logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 10 من 36 < 1 23 24 25 26 27 28 29 36 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 05:50 صباحاً   [76]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل السادس والثلاثون

هبطت الدرج من غرفتها مهرولة فى سعادة لا تصدق انها اصبحت زوجته اخيرا..فقد تم عقد قرانهما قبل أسابيع لكن منذ سمعت خبر رغبته فى الزواج منها و هى لا تراه كثيرا فدوما ما يتجنبها لا تعلم هل يحبها حقا ام انه أشفق عليها و أراد تخليص عمه من عبئها !؟.. كثيرا ما جال بخاطرها انه ما احبها و لكنه يدرك جيدا انها تحبه و ربما أراد رد الجميل لعمه بالاقتران بها.. و مما زاد من قوة هذا الخاطر هو ذاك التباعد برغم انها الان زوجته شرعا و قانونا و لا حرج على اى منهما اذا ما اجتمعا سويا لكنه يرفض ذلك بشكل عجيب حتى انه عنفها مرة بشدة عندما اندفعت لجناحه تجلس بالداخل فى أريحية فهب هو للخارج مانعا إياها من تكرار ذلك..

و اليوم هاهو يستدعيها لا تعلم لما فأندفعت ملبية فوجدته فى انتظارها ببهو الفيلا يجلس فى هدوء حتى انه ما رفع ناظريه تجاهها و هو يسمع صخبها لاندفاعها على الدرج لملاقاته و هتفت فى سخط داخلى:- ما هذا التمثال.. انه يكاد يقتلنى شوقا اليه و هو لا يبال..
جلست قبالته و قد احسنت اختيار ملابسها رغبة فى نيل رضاه و انتقتها بذوق يناسب قناعاته فنظر اليها هاتفا بعد لحظة من الصمت:- بجولك يا هدير!؟..
هتفت فى دلال:- يا عيون هدير..

تنحنح و قد تحشرج صوته تأثرا بدلالها الذى لا يسطيع مقاومته و الذى يحاول عدم إظهار تأثره به:- انى مسافر النچع اطمن عليهم.. انا سافرت كام يوم بعد اللى حصل و حضرت المعزا بتاع ستى سكينة الله يرحمها و الواچب انزل اطمن عليهم جبل فرحنا.. و خصوصى ان مش هايبجى فى فرح هناك من الاساس و هى جعدة هنا مراعاة للظروف و عشان الناس اللى عمى ليه علاقة بيهم...

هتفت هدير فى لوعة:- يعنى انت قصدك هتروح تقعد هناك لحد فرحنا!؟.. انت عارف ده قد ايه يا حمزة !؟.. ده كتير..
و دمعت عيناها مما جعله يضطرب فى موضعه و ما عاد قادرًا على النطق بحرف امام ذاك الشلال المتدفق من الرقة التى تأسره و هتفت من بين دموعها:- انا هقعد من غير ما اشوفك كل ده !؟..

لم ينطق.. و تنهد فى قلة حيلة فهى لا تدرك انه ما فعل ذلك الا رغبة فى الهرب من تأثيرها القاهر على أعصابه و الذى تمارسه ببراءة منقطعة النظير غير مدركة لما يتحمل من اجل عدم إظهار ذلك و الان لم يعد يحتمل فقرر البعد.. قرر الهرب حتى يخرج و لو قليلا من تحت تأثير عشقها الذى ما حلم بأروع منه بحياته.. و الذى يعده هدية ربانية جديرة بالصيانة و الحفظ..

كان صوت نحيبها الرخيم يوتره و يدفعه ليهتف مؤنبا و مدعيا الحنق:- چرى ايه يا هدير !؟.. دول كام يوم..
هتفت معاتبة:- دول ٣ أسابيع يا حمزة..هتقدر تبعد عنى ده كله !؟..
ماعاد قادرًا على تحمل كل هذا اللوم الندى و العتاب المعطر بعبير عشقها فأنتفض ناهضا ينهى الحوار هاتفا:- انى مسافر دلوجت ان شاء الله.. مش عايزة اچيب لك حاچة معاى من هناك!؟..

وقفت دامعة العينين قبالته ترفع ناظريها تطالعه لفارق الطول الشاسع بينهما هاتفة:- هاتلى حمزة.. خليه يجى بسرعة عشان خاطر هدير..
تاه فيها للحظات و استفاق منتفضا و اندفع راحلا من امام سحرها و طغيان براءتها لتهتف هى تستوقفه معاتبة:- حمزة.. منستش حاجة !؟..
توقف يفكر و هتف:- لااه.. خير..
اندفعت اليه ووقفت قبالته من جديد هامسة:- نسيت تودعنى..

و استطالت و هى تقف على أطراف أصابعها و طبعت قبلة سريعة على ذقنه و ابتعدت هامسة:- مع السلامة.
اضطرب و ما ان تمالك نفسه حتى هتف فى غضب لفعلتها:- هديييير..
فأندفعت من امامه مسرعة تصعد الدرج هاربة من تعنيفه لفعلتها العفوية
لكن ما ان رأى ردة فعلها حتى وضع كفه على ذقنه التى لحسن حظه نال شرف ملامستها و ابتسم رغما عنه و اصبح على يقين تماما ان ابتعاده عن تلك القاهرة بالأعلى هو الحل الأمثل للحفاظ على أعصابه بكامل لياقتها حتى يوم زفافهما..

تحسنت تعاملاتها معه بشكل واضح بعد موت سكينة جدته و التى كان يعشقها بحق و قد ورث منها روح الدعابة و عشقه للمرح..
و كم تجمعوا و دمعت عيونهم ضحكا على ما كان بينها رحمها الله و بين حامد من دعابات..

لقد كانت تسمع نحيبه ليلا بعد وفاتها و كأنه يتعمد الثبات امام ابيه و المعزين نهارا و ما ان يأتى الليل حتى تنهار قدرته على مقاومة حزنه على فراق جدته فيبكى بقهر و لوعة كما الاطفال داخل حجرته وحيدا و لكم أدمى قلبها صوت نحيبه الذى كان يحاول كتمانه عنها لكنها كانت تسمعه بقلبها الموجوع على حاله لا بأذنيها..

و الليلة ليست استثناءً فها قد أتى من الخارج يدعى الثبات كعادته ليدخل لحجرته ليمارس طقوس حزنه التى
اصبحت معتادة لها.. لكنها ما عادت قادرة على تركه وحيدا دون مواساة
فأندفعت على قدر ما استطاعت و بطنها المنتفخ على أشده يسبقها و وقفت بوجيب قلب أشبه بطبول حرب بربرية بين جنباتها امام باب حجرته
طرقت الباب سريعا و ما انتظرت ان يؤذن لها للدخول بل دفعت الباب فى رفق و دخلت..

كانت بالفعل على اعتاب الباب تقف حائرة و هى تراه يضع رأسه ما بين كفيه و جسده يهتز فى صمت دلالة على نحيب مكتوم يكاد يقتله اختناقا
ما عاد لقلبها قدرة على تجاهله و هو فى هذه الحالة فأقتربت فى تردد حتى وصلت حيث يجلس و وقفت قبالته..
مدت كفا مرتعشا تربت على رأسه مواسية و لكن فجأة حدث ما لم تتوقعه فقد جذبها حامد فى لوعة و دفن رأسه فى صدرها متشبثا بها كطفل يحيطها بذراعيه أسرا إياها..

شعرت بالصدمة جراء ما يحدث و تخشبت للحظات لكن صوت شهقاته المقهورة بصدرها جعلتها تلين رغما عنها و تجد نفسها تضمه بذراعيها بالمثل تجذبه اكثر لأحضانها لعله يهدأ و لو قليلا..

لا تعرف كم مر عليهما و هما على هذه الحالة حتى انقلب العناق المواس لعناق محموم و بدأ فى جذبها هو لأحضانه.. كادت تلين و تنصاع لمشاعرها العطشى لقربه لكن صوت كرامتها كان الاعلى من صرخات مشاعرها المتطلبة قربه.. توهمت انها تسمع تنهداته و همساته يوم زفافهما بأسم محبوبته ترن من جديد بأذنيها.. اسم مالكة قلبه الذى انتزع فرحتها يومها بقسوة مخلفا القهر و الدموع..

فأنتفضت رغما عنها مبتعدة و نائية عنه فى ذعر..
تعجب من ردة فعلها فما كان بينهما منذ لحظات كان يؤكد انها راضية و راغبة فيه مثله تماما..
هتف بصوت متحشرج متسائلا:- بعدتى ليه !؟.. دِه انى ما صدجت انك جربتى..
هتف و هى تهم بالاندفاع خارج الغرفة:- مفيش.. مفيش.. تصبح على خير..

انتفض فى عنف مندفعا اليها و قبض على ذراعها قبل ان تخرج من باب الغرفة هاتفا من بين اسنانه فى حنق و هو يهزها بقوة:- عايزة تبعدى تانى ليه!؟.. و لما انتِ مش طيجانى ليه بتجربى م الاساس.. ليه مبتنطجيش الا بحاضر و طيب و نعم و بس.. ليه مصرختيش فيهم يوم ما جالوا لك هنچوزكِ حامد و رحمتى نفسك و رحمتينى.. ليه مجلتيش مش عيزاه.. ليه!؟..ليييه..!؟

كان هزه لجسدها وصل لذروته فى تلك اللحظة فانتبه و تركها لتسقط لحسن الحظ على الأريكة التى خلفها تماما و هى تضع كفها على بطنها المنتفخة..
لم تبك بل صمتت متجمدة فى مكانها لم تأت برد فعل لما قاله.. كان يلهث و هو يقف ينتظر منها اجابة على كل تلك الأسئلة التى تحيره منذ زواجهما و ربما قبله و ما ان علم انه لا فائدة و ما هناك من قوة يمكن ان تخرجها عن صمتها الذى يمقته و استسلامها الذى يدفعه للجنون حتى ركل طرف الفراش بقدمه و استدار مغادرا الا انه سمع همسها مما استرعى انتباهه ليتوقف لعله يستشف منها ما يشفى غليله.. أعاد التطلع اليها من جديد بعد ان استدار ليواجهها..

فهمست من جديد و هى تتطلع لنقطة بعيدة على الارض لا تحيد ناظريها عنها:- عارف ليه مبجلش لااه.. عشان متعودتش اجول لااه يا واد عمى.. عشان اليتيمة اللى چابوها لبيت عمها بعد موت ابوها و أمها اتربت متجولش لااه.. مينفعش من اساسه تجول لااه ف بيت كانت فيه ضيفة.. كانت تنفذ و هى ساكتة.. مينفعش تطلب.. مينفعش ترفض.. مينفعش تعاند و تعمل اللى على مزاچها..مينفعش.. و لما عمى مات و جالولى هاتاچى هنا مجلتش لااه..

ما انى لو جلت لااه هبجى من نصيب واد عمى التانى..جاسم..و المرة دى روحة بلا رچعة لانه اكيد كان هيتچوزنى عشان ابجى بچملة التركة اللى سابها ابويا و هو طمعان فيها.. چيت و انى عارفة ان عمى وصى ابوك يتچوزنى.. هجول كيف لااه.. من واد عم.. لواد عم يا جلبى لا تحزن..

و نهضت من مكانها و تقدمت لطرف الفراش تتمسك بأحد أعمدته لتستطرد فى وهن:- و اما جالوا حامد عايزك.. جلت و ماله هو انا أجدر اجول لااه.. اليتيمة اللى انكتب عليها تتنجل من يد لِيَد.. هتاجى تجول لااه دلوجت و هى ف بيت واد عمها ضيفة و مكنش ينفع أرفضك و الا أمك كانت فهمت انى رايده ابوك.. و ان وصية عمى واچبة و لازما ينفذها.. اجعد ازاى ف بيتكم بعد دِه كله.. اورى وشى لامك و ابوك كيف و انا جاعدة ف خيرهم بعد ما اجولهم انى مش عايزة اتچوز ولدكم و لا عايزة اتچوز واد عمى يونس و لا عايزة حاچة من الدنيا من اساسه..

و بدأت تجهش ف البكاء فجأة بتشنجات قوية اهتز لها جسدها كله و هى تستكمل بصوت متقطع هاتفة بصوت عال للمرة الاولى منذ عرفها:- انى مش عايزة غير اتساب ف حالى.. مش عايزة حد و لا عايزة حاچة من حد..طول عمرى لحالى.. ايه الچديد يعنى لما اكمل حياتى كلها لوحدى.. و افضل اجول حاضر و طيب و نعم.. و معرفش و مجدرش اجول لاااه.. لااااه..

صرخت بكلماتها الاخيرة وتشبثت بقوة بالعمود الخشبي للفراش و بدأت تشعر بألم رهيب تتزايد وتيرته فى أسفل ظهرها و بطنها.. شعرت انها ستسقط أرضا فأمسكت بالعمود بقوة و صرخت متأوهة مما دفع حامد الذى كان يقف كالمشدوه يستمع الى اعترافاتها الصادمة له دون ان ينبس بحرف او يأتي بأى رد فعل الا عندما وجدها على هذه الحالة فاندفع اليها يلتقطها بين ذراعيه قبل ان تسقط أرضا هاتفا بهلع:- ايه.. ايه اللى چرى!؟..

هتفت صارخة متشبثة به:- ألحجنى.. شكلى بولد..ألحجنى..
تطلع حوله كالتائه و اخيرا اندفع الى باب شقته يجرى هابطا لبيت ابيه حاف القدمين ليخبر امه لتستعد لاستقبال حفيدها القادم و صرخات زوجته تتعقبه..

كان فى سبيله لمغادرة السراىّ بعد زيارته لعمه عاصم فورعودته لعمله و الذى اصر على الاستمرار فيه رغم رغبة رؤسائه فى نقله لمكان افضل..
ما ان خرجت سيارته الميرى من بوابة السراىّ الحديدية حتى لمح طيفها و هى تتجه للسراىّ فأمر العسكرى بالوقوف فى سرعة.. ترجل من السيارة مندفعا اليها فى شوق جعله يخرج عن وقاره المعتاد و هو يهرول حتى يصل اليها دون الحاجة للنداء بأسمها.. لكنه لم يستطع فحال قدمه التى لم تطب بشكل تام بعد حال دون ذلك فهتف رغما عنه يستوقفها:- آنسة تسبيح..

توقفت فى صدمة لسماع صوته يناديها كانت تعتقد انها تهزى لكنها استدارت لمصدر الصوت لتجده بشحمه و لحمه يقف قبالتها.. شلتها صدمة حضوره و ظهر على محياها شوق له ما عادت قادرة على مداراته فتلك المرة الاولى التى تراه فيها بعد زيارة المشفى..
توقف يلهث أمامها فى اضطراب هاتفا:- ازيك يا آنسة تسبيح.. و ازى باسل و عمتى و عمى حسام..
تحدثت اخيرا بعد ان جاهدت لتجد صوتها هاتفة:- الحمد لله.. كلهم بخير.. و حمدا لله على سلامتك..

ابتسم فى مودة:- الله يسلمك..
ساد صمت مضطرب كحالهما قطعته هى هامسة:- انا لازما أمشى..
هتف يستوقفها مشيرا للعربة:- تعالى أوصلك..
اكدت:- مفيش داعى.. انا وصلت اصلا.. عن اذنك..
هتف من جديد يستوقفها:- آنسة تسبيح..
استدارت تواجهه من جديد ليستطرد هو فى عجالة خوفا من تردده:- فى واحد عايز يتقدم لك..

