انت... !!؟؟ قال مخاطبا نفسه... لا.. هتف فجأة.. انا فقط ممتن لما فعلته من أجلى.. أثناء فترة مرضى.. هذا مجرد شعور بالامتنان ليس أكثر..نعم... أمتن لها.. وأشكر لها اهتمامها بى.. واعتناءها بأحوالى فى ساعات مرضى.. انا لا احمل لها من مشاعر سوى ذلك...

انتفض.. ونفض عنه تلك الخواطر بسرعة.. عندما دخلت امه الى المضيفة حيث يجلس.. يتطلع من نوافذها الطويلة..
التى تكاد تصل للأرض.. الى جانب من الحديقة التى تحيط بالسراىّ... ابتسمت فى محبة خالصة له.. وجلست بقربه..
تربت على كتفه فى حنان.. وكأنها تنفض عنه.. ما يعتريه من فكر يؤرقه...

-اختك ومرتك.. استأذنونى يخرجوا لأرضنا.. وانا وافجت.. انتبه بكليته لها... فتابعت... بجالهم فترة مخرجوش بره السراىّ.. ومرتك الصراحة مش متعودة على الحبسة دى..
وتعبت معاك فى رجدتك.. جلت تغير جو.. أنا بعتهم مع حسان بالكارتة... لغيط الموالح...
-وماله يا حاجة.. ميضرش... اهم فى الأمان فى أرضنا مرحوش حتة غريبة... بس تعالِ جوليلى... أنتِ ايه حكايتك بالظبط...

-حكاية أيه !!؟..بدأ الاضطراب يعترى الحاجة فضيلة... ولاحظ عاصم عليها ذلك... فهذه من المرات النادرة التى يرى شعور أخر غير الحزم والشدة يرتسم على وجه أمه...
-حكايتك مع بت ناجى التهامي... ده انتِ بتعامليها أحسن من بتك سهام... جرى ايه بجى... !؟؟!..كتير كنت عايز استفسر عن المعاملة الملوكى اللى بتعامليها بيها دى كأنك انتِ اللى نجتيها على الفرازة.. علشان تجوزيهالى...

-صدجت... كأنى انا اللى اخترتها.. قالتها بنبرات غلب عليها الحزن الدفين.. واللوعة..
-ايه الفوازير دى يا حاجة.. !!؟؟... لأول مرة مفهمكيش.. ولا أبجى عارف جصدك أيه..!!؟؟...
-تعال فوج على أوضتى... الحيطان ليها ودان.. قالت كلماتها وهى تنتفض من مكانها.. لتتوجه لأعلى الدرج حيث حجرتها... و نهض فى همة يتبعها.. تتنازعه الحيرة من تصرف امه العجيب.. لكنه كان على يقين ان ما ستطلعه عليه...

هو احد اهم اسرارها.. وان لديها ما يبرر تصرفاتها اغلقت خلفها باب الحجرة فى احكام.. وتركته يجلس على احد الآرائك فى جانب الغرفة وتوجهت لخزانة ملابسها.. فتحت احد الأدراج بواحد من تلك المفاتيح التى لا تفارق رقبتها... وأخرجت أحد الصناديق المعدنية.. وتوجهت حيث يجلس فلذة كبدها وجلست فى صمت.. لثوانى.. وزفرت بقوة تحاول تخفيف توترها.. قبل ان تفتح ذاك الصندوق.. لتلتقط منه أحد الصور الفوتوغرافية.. تتطلع اليها فى شوق عجيب.. لم يره عاصم مرسوم على محيا هذه السيدة الجبارة من قبل.. واخيرا.. أطلقت سراح الصورة من بين يديها.. لتمررها اليه.. ببطء..

تناول منها الصورة وهو يتطلع لوجهها الذى تتصارع على قسماته مشاعر شتى... ثم حول ناظريه للصورة.. ليدقق فيها لثوانى مبهوتا.. ثم يقف من هول صدمته.. مأخوذاً بما يرى... ينظر للصورة لحظة.. وفى اللحظة الثانية يوجه نظره لأمه... وهكذا عدة مرات.. حتى استعاد أخيراً رباطة جأشه.. وقال بصوت حاول جعله طبيعيا.. :- دى كنها زهرة مرتى.. بس الصورة جديمة.. وكمان متصورة جمبك... كيف ده!!؟؟...

_دى مش زهرة مرتك يا عاصم... قررت إلقاء الحقيقة دفعة واحدة.. دى فاطنة أختى... مرت ناجى التهامي اللى هربت معاه.. واللى انت عارف جصتهم زين... وتبجى..
وازدردت لعابها.. تحاول الا تتوقع رده فعله المدمرة..
تبجى أم زهرة...
جلس فجاة.. بعد ان سمع اعترافها كاملاً..و الذى كان بمثابة انفجار هزه..وأصاب ثباته فى الصميم...

ظل يتطلع للصورة الفوتغرافية كالمشدوه.. لم ينطق بحرف واحد... انها زهرة.. كأنها هى... سبحان الله... نسخة أخرى منها.. وكأنهما توأمتان... وفجأة.. لمعت فى رأسه
تداعيات الحقيقة... بكل تفاصيلها...
-يعنى انت عايزة تجولى ياما.. ان زهرة تبجى بت أختك فاطنة.. يعنى زهرة بت خالتى.. !!؟؟..أومأت برأسها ايجابا وهو لا يزال غير مصدق ما يسمع ويرى... لكنه انتفض فى عنف وهو يتساءل صارخا :- عايزة تجوليلى انك مكنتيش تعرفى.. ده يُعجل !!؟؟.. متعرفيش ان اختك خلفت بت.. وسمتها زهرة !!؟... كيف يا حاچة.. كيف !!؟؟..

-ناجى أبوها خبى علىّ... قالتها امه صارخة وعيونها تترقرق فيها الدموع.. انا لو كنت اعرف.. مكنتش سبت بت أختى تربيها ست غريبة عنها.. عمرها ما داجت الا الجسوة على يدها... ابوها كان خايف انى أخد بته منيه.. بت اختى..اللى ماتت بعد الولادة... فجالى ان البت كمان ماتت بعد امها... كنت فاكرة لما كلمتنى وانت جايبها على هنا.. ان دى بته من مرته التانية... مكنتش أعرف.. انى خليتك تنتقم منيه فى أعز حاجة عندى... وهنا شهقت الحاجة فضيلة شهقة مكبوتة.. واندفعت الدموع من عينيها اندفاعا..
وكأن سد قد تحطم من جدار روحها... لم يرى عاصم امه..

بذاك الضعف.. وتلك الاستكانة.. لم يرى ابدا دموعها تغرق وجهها.. لم يحدث ذلك ابدا.. على الاقل أمامه.. لطالما تساءل.. هل تبكى تلك المرأة.. مثل باقى النساء!؟؟..والأن.. فى تلك اللحظة.. يرى ذلك بعينيه..
اندفع اليها.. متعاطفا مع ضعفها.. الذى لم يألفه...
يربت على كتفها.. ويقبل رأسها المنحنى خجلا..تحاول ان تدارى دموعها التى لم تستطع منع هطولها..
-خلاص أهدى.. أهدى يا حاچة...

-عارف أخر حاجة جالتهالى فاطنة ايه فى جوابها الاخير ليا.. كانت ساعتها فى شهرها.. على ولادة.. جالتلى.. لو جت بت... هجوزها لعاصم ولدك.. غصب عنه.. وابتسمت فى وهن من بين دموعها.. عرفت ليه جلتلك.. كنى انا اللى اخترتها.. وعرفت ليه.. انا بعاملها احسن من سهام بتى... لانها بت الغالية.. اللى ظلمناها كلنا.. ومحدش حن عليها.. ابوها يوم ما خبى علىّ وجودها..

ويوم ما جاب لها مرت أب ما عرفتش معاها طعم الحنية..ودلوجت احنا ظلمناها.. يوم ما فكرنا ندفعها تمن غلطة ابوها بچوازها بيك غصب عنها... لو مكانش كل ده اسمه ظلم يا ولدى... اومال يبچى ايه الظلم !!؟؟..
تداعى اما ناظريّ عاصم كثير من المواقف التى جعلت الصورة واضحة أمامه بكل تفاصيلها... معاملة امه لها..
ابوه عندما رأها للمرة الاولى... نادى عليها بأسم أمها..

الدكتور ناجى ولهفته لمقابلة أمه ليلة كتب الكتاب ليعرفها حقيقة الامر.. واخيرا... ذاك الخوف المرضى من الظلام..والذى يعتريها.. وسماعه لها تهزى باسم زوجة ابيها..
فى احدى تلك النوبات.. كانت دليل واضحا.. على سوء المعاملة.. التى كانت تتلقاها.. من تلك المرأة والتى لا تعرف حتى هذه اللحظة انها ليست امها...

-زهرة متعرفش كل ده طبعا..!!؟؟..سأل وهو على يقين من الإجابة... ولكن ليطمئن قلبه...
-أبوها جالى انها متعرفش... وعايز هو اللى يجولها بنفسه..
-ليه!!؟؟... سأل عاصم فى حيرة..
-معرفاش... هو جالى كده..

-ومنجلهاش احنا ليه !!؟؟. وبعدين احنا مبنخدش أوامر منيه ناجى بيه ده... قالها عاصم نزقا.. فى نفاذ صبر..
-اصبر بس يا ولدى... ناجى دى بحوره غويطة.. مش يمكن فى حاجات تانى منعرفهاش.. وممكن تضر زهرة ولا حاجة.. علشان كده عايز هو يجلها بنفسه..!؟؟...
لم يقتنع عاصم بكلام امه على الرغم من إظهاره عكس ذلك..لكنه قرر ان يطيعها.. ولا يخبر زهرة بحقيقتها.. حتى يرى ما ستنطوى عليه الامور..

واستأذن من أمه... بعد ان أعطاها وعدا.. بعدم اخبار زهرة بأى حرف مما دار بينهما.. مهما حدث.. حتى تعرف متى ينوى ابيها ابلاغها...
لم يكن يدرك كلاهما... عاصم وأمه.. أن هناك شخص آخركان يسترق السمع لحديثهما... و يدرك الأن سر زهرة... وأصبح يعرف من تكون...

اندفعت كالمجنونة تدخل دارهم فى عاصفة هوجاء كالعادة... تنادى امها بأعلى صوتها وهى فى قمة الغضب..لترد امها فى فزع.:-ايه... خبر ايه يا مخبلة... داخلة واخدة فى وشك كده..
كان ذلك رد الحاجة رتيبة... على دخول ابنتها سمية الاعصارى..
-خلاااااااص.. هموت من الغيظ ياما... البت اللى اتجوزها عاصم.. كل ما أجول هجلعها من هناك... تتبت اكتر واكتر...

دخل فى تلك اللحظة اخيها سليم.. وهو يطلق صفيرا.. ينم عن مزاجه الرائق... وما ان رأى اخته تغلى من الغضب... حتى توقف يسأل فى اهتمام :- ايه اللى حُصل تانى... مخلى شكلك زى اللى غرج غيطه...
-طبعا جاى ورايج ولا على بالك... ما انت متعرفش المصيبة اللى سمعت بيها فى دار عمك...

استطاعت ان تستحوذ الان على كل اهتمامه... بينما أمهما تنظر لهما فى ضيق... وكأن الامر لا يعنيها.. فقالت فى حنق:- لساكى ورا عاصم.. خليكى... والله ما تلومى الا روحك.. وخليكى عائمة ورا عوم اخوكى... ما هو لو ابوكى لساته عايش.. كنت خليته يلمك... لكن هجول ايه.. أمر ربنا... هتموتنى ناجصة عمر.. يا ولاد غسان..
قالت كلماتها الناقمة واندفعت مبتعدة الى المطبخ من حيث أتت..

بينما تحرك سليم ليجلس ملاصقا لأخته.. التى سألها فى لهفة:-
ايه اللى سمعتيه فى بيت عمك.. !!؟؟.. جولى.. انطجى..
-عارف بت الدكتور ناجى اللى اتجوزها عصام دى تبجى مين !؟؟
-تبجى الجمر..البدر فى تمامه.. حظه دايما عالى..جايب السما... حتى فى الحريم... قالها فى غل وحقد... يقطر من كل حرف
-جمر ايه... وزفت ايه!!؟؟..انت جاصد تشلنى مش كده..
-جولى طيب تبجى مين... ومتزعليش...
-تبجى بت خالته.. عرفت يا خووى..
-مش بجولك مخبلة.. خالتة مين يا حزينة.. !!؟..

-خالته فاطنة مرت ناجى التهامى... وهو كان جايل للحاجة فضيلة انها ماتت ورا امها.. وعاصم لما جابها غصب واتجوزها علشان يذل ناجى التهامى كان فاكرها بته من مرته التانية... فهمت..
-ايه الحدوتة دى..ما تتصدجش...

-بجلك سمعتهم بودنى وعاصم وأمه بيتكلموا.. عاصم نفسه مكنش يعرف.. البت نفسها متعرفش لحد دلوجت... يعنى زنجت زنجة سودا.. كنت عايزة اخلص منها واخلعها من دار عمى.. تاريها متبتة بالجوووى.. بت... ناجى... قالتها وهى تزفر حانقة زفرة حارقة أودعتها كل حقدها...
-دى شكلها اتغفلجت بجد... وراح يفرك جبينه بسبابته.. وهو يفكر بعمق.. لاز بصمت شيطانى.. حتى تفتق ذهنه اخيرا.. عن فكرة جعلته يقفز فرحا...

انحنى على اخته التى كانت تنتظر بفارغ صبر.. وفتحت عيونها وأذانها على مصراعيها وهو يقول فى جزل :-بصى انا لِسَّه شايف عاصم واد عمك رايح ناحية إسطبلات الخيل.. هتروحيله.. وهتجوليله اللى هجلهولك ده بالحرف... سمعانى...
هزت رأسها عدة مرات.. موافقة فى حماس.. وهى تتشرب كل حرف ينطق به اخوها...

كان يتجه لأسطبلات الخيل..تتنازعه الافكار.. وتعبث به الخيالات بعد ذاك السر الدفين.. الذى قذفته امه بوجهه...
لقد قلب ذاك السر كل الموازين... ما وضعها الان.. وما وضعه هو.. هل سيظل يعاملها بنفس الطريقة المتأرجحة تلك !!؟... وكيف وهو يدرك الان انها تستحق افضل معاملة.!؟.. هل من المنطقى ان ينقلب فجأة بالمعاملة للنقيض.. كيف يمكنه ذلك.. انه حتى لو أراد لن يستطيع.. انها هى من تدفعه لتلك المعاملة الخشنة.. هى.. بنظراتها النارية.. التى تحمل الكثير من الندية والتحدى..و..كذلك...

