logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 7 من 36 < 1 15 16 17 18 19 20 21 36 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 04:33 صباحاً   [52]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الثاني عشر

دخل حمزة على أخيه حامد ليجده و قد استعد متأنقا فى حلته الرمادية و قد بدأ يصدر لحنا منغما من بين شفتيه فى انسجام تام و هو ينثر العطر على سترته.. ابتسم حمزة هاتفا فى مشاكسة:- هو انت خلاص نويت و هتروح النهاردة لأبو سلوى ذى ما طلب!؟.. يا بنى متتتسرعش كِده.. رايح تچرى على ابوها و انا ملحجتش حتى تجعد معاى من ساعة ما وصلت..

كان حمزة قد وصل للنجع بناءً على موعد وصول سيد و الذى تحدد ليكون بعد وصوله بعدة ايّام ليجهز له الأمور الفنية و معاينة أرض المشروع بالإتفاق مع عمه عاصم..
هز حامد رأسه موافقا و هتف فى سعادة:-انت مش مهم دلوجت.. انت تتأچل الجاعدة معاك لحد ما ارچع.. دِه انى اخيرا هدخل بيتهم و اطلبها.. و هاتبجى حلالى و محدش يجدر يتكلم معانا نص كلمة..

ابتسم حمزة فى سخرية هاتفا:- بجى كِده بعتنى حلا.. !!.. و قهقه مستطردا.. انى مش عايز أحبطك بس انت فاكر انك لمچرد ما روحت بيتهم و جعدت مع ابوها يبجى كِده خلاص.. استنى حتى لما تاخد موافجته و بعدين تعالى هيص و غنى زى ما انت عايز..
هتف حامد فى ضيق:- يا ساتر عليك.. و ايه اللى هيعجدها بس.. جول يا رب..
هتف حمزة و هو يربت على كتفه:- يااارب يا حامد.. و الله انى ما رايد لك الا الخير.. ربنا يسهلهالك.. بس بجولك..

استدار حامد من امام المرآة متستفسرا:- خير.. !!
استطرد حمزة:- ليه رايح بالبدلة الچديدة.. كنت روح بأى حاچة كويسة و سيب البدلة للخطوبة و لا حتى جراية الفاتحة.. !!؟..
هتف حامد مفكرا:- فكرك كِده.. !!
هز حمزة رأسه مؤيدا ليسرع حامد بخلع الحلة الرمادية الجديدة و استبدالها فى سرعة بأحد القمصان و السراويل ليندفع خارج الغرفة مودعا حمزة على عجالة و يبتسم فى فرحة طاغية و كأنه طائر فوق السحاب..

طرقت ثريا باب غرفة المكتب على عاصم و ضيفه ليأذن لها هاتفا:-ادخلى يا نچاة..
دخلت لتضع صينية المشروبات امام الضيف و ما ان همت برفع رأسها لتستأذن مغادرة حتى هتف الضيف في مشاكسة:- الباشمهندسة بحالها اللى بتقدم لنا الضيافة!؟..

رفع عاصم رأسه عن الأوراق هاتفا بتعجب:- انت تعرفها يا باشمهندس سيد!؟..
ابتسم سيد معلنا:- لولا الباشمهندسة مكنتش عرفت اجى ع السرايا.. لما عربيتى عطلت ع الطريق هي اللى اتكرمت ووصلتنى لهنا..
هتفت ثريا في بلاهة:- عربيتك عطلت!؟..

و تنبهت انه يجلس بأريحية كبيرة مع عاصم الهوارى كشريك عمل لا كطالب وظيفة او متوسل لواسطة ما حتى يتم تعيينه..
ليستطرد سيد منتشيا من مظهرها المشدوه مخرجا إياها من شرودها و مؤكدا على ظنها الجديد:- ده انا مديون للباشمهندسة كمان..
قهقه عاصم:- و لا يهمك يا باشمهندس سيد.. ثريا مسامحة و لا ايه يا ثريا!؟..

استفاقت ثريا من صدمتها هاتفة لعاصم:- اه طبعا يا عاصم بيه.. طبعا..
هتف عاصم متفاخرا:- ثريا ف اخر سنة هندسة.. بس ايه بتطلع كل سنة بأمتياز.. لو شدت حيلها السنة دى هاتبجى معيدة ف الچامعة كمان..
رفع سيد حاجبيه تعجبا و هتف:- هااايل.. بالتوفيق يا باشمهندسة..

هزت رأسها في تأدب شاكرة و همت بالاستئذان لتغادر الغرفة الا ان سيد هتف يستبقيها متسائلا:- يا باشمهندسة.. ممكن استشارة بسيطة!؟
تعجبت لطلبه فهو مهندس بالمثل كما سمعت عاصم يلقبه و هو بالتأكيد اكثر خبرة و اعلى كفاءة منها بمراحل حتى يتواضع و يطلب استشارة هندسية من مجرد طالبة في سنتها الأخيرة.. لكنها ازعنت عندما وافق عاصم بإيماءة من رأسه لتقترب هاتفة:- اكيد.. تحت امرك..

