رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل التاسع والثلاثون
اشار مهران لحازم من بين مجلس الرجال المجتمعين من اجل عقد قرانه مشيرا اليه ليبتعدا عن الحركة الدؤوب الموجودة بالمكان ليتبعههما حمزة ليهتف مهران موجها حديثه لحازم:- معلش يا واد عمى.. عارف ان الوجت مش مناسب.. بس فى مصيبة كَبيرة ممكن تحصل النهاردة لو معرفناش نتصرفوا صح و الدنيا تتلحج..
هتف حازم متعجبا:- مصيبة ايه لا قدر الله !؟.. هتف مهران دون تردد:- سيد العشماوى.. عارف يطلع مين !؟.. لم يقاطعه احدهما ليعطيا له الفرصة ليستطرد هامسا و هو ينظر الى حمزة الذى لم يحضر اجتماع الهوارية لانشغاله بترتيبات عقد القران مع باقى الشباب:- يبجى واد سليم الهوارى.. يبجى اخوك يا حمزة..
تسمر حمزة بموضعه و لم ينبس حرفا و تطلع حازم لحمزة فى إشفاق.. ليستطرد مهران:- هو السبب ف كل المصايب اللى وجعت للهوارية الفترة اللى فاتت و من ضمن موال الجبض عليك بتهمة المخدرات اللى لجوها ف المينا باسمك.. همس حمزة بصوت متحشرج:- و ليه يعمل فيا كِده و انى اخوه !؟..ليه يعمل ف الهوارية كِده م الاساس !؟..
هتف مهران:- دِه اللى هنعرفه لما نروح له بعد الناس ما تنفض عند بيت اولاد منصور اللى ف اخر النچع.. هتف حمزة مصدوما:- اولاد منصور!؟..ايه اللى يوديه هناك !؟.. دى بينها هاتيجى ليلة كَبيرة!؟.. هتف حازم يستفسر:- اولاد منصور دول شكلهم مش تمام و بينهم و بين الهوارية عداوة.. انا استنتجت صح!؟..
اكد مهران:- مظبوط يا حازم.. و دِه دورك بجى.. عايزينك تدخل ف الوجت المناسب.. الدنيا لو ولعت و الله ما هتهدى الا ببحور دم.. هتف حازم:- متقلقش هبقى جاهز و هعمل اتصالاتى وربنا يستر... الموضوع شكله مش سهل.. اكد حمزة متوترا:- مش سهل بس !؟.. ربنا يسترها يا حضرة الظابط.. دوول جتالين جتلة و جلبهم ميت و ميعرفوش ربنا..
هتف مهران رابتا على كتف حازم:- معلش يا حضرة الظابط هنخدك من فرحتك بكتابك بس اديك شايف الدنيا واصلة لفين.. اكد حازم:- متقولش كده يا مهران ما كلنا ف مركب و احدة.. و سيد بن عمى برضو.. و مش لازم نسيبه بين أيديهم.. و ربنا يستر.. هتف مهران و حمزة معا:- يااارب.. وانفض جمعهم بقلوب واجفة مما هو ات..
وصل عاصم و مهران و باقى الهوارية الى حدود دار اولاد منصور الذى ابتاعه سيد و وقفوا فى صمت تام يترقبون ما يحدث عندما اندفع جعفر الى داخل الدار يخبر سيد بوصول عاصم الهوارى و باقى رجال الهوارية فى عقبه.. خرج سيد و على يمينه جعفر و رجال اولاد منصور يحيطون بالدار كالسوار بالمعصم.. هتف سيد فى تعال:- جاى ليه يا عاصم..!؟
هم مهران بالاندفاع لتليقن ذاك الصفيق درسا فى كيفية مخاطبة ابيه سيد الهوارية و كبيرهم لكن عاصم منعه قبل ان يندفع من موضعه بجواره مؤكدا انه يتقبل الامر و لا داعٍ لجعله ينجح فى استفزاز احد الهوارية مهما كان الثمن.. هتف عاصم فى هدوء:- كيفك يا واد سليم !؟.. مش برضك واد سليم واد عمى غسان..!؟
انفجر سيد متحدثا فى غضب هادر:- ايوه واد سليم.. واد سليم و ده يشرفنى.. واد سليم اللى حكمت عليه بالطرد بره بلده و الموت و هو لسه على وش الدنيا.. فاكر سليم يا عاصم بيه و لا نسيته و نسيت ظلمك ليه !؟.. هتف عاصم بنفس الهدوء:- ايوه طبعا فاكره و هو فى حد ينسى واد عمه !؟.. صرخ سيد:- انت نسيته يا عاصم.. بس انا جاى اهو عشان أفكرك و عشان اخد بتار غربته من اللى ظلمه هاخد حق ابويا منك يا عاصم يا هوارى..
هتف عاصم يحاول التماسك و ضبط الاعصاب حتى لا ينفلت زمام رجال الهوارية و يندفعوا فى حركة غير محسوبة العواقب للنيل من اولاد منصور:- بجول لك ايه يا ولدى.. ابوك هو اللى اختار كل حاچة بنفسه و بمزاچه و محدش لا چبره و لا هدده.. ابوك كان ممكن يبجى رد سجون و سوابج لولا وجفتى و تنازلى عن حجى لانه ضربنى بالنار.. ابوك هو اللى طلع الچبل و صاحب عيال الليل و بجى يرازى ف الخلج..
انى كل اللى عملته خيرته يا يجعد وسطينا بالمعروف يا يفارجنا و ياخد اللى هو عاوزه.. وهو اختار الحل التانى و فارجنا و جال اعتبرونى ميت انى مليش صالح بالنچع دِه تانى و لا بناسه.. طفش و هج و محدش عرف له طريج حتى اهل بيته رعيناهم بما يرضى الله.. صرخ سيد فى هيسترية:- كدب.. كدب.. انت كداااب.. ابويا اطرد من بلده بأيدك و انت اللى هددته لو رجع هتموته و انت اخدت ماله و ارضه و مدتلوش و لا مليم..حتى امى مسبتونيش اتهنى عليها منكم لله..
هتف عاصم مهادنا:- يا ولدى انى لسه عارف النهاردة ان أبوك كان متچوز من امك ف مصر.. محدش كان يعرف انها مرته م الاساس.. هتف سيد موجوعا:- حرام عليكم.. انتوا خدتونى من حضنها.. سنين طويلة و انا كل ليلة احلم بيها و انتوا بتنزعونى منها عشان تقتلوها.. و انت السبب يا عاصم..
هتف عاصم و قد بدأ يفقد رباطة جأشه بسبب كل تلك الاتهامات المتعاقبة:- نجتلها !؟.. يا ولدى بجولك مكناش نعرفوا م الاساس انها كانت مرت سليم.. هى ف يوم و ليلة اختفت هى و ابوها م النچع و بعدها بكام سنة رچعت و متكلمتش بولا كلمة من ساعتها.. يبجى نجتلها ليه و عشان ايه!؟..
هتف سيد صارخا من جديد:- ايوه انت اللى قلت لأبوها لما هربت من وراه عشان تتجوز ابويا أنك هتجبهاله لحد عنده عشان يخلص عاره و يدفنها و يرفع راسه قدام اهل النجع كلهم و وفيت بوعدك يا عاصم بيه و وصلتوا لطريقها ف مصر و خدتوها منى و مكنتش بتعمل حاجة الا انها بتصرخ باسمى و لما ابويا سأل أتأكد إنكم جبتوها ع النجع فعلا و قتلتوها و حرمتونى منها السنين دى كلها..
هنا صرخ صوت من الماضى السحيق.. صوت ما سمعه احدهم منذ زمن بعيد.. صرخت سيدة بصوت متحشرج و عيون دامعة:- كذب.. كل دِه كذب و افترا.. كل دِه من تدبير ابوك منه لله.. ربنا ينتجم لى منيه.. اندفع سيد لأمه التى كانت تقف مترنحة تستند على ذراع ثريا فى وهن هاتفا:- انت بتقولى ايه يا امى!؟.. متخافيش منهم.. انا معاكى.. و هاخد لك حقك و حق ابويا..
بكت سيدة فى لوعة هاتفة:- حج ايه بس يا ولدى.. حج ايه و من مين..!؟. انى مليش حج عند الناس دى انا حجى عند ابوك اللى ضحك عليّ و چرچرنى وراه لحد مصر مع ابويا الغلبان.. هتف سيد فى تعجب:- انتِ ابوكِ كان معاكى!؟.. ازاى!؟..
أكدت سيدة بإيماءة من رأسها:- ايوه.. ابويا سافر معاى لما چه طلبنى منيه و جال إننا هنعيش ف مصر و مش راچعين النچع تانى و لا نعرفوا ناسه.. و سافرنا و اتچوزنا.. عشت انى و ابويا ف حارة و ابويا اشتغل بتاع بمب و طراطير بيبعهم للعيال ف العيد و المواسم.. ما هو ابوك مكنش بيحن علينا الا بزيارة كل فين و فين يرمى لنا جرشين عشانك و ادى وش الضيف و ف يوم حصل مشكلة ف المعمل اللى ابويا بيشتغل فيه و انفچر المعمل و ابويا راح فيها و مبجليش حد.. حتى انت يا حبة عينى چه ابوك و سحبك من حضنى مع رچالته و سابنى لحالى لا فلوس و لا ليا حد..
جالى و هو بياخدك ان دِه احسن لك عشان هتعيش عيشة محدش يحلم بيها و انى مش معايا ااكلك حتى العيش الحاف و عرفت بعدها انه اتچوز واحدة بت ناس ضحك عليها و شاركها بماله اللى خده من عاصم بيه عشان يسيب النچع.. ولاد الحلال ساعدونى ورچعت على هنا و كل اللى همى يبجى معاي فلوس عشان اعرف اردك لحضنى بس مجدرتش..عجلى راح.. مكنتش بفتكر الا يوم ما خدوك من حضنى يا حبة جلبى و انت بتصرخ و انى بصرخ باسمك.. سيد..
شهقت سيدة فى لوعة و هى تحتضن ولدها و تعتصره بين ذراعيها بينما ظل هو متخشب الجسد ساهما غير مدرك لما يحدث و غير قادر على تصديق ما سمعه لتوه.. هل كان ابوه يغذيه بكره الهوارية و الحقد عليهم طوال هذه السنوات بالباطل !؟.. هل كان ابوه بكل هذا السوء الذى يسمع و بكل هذه الفظاعة التى يدركها الان!؟
لما يفعل به بهذا !؟.. لما يحرمه من امه كل هذه السنوات و يجعله يعيش على ذكراها فى حلم لازمه كل سنوات عمره تقريبا منذ انتزع من أحضانها بهذه القسوة !؟.. همس سيد بصوت متحشرج و ذهن مشوش:- بس ابويا كان بيحبك... ده انا مشفتش راجل بيحب واحدة زى ما حبك و اتأثر لما عرف اللى عملوه فيكِ.. ازاى ده كله يبقى كدب و تمثيل !؟.. ازااااى!؟..
ربتت سيدة على كتفه مهدئة و شهقات بكائها ترتفع فى لوعة تشاركها ثريا إياها حزنا على حال ولدها المصدوم.. انتفض جعفر بغيظ فى اتجاه سيد دافعا اياه الى داخل الدار بصحبة امه و ثريا هاتفا به:- بجى طلعت هوارى يا واد المحروج !؟.. امال عشماوي ايه و بيه من مصر!؟.. ادخل.. لك عازة بس نروج لك..
انتفض رجال الهوارية و شبابها لرؤيتهم ما يحدث لسيد على يد جعفر بن منصور الذى استدار لهم فى غضب هادر:- بجولكم ايه !؟.. انى ميلزمنيش الكلام دِه ولا حواديت الف ليلة و ليلة دى.. انى ليا غرض واحد بس.. و هخده..
انتبه سيد لمقصد جعفر فقد كان الغرض من اتفاقهما هو التخلص من عاصم الهوارى مهما كان الثمن.. لذا اندفع دون وعى دافعا بذاك الرجل الذى كان يسد باب الدارمانعا اياه عن الخروج و اندفع بإتجاه عاصم محاولا ابعاده عن مجال إطلاق جعفر للنار و الذى دوى صوته جليا و بدأ الهرج و المرج.. و زاد الامر اشتعالا مع ظهور حازم و عساكره محاوطا الدار لتعلو صرخات النساء و يعلو صوت البارود فقد كان للمعركة ضحايا بالطبع و لتلك الرصاصة التى انطلقت من سلاح ذاك الاحمق الدعو جعفر قبل ان يختفى هاربا عند وصول الشرطة.. مستقر..
دخل ناصر لشقته ليجدها تحضر طعام العشاء مترنحة.. هى لا تزل فى أشهرها الاولى لكنها ضعيفة البنية و تشعر دوما بالدوار.. اندفع هاتفا بها فى تأنيب:- يا شيماء مش انا قلت لك متعمليش حاجة و انا هنزل اكل عند امى!؟.. هتفت و ابتسامة على شفتيها:- انا ببقى مبسوطة و انا بعمل لك حاجتك مهما كنت تعبانة..
ابتسم فى سعادة مقربا إياها منه محتضنا خصرها لكنه تنبه ان كفيه ملطخة بالشحم و ان ردائها طاله بالفعل بعض منه فابتعد متقهقرا جذبته هى من جديد موضعه السابق ليهمس لها فى أعتذار:- ايدى المشحمة بوظت هدومك يا شوشو.. همست و هى تمرغ وجهها بأحضانه:- فداك هدوم الدني يا عيون شوشو.. و استدارت ليكون ظهرها مستندا لصدره رافعة كفيه واضعة احدهما على بطنها و الاخر بالقرب من انفها تشمه فى استحسان عجيب..
ابتسم ناصر متعجبا و هامسا بالقرب من اذنها:- بتعملى ايه يا شيماء!؟.. همست مؤكدة:- نفسى رايحة على ريحة الشحم مش عارفة ليه !؟.. و قهقهت مستطردة و هى تشير لبطنها:- الظاهر الواد بلية مزاجه جه ع الشحم.. انفجر ناصر ضاحكا و همس مشاكسا:- طب تمام.. فكرينى انيمك كل ليلة ف كبوت العربية اللى بصلحها ف الورشة..
قهقهت بدورها و هى تستدير واضعة خدها على صدرها هامسة فى دلال:- و اهون عليك يابوالنصر!؟.. همس و هو يميل اليها بشوق:- و لا لحظة يا شوشو.. و لا عمرك تهونى ابتسمت فى عشق و هى تخبئ رأسها بصدره من جديد باحثة عن رائحة الأمن بأحضانه و كذا رائحة الشحم التى اصبحت تشتهيها..
هتفت سيدة و هى تصرخ فى لوعة متشبثة بباب غرفة العمليات:- يااارب.. ردوهولى يا رب.. ملحجتش اتملى منيه و لا شبعت من حضنه.. وشهقت بوجع يدمى القلوب مستطردة فى تضرع:- و النبى يااارب.. خطفوه من حضنى و فضلت طول السنين دى بستنى طلته.. انى هموت لو چراله حاچة.. هموووت..
و سقطت على ركبتيها تبكى فى حرقة و شهقات بكائها تدوى فى ارجاء المشفى.. كانت ثريا بقربها تحاول تهدئتها رغم لوعتها بدورها على ذاك الراقد بالداخل بين يدى الله اقرب للموت منه للحياة.. كانت تبكى رغما عنها و لا تدرى ما عليها فعله الا محاولة مواساة سيدة و مشاركتها البكاء خوفا و هلعا على فقد حبيبهما المشترك و الذى لم تستطيع الاعتراف بحبها له فكتمته بأعماق روحها لا تجرؤ على البوح به و لكنها تكاد تختنق به فى تلك اللحظات الفاصلة و التى لا يسطيع المرأ الا ان يكون صادق مع نفسه..
اندفع طبيبا من داخل غرفة العمليات هاتفا فى ذعر:- احنا محتاجين دم ضرورى و بكميات كبيرة.. اللى يقدر يتبرع يا جماعة يتبرع بسرعة.. حياة المريض فى خطر.. انفجرت سيدة فى البكاء من جديد و شاركتها ثريا فى لوعة قاهرة ما استطاعت كتمانها بينما اندفع كل من مهران و حمزة و بعض شباب الهوارية و التهامية للتبرع و انتظر رجال العائلة و على رأسهم عاصم على امل نجاة سيد و كلهم شفقة على تلك المسكينة سيدة التى تقتل نفسها حزنا و كمدا على ولدها..