كذلك ماذا.!؟.. لا يعرف.. عندما يراها أمامه.. يحدث له أمورا.. لم يعهدها من قبل.. تعتريه مشاعر وأحاسيس.. لم يخبرها.. تجعله يريد الانتقام منها.. لانها السبب فيها.. لانه لا يدرك حاجته لمشاعر كالاهتمام والحنان.. الا بوجودها.. انها تدق حصون قلبه المنيعة بمعول من حنان ورقة.. لم يسبق له ان تجرعهما.. ان قلبه القاسى.. قلب الغول.. يأن لنظراتها البريئة..

ويأخذه الكبر عندما تنقلب تلك النظرات لنظرات تحدى وندية.. تجعله يفقد صوابه.. ليعود وحشا من جديد...
انتفض من خيالاته.. عندما وجد شبح لأمرأة خلف احد الأشجار يشير له.. نهض فى حذّر.. وعندما اقترب أفصحت المرأة عن نفسها...
-سمية... ؟؟!! ايه اللى جابك هنا.. مرحتيش ليه على السرايا !؟.. قالها حانقا.. من ظهورها المفاجئ فى مكان يعج بالرجال.. التى تأتى لمقابلته من كل صوب وجهة..
-عيزاك ضرورى فى أمر مهم ميتأجلش...

-استنينى فى السرايا.. روحى.. واستدار مغادرا ليقطع عليها استرسالها فى الحديث.. لكنها استطاعت ان تجذب انتباهه مرة أخرى عندما هتفت... موضوع بخصوص مرتك..
استدار بكليته ليواجهها وقد ضاقت عيناه وهو يسأل فى حيرة :- موضوع ايه.. !!؟؟.. صمتت فى دهاء.. لتثير فضوله.. الا انه هتف فى نفاذ صبر.. ما تنطجى.. موضوع ايه!؟..

-مرتك.. بتتوالس مع واد عمها على اختك..!؟؟..
-ايه اللى بتجوليه ده.!؟؟.. شكلك اتجنيتى... هتف بغضب مكتوم
-لاه.. متجنتش.. ولسه بعجلى يا واد عمى.. مش مصدجنى.. روح شوفهم عند غيط الفاكهة.. هتلاجيها واجفة مع واد عمها.. حسام.. وفى يدها سهام..
كان يسمع كلماتها التى تشتعل كراهية وحقد.. وهو يغلى غضبا..
وحنقاً.. ظهر فى كلماته وهو يقول :- عارفة لو اللى بتجوليه ده مطلعش صوح.. هعمل ايه..!!؟؟..

نظرت اليه فى دلال.. وهى تقول فى غنج :- اعمل فيا اللى انت عاوزه انا جابلة... بس انا عمرى ما اكدب عليك..انت بالذات يا واد عمى... ولولا ما انت تهمنى.. وشرف الهوارية اللى انت رافعة دايما لفوج راس الكل.. يهمنى... مكنتش جيت وجلتلك علشان فى الاخر يبچى جزاتى تعاملنى كده... قالت كلماتها الاخيرة وهى تقترب منه فى اغراء.. لم ينتبه له.. ورأسه تموج بالكثير من الافكار.. وقلبه يغلى على مرجل مشتعل..
دفعها عنه... وهب مسرعا... ليقفز فى رشاقة ليعتلي صهوة جواده سلطان ويندفع حيث غيط الموالح... تسرع فى أثره شياطين الدنيا...

-مش يا الله بقى يا سهام.. الشمس حامية.. وأنا تعبت الصراحة..
يا الله نرجع السرايا... بقالنا كتير هنا..
-لا شوية كمان يا زهرة... قالتها سهام متشبثة فى ذراعها كالأطفال... هو احنا ورانا ايه لما نرجع.. ولا اتوحشتى عاصم
اعترفى..

على الرغم من ان زهرة تفاجأت بسؤال سهام الاخير... الا انها حاولت التظاهر بثباتها على قدر المتستطاع... وهى تبتسم فى هدوء :- طيب خلاص.. هنقعد كمان شوية صغيرين.. علشان خاطرك..
وفجأة سمعوا سلاما...
- السلام عليكم.. نطقها حسام من خلفهما.. جعلهما يستديران فى سرعة..لتكون سهام اول من أجاب بأشراقة على وجهها..
-وعليكم السلام يا استاذ حسام.. ثم أجابت زهرة..
-أزيك يا حسام وازى عمى.!!؟...

-الله يسلمك يا داكتورة.. تمام..بيسلم عَلَيْكِ
كان يحدثها لكن عيونه تنصب على سهام.. لا تغادرها.. وهى على غير العادة.. مستمتعة.. تقابل نظراته بابتسامة عذبة خجول.. ماذا يحدث هنا !!؟؟... سألت زهرة نفسها.. وهى تتعجب مما ترى.. وأين ذهب شجار القط والفأر.. والذى يبدأ.. عندما يجتمعا.. !!؟؟..
لا تعرف لما شعرت بالخطر.. فجذبت سهام من يدها وهى تقول..-طيب احنا كنّا لِسَّه ماشيين يا حسام علشان اتأخرنا..
-لِسَّه بدرى يا زهرة.. جذبت سهام يدها.. مستعجلة ليه.. !!؟..

-ايوه صح يا بت عمى..مستعجلة ليه.. !!؟؟..سأل حسام
-لا مش مستعجلة ولا حاجة.. بس اصل احنا أتأخرنا.. ولازم نرجع... قالت زهرة بلهجة تحذيرية لسهام
-انا اللى اتأخرت.. قالها فى ابتسامة اعتذار وهو ينظر لسهام..
فزاد شعورزهرة بخطر ما يحدق بهم جميعا... ان إحساسها فى ذاك الصدد لا يكذب ابدا... شعرت بان برودة ما تجتاح معدتها.. وهى تتذكر ان ذلك كان نفس الهاتف الملح عليها.. عندما اختطفها عاصم.. لابد وان يرحلوا.. الان.. وفورا..
-ألحجينى يا داكتورة.. جاموستى بتموت..

قالها احد الفلاحين.. والذى يبدو عليه الهلع.. والخوف من فقدان بهيمته الغالية.. والذى ظهر فجأة من العدم أمامهم جميعا... وقد وجدت زهرة ظهوره نجدة بعثها الله فى الوقت المناسب.. لتحجم ذاك الشعور المتناهى بالخطر والذى اعتراها منذ ظهور حسام..
-فين يا حاج... أهدى ودلنى على مكانها.. وانا تحت امرك..

وسارت زهرة خلفه تجذب فى يدها سهام التى كانت تسير خلفها مغصوبة.. فى ضيق واضح.. كطفلة أنهوا رحلتها المحببة فجأة
رغما عنها... لكن حسام تبعهم مصراً... كان دار الرجل وزريبة ماشيته تقع فى الركن القريب من حقل الموالح... فوصلت زهرة لتلتفت وتجد حسام مازال يسير خلفهم..
-تقدر تمشى يا حسام.. انا هشوف جاموسة الراجل الطيب ده وهنروح على طووول.. قالتها وهى تنظر لسهام نظرة تحذيرية كى لا تعارض كلامها.. فصمتت.. متزمرة.. اما حسام فقال فى ثبات..

-لا ميهمكيش يا بت عمى.. شوفى شغلك.. وانا هستناكم... مينفعش تفضلوا هنا من غير راجل معاكم...
لم تكن تملك الوقت لتجادله.. وذاك الرجل الفقير.. يتعجلها..
فدخلت زريبة ماشيته.. وهى تجذب سهام خلفها.. وتترك حسام خارجها... ولم تدرك وهى تندمج فى عملها.. بشغف كالعادة..
ان سهام غافلتها وخرجت متسللة.. لتقف مع حسام خارجا..

-أتأخرت على فكرة وكنت همشى بجد..قالتها سهام فى دلال
-معلش.. غصب عنى.. ده انا جيت جرى.. وسبت كل اللى فى يدى.. علشان اشوفك.. لما عرفت أنكم هنا..
ابتسمت فى خجل.. وهى تتطلع اليه هائمة:- خلاص.. سماح المرة دى..
-تفتكرى زهرة خدت بالها..!!؟؟... سألها فى توجس
-هى حست اكيد بس مش متأكدة طبعا... لأنى مجلتلهاش حاجة..

-ربنا يستر... لأن.. وقطع استرساله عندما وجد عيونها تجحظ فجأة وتنتفض فى هلع.. لتجرى مسرعة ناحية الزريبة التى تتواجد بها زهرة.. صارخة فى ذعر..:- ألحجينى يا زهرة... ألحجينى يا مرت اخوى.. اخوى جاى على هنا.. وشافنى مع حسام.. واد عمك...
كان صراخها كفيل بان يفزع ليس زهرة وحدها.. بل تلك البهيمة ايضا والتى انتهت زهرة من علاجها اخيرا.. لننتفض البهيمة فى ذعر متقهقرة لتصدم زهرة وتسقطها أرضا وتدهس على قدمها بحافرها الضخم... لتتعالى صرخات زهرة هذه المرة... ويندفع كلا الرجلين..عاصم وحسام... لداخل الزريبة... بعد ان كان كل منهما يقف قبالة الاخر.. كليث فى سبيله للدفاع عن مملكته..

صرخاتها فقط هى التى جذبت انتباههما بعيدا عن صراعهما..
اندفع عاصم فى جزع ناحية زهرة التى كانت ترقد بلا حول ولا قوة جبينها يتصبب عرقا... وعيونها تغيم من دموع ألم.. تحاول كتمانها... نظر لحظات لأخته فى حنق واضح وهتف بها..روحى نادى لحسان بالكارتة على هنا بسرعة.. واستنينا فيها..

سمعانى.. ودقق على الكلمة الاخيرة التى قالها من بين اسنانه.. واندفعت هى تنفذ فى سرعة اقرب لسرعة الضوء.. المهم انها تختفى من امام نظراته الان بأى ثمن..
وجه أنظاره لزهرة التى زاد عليها الالم.. اقترب ليضع يديه خلف ظهرها تمهيدا لحملها.. لكنها أبت فى اصرار.. فمد يده لتستند عليها... وضعت كفها الرقيقة فى كفه الرجولية الضخمة.. فكانت كنجمة فى احضان السماء... سرت فى جسدها أرتعاشة وهو يطبق على كفها حتى تستطيع تحميل جسدها علي كفه.. فأرجعتها لإحساسها المتزايد بالالم ليس اكثر... صرخت للمرة الثانية ألما..

عندما لامست قدمها الارض.. وتهاوت.. لثوانى ظنت انها عادت للأرض من جديد.. لكنها كانت بين ذراعيه... لماذا دوما لا تحدث لها المصائب الا وهو قريب منها.. ويكون نتيجتها الحتمية هى الارتكان على تلك الذراعين.. والاحتماء بذاك الصدر...
لماذا لا يدعها بمصائبها... فى سلام..
فجأة وجدت نفسها مرفوعة إجباريا لمستوى صدره... ينظر اليها نظرات عجيبة.. مبهمة.. لا تعرف.. كأنها تحمل من البغض والكراهية بقدر ما تحمله من الإشفاق والخوف عليها...

ما به!!؟؟..لماذا يبدو غريبا عنها..!؟؟... على الرغم من انها بين ذراعيه يحملها ليتوجه بها خارجا حيث عربة حسان التى وصلت الأن... الا انها تشعرانه بعيد عنها.. بعد المشرق عن المغرب..!؟؟..
ذراعاه متصلبتان حولها... وعيونه زائغة لا تريد ان تقابل نظراتها.. كأنما تتهرب منها.. وجسده متشنج.. !!؟؟.. يكاد يكون عودا من صلب.. وضعها بسهولة فى العربة بجوار سهام التى كانت مطأطأة الرأس لا تريد مقابلة نظراته... اما هى.. فكان يتحاشى نظراتها متعمداً بشكل عجيب..

تحركت العربة.. وتركت حسام خلفها.. يرمقه عاصم بنظرات متوعدة... كادت ان تحرقه حيّا... لم ينطق الا بكلمة واحدة... كانت موجهة لحسان.. ليتوجه لعيادة الطبيب... ليفحص قدم زهرة المصابة.. والتى ألقى عليها نظرة سريعة... قبل ان يبعد نظراته عنها متجاهلا إياها..
كانت العربة تسير بهم متأرجحة على تلك الطرق الغير ممهدة.. فتزيد من الم ساقها الذى بدأ يطرد مع كل اهتزاز للعربة..كانت تتطلع اليه خلسة.. فتجده صامت متجاهل.. على غير عادته..

لماذا تتوجس خوفا.. وتشعر ان ذاك السكون الذى يسبق العاصفة
وان خلف ذاك الصمت المريب.. الكثير من الافكار والخواطر التى لا يعلم مدى خطورتها الا الله...
هل رؤيته لحسام وسهام معا هى سبب تغيره المفاجئ هذا..!!؟؟
نهرت نفسها فى عنف.. ناعتة نفسها بالغباء.. طبعا لها تأثيرها..
ده أكيد... ألقت نظرة على سهام التى تجلس بجوارها ترتعش رعبا لا تجرؤ على رفع رأسها.. ومقابلة نظراته.. انها حقا تشفق عليها.. ماذا ينوى ان يفعل مع تلك المسكينة!؟...

لم تعرف انهم وصلوا للوحدة الا عندما بدأت العربة فى التباطئ..
وطالعهم بناء ابيض من دور واحد..يفصح عن نفسه..
نزل عاصم فى هدوء... ولم ينتظر ان تسمح له بحملها.. بل حملها فى سرعة... ومهارة لتعود مرة اخرى لحصار ذراعيه المتشنجتين... وقبل ان يدخل للوحدة الصحية استدار لسهام يأمرها بصوت كالفحيح.. متتحركيش من عيندك لحد ما نرجعوا...
لم تجرؤ على التفوه بكلمة.. بل هزت رأسها عدة مرات ايجابا..

دخل للوحدة فاستقبله الطبيب فى ترحاب متسائلا..:- خير يا عاصم بيه... المدام فيها حاجة... وهو ينظر لزهرة التى يحملها بين ذراعيه بوجه متجهم...
-أه يا داكتور.. يا ريت تشوفها.. كانت بتكشف على بهيمة من البهايم.. وداست على رجلها.. هنا جريب منك.. فجلنا نعدى عليك أسرع.. بدل ما نروح السرايا.. ونتعبك تيجى...
-الف سلامة يا هانم... قالها الطبيب وعاصم يضع زهرة على سرير الكشف الطبى... واقترب من زهرة.. يسألها.. عن كيفية حدوث الإصابة من جديد... فسردت له ما حدث دون التطرق.. للجزء الخاص بسهام.. وبأفزاعها لها وللبهيمة.. والتى كانت السبب الأساسى فيما حدث...