جزت على أسنانها قهرا.. هل اصبح يأتِ لها بالخُطاب !؟.. يا له من احمق.. تمالكت أعصابها فى بسالة و هتفت فى برود:- يا ريت تبلغه انى مبفكرش ف الموضوع ده دلوجت..
هتف قبل ان تستدير مغادرة:- حتى و لو كان الشخص ده هو اللى صرختى بأسمه يوم كتب كتابك..

تسمرت موضعها غير قادرة على النطق او حتى رفع ناظريها لمقابلة نظراته التى تحمل عشق مفضوح لا يمكن وأده و لو مدعية..
همس مشاكسا:- هاااه ارد اقوله ايه!؟.. مش بتفكر ف الموضوع دلوقتى..
لم ترد و زاد اضطرابها غير قادرة على استجماع شجاعتها كما هربت منها روحها المرحة و كذلك خانتها سرعة بديهتها التى كانت دوما تسعفها
ليستطرد هو مازحا:- الظاهر مليش نصيب ف البسبوسة..

و هم بالانصراف لتهتف هى اخيرا تستوقفه:- يا سيادة النقيب..
استدار اليها و قد اتسعت ابتسامته هاتفا:- تحت الامر و الطلب و سرعة التنفيذ يا فندم..
ابتسمت رغما عنها و هتفت فى حياء:- البسبوسة فى انتظارك يا فندم بعد ما تتصل و تاخد ميعاد عشان تقابل الحاچ حسام بكرة..
هتف مشاكسا:- لازم بكرة !؟.. مينفعش بعده عشان مش فاضى الصراحة!؟..

عبست فى حنق لينفجر مقهقها فتدرك انه يشاكسها و هى ما اعتادت ذلك منه فأضطربت لسماع قهقهاته التى اطربت قلبها و اندفعت من امامه هروبا و صوت تلك القهقهات تحرك شئ ما هاهنا بصدرها ما كانت تتوقع ان يسعده صوت إنسان ما لهذه الدرجة كما هى سعيدة الان و تكاد تطير فرحا..
ليعود هو للسيارة منتشيا هاتفا فى سائقه بعتب و هو يتطلع الى مذياع السيارة الذى لا يعمل هاتفا:- هو البتاع ده مش شغال نسمع حاجة !؟..

تطلع اليه عسكرى الخدمة فى تعجب و هتف اخيرا:- لااه يا فندم مش شغال..
و استطرد مسرعا:- بس اشغل لك المحمول يا باشا..
هتف حازم امرا:- افتح بس انجز..حاجة فريحى..
شغل العسكرى احد الاغانى على محموله و تطلع الى حازم الذى قهقه فى سعادة ما ان وصلته كلمات الاغنية
بسبوسة بالسمنة منقطة
ياللى رسى عليك العطا
فأبتسم العسكرى بدوره و هو يتطلع لحازم فى تعجب.. و تساءل.. هل هذا هو حازم باشا الذى يعرفه !؟..

أندفع حاملا إياها لداخل اروقة المشفى حتى وصل لغرفة الاستقبال و هى تئن فى وجع بين ذراعيه.. هتف صارخا مستدعيا الطبيب على الرغم من ان حوله عدة ممرضات يقمن بالواجب حتى وصوله و كانت فى أعقابه كسبانة و يونس يتضرعان لله فى لوعة..

اندفع الطبيب لداخل الغرفة امرا الجميع بالخروج منها حتى يستطيع القيام بواجبه.. أطاعه الكل فى صمت ملبيين حتى يتسنى لهم الاطمئنان على تلك التى تتوجع فى عذاب يشيب له الوليد.. انها لاتزل فى شهرها السابع.. ماذا حدث يا ترى !؟.. هل تراه قد ضغط عليها بشكل كبير اثناء حديثهما مما ادى لكل تلك التداعيات الغير محمودة العواقب!؟..

اندفع يبتهل فى صمت بشكل جنونى حتى تنجو من عذاباتها التى استشعرها و هى بين ذراعيه تتوجع.. و اخيرا خرج الطبيب ليكون اول المتوجهين له متسائلا فى لوعة:- خير يا داكتور!؟..طمنا..
هز الطبيب رأسه فى ألية:- متجلجوش.. خير ان شاء الله.. احتمال ولادة مبكرة..
هتفت كسبانة متعجبة:- بس دى لساتها ف السابع يا داكتور!؟..

ابتسم الطبيب مداعبا اياهم و محاولا تخفيف التوتر:- عادى بتحصل يا حاچة.. ابنكم عايز يطلع بن سبعة.. نعمله ايه !؟..
و استطرد الطبيب فى مهنية:- احنا بنچهز غرفة العمليات و دعواتكم ليها تجوم بالسلامة..
اندفع حامد متسائلا فى ذعر:- أوضة عمليات ليه يا داكتور مش الوضع طبيعى يعنى..!؟
ربت الطبيب على كتفه مطمئنا:- ده طبيعى تحسبًا لأى حاچة ممكن تحصل.. ادعيلها انت بس..

اومأ حامد بالإيجاب دون ان ينبس بحرف واحد و كل ما يجول بخاطره فى تلك اللحظة هو التطلع لمحياها من جديد.. فقط التطلع لوجهها الصبوح و قسماته المريحة و ابتسامته الطاهرة و غمازتها الوحيدة على جانب خدها الأيمن و التى تظهر عندما تضحك فى خجل لدعاباته على الرغم من ادعائها الكبرياء..
وكأن ابواب السماء قد فُتحت لتستقبل دعوات قلبه و يُفتح باب الغرفة لتخرج هى مدفوعة على سرير مدولب تغطيها الملاءات و لا يظهر منها غير ذاك الوجه الذى بات التطلع اليه إدمانه..

اندفع يحتضن كفها فى تشبث و يسير جوارها حيث مدخل غرفة العمليات.. كانت صامتة لم تنطق حرفا لكن عيونها كانت تبوح بالكثير و الذى استطاع ادراكه بسهولة و يسر اثارت تعجبه.. ترك كفها فى تردد و همس بها و هى تغيب عن ناظريه:- هستناكِ.. متغيبيش عليا..

أُغلق الباب خلفها ليكاد يسقط مترنحا فيتشبث بباب جانبى حتى استطاع الاستناد على الحائط خلفه و جلس القرفصاء على الارض فى تيه واضعا رأسه بين كفيه لا يدرك ما عليه فعله و لا يريد ان يفكر فى اى امر سوى خروجها سالمة من خلف ذاك الباب البارد الذى يتطلع اليه و كأنه هوة ابتلعتها..

اندفع كل من كسبانة و يونس اليه يربت كل منهما على كتف مواسيا و ابتدرته كسبانة محاولة تخفيف الاضطراب الباد على محياه:- متجلجش كِده.. كل الحريم بتولد.. هتجوم بألف سلامة و معاها ولدك و لا بتك.. و نفرحوا بيهم بمشيئته..
اومأ محاولا التأكيد على كلام امه كحقيقة ماثلة امامه لا يستطع تخيل غيرها الا انه انتفض عندما فُتح باب الغرفة و خرجت منه احدى الممرضات مسرعة ليستوقفها فى ذعر:- ايه فى !؟.. حصل حاچة !؟..

هتفت الممرضة فى عجلة من امرها مبتعدة:- ادعولها.. وضع الچنين مجلوب و الداكتور هيضطر لولادة جيصرية..
ما عاد باستطاعته التحمل فأندفع كالممسوس مبتعدا عن ذاك الباب المزدوج لغرفة العمليات و الذى يصيبه بالجنون و يود لو يحطمه و يدخل ينتشلها من داخل تلك الحجرة الباردة و العودة بها حيث دفء الحياة فى قربها..

توقف اخيرا يلهث مستندا على احد الأركان و تطلع حوله ليدرك انه عند نهاية احد الأروقة شعر بالضيق يكتنفه كليا يكاد يزهق روحه فخلع حذائه و توجه بناظريه كيفما اتفق و كبر فى خشوع ناويا الصلاة.. و ما ان سجد حتى ما عاد قادرًا على النهوض من جديد و جبينه متشبثا بالأرض فى تضرع و اخذ يبكى.. و يبكى و سالت دموعه غير قادر على النطق بحرف من دعاء قد ينجيها لكنه كان على ثقة رغم هذا ان علم ربه بحاله يغنيه عن سؤاله لذا كانت دعواته دموع و دموع سفكها فى تضرع حتى فاضت..

انه يحبها.. نعم يحبها.. بل يعشقها.. لا يعلم متى و لا كيف تسلل حبها لحنايا قلبه و تشبث بهذا الشكل بتلابيب روحه الا ان جل ما يدركه الان انه ما عاد يريد من دنياه الا إياها.. لا يرغب الا بقربها.. و لا يشتاق الا لعينيها البندقية.. و ثغرها الفتان و ابتسامتها الناعمة و غمازتها الوحيدة التى تسلبه لبه.. يالله.. أعدها الى.. أعدها..

لا يعرف كم مضى عليه من وقت و هو على وضعه ذاك الا انه رفع رأسه عندما شعر بخطوات تقترب فى سرعة.. انهى صلاته فى تلك اللحظة التى ظهر فيها احد الأطباء مندفعا لأحدى الغرف و خلفه اخر شخص يتوقع ان يراه فى تلك اللحظة.. ظل مشدوها لبضع ثوان و اخيرا اندفع لأحدى الممرضات متسائلا:- ايه اللى بيحصل !؟..

هتفت الممرضة بلامبالاة من اعتاد الامر:- ابدا.. مريضة ف العمليات بجالها ساعتين بتولد و للأسف مات الچنين و هى حالتها وحشة و محتاچة نجل دم و ابوها جاعد يتخانج م الصبح و احنا معندناش فصيلة دمها ف بنك المستشفى..

تركته الممرضة و رحلت ليقف مشدوه لا يعلم ما عليه فعله و اخيرا اندفع باتجاه الطبيب الذى خرج لتوه من الغرفة و خلفه ذاك الرجل الخمسينى و الذى لم يكن الا والد سلوى الذى طرده يوما من داره فى غير رحمة و تلك المريضة لم تكن الا سلوى نفسها و التى فقدت جنينها و بحاجة لنقل دم بشكل قهرى..
هتف حامد يستوقفهما و قد لمح الدهشة على وجه والد سلوى لرؤيته:- يا داكتور انى متبرع للمريضة اللى محتاچة دم..

و كأنما الطبيب وجد هدية من السماء ليصرخ دافعا اياه لأحدى الممرضات لتذهب به للمعمل للقيام بالازم.. اندفع والد سلوى يستوقفه و الدمع يكاد ينسكب من عينيه هامسا:- ربنا ينچيك يابنى من كل شر و يحفظ لك حبايبك.
دمعت عينا حامد متضرعا:- امين يااارب..

قام حامد بالازم و اخيرا عاد فى سكينة الى حيث كان قد ترك أبويه..كان يبدو من محياهما على البعد ان الوضع لم يتغير و ان الحال لازال على ما هو عليه حتى اقترب منهما ليندفع الطبيب و خلفه الممرضة المرافقة له دوما من باب غرفة العمليات هاتفا فى عجلة:- ألف مبروك.. ولد زى البدر.. و المدام بخير الحمد لله..

كادت كسبانة ان تخطئ و تطلق زغرودة مدوية ترتج لها أركان المشفى الا انها تنبهت لظرفهما الحزين فكتمت فرحتها دامعة بينما احتضن يونس ولده فى فخر رابتا على ظهره فى قوة فقد اصبح اخيرا جد و ها هو يهل اول احفاده للدنيا و سيحمله عما قريب بين ذراعيه.. اندفع حامد يتطلع من خلف زجاج باب غرفة العمليات ليرى متى ستخرج ليرى الممرضات يدفعن بسريرها خارج الغرفة.. فتح الباب فى عجلة مترقبا وصولها ليتطلع لمحياها الشاحب و هى غائبة تماما عن الوعى حتى انه اندفع خلف سريرها حيث حجرتها و ما تطلع لولده الذى تحمله امه بعد ان تناولته من احدى الممرضات و قامت بتحيتهن بما يلزم تأكيدا على سعادتها بقيام زوجة ولدها ووليدها سالمين..

مسد حامد على جبين عائشة الندى فى حنان و هو يشكر الله فى سره على استجابة دعائه و قد أيقن ان لا حياة له بعيدا عن تلك الشادية.. عصفورة قلبه التى اصبح صوتها هو نغم حياته.. تنهد من جديد و ما عاد يعنيه من امر الدنيا امر.. فقد نجت و ذلك كان يكفيه و زيادة.

كان الحزن لايزل مخيما على دار يونس بعد رحيل امه سكينة عن دنيانا كأن الدار تظلله غيمة من الكأبة و السكون و كأنما غابت بهجة الدار و سروره مع غيابها.. بكت بخيتة كما لم تبك من قبل على فراق رفيقتها الغالية و اصبحت تبيت فى فراشها تتلمس ريحها الطيب و تدعو لأجلها و تتذكرها بالطيب كما كانت وصيتها..

اما يونس فقد كان فى عالم اخر.. يلفه الحزن و يسربله الذنب و يغرقه الدمع.. عالم ما خرج منه الا بعد محاولات الجميع انتزاعه منه و خاصة كسبانة و زكريا اللذان بذلا مجهودا جبارا ليعود لو قليلا لطبيعته المعهودة التى تميل لحب الحياة و السخرية من اوجاعها و مع تشريف يونس الصغير بن حامد للحياة تبدل قليلا و عاد لطبيعته و هو يحمله بين ذراعيه فى فرحة فقد كانت لحظات حمله لحفيده هى تقريبا اللحظات الوحيدة التى ترى فيها يونس القديم قبل ان يقهره حزنه على رحيل امه..

تقدم ماهر لداخل الدار هاتفا يستأذن و هو يحمل ذراعه المصابة بحامل متعلق بعنقه.. فما ان استطاع النهوض بعد اصابته و تعافيه منها قليلا اصبح لا يمر يوما دون ان يكون فى دار يونس يطمئن على زوجته و يواسى أخاها و اليوم لم يكن استثناءً
جلس قبالة يونس الذى كان كعادته منذ وفاة امه جالسا اسفل نافذة حجرتها التى تطل على الحديقة الخلفية للمنزل
و كأنه سيستمع لصوتها تناديه منها او تطل باحثة عنه لتشاكسه كعادتها..

ربت ماهر على كتف يونس فى تفهم هاتفا فى هدوء:- وحد الله يا حاچ يونس..ربنا يرحم المراحيم كلهم..
هتف يونس متنهدا:- لا اله الا الله..
ساد الصمت لبرهة قبل ان يهتف يونس متسائلا:- كيف دراعك ؟..
اكد ماهر يومئ برأسه:- الحمد لله.. جربت تبجى تمام.. متجلجش عمر الشجى بجى..
ابتسم يونس بوهن:- انى عمرى ما هنسالك اللى عملته عشانا و لا عشان هداية..

هتف ماهر متعجبا:- واااه يا حاچ يونس ايه اللى بتجوله دِه !؟.. حد يتشكّر انه حمى عرضه.. امكنتش انى چوزها اعمل كِده نجيب مين يعمل..
هتف يونس:- حيث كِده بجى.. يبجى تاخد مرتك على دارك و كفاية عليكم الجعدة دى..
هتف ماهر:- اخدها كيف يا حاچ.. دِه أربعين الحاچة سكينة مفاتش عليه الا كام يوم!؟..

هتف يونس مؤكدا:- و عشان كِده بجولك كفاية عليكم لحد هنا..الأربعين عدى من كام يوم و من حجك تاخد مرتك اللى لولا اللى حصل كانت معاك من يوميها.. چهز حالك و تعالى خدها و احنا هنعلن للناس انها رايحة بيت جوزها و عشان الظروف مش هايبجى فى هيصة..
هتف ماهر مؤكدا:- انت بتجول ايه يا حاچ !؟.. هيصة ايه دلوجت.. ربنا يرحم الغالية و تعيش و تفتكر..