مر الوقت بطئ كليل ما له نهاية و الأنتظار كاد يقتلهم هما على ذاك المسكين بالداخل حتى ظهر اخيرا الطبيب خارجا من باب غرفة العمليات متنهدا فى راحة و هو يزيح عن وجهه قناعه الأزرق هاتفا:- الحمد لله.. انقذناه بأعجوبة.. ربنا يسهل و يعدى الثمانية و أربعين ساعة اللى جايين دول على خير.. اندفع عاصم متسائلا:- يعنى هو تمام يا داكتور !؟
اكد الطبيب بإيماءة من رأسه:- اه..بالنسبة للحالة اللى جه فيها اقدر اقولك انه انكتب له عمر جديد.. لكن بخصوص التداعيات بعد العملية دى مقدرش أحددها الا بعد ما يفوق بإذن الله.. ادعوله بالشفا.. هتف الجميع:- ياارب..
اندفع السرير المدولب الذى يحمل جسده الى خارج الغرفة ليتجمهر الجمع حوله و الممرضين يدفعوا به لغرفة العناية الفائقة.. ظل الكل مترقبا من خلال زجاج الغرفة لجسده المسجى الذى يتم وصله بالخراطيم و الأنابيب الطبية اما سيدة فقد وقفت ملتصقة بالزجاج تطالعه فى لهفة ليفتح عينيه متطلعا اليها من جديد.. تتمنى لو تعطيه بعضا من روحها و عمرها فى سبيل نظرة منه تشفى جراح سنوات عجاف مضت من الانتظار أملا فى رؤيته من جديد..
اندفع باسل كعادته الى شقته حتى يراها.. تطلع الى حيث تجلس دوما تطالع قضاياها لكنه لم يجدها.. شعر بالقلق و توجه الى حجرتهما ليجدها ممددة على فراشهما تتطلع للسقف فى تيه و دموع تنساب على خديها.. هرول اليها فى ذعر هاتفا:- ايه فى يا سندس !؟.. بتبكى ليه !؟.. الموضوع بتاع سيد ده عدى على خير.. و ابوك و اخوك تمام الحمد لله.. ايه فى تانى!؟.. لم تجب و إنما تطلعت اليه بعيون تجود بمزيد من الدموع.. جذبها لصدره هامسا فى لوعة:- چرى ايه يا بت خالى !؟.. متنشفيش دمى الله يرضى عنيكِ.. فى ايه !؟..
همست بصوت متحشرج و هى تمد له يدها بأختبار ما:- انا حامل يا باثل.. حامل.. تطلع اليها فى تيه للحظات و همس متعجبا فهو يعلم ان حدوث الحمل هذه الفترة غير وارد كما اخبره الطبيب:-حامل !؟.. انتِ متأكدة !؟.. اومأت فى إيجاب هاتفة:- عِملت كل الاختبارات و كلها اكدت نتيجة واحدة.. انا حامل.. جذبها الى احضانه فى سعادة يضمها بين ذراعيه فى سعادة دامع العينين شاخصا بصره للسماء شاكرا لله على نعمه و جوده.. و همس مشاكسا إياها فى فرحة:- بس بجولك !؟..
تطلعت اليه فى فرحة مستفسرة:- ايه!؟.. همس فى مجون:- تاريكِ محامية شاطرة و انى معرفش.. كسبتى جضيتى من اول چلسة.. انفجرت مقهقهة ليستطرد بدوره يشاكسها:- بس انى عايز استئناف يا استاذة.. و نقض كمان لو أمكن.. قهقهت من جديد و هى تتعلق برقبته بسعادة فاقت الحد فقد رزقها الله بطفل من ذاك الرجل الذى تعشقه بصدق..
كانت الساعة قد تخطت السادسة صباحا بقليل و هى تجلس قبالة حجرته و بجوارها امه المسكينة ممددة على مقعدين و قد نال منها الإرهاق مبلغا عظيما فراحت فى سبات عميق تشهق فيه غير واعية هامسة باسمه.. كانت قد استأذنت أبويها ف البقاء برفقة سيدة بالمشفى عندما اتصلت بهما تخبرهما ما حدث لتنال موافقتهما على البقاء.. نهضت فى هدوء و توجهت خطوات باتجاه الحاجز الزجاجى الذى يفصل جسده عنهما..
استندت على ذاك الحاجز فى تضرع كمن يتعلق بأستار مقام مبارك.. و همست او كانت تظن انها تهمس لنفسها:- يااارب.. يا رب تجوم بالسلامة لجل امك الغلبانة دى اللى ملحجتش تفرح بيك.. و عشان.. و ترددت لحظة مستطردة.. و عشان خاطرى..
و سالت دموعها فى صمت كان ابلغ من آلاف الكلمات التى يمكن ان تناجى بها ذاك الحبيب الراقد فى دعة و سكون لا يدرك حالها و لا تظنه يدرك يوما.. انها تحبه.. نعم تحبه.. و بعد ما عرفته و سمعته بنفسها اصبحت تعشقه.. انه ضحية ابيه.. ذاك الرجل المتجبر الذى سعى لتحميل ولده ثأر خسيس لا ناقة له فيه و لا جمل.. أرهق مشاعره و أدمى روحه بأنتقام ما استطاع هو تنفيذه فى حياته ليتركه إرثا مشؤوما حتى ينفذه ولده و الذى يعتقد انه يكرم أباه حينما يقوم بما وعد به كدين عليه.. ياله من مسكين !؟.. و ما اثقل ما تحمل من اوجاع !؟..
انها لم تكن تدرك كل هذا و لا تعلم كل تلك الأسرار التى أظهرت كم الالم الذى عايشه و كم الوجع الذى عاناه..فاضت دموعها من جديد تكتم شهقاتها بصعوبة.. شاركتها سيدة البكاء فى صمت و قد كانت قد استيقظت مع حركة ثريا من مقعدها و استمعت لهمسها المناجى و أمنت على دعائها فى وجل و قد ادركت ان هذه الفتاة عاشقة لولدها..عاشقة حتى النخاع..
اندفع حمزة و من خلفه عمه زكريا لداخل دار ابيه و دخل غرفته و اغلق بابه خلفه كان الجميع مجتمعين فى ردهة الدار فتنبهوا لحال حمزة.. استدارت رؤوسهم فى اتجاه زكريا مطالبين بتفسير.. لكن زكريا هتف بدوره:- انا داخل له.. لم ينطق احدهم كسبانة ويونس وحامد بكلمة و كذلك هدير التى تطلعت الى ما يحدث بعيون حائرة لا تدرك ما يجرى..
توجه زكريا لغرفة حمزة و دق الباب للحظة و دلف للداخل و اغلق الباب تاركا الجمع بالخارج يفترض ما يحلو له.. تنهد زكريا عندما وجد حمزة يقف مديرا ظهره اليه متطلعا للأفق البعيد من نافذته المنفرجة يسمع هديل زوج من الحمائم يقف على خصاصها فى وداعة.. اقترب زكريا رابتا على كتف بن اخيه هامسا:- كله خير يا ولدى.. ربنا يعديها على خير.. انتفض حمزة مستديرا بكليته فى مواجهة عمه:- خير !؟.. خير منين يا عمى !؟.. هو ليه عمل فينا كِده !؟.. ليه !؟.. لييييه !؟..
تنهد زكريا فى حزن و لم يعقب بينما استطرد حمزة فى غضب:- انى طول عمرى كاره انى انطج اسمه ورا أسمى.. كنت كاره انى ابجى واد سليم الهوارى.. ما الكل عارف مين سليم.. و كان بيعمل ايه..حامد كان زعلان ان ابوه طلع سوابج و ميعرفش انى كنت اتمنى ابجى مكانه و ابويا يبجى يونس الحناوى السوابج بطيبته و حنيته و لا انى ابجى بن سليم الهوارى اللى كان معروف بفچره و چبروته و كملت باللى عمله ف سيد..
انى طلعت محظوظ يا عمى لان لجيت ابويا يونس يوجف له و يحمينى انى و امى من چبروته لولاه كنت زمانى معاه ف الچبل و لا واد ليل و لا كنت ميت من اساسه.. لكن سيد.. ملجيش اللى يوجف له و يحميه منيه.. من ابوه.. اللى حجنه و ورثه كره للهوارية و عيشه كدبة كَبيرة.. هتف زكريا مطمئنا:- بس الحمد لله يا ولدى.. سيد اهو بخير.. و بكرة يجوم بالسلامة و..
قاطعه حمزة صارخا:- بخير !؟.. خير ايه يا عمى!؟.. سيد هيعيش طول عمره عاچز.. عارف يعنى ايه عاچز يا عمى ف السن ده!؟.. بهت لون زكريا هاتفا:- عاچز !؟.. مين اللى جال لك كِده !؟.. هتف حمزة و هو يلتقط انفاسه فى تتابع ينبئ بما يعتمل بداخله من صراع محتدم:- الداكتور يا عمى !؟.. اخدته على چنب و جلتله ايه الحالة بالظبط.. جالى مش هخبى عليك.. لو جام منها ممكن ميعرفش يحرك يده اليمين تانى..
و استطرد حمزة بلهجة منكسرة تحمل حزن الدنيا مجتمع:- عارف يا عمى يعنى ايه يبجى باشمهندس كد الدنيا و يده مشلولة !؟.. و هنا جذب زكريا حمزة بين ذراعيه ليشهق حمزة باكيا بين ذراعى عمه.. ربت زكريا على ظهره فى حنو هامسا:- يا وچع الجلب.. غسان هو سليم.. و زكريا هو حمزة هو سيد.. سلسال وچع..
رفع حمزة رأسه من على كتف عمه محاولا مداراة وجهه الذى يغطيه الدمع.. ربت زكريا على كتف حمزة هامسا:- ارتاح دلوجت يا حمزة و متفكرش ف حاچة عشان تبجى فايج تروح المستشفى لأخوك تانى.. و اهدى كِده..تبات نار تصبح رماد ليها رب يعدلها.. اومأ حمزة برأسه فى استكانة و خرج زكريا مغلقا الباب خلفه و اصدر فرمانا ان لا احد يقرب غرفة حمزة حتى يأخذ قسطا من الراحة..
تفرق الجمع الذى كان ينتظر معرفة تفاصيل ما يحدث بالغرفة المغلقة.. جلست هدير فى استكانة تشعر برغبة تدفعها لدفع باب الحجرة و الدخول لذاك الذى يرقد بالداخل لا تدرى ما به.. تنبهت لكسبانة التى كانت تشير اليها من جانب خفى حتى لا يلاحظها احد.. فتوجهت اليها هامسة:- نعم يا طنط.. همست كسبانة بتخابث:- عايزة تدخلى لحمزة !؟... هتفت هدير فى سعادة متسائلة:- هو ينفع !؟..
اشارت لها كسبانة لتخض صوتها و اومأت برأسها ايجابا هامسة:- تعالى.. سارت هدير خلفها لتعطيها كسبانة كوب لبن دافئ كانت قد سكبته لولدها حتى يعوض ما فقده من دماء تبرع بها لأخيه.. همست كسبانة:- خدى يا بتى.. ادخليله بكوباية اللبن دى.. و سارا معا حتى باب الغرفة فهمست كسبانة مشاكسة:- لازما تشربهاله.. و انتِ و شطارتك بجى..
ابتسمت هدير و طبعت قبلة سريعة على خد كسبانة التى ابتسمت لفعل هدير العفوى.. فتحت هدير الباب فى تردد و دخلت بهدوء و اغلقت الباب خلفها.. تسمرت فى موضعها و دق قلبها فى عنف لمرأه بعد الشكل.. كان يجلس على حافة الفراش يضع رأسه ما بين كفيه حتى انه لم يرفعه ليتعرف على من وطئ الغرفة..
جلست قبالته و وضعت كوب اللبن فى حرص جوارها و همست و هى تضع كفيها على كفيه اللذان يسند بهما رأسه المكدود:- حمزة !؟.. انت كويس..!؟. لم ينتفض للمساتها كالمعتاد بل رفع رأسه ناظرا لعمق عينيها هامسا:- انى كويس يا هدير.. قررت استغلال الفرصة هامسة بلهجة حاولت ان تكسوها بالمرح و هى تتناول كوب الحليب:- طب عشان خاطرى خد اشرب اللبن ده لحسن طنط كسبانة حلفت ما تجوزنى ليك الا لو شربته!؟.. يرضيك !؟...
اتسعت ابتسامته هامسا:- طنطك كسبانة عارفة انى مبحبش اللبن.. واضح ان شغل الحموات اشتغل و هى مش راضية عن الچوازة دى.. شهقت هدير هاتفة فى صدمة:- بجد!؟ قهقه حمزة رغما عنه لرد فعلها و خاصة عندما ظهرت تلك النظرة على محياها تؤكد انها فى سبيلها لإرتكاب جريمة ما.. فهتف من بين قهقهاته:- و الله لأشربه.. عشان هى منجصاش عاركة تانى.. كفاية اللى احنا فيه..
اكدت هدير مبتسمة بدورها تتصنع الشدة:- طب أشرب.. عشان انا هخرج لها بالكباية فاضية.. امسك حمزة كوب اللبن يقربه لفمه فى تقزز محاولا إقناع نفسه بتناوله و ما ان هم بان يكف عن المحاولة حتى وجد نظرات هدير تستحثه فى براءة فدفع بمحتويات الكوب دفعة واحدة لجوفه و ظهر على وجهه علامات عدم الرضا.. تناولت هدير منه الكوب الفارغ و وضعته جانبا و هى لاتزل تجلس القرفصاء بالقرب من قدميه و همست فى سعادة:- كويس انك شربته عشان تعوض الدم اللى اتبرعت بيه..
نظر اليها فى شوق:- انى مشربتوش عشان اعوض حاچة.. انى شربته عشان خاطرك.. وقفت تستند على ركبتيها امام مجلسه هامسة:- بجد يا حمزة !؟.. انت حلو قووى يا فكرة.. ابتسم لكلماتها بينما انتفضت هى تتناول الكوب الفارغ مندفعة خارج الحجرة الا ان كفها توقف على مقبض الباب وعادت القهقرى لموضعه و وضعت قبلة سريعة على خده و خرجت مسرعة تتقى ثورته كالعادة مما دفعه ليقهقه ما ان خرجت هامسا:- و الله مچنونة..
كانت كسبانة منذ دخلت هدير تقف بالخارج قرب الباب تنتظر خروجها قبل ان يلاحظ غيابها احدهم ليراها حامد و هو يندفع لداخل الطابق السفلى من شقته فامسك ضحكاته و هو يربت على كتفها هامسا:- مش كبرتى على تلميع الاكر دِه يا كسبانة !؟.. انتفضت كسبانة و جذبته مبتعدة عن الحجرة هامسة:- اصلك هدير مرت اخوك چوه.. همس حامد مقلدا إياها:- و هى ايه اللى دخلها چوه !؟.. مش عمى زكريا جال محدش يدخل لحمزة دلوجت !؟..
همست كسبانة:- يعنى انى جولت تدخل لأخوك عشان يعنى.. كاد حامد ان ينفجر مقهقها ولكنه مسك ضحكاته مراعاة للظروف الراهنة بسرعة و هو يحرك كفا مرتعشة بالقرب من وجه امه :- ااه منكِ انتِ يا كسبانة اااه.. انتفضت كسبانة هامسة بحنق:- شوف الواد.. متخلينا ساكتين.. يعنى اخوك ملوش نَفس.. دِه احنا مبجيناش نشوفوك تحت الا ف المواسم.. انفجر حامد مقهقها هذه المرة و اندفع يهتف مبتعدا :- خلاص.. حرمت و الله.. اعملى اللى يعچبك..
فى تلك اللحظة ظهرت هدير على عتبة باب غرفة حمزة ترفع الكوب الفارغ بإنتصار اورث كسبانة قهقهات متعاقبة حاولت وأدها قدر استطاعتها و هى ترى تلك الفتاة التى ترفع ذاك الكوب ككأس لبطولة ما قد حازت فيها المركز الاول.. بلا منافس..
