logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 8 من 36 < 1 16 17 18 19 20 21 22 36 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 04:36 صباحاً   [55]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الخامس عشر

طرقت زهرة باب حجرة ابنتها و دخلت فى هدوء لتراها تتخد من مكتبها ملجأ كالعادة تتظاهر بمراجعتها لبعض اوراق القضايا وهى ابعد ما يكون عن التركيز.. فتركيزها ينحصر فقط فيما حدث منذ ساعات من بن عمتها المجنون..
همست زهرة:- سندس.. انت كويسة يا حبيبتى.. !!؟..

أومأت سندس برأسها فى هدوء ينتفى تماما عن ما يعتمل بداخلها من صراعات.. كعادتها دائما.. صفحة وجهها صافية كليلة ربيعية.. و أعماقها تمور كبركان.. وهذا دوما ما كان يقلق امها.. انها لا تفصح.. اه لو تفصح عما بداخلها لأراحت واستراحت.. لكن هكذا هى سندس.. صندوق مغلق من الأسرار مغلف بوجهه رقيق يشبهها إلى حد كبير.. خاصة تلك العيون المتحدية النظرة التى تذكرها بنفسها كثيرا عندما كانت تقف امام عاصم الهوارى متنمرة..

متحدية تجعله يفقد صوابه.. ابتسمت وتنهدت للذكرى المحببة لقلبها واقتربت من ابنتها تحتضن كتفيها الى صدرها وقررت هى ان تبدأ فهمست بحنين:- انتِ عارفة يا سندس.. مكنتش ممكن قبل ما أقابل ابوكى اصدق انى هاجى الصعيد واتجوزه وأحبه رغم كل اللى كان بِنَا..
ابتسمت سندس عندما تذكرت قصة أبويها والتى قصتها عليهم الحاجة فضيلة عدة مرات.. وكأنها قصة خرافية من قصص الف ليلة وليلة.. وهمست بدورها:- حضرتك وبابا قصة مش ها تتكرر يا زهرتى..

انفجرت زهرة ضاحكة عندما شاكستها ابنتها باسم الدلال الذى يطلقه عليها عاصم.. ثم هتفت:- ليه.. ممكن قووى تتكرر.. الحب هو هو.. فى كل زمان ومكان.. اشكاله بس هى اللى بتختلف.. لكن مضمونة واحد.. يعنى انا شايفة ان اللى عمله بن عمتك المجنون ده.. حب..
هتفت سندس:- اديكى قولتيها مجنون.. حد يعمل اللى عمله ده.. يرفع على عريسى السلاح.. وفى وجود بابا كمان.. ده جنان رسمى..
قاطعتها زهرة مبتسمة :- او حب رسمى..

تنبهت سندس ووجدت نفسها رغما عنها تخالف طبيعتها المتحفظة فتندفع مؤكدة:- ماما.. باسل عمره ما حبنى.. عمره ماشفنى اصلا.. دايما ينتقص من قدرى.. مبيقليش الا يا اثتاذة.. بيقولها بإستهزاء.. عمره ما إتعامل معايا انه حاططنى فى خياله كحبيبة وزوجة.. فجأة كده عايز يتجوزنى.. تلاقى عمتى سهام هى اللى ضغطت عليه عشان يجى يعمل اللى عمله ده.. و بعدين لو بابا شايف انه مناسب زى ما حضرتك بتقولى كان رفضه ليه بعد ما طلب ايدى قدام عريسى و طرده من السرايا!؟..

ابتسمت زهرة وهى تربت على كتفها فى حنو:-.. بس رفض بابا مش عشان عيب فى باسل.. رفض بابا عشان الطريقة اللى طلب بيها و كمان ليه غرض تانى خاالص.. بس اللى عايزة اعرفه دلوقتى.. واللى يهمنى قبل كل شئ.. انتِ رأيك ايه.. !!؟.. يعنى لو بابا جه دلوقتى وقالك انه وافق على طلب باسل.. هتوافقى!؟..

صمتت زهرة فى انتظار الأجابة الشافية.. هى تشعر ان ابنتها فى اعماق قلبها تتمناه.. لكن كرامتها وكبرياءها تقفا بالمرصاد لصوت قلبها الذى تستشعره كأم.. قلب ابنتها يهتف باسم بن عمتها وبرغبتها فى قربه..
طال الصمت.. ولم تتلق زهرة جواب شاف من ابنتها..
التى همست أخيرا فى تردد:- اللى بابا هيوافق عليه.. انا راضية بيه..

تنهدت زهرة فى راحة فهى تدرك كأم ان ابنتها تلقى بمسؤولية الاختيار على ابيها لترتاح من صراع قلبها وعقلها الذى يمزقها..
ربتت زهرة من جديد على كتف ابنتها وانحنت تقبل رأسها وهى تتجه خارجة من حجرتها تهمس بدعاء لكى ترتاح تلك القلوب الحائرة..

سارت العربة التي تقل ماجد بإتجاه السراىّ فها هو أخيرا يحصل على إجازة قرر قضاءها بالقرب من أبويه و اخوته فنرمين للأسف في شهر امتحاناتها.. و تنهد زافرا في ضيق متسائلا في نفسه:- متى تنتهى تلك الامتحانات ليكون قادرًا على الذهاب لخطبتها و يرتاح من عناء الانتظار الذى طال أمده!؟..
تنبه انه يحمل أمانة عليه توصيلها فهتف لسائق العربة الذى ارسله عاصم لأستقباله ليتخذ الطريق المحاز للترعة متوجها لبيت عمته سمية..

وصل في دقائق معدودة و ترجل من السيارة متوجها لباب الدار يدقه في رزانة و هو يعدل من هندامه..
طال انتظاره و هو يقف أمام الباب و لا مجيب ربما للمرة الثالثة يطرق الباب و لا يفتح احدهم..
و أخيرا تناهى لمسامعه صوت عراك بالداخل جعله يضطرب محاولا التقهقر للخلف خطوة متسائلا ان كان هذا هو الوقت المناسب ليسلم أمانة مؤمن لأهله!؟..

قرر ان يطرق الباب بقوة لمرة أخيرة و اذا لم يتلق الإجابة فسينسحب راحلا و يأت في وقت اخر.. طرق الباب بقوة هذه المرة و تناهى له صوت العراك من جديد.. هم بالرحيل الا ان الباب قد فُتح فجأة لتطل منه عمته سمية دامعة العينين..

استدار ليقابلها بكليته و هم بإلقاء السلام الا ان صوت تلك الصرخات بالداخل استرعى انتباهه و ما يراه على محيا عمته جعل القلق يتمكن منه
فدفع عمته في رفق و طل من باب الدار بإتجاه الصرخات التي علت وتيرتها و ذاك لقرب صاحبتها التي اندفعت من باب غرفة جانبية صارخة
بثورة في ماهر اخيها:- مش هتچوزه و لو كان اخر راچل ف الدنيا.. مش هتچوزه و لو جتلتونى..

اندفع ماهر بإتجاها رافعا كفه صارخا في وجهها:- يبجى هجتلك..
كان كفه في سبيله لوجهها الا ان ماجد ظهر بينهما في اللحظة المناسبة ليتلقى كف ماهر على ذراعه بدلا من وجنة ايمان التي وجدت ظهر ما استقام بينها و بين اخيها الثائر ليلوز عنها..
هتف ماهر متعجبا من ذاك الذى ظهر في قلب الدار بحلته الرسمية دون سابق إنذار:- ماچد.!؟..

و استطرد بلهجة ساخرة:- خير يا حضرة الظابط.. حد يخش بيوت الناس كِده!؟..
لم تصدق ايمان عينيها و هي تتطلع لذاك الذى تمنت مجرد ان تقترب لتلقى عليه السلام لمرة ها هو يقف في قلب دارهم يحميها من بطش اخيها لا يبعد عنها الا خطوات معدودة و هو يهتف بنفس السخرية:- معلش بقى يا ماهر جيت ف وقت غير مناسب.. استحملني بس دقيقتين أوصل الأمانة و همشى على طوول..

هنا هتفت سمية في احراج:- تمشى فين يا ماچد يا ولدى.. دِه بيتك و مُطرحك.. تعال اتفضل يا حضرة الظابط..
زفر ماهر في ضيق و اندفع خارج الدار مغادرا..
هتف ماجد في هدوء متحججا:- معلش يا عمتى انا لسه أصلا مرحتش السرايا.. انا قلت أوصل لكم جواب بعته معايا مؤمن عشان معرفش يكلمكم الفترة اللى فاتت..

و دس كفه في جيب سترته الميرى مخرجا ظرفا مطويا مقدمه لسمية هاتفا:- اتفضلى يا عمتى..
استلمت سمية خطاب ولدها بشوق هاتفة في لهفة:- طب انت متعرفش ميتا هينزل اچازة!؟..
اكد ماجد مطمئنا:- قريب يا عمتى.. يمكن كمان أسبوع.. ربنا يجيبه بالسلامة و يطمنكم عليه..

و هم بالرحيل مستديرا بإتجاه الباب الا ان هتاف ما أوقفه ليتنبه أخيرا لتلك التي كان ماهر يتشاجر معها رغبة في ارغامها على الزواج من شخص ما..
انه لا يتذكرها قط.. و تنبه ان مؤمن لا يمل من ذكر اخته ايمان و لا يكف عن الدعاء لها.. اذن فهذه هي ايمان!؟..
تنبه من خواطره و هي تتنحنح في احراج وتمسح دموعها عن وجنتيها فى عزم و قد وصلت لموضع وقوفه بالقرب من الباب هاتفة:- ممكن اطلب من حضرتك طلب!؟..

اكد بإيماءة من رأسه دون ان ينبس بكلمة فأستطردت هي في عزة و برأس شامخ رغم تلك الدموع التي استطاعت بإقتدار سجنها بمأقيها:- لو سمحت متبلغش مؤمن بأى حاچة شوفتها هنا.. انا مش عيزاه يضايج و هو بعيد.. ممكن!؟..
هتف بإبتسامة هادئة جعلت أنفاسها تضطرب:- طبعا ممكن.. و من غير ما تطلبى يا آنسة ايمان.. مش ايمان برضو!؟..

الان هي غير قادرة على التنفس بشكل طبيعى بعد ان نطق اسمها و كأنها المرة الأولى الذى تسمعه فيها و هزت رأسها كالبلهاء مجيبة ليستطرد هو مؤكدا:- حتى و لو مكنتيش طلبتى.. انا لا يمكن كنت هقوله اللى حصل عشان انت متعرفيش مؤمن بيخاف عليكِ ازاى.. ده ملوش سيرة غيرك..
ابتسمت رغما عنها و هي تجز على شفتها السفلى محاولة وأد شهقة بكاء كادت تصدر منها حنينا لأخيها الغائب و أخيرا هتف هو منهيا الصمت بينهما هاتفا:- فرصة سعيدة يا آنسة ايمان.. و ربنا يجيب مؤمن بالسلامة..

و ما ان هم بالإستدارة مغادرا حتى ادار رأسه مؤكدا:- اه بالمناسبة.. لو في اى حاجة عايزين توصلوها لمؤمن انا في الخدمة.. انا ماشى بعد بكرة بالليل.. لو عايزين تبعتوا حاجة ابعتوهالى ع السرايا و انا هوصلها لمؤمن.. ماااشى!؟..
هزت رأسها إيجابا و هي تراه يرحل مسرعا و قد شعرت بسعادة جمة تكتنفها.. فرحة بحجم الكون تناقض تماما ذاك الألم الذى كانت تعانيه منذ لحظات قبل قدومه.. حياة عجيبة تختلط فيها لحظات الحزن بلحظات الفرح كأنما قد تشابكا بخيوط قدرية من نسيج سحرى مغزول على هيئة أعمار..

ايقظتها أمها هامسة من خلفها تتابع ماجد و هو في سبيله ليستقل سيارته عبر ذاك الممر الطويل المفضى لدارهم:- يا رب يكون لك نصيب فيه يا بتى..
همست ايمان بدورها دون ان تحيد بنظراتها عن ماجد الذى غاب الان راحلا بسيارته:- خلينا على كدنا يا ام مؤمن.. بلاها النچوم اللى ف السما.. محناش كديها..
ربتت سمية على كتف ابنتها و الأخيرة تغلق الباب خلف ذاك العزيز الذى ظهر كرؤية وردية و أختفى كطيف..