اكد يونس:- النهاردة الاثنين.. چهز حالك و تعال خد مرتك الخميس..
هتف ماهر:- بس يا حاچ..
هتف يونس بحزم:- مفيشى بس.. الخميس هتكون مرتك جاهزة تاخدها..
بكفايانا حِزن.. الغالية لو وسطينا دلوجت لكانت هى بنفسها جالت لك كِده..

هز ماهر رأسه موافقا و قد عزم امره على الحضور الخميس ليصطحب عروسه لتنير داره اخيرا.. وعلى الرغم من جو الحزن المخيم على المكان لكن الفرح قد أقام سرادقا ضخما داخله يعلن فيه عن نفسه فقد اقترب اخيرا موعد الوصل الذى انتظره طويلا..

اندفع سيد من خلف مكتبه ما ان اخبره الخدم بمقدم الطبيب.. كان قد جاء بأمه من النجع الى بيته هنا فى القاهرة حيث تتلقى العلاج اللازم
الذى يعيد لها ذاكرتها من جديد..
كان الطبيب يزورها بشكل منتظم للوقوف على حالتها و تقدمها بشكل دورى..

خرج من غرفة المكتب و اغلق بابها خلفه و هو يتطلع لصورة ابيه التى كانت معلقة خلف مقعده بصدر الغرفة و التى ما ان رأتها امه للمرة الاولى عندما اصطحبها فى جولة داخل البيت ليجعلها تحاول الاندماج مع ما حولها حتى انفجرت صارخة بشكل هستيرى جعله يحملها لغرفتها و يطلب الطبيب على الفور..

لا يعلم ما الذى حدث لتصرخ بهذا الشكل المذعور.. ربما تذكرت ما ان رأت صورة ابيه كيف انه مات و هى بعيدة عنه.. و قد افترقا قصرا فأهاج ذلك عليها الذكرى و جعلها تنفعل بذاك الشكل الذى جعل الطبيب ينصحه بإبعادها عن اى انفعالات قد تؤدى لانتكاسة فى حالتها التى بدأت الى حد كبير فى التحسن..
لذا قرر العودة بها مرة اخرى الى النجع.. و ليكن ما يكون..

كانت تتهادى صاعدة الدرج الى حيث شقتهما يتبعها هو فى وجل..
و ما ان وصلا لباب الشقة حتى وقفت تنتظر فى هدوء ظاهرى.. كان يتنازعها شعوران يقتتلان بداخلها فى حرب ضروس لا تعرف لها نهاية.. شعور بالخوف و الرهبة لقربه منها و إحساسها لأول مرة بما زجت به نفسها فهى الان أصبحت رسميا و شرعيا زوجة ماهر عدلى محروس الهوارى.. هى.. ابنة العمدة كما كان يحلو له ان يناديها عندما كان يتعقبها دوما ملقيا على مسامعها كلمات الغزل التى كانت تكره..

و الشعور الثانى.. ذاك الشعور العجيب من السكينة و الطمأنينة الذى يغمر قلبها كليا فيجعلها تشعر انها خُلقت لتكون لذاك الرجل منذ ان أراد الله بها القدوم لهذه الحياة..

يتنازعها الشعوران حتى انها لم تنتبه له و مفتاح الباب يرتعش فى كفه ليسقط محدثا جلبة خفيفة استفاقت على اثرها من شرودها و هو ينحنى يلتقط المفتاح و يفتح الباب على عجالة هذه المرة دافعا به و داعيا إياها بصوت متحشرج خرج مهزوز النبرات و هو يهمس لها:- اتفضلى.. ادخلى..

دخلت عدة خطوات حتى عبرت الممر الامامى للشقة و وقفت ف الردهة الواسعة تنتظر دخوله
أغلق الباب خلفه مترددا و اتجه نحوها فى تؤدة حتى وصل لموضع وقوفها.. شملهما الصمت للحظات و ما ان هم بالاندفاع للداخل رغبة منه فى قطع الصمت بأى رد فعل من جانبه الا و همست له متسائلة:- مش هنصلوا!؟..
توقف كالمتخشب فى موضعه و ألتفت اليها من جديد مؤكدا بإيماءة من رأسه:- اه.. لازما طبعا..

عاد عدة خطوات ووقف متوجها الى القبلة.. و ما ان هم بالتكبير حتى تناهى لمسامعه ضحكات تحاول كتمانها فأخفض كفيه من وضع التكبير الذى تسمر فيه لثوان و استدار اليها مستفسرًا:- فيه حاچة!؟..
هزت رأسها ايجابا و هى لاتزل تضع كفها على فمها تدارى ابتسامتها و اخيرا اشارت للأسفل حيث موضع قدميه لينتبه انه ما خلع حذائه من شدة ارتباكه و توتره لتهمس هى مازحة:- هتصلى بچزمتك!؟.. انت ناوى تخليها صلاة خوف.!؟.

و ابتسمت من جديد مما جعله يفقد البقية الباقية من ثباته الهش الذى يحاول التمسك به كقشة يتعلق بها غريق..
انحنى يخلع حذائه و يتركه جانبا و شرد رغما عنه هامسا لنفسه بأنها تسخر منه انه سيصلى بحذائه.. انها تفقده عقله فماذا فى ذلك!؟.. تسخر من كونها ليست صلاة الخوف التى يصليها المحاربين ف المعركة بكامل عدادهم و أحذيتهم..!؟ و الله انها بالنسبة اليه لكذلك.. فهى لا تعلم.. اى خوف يتملكه فى تلك اللحظة و اى معركة تدور رحاها بين جنبات صدره و هو يراها أمامه و هو يدرك تماما و يعلم علم اليقين انها زوجه.. نعم زوجه و حلاله و له وحده..

ازدرد ريقه عند تلك النقطة و دنى بطرفه اليها و هو يرتفع من انحنائه بعد ان تخلص من فردتى حذائه ليزداد اضطرابا على اضطراب و لكنه يقطعه بذكر الله مكبرا لتقف خلفه فى خشوع حتى انتهيا من ركعتى السنة ليبدأا حياتهما..صمتت لحظات و هى تراه يرفع أكفه للسماء فى تضرع و يهمس بكلمات دعاء ما لم يصل الى مسامعها.. انتظرت ان يرفع صوته لتؤمن خلفه الدعاء لكلاهما و لحياتهما معا.. لكنه لم يفعل.. ربما لا يدرك ان عليه ان يفعل..

صمتت و لم تعقب و ما ان شعرت بختمه لدعاءه السرى حتى أمنت بصوت مسموع له و نهضت فى روية و اتجهت لغرفتهما..
ظل على حاله لا يتحرك قيد انملة و لا تطاوعه قدميه على المضى قدما ليلحق بها حتى عشهما السعيد..

لا يعرف ماذا دهاه..انه ماهر الهوارى.. من كان له من الصولات و الجولات النسائية ما يعجز حتى عن عده لكثرته.. أمامها وحدها يقف كتلميذ خائب لا يستطيع البوح بما يعتمل بصدره و ما يجيش به قلبه من مشاعر.. أمامها وحدها ينعقد لسانه فلا يستطيع البوح بكلمة.. فى حضرتها ينسى من هو ماهر الذى كان.. ليصبح ماهر اخر تماما.. ماهر لها وحدها و لم يكن لحظة لامرأة سواها..

اخيرا تنهد فى قلة حيلة و نهض يدفع بقدميه دفعا خلفها ليقف على باب غرفتهما ليراها تجلس فى هدوء على طرف فراشهما المزدان بغطائه الحريرى الوردى اللون و حولها تلك الهالة من القدسية و الطهر التى كانت و لاتزل تبهره و تدفع به للخرس التام فى حضرتها..
تحركت قدماه بشكل ألى و تردد لثانية قبل ان يجلس على طرف الفراش جوارها و يمد كفه اليمنى ليضعها على هامتها المنكسة خجلا هامسا بدعاء لتكون الزوجة الصالحة له:- اللهم أسألك خيرها و خير ما جبلتها عليه..

ظل صامتا و لم يكمل باقى الدعاء القائل.. و اعوذ بك من شرها و شر ما جبلتها عليه.. لترفع هامتها التى لازالت تحتفظ بكفه فوقها معتقدة انه نسى باقى الدعاء لتهمس:- مكملتش ليه!؟.. و اعوذ بك..
لم يمهلها الفرصة لتكمل مساعدة اياه بل اخفض كفه التى كانت على هامتها ليضعها مسرعا على شفتيها مانعا إياها من الاستطراد بباقى الدعاء الذى كان يعلمه.. فهو لم ينساه كما كانت تظن..

همس فى وجل و عينيه لا تستطع ان تحيد عن محياها الذى اخذ يتفرس فيه برهبة مجنونة و رغبة عاشقة:- انى منسيتش الدعاء.. بس كيف ياجى منيكِ شر.. دِه انتِ كل الخير يا هداية..
و ابتسم فى محبة طاغية فرفعت رأسها اكثر لتتلاقى نظراتهما متطلعة اليه فى عشق و لم تسطع ان تمنع تلك الدموع التى طفرت من عينيها بلا اى إرادة منها ليهتف هو جازعا:- واااه.. ليه البكا دلوجت..

و هم بان يمد كفه المرتعشة ليمسح دمعاتها الا انها همست متعجبة مما أوقف كفه فى منتصف الطريق:- انا كل دِه.. ليا انا الكلام دِه..
اكملت كفه طريقها لخديها ليمسح بكفه صفحة خدها و يزيل عنه الدموع ليعود صفحة ناصعة بلا اى مساحيق تجميل أبت على وضعها حتى فى ليلة كهذه و مع ذلك لازالت تحتفظ بجمالها الذى خلب له..

ليهمس:- ايوه.. انتِ كل دِه و اكتر كمان.. لو تعرفى انت بتعملى فيا ايه!؟..
همست بتعجب و اضطراب:- انى يا ماهر!؟..
كانت المرة الاولى التى يستمع فيها لإسمه من بين شفتيها ليصمت لثوان متطلعا اليها فى عشق و اخيرا يتنهد فى راحة:- ايوه يا هداية انتِ.. يا هدايتى..
ابتسمت فى حياء ليمد كفه محتضنا كفيها بين احضان كفه هامسا:- أوعدينى انك تفضلى دايما چنبى.. و انك مهما حصل هتفضلى معاى.. و انك لو شفتينى بشرد عن طريج ربنا تردينى..

رفعت رأسها و تلاقت نظراتهما هامسة:- أوعدك يا ماهر.. أوعدك ان هداية.. و ابتسمت مستطردة.. بت العمدة.. هتفضل على طول چنبك.. هتفضل على طوول هدايتك..
ابتسم مشاكسا و هو يهمس مقتربا اليها اكثر :- طب تسمح هداية بشوية چنان!؟..

نظرت اليه مبتعدة قليلا و قد تورد خداها خجلا:- جصدك ايه!؟..
هتف مقهقها و هو يجذبها ليضمها اليه:- جصدى اوريكِ يا بت العمدة ماهر بيحبك كد ايه..
و لم تستطع ان تعترض و لا بحرف.. و قد اكد لها كيف يمكن للهداية ان تنقلب لمجون عاشق فى لحظات..


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 05:51 صباحاً   [77]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل السابع والثلاثون

همست بالقرب من مسامعه بصوت رقيق النبرات:- الصلاة خير من النوووم..
ابتسم رغما عنه و فتح عينيه متطلعا اليها هامسا بدوره:- عارفة انتِ لو مؤذن.. و الله اللى يسمعك يروح فيها...
قهقهت لغزله الذى اشجاها ليهمس بدوره:- صباحية مباركة يا اچمل عروسة..
همست تغض الطرف فى حياء:- الله يبارك فيك
و استطردت :- إقامة الفچر خلاص.. مش هتجوم!؟..

همس ماهر معترضا و هو يدنو منها مشاكسا:- لاااه مش جايم الا لما اخد حجى ناشف..
عاودت قهقهاتها هاتفة:- بجولك ايه.. هو احنا بندوا الچايزة بعد العمل و لا جبله.. صل و تعال..
همس بشوق:- طب حتى علاوة تشچيعية.. اصلك انى اجوم من چارك دى حاچة عايزة همة كَبيرة سعادتك..
امسكت ضحكاتها هامسة:- لو ع العلاوة التشچيعية و ماله.. مش عيب..

و اقتربت تقبل جبينه فى سرعة مندفعة خارج الفراش لينهض هو الى الحمام هاتفا بنبرة مشاغبة:- احنا متفجناش على كِده.. بس و ماله مجبولة برضك..
خرج يقطر ماء منهيا وضوئه و تجهز للصلاة و ما ان هم بالخروج حتى اندفعت خلفه هاتفه:- ماهر.. استنى.
توقف متطلعا اليها و هى تقف قبالته تحمل زجاجة من مسك تعطر به جلبابه و ما ان انتهت حتى همست فى فرحة:- خلصت..
همس و هو يقترب منها فى عشق:- ده انى اللى خِلصت..
هتفت مبتعدة فى عتب:- ماهر.. صلاة الفچر!؟..

تنبه ان الوقت حان لذهابه و الا لن يلحق بصلاة الجماعة فاندفع باتجاه باب شقته مغادرا و قبل ان يهم بغلق الباب خلفه تطلع اليها معلنا فى عابثة نافذة الصبر:- انى نازل.. بس و الله لما ارچع لواخد كل الچوايز و العلاوات التشچيعية اللى خلجها ربنا.
قهقهاتها التى ودعته بها و هو فى سبيله للصلاة كانت سامره و هو فى طريقه للمسجد.. طريق الهداية..

وصل مهران لذاك العنوان الذى أعطاه حازم.. محل إقامة صاحب رقم الهاتف الذى نال الهوارية و التهامية من افعاله الخسيسة كفايتهم.. و عليه ان يدفع ثمن افعاله و التى كان أول المتضررين منها فأشهر زواجه الاولى التى كانت من المفترض ان تكون اروع أشهر تمناها فى حياته انقلبت كابوس بسبب ذاك النذل الذى لا يعلم ما سبب افعاله تلك..

طرق باب شقة الرجل و انتظر حتى اجاب من بالداخل..و خرج صاحب البيت متسائلا:- حضرتك عايز مين!؟
هتف مهران:- عفيفى محروس.. حضرتك !؟..
اكد الرجل:- ايوه انا.. حضرتك مين!؟..

هتف مهران محاولا السيطرة على أعصابه و عدم التهجم على الرجل بغية انتزاع اعتراف منه عما قام به فى حق عائلته:- انت متعرفنيش.. بس نمرة الموبيل دى بضايجنى كَتير و لما اطجست عرفت انك صاحبها.. كنت هجدم فيك بلاغ بس جلت الطيب احسن و اچى اكلمك الاول..
تلجلج الرجل و اضطرب هاتفا:- نمرة ايه !؟.. انت جاى تتبلى عليا..!؟
انا معرفكش و لا اعرف اى نمر..

اندفع مهران متخطيا عتبة بيت الرجل ممسكا بتلابيه و قد بدأ يفقد أعصابه هاتفا و هو يجز على اسنانه غضبا:- بجول لك..النمرة نمرتك و بأسمك و لو مجلتش انت بتعمل اللى بتعمله ده ليه و لمصلحة مين و الله لهدفنك مطرحك..

و اخرج مهران سلاحه ترهيبا للرجل الذى انتفض فى ذعر هاتفا:- و الله ما اعرف.. اقسم بالله ما اعرف صاحب النمرة الحقيقى.. هو خلانى اشترى النمرة بأسمى و هو بيستعملها و كل شهر يبعت لى مبلغ محترم ع البريد لكن لا عمرى شفته و لا اعرف حتى اسمه الحقيقى..