دخل مهران الغرفة فى هدوء ليجد زوجته تجلس القرفصاء تقرأ وردها اليومى فتنهد فى تعب و انحنى متمددا على الارض جوارها و ألقى برأسه المكدود فى حجرها فتلقفتها فى سعادة و اخذت تمسد على جبينه فى حنو.. فأبتسم ما ان لامست أطراف أصابعها جرحه القديم من اجلها و المرسوم على احدى جانبى رأسه..
انتهت بعد دقائق ليهمس قائلا:- اتوحشتك يا نوارة.. ابتسمت فى حياء و لم ترد لكنها انحنت تلثم جبينه الراقد بأحضانها هتف مسترسلا:- شوفت رؤية غچيبة امبارح.. نسيت اجول لك عليها ساعة صلاة الفچر.. و بعديها الكتاب و اللى حصل كله لخفن الواحد.. هتفت بإهتمام:- خير ان شاء الله..
همس يقص فى تركيز:- شوفت چدى مهران الله يرحمه.. چاى و بيمد يده و جالى خد دى يا مهران.. جلت له ايه دِه يا چدى.. جالى دى زرعتك يا ولدى.. و مد كفه و فتح كفى و حط فيه بذرة نابتة ليها اربع ورجات.. جالى حاچى عليها يا مهران.. دوول امانتك.. ساد الصمت للحظات قبل ان تدمع عينا تسنيم فى سعادة هامسة:- الرؤية حج يا شيخ.. قد صدقت الرؤيا.. تطلع اليها مهران متسائلا:- مش فاهم جصدك ايه !؟..
همست منكسة الرأس فى حياء:- الظاهر كِده ان ولى العهد ف الطريج.. انتفض من حجرها هاتفا فى سعادة:- انتِ بتتكلمى چد يا تسنيم !؟.. ابتسمت رغما عنها لردة فعله هاتفة فى فرحة:- هى الحاچات دى فيها هزار برضك يا شيخنا!.. انتفض هاتفا من جديد:- الله اكبر.. الله اكبر.. و نهض مندفعا للحمام لتسأله تسنيم مقهقهة:- باب الاوضة من هنا يا شيخ.. انت مش هتروح تبلغ خالى عاصم برضك !؟..
رد عليها مبتسما:- ايوه طبعا هو خبر حلو زى دِه يستخبى !.. بس انى رايح اتوضى اصل ركعتين شكر لله و بعدين اجول لأبويا و امى.. اندفع الى الحمام و ما ان خطى عتبته حتى عاد اليها مهرولا من جديد.. انحنى فى عجالة يقبل جبينها فى سعادة و يندفع مرة اخرى الى الحمام تلاحقه قهقهاتها المتعجبة لأفعاله..
جلست خلف مكتبه العزيز الذى اصبحت تستطيع دخوله مؤخرا بعد ان حرمته على نفسها فترة طويلة غير قادرة على الولوج اليه و لا تراه يزينه بمحياه الذى تعشق و الذى ظلت تعشق لقرابة الربع قرن حتى رحل عنها مخلفا الخواء فى حياتها التى أضحت أشبه بصحراء من ثلج و نار.. تشعر بالبرد ينخر روحها لانها بعيدة عن دفء احضانه التى تفتقدها حد الجنون و تستشعر نيران فقده التى تستعر بداخلها كأنه رحل منذ لحظات و ليس منذ خمس سنوات كاملة..
اليوم ذكرى مولده و هى تتعذب وحيدة كليا و تعانى صراع رهيب بين استمرار بقاءها هنا فى باريس حيث عاشت معه و له او العودة لمصر و الالتجاء لأهلها حتى تحتمى بهم من غدر الأيام و تقلباتها و خاصة انها ما انجنب ولدا او بنتا تتعكز عليهما فى مثل هذه الظروف..
مدت كفها تفتح ادراج المكتب الأبنوسي الفاخر فى هوادة تتطلع لمحتوياته العزيزة على قلبها لمعزة صاحبها.. دمعت عيناها و هى تتطلع لمنظاره الطبى و أقلامه الأنيقة و ساعته الفضية و من بين كل تلك الأغراض تلك المذكرة القرمزية التى كانت تراه يدون فيها بعض الملاحظات و التى ما شكت لحظة فى محتواها..
فتحتها فى رهبة و قد ألتصقت اوراقها الاولى لطول مدة طيها و اصفرت اطرافها.. تطلعت للصفحة الاولى لتتعجب من انها مذكرات.. منذ متى يدون نبيل مذكراته و هى لا تدرى !؟.. ابتسمت على اى حال و فرحت لانها وجدت جزء من ذكرياته مدون يجعلها تستشعر قربه منها حتى و لو وهما..
بدأت فى القراءة بتأن.. دمعت عيناها مرات و ابتسمت مرات اخرى و هى تراه يذكر كل شاردة و واردة دارت بينهما حتى حادثة حملها بعد طول عناء و قساوة تجربة الإجهاض بعد تلك الفرحة الغامرة التى عاشاها لحظتها..
أيامها قال لها الطبيب ان ما حدث مرة يمكن ان يحدث من جديد.. شعرت بالامل يدب فيها من جديد و تمنت ان يتكرر الحمل لسنوات بعدها الا انه لم يحدث و مع استشارة الأطباء اكد طبيبها الذى تثق فيه ان العيب ليس فيها لكن للاسف اضحى العيب فى نبيل و الذى حدثت له بعض التغيرات التى اصبح بعدها الحمل صعب المنال..
يومها بكت كما لم تبك من قبل لكنها سلمت امرها لله و ركز كل منهما فى عمله و التفوق فيه و الحصول على درجاتهما العلمية.. و قد كان.. الا ان حلم الابوة و الأمومة كان دوما يراودهما دوما و لكن ما من سبيل اليه.. قلبت فى المذكرة من جديد و اخيرا استوقفتها صفحة بها صورة لشخص فى مراحل مختلفة من حياته.. اعتقدت انه نبيل من الوهلة الاولى لكنها تذكرت ان صور نبيل فى مثل تلك السن الصغيرة كلها فى القاهرة و كلها فى الاساس غير ملونة.. اذن من يكون هذا !؟..
نظرت اخيرا بأسفل الصفحة ترتدى منظارها الطبى تتأكد من الاسم الباهت المكتوب بخطه المنمق.. شهقت فى صدمة و هى تقرأ الاسم بعينيها.. حسام نبيل قدرى التهامى..
رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الأربعون والأخير
منذ ان تحسنت حالته و تم نقله لغرفة عادية و هى تتحين الوقت المناسب لتأتى الى المشفى لتتسلل الى غرفته و تجلس بالقرب من فراشه فاتحة مصحفها الشريف الذى تجلبه معها دوما مستغلة استغراق امه فى تلك الساعة فى نوم عميق على الأريكة البعيدة بالجانب الاخر من الغرفة.. لا تعلم لما لم يستفيق بعد على الرغم من تأكيد الأطباء على استقرار حالته.. تنهدت فى حسرة على حاله و هو ممدد بهذا الشكل بلا حراك و هو الذى كان يملأ الكون صخبا و ضجيج..
فتحت مصحفها و بدأت فى استئناف القراءة من حيث انتهت الليلة السابقة مر الوقت و اخيرا همست بالآية الكريمة:- يا ايتها النفس المطمئنة ارچعى الى ربك راضية مرضية و ادخلى فى عبادى و ادخلى چنتى.. همست و هى تغلق المصحف:- صدق الله العظيم... و بدأت فى التضرع كعادتها هامسة:- يا رب يجوم بالسلامة.. يا رب.. وندر عليا لأصوم كل اثنين و خميس لحد رمضان الچاى.. بس يچوم ياارب..
و ما ان همت بوضع المصحف على الطاولة القريبة حتى همس صوت محبب اليها اشتاقته كثيرا حد التهلكة بنبرة ساخرة واهنة:- بتدعى على مين يا باشمهندس !؟..و هو انا مت و لا ايه !؟.. هو مش الآية دى بيقروها ع المقابر برضو.!؟.. انتفضت تتطلع اليه غير مصدقة انه استعاد وعيه اخيرا و همت بالاندفاع لمناداة الطبيب الا انه شاكسها هاتفا فى وهن:- مردتش ليه يا باشمهندس ثريا !؟.. بتبشرى عليا..
اندفعت تدافع عن نفسها:- دِه قران يا باشمهندس.. و استطردت ساخرة كعادتها:-و شوف سبحان الله.. الآية بتتجرى ع الأموات و انت سمعتها فوجت.. قهقه متأوها على ردها الذى كان ينتظره و قد اشتاق مشاكساتها:- مفيش فايدة فيكِ.. لسانك اطول من ايّام الحزن.. كانت ف المعتاد ستستاء لوصفه لها بهذا الشكل لكن على غير العادة وجدت نفسها تحاول وأد ابتسامة كادت تولد على شفتيها و انتفضت هاتفة:- طب خاف منى بجى.. و سبنى انادى الدكتور يشوف ايه الاخبار..
هتف يستوقفها متسائلا فى لهجة متعجبة:- ثريا!؟.. هو انا ليه مش حاسس بدراعى خالص و لا قادر احركه حتى!؟.. استجمعت شجاعتها و ردت بثبات تحسد عليه:- تفتكر ليه يا باشمهندس!؟..يمكن عشان واخد لك رصاصة فيه مثلا !؟.. ابتسم رغما عنه هاتفا:- طب نادى الدكتور.. خلينى اخلص من لسانك.. اندفعت فى اضطراب للبحث عن الطبيب لتؤكد عليه عدم اخباره.. طافت المشفى بحثا عنه و لم تجده ظنت انه غير متواجد و ما ان همت بالاقتراب من الغرفة حتى تنبهت ان الطبيب المعالج كان يغادرها لتوه..
شهقت بصوت مسموع و اندفعت تفتح الباب فى حذّر ليطالعها منظره و هو ملقى الرأس بأحضان امه التى اخفته بين ذراعيها فى جزع و يبدو انه علم حقيقة الوضع الخاص بذراعه و ها هو يبكى حاله.. شعرت بالوجع يفت بقلبها على مرأه بهذه الحالة و تمنت لو ان لها من الصفة ما يخولها لتدخل تشاركه ذاك الحزن و تصرف عنه ذاك الوجع لكنها ليست كذلك و لا سلطة لديها للإقدام على تحقيق ما تتمنى كما انه ليس من المفترض ان تجعله يدرك انها رأته بهذا الضعف فقررت الانسحاب لبعض الوقت قبل ان تعود من جديد وقد هدأ و بدأ يتقبل الامر الواقع و لو قليلا ليأتى دورها الفعلى..
تسللت فى هدوء الى داخل تلك القاعة الدراسية و جلست فى اضطراب و ترقب فى المقاعد الخلفية و انتظرت دخول الطلاب كالعادة و من بعدهم دخل هو.. كادت تنتفض فى لوعة و هى تراه امامها ملء العين.. انه هو.. نسخة طبق الاصل منه.. نفس طريقة السير الهادئة الرزينة و منظاره الطبى الأنيق الذى يزين عين تختلف عن لون عين ابيه البندقية.. فقد كانت زيتونية حزينة.. يزيدهما المنظار الطبى جمالا و رقة..
ابتسم فدق قلبها فى شوق لإبتسامة مطابقة رحلت منذ زمن و تفتقدها حد الوجع.. انه يحمل ابتسامة ابيه الدافئة ..انه نبيل.. و كأنها تراه مرة اخرى وقد عاد شابا فى نفس تلك السن التى رأته فيها للمرة الاولى و سقطت صريعة هواه من النظرة الاولى... ما عادت قادرة على كبح جماح دموعها.. انه ولده من زوجته التى تزوجها دون معرفتها..
هى لا تنكر انها ثارت و هاجت و ماجت عندما ادركت انه تزوج اخرى لينجب طفلا.. و تساءلت كيف يحدث هذا و العيب فيه !؟..لكن ما ان هدأت قليلا و أعملت عقلها حتى بحثت بين اوراقها القديمة على ملفات علاجها و كذا علاجه و عرضتها على الأطباء من جديد لتتأكد بما لا يدع مجالا للشك لديها انها كانت خدعة قام بها هو وألصق ذاك العيب به على الرغم انه كرجل صعيدى ما كان يحمل ان يوسم بعيب كهذا قد ينتقص من رجولته.. لكنه فعل لأجلها..
فعل لانه يحبها بحق.. فعل لانه ادرك انها لن تحتمل ان تظل تحيا معه و العيب فيها و ستعتقد انها تظلمه.. انه فضل ان يلصق هذا العيب به على ان ترحل بعيدا عنه و خاصة عندما علم من الطبيب ان حالتها ميؤوس منها و لا داع للمحاولة من الاساس و التى كانت لن تتوانى عنها مهما كلفها ذلك و هو كان يعلم هذا و اثر إلصاق عيب كهذا به على جعلها تتعلق بأمل كاذب يعلم علم اليقين استحالة تحقيقه..
تنهدت هامسة لنفسها:- حتى عندما نقمت عليه ادركت انى حمقاء و انه كان يعشقنى حد بقاء زوجته الاخرى و ام ولده الذى تمنى طوال عمره فى الظل لا يدرى بهما احد.. انتهت المحاضرة اخيرا و بدأ فى تجميع اغراضه راحلا و مودعا طلابه.. نهضت خلفه مهرولة حتى وصلت قبالته.. كاد يصطدم بها اثناء مغادرته لكنه تراجع بسرعة متجنبا الصدام متأسفا فى أدب و بفرنسية أنيقة رغم ان الخطأ خطأها...
هم بالرحيل فعليا الا ان تلك المرأة التى وقفت تتطلع اليه بهذا الشكل الغريب استرعت انتباهه فتطلع اليها متعجبا من حالها مع كل تلك الدموع التى تكسو وجنتيها و اخيرا انتفض فى صدمة عندما وجدها تندفع الى احضانه تتشبث به و كأنها تعود لأحضان نبيل من جديد.. همساتها التى تحمل شوق الكون بنبراته و هى تنطق اسم والده بهذه الطريقة جعله يبعدها عنه فى هدوء هامسا بعربية صحيحة:- انتِ كنتِ تعرفى بابا !؟..
ابتعدت عنه ندى قليلا بدورها و قبل ان تتكلم قاطعها هاتفا و كأنه تذكر فجأة اين رأى ذلك الوجه:- حضرتك الدكتورة ندى التهامى..صح !؟.. هتفت متعجبة:- عرفت ازاى !؟.. ده انت عمرك ما شفتنى..
ابتسم فى رزانة:- ازاى معرفكيش يا دكتورة !؟.. بابا مكنش ليه سيرة غير حضرتك و صورتك كانت على طول ف محفظته و جنب قلبه.. كان بيحبك قووى.. شهقت ندى فى لوعة جعلت حسام ينكس رأسه فى أسى حزنا على ذاك الرجل الذى يفتقده بدوره و هتفت تتساءل ما ان هدأت:- طب ليه اتجوز غيرى طالما بيحبنى !؟..
اكد حسام و هو يشير لها لتجلس على بعض المقاعد القريبة من موضع وقوفهما:- جواز بابا بأمى جواز مصلحة.. كانت مهاجرة و عندها مشاكل و ممكن تترحل فلجأت له و قدر يحل مشاكلها.. الموضوع تقدرى تقولى تبادل منفعة.. هى ضمنت بقاءها هنا لانها متقدرش ترجع بلدها و هو خد بن كان طول عمره بيتمناه و كان نفسه تكونى حضرتك امه.. على فكرة ده مش تحليلى.. ده كلام بابا ليا لما سألته ليه طلق امى.. هتفت ندى مصدومة:- طلقها !؟..
اكد حسام:- اه.. و من زمان يا دكتورة.. تقريبا و انا عندى خمس سنين.. بعد ما ضمن لأمى حياة كريمة و مقصرش معايا ابدا.. هدأت ندى قليلا هامسة:- طب ليه مجتش تسأل عليا بعد وفاة نبيل !؟.. انا كنت محتجاك قووى.. هتف بدوره فى شجن:- كانت امى دخلت فى دور مرضها الاخير و كنت براعيها بجانب شغل الجامعة.. و كمان الصراحة كنت خايف اجى لحضرتك وانا مكنتش اعرف اذا كنتِ تعرفى بوجودى م الاساس و لا لأ !؟.