كان يسير بثقة فى ذاك الممر الطويل الذى يفضى الى حجرة الاجتماعات الملحق بها مكتبها.. كان لابد له من المرور بغرفتها اولا حتى يتسنى له اخذ ملف الصفقة الذى عليه مناقشته مع ضيوفه.. وصل لباب مكتبها الان.. طرق الباب فى قوة.. لم تجيب فدفع الباب فى قلق.. ليفغر فاه فى دهشة ثم يعاود إغلاق الباب من جديد خاصة و ضيوفه لازالوا معه يقفون خلفه و ربما شاهدوا ما رأه لتوه..

هتف بسرعة لأحد المساعدين ليصطحب الضيوف من الباب الاخر لغرفة الاجتماعات فى اخر الردهة و تقديم واجب الضيافة لهم حتى يعود بملف الصفقة..
انتظر لحظات حتى غاب الضيوف عنه مع مرافقهم ثم عاود الطرق على الباب من جديد فى عصبية.. لم تجب بالطبع فأعاد الطرق.. و لا مجيب..

فاضطر ان يندفع للداخل فى سرعة و عيناه تتطلع لجميع أنحاء الغرفة الا ناحية تلك التى تقف الان على سلم معدنى برداءها الذى يصل بالكاد لما تحت ركبتيها و تتمايل فى رعونة على احدى درجات السلم وهى تبحث عن شئ ما فى الأعلى.. و الأدهى من ذاك كله انها لا تسمعه الان و هو يناديها فى غضب محاولا صرف نظراته عنها وهى بهذا الوضع المخجل :- هديررر.!؟

أين ذهب سمعها هذه البلهاء!؟.. هكذا هتف فى غضب داخلى حتى استدارت قليلا فأستطاع تمييز سماعات الأذن التى تضعها وتفصلها عما حولها و تتمايل على الأنغام التى تبثها فى اذنيها غير قادرة على ادراك وجوده فى الغرفة من الاساس..
صرخ من جديد باسمها ولكن هذه المرة وهو يربت على ذراعها مضطرا:- هدييييير..

لتصرخ هى فى المقابل منتفضة ما ان لمس ذراعها و تدفع بكل ما كانت تحمله من ملفات ليتقاذف فى الهواء و فجأة.. يختل توازن كل شئ.. لتجد نفسها بلا إرادة منها مدفوعة للسقوط المدوى.. و الأدهى من ذلك هو أين سقطت!؟..
لقد سقطت مباشرة بين ذراعيه... بالاصح.. فوق رأسه.. ليشعر هو بالدوار فيسقطا سويا.. ليكون السقوط المدوى على حق..
ثم.. سكوت تام دام للحظات بعد ان استقرت اخر الأوراق المتطايرة على وجه حمزة..

كانت هى اول من تحرك.. كان جسده هو من تلقى الصدمة الاقوى .. كان ممدداً أمامها الان وورقة تغطى وجهه ولا يحرك ساكناً.. اقتربت زاحفة فى حذر ومدت كفها لتزيح الورقة عن وجهه تطمئن ما الذى يحدث.. كان مغلق العينين لا تظهر على ملامحه اى ردود فعل مما جعلها تظن انه فقد الوعى فهتفت فى هلع عدة مرات و هى تهز جسده:- حمزة!!.. حمزة!؟..

اخيرا رد بتنهيدة تحمل الكثير من نفاذ الصبر وهو يتكلم من بين اسنانه:- هدير.. تعرفى تعملى معروف و تروحى بعيد عن خلجتى الساعة دى!؟..
لم تستطع غير الرد بكلمة واحدة:- اه.. اعرف..
رد وهو لايزل مغمض العينين:- يبجى كتر خيرك..
نهضت و اندفعت للباب وقبل ان تفتحه للرحيل من أمامه سألته فى بلاهة:- طب ممكن اعرف هو انت ليه بتكلمنى و انت قافل عينك!؟..
صرخ فى غضب:- هديييييير ...

فما كان منها الا فتح الباب و الهروب من أمامه و هو بهذه الحالة التى لم تره عليها من قبل و أخذت تتساءل
فيما اخطأت الان وهو من أجفلها و جعلها تسقط و تصحبه معها فى سقوطها.. !!؟..
نهض هو فى تثاقل ما ان سمع صوت إغلاق الباب و أعاد ترتيب حلته اثر السقوط.. نظر حوله على الفوضى التى خلفها سقوطهما.. يوم ما ستصيبه بأزمة قلبية بسبب ما ترتديه هتف غاضبا في نفسه وهو يتذكر مظهرها و الذى قفز لرأسه وهى تتمايل على السلم...

لابد و ان يضع حلا لملابسها التى لا تليق و التى فى عرفه تعتبر ملابس خارجة عن الحشمة و الأصول المتعارف عليها..
هو يعلم انها تربت بشكل مختلف.. و مدللة بشكل كبير..
لكنها ابنة عمه.. و لن يسمح ان يتفرس فيها كل غريب و قريب و هى بتلك الملابس.. الليلة.. سيكون له معها شأن اخر..

طرقت سندس باب حجرة المكتب حيث يقبع ابيها و باسل..
استدعاها اليها منذ لحظات لا تعرف لما.. لكن عندما علمت بوجود باسل معه ازداد وجيب قلبها فهى لم تراه منذ الحادثة المجنونة التى ارتكبها فى حق عريسها المزعوم..

ألتقطت انفاسها فى عمق قبل ان تأتيها الأجابة على طرقاتها من الداخل بالإيجاب.. فتضع كفها المرتعش على مقبض الباب وتدلف للداخل بذاك الوجه الذى يخفى خلف قسماته الكثير من المشاعر المضطربة التى تحاول مداراتها ما ان طالعت باسل يجلس امام ابيها الذى اتخذ مقعده خلف مكتبه الابنوسى..
هتف عاصم فى هدوء:- اجعدى يا سندس..

جلست قبالة باسل وكان ذاك اكثر مما تستطع احتماله وهو يتفرس فيها بتلك النظرات غير مراع لوجود ابيها.. الوقح.. هتفت داخليا بغيظ.. وانتبهت اخيرا لما يخبرها به ابوها..
-بصى يا ستى.. الباشا ده.. أشار عاصم لباسل.. بيتجدم ليك تانى.. جلتى ايه.. !!؟.. .خليه يسمع ردّك بنفسه ونفضوه الموال دِه..
ردت هى فى سرعة تحاول مداراة اضطرابها:- طبعا لا.. مش ممكن اتجوز واحد همجى و اسهل حاجة عنده انه يتعامل بالسلاح..

ألتزم عاصم الصمت وعيونه تبرق بخبث مستمتعا بالحوار الدائر حين اندفع باسل يدافع عن نفسه:- على فكرة انا مش همچى يا اثتاذة.. وضغط على حرف السين مخرجا لسانه فى نطقه فيبدو كالثاء نكاية بها كما يفعل دوما..

لتنفجر هى غاضبة وتنهض لتلتف حول كرسيها وتقف تضع كفيها على ظهر كرسيها وهى تشير بيدها ناحيته بأصابع الاتهام:- شفت با بابا.. شفت.. اهو.. هو دايما كده بيستهزق بيا وعمره ما عمل لى اعتبار.. انا لما اتجوز واحد لازم يقدرنى ويحترمنى مش يفكر يضربنى بالنار مع اول غلطة ذى ما كان هايعمل مع عريسى..

انتفض باسل صارخاً فى غضب:- بس متجوليش عريسى لحسن والله اروح افرغ الطبنچة ف راسه ويبجى اسميه المرحوم.. وبعدين متشوريش بصوابعك كِده.. انت مش ف المحكمة.. وانا طالب اخش دنيا مش جفص الإتهام..
صرخت من جديد وهى تنظر لأبيها الذى ازدادت نظرات الخبيثة تألقا واستمتاعه بالحوار الدائر وصل ذروته.. قائلة:- مفيش فايدة.. انسان همجى و متهور.. انا مش..

هنا كان دور ابيها لينهى تلك المرافعة هاتفاً:- طالما انا الجاضى فى المحكمة اللى انتوا ناصبينها دى.. يبجى اجمد حكم تخدوه هو المؤبد..
هتف كلاهما.. باسل وسندس فى صوت واحد:- مؤبد.. !!
لينفجر عاصم ضاحكاً:- اه.. مؤبد للأبد.. هايبدأ تنفيذه من يوم الخميس اللى بعد الچاى.. ألف مبرووك..
همست سندس فى ترقب:- بابا.. حضرتك قصدك ايه.!؟؟..

هتف عاصم فى مرح مقهقهاً:- وعاملة لنا فيها افوكاتو.. فرحكم الخميس اللى بعد الجاى يا استاذة و ده حكم نهائى مفيهوش استئناف..
ليهتف باسل فى مرح:- ينصر دينك يا خالى.. يحيا العدل..

ليخرج عاصم تتبعه قهقهاته المتعاقبة على مظهر ابنته المشدوهة.. وترك باسل ليلحق به لكن قبل ان يتوجه خارجا ليبشر امه وأبيه بموافقة خاله على زواجه بإبنته.. اقترب منها فى مشاكسة وهى ماتزال على اندهاشها ليهمس بالقرب من اذنها:- انى همچى ومتهور.. طيب يا بت خالى.. لما نبجوا فى زنزانتنا حبس انفرادي انى وانتِ يوم الخميس هوريكى يعنى ايه الهمچية والتهور على اصولهم...

تراجعت خطوات للخلف وهى تشهق غير مصدقة ماسمعته من هذا المجنون الذى سيفقدها صوابها ان لم يكن فقدته بالفعل فى تلك اللحظة وهو يبتعد مغادراً ليستدير اليها من جديد ويغمز لها بعينيه.. ليسقط قلبها بين قدميها.

جلس حامد الحناوى خلف مكتبه ينقر الارض بعصاه الأبنوسية فى انتظار ابنته هداية و ابنة اخيه عائشة و اخيرا بن اخيه جاسم ليمثلوا جميعا امامه.. انه يشعر ان الوقت قد حان ليطلعهم جميعا على حقيقة يونس ولده و تعريفهم بوجوده و بحقه فى أملاكه فبعد وفاة عبدالله و هو يستشعر قرب الأجل و لا يدرك متى يحين.. لذا عزم الامر على مفاتحة الجميع فى امر يونس رغم انه على علم ان ذاك الخبر سيضج مضجعه لأيام طويلة و ينسيه طعم النوم و الراحة و ستُفتح ابواب الجحيم على مصرعيها بيدىّ جاسم عند علمه بحقيقة يونس ووجوده..

تمنى السلامة من كل قلبه فهو يستشعر بحق ان القادم ليس خيرا ابدا لكن لا قبل له لتجاهل وجود يونس بعد ان ارسله الله له بعد رحيل عبدالله.. ان يونس هو التعويض الالهى عنه.. كيف له ان ينساه كأنه لم يكن!؟.. أوقات كثيرة مرت فكر فى ان يتناسى يونس و ما أخبرته به سكينة حتى يحفظ يونس من شر جاسم الذى قد يطاله.. لكنه الان احوج ما يكون له مع شر جاسم الذى استفحل و يداه التى بدأت تطول الجميع بالشر و ابنته هداية و ابنة اخيه عائشة.. من لهما يلوز عنهما اذا ما حان الأجل و تركهما فى يد ذاك الفاجر جاسم.. !؟.

دخلت هداية و خلفها عائشة تقبل كل منهما رأسه فى إجلال و محبة و تستكين كل منهما على مقعد على احد جوانب الغرفة.. لحظات و ظهر جاسم و توتر جو الغرفة فقط لدخوله و لاحظ حامد ما يحدث و شعر بذبذبات الكراهية التى عمت المكان فور ظهوره.. جلس جاسم قبالة عمه و هتف فى تعجب:- خير يا عمى!؟.. جيت چرى لما عرفت انك طالبنى..

و اشار للفتيات الجالسات جانبا فى لامبالاة هاتفا فى حنق:- ايه!؟.. اشتكوا لك منى و هيتعلج لى الفلكة و لا ايه!؟..
هتف حامد الحناوى بصوت جهورى جعل بن اخيه يتسمر فى موضعه:- اكبر منيها و لا ايه يا واد صابر.. !؟.
هتف جاسم مهادنا:- هو انى أجدر أتكلم يا عمى..
هتف حامد مقاطعا اياه فى حنق:- خلاص بلاه حديت ماسخ ملوش عازة وركزوا معاى كلكم..