استشعر مهران الصدق فى حديث الرجل فدفعه بعيدا عنه و دس سلاحه فى موضعه و هتف محذرا:- لو عرفت انك ليك مصلحة او تعرف هو مين و مجلتش متلومش الا روحك..
اقسم الرجل هاتفا:- و عهد الله ما اعرفه.. و لو اعرفه هقولك على طول يا بيه.. هو العمر بعزقة..!؟
ده انا ممكن اروح ف حديد.. انا عملت كده م الحوجة لكن لو الليلة دى هضيعنى.. بلاها.. انا عندى عيال عايز اربيها يا باشا..

تطلع مهران لإثاث البيت المهترئ و أيقن ان الرجل صادق بكل كلمة تفوه بها فأخرج بعض من نقود وضعها فى كفه مطبقا إياها هاتفا:- ربنا يعينك على حالك.. بس لو عرفت حاچة عن صاحب النمرة بلغنى.. ادى نمرتى اهى..
واعطاه مهران رقم هاتفه و ترك الرجل يدعو ممتنا لكرم مهران و سخائه مؤكدا على ابلاغه اذا ما جد جديد..

هتفت كسبانة فى عتاب:- هو ينفع كِده يا بتى !؟.
انت مبتحطيش الذاد ف چوفك و انتِ بترضعى.. طب عشان خاطر يونس الصغير.. خدى يا بتى من يدى متغلبنيش..
كانت كسبانة تمد يدها بملعقة من الحساء و قطعة من الدجاج لتتناولها عائشة بغية تغذيتها بعد ولادتها الصعبة تلك.. لكن عائشة كانت ترفض الطعام و غير قادرة على تناوله بأى شكل..

اندفع حامد لداخل الغرفة هاتفا فى نبرة مازحة كعادته:- مين اللى مش عايز ياكل دِه !؟.. هو حد يجول للأكل لاااه..
و استطرد و هو يتناول صينية الطعام من على حجر امه لتنهض هى تاركة طرف الفراش حيث كانت تجلس بجوار عائشة ليجلس بدلا منها واضعا صينية الطعام على حجره بدوره هاتفا مدعيا الجدية:- انزلى ياما هاتى خرطوم من تحت عشان اللى مش راضى ياكل ليا صرفة تانية معاه..

انفجرت كسبانة ضاحكة و هتفت فى تضرع:- أكلها حاچة يا حامد.. و الله كِده ما ينفع.. ترضع الواد ازاى دلوجت!؟..
هتف حامد متصنعا الفخر:- عيب يا حاچة دِه انتِ بتكلمى ولدك.. يعنى سيد الرچالة..يعنى اللى مرته متجدرش تكسر له كلمة..يعنى السيطرة كلها..
و استطرد فى اعتزاز و هو يرفع ملعقة الطعام الى فمها هاتفا فى نبرة مازحة:- مش كِده يا مرتى!؟..
أزاحت عائشة بوجهها بعيدا عن مسار الملعقة و هتفت بغية معاندته:- لااااه.

انفجرت كسبانة مقهقهة وهتفت فى سخرية:- ياعينى ع السيطرة اللى موردتش على حد.. عوض عليا عوض الصابرين يا رب..
و اندفعت تحمل يونس الصغير فى سعادة و تهبط الدرج الى الأسفل لتهمس عائشة و هى تراه لايزل يحمل الملعقة فى سبيله لإطعامها:- امك نزلت خلاص.. مفيش داعى للى بتعمله دِه..

تطلع اليها فى ضيق هامسا:- و هو انى لما اهتم بأم ولدى يبجى لازما يكون جدام امى بس!؟..
قاومت نبرة الحنان التى يقطر بها كلامه رغم انه مخلوطا بضيق لملاحظتها و بدأت فى التحرك ببطء حتى تنزل عن الفراش بغية الذهاب للحمام..
تطلع اليها و الى كبريائها الحمقاء و رأسها العنيد الذى يرفض اى مساعدة تذكر منه..

ترك صينية الطعام على احدى الطاولات و ظل يتابعها وجلا بعينيه و هى تتلمس الأركان و الحوائط تتخدها داعما لحركتها البطيئة.. ما عاد قادرًا على تركها تعذب نفسها بهذا الشكل و جرحها لم يندمل بعض و قلة الطعام تتركها شاحبة غير متوازنة.. اندفع اليها و ما شعر الا و هو يحملها فى رفق بين ذراعيه لتشهق هى فى صدمة مصحوبة بألم والذى كتمته فى كبر حتى لا يدركه..
همست فى وهن:- لو سمحت يا حامد نزلنى.. انى تعبانة و مش..

قاطعها هامسا:- ما هو عشان تعبانة لازما حد يساعدك.. افرضى الچرح اتفتح دلوجتى.. هايبجى حلو يعنى.. و بعدين طالما انتِ لسه تعبانة يبقى اعتبرينى الموصلاتى بتاعك لحد ما تخفى.. اتفجنا!؟..
اكدت فى انفة:- لاااه متفجناش..
كان قد وصل بها لباب الحمام ليظل ممسكا بها لا يطلقها و هتف
مشاكسا:- هتجولى اتفجنا و لا ادخل و اعسكر چوه الحمام لحد ما توافجى!؟..

هتفت فى ذعر و هى تدرك تماما انه قادر على اتيان ما عزم عليه:- لااااه.. خلاص اتفجنا..
ابتسم فى نصر و هو ينزلها على عتبة الحمام و يستند على قائم الباب فى لامبالاة لتهتف هى متعجبة:- انت هاتفضل واجف كِده!؟..
اومأ برأسه مؤكدا:- ايوه.. عِندك مانع.. هستنى لما تخلصى عشان ارچعك الأوضة.. و هتاكلى.. سمعانى..
اندفعت هاتفة فى تهور و هى
تتوعده:- تحكماتك زادت يا واد كسبانة..

انفجر ضاحكا مما شجن ندى داخلها و هى تتطلع اليه منتشيا بهذا الشكل ليهتف و هو يعشق روحها المتحدية تلك و التى كان من النادر ظهورها سابقا:- بجولك ايه!؟.. انى معنديش حريم تجول لاااه..

ضيقت عينيها و هى تتطلع اليه تذكره انها قالتها امام امه منذ دقائق قليلة ليهتف هو مستطردا فى مشاكسة:- الا جدام امى بس..
لم تستطع ان تكبح جماح تلك الضحكات التى كادت تطلقها رغما عنها لمزاحه فأندفعت تغلق باب الحمام دونه و هى تكاد تموت ألما من جراء قهقهاتها التى ما عادت قادرة على كتمانها...

دخل الدار التى اشتراها من عائلة منصور تلك العائلة التى تكن للهوارية بغضا و ضغينة لا حدود لهما..
تخطى عتبتها و تطلع حوله فى ثقة و قد اصر على رؤية الدار و هل تليق بأستقبال امه ام لا.. عمل على تجهيزها بكل ما يلزم حالتها.. احضر لها ممرضة مقيمة معها و خادمات من خارج النجع.. و تعهد اولاد منصور على حمايته و حماية داره فى غيابه على مدار اليوم صباحا و مساء فأصبحت الدار مدججة بالرجال يحاوطونها كالسوار حول معصم.. و هو بالطبع لم يبخل فى تقديم المال الكافى ليطيعوا رغبة فى إرضائه و الحصول على مزيد من تلك النقود التى لا تنفذ فقد كان معروف ان تلك العائلة تبيع كل غال و نفيس فى سبيل حفنة جنيهات..

كما انه سيلجأ اليهم وقت الحاجة عندما تحتدم الامور بينه و بين الهوارية و ذاك الصدام قادم لا محالة فهو لن يقف متفرجا بعد الان عليه التحرك سريعا قبل افتضاح امره و العمل على تنفيذ خطته و الخلاص من رأس الحية و كبير الهوارية عاصم الهوارى.. عليه اخذ بثأره منه بعد كل ما حاق بأبيه سليم الهوارى من ظلم على يد ذاك الطاغية و ما زاد و فاض ما قاموا به تجاه امه التى كان يظن عمره كله انها رحلت بغير رجعة و فارقت الحياة للأبد.. لن يرحمهم.. لن يترك عاصم يهنأ ثانية بعد كل هذا و لن يرحم احدا..

شعر انه بحاجة للحديث مع احدهم.. هو يعلم من يحتاجه بالتحديد.. انها هى.. ثريا.. بعد ان تركها فى المرة الاخيرة عند العشة التى كانت لأمه و هو لم يرها و لم يحادثها حتى هاتفيا
كانت صدمة إيجاده لأمه و رغبته فى شفائها و انشغاله بتدبير سكن مناسب لها داخل النجع قد احتل جُل وقته.. اما فى تلك اللحظة التى يشعر فيها بهذا الكم من الضيق و مثل هذا القدر من الاختناق.. لا يذكر الا إياها..

لكن ليتها تجيب.. انها لا تعرف الكثير عن ماضيه و لا تدرى ما عاناه.. هى كل ما تدركه انه شخص مريض بالانتقام و ان الهوارية ملائكة يمشون على الارض و لا يستحقون كل هذا القدر من الحقد و الكراهية..
معذورة.. هى لا تعلم.. عليه ان يتصل بها ليخبرها بكل جديد لعله يعرف خبرا يساعده فى ثأره الذى اعتقدت هى منذ حادثة حمزة ان ناره قد خمدت..

ألتقط هاتفه يبحث عن رقمها و ضغط الشاشة منتظرا ردها.. أجابت اخيرا بصوت ناعس أورثه اضطرابا لا يعرف كنهه لكنه رد فى ثبات يحسد عليه هاتفا:- انا أسف لو اتصلت ف وقت غير مناسب..
ردت بلهجة رسمية كعادتها:- لا ابدا يا باشمهندس.. تحت امرك !؟.. و استطردت متسائلة:- انت هنا ف النچع و لا ف مصر!؟..
اكد:- انا هنا..ف بيت ولاد منصور اللى كانوا عرضينه للبيع و انا اشتريته و جبت امى فيه..

هتفت صارخة:- ولاد منصور !؟.. انت عارف انت بتعمل ايه !؟.. و عارف دول مين من الاساس !؟..
اكد هاتفا فى هدوء و نبرة ثابتة:- ايوه عارف.. و محدش هاينفعنى غيرهم لو حد حاول يمسنى...
هتفت فى غيظ:- ولاد منصور دول المتغطى بيهم عريان.. اسمع كلامى.. بلاها العيلة دى..
اكد فى عزم:- انا مش هوصل للى انا عاوزه الا بمساعدة العيلة دى..
صرخت فى غضب:- يبجى بتكلمنى ليه !؟.. عايز منى ايه دلوجت !؟..

اكد فى هدوء رغم ثورتها:- عايزك تبقى تيجى تاخدى بالك من امى و انا مش موجود.. انا جايب لها ممرضة مقيمة.. بس انا مش هستأمن عليها حد غيرك..
هدأت حدة ثورتها مع كلماته التى تنضح ثقة بها و هتفت فى قلة حيلة:- باذن الله يا باشمهندس.. اكيد هزورها و اطمن عليها..
أغلق الهاتف شاكرا و تطلعت هى للفراغ فى تيه و هى لا تدرك بالضبط ما عليها فعله جراء ما يحدث امامها من تصاعد مخيف للأحداث.. هل تقف متخذة دور المتفرج ام عليها ان تتحرك فى اتجاه اخر!؟.. هى لا تدرى.. حقا لا تدرى..

دخل المعلم خميس الى شقته قادما من القهوة من اجل وجبة الغذاء و القيلولة التى يأخذها بعد فترة الظهيرة ليجد نعمة و شيماء كل منهما تضع رأسها برأس الاخرى تتهامسا فى تخابث ليهتف ساخرا:- حاطين روسكم بروس بعض ليه !؟.. بتتودودوا على مين!؟.. حاكم انا عارف القعدة دى اخرها ايه..
انفجرت نعمة ضاحكة و هتفت مؤنبة فى دلال:- يعنى هنكون بنتودود على ايه !؟.. بنتى و بطمن عليها.. بتأكد ان العجل وقع..

هتفت شيماء مؤنبة نعمة بخجل:- اللاه.. كده برضو ياما.. ميتبلش ف بقك فولة.. و بعدين متقوليش عليه كده...
ابتسم خميس و قد ادرك مغزى كلمات
نعمة و إشارتها المبطنة لاستسلام ناصر لقلبه و إعلانه الولاء و الطاعة اخيرا لأمر الهوى..
هتفت نعمة فى نزق موجهة كلامها لشيماء:- لاااا.. بقولك ايه !؟.. ده ابنى و اقول عليه اللى انا عايزاه.. اااه..

قهقه خميس و هو يرى نعمة و قد تحولت فجأة من دور الام الرؤوم الناصحة لشيماء الى حماة عتيدة تأخذ بحقها من زوجة ولدها..
قرر إنهاء هذه المسرحية الهزلية و هتف بهما:- طب بقولكم ايه.. انا جعان و طالع اكل و استريح.. جهزوا الغدا ياللاه..
نهضت شيماء تساعد امها فى إعداد المائدة و ما ان هم الجميع بتناول الطعام حتى وجدتها نعمة لا تمد كفا الى صحن من الصحون فهتفت بها:- ايه يا بت.. ما تاكلى انت هتتعزمى و لا ايه !؟..

هتفت فى خجل:- لا مش هتعزم.. بس اصل مستنية ناصر نتعشى سوا.. هبقى اكل معاه..
ابتسم خميس فى سعادة هاتفا:- سبيها يا نعمة.. هى صح.. خليها تاكل مع جوزها..
ابتسمت نعمة و هى تضع لقمة بفمها هاتفة:- ربنا يهنى سعيد بسعيدة..
انهى خميس طعامه و دخل حجرته و أغلقها عليه لينعم بقيلولته المعتادة..

لم يمر وقت طويل حتى اندفع ناصر فى اتجاه بيته صاعدا الدرج فى لهفة طارقا على باب شقة ابيه.. فتحت نعمة و شيماء أتية تحمل صينية الشاي
فهتفت نعمة متعجبة لمجيئه فهذا ليس وقت رجوعه المعتاد من ورشته:- خير يا ناصر ايه اللى جابك بدرى كده!؟..
تلجلج ناصر مدعيا العجلة هاتفا:- ابدا ياما..رجعت أدور على حاجة فوق ف الشقة.. تعالى يا شيماء دورى عليها يمكن تكونى شيلتيها ف حتة و انا معرفش..
ابتسمت نعمة فى خبث متفهمة و هتفت فى شيماء أمرة:- اطلعى دورى مع جوزك ع اللى بيدور عليه و هو مش عارف هو ايه..

خرجت شيماء تتبعه لشقتهما بالأعلى تلاحقها ضحكات نعمة الماجنة..
ما ان وصلا للأعلى حتى هتفت شيماء فى تعجب و هى تدلف لداخل الشقة:- حاجة ايه يا ناصر اللى بتدور عليها !؟.. انت نسيت حاجة م الورشة هنا و لا ايه!؟..
اقترب منها فى شوق هاتفا:- اه نسيت.. و نسيت حاجة مهمة كمان..
اقتربت منه فى سعادة هامسة فى دلال:- نسيت ايه !؟..