اومأت برأسها متفهمة ليستطرد هو بنبرة تقطر حزن:-و انا كمان كنت محتاجك قووى بعد وفاة امى.. بابا و ماما ورا بعض ف سنة واحدة..كان صعب عليا قووى غيابهم و احساسى انى بقيت ف الدنيا لوحدى.. هتفت مؤكدة:- انا مش هسيبك تانى.. انا كنت ناوية أرجع مصر عشان شعور الوحدة هنا قاتلنى.. بس بعد ما لقيتك خلاص.. انا بقى لى ابن هنا حتى لو سافرت ارجع عشان خاطره.. ابتسم فى سعادة غامرة.. و اقترب يحتضنها فى حنو و يقبل جبينها فى امتنان..
تطلع حمزة من باب الحجرة ليتأكد انه استيقظ و ما ان لمحه حتى دخل فى سعادة ملقيا التحية فى مودة:- كيفك النهاردة يا سيد !؟.. يا رب تكون عال!؟.. صمت سيد و لم يعقب و قد استشعر الحرج و هو يقارن بين لكل ما قدمه له حمزة من مساندة و دعم خلال الفترة السابقة و كل ما قدمه هو من سوء بالمقابل و اخيرا هتف بصوت يملؤه الشجن:- سامحنى يا حمزة.. الغضب كان عامينى.. حتى انت كنت عايز انتقم منك عشان كنت فاكر زى ما قالى ابويا ان امك هى السبب اللى خلى عمى عاصم يطرده م البلد..
ابتسم حمزة فى هدوء هاتفا:- خلاص بلاها الحديت ف الموضوع الماسخ دِه.. احنا ولاد النهاردة.. و اهم حاچة دلوجت انك تجوم بالسلامة.. هتف سيد بصوت متحشرج و فى نبرة تؤكد على وجع صاحبها:- هو ابونا كان وحش قوى كده يا حمزة !؟.. معقول ابونا كان كده !؟.. تنهد حمزة و قد ادرك ان سيد لديه الكثير من الأسئلة التى لاتزل تشغل فكره و لا يجد لها اجابات شافية ترضيه فهتف مؤكدا:- للاسف ايوه.. الله يرحمه بجى اذكروا محاسن موتاكم..
هتف سيد فى قهر حقيقى:- انت ما شفتوش يا حمزة.. انا اللى شفته و عشت معاه.. مش ممكن يكون كده.. معقول كان كده !؟.. هتف حمزة و هو يتقدم من فراش سيد رابتا على ركبته:- يمكن حالى احسن من حالك.. تعرف.. انا لولا ابويا يونس كان زمانى ف مطرحك.. هتف سيد:- ازاى !؟..
اكد حمزة:- ابويا جه مرة و كان عندى بتاع خمس سنين.. فاكرها كنها امبارح.. و كان عايز يخطفنى من امى.. بس اللى وجف له ابويا يونس ربنا يبارك لى ف عمره.. لكن انت محدش وجف له و حظك انك اتربيت ف كنفه و شربك كره لأهلك و ناسك اللى المفروض تتحامى فيهم.. و استطرد حمزة متنهدا:- جوم بالسلامة بجى عشان تحضر فرحى على بت عمك زكريا و فرح ولده حازم على بت عمتك سهام احنا اچلناه شوية عشان تجدر تحضر لأننا مش هنعمله هنا عشان ظروف الوفاة بتاعت ستى سكينة.. هنعمله ع الضيج ف إسكندرية.
همس سيد:- ياااه.. انا كنت بعيد عن الناس دى كلها.. انا تقريبا معرفش حد فيهم.. حاسس انى مقلوع من جدورى.. ابتسم حمزة مطمئنا:- متجلجش.. اديك رچعت للنچع تانى.. و مد چدورك فيه زى ما انت عايز.. خلاص مبجاش فيها بعد يا واد ابوى..
ابتسم سيد فى سعادة فقد وجد اخيرا راحة ما كان يتوقع انها موجودة من الاساس.. راحة مدعومة بحب اخوى و سند ابوى و دعم يحمل روح المحبة و الود من عائلة لطالما اعتقد انه يكره الانتماء اليها و يود لو يمحى لقبه الاخير رغبة فى التخلص من عارها الذى كان يعتقد انه لحق بأبيه.. لكن الان هو يشعر بدفء عجيب يكتنفه و هو بين احضان أفرادها و يتمتع بكامل محبتهم و دعمهم..
اكد سيد بكلمات مبهمة تحمل مغزى مبطن لا يدركه الا هو:- ايوه.. همد جدورى بالقوى يا حمزة.. همد جدورى و اتبت.. و هنا لم يسطع بمخيلته الا صورة واحدة و اسم واحد.. الباشمهندس ثريا و ارتسمت على شفتيه ابتسامة تحمل عشق أفصح اخيرا عن نفسه..
صرخاتها كانت مدوية حتى انه ما عاد قادرًا على الاحتمال ليهتف ناصر فى اضطراب:- لا كده كتير بجد!؟.. هو ليه ده كله !؟.. هتف خميس مطمئنا:- يا واد اهدى.. هتقوم بالسلامة ان شاء الله.. ساد الصمت لدقائق لتعاود صرخاتها ترج جدران شقتهما لينتفض هو من جديد هاتفا:- اقسم بالله ما مخليها تحمل تانى.. انفجر خميس مقهقها و هو يهتف:- كلنا قلنا زيك كده و جبتكم اتنين.. قوم تعالى انزل معايا القهوة.. ده انت هتولد قبلها يابنى..
هتف ناصر فى نفاذ صبر:- لا مش رايح ف حتة الا لما اطمن عليها.. هى امى غابت جوه كده ليه مش تطلع تطمن البنى آدم اللى هيولع هنا و هو واقف !؟.. ضحك خميس رابتا على كتفه فى محاولة لتهدئته هامسا:- ادعيلها بالتساهيل.. و امك هتخرج بالبشارة ان شاء الله.. لحظات و صدق وعد المعلم خميس لتخرج نعمة صادحة بزغاريدها هاتفة فى سعادة:- ولد زى القمر.. يتربى ف عزكم يا ناصر..
ابتسم ناصر فى حبور و اندفع لأحضان ابيه فى فرحة غامرة و همس مؤكدا:- نادر رجع يا معلم.. رجع.. دمعت عينا المعلم خميس فى سعادة هامسا بدوره:- ربنا يخليهولك يا بنى و يطول لك ف عمره و يجعله م الصالحين.. هتف ناصر متأثرا فى تضرع:- امين عادت نعمة حاملة نادر بين ذراعيها تسلمه لناصر الذى ابى حمله و اصر على ابيه ان يحمله اولا..
ضمه خميس لصدره فى سعادة هامسا باسمه العزيز على قلبه و قد شعر ان بعضا من تلك النيران المتأججة بصدره من يوم فراق ابنه الشهيد قد خمدت قليلا لمرأى نادر الصغير الذى كان نسخة مصغرة من عمه الراحل و الذى اخذ يتمطع فى نزق جلب الابتسام عنوة لشفتى خميس.. هم خميس بدفع نادر الصغير لذراعى ابيه لكنه اختفى من أمامه لتبتسم نعمة فى خبث هامسة و هى تحمل الصغير عن زوجها:- دخل يطمن على مراته.. ابتسم خميس ساخرا:- خليه يطمن لحسن ده لو كان ولد مطرحها كان احسن.. ده شيبنى عقبال ما خرجتى..
قهقهت نعمة و هى تقبل كف الصغير فى سعادة بالغة.. اقترب ناصر من فراش شيماء التى تمددت عليه فى إرهاق واضح و قد كسا الشحوب وجهها.. انحنى ملثما جبينها فى سعادة هامسا:- حمدالله ع السلامة.. انا كنت هموت عليكِ بره.. ابتسمت فى وهن هامسة:- صحيح!؟
اكد هازا رأسه هامسا:- ابويا بيقولى ده لو كنت ولدت انت كان احسن.. ركبته العصبى.. اتسعت ابتسامتها فى سعادة هامسة:- مبسوط !؟ همس و هو يقترب منها:-طبعا مبسوط.. مبسوط عشان بقالى عيال منك.. و لولا العذاب اللى شفتك فيه و انت بتولدى لكنت قلت اجيب عشرين.. تلاتين عيل كمان..
ابتسمت من جديد هامسة:- عشرين.. تلاتين!؟..١٣شوية الصراحة.. ابتسم و هو يتمدد جوارها ضاما إياها لصدره:- انا طماع ف اى حاجة تكون منك.. قبل جبينها من جديد هامسا:- ارتاحى انا هفضل جنبك و مش هسيبك.. أخفت وجهها فى صدره و راحت فى نوم عميق و اخذ هو يتطلع الى تلك الرائعة.. طفلته و ربيبته التى اصبحت ام.. و ليست اى ام.. بل ام لأولاده هو.. و ابتسم فى سعادة حامدا الله فى سره على عطاياه..
انارت القاعة الفخمة فى ذاك الفندق الفخم بطلة حمزة و هدير و حازم و تسبيح.. كل زوج منهما جلس على كرسيه المخصص و بدأ ذاك الحفل الهادئ الذى يحمل طابع الرسمية الى حد كبير لانه مخصص ف الاساس لكل معارف و شركاء زكريا فى عمله داخل إسكندرية و خارجها و ايضا من اجل حازم و زملائه و قادته من الضباط..
استمر الحفل على سمته الرسمى ذاك و كل أفراد العائلة حضور حول الموائد الراقية المنتشرة فى ارجاء القاعة.. و اخيرا ما ان تأكد ان الحفل اصبح عائليا حتى نهض حازم متطلعا لتسبيح و اشار بيده اشارة معينة و جذبها لتنزل الى منصة الرقص فى وسط القاعة.. جذبها بين ذراعيه هاتفا:- اخيرااا.. انا كنت حاسس ان معمول لى عمل و الله و مش هتجوز ف سنتى دى..
انفجرت تسبيح مقهقهة:- اديك اتچوزت اهو.. اكد هامسا:- لا.. لما أتأكد ان اتقفل علينا باب واحد ساعتها بس هقول أحمدك يااارب.. تضرح وجهها بالحمرة لكلماته و كاد يشتعل خجلا عندما ضمها لصدره و تلك الاغنية التى يبدو انها طلبه من مشغل الاغانى تصدح قائلة:-
كانت سهام تبكى فرحة و هى ترى ابنتها بهذه السعادة التى ما توقعت رؤيتها على محياها ممثلة بهذا الجمال و مجسدة بهذه الروعة.. حمدت الله فى سرها كثيرا و شكرته لان تلك الفتاة الصغيرة التى ما ظنت إنها سترى السعادة مع زوج محبوب بسبب اعاقة قدمها قد وهبها الله ذاك الزوج الرائع الذى يطير فرحا و يهيم عشقا بأبنتها.. و تمنت ان يديم الله عليهما سعادتهما..
اما حمزة و هدير فكانا جالسان فى هدوء و لم تجرؤ هدير على الاعتراض و خاصة عندما همت بتعقب تسبيح و حازم اخيها للرقص فنظر اليها شذرا لتعود لموضعها فى صمت رغبة فى إرضائه فهى تدرك تماما انه لن ينهض من موضعه ليرقص و لو انطبقت السماء على الارض.. تطلع هو اليها و لمح الحزن على محياها فمس بالقرب من اذنيها:- هعوضك..
عادت الى شفتيها الابتسامة من جديد و هى تتطلع اليه فى عشق فيكفى انه يستشعر رغباتها و يسعى دوما لتحقيقها بالطريقة التى تناسب رأسه الصعيدى اليابس الذى تعشقه على كل حال..
دخلا جناحهما المخصص لقضاء ليلتهما.. اندفعت تسبيح فى خجل الى داخل الغرفة و تركته بالخارج.. انتظرت قدومه لكنه لم يأت.. تعجبت و طلت من الباب لتجده يقف عند باب الغرفة الرئيسى متطلعا منه فى ترقب كادت تنفجر ضاحكة و هى تراه يتلصص بهذا الشكل.. لم ينس مهنته حتى فى ليلة كهذه.. طرقت بخفة على ظهره هامسة:- ها مسكته و لا لسه !؟.. انتفض لمرأها و هتف:- هو مين !؟..
امسكت ضحكاتها:- المچرم اللى بتدور عليه.. انا حاسة ان الفرح ده كان عملية تمويه عشان تجبض عليه.. صح !؟.. لم يجبها على أسئلتها بل فتح الباب و فجأة شهقت فى دهشة هامسة:- هو فى ايه يا حازم !؟.. كان يحملها خارجا من الغرفة متوجها الى الدرج الخلفى للفندق.. هتف مؤكدا:- مفيش.. بخطفك عشان محدش يعرف مكانا..
نظرت اليه غير مصدقة لهذا الجنان الذى ترى.. و ابتسمت رغما عنها و هى تترك له قيادتها حيث سيارته التى كان يدرك تماما موضعها فيبدو انه رسم بمهارة خطة الهرب.. قاد بها العربة لفترة قصيرة و بعدها وجدت نفسها على احد الشواطئ حملها من جديد مخرجا إياها من السيارة و مندفعا حيث ذاك الشالية الأنيق المعد لأستقبالهما..
انزلها بالداخل و أغلق الباب خلفهما لتتطلع هى حولها لذاك الجمال المحيط بها و لم تنطق بكلمة من شدة سعادتها ليقترب هو منها فى شوق هامسا:- اشتريته من فترة.. و اول ما خطبتك قلت اول ليلة لينا مع بعض هتكون هنا.. ده مكانى السرى محدش يعرف بوجوده اصلا.. انتِ اول واحدة تدخليه.. همست متطلعة اليه فى وله:- انا !؟.
اكد فى همس عاشق:- ايوه انتِ.. زى ما كنتِ اول واحدة تدخل حياتى.. و اول واحدة تدخل قلبى.. دمعت عيناها فرحا فما عادت قادرة على استيعاب كل هذا الكم من السعادة التى تغمرها.. اقترب منها فى شوق جارف هامسا:- انا بحبك يا تسبيح.. بحبك..
انتفضت رغما عنها فهى المرة الاولى التى تسمع ذاك الاعتراف منه واضحا جليا لا يقبل الشك او المواربة و انحدرت دمعة من عينيها لم تستطع مقاومتها.. مد كفه يغتالها و همس مشاكسا:- طب ايه !؟.. مش هتقولى و انا كمان.. طب حتى شكرًا.. طب ربنا يخليك.. اى حاجة!؟.. استعادت روحها المرحة و هتفت و هى تندفع مبتعدة لأقرب حجرة مقهقهة فى مشاكسة:- هجول يحنن..
قهقه مندفعا خلفها و قد امسك بها جاذبا إياها لأحضانه:- على فكرة بقى انا شحات غلس و مش ماشى الا و انا واخد حسنتى.. همست بعشق و هى تضم كفيها حول رقبته:- ان مكنش لله!؟.. ياللاه كله بثوابه.. علت قهقهاته و هو يغمرها بفيض عشقه ضاما إياها لصدر توق اليها طويلا.. و اخيرا نال شحات الغرام حسنته و هديته الكبرى..
صعدا معا لحجرتهما تاركى ذاك الصخب الدائر بالأسفل من طبول و مزامير تعلن انتهاء حفل زفافهما.. فتح باب الجناح الذى سيضمهما لثلاث ليال قبل سفرهما لقضاء شهر العسل.
دفع حمزة الباب و أشار اليها بالدخول.. لتندفع فى سعادة الى الداخل.. ليدخل خلفها و يغلق الباب ورائه و ما ان استدار حتى وجدها أمامه لا يبعدها عنه الا امتداد ذراعيها اللتان دفعتهما بصعوبة خلف رقيبته و هى تمط جسدها قدر استطاعتها حتى بذاك الحذاء ذو الكعب العالى ليتشابكا هناك هاتفة فى سعادة:- اخيرااا يا حمزة.. انا مش مصدقة نفسى..
بهت لحركتها الجريئة كالعادة و ما ان انحنى قليلا يهم برفع كفيه ليفض تشابك ذراعيها حتى اقتربت هى فى شقاوة تحاول تقبيله.. هتف حمزة بصوت متحشرج:- هدييير.. ايه اللى بتعمليه دِه!؟..