صمت الجميع متوجهين بكليتهم لسماع ما سيجود به العمدة حامد الحناوى و الذى يبدو انه من الأهمية ليجمعهم بهذا الشكل..
تنحنح حامد هاتفا:- من غير مجدمات ملهاش عازة و لا كلام هيجدم و لا يأخر.. انى كنت متچوز زمان جبل امك يا هداية.. تطلع لأبنته التى فغرت فاها و هو يستطرد فى حزم و هو يحيد بناظريه لابن اخيه و هو يلقى قنبلته.. و انى عندى واد منيها.. دِه ولدى البكرى.. يونس..
انتفض جاسم فى ثورة بعد ان استوعبته الصدمة للحظات هاتفا فى جنون:- ايه اللى بتجوله دِه.. كنك كبرت و..

صرخ حامد منتفضا فى غضب هادر:- دِه كنك انت اللى اتچننت يا واد صابر و ناجصك رباية كمان.. !!
صرخ جاسم فى ظل سكون عائشة و هداية امام تلك المعركة التى تشتد أوزارها امامهما و هما غير قادرتين على تحريك ساكن:- ايوه اتچننت.. لما تاجى تجول لى انك ليك واد من مَرّة منعرفهاش و لا نعرف دى مين و چت تجول لك دِه ولدك و انت تصدج.. يبجى انى اللى اتچننت يا عمى.. !؟ الظاهر موت عبدالله روح عجلك..

انتفض حامد رافعا كفه ليسقط بها على وجه بن اخيه الذى انتفض مصدوما من فعلة عمه الذى صرخ فى ثورة:- اخرچ بره و مشفش وشك ف دارى تانى.. اخرچ و اياك تاچى و لو مت متمشيش ف چنازتى.. و لا تاخد بعزاى..
هتف جاسم ساخرا:- خاااارچ منتش طاردنى م الچنة و متخافش مش هاخد بعزاك كفاية عليك المحروس اللى ظهر ف المچدر ياچى ياخده.. يااا عمى..

خرج جاسم كالريح من مكتب عمه يتوعد و يقسم فى غل بينما تنهد حامد فى إرهاق و هو يجلس فى تثاقل على كرسيه مجددا..
اندفعت هداية تجاهه فى إشفاق تربت على كتفه هامسة:- انت كويس يا عمدة!؟..
اومأ برأسه ايجابا دون ان ينطق حرف مما دفعها لتقترب فى حذّر متسائلة:- هو صحيح ليا اخ يابا اسميه يونس!؟..

تطلع حامد تجاهها فى هدوء:- ايوه يا هداية.. يونس دِه اخوكِ الكَبير.. انى مكنتش اعرف بوچوده لان امه كانت على كد حالها و لما عمك صابر عرف هددها هى و اهلها و هربوا من البلد و مرچعوش تانى و هى كانت حامل فيه..
ابتسمت هداية فى سعادة:- يعنى انى عِندى اخ بچد!؟..

تطلع لها حامد متعجبا من رد فعل ابنته الذى لم يكن يتوقعه مطلقا ليهتف مندهشا:- كنك فرحانة!؟.. و انى اللى كنت فاكرك هتزعلى و لا تضايجى..
هتفت هداية:- أزعل كيف!؟.. دِه چه نچدة من السما ليا و لعيشة.. هيبجى لى اخ اتحامى فيه من تحكمات چاسم و فچره..
هتف حامد متسائلا:- ليه!؟.. كنه اتعرض لك و لا حاچة!؟..

تنهدت هداية فى ضيق:- من ساعة ما طلب يدى منيك و هو ملاحجنى ف الرايحة و الچاية كنى وافجت و انى عارفة يا عمدة انك مديتلوش كلمة لانك عارف انى مش جبلاه لكن كنت بتتجى شره..
ربت حامد على كفها المسندة على سطح مكتبه هاتفا:- صدجتى.. انى حاسس انى مش جادر اجف له و مش جادر ارچع حامد الحناوى بتاع زمان اللى كانت صرخة منيه تهد الچبل.. موت عبدالله كسرنى.. و لكن عوض ربنا چه ف يونس..

انى محتاچ له اكتر من اى حد يا هداية.. محتاچة له يكون عكازى بعد ما انحنى ضهرى بموت اخوكِ و يكون سندى ف حمايتكم من غل چاسم و شره..
هتفت هداية:- ربنا يخليك لينا يا حاچ و يطول لنا ف عمرك.. و استطردت فى تساؤل.. بس هو ميتا ياجى يونس و نشوفوه!؟..
اكد حامد:- امه جالت لى هتجيبه و تاجى.. هايجى عن جريب...

ابتسمت هداية فى سعادة و هى تربت على كتف ابيها متطلعة لذاك المنقذ الذى ما كان لا على بال و لا خاطر احد ظهوره من العدم بهذا الشكل.. بينما لازالت عائشة جالسة فى ذاك الطرف المنزوى من الحجرة صامتة تماما و عيناها تجود بالدمع فى استكانة فهى تدرك قبل اى احد اخر ان دورها فى هذه الحياة مجرد بيدق فى لعبة شطرنج يتحرك بيد الاقدار لتضعها حيث تهوى دون ان يكون لها حتى حق الاعتراض على اى مصير مقسوم لها..

منذ دفعتهما أمهما نعمة ليصعدا شقتهما سويا و كل منهما على جانب منها لايرى الاخر الا صدفة.. كان ينزل صباحا قبل ان تستيقظ حتى لتعد إفطاره ليفطر ف ورشته و تنزل هى بعد استيقاظها لشقة خالها تساير امه نهارا و ما ان يعود ليلا حتى يجدها تحضر طعام العشاء على الطاولة قبل صعوده بدقائق و تختفى بحجرتها..

انه كان يراها بالأسفل اكثر من ذلك.. تنهد فى تعب و إرهاق شَديد و هو يحاول التمطع على فراشه فى ألم و كل عضلة من عضلات جسده تئن بحثا عن الراحة.. فهو يرهق نفسه بالعمل صباحا و لا يجد سبيل للنوم ليلا.. يظل مسهدا لا يجد للنعاس سبيلا فيكفيه ان يستشعر انفاسها بالقرب منه لا يبعده عنها الا خطوات حتى يكاد يفقد عقله رغبة فى قربها تلك السراب الذى ما ان يقترب للإمساك به حتى يختفى بلحظة..

شعر انه لن يبوح لها ابدا بما يكنه بقلبه من مشاعر تجاهها.. انه يعشقها فوق العشق و يتمنى قرب وصلها كمن يترقب أمنية بعيدة المنال و لا يملك الا الدعاء لعل الله يستجيب فيجدها حيث تمنى.. بين ذراعيه..
صرخات جاءت من خارج الغرفة و اندفاع من بابها جعله ينتقض ليجدها فى لحظة بين ذراعيه.. شهق فى صدمة.. هل تتحقق الأمنيات هكذا فجأة!؟.. و هل يستجيب الله دعاء الملهوف بهذه السرعة.؟!..

تنبه انها لاتزل تصرخ و تتعلق بصدره اكثر فوضع كفيه على كتفيها محاولا ابعادها قليلا عن صدره حتى يتسنى له التركيز على ما يحدث فقد تملكه تشويش أصاب عقله من جراء قربها منه بهذه الطريقة المهلكة و المدمرة لأى تعقل..
هتف يستوضح ما يحدث بصوت متحشرج:- فى ايه يا شيماء!؟.. فى ايه.. ليه الصريخ ده كله!؟..

ازدردت ريقها بصعوبة و اشارت برعب خارج الباب باتجاه المطبخ هاتفة بكلمة واحدة:- فاار..
كاد ينفجر ضاحكا و لكنه شعر بمدى رعبها فهى تكره تلك الكائنات الصغيرة المقززة بحق.. ربت على كتفها مهدئا و هتف:- خلاص اهدى.. انا هروح اشوف هخلص منه ازاى!؟..

هم بالذهاب فتمسكت بساعده فى عفوية دمرت ثباته و هى ترتجف ذعرا:- هتروح فين و تسيبنى لوحدى.. افرض جه على هنا..
انفجر ضاحكا و لم يستطع تمالك نفسه هاتفا:- متخافيش.. لو حب يجى يزورك هخليه ياخد ميعاد..
صرخت مرعوبة:- متسبنيش عشان خاطرى.. طب هروح معاك.. هاا.. هروح معاك بس انا خايفة..
ربت على كفها مهدئا:- خلاص.. تعالى معايا..

توجه للمطبخ و هى بأثره تتعلق بظهر سترته حتى وصل للمطبخ و همس:- انت شوفتيه فين!؟..
اشارت لمكان ما خلف خزينة المطبخ دون ان تستطع التفوه بكلمة و هى لاتزل ممسكة بظهره ملتصقة به كالغراء..
حاول ناصر العثور على ذلك الفأر او اى اثر ينبئ عن مكانه لكنه لم يجده ليهتف بها:- مش موجود يا ستى.. تلاقيه اتسرع من صريخك و خدها من أصيره و هرب..

هتفت شيماء مؤكدة:- و الله كان هنا.. انا مش قاعدة ف المطبخ ده لحد ما أتأكد انك قتلت الفار و اشوفه ميت بعينى..
انفجر ناصر ضاحكا:- مكنتش اعرف انك قاسية قووى كده.. فين ايّام ما خاصمتينا تلت ايّام عشان دبحنا الحمام قدامك و حلفتى ما تكليه و لحد دلوقتى مش ممكن تحطيه ف بقك.. !؟

نظرت اليه متعجبة و هو يسرد لها ذكريات قديمة من طفولتها الأولى هى نفسها ما كانت لتتذكرها لولا ذكره لها الان.. فهتفت دون وعى منها:- معقول لسه فاكر!؟.. ده انا نفسى كنت ناسية..
اقترب منها فى شوق هامسا:- انا مش ممكن أنسى اى حاجة تخصك.. انا..

صرخت من جديد و هى ترى ذاك الفأر يخرج من خلف الخزانة و كأنه يخرج لها لسانه مغيظا إياها و اندفعت خارج المطبخ تصعد اقرب مقعد فى ذعر.. اطلق ناصر سبابا مكتوما و أغلق باب المطبخ فى عنف و قد اخذ عهدا على نفسه ألا يخرج الا وقد قضى على ذلك الفأر..
مرت حوالى النصف ساعة و شيماء لا تسمع الا طرقات و خبطات متفرقة هنا و هناك و اخيرا انفرج الباب ليظهر ناصر يتصبب عرقا و قد اُنهك تماما.. و جثة ذلك الفأر ملقاة جانبا.

همست و هو يمر امامها:- قتلته!؟..
لم يرد بل هز رأسه مؤكدا و هو يتجه للحمام لينال حماما بعد تلك المعركة و اخيرا اتجه لحجرته مغلقا بابها خلفه فى عنف و ألقى بجسده على الفراش فى إنهاك هاتفا لنفسه فى سخرية:- شكلى هموت قبل ما اقولها بحبك.. !!. و تذكر ظهور الفأر فى لحظة حاسمة تشجع فيها اخيرا و قرر أخبارها ما يعتمل بصدره فهتف بغيظ:- منك لله يا بعيد.. هو انا فشيت غلى فيك من شوية.
و تنهد مغلقا عينيه فى إنهاك تام و خلد للنوم سريعا..


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 04:36 صباحاً   [56]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل السادس عشر

تلمست موضع قدمها فى اضطراب و هى تدخل الى السراىّ حاملة بين كفيها صندوق كرتونى و تنحنحت فى تأدب متوقعة ان صوت ذَاك الاستئذان المتواضع قد يسمعه احد ما ليأذن لها بالدخول لكن ها قد ظلت لحظات تتطلع حولها فى توتر و لا احد هنا يكفيها شر الحيرة التى تملكتها.. و تساءلت فى نفسها هل فى الإمكان رؤيته قبل ان يذهب!؟..

تمنت من صميم قلبها ان تراه و لو لمرة اخرى قبل ان يعود لعمله حيث معسكر تجنيد اخيها الغائب الذى اشتاقته كثيرا.. لقد جاد عليها الزمان بهدية قلما تحدث عندما وجدته امامها منذ يومين يلوز عنها و يقف بينها و بين ماهر اخيها كحائط صد عنها ما كانت تلاقيه منه.. افلا تطمع فى مزيد من كرم و عطف الزمن و تراه و تسمع صوته و لو مرة اخرى.. !؟.