هتف و هو يضمها اليه:- نسيت روحى معاكِ.. و مش قادر اقعد على بعضى ف الورشة من غير ما اطلع اشوفك..
تعلقت برقبته فى فرحة هاتفة:- بحبك قووى يا ناصر.. انا مكنتش اعرف انى بحبك قووى كده..
ضمها اليه يخبئها بأحضانه و يعتصرها بين ذراعيه هامسا:-انا لو مكنتش اتجوزتك كان ممكن يحصل لى حاجة.. انا ربيتك على ايدى و مكنتش بستحمل عليك ِ الهوا الطاير.. لو حد كان قالى شوشو دى ايه بالنسبة لك كنت قولتله دى الهوا اللى بتنفسه..

دمعت عيناها و هى تتشبث بأحضانه حيث تستشعر الأمان..
فجأة حملها فى اتجاه غرفتهما هامسا:- وحشتينى..
همست مؤنبة:- ناصر.. امى مستنيانى تحت..
همس ساخرا:- لا متقلقيش.. امك عارفة انك هتتأخرى و انت بتدورى معايا على اللى ضايع و انا مش عارف هو ايه..
انفجرت شيماء مقهقهة و هتفت:- اتفضحنا يا بوالنصر..
قهقه بدوره هاتفا و هو يغيبها بين ذراعيه فى لهفة:- احلى فضيحة ف الدنيا..

دخل ماجد السراىّ صارخا فى غضب و ايمان تندفع خلفه تحاول تهدئته:- لااا.. ما هو كده كتير و عهد الله ده كتير..
اندفعت زهرة من الداخل على صوت صرخات ماجد الغاضبة و توقفت امامهما فى تيه هاتفة:- فى ايه يا ولاد!؟.. ايه اللى حصل بالظبط !؟..
هتف ماجد فى حنق:- انا بس عايز اعرف اعمل ايه تانى!؟.. خطوبة و خطبنا.. كتب كتاب و كتبنا..
ايه بقى !؟ هو احنا لازم نخلف لنا عيلين نروح بيهم الجامعة عشان مفيش حد يجى يطلبها منى !؟..

انفجرت زهرة ضاحكة غير قادرة على كبح جماح قهقهاتها بينما هتفت ايمان بهدوء سعيدة بغيرته عليها:- طب اعمل ايه يا مرت خالى.. انا مالى طيب !؟..
هدأت قهقهات زهرة لتهتف محاولة امتصاص غضب ولدها الثائر:- الصراحة يا ماجد ايمان ملهاش ذنب.. يعنى بجد تعمل لك ايه !؟..
هتف ماجد حانقا:- معرفش.. مليش فيه..
هتفت ايمان متصنعة الحزن:- خلاص يا مرت خالى انى مش هروح الكلية تانى عشان ماچد يرتاح..

هتفت زهرة معاتبة:- ايه الكلام ده يا ايمان !؟.. هو ده ينفع برضو!..
و نظرت زهرة لماجد حتى يقول اى شئ يطيب بخاطر ايمان فتنبه هاتفا فى هدوء مناقض لصرخاته السابقة و هو يمرر أصابعه بخصلات شعره فى اضطراب:- لااا طبعا مش للدرجة دى.. جامعة ايه اللى متروحيهاش !؟.
انا بس.. يعنى.. خلاص حصل خير..

غمزت له زهرة و انصرفت تحضر لهما بعض العصائر فتفهم الامر و ابتسم مقتربا لإيمان التى ظلت منكسة رأسها فى استسلام و همس فى مشاكسة:- لسه زعلانة !؟..
هزت رأسها نفيا فأستطرد ممعنا فى مشاكسته:- لا خليكى لسه زعلانة عشان أصالحك بطريقتى..
و اقترب منها بشكل خطر فأنتفضت ايمان مبتعدة تنظر اليه شذرا هامسة:- حاول بس و هتشوف هيحصل لك ايه!؟..
قهقه مقتربا من جديد:- ايه يا مونى ده انا جوزك يا جميل !؟..

همست بحزم و هى تجز أسنانها:- لما ابجى ف بيتك.. جبل كِده متحلمش..
هتف ماجد مقهقها:- ملكيش ف الطيب نصيب.. ده انا كنت هعلمك ضرب النار..
هتفت ساخرة:- لما تبجى الحرب تجوم نبجى نشوف ازاى نستغل خدماتك..
قهقه ماجد من جديد و زهرة تظهر بصينية المشروبات هامسا بالقرب منها و هو يتوجه ليتناول نصيبه من العصير:- بكرة تندم يا جميل..
ابتسمت رغما عنها و توجهت لتتناول نصيبها من العصير بدورها..

كانت تجلس فى اضطراب عيناها معلقة بالمجلس المنعقد بالأسفل تتطلع اليه خلسة من خلف خصاص نافذتها.. طال الوقت و ما عادت تدرى ما الذى يحدث بالضبط حتى رن هاتفها فذهبت لترد فى عجالة حتى تتفرغ من جديد لمتابعة الموقف بالأسفل حيث حازم و خالها زكريا بصحبة ابيها و باسل اخيها لخطبتها.. كان رقم غريب غير معنون باسم..ردت فى تحفظ:- الو..

همس لها الصوت على الجانب الاخر فى لهفة:- مبروك..
اضطربت و ما عادت تدرى بما تجيب.. كان ذاك صوته الرخيم الذى يأتيها عبر الهاتف ليفعل ما بدا له بذاك الخافق بين جنباتها.. استجمعت احرف الأبجدية التى تاهت منها للحظات لتهمس بصوت مضطرب:- الله يبارك فيك..بس انت چبت رقمى منين !؟..
همس مؤكدا:- من باسل..ربنا يباركله..و استطرد بعد فترة صمت هامسا باسمها فى شوق:- تسبيح..

كانت المرة الاولى التى ينطق اسمها دون لقب يسبقه.. كان اسمها مجردا من بين شفتيه له وقع اخر لم تدركه من قبل.. وقع كدبيب رقيق على جدران القلب يربكه و يجعله ينتفض فى رهبة لذيذة كما تستشعره الان.. ردت بصوت متحشرج تأثرا:- نعم..
سأل متلهفا:- مش هاتتزلى عشان تسلمى علينا..
اكدت:- مينفعش طالما ان محدش ناداني..

سأل معاتبا:- و لا حتى عشان تسلمى ع الحاج زكريا اللى جه من اخر الدنيا ده !؟..
اكدت بدورها:- خالى زكريا مش غريب لازم ادخل اسلم عليه عشان يشوف عروسة ابنه.. هو عارفنى كويس..
اكد مازحا:- على فكرة.. بيقولك تسلم ايدك.. البسبوسة عجبته جدااا.. اول ما شافها بصلى و قعد يضحك..
ابتسمت بدورها و لم تعقب.. ليستطرد هو فى لهفة:- تسبيح.. انتِ مش هتنزلى شوية طيب.. اشوفك بس..
سألت بغية اغاظته:- ليه !؟..

قرر رد الصاع صاعين فهتف مغيظا إياها :- ابدا.. كان عندى ضرس واجعنى شوية و عايزك تشوفيه..
هتفت فى حنق :- نعممم..
قهقه فى سعادة:- خلاااص.. انا بقول تخليكِ عندك احسن.. كده لو نزلتى انا متأكد ان سنانى عليا العوض فيهم.
قهقهت بدورها هاتفة:- انا بجول كِده برضك..
هتف عندما شعر ان الرجال على الجانب الاخر ينهون حديثهم:- بقولك ايه !؟..

همست من جديد:- نعم..
اكد هاتفا على عجالة:- بصى م الشباك اشوفك حتى و لو من بعيد قبل ما أمشى..
ابتسمت رغما عنها فى سعادة هامسة:- حاضر.
و سمعته يعترض فى غيظ:- و الله ده حرام ده انا كنت بشوفك اكتر من كِده قبل ما نقرا الفاتحة..
قهقهت هاتفة:- النظام عندينا كده.. عچبك و لا ترچع ف كلامك!؟..

همس بشوق:- ارجع ف كلامى ايه!؟.. ده انا ما صدقت..
ثم استطرد فى عجلة:- احنا ماشيين.. اقولك سلام عليكم..
همست و هى تتطلع من نافذتها:- و عليكم السلام..
خرج هو و ابيه من دار ابيها متطلعا فى لهفة حيث نافذتها و ما ان رأها تطل منها على استحياء حتى شعر اخيرا بالراحة و رحل و قد ادرك انه ما ترك قلبه بمفرده مع تلك الشقية هناك بل ترك بصحبته روحه و عقله و الباقى من اتزانه و رزانته..

اندفع الى داخل حجرته هاتفا فى عجالة:- اوعى تكونى صليتِ السُنة من غيرى !؟..
ابتسمت تسنيم فى سعادة هامسة:- هو انا اچدر يا شيخ..
كان دوما ما يجعل لبيته نصيب من صلاته بصحبتها بعد انقضاء الفرض جماعة فى المسجد..
انهيا صلاتهما و جاء دور الورد اليومى من القران الكريم.. كان دورها لتردد على مسامعه ما تحفظ.. فاستدار متطلعا اليها هاتفا:- دورك تسمعى النهاردة.. هاااا..وصلنا لفين!؟..

ردت برقم الآية و اسم الصورة ليومئ برأسه مشجعا إياها على الأسترسال.. بدأت فى التسميع بصوت رخيم أشعره بدفء بدأ يسرى بأوصاله.. فتمدد يلقى برأسه فى حجرها لتضطرب فى خجل كعادتها هامسة:- ينفع الدلع ده يا شيخ مهران!؟..
ابتسم رافعا ناظريه متطلعا اليها:- الشيخ يعمل اللى هو عايزه و انت تسمعى من سكات.. و الا..
و لوح بالسواك الذى يحمله دوما بكفه متصنعا التهديد بالعقاب.. فقهقت هامسة فى دلال:- و اهون عليك يا شيخ !؟..

اضطرب لرقتها فهتف متصنعا
الشدة:- اهاا.. شوفوا مين اللى بيدلع دلوجت !؟..سمعى..
همست بالآية الكريمة:- نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ..
هتف منتفضا:- صدق الله العظيم.. و اندفع حاملا إياها فهتفت متعجبة:- بتعمل ايه يا شيخ!؟..

همس مشاكسا إياها:- بنفذ كلام ربنا.. اعترضى !؟..
قهقهت هامسة:- اللهم لا اعتراض.. لما نشوف اخرة دلع المشايخ..
همس يغيبها بين ذراعيه:- هو فى احلى من دلع المشايخ.. ايش فهمك انت ِ..
لتعلو ضحكاتها من جديد فى سعادة..

هبطت الدرج من شقتها بغية الحصول على قليل من النعناع لغليه حتى تهدأ ألام معدة يونس الصغير و يستطيع النوم و لو قليلا.. دخلت الشقة فى هدوء و تقدمت ناحية المطبخ لتحصل على بغيتها و ما ان عادت حتى سمعت صوت زوجها حامد يعلو قليلا عن المعتاد فى غرفته القديمة التى اصبحت اليوم غرفة لحمزة اخيه حين يعود لبضع ايّام زائرا من الاسكندرية..

تقدمت رغما عنها لا تعلم ما الذى دفعها لذلك و هى تستشعر بشكل غريزى ان اسمها يتردد على مسامعها من خلف جدران تلك الغرفة.. وقفت على بابها و صدق حدسها و هى تسمع حمزة هاتفا:- عيشة ما تستاهلش منك كِده يا حامد..دى بجد بتحبك.
ابتسم حامد لإخيه هاتفا بشكل ساخر متعجبا:- اخيرا حمزة جلب الأسد بيتكلم عن الحب!.. انت اخر واحد ف الدنيا دى كان ممكن اصدج انه يعترف بحاچة اسميها حب من اساسه.

تتهد حمزة فى قلة حيلة:- لاااه فيه حب.. و انى بعترف لك انى كنت غلطان..بس سيبك منى دلوجت و جولى هاتعمل ايه فى سلوى و اللى جولتهولى عنها دِه!؟.. هاتتجوزها صح يا حامد!؟..
تنهد حامد هاتفا فى ثبات:- لااه.. مش هتچوزها.. عمرى ما هجدر أنسى اللى سمعته عن ابويا ف بيتها.. وابوها اللى مشفش حامد على حجيجته ساعتها و لا حتى فكر يدينى فرصة.. كل اللى همه وجتها كان حامد بن يونس السوابج.. لكن حامد نفسه مهمهوش ف حاچة.. ممكن يكون سلوى ملهاش ذنب و مغصوبة من أهلها بس المشكلة مبجتش فيها و لا في الظروف يا حمزة.. المشكلة بجيت فيا انى..

ارهفت عيشة السمع على الباب عندما بدأ صوت حامد يخفت و حمزة يسأله:- المشكلة فيك انت كيف يعنى!؟.. انى مستغربك.. مش دى سلوى اللى كنت هتموت روحك عليها!؟.. اهى چات لحد عِندك بعد طلاجها تجولك تعالى و ابوها وافج على چوازكم بعد اللى عملتوا معاها ف المستشفى..
هتف حامد متنهداً:- ايوه يا واد ابوى.. عندك حج ف ده كله.. بس المشكلة بجيت ف حامد و جلب حامد.. منكرش انى فرحت بموضوع سلوى ده يمكن عشان حسّيت انى كرمتى اتردت لى.. لكن انى بحبها يا حمزة..

هتف حمزة يتعجله:- ما ده اللى بجوله و اهى چاتك لحد عنديك و ابوها راضى..
هتف حامد مقرا فى صدق:- انى بحب عيشة يا حمزة.. بحبها بچد و عارف انى غلطت ف حجها كَتييير.. و عامل جدامها زى التلميذ الخايب اللى كنه اول مرة يحب.. كنت مع سلوى چرئ و الكلمة الحلوة دايما على لسانى.. لكن عيشة.. معرفش..

اول ما بطلع لها جدامى كنى اتخرست.. عينى بتبجى عليها و لسانى نفسه ينطج و يجول اللى ف جلبى و هى و لا كنها هنا من اساسه.. تعدى جصادى تبرچل حالى و اجف زى اللى لسانه أنشل و هى و لا دريانه باللى بيحصلى من اصله.. اعمل ايه ف حالى يا حمزة!؟.. هموت بجهرتى و هى و لا هى هنا..
انفجر حمزة ضاحكا و هتف ساخرا:- و بتسألنى انى تعمل ايه !؟.. چاى تسأل أخيب واحد ف الدنيا ف المواويل دى.. و الله احنا الاتنين عايزين لنا جاضى غرام يشوف لنا ايه اخرتها..

تنبهت عائشة لحركة ما داخل الغرفة فتوقعت ان احدهما فى سبيله للخروج منها فأندفعت مبتعدة لتصعد لشقتها و قد نسيت تماما امر النعناع و صغيرها الباكى و الذى دخلت غرفتها لتجده و قد غفا فى سكينة اخيرا.. جلست على طرف فراشها و اخذت تفكر فى ما سمعت و هى لا تصدق انها سمعته من الاساس.. حامد يحبها!.. انه حقا يحبها.. و تلك التى اعتقدت انها ستظل بينهما دوما و التى هتف بأسمها على مسامعها يوم ان اخذها للمرة الاولى و الاخيرة بين ذراعيه ها هى متاحة له لكنه رفض العودة اليها لانه يحبها هى..

تنهدت فى اضطراب فقد ظنت فى لحظة ما وعلى الرغم من قدر العشق الفائض فى قلبها تجاهه انها لن تسامحه ابدا.. لن تغفر له همسه على مسامعها بأسم حبيبته.. لكنها و فى تلك اللحظة.. و ما ان سمعت انه يعشقها هى و يتمناها هى.. حتى نسيت كل وجعها و حزنها و برأ جرح كبريائها و شُفيت كرامتها المطعونة.. تنهدت فى سعادة غير مصدقة أنها اخيرا حبيبته و نهضت كالممسوسة تقفز راقصة تدور حول نفسها فى أنحاء الغرفة كفراشة اخيرا عثرت على شعاع من نور لطالما تمنته فى ظلمة لياليها..