فتحت عيونها بخيبة أمل هامسة فى نبرة طفولية ساخطة و هى تبتعد عنه دافعة نفسها دفعا لتجلس على طرف الفراش و فستان زفافها يتأرجح حولها فى فتنة:- ايه بقى يا حمزة!؟.. حرام عليك..احنا كان مكتوب كتابنا و مش مخلينى اقرب منك.. اجى امسك إيدك تزعق.. اجى اقرب منك.. تشخط..اجى أهزر و أقولك كلام حلو.. تزغرلى.. حتى النهاردة كمان.. لا كده كتير.. ده لو انت واخدنى تخليص حق مش هتعاملنى كده..
و بدأت تذرف الدمع الذى جعله لا يقوى على الابتعاد عنها اكثر من ذلك ليتقدم اليها بطوله الفارع و ينحني مسندا ثقل جسده على احدى ركبتيه التى لامست الارض ليمد كفه رافعا وجهها متطلعا لعينيها الدامعة هامسا بصوت تحمل نبراته عشق يضج به صدره و ينضح تأثرا بصوت مرتعش لا يمكن إغفاله:- هدير..انا عارف انى كنت شَديد عليكِ.. عارف انى مكنتش الخطيب اللى كنتِ عاوزة تعيشى معاه أحلامك..بس أوعدك انى أكون الزوچ اللى تتمنيه.. و اقترب منها اكتر هامسا:- عارفة انا مكنتش بسمح بكل اللى جولتيه دِه ليه!؟.. عشان خايف عليكى..
تنبهت هدير و مسحت دمعها و هى تصغى له باهتمام مستطردا:- ايوه.. كنت خايف عليكِ من نفسى.. حتى لما كنتِ مرتى بعد كتب الكتاب مكنتش أجدر اخون ثقة عمى و حلفت بينى و بين نفسى ما مسك الا وانت فى بيتى.. عشان مكنتش عارف لو جربت لك.. كنت هجدر ابعد تانى و لا لااه... شهقت فى تعجب وهى تستمع لكلماته ليكمل متنهداً:- انتِ عارفة انت عذبتينى كيف!؟.. و الله كنت حالف اخلص بتارى منيك على اللى كنتِ بتعمليه فيا و انا مش جادر اخلف وعدى مع حالى..
واقترب منها هامسا باذنها:- و باينه هايبجى احلى تار ف الدنيا كلها.. تنهدت فى عدم تصديق:- اخيراً.. ما انت بتعرف تقول كلام حلو و يدوخ اهو.. ثم فجأة عادت لطبيعتها دافعة نفسها بين احضانه ليتلقفها هاتفا و هو يقهقه على افعالها هاتفا باسمها فى تعجب:- هديرر!؟.. رفعت رأسها متغضنة الجبين هاتفة:- ايه بقى.!؟. مش قلت هتاخد بتارك منى.. اعادت دفع نفسها متعلقة برقبته هاتفة فى مرح:- سمعنا بقى ضرب النار..
انفجر ضاحكا و هو يضمها اكثر لصدره هاتفا فى مرح:- اقسم بالله اتچوزت مچنونة.. بس بموت فيها.. رفعت رأسها تنظر اليه بتعجب متسائلة:- انت قلت ايه!؟.. سمعنى تانى كده..! هتف حمزة ضاحكا:- اه هجول.. هو انا هخاف منيكِ.. جلت انكِ مچنونة. هزت رأسها رافضة لتهتف:- لااا.. دى انا عرفاها.. اللى بعد كده بقى لو سمحت.. انفجر ضاحكا من جديد ليجذبها هو هذه المرة لاحضانه هامسا:- ايوه بموت فيكِ و ف چنانك.. بحبك يا بت عمى..
نظرت هدير له فى عدم تصديق.. ها هو ينطقها اخيراً.. تلك الكلمة التى عذبها كثيرا حتى تسمعها او حتى تستشعرها.. و للمرة الاولى لا تندفع مازحة كعادتها.. للمرة الاولى تشعر ان للكلمة طعم مختلف.. طعم يحمل ملامح العشق الحقيقى.. معنى بطعم تلك العذابات التى تجرعتها فى سبيل سماعها منه ينطقها بقلبه قبل لسانه و ها هى تلك الأحرف الذهبية تصل مسامعها بشكل اكثر روعة مما كانت تتوقع اوحتى يأتيها بأعذب أحلامها.. عادت من جديد لتضع رأسها على كتفه ليحتضن خصرها بقوة اليه و كأنه يقول لن تبتعدى مرة اخرى ابدا.. فأنا لتوى ألتقط انفاسى و انت بين احضانى...
استيقظ متمطعا كعادته يفرد ذراعيه بكل اتجاه و كاد ان يصيبها بقبضته فتنبه اخيرا ان هذه الجميلة الناعسة قربه قد أضحت زوجه اخيرا.. ابتسم فى سعادة و استند على مرفقه يعلو بجزعه متطلعا اليها فى شغف و شوق و اخيرا همس بالقرب من اذنيها مشاكسا يحاول ان يمسك ضحكاته و قد تأكد له بخبرته الأمنية انها مستيقظة بالفعل و تدعى النعاس:- تسلييييح.. عارف انك صاحية..نظرة هنا لجل النبى..
لم تفتح عينيها بل ارتسمت على شفتيها ابتسامة حاولت وأدها لكنها فشلت و ضمت كفيها خجلا تخبئ وجهها.. همس من جديد مشاكسا:- تسليييح.. رفعت كفيها عن وجهها وقد تغلب شغبها على خجلها هاتفة بدلال مدعية الغضب:- تسليح ف الصباحية يا حازم!؟.. قهقه رغما عنه و جذبها لأحضانه هامسا:- ده انت مش تسليح بس.. ده انت أسلحة دمار شامل.. قهقهت رغما عنها ليتنهد هو هامسا فى عشق:- انا مش عارف لو مكنتش اتجوزتك كنت هعمل ايه !؟.. همست دامعة:- صحيح يا حازم!؟..
اومأ برأسه مؤكدا ليستطرد فى تيه:- انتِ مش عارفة كان الذنب ازاى بيموتنى كل اما أبص لك او أتكلم معاكِ و جوايا مشاعر مش المفروض انها تكون موجودة.. متعرفيش يعنى ايه احلف مية قسم بينى و بين نفسى انى مش هقرب من بيت ابوكِ تانى.. و ألاقى رجلى وخدانى على هناك و روحى سبقانى لعندك و عيونى هتتحول عشان بس اشوفك..
شهقت باكية رغما عنها دموع من سعادة لاعترافاته ليهمس و هو يمسح دمعها المنساب:- مش انت لوحدك يا تسبيح اللى صرختى باسمى.. حمزة قالى ان انا كمان كنت طول ما انا ف الغيبوبة بهلوس باسمك و بقول انا راجع لك.. شهقت فى صدمة و رفعت نفسها من بين ذراعيه مستندة على جزعها تتطلع اليه فى محبة طاغية ليهمس مشاكسا:- احنا الاتنين اتفضحنا يا روحى.. اتسعت ابتسامتها ليستطرد متسائلا:- عارفة !؟.
همهمت تستحثه على قول المزيد من اعترافاته الرائعة ليهمس:- مكنش فى صورة قدام عينى غير صورتك و الإرهابيين بيعذبونى.. الاول كنت خلاص هستسلم و كنت بقول لنفسى ما هى بقت لغيرك ايه فايدة انك ترجع حى و لا ميت.. انسابت دموعها من جديد ليكمل بنبرة عاشق:- لكن افتكرت ابويا و اللى ممكن يحصل له فقاومت و الأغرب ان ف نوبة من نوبات الإغماء اللى كانت بتحصلى من شدة التعذيب جيتى زورتينى.. هتفت متعجبة:- زورتك !؟..
اومأ مؤكدا:- حلمت بيكِ قاعدة على سجادة الصلاة و بتدعيلى و بتعيطى بقهرة و بتقوليلى ارجع انا مستنياك.. هنا لم تستطع كبح جماح شهقاتها لتنفجر باكية رغما عنها و قد استقامت فى جلستها تغطى وجهها بين كفيها.. استقام فى جلسته بدوره و اقترب يضمها هامسا:- ايه !؟.. هو حصل فعلا و لا ايه !؟.. اكدت بايماءة من رأسها و هى لاتزل تخفى وجهها بين كفيها كعادتها عند البكاء..
جذبها بين احضانه فى عشق هامسا:- بحبك يا تسبيح.. بحبك قوووى.. شهقت بأحضانه من جديد ليهمس مشاغبا إياها:- صباحية ايه اللى كلها بكا و دموع دى !؟... همست و هى ترفع وجهها من بين احضانه:- حازم.. انا بحبك قووى.. و مدت كفها تتحسس تلك الندوب المنتشرة على كتفيه و اعلى ذراعه ليهمس بالقرب من اذنيها بصوت متحشرج:- تسبيح !؟.. انتِ قولتى بحبك.. و قووى كمان..
رفعت نظراتها اليه هامسة:- و محبتش حد غيرك يا حازم.. و لا هحب حد زى ما حبيتك.. تطلع اليها بنظرات مضطربة تفضح عشقا طال كتمانه له ليجذبها فى رقة معتصرا إياها بين ذراعيه.. لترفع هى رأسها ملثمة ذقنه فى رقة اذابته ليهمس مشاكسا:- تسليح بدأت ف استخدام اسلحتها.. همست تشاغبه بدلال:- عندك مانع !؟ همس مازحا:- مانع ايه !؟.. اموت انا ف الأسلحة المحرمة دوليا.. قهقهت و هى بين ذراعيه يضمها لصدره فى سعادة...
رن جرس الهاتف ليجيب حمزة فى نزق:- الو.. هتف زكريا مشاكسا:- صباحية مباركة يا عريس.. انتفض حمزة بكامل يقظته يشعر بالحرج:- الله يبارك فيك يا عمى.. ربنا يخليك.. هتف زكريا بلهجة مازحة:- طب احنا عايزين ناچى.. هتف حمزة دون وعى:- تاچوا فين!؟.. قهقه زكريا ليتنبه حمزة مسرعا فى الرد:- ايوه طبعا تاچوا و تنوروا..
اكد زكريا:- طيب تمام.. كمان ساعة و نكون عندكم.. معلش بجى الناس اللى عايزة تروح النچع عايزة تبارك جبل ما تمشى.. اكد حمزة:- و ماله يا عمى يتفضلوا.. هتف زكريا:- يبجى ساعة بالمشئة و نكون عندك.. اغلق زكريا الهاتف ليعاود قهقهاته لتتعجب زينة متسائلة فى فضول:- فى ايه !؟.. خير يا زكريا!؟.. هتف زكريا من بين قهقهاته:- بتك ضيعت عجل الراچل.. الواد بيجاوبنى بالكلمة و عكسها.. كان مستخبيلك فين دِه يا واد اخوى.. تعالت ضحكات زينة بدورها..
بينما استدار حمزة بعد ان وضع الهاتف جانبا و تطلع اليها مبتسما و هى تشبه الاطفال.. صغيرة و شهية.. انحنى هامسا يوقظها:- هديير..هديير همهمت و شبكت ذراعيها حول رقبته تجذبه اليها ليهتف هو متخلصا من ذراعيها فى حسرة:- بجولك ايه.. فوجى كِده.. ابوك و امك چايين و معاهم ناس عشان يباركوا لنا.. جومى اچهزى بسرعة.. اكدت هامسة فى ضيق:- حاضر..
مرت امامه عابسة الوجه ليجذبها اليها لتسقط على فخذيه شاهقة ليهمس فى شوق:- صباحية مباركة يا عروسة.. ابتسمت فى سعادة هامسة تشاغبه:- الله يبارك فيك..بس سؤال محيرنى يا باشمهندس.. لما التار حلو اهو عايزين يمنعوه ليه !؟.. تعالت ضحكات حمزة مؤكدا:- عشان الحكومة چاية دلوجت تعمل كبسة..
جومى يا هدير.. تعالت ضحكاتها و هى تندفع للحمام تجهز نفسها لاستقبال الضيوف.. اما هو فتنهد فى سعادة و عيناه تتابعها حتى غابت و قد تمنى لو انه رحل بها بعيدا حتى ينل ثأره منها كاملا..
دخل ماهر شقته باحثا عنها بناظريه و لم يجدها كعادتها فى هذه الساعة تقف تحضر طعام الغذاء.. اندفع للحجرة فى قلق.. وجدها ممددة على فراشها يبدو على وجهها الشحوب على غير العادة.. همس بالقرب منها:- هداية!؟.. انتِ كويسة !؟..
فتحت عيونها فى وهن هامسة:- سلام عليكم.. انا تمام متجلجش.. دوخة كِده و هتروح لحالها.. هتف قلقا:- دوخة ليه !؟.. اكيد مكلتيش زى عوايدك.. انا نازل أخلى ايمان تعمل حاچة تكليها.. هتفت تستوقفه:- لاااه يا ماهر الله يخليك.. انا مطيجاش ريحة حاچة.. و بعدين انا عارفة ايه سبب الدوخة دى.. الظاهر كِده فى حاچة ف السكة.. تطلع ماهر اليها فى صدمة بنظرات مشدوهة و اخيرا صرخ فى سعادة مندفعا الى الأسفل يبشر امه هاتفا:- الله اكبر..
اتسعت ابتسامة هداية على افعاله و عادت تتمدد من جديد وما هى الا لحظات حتى كان هو و سمية امه فوق رأسها تبتسم فى سعادة و بعيون دامعة متسائلة:- صحيح يا هداية يا بتى انتِ حامل !؟.. اكدت هداية مبتسمة فى خجل و هى تحاول الاعتدال فى مجلسها احتراما لحضورها:- اه يا اما.. اتاكدت.. هللت سمية مكبرة و انحنت تلثم جبينها فى سعادة هاتفة:- ربنا يجومك بالسلامة يا بتى و تفرحى بشوفة ولدك ف حضنك.. هتف ماهر مؤمنا:- يااارب..
تساءلت سمية فى حبور:- هتسموه ايه من غير شر !؟.. لم يرد ماهر و تطلع لهداية التى هتفت فى سعادة مؤكدة:- هيكون فى احسن من اسم عمه الشهيد يتسمى بيه!؟.. لو واد يبجى مؤمن و لو بت هتبجى سمية بإذن الله.. دمعت عينىّ سمية فى امتنان و انحنت تلثم كنتها من جديد هامسة بصوت متحشرج تأثرا:- ربنا يسعد جلبك و يريح بالك يا غالية..
و استأذنت مؤكدة لها على عدم اجهاد نفسها و كل مطالبها اى كانت مجابة. توقف ماهر متسمرا موضعه و ما ان سمع صوت إغلاق باب شقته معلنا رحيل امه حتى جلس على حافة الفراش بالقرب منها و ضم وجهها بين كفيه هامسا:- و الله ما عارف اجول لك ايه !؟.. ربنا يراضيكى و يجبر بخاطرك زى ما جبرتى بخاطر امى..
دمعت عيون هداية فى محبة هامسة:- انى معملتش حاچة.. انا كنت حاسة انك نفسك انت و امى تسموا اللى ربنا هيرزجنا بيه على اسم اخوك الله يرحمه.. فجلت كِده.. همس مقتربا منها:- و انا كمان متأكد ان كان نفسك تسميه على اسم اخوك عبدالله الله يرحمه.. صح !؟.. اومأت برأسها ايجابا ليستطرد هامسا:- و فضلتينى انا و امى على حالك.. لم ترد بل وضعت رأسها على كتفه ليضمها هو اليه و هو يعلم انه يضم اليه الان احب شخصين الى قلبه.. هى و طفله منها..
تحرك فى هوادة تجاهها و همس عندما وقف خلفها قليلا:- ازيك يا ثريا!؟.. انتفضت و هى تتطلع للسائل الذى ادركت كنهه قبل ان تقع عليه عيناها و همست بصوت متحشرج تأثرا لمرأه:- الحمد لله يا باشمهندس.. و استطردت مشيرة لذراعه التى لاتزل على حالها لا تتحرك و معلقة الى رقبته مضمومة لصدره.. تلك الذراع التى تأثرت نتيجة الطلق النارى و التى اخبرهم الأطباء انها قد تشفى اذا ما أولاها الاهتمام و العلاج الطبيعى لفترة حتى تعود لطبيعتها:- كيفها دراعك دلوجت !؟.. مش احسن!؟.. اومأ مؤكدا:- الحمد لله..