انتفضت حتى كادت تسقط ما تحمله عندما تناهى لمسامعها صوت زهرة تهبط الدرج مرحبة فى سعادة:- اهلًا.. ازيك يا ايمان.. عاملة ايه يا حبيبتى!؟..
اقتربت زهرة فى مودة و قبلتها رابتة على كتفها فى حنو فدوما ما كانت تفرق بين تعاملها مع سمية و تعاملها مع ابنائها و خاصة مؤمن و ايمان كانت لهما معزة خاصة و هتفت فى ترحاب:- اتفضلى يا مونى و حطى اللى انت شيلاه ده..
ده ايه يا حبيبتى!؟..

نطقت ايمان اخيرا فى هدوء بعد ان استجمعت شتات نفسها:- ده
شوية حاچات بعتاها امى لمؤمن.. يعنى لو مش هانتعب حضرة الظابط يوصلهاله..
همت زهرة بالكلام الا ان صوتا ما من اعلى الدرج هتف فى ترحاب:- يا سلام.. من عنين حضرة الظابط..
انتفضت ايمان عندما باغتها صوته الاجش الذى تعشق و المحمل برنين المرح و معطر بأثير الرجولة.. و لزمت الصمت غير قادرة على الرد حتى بكلمة شكر.. فى لحظة كان يقف امامها هى و امه التى هتفت فى سعادة:- فيك الخير يا ماجد..

كانت ايمان تطأطئ رأسها خجلا.. على الرغم انها لم تكن ابدا من نوع الفتيات المطيعات المنطويات اللاتى تضطربن من مجرد حديث عابر او تحمر وجههن خجلا من مجرد اطراء فقد علمها مؤمن ان تصير رجلا و تتعامل كرجل حتى تحمى نفسها فى عدم وجوده و عدم جدوى وجود ماهر كأخ اكبر وجب عليه حمايتها.. لكن معه هو يتبخر كل ذلك فى ثوان و تصير أنثى بمشاعر و أحاسيس و رغبات و قلب أنثى..

هتف ماجد عندما طال صمتها و ما زالت منكسة الرأس غائبة فى حالها المضطرب و غارقة حتى الثمالة فى خضم مشاعرها تجاهه:- ايه!؟.. مالك يا آنسة ايمان!؟.. شوفيها كده يا ماما تكون بتبكى زى ما كان بيحصل زمان اول ما تشوفنى!؟..
انفجرت زهرة ضاحكة بينما رفعت ايمان رأسها حرجا هاتفة فى صوت متحشرج:- لاااه.. ابكى ايه!؟..

هتف ماجد مؤكدا:- انا مش عارف كنتِ اول ما تشوفينى و انت صغيرة تبكى و تجرى على مؤمن و هو يفتكر انى ضربتك او زعقت لك.. اقوله اختك اللى بتتفتح ف البكا من غير ما حد يجى جنبها.. ايه مركبة ف عنيها حنفيات!؟..
انفجرت زهرة من جديد فى الضحك و ابتسمت ايمان للذكرى فى سعادة.. بل سعادة طاغية فهو ما زال يذكر بعض من ذكريات طفولتها العزيزة على قلبها و التى تجترها لتهدهد املا يرتع بروحها فى ترقب..

نهض ماجد مسرعا فى تعجل هاتفا:- طب انا كده اتاخرت و لازم امشى.. الطريق لسه طويل..
و انحنى مقبلا زهرة التى لحقته بالدعاء هاتفة:- ام سعيد حطت لك الاكل اللى طلبته كله.. انت بتأكل الكتيبة كلها يا ماجد!؟..
انفجر ضاحكا و هتف:- لا يا ماما.. ده يا دوب كام واحد من صحابى.. تلاقيهم شمين ريحة الأكل من هنا و صايمين لحد ما اروح لهم..
انفجرت زهرة ضاحكة:- بالهنا و الشفا يا حبيبى..

انحنى ماجد يتناول الصندوق الخاص بمؤمن من الطاولة المقابلة لإيمان متطلعا اليها متسائلا:- انت هتقعدى يا ايمان و لا ماشية !؟..
نظرت لعمق عينيه و تبدلت كل خرائط العالم بمخيلتها و ما عاد هناك منطق و لا تعقل و ما عادت الأرض هي نفسها الأرض و ما ظلت السماء ذات السماء الا ان صوت زهرة جعلها تنتفض خارجة من مجال تأثيره و هى توجه كلامها اليها:- ما تخليكى معايا يا ايمان..

تنحنت ايمان فى اضطراب هاتفة:- لااه معلش يا مرت خالى.. اصل امى لحالها و انا كمان عندى مذاكرة كَتير.. بالأذن..
و ما ان همت بالاندفاع خارج السراىّ حتى هتف ماجد بأسمها يستوقفها:- طب استنى أوصلك معايا..
هتفت مؤكدة:- مفيش داعى.. البيت جريب.. دوول خطوتين..
اكد ماجد:- برضو هوصلك.. اتفضلى.. مش بتقولى عندك مذاكرة كتير.. و لا انت حابة تزوغى منها!؟ ده حتى مؤمن بيقول انك شاطرة..

ابتسمت و دلفت للسيارة و اندفع هو الى الكرسى الامامى بجوار السائق..
تطلعت اليه من موضعها يجلس شامخا كملك و هامت فيه و هو يضع كابه العسكرى المموه على رأسه كتاج.. و تنبهت ان السيارة توقفت اخيرا لتستيقظ من شرودها فيه و تترجل منها..
ليهتف مودعا:- مع السلامة.. سلميلى على عمتى سمية..
اومأت فى إيجاب دون ان تجيب حرفا و ما ان غابت سيارته عن ناظريها حتى انطلق لسانها خلفه مودعا.. مع السلامة..

ذرع حمزة غرفته ذهابا وإيابا عدة مرات فى غضب و تحفز.. فها هو خطيبها الاحمق ذاك بإنتظارها فى بهو الفيلا ليذهب بها لحفل عيد ميلاد احدى صديقاتها كما سمع..
ضرب باطن كفه بقبضة يده فى غيظ متسائلا.. كيف سمحت لها زوجة عمه بالذهاب رغم تأكيد عمه على عدم مغادرتها الفيلا فى عدم
وجوده!؟..

زفر فى حنق و هو يتذكر كلمات عمه له قبل سفره المفاجئ للقاهرة و الذى تمنى مصاحبته فيه الا انه تعلل بأمور الشركة التى يجب ان يظل احدهما لمتابعتها و أوصاه ساعتها بهدير مؤكدا انها ذات عقل متحرر و تصرفات جامحة لذا يخشى عليها كثيرا و ترك له حرية التصرف في غيابه كأنه هو او اخيها حازم.. فهو بن عمها على ايه حال و هى مسؤولة منه فى غياب كلاهما..

انتفض فى تحفز غير قادر على الوقوف ساكنا و هو يرى ما لا يطيق و ان أمانة عمه التى وضعها بين كفيه تتسرب منهما دون تحرك منه..
خرج من جناحه الملحق بالفيلا و ما ان تقدم لمدخلها حتى وجدها تركب السيارة مع خطيبها و ترحل..
اندفع فى ثورة نحو سيارته و ركبها لتزمجر فى قوة و هو يجبرها لتنطلق خلف سيارتهما حيث تذهب و قد قرر انه لن يدع ابنة عمه المتهورة تلك مع خطيبها الاحمق ذاك و الذى لم يطقه منذ قابله للمرة الاولى..

سار خلفهما مدة لا يستهان بها و دمه يغلى و هو يتخيل انها بجانبه فى السيارة وحيدة معه.. و اخيرا و على حين غرة وجدهما توقفا فتخطاهما بسيارته قليلا حتى استطاع ان يصفها و يندفع خلفهما حيث دلفا منذ قليل..

جابت عيناه المكان المظلم الذى كانت مسيقاه الصاخبة تصم الأذان.. اخيرا و بعد جهد كبير استطاع تمييزها بين مجموعة من الشباب من الجنسين يجلسون متحلقين فى احد أركان المكان.. اتخذ مكانا لنفسه يستطيع ان يتابع تحركاتها به و جلس يود لو يذهب اليها لينتزعها من بينهم و يعيدها لبيت ابيها لكن هنا لا سلطة له عليها.. فسلطته كابن عم لها ليس لها مكانتها هنا و لا يُعترف بها كما هى هناك فى النجع..

اضطربت الاضواء و اختلطت فيها الألوان و بدأت الموسيقى تزداد صخبا و فجأة و مع بريق احد الاضواء اختفت.. تطلع حيث كانت تجلس منذ قليل.. لكن لا احد يشغل مقعدها و لا يعلم اين تراها ذهبت..

جال بناظريه فى ذعر هنا و هناك بين الجالسين لكنه لم يجدها و فجأة وقعت عيناه عليها حيث لم يبحث و لم يعتقد انه بحاجة للبحث لكنه كان مخطئا فها هى تتمايل فى ميوعة مع خطيبها الديوث ذاك فى قلب المكان و بين الكثيرين من امثالهما و الذين اسكرتهم الموسيقى.. حاول الولوج الى موضعها فلا قبل له لرؤيتها على هذا الوضع المخزى لكن لم يستطع التسلل اليها من شدة الزحام..

اخيرا استطاع الوصول لمنطقة مرتفعة قليلا بجانب طوله الفاره مكناه من رؤيتها لازالت ترقص و لكن ليس مع خطيبها هذه المرة بل مع احمق مختلف.. و الأدهى من ذلك ان ذاك الحقير يحاول ان يتطاول عليها و يجبرها لتقترب منه.. لم يشعر بنفسه الا و هو يلقى بجسده وسط مجموعة الراقصين من موضعه ليجد نفسه و قد اضحى بالقرب منها و كل ما استطاع القيام به هو انتزاعها بعيدا و تسديد لكمة قوية لأنف ذاك الاحمق الذى كان يتحرش بها كانت من القوة ليصرخ ساقطا أرضا و يصرخ الجمع و يتفرق معظمه فى ذعر لما يحدث.. خرست الموسيقى و عم الصمت للحظات قطعها عمر خطيبها هاتفا:- فى ايه!؟.. انت ايه اللى جابك هنا!؟.. و ازاى تعمل فى أصحابنا كده.!؟..

اندفع اليه حمزة فى ثورة أفقدته التمييز صارخا:- انت لسه شفت حاچة يا اللى محسوب ع الرچالة غلط!؟..
و سدد عدة لكمات لوجه عمر جعله يترنح ليسقط غير قادر على الإتيان بحركة..

تدخل حراس المكان لإنقاذ عمر من بين يدى حمزة قبل ان يقتله.. و بدأوا فى عراك حمزة الذى كال لهم ما استطاع من لكمات و ضربات كما تلقى بالمثل.. كانت هدير على ذاك الجانب الذى ألقى بها حمزة فيه تقف مشدوهة و لم تتزحزح قيد انملة.. و اخيرا صرخت فى ذعر ما ان بدأت فى استيعاب ما يحدث..

لكن لم يعرها احدا إلتفافا و المعركة بين حمزة و مقاتليه على أشدها.. استطاع حمزة التغلب عليهم و فى خضم الاحداث و قبل ان يستفيق الجميع كان قد جذبها و اندفع خارجا تجاه عربته..
فتح الباب الامامى لسيارته و دفعها للداخل كجوال من البطاطا و أغلق الباب فى عنف و دفع بنفسه خلف المقود و انطلق بها فى جنون..

كانت هى تبكى فى حرقة و لا تصدق ما يحدث بينما كان حمزة يلتقط انفاسه فى تتابع ملقيا عليها نظرة يود لو يقتلها بها.. رفعت رأسها لتواجهه فى ثورة:- انت ايه اللى عملته ده!؟.. مين اللى جابك ورانا و خلاك تتصرف بالطريقة الهمجية دى و تبوظ عيد ميلاد صاحبتى!؟..
هتف جازً على اسنانه يود لو يقبض على رقبتها مزهقا روحها:- ايه اللى عملته.. !؟. عِملت الواچب و اللى كان المفروض يعمله خطيبك اللى ملوش عازة دِه لو كان راچل صح..

هتفت فى ثورة:- خطيبى مش ممكن يعمل اللى عملته لانه راجل متحضر.
هتف فى ثورة مماثلة:- لو التحضر يا بت عمى هو انى اسيب خطيبتى مش بس ترجص وسط الخلج.. لااه و ترجص كمان مع راچل غيرى و يضايجها و اجف اتفرچ.. يبجى الحمد لله انى متخلف.. و متخلف جووى كمان و خلينالكم إنتوا التحضر.. جال تحضر جال.. دى جلة حيّا..
هتف كلمته الاخيرة صارخا لترد بدورها صارخة:- انا مسمحلكش تقول...