- طيب نكشف على رجليك ونشوف... وامتدت يد الطبيب تكشف عن قدمها غطاء الكشف الأبيض.. الا انها لاحظت وقوف عصام فى مكانه لا يتزحزح... فوضعت يدها.. على الغطاء.. لا تريد ابعاده عن قدمها... تسمر الطبيب فى مكانه.. شاعراً بالاحراج.. نظرات عاصم الموجهة لها.. كانت لامبالية بشكل كبير.. لكن على الرغم من ذلك... قال بصوت هادئ.. ولم يحول نظراته عنها... اكشف من فوج الغطا يا داكتور..

امتثل الطبيب لأوامره... وما ان امتدت يده لتلامس موضع الإصابة الذى بدأ يتورم.. حتى ندت عنها أهة عميقة.. جعلته ينتفض رغما عنه... وكمحاولة للتستر على تلك الانتفاضة.. سأل الطبيب فى اهتمام..:-خير يا داكتور.. فى حاجة چامدة... !!؟؟..
-لا متقلقش حضرتك.. هى بس كدمة شديدة شوية.. لازم لها الراحة.. وانها مدسش على رجليها المصابة.. أوتحمل عليها بتقل جسمها.. على قدر الإمكان.. مع رباط ضاغط وشوية أدوية.. والراحة بكتيره اسبوع هاتبقى تمام.. ان شاء الله..

-تمام.. قالها عاصم وهو يهز رأسه فى تفهم... ثم يستدير اليها بكليته... ليحملها من جديد... يا ليتها تستطيع السير لتبتعد عن ذراعيه مئات الاميال.. قالت لنفسها..وهى تكتم انفاسها قابعة فى ذاك التجويف المسمى صدره.. تتسلل اليها رائحة عطره الرجولى.. وتنصت لتلك الدقات الصاخبة.. التى يصدرها ذاك القلب القاسى... تلك النبضات التى يتردد صداها فى ذاك التجويف الذى تحتله بين ذراعيه... وكأنها طبول تعلن الحرب..

رفعت ناظريها فى حذّر... لتطالع ذاك الذقن الغير حليق..
والذى أعطاه مظهراً... أشبه بالقراصنة.. وقطاع الطرق..
ذقن متعجرف.. مثل صاحبه.. يرفعه فى ثقة من لا يهاب شيئا عند نهايته يقبع ذاك الشريان... الذى ينتفض فى قوة... تنذر بالخطر..تعلقت عيناها بذاك الشريان... بشكل لاأرادى... لا تحيد بعينيها عنه... ولم تدرك انه تنبه لعينيها المعلقة به..الا وهو يضعها على فراشها.. لقد وصلت السرايّ.. ولم تشعر.!!؟!..

لقد استغرقت الطريق كله فى تأمله.. ولم تستوعب ماذا يحدث.. الا عندما وجدت نفسها فوق الفراش فى غرفتهما..انزلها.. فى بطء وحرص شديدين.. وكأنها مصنوعة من زجاج.. وما ان سحب ذراعيه من تحتها.. حتى استند بهما على الوسادة التى تريح ظهرها عليها.. لتصبح اسيرته من جديد.. لم يتفوه بكلمة.. لم لا يتكلم.. لم لا يثور.. ويتوعد كعادته... كل ما نالها منه... هى تلك النظرات المختلطة التى تربكها بحق... تلك السهام التى يرسلها بعينيه... تحمل خليط من مشاعر لا تستطيع فصلها.. وتمييزها..
انها ترتعش الأن.. وهى لا تستطيع الهرب من تلك النظرات المحاصرة لها.. تكتم انفاسها.. التى لا تستطيع اخراجها من صدرها.. الذى بدأ يضج بتلك الدقات الصاخبة التى تمزقه..

واخيرا... ابتعد فى بطء.. ليسير باتجاه الباب.. ويقول بنبرة
عميقة... هبعت لك الدوا اللى كتبه الداكتور مع خال.. وصمت فجأة... ليستدرك.. مع الحاجة..
وخرج واغلق الباب فى هدوء...



look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 02:38 صباحاً   [8]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع

سار عبر الممر القصير الذى يفصل جناحه عن باقى غرف السراىّ ليمر بجوار غرفة سهام.. ليتوقف قليلا.. ويطرق الباب
ويدخل ليجدها.. تقبع متكومة فى احد جوانب فراشها.. وما ان رأته.. حتى انتفضت واقفة.. تتراجع للخلف.. كلما تقدم منها..
تعلو وجهها علامات الرعب من مجرد التفكير فى ردة فعله.. والتى تتوقعها شرسة بالطبع.. اصبحت الأن تلتصق بالحائط خلفها.. لا ملجأ اخر.. تأوى اليه...

وقف يتطلع اليها... لبرهة من الزمن... مرت عليها.. دهراً.. قبل ان ينطق متسائلا بصوت هادر :- ايه اللى بينك.. وبين بن جدرى التهامى.. !!؟؟..
انتفضت وهى تجيب فى سرعة وبحروف مضطربة :- ها يكون ايه يعنى... مفيش يا خووى... دى انا مشفتوش غير مرتين... فى الارض... مع زهرة... حتى أسألها.. دى انا حتى مكنتش أعرفه جبل سابج... ولا عمرى شفته..

-يعنى فى المرتين شفتيه مع زهرة... !!؟؟..سأل بلهجة عجيبة لم تفهمها.. لكنها أجابت بسرعة... آه.. طبعااا.. كنت معاها.. أسألها حتى وهى تجولك...
-ما أنا هسألها طبعا... همس فى لهجة مسمومة... وهو يشرد فى تخيلات شتى... حتى انتبه مرة أخرى ليسلط نظراته القاتمة على أخته التى انتفضت من جديد.. وهو يقول.. مفيش خروج تانى ليكم بره السرايا... الا معاى.. فاهمة... !!؟؟
-أه.. طبعا فاهمة فاهمة... أمرك يا خووى.. واستدار ليخرج من الغرفة كالعاصفة صافقا الباب خلفه فى عنف...

تناولت دواءها.. الذى أحضرته لها الحاجة فضيلة وهى ملتاعة
بعد ان علمت بما حدث... جالستها قليلا.. ثم تركتها لتستريح..

لأن دواءها يسبب النعاس... استلقت على الفراش.. وأغمضت عينيها.. لكن ذاك النعاس المزعوم.. لم يزور جفونها.. كانت تتمنى لو تستطيع ان تأخذ حماما دافئا يلقى عنها ذاك الأرق السخيف الغير مبرر ويدفعها للنوم.. وكالعادة دون تفكير مسبق.. نهضت فى بطء.. تتوجه للحمام.. وهى تقفز على قدم واحدة.. وحمدت الله ان ما من احد تنبه ان قدمها المصابة..بدون ذاك الرباط الضاغط الذى أوصى به الطبيب.. فلا قدرة لها على الانحناء لتفكه..

او تربطه من جديد... بدأت تلهث بسبب قفزاتها المتتالية.. ولازال باب الحمام بعيدا... ستفقد وعيها حتى تصل هناك.. قالتها فى خيبة أمل... وأخيرا وبعد معاناة.. وصلت لأعتاب الحمام.. وكادت ان ترقص فرحا.. الا ان صوت باب الغرفة الذى فُتح فجأة... أجفلها.. فكادت تسقط.. ولكن كالعادة... تلك الذراعين تلقفاها.. من جديد.. لما تشعر أنهما أصبحا قدرها.. هما.. وصاحبهما..

-جمتى ليه من سريرك..!؟؟؟... سأل فى حنق..منادتيش ليه على حد يساعدك.. !!؟؟..
-أكيد الكل نام دلوقت.. محبتش أذعج حد... قالتها متوترة
-هناديلك سهام.. قالها وهو يحاول مساعدتها لتجلس على احد المقاعد المجاورة..
-لا مفيش داعى... قالتها فى سرعة.. دى أنا كنت هاخد حمام علشان اعرف انام... اللعنة على تسرعها وزلات لسانها التى لاتنتهى... لماذا ينزلق لسانها دوما... ولا يكبح جماح عشقه لسرد التفاصيل.. له هو بالذات...

فجأة لمعت عيناه ببريق عجيب... جعل انفاسها تتوقف.. عندما قال..:- بسيطة.. عايزة تاخدى حمام.. مفيش اسهل من كده..
-ايه هو اللى بسيط دى... ومفيش اسهل منه..!!؟..سألت بتوجس وبنبرات متوترة...
لم يجيبها.. بل حملها بذاك المقعد الذى تجلس عليه... وتوجه للحمام... قالت فى فزع حقيقى... من فضلك نزلنى... خلاص مش عايزة.. انا خلاص جالى نوم والله... رجعنى على سريرى لو سمحت...

- أولا ده مش سريرك.. ده سريرى أنا... ثانيا... انا مش سواج جنابك..تجوليلى نزلنى هنا يا أسطى.. أجوم اسمع الكلام وانزلك.. ثالثا.. وده الأهم.. أنت عايزة حمام... يبچى لازماً تخدى حمام.. انا مرتى متنامش ونفسها فى حاچة أبداً... قالها بلهجة مازحة.. مشاكسا إياها..
- طيب انا نفسى ارجع الاوضة... قالتها وهى تعتقد انها نجحت فى إمساك نقطة عليه..
- من عنايا... هارجعك طبعا
-.. صحيح.. قالتها مقاطعة..

لكن بعد الحمام، استدرك وشعرت هى بخيبة الامل، وهى تراه يعدل من ضبط المياه الساخنة والباردة، من صنبور المغطس، الذى أزاح ستائره جانبا، وما ان وصل ضبط المياه.. لدرجة معقولة.. حتى حملها وكرسيها ليدخلهما المغطس... شهقت هى فى عدم تصديق لما يحدث.. وزادت شهقاتها عمقا عندما مد يده.. لأسفل ذقنها.. ليفك رباط حجابها.. فأنتفضت متمسكة به... وهى تهتف فى ذعر..
أنت بتعمل ايه..!!؟؟..

-حد هياخد دش بالحجاب... !!؟؟..رد لها سؤالها بسؤال.. متخابثاً... ولازالت لهجته المرحة تبطن كلامه...
-يعنى هو فى حد بياخد دش بهدومه... !!؟؟.. قالتها فى تهور ثم لعنت نفسها الف مرة... لما لاتصمت.. لما لاتخرس وتبتلع لسانها الذى سيوردها يوم ما موارد التهلكة.. ان لم يحدث ذلك اليوم... الأن.. وفى تلك اللحظة.. ابتعدت يديه عن عنقها.. لتبرق عيونه من جديد.. بنظرات عابثة..

وهو يقول.. تصدجى صوح..!!؟؟..وهم بالاقتراب منها.. الا انها صرخت فى زعر... جعلته يتراجع ضاحكا.. مؤكدا.. انه ما كان فاعلها.. وإنما هو تهديد.. ليفزعها ليس أكثر..خرج من الغرفة لحظات... ليعود بمقص فى يده..
جعلها... تجفل وهى تتمسك بأطراف عباءتها..

امتدت يده... لتقص عباءتها.. على احد جانبيها.. وهى لازالت تتمسك بها.. تضمها اليها.. حتى انتهى.. وقد غامت عيناه... واختفى البريق العابث.. ليحل محله قتامة تحجب الرؤية تماما... عن قراءة اى مشاعر تسكن تلك العينين... وهمس بصوت متحشرج... يحاول تغليفه بالمرح.. واحدة بواحدة... فتذكرت ما فعلته بجلبابه عندما أُصيبت كتفه.. فكتمت ضحكة كادت تقفز على شفتيها.. وتنبهت وهو يقول.. خدى راحتك.. ولما تخلصى نادينى... وتناول مِئْزَر من خلف الباب ووضعه على مقعد اخر بجوار المغطس قائلا.. ألبسى ده.. ها يبجى سهل عَلَيْكِ...

واستدار خارجاً... وتنفست الصعداء... وهى تحاول تنفيذ ما نصحها به... وأعترفت انها ما كانت لتستطيع خلع تلك العباءة بمفردها.. مع حال قدمها المتورم.. وداخل المغطس الذى قد يعرضها للأنزلاق.. وحدوث كارثة أخرى...

انتهت من حمامها... غير قادرة على مناداته.. لا تواتيها الشجاعة لتفعل... ولم تكن فى حاجة لذلك..فعندما سمع صوت خرير الماء وقد توقف منذ مدة.. وهى لم تنتهى.. فقلق.. وجاء يطمئن.. ببعض طرقات على الباب.. فسمحت له بالدخول...

توجه لها ليحملها من جديد... ولكن هذه المرة.. أنتقلت لها عدوى التشنج لتكون من نصيبها.. خاصة وهى تلملم أطراف مئزرها الحريرى.. عند نهاية عنقها تارة.. وأسفل ركبتيها تارة أخرى... غير قادرة على تثبيت تلك المنشفة التى جمعت بها شعرها الندى بديل عن حجابها... لتسقط غير مأسوف عليها وهو يضعها على الفراش... ليتناثر شعرها الرطب..على ذراعه التى كانت لاتزال تحيط بكتفيها..

وضعها ببطء.. وهو يحاول بمجهود جبار كتم شهقة ندت عنه وهو يزيح ذراعه.. لتتساقط جدائله مارة بساعده... ليقف لحظات مبهورا.. ثم يتحرك.. فى هدوء.. يحسد عليه... حيث موضع أدويتها.. على الجانب الأخر من الفراش ليتناول ذاك الدهان.. حانت منها ألتفاته له.. وهى تجمع شعرها.. وتضع علي رأسها تلك المنشفة التى ولحسن الحظ.. سقطت بالقرب من رأسها.. فوجدته يتناول بين يديه الرباط الضاغط.. اذن فهو لم ينساه..

عاد من جديد.. ليجلس أسفل قدميها.. ولا تستطيع هى ان تأتى بأى حركة... مع ذاك المئزر الحريرى.. الذى يقيد حركتها.. مد كفه ليتناول قدمها ويرفعها ليضعها على فخذه... فتندفع هى تلملم أطراف ذاك المئزر اللعين.. لتغطى ما تصل له يديها.. فلا تنكشف ساقيها... كانت يداه ماهرتين.. تعرفان موضع الألم بالضبط.. كيد خبير.. وضع الدهان وبدأ فى نشره... بحركات دائرية حول موضع التورم..

شعرت بالراحة... وبدأ الأسترخاء يدب فى أوصالها.. حتى انتهى أخيرا... فتناول الرباط الضاغط وبدأ فى لفه حول كاحلها.. وموضع التورم... لم يرفع رأسه عن قدمها.. طوال فترة عمله.. وما أن انتهى حتى أعاد قدمها لموضعها ونهض ساحبا غطاء الفراش على جسدها.. وأطفأ الأنوار..
ليعم الصمت التام... الذى لا يقطعه.. الا وجيب القلوب..