و صمت للحظات ثم هتف مستطردا بسرعة و بلا مواربة:- ثريا.. تتجوزينى!؟.. انتفضت عندما وصل مسامعها تساؤله و استوعبه عقلها و اضطربت غير قادرة على الرد بحرف واحد.. همس من جديد:- مكنتش اعرف انه سؤال صعب كده !؟.. انا طلبتك من ابوكِ.. و قالى لازما أطلبك من عمى عاصم.. لكن انا حبيت أسالك الاول.. تتجوزينى يا ثريا !؟..
تلجلجت و تاهت الأحرف على شفتيها و همست اخيرا بعد فترة من الاضطراب:- انا.. مش عارفة.. اصل.. هتف مشاكسا إياها كعادته:- تعرفى.. انا غلطان اصلا انى جيت سألتك.. اخيرا نطقت هاتفة:- يا سلااام.. طب مش موافچة.. انفجر ضاحكا:- هو محدش يعرف يطلع منك الكلمة الا بالخناق.. انا رايح لعمى عاصم أطلبك... هتفت من جديد:- ما انى جلت مش موافجة..
هتف يغيظها:- هتجوزك بالعافية.. و الله انا ما عارف ازاى هعمل ف نفسى العملة دى و أتجوز واحد صاحبى.. يا باشمهندس ثريا.. هتفت من جديد:- بجى كِده.. طب شوف مين اللى يوافج لما عاصم بيه يسألنى!؟.. اقترب منها هامسا:- هتوافقى.. عارفة ليه !؟.. عشان بتحبينى.. شهقت واضعة كفها على فمها ليهمس مستطردا:- امى حكت لى على كل حاجة.. على رقدتك جنبها ف المستشفى و انا بين الحيا و الموت و على دعواتك ليا.. و..
هتفت مستجمعة شتات نفسها:- ده كله عشان خاطر خالة سيدة... و كنت شفجانة عليك.. صعبان عليا يعنى مش اكتر.. استطرد كأنه لم يسمعها بنبرة تقطر عشقا جليا:- و دخولك عليا الأوضة تطمنى كل شوية و قعادك جنبى بالساعات تقرى قرآن.. و ندرك انك تصومى لو قمت بالسلامة..
شهقت مرة اخرى عندما كشف سرها الذى لا يعلمه احدهم و توقعت ان تكون سيدة قد سمعتها عندما كانت تهمس بذلك بجوار فراشه دون ان تدرك استيقاظها.. لم تنبس بحرف ليهمس هو من جديد:- لو مكنش ده كله حب.. يبقى اسمه ايه !؟.. حتى لو مش بتحبينى.. فأنا بحبك..
انتفضت متطلعة اليه غير مصدقة لإعترافه الرائع ذاك ليستطرد مؤكدا ذلك على مسامعها من جديد:- ايوه بحبك.. و عايز اتجوزك.. و عايز اخلف دستة عيال.. عندك استعداد للمهمة دى.. ابتسمت رغما عنها و نكست رأسها حياءً ليندفع من أمامها فى اتجاه الباب الداخلى للسراىّ هاتفا:- انا رايح لعمى عاصم أطلبك منه.. المهمة شاقة و متحتملش التأجيل.. انفجرت مقهقهة رغما عنها و هى تتطلع اليه يغيب داخل السراىّ و قد غاب فى اثره قلبها و عقلها و روحها الذى تبعته حيث غاب..
صرخات من هنا و صرخات من هناك و هرج و مرج عم ارجاء المشفى و ذاك الجمع الغفير يدخل من بوابة الاستقبال كل فوج حاملا امرأة تصرخ فى ألم طالبا نجدتها.. كل امرأة منهما على وشك الوضع كانت تسنيم على جانب و بجوارها زوجها مهران و امه و ابيه و على الجانب الاخر كانت سندس و بجوارها زوجها باسل و امه و ابيه..
دخلت سندس و تسنيم الى الاستقبال و منه الى غرف مخصصة استعداد لدخولهما غرفة العمليات للولادة.. كان الوضع يعج بالفوضى و التشتت فزهرة تقف حائرة لا تعلم اين يمكنها التواجد!؟.. فى حجرة ابنتها سندس ام فى حجرة زوجة ولدها تسنيم.. و كذلك كانت سهام تقع فى نفس الحيرة اما عاصم و حسام فوقفا على أطراف الرواق يتابعا الوضع فى محاولة لعدم إظهار قلقهما كل على ابنته..
اما مهران و باسل فحدث و لا حرج كان مهران يجلس للحظات ممسكا مسبحته محاولا التظاهر بالهدوء للحظات و الاستغراق فى الاستغفار الا انه ينتفض مع سماع صرخات تسنيم التى تدمى قلبه فينهض يزرع الرواق جيئة و ذهابا و يعاود الجلوس من جديد فى محاولة للهدوء الذى اصبح صعب المنال فى تلك اللحظات الحرجة..
لكن باسل كان الأكثر تهورا كالعادة فقط صرخ فى طاقم التمريض و كذا الأطباء هاتفا:- أدوها حاچة تهديها.. ادوها حاچة تخفف الالم دِه.. اعملوا اى حاچة بدل ما انتوا واجفين كِده.. هتف احد الأطباء لسهام مؤكدا:- مش هاينفع كده.. خروجوه بره عشان نعرف نشتغل و احنا هنقوم بالازم..
حاولت سهام جذب ولدها خارج الغرفة فى محاولة لتهدئة أعصابه هاتفة فى تفهم:- اهدى يا باسل.. اهدى يا ولدى.. و الله لتجوم بالسلامة متجلجش.. أفلت باسل ذراعه من بين كفى امه المتشبثين به ليندفع باتجاه الطبيب صارخا و هو يمسك بتلابيه:- عارف لو چرى لها حاچة هعمل فيك ايه !؟..
صرخ الطبيب محاولا التحكم فى أعصابه:- لا حول و لا قوة الا بالله.. يا حضرة اهدى.. و الله هتقوم بالسلامة.. بس انت سبنى اشوف شغلى من فضلك.. ترك باسل تلابيب الطبيب و زفر فى حنق و هو يتطلع لسندس التى ما زالت تتألم صارخة ليخرج مندفعا من الحجرة غير قادر على البقاء و هى بهذه الحالة التى لا يستطيع عمل اى شئ حيالها الا الدعاء..
خرج يجلس خارج الغرفة منكس الرأس فى قلق و اضطراب يشعر ان الوقت لا يمضى كأنما عقارب الساعة تعانده.. هرج و مرج من جديد لتندفع كلتاهما لغرفة العمليات فى انتظار و ترقب القادم.. خرج الطبيب هاتفا:- مبروك ولد زى القمر.. يتربى ف عزكم.. كان ذاك ولد باسل و سندس الذى زفر فى راحة مبتهلا الحمد لله يا رب.. الحمد لله.. دقائق مرت قبل ان يخرج الطبيب الاخر مباركا:- الف مبروك.. عريس زى القمر..
ليسجد مهران لله شكرًا و تنطلق الزغاريد من هنا و هناك من حنجرة سهام التى اصبحت جدة للمرة الاولى تصاحبها دموع الفرح من عيون زهرة التى اصبحت جدة هى الاخرى اما حسام و عاصم فقد وقف كل منهما يحيى الاخر فى سعادة مباركا ليهتف عاصم متذكرًا و هو يقهقه:- فااااكر.. كنه يوم ولادة حازم و تسبيح بالظبط..
قهقه حسام بدوره:- صدجت يابو مهران.. بس انى مكنتش مچنون زى ولدى ربنا يهديه.. قهقه عاصم:- صدجت.. الچنان دِه تبع سهام.. طول عمرك عاجل يابو باسل.. ربت حسام على كتف عاصم ممتنا و هتف مشجعا:- تعال نطمن ع البنات.. و نشوفوا عيالهم.. ربنا يبارك لهم ف زرعتهم.. هتف عاصم و هو يسير بمحازاته:- اللهم امين..
كان يعلم انها كانت تحلم بزفاف يوافق أحلامها لكنه ابى عليها ذلك نظرا لتشدده فى بعض الامورورؤيته اخيها يرقص مع عروسه جعلته يود ان يسعدها و فكر فى وسيلة و وطد نفسه على تنفيذها و ما ان دخلا جناحهما حتى تركها تندفع للحمام لتبدل ملابسها ليحضر عدة العمل و يجهزها و قد خلع ملابسه بدوره مرتديا احدى جلابيبه التى ما استطاع الاستغناء عنها..
خرجت متطلعة اليه فى تعجب فتلك المرة الاولى التى تراه فيها يرتدى جِلْبابا منذ زواجهما.. اقترب منها فى حب هامسا:- انى عارف انك كان نفسك نرجص ف فرحنا سلوو زى حازم و تسبيح بس انى مليش ف الحاچات دى و مبعرفش اعملها..بس عشان خاطرك هنرجص برضو.. هتفت تصفق فى جزل:- صحيح يا حمزة.. هانرقص سلو اخيرا.. تنحنح فى احراج هاتفا:- مش بالظبط يعنى.. بس اهو هنرجص برضك.. هتفت مستفسرة:- ازاى !؟..
اندفع لمشغل الاغانى و ضغط زر التشغيل ليهتف صوت الريس متقال منشدا:- اتفرچ ع الحلاوة.. حلاوة.. دى بلدى و نجاوة نجاوة.. انفجرت مقهقهة و هى تراه يتمايل مادا ذراعه اليسرى لأعلى كعلامة تحية النازى لهتلر و واضعا كفه اليمنى اسفل باطه الأيسر يتأرجح فى نشوة على احدى قدميه بالتبادل مع القدم الاخرى..
هتفت فى سعادة:- الله يا حمزة دى رقصة اورينتال.. احسن من السلو. و اندفعت مختفية لدقيقة ثم عادت متوشحة بملس اسود كان للجدة بخيتة يوما ما و استأذنتها فى احدى زياراتها للنجع لتحصل عليه.. مما دفع حمزة ليقهقه على مظهرها و هى تتعثر فيه حتى اصبحت بمحازاته و اخذت تتمايل على موسيقى المزمار الصادحة من مشغل الاغانى و هى تدفع بطرف الملس السفلى يميناً و يسارا فى سعادة..
اقترب منها حمزة يجذبها بين ذراعيه هامسا فى عشق:- مبسوطة دلوجت!؟ همست فى دلال:- طبعا مبسوطة.. كفاية انك عملت ده كله عشان تبسطنى يا حمزة.. همس منحنيا ليصل لمسامعها:- انى اعمل اى حاچة ف الدنيا عشان أسعدك..
شبت على أطراف أصابعها محاولة الوصول لمسامعه البعيدة عن شفتيها نظرا لفارق الطول الشاسع بينهما مما دفعه ليحيط خصرها بذراعه حاملا إياها مساعدا لتصل لمبتغاها هامسة:- بحبك قووى.. اعتصر خصرها بذراعه الاخرى و غابت تماما فى حنايا احضانه و ما عادت راغبة فى الابتعاد عن دفء ذراعيه و حنان صدره..
دخل حامد الى شقته متوقع ان يجد يونس الصغير يعيث فيها فسادا كعادته الا انه وجد السكون هو سيد الموقف فتنهد فى راحة و هو يتجه الى مصدر ذاك الصوت الشجى الذى يعشق.. كان صوت شدو عائشة و هى تقف فى المطبخ تعد له طعام العشاء كعادتها و هى تتغنى بأحد روائع سيدة الغناء العربى ام كلثوم.. انت عمرى.
قد ايه من عمرى قبلك راح و عدى يا حبيبى..قد ايه من عمرى راح ولا شاف القلب قبلك فرحة واحدة ولا ذاق في الدنيا غير طعم الجراح اندفع يونس يكمل معها فى سعادة و قد ابتسمت لمرأه:- ابتديت دلوقت بس أحب عمرى. ابتديت دلوقت اخاف لا العمر يجرى
وضعت الاطباق على المائدة و مدت كفها تلتقط لقيمة صغيرة من ذاك الطعام الذى يفضله تضعه بفمه ليتذوقه مستطيبا فى استحسان لتبتسم هى فى فرحة لانه نال رضاه.. دخلت للمطبخ من جديد ليتعقبها واقفا خلفها محتضنا إياها فى سعادة و فخر ضاما بطنها المنتفخ امامها هامسا:- هو الأخ اللى چوه دِه مش ناوى ينزل و لا ايه !؟..
ابتسمت تحاول الاستدارة متطلعة الى عينيه متسائلة:- هو تاعبك ف حاچة!؟.. اكد مشاكسا:- الصراحة اه.. طول چوووى.. عايزينه ياجى يتحط چنب اخوه عشان نلحج نچيبوا الثالث.. انفجرت ضاحكة ثم هتفت متعجبة:- حامد !؟.. هو حد مداينك بالعيال دى!؟.. و لا هى طريحة ولازما تخلصها!؟..
قهقه بدوره مؤكدا:- يا بتى دى نظرية علمية چاااامدة.. احنا نچيب العيال كلها مرة واحدة ورا بعضيها كِده و نديهم لأمى تربيهم و احنا نشوفوا حالنا بجى يا جمر.. قهقهت من جديد هاتفة:- طردنا م البيت دِه هيبحى على يد امك لو عِملت اللى بتفكر فيه.. دِه يونس الصغير بيخليها تمسك السما بيدها.. أدارها اليه يضمها فى شوق هاتفا:- بس اسمعى كلامى تكسبى..
انتفضت متألمة و هو يضمه اليها فظن انه فعل ما يؤذيها فأبتعد مرتعبا يهمس فى قلق:- ايه فى !؟.. انتِ كويسة !؟. ابتسمت تطمئنه:- متجلجش.. دِه باينه ولدك سمع كلامك و هو كمان معجبوهوش فشغال تخبيط.. هتف مؤكدا:- مش بجولك معطلنا.. و مش عاچبه كمان.. هزت ضحكاتها جسدها فى قوة على تعليقات زوجها العابس و امسكت ببطنها المنتفخة امامها و هى تنظر اليه فى دلال و تتركه خلفها لتحضر باقى الصحون ليتبدل حاله فى لحظات متعقبا إياها فى سعادة..
دخل لشقته متسللا يتلمس اتجاه تلك الرائحة الرائعة التى لا تخطئها انفه.. دخل للمطبخ متطلعا اليها فى سعادة و هى تقف توليه ظهرها و تترنم فى انسجام تام و هى تصنع شئ ما لا يدركه ناظره من موضعه.. اقترب منها هامسا فى محبة:-وحشتينى..
انتفضت صارخة مستديرة اليه و كل ذاك العجين الذى كان يملأ يدها تناثر بشكل عشوائى و طال وجهه و بدلته الميرى..لحظات صمت لاستيعاب الصدمة بعدها ما استطاعت الا الانفجار ضاحكة على مظهره الان و قد اضحى ملطخا ببقع العجين هنا و هناك.. ألتزم الصمت للحظات بدوره حتى انتهت من ضحكاتها و اخيرا هتف:- دى اخرة اللى يعمل فيها رومانسي..
قهقهت تسبيح من جديد و هى تعاتبه:-انت مش هتنسى انك ظابط شوية و تبطل تتسحب كده و تفزعنى!؟.. هتف فى غيظ و هو يتذوق العجين الذى وصل لشفته السفلى:- لا مش هبطل.. و اذا كان عجبك بقى.. رفعت كتفها بلامبالاة و استدارت تكمل صنع صينية الكيك بعد ان وضعت صينية البسبوسة بالفرن هاتفة:- ع العموم... هتبطل غصب عنك.. مش على كيفك يعنى.. و الا الأخ او الأخت اللى جاى ف السكة هيتسرعوا و تبجى انت السبب..
تنبه لكلماتها و استغرقه الامر للحظات حتى هتف فى صدمة و هو يديرها اليه فى حرص متطلعا اليها حتى يتأكد انها لا تُمارس ألاعيبها عليه:- انتِ بتتكلمى جد يا تسبيح!؟.. اصل انا عارف هزارك.. عبست مدعية الحنق هاتفة:- ادك انا و لا من مستواك عشان اهذر معاك.. ابتسم متسائلا ف شك:- تسليح !؟..