قاطعها هاتفا بحنق و صوته كهزيم الرعد وهو ينحرف لشارع جانبى:- انا اجول اللى انا عاوزه.. و الله لو كنتِ ف النچع لكان زمانك مدفونة و بيجروا عليكى الفاتحة..
ارتعشت فى رعب و صمتت للحظات و اخيرا همست فى صوت مستكين النبرات:- انت بتعمل معايا كده ليه يا حمزة!؟.. ليه من ساعة ما جيت من البلد و انت بتحاول تضايفنى و تعكنن عليا.. !؟

تطلع اليها فى تعجب و قد هدأت ثورته قليلا لمرأها بهذا الشكل هاتفا فى استنكار:- انا!؟.. انا عمرى ما حاولت اضايجك و لا اعكنن عليكِ.. عمرى ما كان جصدى ان دِه اللى يوصلك.. انا كل اللى عملته عشان خاطرك.. عشان خايف عليكِ.. عشان انت أمانة عمى و حازم اللى لازما اصونها و مفرطش فيها ابدا..

شملهما الصمت للحظات ثم تنهد و هو يضرب على المقود فى عنف اجفلها و اخيرا همس بصوت هادئ النبرات على الرغم مما يعتمل بداخله:- بصى يا بت الناس.. من اللحظة دى انا مليش صالح بيكِ.. و عمرى ما هضايجك و لا اعكنن عليكِ زى ما بتجولى.. انا كنت فاكر انى بعمل كِده الصح و المفروض.. بعمل كل اللى بعمله عشان مصلحتك.. لكن طالما انتِ مش شايفة فاللى بعمله الا انه بيضايجك فانا هبعد كنى مش موچود.. هبعد برضك عشان خاطرك.. و يا رب ترتاحى.. انا يهمنى راحتك..

مع اخر كلماته كانا قد وصلا للفيلا التى فتحت ابوابها على مصراعيها و ما ان توقفت السيارة امام بابها الداخلى حتى اندفعت منها خارجا لداخل الفيلا و نحيبها العال يصل مسامعه حتى اختفت تماما فتنهد فى ضيق و اندفع بدوره لداخل جناحه..

انتظر طويلا و لم تظهر بعد و زفر في ضيق متعجبا من نفسه متسائلا لما هو ينتظرها من الأساس!؟.. هو لا يعرف سببا لكنه يتعلل بحاجة العمل لوجودها و ها هو ينتظرها ما يقرب من ساعة و لم تظهر بعد و ربما ينتظر النهار بطوله دون ظهورها.. هو متأكد انها ليست بالمكتب فهو قد سأل عليها هناك و أجابوه انها ليست موجودة بل اليوم هو ميعاد محاضراتها بالجامعة.. اندفع قادم الى هنا بلا تفكير رغبة في رؤيتها و اصطحابها لموقع المشروع معه فحمزة ليس هنا هذه المرة..

أخيرا تنهد في راحة و هو يراها تخرج من باب الجامعة تضم أدواتها لصدرها و تتلفت باحثة عن وسيلة مواصلات تقلها لمقر الشركة بالتأكيد
تقدم حتى توقفت السيارة مزمجرة بالقرب منها.. كادت ان تهتف بسباب لذاك الاحمق الذى كاد ان يدهسها بسيارته و لكن ما ان زالت زوبعة الغبار التي اثارها وقوفه الفجائي حتى تنبهت انه سيد العشماوي رب عملها
و الذى هتف في امر:- اركبى..

كظمت غيظها و لم تلتفت له و سارت فى طريقها مما دفعه للسير ببطء بالسيارة جوارها مكررا امره مما دفعها لتهتف بغيظ:- اركب فين!؟.
هتف متعجبا:- اركبى العربية.. هيكون فين يعنى!؟..
هتفت و هي تسير بلامبالاة:- سيد بيه.. اتفضل و انا هحصلك ع الشركة..
هتف بغيظ:- بقولك اركبى.. انا رئيسك ف الشغل و بأمرك تركبى عشان مستعجل و عايزك ف شغل ضرورى..

هتفت و قد ارتفعت نبرة صوتها بحنق:- بجولك ايه يا سيد بيه.. رئيسى ف الشغل ده هناك ف الشركة ابجى أتأمر زى ما تحب لكن هنا جدام الچامعة ملكش عندى حاچة.. و لو ممشيتش دلوجت.. و ربنا لألم عليك الخلج..
صدمة اعتلت ملامح سيد من ردة فعلها التي لم يكن يتوقعها مطلقا و توقف بغتة بسيارته يحاول استيعاب ما فعلته به تلك المجنونة و ما هي الا لحظات حتى رأها تركب احدى سيارات الأجرة و تغادر مما دفعه ليضغط دواسة البنزين منطلقا بعربته في غضب هادر يتوعد تلك المتنمرة.

ربتت زينة على كتف ابنتها الملقاة تنتحب على فراشها بقهر هاتفة:- خلاص يا هدير.. حصل خير..
اهدى شوية.. هو حمزة كان عمل ايه يعنى!؟..
انتفضت هدير هاتفة فى ثورة:- عمل ايه!؟.. قولى معملش ايه!؟.. يا مامى ده كسر النايت كلاب على راس اللى فيه.. ده همجى و متوحش و اخره يعيش مع الوحوش ف الغابة مش مع بنى أدمين..

ابتسمت زينة رغما عنها و هتفت:- انا معرفش تفاصيل اللى حصل بس واضح كده ان عنده اللى يبرر اللى عمله.. حمزة راجل عاقل و مش ممكن يعمل اللى عمله الا لسبب قووى..
صرخت هدير من جديد:- عاقل ايه بس!؟.. بقولك كان شبه الوحش مخلاش حد الا لما ضربه و كسر الدنيا.. حتى البودى جاردز بتوع المكان ضربهم.. تخيلى!؟.. ده مجنون رسمى.. لازم يروح يتعالج.. حتى عمر خطيبى مسلمش منه و فتح له دماغه..

بجد مشفتش ف عقله.. !!
انفجرت زينة ضاحكة على تعبيرات هدير ابنتها و هتفت:- ع العموم اهو الدنيا مقلوبة تحت.. انا لسه شايفة ظابط داخل الفيلا عشان الموضوع ده و اكيد طلبينه.. كويس ان حازم لسه واصل.. اهو يبقى معاه..

هتفت هدير:- معاه فى ايه!؟.. يا ريت حازم يسبهم يحبسوه.. ده اخره و الله.. و لسه كمان انا لما أقول لبابا بس يرجع بالسلامة من كايرو.. ابتسمت زينة فى سخرية هاتفة:- بابا!؟.. ده زكريا هيديله نشان.. انتِ فاكرة ان باباكِ هيلوم حمزة على اللى عمله.. بالعكس ده هيهلل له.. و ربنا يستر بقى لما يعرف انى انا اللى وافقت على مرواحك العيد ميلاد ده!؟

فغرت هدير فاها غير مصدقة:- بابا!؟.. . لا زكريا حبيبى مش ممكن يعمل كده.. اكيد هيديله كلمتين ف عضمه و اتشفى انا فيه شوية.. و بعدين فيها ايه يا ماما.. رحت عيد ميلاد صاحبتى و معايا خطيبى.. ايه اللى حصل يعنى.. و ايه جاب حمزة ده ورانا اصلا!؟.. لااا.. اكيد بابا هيأكد عليه ملوش دعوة بيا تانى و كفاية اللى عمله مع عمر..

اكدت زينة:- و الله ما هيحصل.. الصعيدى اللى جوا زكريا هيطلع و يقف مع حمزة قلبا و قالبا و ابقى قولى ماما قالت..
صمتت هدير و لم تعقب و اخذت تفكر فى كلام أمها و لديها احساس قووى بأنها على حق.. تركت أمها داخل غرفتها و تسللت خارجا تتطلع من الاعلى لذاك الضابط الذى يقف مع اخيها يتشاور معه فى امر حمزة الذى كان يقف جانبا شكله أشبه ببلطجية السينما قديما بجروح وجهه و قميصه الممزق.. و تذكرت انه فعل كل ذلك لأجلها.. ألم يخبرها بذلك و هو يصطحبها الى هنا فى سيارته!؟..

انها هدير مدللة عائلتها و التى لا يُرفض لها طلب و التى يُفعل كل شئ لأجلها.. لماذا تشعر الان ان هذه
" الفعلة لأجلك ".. و التى نطقها..
تختلف عن اى " لأجلك " أخرى قُدمت لها فى حياتها.!؟..

استمر هاتفها يدق فى صخب.. تطلعت للشاشة لترى انه هو.. بن عمتها المجنون.. و زوجها المزعوم.. هل حقا ستصبح زوجته بعد عشرة ايام من اليوم.. ارتعشت عندما تيقنت بتلك الحقيقة.. و تذكرت كلماته الماجنة وغمزة عينيه لها قبل ان يغادر مكتب ابيها منذ عدة ايام.. فتحولت ارتعاشاتها لانتفاضة قوية.. انتقاضة تحمل كل منتناقضات العالم بين طياتها..

انتفاضة شوق مختلط بلهفة ممزوج برهبة معجونة بتوجس.. لازال ذاك الصراع ما بين رغبة قلبها به ورفض عقلها له يضنيها.. انه باسل حلم طفولتها وشبابها.. لكن فى لحظة ما.. شعرت ان ذاك الحلم لم يعد كاف لها.. تضاءل امام طموحها.. وغمز ولمز صديقاتها اللاتى كان لسان حالهن جميعا يقول.. انت وانظرى من انت على وشك الحصول على ليسانس الحقوق بتفوق.. وهو ذاك العابث الذى لم يستطع الحصول على مؤهل عال..

اكتفى بمؤهله المتوسط.. بجانب عبثه الذى لم ينقطع.. فقد كان دائم السفر للقاهرة يغيب بالايام بحجة الأشغال التى يديرها للعائلة.. كانت تلك الأشغال لا يتجاوز قضاءها اكثر من يومين.. لكنه كان يغيب بالأسبوع كاملا..
بالتأكيد كان يلهو كما يحلو له هناك.. لا يدخر وسعا فى إسعاد نفسه.. و يأتى اليها يدعى محبتها و يرغب فى الزواج بها.. لن تجيب على الهاتف ولو ظل الدهر كله يدق..

هكذا كررت بينها وبين نفسها.. فسماع صوته الان و هى تفكر بما كان يفعله بالقاهرة خلف ظهرها يجعلها كالمجنونة تريد لو تفصل رقبته عن جسده..
صمت الهاتف اخيرا.. فتنهدت بأرتياح.. ولكن ما هى الا لحظات حتى جاءها اشعار بوصول رسالة.. دق قلبها بصخب بين اضلوعها فما كان من الصعب ان تخمن انه صاحب الرسالة..

فتحتها فى وجل وكأنها قنبلة على وشك الانفجار.. لتجدها منه كما توقعت.. كان نصها " ردى على تليفونك يا استاذة بدل ما تلاجينى جدامك دلوجتى.. "..
قذفت بالهاتف على الفراش فى زعر.. لا.. انها لا تتحمل رؤيته الان.. وهى فى خضم كل تلك المشاعر و الخواطر التى تدميها.. ان مجرد تذكر محياه يفقدها ثباتها و رجاحة عقلها المعتادة.. و هذا ما لا.. ولن تسمح به ابدااا..

رن الهاتف من جديد فأنتفضت.. و وضعت كفها على صدرها تهدئ ذاك الوجيب المتهور.. ألتقطت انفاسها
تحاول ان تستعيد ثباتها قبل ان تجيب بلهجة خشنة:- نعم!؟
اجاب باسل بلهجة مرحة:- نعم الله عليكى يا استاذة..
اجابت فى تعال تحاول مدارة بسمة قفزت لشفتيها:- انا مشغولة لو سمحت.. قول اللى عندك وخلصنى.

استمر فى مزاحه:- فى واحدة تكلم چوزها كده برضك!؟..
استشاطت غضبا:- لو سمحت متقولش جوزها!؟..
صمت لبرهة ثم اجاب بصوت جاد على غير العادة:- انا كنت فاكر ان كلمة خالى عاصم دى معناتها موافجتك.. !!؟..
ارتبكت وتلعثمت:- ايوه.. ما هو..