وذاك الأرق الذى طرد النعاس بلا رجعة... ولم يزورهما حتى خيوط الصباح الأولى..
استيقظ متململا بسبب النوم على تلك الأريكة التى لا تناسب طوله الفارع... تمطع يشعربتيبس ظهره... وتطلع حوله لا يدرى كم الساعة الأن... فالستائر تعتم الحجرة بالكامل فلا تدرك فى اى ساعة تكون... من نهار او ليل..

نظر لشاشة هاتفه ليفاجئ انها تخطت التاسعة.. نهض فى تثاقل... عظامه تأن..يسير متسللاً حتى لا يوقظ زهرة وقد أرهف السمع.. فتناهى لمسامعه صوت تنفسها المنتظم مما يؤكد انها لاتزل تغط فى نوم عميق.. وقف يتأمل محياها.. وبداخله ألف تساؤل.. تثير شكوكه مرة.. وتطمئنه مرة.. لا يعرف أيهما يصدق !!؟.. هل يمكن ان يكون ادعاء سمية صحيح..!؟.. هل يمكن ان يصل انتقامها مما فعله بها.. حد توريط اخته سهام.. مع بن عمها..!؟.. ام ان شكوكه تلك مجرد شكوك حمقاء.. لا أساس لها من الصحة !!؟..

كيف يكتشف ذلك !!؟..و كيف يتركها تمر بفعلتها تلك بدون عقاب..!؟.. وفى المقابل.. كيف له معاقبتها بعد ذاك السر الذى أفصحت عنه الحاجة فضيلة.. والذى يستوجب منه حسن معاملتها.. لا الاساءة لابنة خالته الراحلة.. !!؟؟...
الكثير من الظنون.. ومئات الأسئلة.. ولا أجابة واحدة.. ترضيه.. وتريح باله.. تنهد فى ضيق.. وخرج فى هدوء..
هبط الدرج... لتقابله امه بابتسامة بشوشة.. حيث تجلس فى صدر الدار حيث جلستها المفضلة.. جلس صامتا..

يبدو عليه الإجهاد.. وأثار الأرق بادية على ملامح وجهه..
ربتت أمه على كتفه... وكأنها تدرك ما يعانيه من تخبط..
-زهرة زينة النهاردة..!!؟؟..سالت لتبادر بكسر حاجز صمته
هز رأسه أن نعم... :-الحمد لله.. أحسن.. سبتها نايمة..الداكتور جالى الأدوية اللى بتاخدها... عتخليها تنعس ولازماً ترتاح..
-وانت !!؟..ميتا ها يرتاح بالك..!!؟..

-أمااااا... قالها متنهدا فى نفاذ صبر... شا الله يخليكِ مطلباش هى حكاوى ملهاش عازة... أنا مفيجش..
-زهرة حلالك يا ولدى.. قالتها فى هدوء من يقرر حقيقة غائبة عن ذهنه.. جعلته ينتبه بكليته لها.. عاقدا جبينه فى
حيرة.. وهو يقول فى صوت متحشرج.. جصدك أيه..!!؟؟
-جصدى انك تجربها منك وتراضيها وتكسب جلبها بالحنية.. و... كان يرهف السمع لكلمات امه بكل مسامعه وقد لاقت صدى محبب فى قلبه وعقله... عندما قاطعه الخفير سعيد متنحنحا... عاصم بيه.. فى حد طالب يجابل الداكتورة..

-حد مين ده..!!؟؟..تسأل فى تعجب.. وانتفض واقفا... ليندفع خارج السراىّ يقف على درجاتها الأمامية ينتظر دخول ذلك الشخص الذى كان يقترب.. وهو يلهث من فرط ثقل ما يحمل.. والذى وضعه أخيرا على الارض زافرا فى راحة.
كانت قد استفاقت من نومها... تشعر بألم قدمها وقد تحسن قليلا... لكنها تشعر بالوحدة.. والرغبة فى استنشاق الهواء النقى.. سقط نظرها على شئ ما يبرق فى ظلمة الحجرة..

تمعنت النظر قليلا لتكتشف انه الرأس الفضى لعصا عاصم الابنوسية... إذن فهو لم يخرج بعد.. وإلا ما كانت عصاه هنا... متى استيقظ يا ترى... !!؟؟... تناولت العصا فى رهبة.. استندت عليها.. وبدأت تتوجه ناحية الشرفة... وصلت أخيرا وفتحتها.. لتجلس على أحد المقاعد.. تتطلع لذلك النهار المبهر... وتملأ رئتيها.. بذاك النسيم العليل.. شاهدت من البعد.. سعيد الخفير يفتح باب السراىّ لشخص بحمل ما... عندما أقترب لينزل ما يحمل كان تحت شرفتها تمام.. فتعرفت عليه.. أليس ذلك هو الفلاح الذى عالجت بهيمته بالأمس والتى تسببت فى أصابتها.!؟..ما الذى آتى به إلى هنا... !!؟؟..

سمعت صوت عاصم.. والذى ميزته نبضات قلبها المتسارعة قبل أذنيها يسأل الرجل المسكين الذى يقف أمامه بلا حول ولا قوة... :-خير... أنت مين !!؟؟.. وتعرف الداكتورة منين..!!..وعايزها فى أيه !!؟؟... أرتبك الرجل أمام ذاك الكم من الأسئلة وخاصة أنه يقف أمام عاصم الهوارى بجلال قدره..
تردد الرجل فى خوف.. وهو يقول :- أنا... حامد أبو عامر يا عاصم بيه... أنا اللى الست الداكتورة لحجت جاموستى أمبارح.. وكانت السبب فى اللى حصل لرجلها..
-وأيه اللى جايبة فى يدك ده..!!؟؟..سأل عاصم فى ريبة..

-ده سطل لبن... جلت والله ما حد دايجه جبل ما أجيبه للداكتورة.. كفاية تعبها معايا.. واللى حصلها بسببى..
-أااااه... هدية يعنى..!!!..سأل عاصم مبتسما... مما شجع الرجل على الابتسام قليلا.. بعد ان كان ينتفض رعبا..
-حاجة على كدنا يا بيه.. مش كد مجام الداكتورة.. بس والله دى أنا حرمته على بيتى.. جبل ما هى تدوجه... كفاية انها عالجت الجاموسة اللى حيلتى.. واللى فاتحه دارى.. ربنا يبارك لها فى صحتها يا رب..

كانت زهرة تستمع إلى الحديث الدائر من الشرفة.. وقد همت بالاستدارة لتدخل للحجرة.. فهى لا تريد أن ترى..
كيف سيتعامل الغول.. بغطرسته المعتادة..مع ذلك الرجل المسكين..لن تتحمل رؤية ذلك... لكن للعجب.. سمعت قهقهاته.. وهو ينزل الدرجات الأمامية للسراىّ.. ويتوجه للرجل.. ويربت على كتفه فى ود.. كأنه صديق قديم..
-هدية مجبولة يا حامد... وبجولك أيه !!؟؟..

-أامرنى يا عاصم بيه !؟؟..قالها الرجل فى صدق.. ورغبة فى التنفيذ..
-أنت السبوع دى كله.. لحد لما تجوم الداكتورة بالسلامة.. تجيب يومى لبن الجاموسة... بس أيه.. هتاخد تمنه.. بتاع النهاردة بس.. هنجبلوه هدية.. ماااشى..!!؟؟..
-ربنا يجبر بخاطرك يا عاصم بيه.. هلل الرجل فرحا..
فأشار له عاصم لباب جانبى يدخل إليه سطل اللبن.. يؤدى لداخل مطبخ السراىّ.. وأشار لسعيد خفيره.. فأقترب ملبياً
-جول لأمك يا سعيد.. تديله اللى فيه النصيب.. من طبيخ النهاردة...

-يا بيه هو كان يطول.. ده كفاية اللى حُصل بسببه للداكتورة..
-سعيد..نهره عاصم... روح أعمل اللى بجولك عليه من غير كتر حديت..
أنت مسمعهوش بيجولك حرمه على بيته.. وده اكل عيشه من بيع اللبن... يرجع لعياله بأيه يا حزين... !!؟؟..

هز سعيد رأسه متفهما.. عندما ظهر الرجل من جديد.. يهم بالانصراف.. ألا ان سعيد أوقفه.. ليعود به من جديد لداخل المطبخ.. ويسير عاصم الهوينا.. يبتسم فى حبور
يشعر بسلام داخلى لم يعهده منذ زمن طويل.. شعور من الراحة النفسية يغمره ويحتل روحه.. شعور قد فارقه
ولم يعود اليه منذ أمد بعيد.. أبتسم لنفسه فى سعادة..

ليجد الرجل قد عاد.. يحمل ما فيه النصيب.. مهللا بالدعاء:- ربنا يبارك لك يا عاصم بيه.. ربنا يحفظلك ست الداكتورة يا رب..ويجعلها جوازة العمر.. والسعد والهنا..
ويرزجكم بالذريه الصالحة.. يااارب..
قهقه عاصم.. وهو يضع يده فى جيب صديريته.. وهو يقول :- وعلشان الدعوتين الحلوين دوول.. خد دوول لعيالك
مد الرجل يده يتناول ما جاد به عاصم وهو يهمس غير مصدق :- وكأن الليلة... ليلة عيد..

انفجر عاصم ضاحكا من جديد.. وهو يربت على كتف الرجل.. الذى استدار مغادرا.. وهو يقلب فى النقود غير مصدق..واخيرا استدار فجأة لعاصم هاتفاً بلهجة تحمل صدق الدنيا كله فى كلمات صاغها بفطرته :- ربنا يريح بالك..ويكفيك الفكر والخاطر.. ويمتعك بحلالك.. يااارب..
.. نظر اليه عاصم فى امتنان ممزوج بالدهشة ولم يعقب الا بابتسامة على دعوة الرجل التى مست قلبه.. فللمرة الثانية وفى أقل من ساعة.. يستمع لتلك الكلمة.. حلالك.. هل هى صدفة..!!؟؟..ولكنه وجد نفسه يهتف من اعماق قلبه..

-أمين... وهو يرفع هامته حيث شرفة حجرة نومه.. حيث تقبع من كان يظنها نائمة... ليصطدم بنظراتها.. وهى تقف هناك فى علياءها... وتساءل.. منذ متى وهى تقف هناك... يا ترى !!؟...
أخفض رأسه... وسار باتجاه السراىّ.. ودخلها.. وهى ايضا.

دخلت فى بطء تستند على عصاه.. حتى وصلت لأريكتها فجلست فى بطء.. تتوقع دخوله.. بين لحظة وأخرى.. لا تعرف لما دقات قلبها تتسارع بهذا الشكل العنيف لمجرد التفكير فى رؤيته.. انها لازالت مشدوهة مما رأته يحدث أمامها مع ذاك الرجل.. المدعو حامد.. انها تكتشف جوانب خفية فى شخصية ذاك الرجل..والملقب بالغول لقساوة قلبه.. لكن ما رأته.. لا يمت بصلة لقساوة القلب.. فلقد عامل الرجل اروع معاملة.. وأحسن إليه..

بالفعل قبل الكلمة..
دق الباب ليخرجها من شردوها.. فأعتدلت فى جلستها.. وأعتلت الحمرة محياها الرقيق.. وهى تسمح لمن بالباب بالدخول.. ظنت لوهلة.. بانه عاصم... لكن كانت ام سعيد.. تحضر لها أفطارها دخلت بصينية الافطار تلقى عليها تحية الصباح.. ثم تتركها أمامها وتستأذن لبعض شؤونها..

لا تعرف لما شعرت ببعض الاحباط عندما ظهرت ام سعيد على الباب.. بدلا منه... مما جعلها تفقد شهيتها فجأة ولا تشعر برغبة فى تناول الطعام.. فحاولت ازاحة الصينية بعيداً.. لكى تنهض متوكئة على عصاه..لكن صوت وصول أشعارا برسالة على هاتفها أعادها لتجلس من جديد.. لتفتح هاتفها.. والذى لحسن الحظ.. كان بالقرب منها على الطاولة بجوار صينية الطعام... فضت الرسالة فى بطء.. يخالف وجيب قلبها المتسارع... "كلِ كويس.. علشان دواكِ.. واشربِ اللبن... ده هدية من الجاموسة اللى صابتك "
انفجرت ضاحكة.. عندما انتهت من قراءة رسالته القصيرة..

وللعجب.. استعادت شهيتها فجأة لتتناول فطورها بأستمتاع
أثار دهشتها.. وشربت اللبن حتى أخر رشفة...
نهضت بهدوء.. تتوجه للفراش حتى تتمدد قليلا.. فذاك الدواء
يدفعها بالفعل للنعاس..
تمددت..وفضت رسالته من جديد..لتقرأها وتعلو وجهها الابتسامة.. واخيرا تغمض عينيها وتروح فى نوم عميق.. تخللته الكثير من الأحلام...

لا تعرف كم مضى عليها... وهى غائبة فى دنيا الحلم..فقد تململت فى فراشها.. عندما تناهى الى مسامعها صوت وصول رسالة إلى هاتفها.. فتحت عينيها.. فى صعوبة.. لتتطلع الى
الرسالة.. قرأتها.. وفجأة تنبه عقلها.. لتستفيق كلية.. وهى تقرأها للمرة الثانية.. انه هو.. هو من أرسل الرسالة..
إنه يذكرها بميعاد الدواء الثانى... ويؤكد عليها تناوله...
كم مضى من الوقت على نومها... !!؟؟.. انها مشوشة..

ورسالته زادت من تشوشها... لقد مر اكثر من ساعتين على نومها... اللعنة على ذلك الدواء.. نظرت مرة أخرى لشاشة هاتفها...
متسائلة فى حيرة.. لماذا يهتم بها بذلك الشكل.!؟؟.. لماذا تغيرت معاملته معها..!؟؟... او بتعبير أدق..
لماذا اصبحت علاقته بها عجيبة ومتقلبة..!!؟...

فما بين صمته القاتل المثير للريبة والذى يصاحبه نظرات ترهبها أو... ثورته العاصفة التى يصل بها للذروة.. فهو اما صامت حد الخرس..او ثائر حد البركان..
حتى نظراته... فهى ما بين نظرات غاضبة تموج بالرغبة فى قتلها..أو نظرات تحمل الكثير من الرغبة فى أرضاءها..
ماذا دهاه..!؟؟؟...
هى لا تدرى حقا ما يحدث !!؟... وما الذى يدفعه لذلك التذبذب.. فى التعامل معها.. !!؟؟..

تناولت دواءها... وتمددت من جديد.. وهى تشعر بالملل..
دق الباب.. فأعتدلت فى جلستها.. فدخلت سهام.. فى خجل تطأطأ رأسها.. فأبتسمت زهرة عندما رأتها هاتفة فى مرح ترفع عنها الحرج :-أخيرا حد جه.. علشان يقعد معايا.. ده أنا هموت من الملل...