هتفت فى نفاذ صبر:- طب اعمله ايه ده عشان يصدج !؟.. طب ده انا قمت اعمل صينية بسبوسة مخصوص لان نفسى راحت لها و واضح كده و الله اعلم ان اللى چاى طالع مبسبس زى ابوه.. تقدم اليها حازم فى سعادة هامسا و هو يجذبها لأحضانه فى رفق:- و الله ما مصدقك لحد دلوقتى..
قهقهت تمد كفها تزيل العجين الذى لايزل عالقا بوجهه:- كلها تسعة شهور يا حضرة الظابط و ان مجالكش عيل يطلع عينك هو و امه متبجاش تصدجنى تانى.. قهقه فى سعادة و هو يضمها لصدره منتشيا...
اندفع حسام بن نبيل الى داخل المطار يحمل حقيبة ندى زوجة ابيه و التى اصبحت بمثابة امه بعد لقائهما منذ عدة أشهر.. توطدت العلاقة بينهما سريعا فقد وجد فيها حنان الام المفتقد و وجدت فيه ذاك الطفل الذى تمنت أنجابه من نبيل لكن إرادة الله كانت خلاف ذلك فكان هو العوض من الله على صبرها و احتسابها..
لكنها رغم كل شئ قد شعرت بالحنين لمصر و لأهلها فقررت العودة لزيارتهم على امل الرجوع من جديد الى فرنسا و الى ولدها الذى ما عادت قادرة على الابتعاد عنه.. كما ان زيارتها لمصر تحمل غرضا اخر فهناك أهله الذين لا يعلم احدهم بوجود حسام من الاساس و نصيبه من ميراث ابيه غير محدد بالتأكيد فقررت النزول لمصر لأخبار اهل نبيل بحقيقة وجود بن له يحمل اسمه و يحق له ان يرثه..
ودعها حسام فى حزن و خرج من المطار يشعر بالوحدة من جديد و ما ان هم بالمرور من البوابة الخارجية حتى سمع صوت تنبيه شديد بلغة مصرية خالصة يصرخ:- حاسب.. لم يكن يدرك ما يجب عليه ان يتجنبه الا عندما اصطدم به بالفعل و سقط ارضا لتسقط فوقه عدد من الحقائب..
هتف صوت انثوى رقيق بالعربية و يبدو انه من ذعرها نسيت التحدث بالفرنسية.. انها صاحبة العربة ذات الارجل التى تحمل ذاك الكم الضخم من الحقائب و التى كانت تدفعهم و بجوارها على ما يبدو امها و لم تستطع ان تتحكم فى العربة فأصطدمت به:- انت كويس !؟.. اخرج رأسه من بين تل الحقائب التى كانت تغمره و عدل من منظاره الطبى الذى لحسن الحظ لم يُكسر او يُفقد فى ظل هذه الفوضى..
نهض فى تثاقل يعدل من هندامه لتبادره بالسؤال من جديد:- انت كويس !؟.. تذكرت انها تتحدث بالعربية فظنت انه لهذا لا يجيب عليها لعدم فهمه إياها فتحدثت بفرنسية رشيقة تسأل من جديد عن حاله.. هتف هو اخيرا بعربية صريحة مازحا:- ايوه يا ستى و الله العظيم كويس.. هتفت فى دهشة:- عربى !؟.. حضرتك بتتكلم عربى !؟..
اتسعت ابتسامته:- ايوه يا آنسة.. انا مصرى كمان..زى حضرتك بالظبط و مد كفه ملقيا التحية:- دكتور حسام نبيل التهامى.. محاضر بالسربون.. ابتسمت الفتاة فى سعادة و هى تنظر لأمها كأنما فُتحت لها طاقة القدر هاتفة تعرف عن نفسها:- نهلة مختار السداوى.. طالبة دراسات عليا بالسربون.. ابتسم حسام مرحبا:- نورتوا فرنسا.. وواضح اننا هنتقابل كتير من هنا و رايح بس يا رب من غير حوادث او خساير..
ابتسمت نهلة فى سعادة و شكرت الله فى سرها انه بعث لها ذاك الشاب الذى بالتأكيد سيكون له دور كبير فى حياتها فى الفترة القادمة طوال أقامتها فى فرنسا..او.. ربما بعدها..
هتف بها حمزة معنفاً و هو يراها تترنح على ذاك الحذاء ذو الكعب العال و الذى تأبى التخلى عن ارتدائه رغم حملها:- يا هدير احنا مش جولنا بلاها الكعوب العالية دى لحد ما تولدى !؟.. انت محتاچة حاجة مريحة ف رچلك و عشان لا قدر الله ما تتكعبليش فيها بتجلك ده.. هتفت هدير محتجة:- لااا.. مش هبطل ألبس كعب و أتخلى عن اناقتى.. حمل او غير حمل هفضل ألبسه برضو..
هتف حمزة و هو يراها تندفع صاعدة الدرج فى تهور غير عابئة ببطنها المنتفخة امامها:- يعنى برضك مفيش فايدة!؟..مبتسمعيش الكلام.. طيب يا بت عمى.. اندفع خلفها و حملها عنوة لتهتف صارخة:- بتعمل ايه يا حمزة !؟.. نزلنى بليز.. اجلسها على اقرب مقعد و انحنى يجذب الحذاء من قدميها و يكسر كعبه العال فى عنف.. هتفت هدير فى غيظ:- كده يا حمزة.. دى شوز سينييه..
حملها من جديد ناهضا بها صاعدا بها الدرج دون عناء حتى مع حملها و ثقلها المتزايد ليهمس بالقرب من اذنيها مشاكسا:- خافى بجى على جزمك السينييه و ابجى ألبسيهم تانى يا بت الحاچ زكريا.. تعلقت برقبته فى دلال هامسة:- هلبسهم يا ميزو و كسرهم براحتك طالما بعد كل مرة هاتشيلنى لحد اوضتنا كده.. يا واد عمى.. اضطرب لهمسها بالقرب من مسامعه ليهمس متسائلا:- انت هتولدى امتى يا هدير !؟..
رفعت اصبعى الوسطى و السبابة امام ناظريه و هو يخطو لداخل الردهة الطويلة المفضية لجناحهما ليهمس بفرح :- أسبوعين !؟.. انفجرت ضاحكة لتهمس مغيظة اياه:- لااا.. شهرين.. توقف امام باب حجرتهما هاتفا:- طب افتحى الباب.. و ربنا يعدى الشهرين دول على خير..
دفعت الباب و هى تقهقه على حال زوجها الذى بات هاجسه الاول و الاخير هو حملها و خوفه على تداعيات الحمل و تأثيره على صحتها نظرا لضاءلة حجمها.. هى لا تعان شيئا و اكد الطبيب ذلك مرارا و تكرارا.. لكن هو لا يترك لها فرصة تهنأ فيها بأى نشاط من وجهة نظره قد يؤثر عليها بالسلب.. لقد اصبح مهووس كليا.. يعاملها كأنها دمية قابلة للكسر بسهولة.. و كم يسعدها ذلك.. فما اروع الدلال على يديه.!
وضعها على الفراش و ذهب يحضر بعض الأغراض من خزانة ملابسه فقررت مشاغبته لتهتف صارخة بإسمه:- حمزاااااا... اندفع بإتجاهها فى ذعر ملقيا ما كان بيده كيفما اتفق و هتف فى قلق:- ايه فى!؟.. انتِ بخير !؟.. انفجرت ضاحكة على حاله و هى تربت على وجنته مهدئة:- انا كويسة يا بيبى.. بس حبيت اقولك.. بحبك.. جز على اسنانه فى غيظ هامسا:- هدييييير..
و تنفس فى عمق محاولا ممارسة ضبط النفس و اخيرا هتف فى لهجة تقريرية:- بصى يا بت الناس لو متعشمة ف اخوات للمحروس اللى چاى..أحب أبلغك ان بعد اللى بتعمليه فيا احسن لك تفجدى الأمل ف الموضوع ده نهائى.. انفجرت هدير ضاحكة حتى دمعت عيناها مما استرعى انتباهه لبراءة ضحكاتها فهمس مقتربا منها:- على فكرة.. و انا كمان بحبك..
هتفت مقلدة لهجته الصعيدية و هى تتعلق برقبته:- عن چد يا واد عمى!؟.. ابتسم وهو على يقين انه يعشقها بكل ذرة بكيانه:- عن چد يا غالية.. اندفعت لأحضانه فى سعادة غير مصدقة ان ذاك الأسد الجسور الذى كانت تهابه دوما و تسعى للهرب منه.. اصبحت لا تجد الحنان و لا الدفء إلا بين ذراعيه..
هتف ماجد مازحا و هو يدخل لغرفتهما فى عقبها تاركا خلفه كل ذاك الصخب و الموسيقى متطلعا اليها:- استنى اعمل لك زى الأفلام.. اخيرا بقينا لوحدنا يا حياتى..
قهقت ضاحكة و لم تعقب ليستطرد و هو يجلس على طرف الفراش فى انهكاك مادا قدميه أمامه امرا بلهجة مازحة :- تعالى يا بت هنا و اخلعيلى رجلى.. حاولت ان تدارى تلك الابتسامة التى تعافر للقفز إلى شفتيها لشعورها بالسعادة لذاك المطلب فهو ابدا ما كان يدع احد يدخل عليه غرفته الا و هو يضع طرفه الصناعي.. انحنت تستند على ركبتيها و قد انتشر فستانها حولها كبتلات زهرة ندية.. تاه فى محياها و مظهرها الآسرو هى تجتهد فى تنفيذ مطلبه ليستطرد هو مستمرا فى تقمص دور سى السيد ساخرا:- و اغسلى الرجل اللى هتخلعيها دى ف مية و ملح..
ما عادت قادرة على قهر ضحكاتها فجلجلت قهقهاتها و هى تجذب القدم الصناعي لتنخلع عن جسده لتسقط للخلف ليقهقه بدوره و يمد كفه مدعيا مساعدتها و ما ان وضعت كفها باحضان كفه السمراء حتى جذبها هو بدوره الى احضانه هامسا:- بزمتك شوفتى جوز مريح كده.. بدل ما تجيبى المية بالملح و تتعبى نفسك بيديكى رجله تغسليها..
اضطربت و ما عادت قادرة حتى على الضحك و هو يضمها اليه بهذه الطريقة المتملكة و هى تقريبا جالسة فى حجره.. شاكسها من جديد هامسا بالقرب من مسامعها:- برضو مش عاوزة تتعلمى ضرب النار!؟.. ازدردت ريقها هامسة تحاول مجاراة مزاحه:- هى الحرب هتجوم خلاص!؟..
هتف صارخا و مؤكدا و هو يجذبها لسطح الفراش جواره:- اهى قامت اهى و ضرب النار اشتغل.. خديلك ساتر بقى.. رنت ضحكاتها و هو يخبئها بين ذراعيه حتى يكون سترها و أمانها و حربها و سلمها و سلامها.. الفصل التالي رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث بقلم رضوى جاويش الفصل الختامي
رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الختامي
انتفض عاصم من موضعه على تلك الأريكة فى احد أركان القاعة الشرقية معتقدا ان ذاك الاذان الذى يسمع هو اذان العصر فنهض لأداء الفريضة لينتبه ان الذى يصدح بذاك التكبير ما هو الا عاصم الصغير بن ولده مهران ذو السبع سنوات و الذى يقف على احد المقاعد البعيدة فى الطرف الاخر من القاعة تعلو عقيرته بالأذان.. ابتسم عاصم متذكرًا.. ما أشبه الليلة بالبارحة.. فقد كان ذاك نفسه فعل ابيه عندما كان فى مثل سنه..
هتف يشاغب الصغير:- كفاية كِده يا شيخ عاصم هيطج لك عرج..بتصرخ كيف الديك اللى بيتعلم يأذن چديد.. انفجرت زهرة مقهقهة و عاصم الصغير يعبس مدعيا الحنق هاتفا:- مش عاچبك صوتى يا چدى..؟!.. هتف عاصم معتذرا:- واااه احنا نجدر نجولوا كِده برضك يا شيخ.. بس بالراحة على حالك.. احنا عايزينك برضك.. اندفع سمير بن سندس و باسل كالصاروخ لداخل القاعة ملقيا نفسه بين احضان جده الذى انتفض لأندفاع الصبى هاتفا:- وااه يا سمير.. مش هتعجل بجى يا واد!؟.. بس هتچيبه منين العجل.. الچنان وراثة عنديكم ف العيلة..
قهقهت زهرة من جديد هاتفة تعاتب عاصم و هى تفتح ذراعيها لسمير مرحبة:- متقلش ع الواد كده.. ده زى العسل.. لحظات و ظهرت ابنة ماجد.. زهرة..تتهادى فى وداعة و رقة ليندفع اليها الغلامان يخطبا ودها و هى تتمنع فى دلال فطرى.. قهقه عاصم يغمز لزهرة فى مرح:- وااااه.. كن العركة هتجوم تانى بين التهامية و الهوارية على زهرة.. قهقهت زهرة هاتفة:- بس يا ترى مين اللى هيكسب المرة دى زهرة الصغيرة !؟..
اكد عاصم مشاكسا و هو يميل عليها فى محبة:- اللى يكسب جلبها هو اللى يكسبها.. زى ما الغول كسب جلب زهرة الكَبيرة و خطفه من جبل سابج. ابتسمت زهرة و هى تتطلع اليه فى محبة غامرة لتهمس:- و لسه خاطفه و هيفضل خاطفه على طول.. ابتسم عاصم فى سعادة و هو يتطلع اليها و الى احفاده المتناحرين هناك على مودة زهرتهم..
اندفع ناصر باحثا عن ولده صاعدا الدرج الى السطح ليجده جالسا متأملا فى بدور ابنه الرائد حازم و تسبيح فى صمت المتبتل فى محراب مقدس.. كانت هى تجلس فى رقة تعبث ببعض الألوان وورقة أمامها تدعى انها ترسم ولده.. ابتسم فى محبة هاتفا فى لهجة مازحة:- انت فين يا واد يا نادر!؟..بنادى عليك من بدرى..
اندفع نادر زى الثمانية أعوام ممسكا بكف ابيه يهزها معترضا فى غضب طفولى يحاول ان يجز على اسنانه و هو يتكلم بصوت خفيض حتى لا يصل لملاكه الصامت بالقرب:- بس متناديش و تقول واد.. هزعل منك يا ناصر.. انفجر ناصر ضاحكا لرغبة ولده فى حفظ مركزه امام ابنه سيادة الرائد وهتف مؤكدا:- يا بنى دى حتة ميرى عالية عليك.. بص..خليك فى بنت سالم الاستورجى انزل تحت ف الحارة ألعب معاها و بلاش العالالى ده يا نادر يا حبيبى..
هتف نادر فى استنكار ممتعضا:- ايه!؟..بت سالم !؟. عايزنى ألعب مع واحدة اسمها حسن.. يرضيك يا ناصر !؟.. انفجر ناصر من جديد مقهقها و هو يمسك بتلابيب ولده مازحا:- يا واد اسمها حُسن.. حَسَن ايه بس!؟.. طب خليها تسمعك.. هتف نادر فى لامبالاة:- ما تسمعنى هو انا هخاف منها يعنى!؟..
همس نادر مبتسما:- و حياتك بكرة لتخاف لما تيجى اللى تخليك تلف حوالين نفسك زى ما امك شيبتنى.. همست شيماء خلفه وقد تسللت منذ قليل من الأسفل:- ما لها امه!؟.. حد ليه شوق ف حاجة!؟.. استدار لها ناصر متصنعا الاضطراب هاتفا:- امه.. امه دى احلى حاجة حصلت لى ف الدنيا كلها.. قهقهت فى سعادة و غمزت له بطرف عينيها فتشبث بالسور خلفه مدعيا السقوط مصابا بسهم عينيها لتقهقه من جديد..
هتف ناصر متسائلا:- امال فين نعمة!؟.. مجتش تلعب معاهم ليه !؟.. اكدت شيماء مبتسمة:- هتكون فين !؟ مع نعمة الكبيرة.. هى بتفارقها.. ثم مدت كفها لبدور الصغيرة تهبط بها الدرج لأن والداها يطلباها للاستئذان و الرحيل..أفلتها نادر متضررا وودعها فى حزن و تطلع لأبيه فى حسرة:- اهى مشيت.. ارتحت يا ناصر باشا!؟..