استطرد بحزم يحمل نبرة حنونة.. لا تعرف كيف جمعهما فى جملة واحدة :- ايه يا استاذة.. منتيش موافجة على چوازنا.. !!؟.. وماله.. حجكِ..
قاطعته و هى ترى انحراف الحوار ليتخذ مسار لم يكن فى حسبانها:- يا واد عمتى.. انت بس مش فاهم..

قاطعها هو بدوره بنبرة متعبة كانت للمرة الأولى تسمعها منه بهذا الشكل الذى أدمى قلبها بشكل لم تتوقعه:-لاااه انى فاهم.. فاهم كل حاچة.. و اللى انى فاهمه دلوجت حاچة واحدة بس.. انا اللى بخيرك تانى يا بت خالى.. انتِ عيزانى ولا لاه!؟.. جوليها.. ومتخافيش من اى حد.. انى اللى هتحمل الليلة كلها لحالى و لو كان ده جَبل ما نكتبوا الكتاب بدجيجة واحدة.. بس عرفينى.. وملكيش انتِ صالح بأى حاچة.. انى مرضهلكيش تجضى حياتكِ مع حد مش ريداه..

سلام عليكم يا بت خالى.. ووعد منى مش هضايجك تانى لا بمكالمة ولا برسالة... انى مسافر اخلص مصالح للعيلة و راچع جَبل كتب الكتاب بيومين.. يومها وانا راچع عايز اعرف ردّك عشان ألحج اتصرف.. سلام.. ومنتظر ردّك مهما كان..
قطع الاتصال بينهما لتظل ممسكة بالهاتف بكفها كالمشدوهة لا تعرف ما الذى دفعه ليقول كل ما قاله.. هل يستشعر رفضها له بهذه القوة.. لكنها لا ترفضه..

جاءها ذاك الهاتف الداخلى مؤنباً.. لكنك لا تقبليه ايضا..
انتِ دوما فى منطقة وسطى.. ما بين الجنة والنار..
لا انتِ قادرة على الانصياع لقلبكِ.. او حتى تغليب صوت عقلكِ..
و هو !!؟؟.. ما ذنبه!؟؟.. وانت الحائرة ما بين بين..

اجابت فى نفاذ صبر تقول لنفسها:- انه لم يساعدنى فى حربى.. لم يعطينى الأسباب التى تجعلنى أصارع لاجله.. لم يخبرنى يوما انه يحبنى فيستميل جانب قلبى.. و دوما يسخر من طموحى و يلقبنى بالاستاذة ساخراً من لدغتى التى لا حيلة لى فيها..

هتف فيها من جديد هاتفها الداخلى بنفاذ صبر:-لا.. لقد فعل.. هتف بها و أعلنها امام الجميع انه يريدك.. ماذا تريدين إثبات اكثر من هذا!؟.. انظرى الان.. ها قد ألقى الكرة بملعبك و وضع الاختيار رهن اشارتكِ.. عليكِ انتِ ان تختارى.. ما بين جنته أو ناره... عشرة ايام فارقة هى كل ما تبقى لكِ.. لتحكمى ذاك الصراع و للأبد..


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 04:37 صباحاً   [57]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل السابع عشر

همت نهلة بالدخول لغرفة الصالون حيث يجلس حازم بأنتظارها فأستوقفتها أمها سهير هامسة في هدوء لها:- بقولك ايه يا نهلة.. بلاش تفاتحيه النهاردة ف الموضوع اللى كلمتينى فيه..
تسألت نهلة:- ليه يا ماما!؟.. حازم لازم يعرف.. ده مستقبلى و معتقدش انه هيرفض حاجة فيها مصلحتى و هاتبسطنى كمان..

هتفت سهير في حيرة:- مش عارفة.. بس حاسة الموضوع ده مش هايخلص على خير يا نهلة..
اكدت نهلة:- متقلقيش يا ماما.. ان شاء الله خير.. حازم اكيد هيبص على سعادتى و راحتى..
و غادرت نهلة في طريقها حيث يجلس حازم بينما همست سهير في قلق لنفسها:- ربنا يستر.. انت واثقة أوعى فيه يا نهلة و ده اللى مخوفنى..
دلفت نهلة للغرفة لينهض حازم مادا كفه محييا في بشاشة هاتفا:- ازيك يا نهلة.. عاملة ايه!؟..

هتفت نهلة في سعادة لمرأه:- الحمد لله يا حازم..
كانت تتمنى يوما ان تسمعه يبثها كلمات الحب و الغرام.. تتمنى ان يقابلها مشتاقا هاتفا انه أفتقدها و استوحش بعادها عنه.. لكنه كان صريحا معها من البداية و اخبرها انه لا يعرف كيف يطلق لسانه بكلمات الغزل و عبارات المجاملة او المحبة.
أخرجت نفسها من خضم خواطرها المتحسرة و هتفت:- كان في موضوع مهم قووى عايزة أتكلم معاك فيه..

تنبه متيقظا عاقدا حاجبيه كعادته عندما يستمع لأمر هام هاتفا:- خير..
تنحنحت محاولة البحث عن نقطة البداية لعرض موضوعها و أخيرا هتفت:- انا الصراحة كنت عايزة اقولك ع الموضوع ده من زمان بس ماما نصحتني استنى شوية.. لكن انا شايفة ان ده الوقت المناسب عشان تعرفه..

اومأ حازم لها برأسه مطالبا إياها بالإسترسال لتستطرد هاتفة:- انت طبعا بقالك فترة منقول الصعيد.. ده شغلك طبعا مقدرش أقول فيه حاجة و انا اكتر واحدة مقدرة ظروفه لان بابا الله يرحمه عاش نفس الظروف و عشناها معاه.. و طبعا المطلوب بعد ما خلصت دراسة اننا نتجوز و اروح معاك الصعيد..
قاطعها حازم و قد شعر ان الامر يسيرفى طريق لن يستحسنه:- اكيد طبعا.. أولا كل ست مكانها مع جوزها.. و بعدين ده اللى اتفقنا عليه من بدرى انك تخلصى و نتجوز و تروحى معايا.. و لا ايه!؟..

هتفت نهلة في شجن:- طب و ماما يا حازم!؟..
هتف حازم متعجبا:- مالها طنط.. !؟
هتفت نهلة:- هسبها لوحدها!؟.. دى ملهاش غيرى بعد بابا الله يرحمه.
زم حازم ما بين حاجبيه و قد استشعر بحسه الأمنى ان الامر لا يخص سهير هانم وحدها فهتف مستوضحا:- هي المشكلة كلها ف طنط.. !!.. دى نشيلها على راسنا و اكيد اناهتبسط لو تشرفنا و تيجى تقعد معانا.. على الأقل هتبقى معاها طول ما انا غايب عن البيت..

صمتت نهلة و لم تعقب مما دفع حازم ليسأل و قد بات من الواضح له ان هناك امر اخر لا يعلمه:- هو في حاجة تانية يا نهلة انا معرفهاش!؟..
هتفت تلقى بحملها عن كتفيها بسرعة:- الصراحة يا حازم.. اه.. انت عارف انى اتخرجت بتقدير امتياز و ده رشحني لبعثة بره مصر و كنت عايزة يعنى..
قاطعها مندفعا:- عايزة تأجلى الجواز.. صح!؟..
هزت رأسها بالإيجاب هاتفة:- ده مستقبلى يا حازم.. و حاجة تتمناها اى بنت.. انا عايزة..

قاطعها من جديد:- انت عايزة ايه بالظبط!؟.. عيزانى.. و لا عايزة السفر و البعثة و لا عايزة متبعديش عن ماما و لا انت عايزة ايه!؟..
انتفض واقفا هاتفا فيها بنفاذ صبر:- بصى.. لما تبقى عارفة انت عايزة ايه.. ابقى كلمينى.. عن اذنك..
ترقرقت الدموع بعينها هاتفة بأسمه و هو يبتعد:- حازم.. أرجوك..
لكنه لم يستمع لتوسلها و تركها و اندفع خارج المنزل لتدلف أمها داخل الغرفة حيث تركها تبكى مندفعة اليها تضمها لصدرها في قلق هاتفة:- قلت لك بلاش دلوقتى يا نهلة!؟..

هتفت نهلة من بين دموعها:- كان لازم يعرف يا ماما.. هفضل مخبية عليه لحد امتى.. !!.. كان لازم أقوله عشان أعرف أتصرف ازاى..
ربتت سهير على كتف ابنتها مهدئة:- خلاص يا حبيبتى.. اهدى و كل مشكلة و ليها حل.. و ان شاء الله كله هايبقى تمام.. متقلقيش..
صمتت نهلة و لم تعقب بينما تنهدت سهير في قلة حيلة و هي تدرك في قرارة نفسها ان الامر لن يمر بسلام كما كانت تستشعر منذ عرفت بأمر البعثة... و ها قد صدق حدسها..

صعدت سكينة تلك الدرجات التي تفصلها عن باب الدار و خلفها يونس في ترقب وجيب قلبه يبلغ عنان السماء لكن صفحة وجهه تعكس هدوء عجيب يتناقض تماما مع ما يستشعره من اضطراب و توتر..

طرقت سكينة الباب و انتظرت لحظات حتى فتحه احد الخدم و طلبت مقابلة العمدة حامد الحناوى ليصحبهما الخادم لأحدى القاعات المخصصة للضيوف و ينصرف على عجل ليبلغ سيده..

جلس كل من يونس و سكينة في صمت حتى ان احدهما لم يكن يتطلع للأخر.. و أخيرا انفرج الباب في قوة جعلتهما ينتفضا مكانهما و ما ان طالع العمدة حامد سكينة في موضعها حتى ادار وجهه للجالس قبالتها في سرعة و
وقعت عيناها على يونس الذى كان نسخة مصغرة منه منذ اكثر من خمسة و عشرين عاما حتى ليظن الان انه يتطلع للمرأة بصورة عكسية للزمن ليرى نفسه قديما..

تقدم حامد في وهن لا تحمله قدماه بإتجاه يونس الذى ظل متسمرا مكانه لا يحرك ساكنا.. و أخيرا توقف امام ولده هامسا:- يونس.. يونس حامد الحناوى.. يونس ولدى..
و أخيرا جذب يونس لأحضانه معتصرا إياه في محبة طاغية و بالمثل و دون إرادة منه فعل يونس الذى وجد نفسه يضم ابيه في تعلق كأنما عاد طفلا يتشبث بجلبابه و همس باكيا في صوت متحشرج:- أيوه انى يونس يابا..

بكت سكينة في صمت و هي تراهما على هذا الوضع و هتفت بصوت متأثر:- جبته لحدك يا حامد زى ما وعدتك.. جبته و منشعارفة اذا كان مجيتى بيه ف صالحه و لا لاه.. بس مكنش ينفع ابجى عارفة فين ابوه و مجلوش و لا انت تعرف بيه..

هتف حامد و هو لا يزل متعلقا بيونس ساحبا إياه ليجلس بجواره ملتصقا به في محبة:- عمِلتى صالح يا سَكينة.. انتِ متعرفيش انى محتاچ ليونس كيف.. دِه كنه عوض ربنا عن عبدالله الله يرحمه.. و عوض اخته و بت عمه..

همت سكينة بالسؤال الا ان طرقات متسرعة على الباب و انفراجه بتلك الطريقة أكدت على لهفة الداخل و الذى لم يكن سوى هداية التي تطلعت لأبيها مستفسرة بنظراتها عن صحة استنتاجها ليأكد ابوها بإيماءة من رأسه لتندفع بإتجاه سكينة تقبل كفها في سعادة هاتفة:- كيفك يا خالة!؟.. يا رب تكونى بخير..
ابتسمت سكينة في مودة رابتة على كتف هداية هاتفة:- بخير يا بتى تسلمى يا رب و تعيشى.. ايه الچمال دِه كله.. الله اكبر.. ربنا يحميكِ لشبابك يا بتى..

ابتسمت هداية و لم تعقب ليهتف حامد ساخرا:- ايه!؟.. خبر ايه!؟.. و يونس اخوكِ ملوش نصيب من التهليل دِه كله.. !!..
ابتسمت هداية و هي تتجه ليونس في خجل هاتفة:- كيف دِه يا حاچ!؟.. و الله لو يعرف فرحتى بشوفته النهاردة.. و الله ما تتجدر..
و اتجهت ناحية يونس و انحنت تقبل كفه في تقدير احتراما لفارق السن بينهما فهى تقريبا كانت في سن حامد حتى ان يونس احمر خجلا و جذب كفه في سرعة محرجا..