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 05:51 صباحاً   [78]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الثامن والثلاثون

تحركت باتجاه تلك الدار المشؤومة التى اشتراها سيد من اولاد منصور و ما ان همت بأول خطوة على درج الدار حتى استوقفها احدهم فى سخط هاتفا:- انت مين !؟.. و عايزة ايه !؟.
هتفت محاولة الظهور بمظهر الواثق:- انا الباشمهندسة ثريا.. اكيد الباشمهندس سيد جالكم انى هاچى ازور والدته !؟..
تنح ذاك الجلف جانبا مشيرا للداخل هاتفا:- اتفضلى..

دخلت فى رهبة تتطلع حولها تعاين المنزل من جميع جوانبه.. الدار مدججة بالرجال المسلحين و هذا لا ينذر بالخير ابدا..
توجهت الى اقرب حجرة و طلت داخلها لتجد سيدة ممدة على فراش وثير.. اقتربت منها فى قلق محاولة إيقاظها هامسة:- خالتى.. اصحى يا خالتى.. فوجى و جولى حاچة.. ولدك ف خطر.. چه للنار برچليه.. جومى يا خالتى..

كادت تبكى متوسلة لسيدة ان تستيقظ لكن هيهات.. مسحت دمعها الذى سال رغما عنها..و قررت ان تندفع راحلة فورا و إبلاغ عاصم الهوارى بما يحدث... لكن صوت الأعيرة النارية شل حركتها و جعلها تقف مشدوهة لا تأتى بأى رد فعل.. انتفضت سيدة بدورهاعندما سمعت الأعيرة بهذا القرب و كأنها تُطلق جوار اذنيها و بدأت تتشنج بشكل عجيب جعل ثريا تندفع اليها فى ذعر هاتفة:- خالتى سيدة !؟.. مالك.. فيكِ ايه !؟..

استمرت سيدة فى الارتجاف و هى تضع كفيها على اذنيها فى ذعر و اخيرا صرخت بصوت هادر لم يُسمع من هذه السيدة المستكينة منذ زمن طويل.. صرخة شقت الصخب الدائر بالخارج ليصمت الجميع و لا احد يعلم ما يحدث فى الداخل..
صرخة من جوف وجعها نادت بأسم واحد ثم فقدت وعيها:- سيييييد..

انتفضت ثريا تبحث عن جوالها تستدعى ولدها و هتفت ما ان اجاب على الطرف الاخر:- يا باشمهندس..خالتى سيدة شكلها اترعبت م صوت ضرب النار اللى ضربوه الرچالة حوالين الدار و اغمى عليها.. ألحقنى بسرعة..
انتفض مسرعا الى الدار فلحسن الحظ كان فعلا ف النجع و ليس بالقاهرة و لم ينس اصطحاب طبيبها المعالج.
اندفع ما ان وصل لداره برفقة الطبيب المعالج..

اتم الطبيب فحصه بعد ان استمع لكل الملابسات التى قصتها ثريا عن حالة سيدة و اخيرا هتف:- هاتبجى كويسة متجلجش.. واضح ان ضرب النار ده
رچع لها ذكريات صعبة عليها محدش يعرفها غيرها طبعا.. فى تطور ف الحالة و ان شاء الله يبجى للاحسن بس مش هانعرف ده الا لما تفوج بإذنالله.. انا أديتها حجنة مهدئة و هتنام شوية.. و هاتصحى احسن..

هتف سيد:- متشكر يا دكتور.. بس انت شايف انها هاتبقى بخير يعنى !؟
هتف الطبيب:- ان شاء الله.. كله هيبان لما تفوج بإذن الله..
اندفع سيد لخارج الدار و هتف فى كبير حراسه مناديا:- جعفر...
وما ان أتى حتى صرخ معاتبا:- مين اللى ضرب نار !؟.. مين اللى سمح لكم اصلا بضرب النار !؟..
هتف جعفر و الذى لم يكن الا احد أبناء اولاد منصور:- ضربنا نار لانه چتنا اخبار بتجول ان الهوارية كلهم ملمومين عشان فرح واد زكريا فجلنا ناخد احتياطنا..
عقد سيد حاجبيه مفكرا:- مين اللى بلغك الكلام ده !؟..

ابتسم جعفر فى سماجة:- عيب يا سيد بيه..هو دِه سؤال يتسأل برضك!؟..
هتف سيد:- طب استعدوا لأى حركة مش عادية..
اومأ جعفر برأسه فى إيجاب و اختفى من امام سيد الذى تطلع حوله فى حيرة لا يعلم ما الذى طرأ على حال امه..
و تطلع للأفق البعيد مستشعرا ان الامور لن تمضى على خير ابدا..
و يبدو ان كثير من المستور سوف يرفع عنه الستارفيبدو انه قد حان وقت الحساب.. و جاءت اللحظة التى يثأر فيها من الهوارية جميعهم و خاصة عاصم الهوارى جراء ما لحق بأبيه و امه من هذا الرجل الذى يعتقد نفسه آله يحكم و يتحكم فى مصائر البشر و ما عليهم الا السمع و الطاعة..

نظر فى عزم تجاه الأفق و هو يقسم انه لن يبرح هذا النجع حتى يحصل على مبتغاه و يقضى على عاصم الهوارى مهما كلفه الامر..

دق ناصر على باب شقة ابيه متوقعا انها ستكون اول وجه يطالعه ما ان يُفتح.. لكن امه كانت هى المطلة من الباب.. ابتسمت فى ترحاب ليدخل هو باحثا عنها بناظريه فى كافة الأرجاء..

تنبهت امه لنظراته و قبل ان يهتف مناديا باسمها لعلها بالمطبخ او ما شابه حتى قاطعته هاتفة:- شوشو مش هنا.. شوشو فوق ف شقتكم بتستريح.
هتف ناصر مذعورا:- بتستريح !؟.. ليه !؟..هى تعبانة و لا حاجة !؟..
ابتسمت نعمة و هى تراه قد انتقض متوجها ناحية الباب مغادرا لتلحق به رابتة على كتفه فى محبة هامسة:- متقلقش.. هى هتقولك كل حاجة..

و دمعت عينى نعمة فى شجن فهى تدرك تماما أهمية تلك اللحظات لكل امرأة تعشق زوجها.. تلك اللحظة التى لم يكتب لها الله يوما ان تعيشها لكنها عاشتها مع من تحب..

اندفع ناصر فى اتجاه شقته يعتلى الدرج فى اضطراب و سرعة..دلف للشقة و منها لحجرة النوم ليراها ممددة على الفراش.. اقترب منها و منحنيا و هو يمسح على جبينها فى رقة هامسا:- شوشو.. انتِ كويسة !؟. فى ايه !؟.
فتحت عيونها فى هدوء هامسة:- مفيش يا ناصر متقلقش.. انا بس تعبت شوية النهاردة و..
هتف يتعجلها فى قلق:- و ايه !؟.. قومى نروح لدكتور..

همست و ابتسامة على شفتيها:- ملوش داعى.. انا عرفت انا عندى ايه..
تطلع اليها فى تعجب لتهمس و هى تقترب برأسها من أذنه:- تحب تسميه ايه !؟..
هتف متعجبا متطلعا الى عمق عينيها الدامعة فرحا و هو لم يستوعب بعد ما كانت تحاول الإشارة اليه:- هو مين!؟..
همست هى و قد اتسعت ابتسامتها و تعلقت برقبته:- ولى العهد..

زاغت نظراته باضطراب على محياها و همس و كأنه ادرك اخيرا ما كانت تقصده:- انتِ حااامل !؟..
اومأت برأسها فى تأكيد تتطلع اليه فى عشق.. غاب للحظات فى تيه لا يدرى ما عليه فعله و هو غارق فى اضطرابه و اخيرا جذبها فى قوة مطوقا إياها بين ذراعيه.. و همس فى ابتهال:- الحمد لله يا رب.. الحمد لله.. عمرى ما تمنيت حاجة اكتر من انك تكونى ام عيالى..
كان لايزل يعتصرها بأحضانه يصلها ابتهاله همسا فيزيد عشقها لذاك الرجل الذى ما عادت تريد شيئا بهذه الدنيا الا إسعاده..

انتقض مهران فى زعر و هو يجيب حازم على الطرف الاخر من الهاتف:- انت بتجول ايه يا حازم!؟.. معجولة !؟..
اكد حازم:- ايوه يا مهران هى الحاجات دى فيها هزار..هو صاحب النمرة..
هتف مهران مصدوم:- سيد العشماوي !؟.. طب و ليه يعمل فينا كِده !؟..

هتف حازم:- انا معرفهوش شخصيا و لا حتى شفته الا مرة.. محدش يقدر يجاوبك على الأسئلة دى غير عمى عاصم.. اكيد فى سر ف الموضوع.
اكد مهران:- صح.. ابويا لازما يعرف.. انى رايح ابلغه و نشوف الأخ اللى طلع لينا ف البخت دِه ايه حكايته..
هتف حازم مودعا:- اكيد لازم تبلغه و انا ف الخدمة ف اى حاجة..انا اسف انى اتاخرت عليك بس انت عارف الظروف كانت ازاى..
هتف مهران ممتنا:- متجولش كِده..تسلم يا واد عمى و تعبناك.. لولاك مكناش عرفنا مين الأخ دِه.. تشكر يا بطل..

هتف حازم:- العفو يا مهران هو احنا بينا الكلام ده برضو.. سلام مؤقت لحد لما اجى اشوف حكاية الأخ ده..و طبعا هشوفك ف كتب الكتاب..
هتف مهران:- سلام عليكم.. و اكيد طبعا ده الهوارية كلهم هيكونوا هناك و انا و عمك عاصم أولهم.. الف مبروك يا عريس و ربنا يتمم لك على خير يا رب..
هتف حازم فى سعادة:- الله يبارك فيك..

أغلق مهران الهاتف و انتفض من موضعه مندفعا حيث ابوه عاصم الهوارى حتى يطلعه على الأمر و يروا كيف يمكن لهم التصرف مع هذا السيد الذى ظهر لهم من خلف استار الماضى و يبدو انه عاد لينتقم و يأخذ بثأر قديم لا علم لهم به من الاساس..

تسللت باحثة عنه حتى تكحل عينيها بمرأه الذى افتقدته و اشتاقته حد اللامعقول.. لقد وصلت مع ابيها لتوهم و لكنها لم تجده ف دار ابيه..
تراه اين يمكن ان يكون !؟.. و تذكرت عشقه لفرسته ذهبية التى دوما يذكرها و يفتقدها كثيرا عندما يكون هناك بالإسكندرية..
اندفعت بلا تفكير ناحية الاسطبلات باحثة عنه و بالفعل صدق حدسها فقد كان هناك.. يقف بالقرب من فرسته الجميلة تلك و يداعبها فى حنو بالغ أورثها غيرة حمقاء..

اقتربت فى هدوء و همست عندما اصبحت خلفه:- كنت متأكدة انى هلاقيك هنا.. ده نفس المكان اللى اتقابلنا فيه اول مرة.. فاكر!؟..
انتفض مستديرا يطالعها و قد اخذ يتطلع لمحياها الذى يعشق و الذى افتقده بحق تلك الأسابيع المنصرمة
و هتف ما ان جمع شتات نفسه المبعثرة فى حضرتها:- حمد الله بالسلامة يا هدير.. انتوا چيتوا امتى!؟..

لم ترد على تساؤله و كأنها لم تسمعه و هتفت فى امتعاض:- حمد الله ع السلامة يا هدير !؟.. مفيش وحشتينى يا هدير.. كنت هتجنن عشان اشوفك يا هدير...و الله هدير هتموت مقهورة..
هتف فى ذعر:- بعد الشر عليكِ..
لانت سرائرها و هى تدنو منه هامسة:- صحيح يا حمزة !؟..

هتف بدوره فى اضطراب و قد شعر انه وقع فى فخ رقتها من جديد:- صحيح ايه !؟..
همست بدلال:- صحيح خايف عليا !؟
اكد و هى يتوجه للجانب الاخر من الفرس محاولا الابتعاد و لو قليلا عن مجال تأثيرها:- ايوه طبعا.. مش بت عمى و مرتى..

كان يعدل السرج على ظهر الفرس محاولا الانشغال قدر الإمكان عن التطلع الى محياها.. لكن و بلا اى مقدمات وجد كائن صغير الحجم قصير القامة يقف منحصرا بينه و بين الفرس هامسا بالأسفل متوسلا مادا ذراعيه لأعلى كطفل متطلب:- حمزة.. ركبنى عشان خاطرى..
ابتعد متقهقرا خطوة و هو يتطلع لنظراتها المتوسلة لتستطرد:- عايزة اجرب اركبه مرة.. عشان خاطرى..
هل يمكن له ان يرفض مطلب عُرض عليه بكل هذا الكم من الرقة و الدلال!؟..

اقترب فى وجل و بلا ادنى مشقة طوق خصرها بكفيه و دفع بجسدها فوق ظهر الفرس..
تنهد هو و انفاسه تتلاحق و نظراته متعلقة بها لتبتسم هى فى سعادة غامرة هاتفة:- الله دى حلوة قووى.. انا عرفت دلوقتى انت بتحب الفرسة دى ليه !؟..
همس بصوت متحشرج يتذكر حادثة قديمة:- بس حاسبى تچرى على فچأة.. و..
هتفت تقاطعه فى مرح:- متخفش مش هقع من عليها.. اولا لانى بعرف اركب خيل.. ثانيا.. حتى و لو حصل ووقعت و جرى لى حاجة مش هاتبقى ملزم تتجوزنى.. لانك ادبست و اتجوزتنى فعلا..

ابتسم لمزاحها و هو يتطلع من موضعه الى تلك الرائعة بالأعلى و التى استطردت و قد تغيرت نبرة صوتها بشكل خطر جعل ضربات قلبه تزيد عن معدلها الطبيعى:- و الأهم من ده كله.. ان مش ممكن يحصل لى حاجة وحشة و انت جانبى يا حمزة..

وقف مشدوها بلا حراك حتى انه اقترب فى ألية دون اعتراض عندما مدت كفيها رغبة فى النزول عن صهوة الجواد.. احتضنت كفاه خصرها الدقيق من جديد و انزلها فى هوادة لتقف قبالته هامسة بصوت أذاب أعصابه:- حتى و لو مكنتش وحشتك انت وحشتنى قووى يا حمزة..

تساقطت دفاعاته واحدا تلو الاخر امام ذاك الشلال المتدفق من النعومة و ذاك الاقتراب النارى.. وما ان هم برفع رايات الاستسلام حتى تنبه لموضعهما داخل الإسطبل.. فتقهقر مبتعدا هامسا بصوت متحشرج:- ياللاه نرچعوا.. عشان نلحج نستعد للكتاب..

اكدت بإيماءة من رأسها و هى تسير خلفه تحاول اللحاق به بعد ان اندفع مبتعدا كمن تتعقبه الشياطين و ما ان اصبحت بمحازاته حتى تطلعت الى محياه المحبب تتشرب ملامحه السمراء و هى لا تدرى انها تفعل بذاك الرجل الصلب الافاعيل دون ان يكون لديها اية فكرة..

خرجت متسللة من الدار دون ان يدرك هو غيابها و قد قررت الاندفاع الى السراىّ لاخبار عاصم بكل ما يحدث.. فبعد ما رأت.. و تلك الكلمات التى تسللت لمسامعها بينه و بين ذاك المدعو جعفر ما عاد السكوت يجدى و كفاها دفن رأسها فى الرمال متجاهلة كل تلك الشواهد حتى تقع كارثة و ستكون لها يد فيها لانها لم تتكلم من البداية و تخير عاصم بما يجرى فى الخفاء..