هز ناصر رأسه متفهما لحزن ابنه فبدور قمة فى الجمال و الرقة و رحيلها خسارة كبيرة ليهتف ناصر ناصحا:- انا بقول تنزل تلعب مع حُسن..ايه رأيك..!؟. هز الصبى رأسه ممتعضا و مسلما امره لله هاتفا:- شكلها هترسى على كده يا بابا.. هى حَسن و خلاص بقى امرنا لله.. انفجر ناصر ضاحكا من جديد على شقاوة ولده و امسك بكفه هابطا معه الدرج لوداع ضيوفهما حضرة الرائد حازم و حرمه تسبيح و ابنتهما العزيزة..بدور...
صرخ حمزة منفعلا:- و الله ما يحصل.. انى بتى تلبس اسمه ايه دِه.. جال برمودا.. و استطرد صارخا:- جلعيها البتاع ده يا هدير انى بجولك.. هتفت هدير:- ليه بس يا حمزة ده حلو قووى عليها.. عشان خاطرى سبها لبساه.. جز حمزة على اسنانه:- هدييييير..
لتندفع هى و ابنتها من امامه كالعادة كل منهما تركض فى اتجاه الا ان الفتاة ذات الخمسة أعوام اندفعت تهبط الدرج و منه للحديقة حيث جدها زكريا يجلس فى رحاب شمس الشتاء الدافئة لتحتمى به.. ما ان وصلت اليه حتى ألقت نفسها بأحضانه ليتلقفها فى سعادة يكتم ضحكاته على عبوسها اللذيذ و تقطيبة حاجبيها الذهبيين.. و جلوسها بهذا الشكل تعقد ذراعيها امام صدرها بإعتداد..
همس زكريا مشاكسا إياها:- فيرى الحلوة زعلانة ليه !؟.. ردت فريدة فى تعال و هى تزفر فى نفاذ صبر:- بابى و مامى بيزعقوا على لبسى زى كل مرة.. و اشارت الفتاة لبنطالها القصير الذى يظهر ساقيها:- بزمتك يا جدو ده وحش.!؟.. اكد زكريا:- لاااه.. حلو جووى..
اكدت فريدة:- قول بقى لبابى.. خليه يبطل دماغ الصعايدة دى.. انفجر زكريا مقهقها و هو يسألها:- انتِ جبتى الكلام دِه منين !؟.. اشارت اليه ليقرب له أذنه هامسة بالقرب منها:- سمعت تيتة بتقولك كده قهقه زكريا من جديد و هو يضم فريدة الى احضانه.. انها نسخة مصغرة من هدير فى مثل سنها مع بعض الصفات المستحدثة لفارق الأجيال جعلتها نسخة اصعب مراسا فهمس زكريا و ابتسامة تتسع على شفتيه:- ربنا يكون ف عونك يا حمزة يا واد اخوى..
هتفت كسبانة فى تعب و بنفاذ صبر فى ولدها حامد:- خلااااص معدتش جادرة.. شوف لك صرفة ف عيالك الجرود دوول.. ايه دِه.. معچونين بمية عفاريت.. قهقه حامد على حالها هاتفا:- ربنا يخليكى ليهم يا كسبانة و تربى.. هتفت كسبانة محذرة:- بجولك ايه !؟. انى صحتى معدتش تچيب المناهدة مع العيال.. ده ولدك الكبير من يومين جيباه هو وولاد هداية عبدالله و مؤمن من فوج السجرة اللى جرب باب الدار جال ايه بيجلدوا مش عارفة مين دِه اللى شافوه ف التليفزيون و جال هيطيروا.. عوض عليا عوض الصابرين يااارب..
قهقه حامد و شاركه يونس بدوره و الذى هتف مؤنبا إياها: چرى ايه يا كسبانة !؟.. ما تخلى العيال تلعب.. ما كل العيال على ده الحال.. هتفت تهاجمه:- اه ما انت بتجول كِده كمنك مش جاعد ف السيرك المنصوب دِه طول اليوم.. بتچرى على عشتك تجعد لحالك لما يدوشوك.. قهقه يونس و نهض مغادرا و لم يعقب على حرف مما قالته لانها اصابت كبد الحقيقة ليهتف حامد مازحا:- طب دلوجت دِه مش سيرك زعلانة ليه !؟.. اهو الواد محسن الكبير جرد و اخوه نسناس و البت المكلبظة اللى على دراعك دى و اللى امها متوصية بيها رضاعة بجت الفيل.. و ربنا يدينا الصحة و نكمل لك الچنينة..
جزت كسبانة على أسنانها فى غيظ و على وجهها نظرات اشبه بنظرات خط الصعيد قبل ارتكابه جريمة من جرائمه الشهيرة.. اثر حامد السلامة و هم بالاندفاع صاعدا لشقته لتهتف به كسبانة تستوقفه:- انت طالع فين !؟.. لاااه.. انت متطلعش فوج.. دِه انت كل ما تغيب لك شوية تنزل لى بعيل.
قهقه حامد حتى دمعت عيناه لتظهر عائشة قادمة من الاعلى هاتفة فى حياء:- سمعاكم يتجولوا عيل.. هو حامد جالك يا خالتى انى حامل !؟.. كان حامد يحاول ان يشير لعائشة حتى تلتزم الصمت و لا تخبر امه بذاك الخبر الذى يمكن ان يصيبها بصدمة عصبية.. لكن ما باليد حيلة.. سبق السيف العزل و عرفت و كان رد كسبانة الوحيد هو تناولها احدى فردتى خفها تلقيها فى اتجاه حامد الذى خرج مندفعا خارج الدار و قهقهاته تتعقبه متحاشيا صواريخ امه التى لا تخطئ هدفها ابداااا..
هتف سيد فى عجالة:- يا باشمهندس ثريا.. خرجت ثريا من الداخل عابسة و هتفت فى غيظ:- انت مش هتبطل بقى موضوع باشمهندس ده !؟.. ثم اندفعت تحمل صغيرها ذو الثلاث سنوات عندما بكى مستطردة فى دلال:- و بعدين هو فى راچل هيچيب لك واد زى الجمر كِده !؟.. قهقه مشاكسا إياها:- برضو باشمهندس..
و اقترب فى عبث مستطردا:- و احلى باشمهندس دخل حياتى.. من يوم ما شفتك و انت بتتخنقى مع سواق العربية اللى كانت بتوصلنى للنجع اول مرة اجى فيها و انا كنت عارف ان حياتى مش هترجع زى الاول ابدااا همست فى عشق:- صحيح !؟.. اكد هو بابتسامة و قد قرر اغاظتها:- طبعا صحيح.. هو فى واحد يتجوز واحد صاحبه و تفضل حياته عااادى و زى ما كانت!؟..
قهقه على رد فعلها و ملامحها التى انقلبت للنقيض تتمنى لو تخنقه.. دخلت سيدة فى هذه اللحظة لتتطلع اليهما و تتسع ابتسامتها بدورها هاتفة بهما:- هو مفيش فايدة فيكم !.. هتفضلوا كِده جط و فار!؟.. اتجهت تحمل حفيدها من بين ذراعى ثريا عندما تطلع اليها راغبا فى الذهاب لها.. تركته ثريا بين يدى جدته و خرجت تتبع سيد الذى كان فى سبيله لمقر الشركة.. وقفت على اعتاب الباب هامسة:- خلى بالك على نفسك..
هتف مازحا:- حاضر يا ماما و هشرب اللبن.. عبست فقهقه هو و حاول ان يجذبها اليه لكن ذراعه الأيمن لم يسعفه كالعادة فما زال غير قادر على تحريكه بشكل طبيعى فهتف بها مداعباً:- انا مش قايل تفضلى دايما على الناحية الشمال!؟.. خليكى متسمعيش الكلام.. قطعتى برزقك.. قهقهت ثريا هامسة بغنج:- طب مش يمكن قصداها !؟..
همس بنبرة خطرة:- اهااا.. بتستغل نقطة ضعفى يا باشمهندس!؟.. طيب تمام..ع العموم لينا اوضة تلمنا.. و ساعتها لا هتفرق يمين من شمال.. لان الأسد اللى واقفة قدامى دى ساعتها بتقلب قطة..
قهقه مندفعا يبتعد عنها تاركا إياها تتظاهر بالغضب لكن ما ان اختفى سائقه بالعربة مبتعدا حتى انفجرت ضاحكة و هى تدرك تماما انه بدوره يعلم انه هو نقطة ضعفها الوحيدة و ان عشقها له يكبل عنفوانها و تمردها دوما.. و ان لسانها ذاك الذى وصف طوله يوما بانه اطول من ايّام الحزن.. ينعقد ما ان تكون بأحضانه ليهمس له فقط بكل ما يعتمل بصدرها منذ سنوات..
ابتسمت من جديد و هى تعود لداخل دارهما التى اشرف سيد على بنائها بنفسه ما ان بدأ يتعافى حتى تكون موضع له بين أهله و عائلته التى افتقد دفئها لسنوات عجاف مضت..
جلست زهرة فى تثاقل على تلك الأريكة فى حجرتها الخاصة بالقراءة يتبعها عاصم مستندا على عصاه الابنوسية التى لم تعد تفارقه.. جال ببصره فى الغرفة مبتسما فى حبور مستحضرا ذكريات رائعة ناهزت الثلاثين عاما و صوت ام كلثوم يتناهى منشدا فى عذوبة احدى روائعها.. تقدم بضع خطوات ليقرأ اسماء الروايات على الأرفف الموضوعة بعناية و ما ان طالعه اسم الرواية التى يبحث عنها حتى ابتسم فى مودة ومد كفه المتغضن يلتقطها ويعود بها حيث تجلس زهرته..
وقف أمامها يمد يده بروايتهما وهو يهتف بصوت عبثى:- يا اللاه اجريلى الرواية دى زى زمان.. انفجرت زهرة مقهقهة وهى تلتقط من كفه الرواية تتطلع لإسمها.. كبرياء وتحامل هاتفة:- انت لسه فاكر يا عاصم !؟.. تحرك ليجلس بجوارها قائلا فى محبة:- ولا عمرى هنسى...
ابتسمت عيناها قبل شفتيها وهى تتطلع لحب عمرها.. فتنهد هو فى سعادة و استلقى بطول الأريكة واضعا خده على فخذها لتستقبل هى رأسه بحبور و تضع كفها على قمتها فيستطرد هو:- يا اللاه.. حكى..
و ما ان همت بتعديل منظارها الطبى على عينيها حتى اندفعت فجأة احدى الكرات لتقطع ذاك الجو الساحر بشكل صاخب حين ارتطمت بأحدى مزهريات الريحان جعلت عاصم يجفل منتفضاً وهو يصرخ فى صاحب الكرة:- تعال هنا يا واد.. وللعجب تقدم الطفل الذى لم يتخط العاشرة من عمره الى جده فى ثبات جعل عاصم ينظر اليه فى فخر فهو يعرف ان باقى احفاده يهابونه ماعاداه...وقف الطفل امام عاصم مباشرة ليسأل عاصم فى حدة:- بن مين انت يا واد!؟..
كان عاصم يدرك تماما من يكون الطفل من بين احفاده لكنه ينتشى عند سماع اسمه مقترنا بأسمائهم.. هتف الصغير فى ثقة:- عاصم مهران عاصم الهوارى.. ليقهقه عاصم تصاحبه ضحكات زهرة وهو يقول بفخر:- واد مهران وتسنيم.. ليؤكد له الصبى فى فخر مماثل:-ايوه يا چدى..
كان يتوقع ان يصبح بن مهران وتسنيم طفلا وديعا حافظا لكتاب الله.. وهو كذلك.. لكن تلك الشقاوة التى تمتزج بلون عينيه ذكرته بخاله باسل.. مال عاصم يهمس لعاصم الصغير متسائلا وهو يشير لزهرة:- ايه رايك يا عاصم فى ستك زهرة.. جمر.. مش كِده!؟.. ابتسم عاصم لجدته المقهقهة وهو يومئ برأسه ايجابا ثم يميل على جده هامساً بصوت مسموع لزهرة على الرغم من إدعائها العكس:- الظاهر يا چدى كل اللى أسميهم زهرة جمرات.
ازدادت ضحكات زهرة علوا و ازداد عاصم رغبة فى مشاكسة الصبى الغاضب:- لكن هى مش موافجة.. هاتعمل ايه دلوجت..!؟. هتف الصبى فى حسم:- هتچوزها بالعافية.. و اذا كان عاچبها.. لينفجر عاصم حينها مقهقها و ينظر للصبى فى حبور.. وألتفت ينظر لزهرة فى محبة قائلا:- عارفة لو مكنش جال كِده.. مكنش هيبجى حفيد عاصم الهوارى.. لتشاركه ضحكاته وهو يعاود سؤال الفتى:- مين بيلعب معاك يا عاصم!؟..
اكد الصبى:- انا و اختى نوارة.. و سمير و اخته سهام و ولاد عمى ماهر مؤمن و عبدالله و أختهم سمية.. و زهرة بت عمى ماچد.. ثم استطرد الصبى موضحا:- بس البنات لحالهم و احنا بنلعبوا لحالنا يا چدى.. هتف عاصم مستحسنا:- چدع.. و اشار للكرة امرا:- خد ياللاه كورتك و متچبهواش هنا تانى.. أطاع الصبى:- حاضر يا چدى..
تمدد عاصم من جديد واضعا خده على فخذ زهرة و هتف مشاغبا:- هااا.. يا اللاه حكينى.. عملت ايه البت إليزابيث مع الواد دارسى.. ابطال الرواية اللى ف يدك!؟.. عدلت من منظارها الطبى لتدفعه لأعلى انفها وهمت بفتح الرواية.. الا انها توقفت فى مشاكسة تقول:- ايه رأيك أحكيلك حكاية تانية!؟.. همس فى راحة:- وماله ميضرش.. حكى..
تنهدت فى سعادة وهى تقول:- كان فى واحد اول ما شاف واحدة عجبته قووى بس مرضيش يعترف بحبه ليها.. رد عاصم مبتسما:- غشيم.. هايوجع على چدور رجبته.. ضحكت زهرة:- ماهو وقع فعلا.. ابتسم عاصم:- يستاهل..
اكملت زهرة:- وهى كمان وقعت فيه.. ضحك عاصم:- بعد الشر عليها.. لتنفجر زهرة ضاحكة:- كان أحلى شر فى حياتها.. ليشاركها عاصم ضحكاتها:- مندمتش!؟.. لتنفى زهرة بصوت نبراته تحمل ثقة العالم:- و لا لحظة.. بس المهم ميكنش هو اللى ندم!؟.. ابتسم فى محبة:- هو ندم فعلا.. هتفت زهرة فى عتب محبب:- ايه.. بجد!؟..
ليؤكد عاصم:- ايوه ندم على كل لحظة عاشها بَعيد عنيها وهو عارف ان روحه متعلجة بيها.. هاااا وبعدين.. كملى.. باينها جصة حلوة.. ابتسمت:- بس يا سيدى.. فضلوا طول عمرهم زى القط والفار.. امتدت يد عاصم تلتقط كفها ليضمها لأحضانه وهو يستحثها لتكمل:- هاااا لتستطرد:-ورغم كده هو كان روحه فيها.. وهى كانت بتعشقه.. وكان..
و فجأة قطعت استرسالها وهى تسمع صوت غطيطه فى النوم كالعادة.. لتمسك نفسها عن الضحك حتى لا توقظه.. انحنت تقبل جبينه فى حنو.. وام كلثوم لازالت على شدوها مترنمة:- سنين و مرت زى الثوانى فى حبك انت وان كنت اقدر احب تانى هحبك انت.
ومدت أنظارها لتلك الارض التى اصبحت جزء من كيانها.. و الى الأحفاد الذين ملاؤا الأجواء صياح وهتاف... لتبتسم فى امتنان وهى ترفع عيونها للسماء شاكرة الله عز وجل على نعمه..
ألتقطت مسبحتها الفضية التى أهداها لها عاصم فى احدى المناسبات لتبدأ فى تحريك حباتها فى تتابع وعيناها لا تفارق ذاك الرأس القابع فى حجرها و الذى لازالت تعشق صاحبه وستظل للأبد.. تمت الجزء التالي رواية زاد العمر و زواده الجزء الرابع للكاتبة رضوى جاويش كاملة