ابتسم حامد في سعادة لتجمع أولاده أخيرا تحت سقف داره و هتف مستفسرًا:- ايه يا هداية.. خبر ايه!؟
امال فين عيشة.. مچتش تسلم على واد عمها ليه!؟..
هتفت هداية:- يعنى يا حاچ منتش عارف عيشة.. بتتكسف من خيالها.. انى هروح أچيبها..

لكن حامد هتف في سعادة و هو يرى عائشة تدلف لداخل الحجرة في هدوئها المعتاد:- اهى چات.. تعالى يا عيشة سلمى على يونس واد عمك و خالتك سَكينة..
اتجهت عائشة تقبل كف سكينة في تأدب و تجلس جوارها و هي تنظر ليونس نظرة سريعة قبل ان تهتف في خجل:- اهلًا بيك يا واد عمى.. نورتنا..
ابتسم يونس في ثبات:- تسلمى يا عيشة.. اهى هداية تجريبا كد ولدى حامد.. و انتِ شكلك اصغر منيهم بشوية..
هتف حامد في فرحة:- سميت ولدك على أسمى يا يونس!؟..

اكد يونس في فخر:- دِه الحاچة الوحيدة اللى كانت بجيالى منك يابا.. كيف مسيتسماش على اسمك!؟..
دمعت عينا حامد في محبة هاتفا:- خلاص يا يونس كل حاچة بجت ليك يا ولدى مش أسمى بس.. كل حاچة..
هتف يونس:- لاااه انى مش عايز حاچة.. انى بكفيانى شوفتك و شوفة اخواتى.. معيزش اكتر من كِده..
هتف حامد ممتعضا:- كيف دِه!؟.. انت واد العمدة حامد الحناوى.. جوم تعال معاى..

هتف يونس:- على فين يابا.. انى معيزش حاچة.. انى هرچع دلوجت لنچع الصالح و ابجى اچيلك مرة تانية و معاى العيال و أمهم و ابجى ورينى اللى انت عاوزه..
تشبث حامد برأيه هاتفا:- لاااه دلوجت.. هتجوم معايا تشوف اللى ليك حلاً.. و المرة الچاية ابجى انى اچيك و اشوف مرتك و عيالك و تاچوا كلكم تعيشوا معاى.. انى ماصدجت لجيتك.. عايز تبعد عنى ليه تانى يا يونس يا ولدى!؟..

اتجهت أنظار يونس لأمه التي حثته على مهادنة ابيه و النهوض خلفه حتى يعرفه على كل كبيرة و صغيرة في نجع الحفناوي الذى سيكون يوما ما مستقره كما يتمنى الوالد.. فنهض يونس خلف ابيه و قد ادرك انه الان على مفترق طرق و اختيارات وعرة يتمنى من الله ان يلهمه القدرة ليكون على قدرها..

كانت تجلس على المائدة شاردة تفكر فيما عليها قوله او فعله في معضلتها مع بن عمتها المجنون ذاك تتظاهر بتناولها الطعام و هي لم تمسه مما استرعى انتباه عاصم ليهتف مستفسرًا:- خبر ايه يا أستاذة!؟.. مبتكليش ليه!؟..
هتفت سندس مدعية الجوع:- ابدا يا بابا باكل اهو.. ده انا حتى جعانة..

و بدأت في إلتقاط بعض اللقيمات تحاول ابتلاعها في صعوبة بينما على الجانب الاخر من المائدة يجلس كل من تسنيم و مهران و كل منهما يدعى الاهتمام بالاخر وكأن بينهما اتفاق غير مصرح حتى يتظاهرا بالمحبة و الاهتمام كأى زوجين جديدين حتى لا يلحظ احد في السراىّ ما بينهما من نفور و تباعد..
نظرت زهرة لحال ابنتها الساهمة الشاردة منذ طلب بن عمتها يدها من ابيها و كذلك حال ولدها البكر و زوجه و الذى اعتقدت ان بزواجه سينصلح حاله الا ان ما تراه الان ما هو الا ادعاء للمحبة ليس اكثر..

تنهدت زهرة و هي تستأذن للصعود لغرفتها يتأكلها الغم..
نهض خلفها عاصم و دلف بعدها للغرفة في ثوان متعجبا من حالها هاتفا:- خبر ايه يا زهرة!؟.. جومتى ليه من ع الأكل بسرعة كِده!؟.. دِه انتِ تجريبا مكلتيش..
نظرت اليه في حسرة هاتفة:- و مين ليه نفس بس يا عاصم!؟.. انت مش شايف حال العيال!؟..
هتف متعجبا:- مالهم العيال بس!؟..

هتفت بحزن:- مالهم ايه بس!؟.. انت مش شايف سندس و حالها.. طب سيبك من سندس اهى متلخبطة و مش عارفة ترسى على بر بس انا متأكدة انها هتختار اللى يريحها و باسل هيساعدها على كده.. لكن مهران و تسنيم.. عاجبك حالهم!؟..
هتف عاصم:- ماله حالهم!؟.. ماهم زى الفل و اديكى شيفاهم ع العشا كانوا زى السمن ع العسل..

ابتسمت زهرة بحسرة:- انت مصدق يا عاصم.. تسنيم و مهران مش على وفاق.. صدقنى في بينهم حاجة غلط.. ده مش شكل عريس و عروسة مبقلهمش فترة صغيرة متجوزين و عن حب كمان.. دول بيمثلوا قدامنا انهم متفاهمين و كله تمام.. لكن حالهم مش كده خاالص..
هتف عاصم متحيرا:- يعنى ايه الكلام دِه!؟.. ما احنا جلنا هنچوزه عشان يتعدل بعد الموضوع الماسخ إياه.. و اهااا اتچوز تيچى تجولى لسه متعدلش.. طب امال في ايه طيب !!.. لا حول و لا قوة الا بالله..

هتف زهرة دامعة:- مش عارفة يا عاصم.. و الله ما عارفة فيه ايه!؟..
ربت عاصم على كتفها في إشفاق هاتفا:- اهدى يا زهرة.. وحدى الله و سيبها ع الله.. ربنا يهدى حالهم و يريح جلوبهم .. و يريح بالنا عليهم..
هتفت زهرة متضرعة:- يا رب يا عاصم.. يا رب..

كان يقف فى تيه تام يتطلع الى الحارة بطولها و عرضها غير مدرك حتى لتفاصيلها العتيقة التى يحفظها عن ظهر قلب مثلما يحفظ كف يده..
كان يفكر فيها.. و هل هناك ما يشعل باله غيرها!؟.. تنهد فى ضيق و همس متسائلا.. متى سيمكنه أزاحه ذاك الثقل الرهيب عن قلبه و البوح بما يحمله لها من مشاعر تنوء بحملها روحه التى تهواها حد الوجع..

انه يعلم انه غير قادر على التفوه بكلمة فى حضرتها تتوه ابجدية الكلمات و تسقط الأحرف لتغرق فى بحور عينيها و ما لديه من قدرة على الإفصاح و هو ذاك الصامت ابدا..
اعتقد يوم ان صرخت مختبئة فى صدره من ذاك الفأر انه كان سيخبرها بمكنوناته لولا ظهوره الا انه يعلم علم اليقين انه ما كان بفاعل.. ما كانت الا نوبة من شجاعة داهمته و ما عاد قادرًا على استدعائها من جديد..

ماذا عليه ان يفعل حتى يخبرها!؟.. انه لا يعلم.. هل يرسل لها بخطاب ما!؟.. هل يبعث لها برسالة على هاتفها!؟.. ام ماذا!؟.. ليت له صديقا يخبره ما عليه فعله فى مثل تلك الامور لكنه لا يملك احدهم.. او بالأدق.. هو لا يملك ذاك الصديق الذى من الممكن ان يكون بهذه الاريحية معه ليخبره عنها.. لم يكن هناك الا نادر صديقه الأوحد الذى كان يمكنه ان يعرى روحه امامه دون ان يتردد.. همس فى شجن بالرحمة لأخيه و قرأ الفاتحة لروحه الطاهرة..

و همس صوت بعيد يشدو مترنما بحال العاشقين فتنهد من جديد مؤكدا فى سخرية:- و هو حد دارى بحالهم قدى!؟..
اكثر ما يرهبه و يجعل نومه يجافيه انه حتى و لو استطاع أخبارها بما يكنه لها من مشاعر هو مدى تقبلها لها..
هل ستصدق انه يعشقها منذ زمن!؟.. ام انها ستعتقد بحماقتها المعتادة انه يدعى محبتها حتى لا يشعرها بذنب تجاهه لزواجه منها بعد ذاك الحادث المشؤوم معها!؟.. انه يعلم انها ستفعل.. بالتأكيد ستفعل..

انتفض عندما تناهى لمسامعه صراخها بإسمه فاندفع للأسفل حيث تقبع بشقة ابيه تحضر طعام العشاء و ما ان هم بهبوط الدرج باتجاه شقتهما بحثا عنها و هى لا تزل تهتف بإسمه بهذا الشكل الملتاع حتى وجدها مندفعة من الأسفل فى نفس سرعة هبوطه ليحدث ذاك الاصطدام المدوى ليسقطا لحسن الحظ على تلك الردهة القصيرة بين الطابقين..

كان هو يفترش الارض و هى ملقاة على صدره يغطى وجهه شعرها الكستنائى المتناثر و الذى استطال ليخلبه لبه فقد كان دوما يحذرها من قصه على الرغم من رغبتها فى ذلك مرارا.. لكن لو يعلم الان ما يعانى و هو يغطى محياه بهذا الشكل كأنه غمامة من عطر معتق لأمرها بقصه منذ زمن..
تنبهت متأوهة تحاول الاعتدال و هو ساكن كحجر.. و بدأت فى سحب جدائلها القاهرة من على قسماته هامسة فى قلق بإسمه:- ناااصر..

الان جاء صوتها بتلك النبرة ليكمل تلك الجريمة فى حق ثباته.. ما عاد قادرًا على الابتعاد و هى على تلك الحالة من القرب الذى تمناه للحظات فى اروع احلامه و كفيه الان تضمان خصرها الناحل فى تشبث و كأنهما طوق نجاة لغريق ما ظن للحظة انه ناجٍ ..
هتفت من جديد تهزه فى صدمة ليفتح عينيه متطلعا اليها بنظرات جعلتها تتسمر غير قادرة على التفوه بحرف.. تاهت هى الاخرى فيه و كأنما تراه من جديد يوم كان يبكى اخيه بأحضانها كما لم تره من قبل..

و لكنها اخيرا استفاقت فى ذعر و قد تذكرت لما كانت تستدعيه من الاساس لتنهض فى عجالة قاذفة أحلامه كلها عرض الحائط و هى تندفع للأسفل مستكملة صراخها:- امك تعبانة.. انزل بسرعة..
انتفض كمن لدغته عقرب.. و فى ثانية كان مندفعا لشقة ابيه و منها الى حجرتها هاتفا فى لوعة:- ايه ياما!؟. مالك!؟..

هتفت نعمة تئن على فراشها:- مش عارفة يا ناصر.. مش قادرة اخد نفسى.. و حاسة انى رايحة م الدنيا.
اندفع خارج الحجرة هاتفا بشيماء:- هجيب دكتور بسرعة و خليكى جنبها..
لم يغب طويلا و عاد بالطبيب و ابلغ ابيه الذى اندفع بدوره فى اتجاه المنزل فى ذعر..

لحظات و كان الطبيب يعاينها و مثيلتها حتى كان بالخارج يبلغهم ما عليهم فعله.. مؤكدا انه يجب ان يلازمها احدهم ليل نهار حتى اذا ما عاودتها أزمة ضيق التنفس يكون جوارها.. و ما هناك من احد اصلح من شيماء لأداء تلك المهمة.. و التى ستكلفه الكثير.. لكنه رأى ان هذا افضل للجميع.. فعليه ان يبتعد قليلا.. فذاك القرب المُهلك منها يكاد يحرقه حيّا..

رن هاتفه في إلحاح جعله يزفر في ضيق و هو يضغط على ذر الرد هاتفا في ضجر:- ايوه.. ايه الاخبار..
هتف الشخص ع الطرف الاخر:- كله تمام يا باشا.. كل اللى طلبته أتعمل و اتظبط.. و هتسمع اخبار هتعچبك عن جريب..
هتف سيد في اهتمام و قد برقت عيناه في جزل:- انت متأكد و لا كلام وخلاص..