-بصراحة يا زهرة..أنا مكسوفة منيكى.. لولاي.. مكنش حُصل اللى حُصل فى رچلك.. أنا السبب سامحينى... قالتها سهام بندم حقيقى..
-أيه يا بنتى !!.. هتفت زهرة ساخرة... حادثة عادية.. وجت بسيطة.. متكبريش الموضوع... يعنى هو انا كنت هروح فين يعنى برجلى... !!؟.. وابتسمت زهرة... أدينى قاعدة.. والاكل بيجيلى لحد عندى.. فى دلع أحسن من كده... !!!

قهقهت سهام.. وهى تقول.. لا مفيش الصراحة..
-سهام..!!؟؟... نادت زهرة لجلب انتباهها كلياً.. ثم استدركت.. انت ايه اللى بينك وبين حسام بن عمى... !!؟؟..
أضطربت سهام.. وطأطأت رأسها من جديد.. وبدأت تفرك فى يديها.. دلالة التوتر.. وأخيرا..أجابت فى تردد.:- أنا مش هخبى عَلَيْكِ يا زهرة.. أنتِ بالذات هتتمنى لنا الخير.. الصراحة..

هو عايز يتجدملى..
شهقت زهرة.. وهى تضع كفها على فمها فى صدمة..
-أنتِ بتتكلمى بجد.. !!؟؟.. انتوا بعقلكم.. أزاى هو يفكر فى كده أصلا.. وأزاى أنتِ تطاوعيه يا سهام.. أزاى..!!؟؟..
-وايه اللى فيها يا زهرة... !!؟؟.. ده عايز يتجوزنى على سنة الله ورسوله.. يعنى لا عيب ولا حرام.. هتفت سهام بتعجب اثار زهرة لتهتف بدورها فى انفعال :-لا عيب.. وحرام.. عيب وحرام فى عُرف الهوارية.. لا يمكن أخوكِ يوافق.. ولا أبوكِ ولا أمكِ طبعااا.. أنتِ بتنبشى فى القديم تانى..بعد ما صدقنا اتقفل بجوازى بأخوكِ...

-بالعكس.. جوازك بأخويا.. هو اللى شجعنا.. خلاص الجديم اتجفل... ايه المشكلة لما واحد من التهامية يتجدم لواحدة من الهوارية..طالما جصده شريف..
-أنتِ متأكده إنه بيحبك.. يا سهام..!!؟؟... استفهمت زهرة
-طبعا بيحبنى.. أمال عايز يتجوزنى ليه..!!؟؟..هتفت سهام بثقة
-مش يمكن حسام عايز يكرر حكايتى مع أخوكى.. ويتجوزك برضة انتقام منه..!!؟؟..
-لاه.. قالتها فى عنف.. حسام بيحبنى.. بيحبنى بجد.. قالتها فى تأكيد... ومش ممكن يعمل معايا كده..

-ربنا يستر.. تنهدت زهرة.. ربنا يسهلها لكم.. الموضوع مش سهل خاالص..
-ما ده دورك أنتِ بچى...
-أنا..!!؟؟... سألت زهرة فى دهشة... وأيه اللى يدخلنى فى موضوع ذى ده..!!؟؟..
-يعنى..ممكن تفتحى عاصم.. وتمهديله الموضوع..
-أنا... !؟؟.. سألت زهرة مرة أخرى.. لكن هذه المرة فى سخرية... أنا أخر حد يقدر يفيدك صدقينى..
-بس..جربى وشوفى.. مش هاتخسرى حاجة...

كادت زهرة تنفجر ضاحكة.. حقا.. لن تخسر أى شئ.. ربما رقبتها.. شئ ليس بالأهمية على أى حال..قررت مهادنة سهام..
حتى تستطلع الحقيقة من حسام.. وترى على ماذا ينوى..
-طيب يا سهام.. هشوف.. ربنا يسهل.. وفى الوقت المناسب..
هقول لأخوكِ.. وربنا يستر..

قفزت سهام.. من الفرحة.. وعانقت زهرة فى سعادة حقيقية..
سعادة عاشقة.. تعتقد ان الحبيب قريب المنال..غير عابئة..
بما تحمله الايام فى جعبتها... من تقلبات ونوائب..
اندفعت سهام لتخرج من غرفة زهرة... عندما استوقفتها فجأة قائلة :- هاتيلى رواية حلوة من عندك.. أقراها.. علشان الملل ده -حاضر.. أحلى رواية لعيون أحلى زهرة... وأرسلت لها قبلة فى الهواء قبل ان تغلق الباب خلفها.. وتغادر.. فى سعادة...

كانت مستغرقة فى قراءة الرواية التى جلبتها لاجلها سهام.. ولم تشعربقدومه الاوهو يفتح باب الغرفة..فانتفضت.. وعدلت من جلستها على الفراش.. دخل فى هدوء..وألقى السلام..بادلته التحية... وعادت الى مطالعة روايتها..وقد غاب عنها التركيز فى وجوده... فأصبحت لا تعى للكلمات معنى... كان يبدو مرهقا.. ترك عصاه.. وخلع عنه عباءته.. وتوجه للحمام..الذى غاب فيه لفترة وكأنه ينفض عنه اثار ذاك الإرهاق الباد على محياه..

فعلا.. كان يغيب النهار بطوله.. لا ترى له اثرا... يبدو ان هناك الكثير من العمل.. يستغرق منه النهار باكمله... خرج اخيرا.. وهو لا يزال.. يجفف شعره بمنشفة تغيب وجهه كله بين طياتها.. واخيرا نفضها بعيدا..ليطالعها بذاك الشكل الطفولى.. وهو غير مهندم الشعر.. لا تعرف لما زاد وجيب قلبها.. بشكل لا أرادى.. توجه لطاولة الزينة.. مشط شعره الحالك السواد.. ونثر على جلبابه بعض من العطر.. وتوجه لاريكتها التى احتلها منذ حادثة قدمها..

تمدد عليها.. وعيونه معلقة بسقف الغرفة.. ربما يزوره النوم..ولو لحظات.. هم باغلاق نور الاباجورة المجاورة
عندما بادرته متأسفة:- انا آسفة.. اخدت السرير منك.. ونمت انت على... لم يمهلها لتكمل أسفها..
-لا أسف ولا حاچة... المهم تطيبى.. وتبچى زينة..

وأغلق الأنوار.. وكأنه يقطع استرسال الحديث بينهما.. تمددت على الفراش.. هى تعرف انها لن تنام.. لانها نامت بما فيه الكفاية..بسبب تلك العقاقير.. التى تدفعها للنعاس دفعا.. فى أوقات لست مناسبة للنوم من الاساس... تقلبت كثيرا على الفراش لعل النوم يزورها اكراما لها.. فهى لا تستطيع حتى الخروج من الغرفة لتقرأ قليلا.. ليس عليها الان.. الا الحملقة فى سقف الغرفة المنقوش.. لتقتل الوقت.. لكنها ارتجفت..

عندما تنامى الى مسامعها صوته.. وهو يسألها :- منمتيش ليه..!!؟؟... هل يشعر بها.. ويشعر بأرقها... وسهادها..
-نمت كتير بسبب الدوا.. فمش جى لى نوم.. أجابت بصوت مرتجف قليلا..

-وانا كمان مش چى لى نوم... اجاب فى صوت رخيم يغلفه الإرهاق.. فتعجبت.. كيف يخاصم النوم من كان فى إرهاقه!!؟؟... فتح النور المجاور لاريكته وهو يعتدل جالسا.. زَافرا فى ضيق.. ثم هب واقفا.. واندفع خارجا من الغرفة.. اعتدلت فى جلستها.. وهى لا تعرف الى أين ذهب!!؟؟... بالتأكيد ليس خارج السراىّ.. لانه لم يأخذ عباءته وعمامته وعصاه كما تعود... ربما يجلس قليلا فى الحديقة.. حتى يغلبه النعاس فيعود..

مدت يديها.. لتفتح الأنوار على الطاولة الملاصقة لفراشها.. وتتناول روايتها.. لتبدأ فى مطالعتها من جديد..غابت فى احداثها.. لتفاجأ به.. يدخل الغرفة.. و هو يحمل بين يديه.. صينية طعام.. عليها كأسين من الحليب.. وبعض المقرمشات الخفيفة التى تصنعها ام سعيد.. فى الفرن الخلفى الملاصق للمطبخ... تعجبت.. هل يحمل لها الطعام..

حتى فراشها... !!.. دوما.. وأبداً.. سيظل يفاجأها..
اقترب من الجانب الاخر للفراش.. ليجلس وهو ممسكاً بالصينية المستديرة.. محاولا عدم سكب الحليب وهو يعتدل ليواجهها.. وضع الصينية على الفراش بينهما اخيرا دون أية خسائر.. ومد لها يده بكأسها.. فتناولته..فى ثبات وهى فاغرة فاها.. مدهوشة مما يصنع..
-اشربى اللبن.. هيساعدك تنامى.. وخدى كلى.. الفايش ده علشان الأدوية اللى بتخديها..
تناولت المقرمشات التى قدمها لها.. وهى مسحورة تقريبا..

اما هو فكان يتعامل بأريحية كبيرة اربكتها.. هل هذا هو عاصم مهران الهوارى... الملقب بالغول.. قاسى القلب.. الذى لا يعرف ما تعنى كلمة رحمة ولم تُخط تلك الأحرف الأربعة فى قاموسه اليومى.. للتعامل مع البشر... !!؟؟... اربكها تماما.. فما عايشته صباحا.. ورأته يحدث مع ذاك المدعو حامد.. الذى أتى بهدية الحليب الذى تتناوله.. وتعامله الرقيق معها الان..!!؟.. يؤكد على خطأ ظنها.. ان ارتباكها من تصرفاته وصل ذروته بالفعل فهى تشعر بانه يدللها.. او شئ ما شبيه بالدلال.. ام تراها واهمة..!!؟؟..

وهو مجرد مشفق عليها لمرضها ليس اكثر..!!؟... او ربما يرد الجميل لها.. لاعتناءها به اثناء حادثة كتفه !!؟... لا تعلم اى الأسئلة السابقة هو الإجابة الصائبة لهذه الحالة العجيبة والرائعة التى يعاملها بها... لكنها شعرت ان السبب الاخير ربما يكون هو الأقرب للصواب.. انه فعلا.. يرد جميل.. لا اكثر...
أجفلها.. عندما لاحظ شردوها وهو يقول :- اشربى اللبن جبل ما يبرد.. وكلى.. يمكن تكونى جعانة وانتِ مش واخدة بالك..
أطاعت دون ان ترفع رأسها لتواجه نظراته.. ارتشفت قليل من الحليب.. وتذوقت المقرمشات اللذيذة.. والتى أعجبت بها عندما تناولتها للمرة الاولى وأصبحت مفضلة لديها...

-بتجرى ايه..!!؟؟... سأل وهو يوجه نظراته متفحصاً غلاف الرواية التى تطالعها.. والتى وضعتها على الفراش مجاورة لها.. بالقرب من صينية الطعام..
-دى رواية بتسلى فيها.. علشان ببقى زهقانة وانا لوحدى طول النهار.. وخاصة لما سهام بتكون مشغولة ومش فاضية تقعد معايا..

-"كبرياء وتحامل "... قرأ اسم الرواية وقد اظهر اهتماما.. اثار تعجبها... بتحكى عن ايه بچى..!!؟؟.. هل ما سمعته صحيحاً..!؟؟..هل يريدها ان تقص عليه احداث الرواية.!؟! حاولت التهرب وهى تقول.:- يعنى... احداثها مش هاتعجبك.. كلها عشق.. ومسخرة.. قالت كلماتها الاخيرة ساخرة.. تذكره بكلمات سابقة له.. قالها عندما رأها منذ فترة ليست بالبعيدة تطالع نفس النوع من الروايات... وعلى ما يبدو انه تذكر فانفجر ضاحكا..:- وماله.. نشوف بتوع العشج والمسخرة دوول بيجولوا ايه..!!؟.. اهو ناخد فكرة..
ويبدو انه مُصر على موقفه وان أرقه عاقبته.. ستدفع هى ثمنها...

-بس انا خلصت ربع الرواية.. قالت متحججة...
-احكيلى اللى فاتنى واتابع معاكى.. احنا مورناش حاچة.. وتمدد بأريحية.. وهو يعدل الوسائد خلف ظهره..
ولمعت عينيه ببريق عابث وابتسامة شقية وهو يقول :- يا الله.. احكى يا زهرة زاد...

انفجرت ضاحكة بعد ما سمعت لقبها الجديد... وتوقفت ضحكاتها فى خجل.. وهى تجده يتفرس فيها.. وفى ملامح وجهها الباسم.. والذى أشرق كشمس فى منتصف الليل.. تداركت خجلها بصعوبة... وأخذت تحكى له ما فاته من احداث الرواية.. وهو يستمع بإنصات أبهرها.. كان لا يقاطعها الا للاستفسار عن حدث ما او اسم شخصية من الشخصيات..

حتى انتهت من سرد ما فاته.. وبدأت فى القراءة.. بصوت مرتعش قليلا يغلب عليه الخجل.. ثم استمدت الثقة قليلا.. بعد ان وجدته متابعاً معها.. يهز رأسه.. متفهما الأحداث.. ظلت تقرأ.. وتقرأ.. حتى رنت منها نظره جانبية له.. فوجدته يشبك ذراعيه لصدره ويغمض عينيه.. ورأسه يرتاح على الوسائد خلف ظهره.. أعتقدته.. راح فى نوم عميق.. الا انه سألها فجأة..

-ليه وجفتى.. انا متابع..لو انتِ تعبتى.. خلاص..
-لا..لا متعبتش.. افتكرتك نمت..
-لا.. انا منمتش..عجبانى الجصة دى.. كملى..

بدأت فى القراءة.. واذ فجأة تمتد كفه لتلتقط كفها فى عذوبة وتحتضنها لصدره وهو لا يزال مغمض العينين.. كأن ما فعله شئ معتاد يقوم به كل ليلة.. والغريب انها لا ترى اى اثرعلى ملامحه ينبأ بتأثره.. فقط استكانة عجيبة لملامح وجهه.. وهى التى تنتفض الان اضطراباً ولا تستطيع قراءة حرف واحد دون تلعثم..

أهو يعذبها بطريقة جديدة..!!؟؟..و كيف يريدها الاستمرار.. وهما على هذا الوضع..!!؟... ستخبره بأنها تعبت.. وهاجمها النعاس لتسترد كفها الحبيسة بين احضانه..
وما ان همت بان تفتح فمها معترضة... حتى وجدته يستدير..ليُوليها ظهره ساحبا كفها معه.. لينجذب جسدها كله بالتبعية.. لتصبح فى وضع لا تحسد عليه.. حمدت الله انه حمل الكاسات الفارغة وصينية الطعام..