اندفعت تجرى كالمذعورة بإتجاه السراىّ من ذاك المكان المتطرف بأخر النجع.. كادت انفاسها ان تنقطع
و قد وضعت اقدامها اخيرا على درجات سلم السراىّ مندفعة للداخل..
اتجهت لغرفة المكتب تلهث و قد سمعت صوت عاصم يعلو قادما من هناك.. ما ان اقتربت حتى سمعت مهران يخبره بما علم من حازم فيما يخص سيد.. استندت على الباب تلتقط انفاسها و عاصم يسأل مهران فى تعجب:- طب و ليه سيد العشماوى يعمل فينا كِده !؟..

اندفعت ثريا من الباب هاتفة:- عشان عايز ينتقم منكم يا عاصم بيه..
انتفض عاصم و مهران و ساد الصمت للحظات دنت فيها ثريا من مجلسهما و اتخذت مقعدا تستجمع نفسها حتى هتف عاصم اخيرا:- انتِ بتجولى ايه يا ثريا!؟..
اكدت بإيماءة من رأسها:- ايوه يا عاصم بيه.. سيد عايز ينتجم منك و من الهوارية كلهم..

هتف مهران مقاطعا إياها فى حنق:-و احنا عملناله ايه م الاساس !؟.. دِه احنا منعرفوش الا من كام شهر..
اكدت ثريا هاتفة:- سيد بن سليم الهوارى.. واد عمك يا عاصم بيه..
انتفض عاصم ناهضا فى صدمة:- انتِ بتجولى ايه !؟.. ولده كيف !؟..
سليم مخلفش الا حمزة من كسبانة..
و الكل عارف جصتها..

حركت رأسها نافية:- لاااه يا عاصم بيه.. سيد يبجى واد سليم الهوارى من سيدة بت حسنين الحاوى..
هتف عاصم متعجبا:- واد سيدة المجذوبة !؟.. كيف ده !؟.. و ميتا حصل !؟..
اكدت ثريا:- سليم الهوارى وعدها يتچوزها لما تروح معاه مصر هى و ابوها.. و صدجته و راحت و اتچوزها و خلف منيها سيد.. لكن ايه اللى حصل ف الفترة دى !؟.. و ايه اللى رچعها ع الحال دِه !؟.. هى الوحيدة اللى تجدر تچاوبك يا عاصم بيه..

ثم استطردت فى عجالة:- المهم دلوجت تلحجوه..
هتف مهران:- نلحجه كيف !؟.. هو انتِ تعرفى مكانه !؟..
هتفت:- ايوه.. اشترى دار ولاد منصور اللى ف اخر النچع..
انتفض عاصم من جديد هاتفا:- ولاد منصور !؟.. يا وجعة سودا.. ايه اللى وصله ليهم دوول!؟..
هتفت ثريا:- دوول بيحرسوه.. و بيحرسوا الدار.. و هو اللى راح اتفج معاهم على كِده.. على أساس انه عارف العداوة اللى بينكم و بينهم..

اندفع عاصم من خلف مكتبه مشيرا لمهران على عجل:- هم يا مهران.. هم اچمع الهوارية كلهم بسرعة.. الحكاية بينها واعرة و شكلنا داخلين على موال كَبير..
اندفع مهران ينفذ أوامر ابيه بينما هتفت ثريا فى نبرة منكسرة تشعر بذنب هائل يسربلها جراء سكوتها كل تلك الفترة:- انا آسفة يا عاصم بيه.. كان لازما أتكلم اول ما عرفت و اچى اجول لك كل حاچة.. بس..

شعر عاصم بما يعتمرها من ذنب و صراع داخلى فهتف بدوره:-الحمد لله يا بتى.. حصل خير.. المهم دلوجت نلحجه من يد ولاد منصور.. دول جتالين جتلة.. ربنا يسترها..
واندفع عاصم خارج مكتبه حتى مقاعد الاسطبلات ينتظر اجتماع الهوارية بينما هى فقد قررت ان لا قبل لها على الجلوس و الاكتفاء بدور المتفرج و هى تعلم انه بخطر هناك بين ايدى هؤلاء القتلة فقررت الاندفاع بدورها فى اتجاه دار اولاد منصور.. داره..
و ليكن ما يكون..

اندفع عاصم و ولده مهران باتجاه إسطبلات الهوارية حيث استدعى رجال الهوارية على عجالة بعد ان اخبره مهران و كذلك ثريا بكل ما كان من امر سيد العشماوي و الذى لا يعلم حتى الان ما الذى يكنه للهوارية و التهامية حتى يُلحق بهم كل هذا الاذى!؟..
حضر الجميع على عجالة فلابد ان الحدث جلل حتى يقوم عاصم الهوارى باستدعائهم بهذا الشكل الملح و فى ليلة عقد قران ابنة اخته سهام على بن زكريا الهوارى..

هتف عاصم بالتحية و من خلفه ابنه مهران لجمع الرجال الذى ازدحم المكان بهم و جلس الجميع فى ترقب
ليهتف احدهم فى قلق:- خير يابو مهران !؟.. لمتنا شكلها لحاچة كَبيرة..بس لعله خير !؟..
هتف عاصم متنهدا:- و الله يابو حسان كان نفسى اطمنك بس انى نفسى معرفش ايه اللى بيحصل دِه عشان كِده چمعتكم اشوركم يمكن حد يدلنى..
و استطرد عاصم هاتفا:- الصراحة كان فى سر كبير انى مخبيه عليكم من زمن و النهاردة بس لجيت ان السر دِه هاياجى من وراه مصيبة كَبيرة.. جلت لازما تعرفوه و اشوركم..

هتف احدهم:- وااه يا بومهران.. ايه فى !؟.. جلجتنا و الله..
سأل عاصم مستفسرًا:- حد يعرف سيد العشماوى !؟..
نظر كل منهما للأخر فى انتظار اجابة شافية على سؤال عاصم لكن كان النفى بهز الرأس هو الإجابة.. ليهتف عاصم من جديد:- متأكدين كلكم !؟..
هم الجميع بتأكيد عدم معرفتهم بذاك المدعو سيد الا ان احدهم هتف فى ثبات:- دِه عمل ايه يا عاصم !؟.. نورنا..

هتف مهران مؤكدا:- عمل بلاوى يا عمى صابر..بيعمل مصايب و يلبسها فينا يا هوارية.. عايز يضرنا منعرفش ليه و لا ايه غرضه من كِده!؟..
هتف احد الرجال بإنفعال:- دِه اتچنن باينه و لا ايه !؟.. عايز ايه منيكم البَعيد دِه..
هتف عاصم متنهدا:- عايز ينتجم يا هوارية.. الواد ده بن سليم واد عمى..

ارتفع صوت الهرج و المرج بين الجمع حتى هتف احدهم متسائلا:- واد سليم كيف !؟.. سليم الله يرحمه من زمن و كلنا عارفين انه مخلفش غير حمزة.. و كلنا حافظين الجصة الجديمة يابو مهران..

هتف عاصم:- ما هو ده السر اللى بجولكم عليه.. سليم مامتش يوم ما طبت عليه الحكومة ف الچبل.. لاااه.. كان عايش.. عرف يهرب منيهم و چالى يوميها.. باس على يدى و طلب انه يسيب النچع و ينزل على مصر و اجول انه مات لانه مش ناوى يرچع تانى.. حاولت اجوله يفضّل وسطينا بما يرضى الله لكنه كان خلاص ركب راسه مش عايز يسمع لحد.. طلب انه ياخد تمن ورثه من ابوه على أساس انى هشتريه منيه اديته كل اللى طلبه و وعدته انى اروح النيابة أتنازل عن البلاغ ضده عشان محدش يلحجه تانى..

و نفذت كل اللى طلبه بالحرف و هو كمان موراناش وشه من يوميها.. و ادفن السر ده و معرفش حتى انه مات م الاساس..و..
هتف احد الرجال من احد الأركان صارخا:-لاااه مات.. من عشر سنين.. دِه اخرة ظلمك يا هوارى و ربنا بعت لك اللى ياخد بحج سليم اللى ظلمته..

هنا لم يستطع عاصم الصمت اكثر من هذا و انتفض صارخا بصوت هادر اعاد لأذهانهم الغول على حق:- لاااااه.. الا الظلم.. يعلم الله انى مظلمتش سليم و لا كنت حابب تبجى نهايته كِده بس كان جدامكم كلكم لما ظهر زكريا و جلت نديله حجه رفض و عاند و ضربنى بالنار و اللى محدش يعرفه انى روحت النيابة و اتنازلت عن حجى عشان ميبجاش مطلوب ليهم و لكنه برضك محفظش الچميل و طلع الچبل مع ولاد الليل و جعد يجلع ف الزرع و يسم البهايم و يرازى ف خلج الله..

و ف يوم نزل م الچبل هربان م الحَكومة اللى كبست على ولاد الليل اللى كان موالس معاهم و زى ما جلت خرچ م النچع و من يوميها لا اعرف راح فين و لا اعرف فين أراضيه و لما عرفت بچوازه من ورانا و مرته چاتنا تستنچد اكرمناها و ولده اتربى وسطينا واحد م الهوارية... تاجى دلوجت يا سلمان تجولى ظلمته.. لو حد ظلم سليم يبجى هو اللى ظلم حاله و ظلم ولده سيد لانه مجلوش الحجيجة و عبا جلبه من ناحية أهله كره و انتجام.. و بعدين ام سيد دِه من النچع هنا و عارفة الحجيجة كلها و كان ممكن تجولها لولدها لولا ظروفها..

هتف احد الحضور:- امه كيف م النچع !؟.. تلاجيها من مصر..
هتف عاصم مؤكدا:- لااه.. امه م النچع.. امه تبجى سيدة.. بت الحاوى..
هتف الجمع متعجبا:- سيدة !؟.. سيدة المچذوبة !؟..
هتف عاصم:- ايوه هى.. اتچوزها بعد ما جال لها تسبجه هى و ابوها على مصر و خلف منيها الواد.. و لما رچعت معرفش ايه اللى حصلها خلاها ع الحال دى و مش معاها الواد كمان..

و استطرد عاصم امرا بصوت هادر كالرعد:- بجولكم ايه يا هوارية.. واد سليم لازما يعرف الحجيجة.. لازما يعرف ان اللى بيعمله دِه مش هيضره لوحده دِه هيضر بالهوارية كلهم.. انى رايح له مع مهران ولدى.. حد چاى معاى و لا مصدجين حكاوى سلمان..!؟
هتف رجال الهوارية فى ثقة:- معاك يابو مهران..

اكد عاصم:- يبجى نتچمع بعد كتب كتاب حازم واد زكريا و نروحوا كلنا..
هتف سلمان ساخرا:- انت عارف هو فين م الاساس يا عاصم!؟..
هتف عاصم مؤكدا:- ايوه اعرف.. اشترى بيت ولاد منصور اللى ف اخر النچع و جاهد ف حماهم مع امه..
هتف بعض الرجال:- ولاد منصور.. و ايه اللى وصل واد سليم ليدهم.!؟

هتف عاصم بغيظ:- بيصيدوا ف المية العكرة هيكون ايه يعنى!؟.. و هو مهما كان غريب برضك و ميعرفش هو حط يده ف يد مين.. عشان كِده لازما نلحجه من يدهم.. محدش عارف ماليين راسه بأيه تانى!؟..
ثم استطرد عاصم ناهضا فى عجالة:- ياللاه يا هوارية كلنا على كتب الكتاب و بعدها نتچمع و نشوفوا الموال دِه هيخلص على ايه..

هتف سلمان فى غيظ عندما وجد الهوارية كلهم على قلب رجل واحد خلف عاصم:- هتچر الهوارية لموال واعر جوووى يا كَبيرهم..
تجاهله عاصم راحلا وانفض الهوارية لحضور عقد قران حازم و تسبيح و قد عزموا امرهم على التوجه لسيد مهما كانت العواقب لكنهم لن يدعوا احدهم بين أيدي اولاد منصور مهما حدث..

أعلنت تلك الزغاريد الصادحة بالأسفل انه قد تم اخيرا عقد القران و اصبحت زوجته.. دق قلبها بعنف معلنا عن فرحة غير مسبوقة و هى لا تصدق انها أصبحت زوجته شرعا و قانونا امام الله و الناس و ان ذاك الذى خطف قلبها منذ وعته عيناها دون غيره من الرجال قد اضحى رجلها الأوحد.. تنهدت فى سعادة لتتغامز كل من سندس زوجة اخيها و تسنيم اختها على مظهرها الحالم و اخيرا اطلقتا الضحكات على شرودها الغير معتاد منها و هى التى لا ينفك لسانها عن إطلاق النكات و السخرية على خلق الله..

تنبهت لضحكاتهما و ايقنت إنهما يتغامزان عليها فعبست متصنعة الغضب هاتفة:- ايه!؟.. بتتمسخروا عليا!؟.. طب مبلاش ده كل واحدة فيكم سيديهاتها عندى..
انفجرت سندس و تسنيم فى الضحك من جديد و قد أيقن انها عادت لطبيعتها بعد ان أفلت لسانها بهذه الطريقة و هتفت سندس فى مرح:- الحمد لله اطمنا عليكى.. كنّا خايفين الصدمة تأثر على عقلك..

هتفت تسبيح بخيلاء:- صدمة ايه..!؟ ده انا جبلت اتچوزه شفجة لما عرفت انه بيموت فيا..
قهقهت الفتيات من جديد و لكنهن ألتزمن الصمت ما ان علا صوت باسل متنحنا هاتفا و هو يدخل الحجرة على اختيه و زوجه:- بجولكم ايه..
العريس عايز يبارك للعروسة.. تعالى معايا يا سندس و انت يا تسنيم شوفى چوزك فين..

اندفعت كل منهما تنفذ فى سرعة متجاهلات توسلات تسبيح للبقاء معها و عدم تركها بمفردها مع عريسها الا ان سندس هتفت متشفية فى مزاح:- مش اتجوزتيه شفقة.. قدميله حسنة لله بقى..اهو جاى ياخدها بنفسه..

جزت تسبيح على أسنانها غيظا و قهرا و هى ترى الجميع يتخلى عنها و يتركها و بدأت قدماها تخور قواها و لا تقدر على حملها فجلست على اقرب مقعد بعيدا عن الباب محاولة استعادة رباطة جأشها فهى المرة الاولى التى ستراه فيها بعد ان اصبح زوجها.. كادت تذوب خجلا لمجرد تذكر ذلك.. و تاهت فى خيلاتها الوردية و هى تترقب ظهوره على اعتاب حجرتها..

تلفت باسل فى حذّر و هو يشير لحازم لكى يمر مبتعدا عن مرأى النساء المجتمعات بالخارج و همس و هو يمرره لداخل غرفة اخته:- و الله ابوى لو علم ليطخنى عيارين و تبجى انت السبب..
همس حازم معترضا:- هو فى ايه يا باسل.. هى مش بقت مراتى يا جدعان..

هتف باسل:- مرتك دى لما تروح بيتك جبل كِده و لو كاتب ميت كتاب.. مليكش حاچة عندينا.. انى بس اللى جلبى رهيف و حاسس بالوچيعة اكمنى مچرب.. ادخل يا خوى و هى دجيجتين بالعدد و لو اتاخرت چوه انى اللى هبلغ ابوى بنفسى و اعمل فيها بطل..
ابتسم حازم و هو يربت على كتف باسل هاتفا:- مردودالك يا واد عمى.
ابتسم باسل بدوره مدعيا الذعر:- ربنا يسترها و متبجاش نهايتى على ايديكم.. انچز الله يسترك..
اندفع حازم مبتسما لداخل الغرفة و ترك الباب مواربا قليلا احتراما لوقوف باسل بالخارج..