هتف الطرف الاخر:- عيب يا باشا.. من ميتا خدت منى كلام و بس.. و هي دى اول مرة.. ما انت شوفت الموضوع إياه بتاع مهران..
قاطعه سيد:- اه الموضوع اللى حصل و كأنه محصلش من أساسه و طلع منها زى الشعرة من العجين.. و اهو اتجوز و عايش حياته..
هتف محدثه:- طب و انى ايه ذنبى يا باشا اذا كان راچلك اللى بعته هو اللى طلع مش راچل من أساسه و رچع ف كلامه ف النيابة!؟.. انى بعمل اللى علىّ و..

هتف سيد مقاطعا إياه في نزق:- خلاااص.. انت بتاخد تمن اللى بتعمله منتش بتعمل ده لوجه الله..
هتف الطرف الاخر:- بمناسبة التمن يا باشا.. فين تمن العملية الأخيرة!؟.
هتف سيد في غضب:- مش لما تتم يا بنى آدم !!.. هايوصلك حسابك زى كل مرة.. اتكل مع السلامة..
أغلق الطرف الاخر و تنهد سيد في تشفى هامسا:- كله يهون.. حتى التعامل مع الأشكال دى.. بس أوصل للى انا عاوزه و احرق قلوبهم كلهم زى ما حرقوا قلبى..

دخل حامد لمدرجات مسرح الجامعة ليلتقى أصحابه مودعا فقد جاء فقط ليتسلم شهادة تخرجه و لولاها ما خط الجامعة بقدمه مرة اخرى حتى لا يراها..
تلفت حوله رغم عزمه الداخلى على عدم رؤيتها لكن شئ ما يدفعه لينظر اليها النظرة الاخيرة قبل ان يولى مبتعدا للأبد..

تسامر مع أصحابه و تجاذب أطراف الحديث و هم بالرحيل الا انهم ناشدوه ليغنى قبل ان يرحل و يفتقدوا صوته بينهم.. كان فى سبيله للرفض فلم يكن يغنى رغبة فى الغناء فقط بل كان يغنى لأجلها و هى اليوم غائبة و غاب معها حنينه للغناء و الذى انقطع عنه فترة ليست بالقصيرة تقريبا منذ لقائه مع ابيها.. و لكن فجأة رأها تدخل و كأنها تعلم بوجوده و جاءت لتلقاه كما كان يحدث بينهما فيما سبق..

الان فقط شعر برغبة ملحة فى الشدو كما لم يشدو سابقا فأنتزع الميكرفون من زميله و وقف يغنى مسلطا نظراته عليها:-
بينى و بينك سُوَر ورا سُوَر..
و انا لا مارد و لا عصفور
فى ايدى ناى و الناى مكسور
و صبحت انا ف العشج مثل..
البحر بيضحك ليه
و أنا نازلة أتدلع أملا الجلل
البحر غضبان ما بيضحكش
أصل الحكاية ما تضحكش !

البحر جرحه ما بيدبلش..
وجرحنا ولا عمره دبل...
البحر بيضحك ليه..
و أنا نازلة أتدلع أملا الجلل
قللنا فخارها جناوي..
بتجول حكاوي وغناوي
يا جلة الذل أنا ناوي
ما أشرب ولو في الميّة عسل
البحر بيضحك ليه..
و أنا نازلة أتدلع أملا الجلل.

اعاد حامد المقطع الاخير متعمدا و اخيرا توقف شدوه وترك حامد الميكروفون وودع أصحابه فى سرعة و اندفع مبتعدا حتى لا تلحق به.. لكنها لم تيأس و نادته عدة مرات حتى أزعن لنداءاتها و توقف على مضض لتتوقف قبالته و هتفت لاهثة:- ازيك يا حامد.. كده كنت تبقى هنا ف الجامعة و متفكرش تشوفنى!؟..

هتف فى كبرياء جريحة:- يا بت الناس انى مش كد المجام عشان أعرفك م الاساس..
هتفت سلوى فى حزن:- حامد.. بجد انا آسفة على كل اللى قاله بابا.. انا لو اعرف انه هيعمل كده مكنتش قلت لك تعال قابله..

هتف حامد بضيق لتذكره ما حدث من ابيها و كيف عامله بطريقة فظة و بأسلوب متعال:- خلاص.. اللى حصل حصل.. و انى اللى أسف.. أسف بچد انى ورطتك ف حكاية مكنتش اعرف انى مش كدها.. كنت فاكر انى كفاية احبك عشان اعرف أوصل لك لكن كنت غلطان.. انى اللى أسف عشان مجدرتش اوفى بوعدى معاكِ و نكون لبعض عشان فى حاچات كَتير طلعت اهم م الحب مية مرة لا انى و لا انتِ كنّا عاملين حسابها..

و هم بالرحيل فأستوقفته هاتفة:- انت هتمشى !!
اكد بايماءة من رأسه.. لتستطرد بدموع تترقرق متوسلة:- طب ما تخليك معايا شوية..
هتف فى حزم رغم لين قلبه لدموعها المنسابة:- مجدرش.. سكتنا من زمان مش واحدة.. عن اذنك..
و اندفع مهرولا ليبتعد عنها و قد شعر ان قلبه قد انشطر نصفين لكن جرح قلبه لا يقاس مطلقا بجرح كرامته و ذُل كبرياءه الذى عاناه امام ابيها فقد اقسم بعد لقائه ان يصون كرامته و يحفظ كبرياءه و ليذهب حبه للجحيم..

ستعيده اليها.. ستفعل و لو بعد حين
ستلزمه ان يشتاقها فوق الأشتياق.. ستجعل لحظاته بداخل حجرتهما نار تأكله حتى يدرك جيدا انها لن تترك ثأرها دون ان تناله من قلبه ذاك القاسِ الذى ما لان لها لحظة منذ وطأت قدميها تلك الغرفة ليلة زفافهما..
بإستثناء تلك اللحظات التى كان ينسى فيها انه حرمها على نفسه و ما ان يتذكر حتى يندفع مستغفرا مبتعدا عنها..

انها تحبه.. لكنه جرحها.. ووجعها يئن بداخل روحها كخنجر مغروس بين اضلعها.. هى تعلم انها اخطأت لكنها كانت فى سبيلها لتعترف له بكل شئ ليلة زفافهما.. كانت ستطلب منه الغفران على هفوة ما كانت قادرة على التصرف حيالها.. لكنه اخرسها و ألجم لسانها و هى يقذفها بأبشع اتهام ما كانت تتوقعه و لا فى اسوء كوابيسها و خاصة منه هو دون عن سائر البشر..

دمعت عيناها لكنها عزمت امرها و نفذت ما انتوته و عادت ادراجها فى هدوء لتستلق على فراشها فى دعة قبل ان يندفع هو للغرفة فى غضب كعادته ليمارس طقوسه المعتادة من غياب طويل داخل الحمام و اخيرا فتح الخزانة و اخراج مرتبته ووسادته و إلقائهما بغيظ على الارض و الاندفاع ليتمدد عليهما مغلقا عينيه فى ضيق و قد امسك نفسه متلبسا بالتطلع الى موضعها على الفراش..

زفر فى حنق و انقلب على جانبه الاخر و قد غاص وجهه ف الوسادة محاولا محو صورتها من مخيلته.. لكن مهلا.. ما تلك الرائحة المحببة لنفسه و كأنها.. انه عطرها.. همس لنفسه و غاص وجهه اكثر بين طيات الوسادة التى تشربت عطرها و لا يدرك من اين أتاها ليتعلق بها.. اسكرته الرائحة و ملأ بها صدره حد الثمالة.. و ما عاد قادرًا على ذاك الحصار الذى يواجهه.. عطرها المشربة به روحه و محياها الذى يطالعه أينما يقلب وجهه.. هذا كثير على قدرة احتماله.. هذا كثير على ما ينوء به قلبه.. بل انه اكثر من كاف يا مهران..

هكذا هتف لنفسه و هو ينهض فى عجالة مندفعا خارج الغرفة و قد قذف بالوساطة بعيدا فى غيظ.. وما ان أغلق الباب خلفه حتى ضحكت فى سعادة و هى تراه معذبا مثلها بشوق يحرقه هو الوحيد القادر على إطفاء لهيبه لكن كرامته تأبى.. كما تأبى كرامتها ما ألحقه بها من اتهامات هى منها بريئة.. و طاهرة..

كانت تعلم انه فى سبيله الى النجع لمباشرة تحضيرات عقد قرانهما بعد يومين.. غاب عشرة ايّام كاملة.. غاب فيها على اثره ذاك التعقل الذى تدعيه و الرزانة التى تكلل محياها و المنطق الذى دوما ما يغلف أفكارها و خواطرها.. لكن أى منطق و اى تعقل و هو بعيد عنها حيث تقبع جميع النساء عاداها الى جواره!؟...

رحل للقاهرة كعادته و تركها تتجرع مرارة الغيرة و الحقد على كل امرأة قابلته و لو صدفة دونها.. اللعنة على مشاعرها التى لا تسطيع السيطرة عليها و على قلبها الذى ما عادت قادرة كعادتها على كبح جماحه ..
تنهدت فى ضيق و هى تلقى بهاتفها على فراشها لا تعلم كيف يمكنها ان تخبره بما اعتزمت عليه..

و هل أنا عزمت امرى على شئ من الاساس حتى أخبره بِه!؟.. هتفت فى نفسها متسألة.. للأسف هى حتى لم تستطع تحديد ما ترغب به.. ما تريده بالفعل.. لقد أعطى لها حرية الاختيار وهى لا تملك تلك الرفاهية من الاساس.. عليها الان كما اتفق معها ان تمسك بهاتفها و تحادثه لتخبره برأيها النهائى.. تطلعت للهاتف و قد عزمت امرها على الرفض و الهرب بعيدا..

اندفعت اليه تحمله باحثة عن رقمه فى سرعة و اخيرا داست ذر الاتصال رغبة منها فى إنهاء تلك الحالة البشعة التى تنتابها و لتنهى الامر فى عجالة حتى تستريح.. لم يمهلها باسل الفرصة حتى لتعيد التفكير و تغلق الهاتف فقد رد فى سرعة عجيبة ادهشتها و هو يهتف فى هدوء يحاول تصنعه كما ادركت بفطرتها:- السلام عليكم يا استاذة.. ايه الاخبار!؟

حاولت ان تنطق و لكن شعرت فجأة ان لسانها ألتصق بسقف حلقها و ان حلقها نفسه جف كصحراء لم تزرها الأمطار لعصور.. استطرد هو مشجعا عندما شعر بدوره بترددها و توترها:- هااا يا بت خالى.. !!؟.. موافجة و..
قاطعته دون ارادتها فقدت انفكت عقدة لسانها فجأة و وجدت نفسها تهتف:- ااه.. اصل..
لم يمهلها لتوضيح ما تقصده بل صرخ فى فرحة هستيرية:- جلتى اه.. انتِ موافجة.. !!..

كانت تعرف انه مجنون كليا لكن مثل ذاك الجنون الذى يتناهى لمسامعها عبر الهاتف لهو جنون مطبق فيبدو انه كان يصرخ من خارج نافذة سيارته التى كان يستقلها عائدا من القاهرة هاتفا بحماس منقطع النظير:- وافجت.. هتچوز يا چدعان..

دمعت عيناها لفرحته بهذا الشكل الصاخب و شعرت بقلبها يكاد يتوقف نبضه لمجرد شعورها انه يعشقها لهذا الحد.. انه باسل و كفى.. هتف قلبها و عقلها و كذلك روحها بأسمه لتدرك انها لم و لن تعشق سواه و سيظل حبيبها الأوحد ما حيت.. سالت دموعها و هى تستمع لكرنفال السعادة الذى يصنعه ببوق سيارته الذى ما رفع كفيه عنه منذ جاءه ردها المزعوم بالموافقة..

هتفت هى محاولة اثارة انتباهه:- بص يا واد عمتى.. اصل انت..
هتف مقاطعا فى سعادة:- انى ايه!؟.. انى خلاص مش عايز حاچة تانية م الدنيا.. كفاية انك..
و فجأة سمعت مكابح سيارة تعلو بقوة و صرخات و صدام و انقطع الإتصال بينهما لتصرخ بإسمه و لكن لا مجيب...

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 8 من 36 < 1 16 17 18 19 20 21 22 36 > الأخيرة





الكلمات الدلالية
رواية ، ميراث ، العشق ، والدموع ، موال ، التوهة ، والوجع ، رباب ، النوح ، والبوح ، العمر ، وزواده ،











الساعة الآن 04:50 AM