بعيدا على الطاولة المجاورة له.. وإلا كانت تنكفئ عليهم الان.. ظلت على وضعها المعلق ذاك.. كفها مشدود لاحضانه.. وجسدها فى الطرف الاخر من الفراش.. حاولت ان تسحب كفها منه ببطء.. لكنه تشبث به... كتشبث طفل بلعبة تمنى الحصول عليها ونام وهو يحتضنها.. كانت على يقين انه غارق فى النوم.. من انتظام انفاسه الهادئ..فكيف يتعلق بكفها هكذا..!؟؟..وماذا هى فاعلة الان..!!؟؟.. تمددت مرغمة تقاوم النعاس حتى باغتها.. لتذهب فى نوم مشوش ملئ بالاحلام.. عن كفها القابعة الان بين احضانه..

همهمت فى نومها.. تتقلب بحرية اخيرا بعد ان كانت اسيره النوم على جانب واحد..ولم تكن تع لما..!؟؟... واخيرا بدأ عقلها فى العمل بكامل طاقته.. لتتذكركفها التى أسرها عاصم..ولم تعرف متى أطلق سراحها... أنتبهت تتطلع حولها.. لا تجد أثرا له.. ولا أثر لكؤوس الحليب.. هل كان حلما.. من بنات أحلامها... التى داهمت نومها.. !!؟؟..

طرقات على الباب اخرجتها من خواطرها.. فأعتدلت فى جلستها... ونسقت شعرها وهندمت عباءتها الحريرية الزرقاء بلون البحر.. فإذا بها سهام.. دخلت بمرحها وصخبها المعتاد... وهى تحمل صينية أفطارها..وهو تقول :- كفياكِ نوم.. جربنا على الضهر..

-صحيح..!!؟؟.. سالت مستفسرة... متى استيقظ ومتى غادر يا ترى.. !؟؟.. سألت نفسها.. وجاءها الجواب من سهام.. وكأنها سمعت تسأل.:- ده عاصم.. بره بجاله ياجى ساعتين وزيادة... نزل فطر معانا.. بس ايه.. مجلكيش على الانبساط.. والزجططة اللى كان فيهم.. عملتى ايه فى اخويا.. يا زهرة.. أعترفى !!؟.. قالت جملتها الاخيرة بصوت احد المحققين.. مما دفع زهرة للانفجار ضاحكة..

يا ترى ما هو سر تلك الفرحة والسعادة.. اللتان.. تصفهما سهام !!؟؟... رِن هاتفها.. معلنا وصول رسالة ما..
انه هو.. لا تعرف لما شعرت بذلك قبل ان تطالع الهاتف..
فضت الرسالة ليتأكد حدسها.. قرأتها بعينيها.. التى شعت بابتسامة فرحة.. " متنسيش دواكِ... ومتجريش الرواية من غيرى.. "
-سهام.. عايزة رواية تانى.. أقراها..
-لحجتى خلصتى اللى اديتهالك امبارح.. !!؟؟..

-لا.. مخلصتهاش..قالتها وهى تبحث عن حجة مناسبة.. بس أفتكرت انى قريتها قبل كده.. فعايزة غيرها..
-طيب يا ستى وماله.. هجيب لك غيرها.. تأمرى.. هو انا أجدر أجول لاه.. ده كان عاصم يجتلنى... ده موصى الكل عَلَيْكِ.. و توجهت للباب.. تحضر من غرفتها رواية أخرى.. لكنها توقفت عند عتبة الباب.. تسأل زهرة فى تردد..:-
- لمحتى لعاصم على موضوعى يا زهرة.. !!؟؟..

-الصراحة.. لا يا سهام.. أجابت زهرة فى صدق.. واستطردت عندما وجدت العبوس يكلل ملامحها.. استنى بس لما اقدر امشى على رجلى.. علشان أكلمه واعرف اهرب من وشه.. قبل ما يقتلنى بسببك..

زال العبوس عن ملامح سهام.. وانفجرت ضاحكة.. وهى تقول :- تصدجى صوح !؟؟.. عندك حج برضك.. لازماً تأمنى نفسك.. واندفعت خارج الغرفة تحضر الرواية.. وتترك زهرة تتناول أفطارها شاردة فى احداث الليلة الماضية.. وما يمكن ان يحدث هذه الليلة من ألف ليلة وليلة.. التى بدأها البارحة.. وتذكرت لقبها الجديدة.. "زهرة زاد"... فكررته ضاحكة فى سعادة...



look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 02:38 صباحاً   [9]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل العاشر

دخل عاصم من الخارج.. ينادى ام سعيد.. التى حضرت على عجل.. عندما وصلتها نداءاته..
-الداكتورة أتعشت..!؟؟... سأل بأهتمام..
-أه.. أمال أيه.. هو احنا نجدر نتأخروا عن عشاها وميعاد دواها كمااان... احضر لجنابك العشا.!!؟...
-لاه.. حضرى كوبايتين لبن كبار.. وطبج فايش.. وطلعيهم للداكتورة فوج..

-حاضر من عنايا يا عاصم بيه.. واندفعت مسرعة تنفذ ما أمر به.. وهم هو بالصعود.. فتفاجئ بأمه تجلس على أريكة جانبية.. لم يكن باستطاعته رؤيتها فور دخوله.. كانت تتابع المشهد السابق فى حبور.. ولم تتفوه او تتدخل.. حتى انتبه لوجودها.. فاندفع يقبل كفها..
-كيفك يا حاچة.. !؟؟.. سأل فى أهتمام..
-أنا زينة.. طول ما انت وأختك.. ومرتك.. زينين.. قالت كلماتها.. وشبح ابتسامة رضا يطل من عيونها...
-الحمد لله.. قال فى سعادة..

-جوم يا الله.. اطلع ارتاح.. ربتت على كتفه فى لطف..
-الله... !!؟؟ انت مش عيزانى أجعد معاكِ ولا ايه يا حاچة..!!؟؟.. سأل مازحاً..
-لا متجعدش... أكدت مازحة على الرغم من صرامة لهجتها.. جوم ارتاح يا الله.. انا كمان جايمة اطمن على ابوك.. وانعس.. جوم.. هم ياالله..
نهض فى تثاقل مبتعداً.. وما ان وصل لأولى درجات السلم حتى ظهرت ام سعيد بصنية الطعام..

-وااااه.. انتِ كل ده.. ولسه مطلعتيش اللبن..!!؟؟..سأل ام سعيد فى حنق.. واستطرد أمراً وهو يتناول الصينية من يدها... طب هاتى الصينية.. وروحى يا الله شوفى حالك.. تركت له الصينية ليصعد بها.. وهى فى قمة دهشتها.. تقف متحيرة فاغرة فاها مما يحدث.. ومن ذلك التغير الذى طرأ على عاصم الهوارى و الذى تحول فجأة لشخص اخر لا تعرفه..

لاحظت الحاجة فضيلة ما اعترى ام سعيد من دهشة..مما جعل الابتسامة تقفز لشفتيها وهى تهتف فيها :- جرى ايه !!... واجفة ليه كده يا ولية..!!؟؟..روحى نامى.. اچرى.. انتفضت ام سعيد من شرودها.. وقالت فى سرعة وهى تستدير مبتعدة.. حاضر.. اها.. رايحة اها يا حاچة..
وما ان ابتعدت ام سعيد.. حتى أطلقت الحاجة فضيلة العنان لضحكاتها.. ونظراتها تتبع ظل ولدها الذى غاب أعلى الدرج.. تتمتم ببعض الدعوات.. تتمنى من الله ان يقبلها..

سمعت زهرة خطواته الواثقة على الدرج صاعداً.. فأرتعشت لا تعرف لما.. وصارت دقات قلبها كالطبول.. تحركت.. وهى تسير ببطء على قدمها المصابة التى استطاعت فى الصباح ان تمشى عليها قليلا... تمددت على اريكتها.. فقد كانت تريد ان تفسح له المجال ليعود لفراشه.. ويتركها حيث تقبع دائما.. بعيدا عن أنظاره.. فتحت الرواية تتصنع القراءة.. عندما وصل لباب الغرفة وفتحه فى هدوء وهو يحمل أكواب الحليب..

لم يجدها على الفراش كعادتها فى الايام الماضية عندما سقطت نظراته عليه.. فأدار وجهه لاريكتها.. فوجدها تزينها بمحياها.. زادها جمالا.. تلك العباءة الحريرية بلون العسل وشعرها الرائع الذى تصر على ربطه بشكل معقوص خلف رأسها.. محاولة ان تدارى من روعته قدر الإمكان.. استفاق من شروده ملقياً السلام..
-السلام عليكم.. كيفيكِ النهاردة !!؟؟..سألها بوجه باسم.. جعلها تزدرت ريقها.. لترطب حلقها الذى جف فجأة.. وترد فى هدوء مصطنع :- الحمد لله.. أحسن كتير..

وضع الصينية على الطاولة المجاورة لها.. وخلع عنه عباءته وعمامته.. وتوجه للحمام.. غاب فيه بعض الوقت
ليخرج منتعشاً... ليفاجأها كعادته فى الايام الماضية...

فيتمدد على الأريكة التى انزلت عنها قدميها منذ دخوله الغرفة... لتستقر رأسه على فخذها... وتنتفض هى فى ذهول من فعلته الغير متوقعة.. ترفع يديها بعيدا عن جسدها.. وكان رأسه الراقدة الان فى حجرها... كتلة من جمر أُلقيت عليها بغتة... كانت تحاول السيطرة على ارتعاشاتها حتى لا يدركها... لكن كيف تدارى تلك الارتعاشة فى صوتها..!!... وهى تحاول الاعتراض على جلسته ممددا بهذا الشكل الحميمى.. الذى يفقدها هدوءها.. وثباتها هتف بنبرة عادية ليخرجها من خواطرها.:- ها.. مش هتكملى الرواية بتاعت امبارح.. !!؟؟..

-اه.. طبعا.. قالت بحروف مرتعشة.. فتحت روايتها عند موضع توقفهما بالامس.. وبدأت فى القراءة.. لا تستطيع التركيز فى الأحداث او الشخوص.. وموضع راْسه كحريق مستعر.. جسدها كله متصلب.. وعنقها متشنج.. لا تقوى على الحراك.. لا ترى سوى شعره الحالك المتموج وبعض من جبهته العريضة.. وأنفه الشامخ.. قاومت رغبة ملحة.. بل هى رغبة مجنونة.. راودتها.. لتمد كفها لتعبث بلطف.. فى خصلات شعره...

حرك رأسه للخلف قليلا لتصعد نظراته لتقابل نظراتها.. فتضطرب... معتقدة ببلاهة انه قرأ خواطرها.. فترتجف كفاها.. لتسقط الروايه مفتوحة الصفحات على وجهه..
وضعت كفها على فمها.. تكتم شهقة خجلى باغتتها. اما هو فرفع الرواية عن وجهه.. وهو يقول مازحاً :- ما تجولى تعبت من الجراية.. بدل ما ترمى الرواية فى وشى.. وقهقه ضاحكا..

اما هى فقد مدت يدها فى تردد واستلمت الروايه تحاول التركيز فى احرف الكلمات... وذهنها شارد يفكر فى طريقة تدفعه بها.. ليغير تلك الوضعية الحميمية التى يتخذها الان... لكن ما كان فوق احتمالها حقا.. هو ان يحول رغبتها المجنونة لحقيقة و ان يمد يده ليمسك كفها المتشبثة بغلاف الرواية.. ليضعها على رأسه.. فتتغلل أناملها بين خصلات شعره.. لتترتجف دون قدرة على مجابهة تلك المشاعر التى غمرتها..

مزيج من الحنان والفرحة والاضطراب والنشوة، ممزوجة جميعها بقليل من رهبة، لا تعرف كيف استطاعت اخيراً، ان تختلق عذرا مقبولاً لإنهاء تلك المعاناة، فقالت وهى تتصنع الالم :-.. انا رجلى بصراحة.. بدأت توجعني.. وعايزة امدها..

لم يكذب خبر.. نهض فى حماسة ليحملها فورا دون ان يمهلها حتى فرصة للاعتراض.. لتكون هى وروايتها..
بين ذراعيه..ليضعها فى حنو بالغ.. على طرف الفراش الذى تفضله.. ويستدير بهدوء.. ليستقر متمدداً بشكل عفوى.. بنفس الوضع الذى اتخده فى الليلة السابقة.. ينتظر ان تكمل سردها للقصة...

ثم تذكر فجأة الحليب القابع على الطاولة الاخرى.. فنهض ليحضره بالقرب منهما.. ناولها كأسها... لتهتف لنفسها... "لقد جاء فى وقته بالضبط... فلقد جف حلقى من افعاله." شربته فى استمتاع.. وكان هو يراقبها فى استمتاع اكبر... وبدأت فى سرد احداث الرواية.. لتجد كفها..فى لحظة خاطفة..قابعة بين احضانه كما كانت فى الليلة السابقة.. وتنتهى الليلة.. بنعاس يخامرها كأثر للدواء.. لتسقط من جديد فى ثبات عميق.. وقد سقطت الرواية بين ذراعيها.. ورأسها يتوسد ظهره الماثل أمامها الان.. بعد ان أولاها أياه... وهو يأسر كفها..

تثأبت فى حبور وهى لا تزال نصف نائمة.. ورفرفت أهدابها..وفجأة فتحت عينيها على اتساعهما عندما اصطدمتا بزوج من العيون القاتمة.. تتفرس فيها بنظرات عابثة مرحة.
انتفضت هى.. تعدل من هندامها.. بعد ان فوجئت بذاك الاقتحام... اضطرابها وصل لذروته.. وعلى العكس تماما..

استمتاعه.. كان فى قمته..فهو يبدو مرتاحا.. صاف الذهن.. تشع من عينيه نظرات لاهية لا تعرف لها سببا.. دفعت الدماء الحارة لوجنتيها خجلا.
كان يجى ويذهب فى الغرفة.. لا يرفع نظراته عنها...
شعرت بالمعنى الحقيقى للأسر.. على الرغم من بعده الجسدي عنها..

-كيفك النهاردة..!!؟؟... سأل والابتسامة لم تفارق وجهه..تلجلج لسانها فى الإجابة... انها غير معتادة على مثل تلك النظرات.. وتلك الابتسامة التى تذيب عظامها..
-الحمد لله..هتفت اخيرا متصنعة الثبات... انا بقدر امشى على رجلى دلوقتى.. ووقفت فى تثاقل تبرهن له على ذلك.. وتقدمت خطوات حتى وصلت على مقربة منه..
-حمدالله على السلامة.. قال فى حبور.. بس متجليش علي رجلك اديها يومين كمان.. قال ناصحاً بصدق...