تسمر فى موضعه و هو يراها تجلس فى ذاك الركن البعيد أشبه بلوحة فنية مكتملة الإبداع.. تاه فى حسنها للحظات ثم تذكر ان الوقت يمر و ذلك ليس فى صالحه و لا فى مصلحة ذلك المسكين الذى ينتظر بالخارج يقرأ الفاتحة مقدما على روحه الطاهرة.. تقدم نحوها و هو يضغط فى توتر على تلك العلبة الكرتونية الراقية التى يحملها بين كفيه حاملا بها هدية لها.

وقف قبالتها و همس فى صوت متحشرج تأثرا:- مبروك..
توقع ان ترفع رأسها مجيبة اياه الا ان الصمت كان المجيب الوحيد و ظلت على حالها منكسة الرأس فى حياء غير قادرة على التطلع اليه..
انحنى بجزعه و انخفض ليصبح بمحازاتها و هو يستند على احدى ركبتيه و مد كفه يرفع ذقنها ليرى عيونها الشقية التى يعشق.. لكنه رأى دموع تتأرجح بمآقيها.. عبس فى تعجب هامسا:- دموع ليه يا تسبيح !؟ كفاية دموع لحد كده.. ده احنا ما صدقنا..

حاولت الابتسام و مدت كفها تمسح تلك الدمعات اللاتى تساقطن رغما عنها قبل ان يستبيحن خديها
وضع الصندوق الكرتوني على حجرها و مد كفه يفتحه هامسا:- دى هدية ليكِ..
تطلعت لداخل الصندوق لتشهق فى سعادة و انبهار بمرأى محتواه
هاتفة:- دى ليا انا..!

اومأ مؤكدا فى سعادة فائقة و هو يرى ردة فعلها على هديته.. كادت ان تمد كفها لتخرجها من موضعها الا انه كان الأسبق ليمد هو كفه مخرجا ذاك الحذاء الفضى الرائع و الأشبه بحذاء سندريلا و امسك احدى فردتيه و انحنى مستأذنا و هو يضعه فى قدمها بسرعة حتى أنها شهقت مرتعدة عندما رأت ما يصنع.. هتفت متوسلة:- انت بتعمل ايه يا حازم!؟..

هتف غير مبالى بذعرها ممسكا بالفردة الاخرى و انحنى من جديد يمد كفه ليلبسها إياها هاتفا فى مشاكسة غير معتادة على مسامعها:- ايه !؟.. هو انا لو جبت أسورة ولا خاتم مش كنت هلبسهملك برضة!؟.. يبقى ايه الفرق بقى..
كان منطقه لا يقبل الجدل او المناقشة و ما أعطاها هو فرصة من الاساس لتجادل بل جذبها لتنهض لتكون قبالته تماما لا يفصلهما الا سنتيمترات قليلة فهمس هو فى شوق متطلعا لعيونها الحائرة رغبة و رهبة:- امتى يجى بعد بكرة !؟..

و انحنى مقبلا جبينها فى نعومة فأنتفضت مبتعدة فى توتر و اضطراب و كادت تسقط على المقعد خلفها الا انه أعادها لموضعها من جديد لتصطدم بصدره شاهقة ليتطلع اليها بنظرات عاشق ما عاد بوسعه الابتعاد لكنه رغم ذلك هتف و هو يجذب نفسه بأعجوبة من امامها:- انا همشى دلوقتى عشان اخوكِ الغلبان اللى مستنى بره ده لكن و الله لو عليا ما اخرج من هنا و لو الدنيا ولعت..

انفجرت ضاحكة رغما عنها ليستدير اليها من جديد متطلعا الى ثغرها البسام و اشراقة وجهها الندى ليتنهد فى قلة حيلة و يندفع للخارج دون ان ينبس بحرف واحد..

تسمرت فى موضعها للحظات و هى لا تصدق انه كان هنا و مدت كفها تضعها على موضع قبلته على جبينها لتتنهد فى عدم تصديق و اخيرا تنبهت للحذاء الفضى الرائع الذى ترتديه و الذى سيتواءم بشكل لا يُصدَّق مع ثوب زفافها الذى يحمل الكثير من الخطوط الفضية.. تحركت به فى حذّر خوفا من ان تسقط ارضا فهذه هى المرة الاولى التى ترتدى فيها حذاء ذو كعب عال نظرا لحال قدمها المصابة و التى ترتدى لأجلها احذية منخفضة و مريحة..

و لكم احزنها الا ترتدى حذاء ذو كعب عال فى يوم زفافها و هى التى حلمت به طوال عمرها و ظل هذا الحلم دفينا بداخلها لم تطلع عليه احدا حتى و لا اقرب الناس اليها..

الان تراه يحقق لها حلمها بالحصول على واحد مخصوص لأجلها.. لكن السؤال هو.. هل ستستطيع السير به دون قلق و لن يمثل ارتدائه عبءً على قدمها!؟..
تحركت بغية الحصول على اجابة و لم تكد تخطو اولى خطواتها حتى تعجبت من حالها و هى تسير فيه بمثل تلك السهولة و اليسر و تطلعت لحالها فى سعادة و وقفت امام المرآة غير مصدقة ان تلك الفتاة مكتملة الأنوثة و الجمال التى تظهر امامها الان هى تسبيح.. تسبيح تلك الفتاة التى كانت ستلقى بنفسها فى زواج منزوع العاطفة و محكوم عليه بالفشل لمجرد انها لا ترى نفسها كاملة بسبب إصابة قدمها و التى لا ترى لها اثرا الان..

جلست و خلعت الحذاء متطلعة اليه لتدرك ان ذاك الحذاء صُنع خصيصا من اجلها و انه قد أوصى بصناعته ليناسب حالة قدمها و يخفى عيب العرج البسيط الذى يلازم مشيتها.. ضمت الحذاء لصدرها فى سعادة و هى تهتف داخلها بألف كلمة عشق تحملها لصاحب الهدية الذى اصبح.. زوجها.. و تورد خداها لهذا الخاطر و انفجرت ضاحكة على حالها و قد اصبحت أشبه بالممسوسة..و لما لا تكون.. و هل هناك جنون يضاهى جنون العشق!؟..

كانت ترتب غرفته كالمعتاد و تعدل من وضع غطاء فراشه.. جلست فى قدسية على طرف الفراش تتطلع لذاك الصرح الذى جمعهما ليلة ما كزوجين.. ليلة واحدة و وحيدة كان نتاجها يونس الصغير.. مدت كفها تمسد على موضعه المعتاد من الفراش و رفعت تلك الوسادة الصغيرة التى هى موضع رأسه والتى تود لو تضمها الان لصدرها..

ضمت الوسادة فى عشق و تلمست رائحة عطره المنسابة بين طياتها لعلها تهدئ بعض من شوقها اليه.. انها تعشقه.. و بعد اعترافه بحبها و الذى سمعته يبثه لأخيه اصبحت تعشقه أضعافا لكن لا قبل لها بالبوح قبل ان ينطق هو.. لا سبيل لها لتجهر بعشقه قبل ان يبثها هو اعترافه كاملا على مسامعها.. انها تشتاق تلك اللحظة و تتوق اليها شوق تائه فى الصحراء لشربة ماء تروى بعض من عطشه و تنجيه من التهلكة..

توقف هو على باب حجرته مشدوها و هو يراها على تلك الحالة الهائمة تحتضن وسادته المفضلة الى أحضانها و كم شعر بالغيرة تكاد ترديه قتيلا و هو يتمنى ان يكون فى موضع تلك الوسادة و لو لليلة اخرى بعد ليلة زفافهما اليتيمة.. ليلة اخرى معها كافية يعوضها ما كان وتعطيه القدرة على الصبر على تمنعها و تباعدها عنه الفترة السابقة.. انه يتمناها بكل خلجة من خلجات روحه..

لكن ماذا عليه ان يفعل كى تشعر تلك الحمقاء هناك انه ما عاد يرغب الا بقربها هى فقط!؟.. هى وحدها من ادرك انها عشقه الاول و الاخير.. و ان ما عاداها كان مجرد تجربة حب حتى حضر العشق بحق مجسدا فى محياها ليدرك انه ابدا قبلها لم يعشق بل كان يمثل دور العشق..

تقدم بلا وعى حيث لازالت تجلس على طرف فراشه ليجلس خلفها لتنتفض هى فى ذعر تستدير لتواجهه شاهقة و هى تلقى الوسادة بعيدا كأنما ضُبطت بالجرم المشهود..

ألتقط هو الوسادة فى حركة بهلوانية قبل ان تسقط ارضا و تطلع اليها مبتسما و ما ان هم بمشاكستها حتى سمع صوت يونس الصغير يبكى بالغرفة المجاورة تنبهت لصوته لكن حامد كان الأسبق اليه ليحضره لغرفته التى مازالت تقف فيها فى نفس موضعها حيث تركها حامد و لم تتزحزح قيد انملة من شدة اضطرابها و توترها..

دخل حامد الغرفة و هو يداعب الصغير الذى بدأ يبتسم له و هو بين ذراعيه.. قبله فى حنو و وضعه بمنتصف الفراش لتتطلع عائشة اليه متعجبة لما احضر الصغير الى هنا و كان ف الإمكان ذهابها هى اليه فى غرفتها!؟.. هتف حامد وكأنه وعى تساؤلها الصامت:- يونس هينام معايا هنا النهاردة..
تحشرج صوتها و هى تقول:- بس دِه بيصحى كَتير بالليل و هيجلج منامك.

و اندفعت تحمل الصغير من موضعه الا ان حامد وضع كفيه فى سرعة على كفيها التى كانت تهم بحمل يونس و همس فى شوق:- لو خايفة يصحى بالليل و انتِ مش چاره.. خليكى معاه..
اضطربت و جذبت كفيها من تحت حرارة كفيه و هى تنتفض فى خجل:- بس كِده هنضايجوك ف نومتك..
هتف فى تأكيد:- انى راضى..

أزعنت لطلبه و سارت بقدم متخشبة الى موضعها ع الجانب الاخر من الفراش و صعدته و تمددت كالمحنطة بجوار صغيرها ليصعد هو على الجانب الاخر مدعيا النوم حتى تهدأ تلك التى يهتز الفراش من اثر ارتجافات قلبها الذى يدق بصخب كاد يصم أذنيه.. و بالفعل و بعد فترة لا يدركها شعر باسترخاء جسدها فتأكد انها راحت فى النوم اخيرا..

نهض فى حذّر بجزعه مستندا على مرفقه متطلعا الى محياها الناعس فى محبة و شوق طاغ كاد يدفعه دفعا ليوقظها فى تلك اللحظة ليبثها لواعج قلبه الذى يكاد يموت فى سبيل لحظة رضا واحدة منها و بالفعل كاد يفعل الا انه انتفض اثر انتفاضتها مندفعة من الفراش تظن انها تسمع صوت يونس باكيا بالغرفة الاخرى كعادتها دوما هاتفة بإسمه الا ان حامد اندفع خلفها ليجذبها من ذراعها مستوقفا إياها ليتراجع جسدها مستديرا و مرتطما بصدره..

تطلعت اليه فى تشوش واضح لا تعلم ما يحدث.. ليهتف هو مشاكسا و بصوت متحشرج متطلعا الى رداء نومها الحريرى ذاك و الذى ارتدته خصيصا و هى تدخل لغرفته اول المساء لتعدل فراشه:- سيبانى و رايحة على فين!؟.. ده انى ما صدجت..
تطلعت اليه و بدأت ترتجف و هو تشير للغرفة الاخرى هامسة:- يونس الصغير بيبكى..

ابتسم و هو يدنو منها اكثر هامسا:- يونس الصغير نايم اهو ع السرير.. بس فى حد تانى هو اللى بيبكى.. موخداش بالك منيه!؟..
تطلعت اليه مشدوهة و كأنما فقدت عقلها غير مدركة معنى ما يتفوه به لتشهق و هى تراه يحملها فجأة و يخرج بها حيث الغرفة الاخرى دافعا بابها بقدمه سائرا بها فى تملك حتى فراشها..انزلها فى رقة و طل عليها من عليائه يدنو منها فى شوق هاتفا بالقرب من مسامعها:- مش كفاية كِده بعاد.. علمتينى الفضيلة يا بت عم ابوى..

لم تستطع كبح تلك الابتسامة التى باغتتها لتطل على شفتيها ليقفز هو على الجانب الاخر من الفراش فى رعونة و كأنما ابتسامتها تلك هى الدعوة التى كان ينتظرها منذ زمن بعيد ليقرب محرابها و يدنو من سُوَر شرفتها متطلعا لينل تلك الهدية الثمينة من ثغرها الوضاء ذاك الذى يدعوه الى عتباته الكرزية..
انحنى بجزعه محتضنا خصرها ضاما إياها لصدره ليتنهد فى راحة و كأنما ضم بعض روحه الغائبة عن روحه و انحنى يلثم جبينها و همس بأذنها مترنما:-

يا غزال و شارد من الچنة
من كد ايه وانا بتمنا
يا فرح ليلة وانا استنا
يا توت ملون عالي يا توت
من كد ايه وانا فيكي بموت
حب الياجوت مفروط مفروط
دي ليلة واحدة ما تكفيش
التوب يا دوب كان كد كد
والميه كانت ميه ورد
سألت جلبي جلبك رد
فرجنا عجد وكان ملضوم
و بحنا بالسر المكتوم
يا عيون و سار مچفيها النوم
دي ليلة واحدة ما تكفيش
شفيف حريرك دفانى
برجوج شفايفك كفانى
تمرك وطعمه الحيانى
الشهد كان ملو الإبريج
يادوب يادوب بنبل الريج
زعج الوابور واخدنى طريج
دى الف ليلة ما تكفيش..

كرر على مسامعها المقطع الاخير عدة مرات لترفع رأسها المغروز بصدره و تتطلع الى عيونه بنظرات دامعة غير مصدقة ما يفعله بها و بقلبها الذى فقدت الإحساس به نابضا بصدرها و كأنما فقد وعيه دفعة واحدة من جراء ما يحدث..
انسابت الدمعات على خديها بالفعل ليمد كفه اليها يغتالها مشفقا ليهمس من جديد:- و الله العظيم بحبك..

شهقت باكية فى لوعة و قد أستجيب ذاك الدعاء الذى أجهدت قلبها فى ترديده.. انه هنا.. انه لها.. انه يحبها.. نطقها الان و هى تشعر بكل ما تحمله من أحاسيس انه صادق تماما.. بل هو الصدق ذاته بتلك اللحظة.. ليستطرد هو حتى يقضى على اخر ذرة شك قد تتسلل الى قلبها هامسا بأسمها كأنما هى المرة الاولى التى تسمعه يردده:- بحبك يا عيشة..

و اخذ يردد اسمها كالمحموم محاولا ان يمحو تلك الذكرى الرهيبة لليلة زفافهما الدامية لتندفع هى الى صدره باكية من جديد.. ضمها اليه اكثر فأكثر حتى أضحت جزءً من أضلعه كما كانت حواء يوما..
و ستظل.. لينعم حامد اخيرا بذاك المستقر لجبينه و يُطفئ نار غيرته من الوسادة..

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 10 من 36 < 1 23 24 25 26 27 28 29 36 > الأخيرة





الكلمات الدلالية
رواية ، ميراث ، العشق ، والدموع ، موال ، التوهة ، والوجع ، رباب ، النوح ، والبوح ، العمر ، وزواده ،











الساعة الآن 02:01 AM