-حاضر... أجابت بعفوية.. ظل ينظر اليها لبرهة... لا تعرف ما سبب تلك النظرات التى يمطرها بها منذ فتحت عينيها.. انها تكاد تذوب تحت وطأة تلك النظرات.. التى تحمل قدر لا يستهان به من الدفء والحنان.. انها غير معتادة على تلك المعاملة منه.. وغير قادرة على تحمل ذاك القدر الوافر من الدلال والعطف اللذان يشملها بهما.. قطع افكارها ليسألها فى مودة وهو يضع ساعة اليد حول معصمه:-عايزة حاچة اچبهالك معايا وانا چاى..!!؟...

-لا..شكرًا.. عيزاك طيب.. أجابت بعفوية.. كما كانت تجيب ابيها.. عندما يسألها نفس السؤال.. لكم اشتاقت له..
على الرغم من ان اتصالتهما لا تنقطع الا انها فى شوق حقيقى لرؤيته والتمتع بعطفه وحنانه.
استرعت الإجابة انتباهه على الفور.. ليرفع رأسه اليها..

أتريده حقا طيباً.. وبخير.. !!؟؟؟... ام لازالت تكرهه كما لم تكره احد من قبل..!!؟؟.. سأل نفسه..لكن لا أجابة.. لذا سحب نفسه من شروده وقطع سيل نظراته اليها.. والقى التحية فى عجل وخرج مغادرا.
أسترعى تبدله فى اللحظات الاخيرة قبل مغادرته انتباهها
لكن لا تفسير لديها لتلك التقلبات التى بدأت تلاحظها مؤخرا.. على كل من تصرفاته معها.. أو نظراته اليها..

مر اليومان التاليان بنفس الوتيرة التى تحبس انفاسها.. وبنفس النظرات التى باتت تألفها.. حتى انها.. ولتعجبها اصبحت تشتاقها فى احيان كثيرة.. تهيأت أخيراً للنزول فى صحن السراىّ بعد ان حُبست لعدة ايام داخل جدار حجرتها التى ضاقت بها..
همت بفتح الباب.. فإذا برسالة ما تصلها على جوالها..لم تكن لتسأل عن مرسلها.. فوجيب قلبها قد أجاب..لتقرأها
عدة مرات كالعادة.. حتى تتفهم ما تحويه..

" انزلى الجنينة... ورا السرايا.. هتلجى هدية جومتك بخير.. حمدالله على السلامة "...
قرأت الرسالة عدة مرات.. هل أحضرلها هدية بمناسبة شفاءها.. لما يعاملها بكل ذاك اللطف..!!؟.. سألت من جديد
سؤالها الذى اصبح مقرراً... و نزلت فى بطء لا تريد ان تزيد من الضغط على قدمها مر بعض الوقت.. حتى اصبحت اخيراً خلف السراىّ كما أكد فى رسالته.. خطوة اخرى.. وتوقفت مذهولة.. لا تستطيع حراكاً.. فاغرة فاها فى صدمة حقيقية.. حتى انها شعرت بالدموع رغما عنها.. تترقرق فى مقلتيها.. فى فرحة غامرة...

كان يتجسد أمامها.. بناء صغير من حجرة واحدة واسعة أشبه بأكواخ الافلام الخيالية.. بألوانها الزاهية.. والورود والأزهار والنباتات المتلسقة التى تغطي سطحها وجوانبها
تحركت كالمشدوهة لتصل لتلك الغرفة..

حتى انها نسيت آلام قدمها... لتخطر الى غرفة الأحلام هذه لتجد كل ما يخطر على بالها.. آرائك ووسائد ناعمة مخملية.. شاشة عرض تلفزيوني..بساط خفيف ناعم يغطى الارض..منضدة دائرية تتوسط المكان... واخيرا.. مجموعة كبيرة من القصص والروايات المختلفة الاحجام والأنواع مرصوصة على رفوف جانبية بشكل منظم..
جلست تستقبل هذه المفاجأة فى ذهول.. تتلفت حولها فى عدم تصديق.. وهى تجلس فى تلك الغرفة الحالمة.. وكأنها انتقلت.. الى فصول احد تلك الروايات التى تعشقها..

هل فعل كل هذا لأجلها !!؟؟.. هل حقا تُكبد تلك المشقة من اجل اسعادها !!؟؟..
انتفضت فجأة.. عندما باغتتها سهام.. وهى تهتف فى مرح
حمدالله على السلامة.. ايه ده ؟؟!!.. لجيتى المفاچأة.. كان نفسى اوريهالك.. بس الظاهر عصام سبجنى وجلك عليها
ها ايه رأيك.. !!؟؟...

-حلوة قووووى.. بجد تسلم ايديكم... قالت وهى لاتزل تحت تأثير المفاجأة... وأثرها العميق فى نفسها...
-ايديكم مين بس !!؟؟..هتفت سهام ساخرة.. جولى تسلم يده.. عاصم كان بيسبج الزمن علشان لما تجومى وتحبى تنزلى الجنينة.. متجعديش هناك فى مجاعد الرچالة.. فعمل للحريم مجعد لوحدهم..علشان جال ايه..!!!.. هتفت سهام متصنعة الحقد..

انتِ بتحبى جراية الروايات فى الجنينة.. ماشى.. هنيالكِ.. وعجبالى يا رب.. صرخت سهام بدعاءها الاخير بقوة متحمسة مما دفع الضحكات على شفتى زهرة..لكن نظرات سهام انقلبت لنظرات ذات مغزى.. فهمتها زهرة.. فأومأت برأسها.. مجيبة إياها :-حاضر.. هكلمه يا سهام باْذن الله.. بس فى الوقت المناسب
اندفعت اليها سهام فى مرح تقبل وجنتيها.. وتندفع لتلبى نداء ام سعيد عليها... لتساعدها فى بعض الشؤون..

قضت معظم النهار فى خلوتها الجديدة.. تستمتع بالهواء المنعش والطبيعة الخلابة اللذان افتقدتها.. طوال اسبوع كامل من المكوث بغرفتها.. وامتدت يدها تتفحص الرفوف.. لتمسك بإحدى الروايات وتتصفحها.. غير مدركة لذاك الشبح الذى كان يقف بعيدا يراقبها فى مزيج من شوق وتردد.. يراقب سكناتها وحركاتها.. وهى لا تدرى بوجوده..

حمد الله فى سره.. لانه أقام تلك الغرفة العجيبة.. بمنأى عن رواد السراىّ وحراسها.. وإلا كانوا شاهدوه الان وهو يتلصص على زوجته وأصبح أعجوبة تلوكها الافواة ساخرة.. اطال الوقوف فى مكانه خلف تلك الأشجار الوارفة.. مأخوذ بها.. لا يريد ان يتقدم فيكسر حاجز خلوتها البرئ.. الذى يلفها بهالة من الفرحة والحبور.. لا يراهما على وجهها.. الا فيما ندر...

لكن.. لابد له من ذلك.. فقد تلحظ هى وجوده.. أو يلحظه احد خفراءه.. ظهر من خلف الأشجار متظاهرا بانه وصل لتوه.. فتنبهت زهرة لوجوده.. فعدلت من جلستها.. وقد بلغ بها الخجل مبلغه.. ماذا يجب عيها ان تقول.. أتشكره..!؟.. انها لا تقوى على ذلك.. تشعر بخجل رهيب يتملكها ويعقد لسانها على النطق بكلمة شكر واحدة على هديته..
تقدم والابتسامة تكلل محياه متسائلا :- كيفك دلوجت..!!؟..

تلعثمت وهى تحاول اخراج الكلمات من فمها.. :- انا.. الحمد لله.. وأشارت بكفيها للمكان وهى تقول باضطراب.. شكرًا.. بجد.. المكان.. يعنى حلو قوووى..
-عجبك..!!؟؟.. سأل والفرحة تقفز من عينيه..
-أه.. طبعا.. أجابت فى سرعة... عجبنى جدا.. تعبت نفسك..
-تعبك راحة... قالها صادقا... وهى تجلس صامتة.. لا تستطيع ان تزيد كلمة.. فقد تذكرت كيف كان يأتى يوميا.. طول فترة مرضها منهكا ولم تكن تعلم انه يحضر لتلك المفاجأة الرائعة لأجلها...

شعر بحرجها.. فنظر بجوارها.. ليجد احد الروايات التى كانت تطالعها...
-شايف انك بدأتى رواية چديدة من غيرى.. كان يقولها مازحا.. على العموم انا مسامح...
ابتسمت فى ود... وهى لاتسطيع ان ترفع رأسها لتقابل نظراته.. التى لا تقوى على مواجهتها..

استأذنت لتساعد فى اعداد الطعام.. لتهرب من حصار عينيه
لكنه لم يسمح لها.. خوفا على قدمها المصابة.. ودخل وهو يؤكد لها.. انه عند انتهاءهن من اعداد المائدة سيرسل من يناديها... رحل عنها..وتبعته بنظراتها حتى اختفى.. وأخذت هى تجيل بنظراتها فى الحجرة باستمتاع تام... وشعرت بنشوة عجيبة تغمرها..

انه يتذكر.. كيف كانت تحب القراءة فى الحديقة خاصة بجانب احواض الريحان... فأشرف بنفسه طول فترة مرضها على إقامة مكان خاص بها.. والعجيب..انه لم ينسى ان يضع أصيص من الريحان.. فى كل جانب من جوانب الغرفة... لم تستطع ان تترك نفسها لتلك الخواطر والأفكار التى تذهب براحة بالها.. فقررت النهوض لتذهب لتساعد ام سعيد وسهام بالمطبخ.. لعلها تتخلص ولو لبعض الوقت من شتات نفسها..

وقفت بالفعل رغم اعتراض كل من سهام وام سعيد على تواجدها بالمطبخ.. بدلا من راحتها لأجل قدمها التى لم تتعافى بشكل كامل.. لكنها اصرت على صحبتهما حتى ولو لم تقم بعمل حقيقى..فقد اكتشفت ان عاصم اخبرهم بانه سيحضر عمال للبيت ولابد من مساعدة ام سعيد فى تحضير الغداء لهذا العدد..
سألت زهرة سهام... عمال لأيه يا ترى !!؟؟...

-انا عارفة... قالتها سهام فى ضيق...
انخرط النسوة جميعهم داخل ذاك المطبخ الواسع الذى على الرغم مما يحمله من بعض الأدوات القديمة التى تنبأ بعمر تلك السراىّ إلا انه ايضا لا يخلو من بعض اجهزة حديثة تحمل عبق الحداثة والقليل من الرفاهية...
وزعوا الاعمال... وانخرطت كل منهن فى عملها مع بعض المزاح والضحكات التى كانت سببها.. عبث سهام... وشقاوتها...
اضطربت زهرة فجأة... عندما سمعت صوته يأتى من مكان ما داخل صحن السراىّ... حاولت الانكماش فى مكانها..
والاختباء من نظراته.. فى ركن بعيد.. لكن لا مفر..

دخل ينادى أم سعيد... يتأكد ان الطعام.. قد تم أعداده كما أمر..
حاولت ان تتجاهل حضوره الطاغى الذى يغمرها كموجات مد عاتية... على الرغم من أختباءها فى مكان... بعيد عنه
نسبياً... لكن.. لا محالة... صوته العميق ونظراته المتمهلة
وحضوره الأسر... لا يتركوا لها فرصة الهرب أو الفكاك.. من شِركه...

سألته الحاجة فضيلة... التى تبعته للمطبخ..
-العمال.. والحاجات اللى معاهم دى.. ايه يا ولدى.!!؟؟
-دى مولد كهربا... يا حاجة..
-ليه..!!؟..سألت فى تعجب... من ميتا بيهمنا الكهربا جطعت
ولا لاه... عادى يعنى...
-معلش... أنا هرتاح كده...
لم تكن زهرة تسمع ذاك الحوار الجانبى... فهتفت سهام..
تسأل أخيها من جديد... بتجول ده ايه يا عاصم يا خوى..!؟؟...

-أقترب من زهرة وهو يرد على سؤال سهام... ده مولد كهربا يا سهام... علشان ينور البيت دايما أول لما النور
يجطع يشتغل ويرجع الكهربا.. واقترب فى همس من زهرة التى كانت توليه ظهرها... تتحاشى نظراته...
ليستطرد فى جزل... علشان خاطر الناس اللى بيخافوا...
قالها بهمس وهو يقترب من مسامعها... مما جعلها تنتفض
بشكل جعل السكين التى تمسكها تضطرب فى يدها..
وتأوهت لمرأى الجرح النازف فى يدها..

فأندفع هو فى اضطراب... محيطاً بها من الخلف.. يحيطها
بذراعيه.. ليضع كفها المصابة أسفل شلال المياة الجارية
من الصنبور الذى فتحه على عجل... هاتفاً فى سهام بأحضار القطن ومطهر..
كانت لا تستوعب ما يحدث... حدث كل ذلك فى غفلة...
بسبب قربه منها.. فقدت السيطرة تماماً... انها حتى لا تشعر
بأى ألم يذكر.. من جراء ذلك الجرح المزعوم.. منذ اللحظة
التى أحاطها فيها وهو يحتضن كفها المصاب بتلك الطريقة الملهوفة... لم تعد تشعر بشئ إلا بقربه الذى يدمر أعصابهاويفقدها هدؤها النفسى المعتاد... كانت غائبة
فى خواطرها.. لا تركيز يذكر فيما يحدث من حولها.. لا تركيز فيما عاداه...

لم يخرجها من شرودها وخواطرها المتمركزة حول
كنه ذاك الرجل... الذى يحاصرها بذراعيه الأن..
إلا صوت أنثوى يقطر غيرة دخلت صاحبته فى غفلة من أصحاب الدار الذين التهوا بما حدث لزهرة
صوت ينبأ بقدوم رياح حقد.. وكراهية... قد تعصف.. بالجميع...
نظر جميعهم باتجاه ذاك الصوت الذى هتف فى تعجب :- واااااه... لحجتوا تدخلوا العروسة المطبخ..!؟؟... دى لساتها عروسة جديدة... هتفت بذلك سمية أبنة عمهم غسان بصوت يملؤه الحقد.. واستطردت فى سخرية... :-
وكمان جرحت نفسها... شكلها ملهاش فى الطبيخ
وشغل الحريم دى...

كان عاصم لازال مأخوذاً بجرح زهرة الذى كان يطيبه
الأن.. بوضع بعض الضمادات الطبية عليه.. ينظر اليها
قلقاً... لا ينتبه لكلام ابنة عمه الذى ينقط سماً فى كل حرف
من حروفه... كان مأخوذاً بها.. يديها الجريحة بين كفه..
نظراتها الخجلى... تتهرب من نظراته العطشى...
لم يوقظها من شرودهما... الا صوت سمية الحاد النافذ
الصبر وهى تهتف بشراسة :- متخفش.. يا واد عمى
دى جرح صغير... ميخلكش مخلوع عليها كده...

تنبه عاصم للمرة الاولى لمدى أقترابه واحتوائه لزهرة... فتنحنح فى ضيق وقال فى غضب مكبوت :- عاملة ايه يا سمية..قالها وهو ينظر لزهرة.. ومرت عمى وسليم اخبارهم ايه!!؟؟
ابتسمت ابتسامة صفراء وهى تقول فى غنج متكلف :- كلاتهم بيسلموا عليك... انت عارف بنعزك كيف... وركزت على حروف كلمة نعزك وهى تنظر لزهرة نظرة
تمنت ان تقتلها خلالها... نظرة نارية مسمومة..

-سلامى ليهم.. وخلّينا نشوفهم... عن اذنكم... قالها مستديرا للمغادرة.. عندما استطرد من باب الواجب... وانتى يا سمية... اتغدى معانا..
-تسلم لى يا واد عمى... هو انا اجدر ارفض لك طلب.. قالت كلماتها الاخيرة فى... دلال ممجوج لا يخفى على أحد
حتى ان سهام وأم سعيد تبادلتا النظرات فيما بينهما...
مشفقتان على زهرة... من تلك الغيور الحمقاء..
لكن زهرة... أستأذنت فى هدوء... لترتاح فى غرفتها حتى موعد الغذاء...

تمددت على اريكتها قليلا رفعت كفها الجريحة... لتنظر
لتلك الضمادة التى تلفه... هو من وضعها حول كفها... هل كان حقا ملتاعاً عندما رأها تنزف.. أم انها تتوهم... !!؟؟
لماذا كلما اقترب ضاعت منها سيطرتها على أعصابها..
وشعرت ان احرف الأبجدية قد اضطربت على لسانها فلا تستطيع النطق بحرف واحد...
نهضت تنظر من نافذة الغرفة... على ما يحدث من هرج ومرج بالأسفل... هل يفعل كل ذلك من أجلها!!؟؟...
ما سر اهتمامه بها !!؟..منذ ليلة البارحة.. وهو يفاجأها...

بما يقوم به من اجل إرضاءها... وهى ايضا متفاجأة من ردات فعلها تجاه أحواله المتغيرة تجاهها...
ظهر الأن فى مجال نظرها فى الأسفل.. يأمر وينهى..
حضوره الطاغى حتى وهو بعيد عنها لا يدرى وجودها جعلها ترتعش بشكل غريزى لاأرادى..
لكن من قال.. انه لا يدرى... !!؟؟... ففجأة.. نظر للأعلى حيث تقف فى شرفتها...

وتلاقت عيونهما للحظات قبل ان تضطرب وتبتعد للداخل متحاشيه نظراته... وتتساءل..لماذا كلما اقترب ضاعت منها سيطرتها على أعصابها..وشعرت ان احرف الأبجدية قد اضطربت على لسانها فلا تستطيع النطق بحرف واحد...
سمعت طرقات على الباب... أذنت بالدخول للطارق..

توقعت انها سهام... لكن لم تكن غير سمية... التى دخلت
تتفرس فى الحجرة... بشكل خالى من الذوق..
وهى تقول متصنعة المودة.. :- جلت أجى أجعد معاكى..
لحد لما يحضرولنا الغدا...
-أتفضلى... قالتها زهرة فى هدوء مرحبة على مضض
-ها.. عامل ايه معاكى واد عمى عاصم.. هو واعر وشديد... وانتِ بندرية مش متعودة على طبعنا...
-الحمد لله... ردت زهرة فى اقتضاب...

-أوضتكم حلوة... قالتها وهى تجول ببصرها فى ارجاء الغرفة... مستطردة... أنتِ عارفة..دى أول مرة ادخلها..
أصل مش من عويدنا العروسة تدخل أوضتها جبل جوازها..
و تصنعت اضطراباً بعد ذلك التصريح المسموم... وهى تكمل بث سمومها فى جو الغرفة.. والذى اصبح خانقا فجأة بعد هذا التصريح.. ولا تعرف زهرة لذلك سبباً..
-أنا مجصدش... اوعى تكونى زعلتى... دى كان كلام بس يعنى.. أنتِ عارفة الأهل وهنا بالذات فى الصعيد... البت مكتوبة لواد عمها.. من وهى فى اللفة...

ونهضت فى تثاقل... منتظرة أن ترى تأثير كلماتها الحاقدة على وجة غريمتها... لكن وجة زهرة ظل مبهم بلا أى تعبيرات... ولم تستطيع سمية ان تستشف من ملامحها ما يشفى غليلها...
دخلت سهام لتدعوهما للغداء... نهضت سمية تتوجه للخارج وهى تلقى بنظراتها النارية على الغرفة والتى حلمت فى يوم من الايام ان تكون عشها الهانئ...

همست سهام فى أذن زهرة وهما تهبطان الدرج.. متخليش كلامها يدايجك... دى غيرانة منكِ.. ابتسمت زهرة فى شرود تطمئن سهام... لكنها.. لا تعلم ما تلك المشاعر التى تكتنفها
منذ تصريح سمية.. لماذا تشعر ان هناك شئ ما يتحرك.. ها هنا فى صدرها.. شئ لا تعرف كنهه... احساس لم تستشعره من قبل...

أحساس جعل من سمية خصم لدود.. لا تعرف لماذا !؟؟ وضعتها فى خانة المنافسة ولكن على أى شئ نتنافس... !!؟؟ لم تعرف أجابة على أسئلتها... ولم تجد الوقت الكافى لتجد إجابتها عندما وصلت للمائدة... لتجد سمية تحتل كرسيها بجوار عاصم الذى كان يستمع لحكاويها.. وينفجر ضاحكاً...

جاءت لتجلس متوقعة انه سيحث سمية على الانتقال لمقعد أخرغير مقعدها.. لكنه كان مأخوذاً.. بذكرياتهما الحمقاء التى كانت تسردها الحاقدة فى فرحة غير موصوفة... جلست فى المقعد المجاور لسهام.. تختبئ خلفها... يتأكلها ذاك الشعور المتنامى الذى لا تعرف مصدره...
شعور مغلف بغضب مكبوت ينذر بالانفجار فى أية لحظة..

لم تتناول طعامها.. إنما أوهمت الجميع بأنها تأكل فقد كان فى حلقها غصة ما لو انها أكلت ملعقة واحدة من طعامها..
لأختنقت بها...
فى تلك اللحظة سمعت سمية تقول لعاصم.. فى نفس اللهجة
المتغنجة :- فاكر يا عاصم لما سليم وجعنى.. من على المهرة وانجرحت رجلى وفضلت شايلنى لحد الدار...

فى تلك اللحظة نظر عاصم لزهرة والتى أخيرا.. خرجت من مخبأها خلف سهام.. ليصطدم بعيون جوزية تشتعل
غضباً.. مما جعله يبتسم ويهمس فى نفسه... أخيراً..
أستيقظ الوحش...
وكان على حق تماماً فلقد هبت زهرة من مقعدها تستأذن لأنها تشعر بالصداع... شعر بخيبة أمل عندما رأى رد فعلها... انها تهرب لا تدافع كما توقع من روحها الوثابة
المقاتلة والمندفعة دوماً...

-روحى يا بتى أرتاحى... قالت الحاجة فضيلة وهى تتوقع انها غضبت من حكايات سمية الغير بريئة المقصد...
ففضلت لها الأبتعاد..
اندفعت تتجه لصعود الدرج.. وفجأة.. ألتوت قدمها أسفل جسدها..فصرخت فى ألم... صرخة جعلت الجميع ينتفض مهرولاً اليها وكان عاصم أول من وصل اليها..
انحنى يتطلع لقدمها... وما أن لمسها حتى صرخت متأوهة... فهتفت الحاجة فضيلة فى ضيق:- خبر ايه.. عين مين اللى صابتك يا بتى... !!؟؟

ردت سهام مصدقة على كلام أمها تلقى بالكلام.. لتفهم سمية انها المقصودة :- صدجتى يا حاجة... دخل علينا مين غريب النهاردة..!!؟..
اشتعلت سمية غضباً... وتقاذفت الغيرة شرارات مع نظراتها النارية... ليس فقط من كلام الحاجة فضيلة وسهام
والتى كانت تدرك انها المقصودة به...
ولكن غضبها وغيرتها وحقدها وصل ذروته بحق..

عندما وجدت عاصم يحمل زهرة بين ذراعيه ويصعد بها لحجرتهما كانت تتشبث برقبته تستكين فى احضانه..
وهو متيم بها.. لا يهتم لما عاداها...
كان ذاك المشهد كفيل بقتلها... الف مرة غيرة وحقداً..
فأندفعت خارج السرايّ دون ان تلقى التحية على سهام والحاجة فضيلة والتى أطلقت كل منهما ضحكة مجلجلة... على تعبيرات وجهها الشرسة..
فتح عاصم الغرفة... ودخل بشكل جانبى.. حاملا زهرة بين ذراعيه... أغلق الباب بأحدى قدميه...

وجلس على الفراش... والغريب انه لم يضعها عليه.. كما توقعت.. بل ظل محتفظ بها فى أحضانه يميل بجذعه..
ليتفقد قدمها المصابة لكنها فاجأته وتملصت من بين ذراعيه لتقف فى شموخ بلا أى ألم أو وجع يذكر..
ظل ينظر اليها فى حيرة.. وصدرها يهبط ويعلو اضطراباً...
حتى انجلت الصورة بوضوح فى عقله... لينفجر ضاحكاً...
حتى أرتمى على الفراش من شدة قهقهاته...

أعتدل أخيراً... محاولاً كبح جماح الانخراط فى نوبة أخرى من الضحكات الهستيرية ينظر اليها وهى لازالت على حالها تقف فى اعتداد وصمود جندى على وشك الانخراط فى المعركة... يزداد وجيب قلبها مع ارتفاع صوت ضحكاته... حتى انها حاولت منع نفسها قصراً.. من الانخراط فى نوبة ضحك مماثلة..
وقف ليشرّف عليها بقامته المديدة و التى تشعرها بالتهديد وعدم الحماية وبدأت تتهرب بنظراتها بعيدا..

مد كفه فى حنو بالغ يضعها تحت ذقنها ليثبت نظراتها المشتتة لتقابل نظراته القاتمة والتى تراها الأن كنهرين من عقيق مذاب... سأل فى همس قاتل..
-أنتِ عتغيرى... علىّ...
لابد أن تبتعد الأن عن تأثيره وتخرج بعيداً عن مجاله حتى تستطيع أمتلاك زمام أمرها والرد بما يحفظ كبرياءها صوت داخلى فى منطقة ما من وعيها حثها على ذلك..
فتراجعت خطوات للخلف مبتعدة عن تأثير لمسته الحانية وأولت له ظهرها.. وهى تقول فى صوت حاولت تغليفه بالحزم.. على قدراستطاعتها:-
أه طبعا بغيير... تهللت أساريره لاعترافها الغير متوقع...

فأستطردت... بغيير على كرامتى وكبريائى...
استدارت لتواجهه وقد تبدلت ملامحه للنقيض... وهى تكمل.. فى قسوة لم تعتدها فى نفسها.. الغيرة اللى حضرتك تقصدها دى ملح الحب يا باشمهندس.. وأعتقد الحب ده أخر حاجة ممكن تكون بينا...

لاحظت ملامح وجهه الرخامية التى لا تحمل اى تعبير يذكر... اما عينيه فكانت قصة أخرى فقد تحولتا لأعصار ينذر بكارثة كان يضم كفيه فى قسوة وذاك الوريد فى رقبته ينبض فى غضب حد الانفجار...
وفجأة.. اندفع فى سرعة البرق للخارج صافقاً الباب خلفه فى عنف أجفلها...

دخلت كذوبعة نارية تلقى حقيبتها على يمينها لتسقط أحد التماثيل الرخامية... محدثة دوياً صاخباً جعل امها الحاجة
رتيبة تجفل فى انتفاضة... وتهتف فى استنكار:- حُصل
ايه.. يا حزينة... جاية ليه من عندهم زربينك طالعة..!!؟؟
-البت دى مش سهلة.. ياما.. مش هانعرفوا نخلص منها
بالساهل... هموت من الغيظ... هطج... قالتها سمية فى حقد وغيرة... لا مثيل لهما..
-أنا جلت كده... محدش صدجنى... أشربى...

-لا... أنا محدش ياخد من يدىّ... حاجة كانت بتاعتى..
وهتشوفى...
-يعنى هاتعملى أيه!!؟؟... كان التساؤل من نصيب أخوها..
سليم الذى ظهر فجأة أعلى الدرج.. لينزل... ويقابلها..
ساخراً... كنتِ عملتى جبل سابق... ما هو كان جدامك...
-لا.. هعمل.. وهعمل كتير كمان... أنا سمية غسان الهوارى... تيجى واحدة من التهامية تاخد مكانى..
وأجعد ساكتة... دى لو اخر يوم فى عمرى... ومتجعدش
السنيورة دى فى البلد ولا لحظة تانية...
-طيب واللى يساعدك... !!!!؟؟..سأل سليم فى شيطانية
- عنايا ليه... هتفت فى لهفة..

-بس منجيش نجول.. لاه.. ومش هاجدر.. وكلام الحريم ده...
-لاه.. متخافش أى حاجة هتجولى عليها.. هعملها.. بس تغور البت دى... من هنه..
-خليكم كده... أنتِ عايزة عاصم.. وهو عايز سهام.. علشان ثروة عمكم دى كلاتها تجى فى يدكم.. ماهو ابوكم
كان عنديه.. كدها وأزيد... ضيعها على مزاجه.. وعلى الحريم... قالت ذلك الحاجة رتيبة فى تحسر.. مستطردة..

موجهة كلامها لولدها سليم..ما أنت طلبت سهام كذا مرة.. وانت واد عمها.. وأولى بيها رفضوك ليه.. يا حزين.. ثم استدارت عائدة مرة اخرى لمخاطبة سمية ساخرة..وانتِ ما كنتِ جصاد المحروس واد عمك من سنين.. مطلبكيش ليه.. ومستنياه وموجفة حالك عليه واهو راح اتجوز وهملك.. خليكم يا ولاد غسان... والله ما هتجبوها البر... وعاصم الهوارى.. غول
لو وجعتوا فى يده.. تبجى ياالله السلامة...

تركتهم فى نفاذ صبر.. وصعدت لغرفتها...
وانزوى كلاهما... يتحدثان فى صوت خفيض.. هو يشرح
وهى تصدق على كلامه.. بإيماءة من رأسها وأبتسامة جزلة
تحمل كل الحقد مرسومة على محياها...

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 36 < 1 2 3 4 5 6 7 8 36 > الأخيرة





الكلمات الدلالية
رواية ، ميراث ، العشق ، والدموع ، موال ، التوهة ، والوجع ، رباب ، النوح ، والبوح ، العمر ، وزواده ،











الساعة الآن 08:19 AM