أشار سيد لبعض الرسومات و الأوراق المفرودة على طول مكتب عاصم و عرضه هاتفا:- يا ريت تلقى نظرة على المواقع دى و تقررى اى المواقع انسب للمشروع اللى قدامك ده!؟..
انحنت ثريا على الأوراق و الرسومات في اهتمام بالغ و غابت تماما في تفاصيلها و أخيرا هتفت بعد بعض الوقت:- الموقع ده يا باشمهندس هو الأنسب لانه الأبعد عن مشاكل المياه الجوفية اللى ممكن تتعرضوا لها اثناء الحفر ووضع الأساسات..

هز سيد رأسه بأستحسان هاتفا:- برافو يا باشمهندسة.. ده نفس الموقع اللى وقع اختيارى عليه انا و باشمهندس حمزة و هنروح نشوفه النهاردة ان شاء الله..
ثم نظر الى عاصم مستطردا:- فعلا باشمهندسة شاطرة يا عاصم بيه.. عشان كده اسمح لى اعرض عليها وظيفة محترمة ف شركتى..
شهقت ثريا في صدمة غير مصدقة بينما تطلع عاصم لسيد متعجبا من جرأته و سرعة اتخاذه القرار و هتف مؤكدا:- ثريا زى بتى.. بس الأمور دى ابوها هو اللى ليه الكلمة الأخيرة.. و انت شركتك ف مصر يا باشمهندس و..

قاطعه سيد هاتفا:- لا يا عاصم بيه.. انا عايزها تشتغل هنا.. ف فرع شركتنا المشتركة بينى و بين شركة زكريا بيه.. يعنى مش هتبعد عن النجع.. و تبقى مساعدة شخصية ليا و تحل مكانى ف عدم وجودى لما أكون ف فرع شركتى ف مصر..
هتف عاصم:- طب و مذاكرتها!؟.. دى هاتتخرج كمان كام شهر و نبجوا نشوفوا الموضوع دِه عشان متتعطلش عنيها..

اكد سيد:- انا مش هعطلها اطلاقا لأن فترة نزولى هنا ف الأول مش هاتبقى كتير.. ده غير ان دى فرصة تدريب هايلة للباشمهندسة يتمناها اى باشمهندس على اول الطريق و اكيد هي عارفة ده كويس..
و تطلع لثريا و هو يلقى جملته الأخيرة و لم تعقب هي بحرف واحد الا عندما تطلع لها عاصم مستفسرًا:- جلتى ايه يا ثريا يا بتى!؟..

هتفت ثريا و هي تتطلع لسيد بإيباء فطرى:- هفكر و أرد على الباشمهندس قبل ما يسافر بإذن الله..
نهض سيد بأريحية ليغادر مع عاصم لمشاهدة موقع المشروع على الطبيعية و هتف في ود:- هنتظر ردّك يا باشمهندسة.. يشرفنى العمل معاكِ..
و مد كفه ليلقى السلام في بساطة الا انها أماءت رأسها محيية وغادرت تاركة كفه ممدودة مما استرعى انتباه عاصم ليدارى ابتسامة طلت على شفتيه من جراء فعلة ابنة غفيره و ربيبة زهرة التي اورثتها عزة النفس و الكبرياء الذى لا ينحن..

تقدم الحاج حامد الحناوى يسير
الهوينى بإنكسار واضح متوجها لداخل داره بعد توديعه لأخر المعزين في
ولده و يسير جواره بن أخيه جاسم
الذى كان عمه يستند الى عضده فى وهن واضح..

ما ان هم الحاج حامد برفع قدمه
لأولى درجات سلم داره الكبيرة تلك
التى تقبع شامخة فى قلب نجع
الحناوى الا و سمع صوتا يهتف فى ثبات من خلف احد الأشجار
القريبة:- البجية ف حياتك يا حاچ
حامد..

تسمر كل من حامد و جاسم بن أخيه فى صمت للحظات و اخيرا هتف
الاخير فى صوت صارم كهزيم
الرعد:-؟انتِ مين يا مَرّة!؟.. جربى
هنا وجولى انتِ مين او روحى لحال سبيلك احنا منجصينش..
كان حامد يقف مزهولا يحاول ان
يصدق ان ذاك الصوت الذى يأتيه
الان من اعماق الماضى السحيق هو صوتها..

دبت فيه القوة فجأة مما اثار تعجب بنأخيه والذى ترك عضده التى كان
يستندعليه امرا اياه فى صرامة:-
روح أنت دلوجت يا چاسم..
هتف جاسم معترضا:- لكن يا عمى
.. كيف اس..
قاطعه حامد بنبرة حازمة:- بجلك
روح حلاً..

انصرف جاسم متعجبا يقتله الفضول ليعرف من تلك المرأة التى تنتظر
عمه خلف تلك الأشجار متخفية و التى من الواضح انها على معرفة
وثيقة به..
اندفع الحاج حامد بإتجاه مصدر
الصوت و ما ان اقترب حتى هتف
فى لهفة:- سَكينة!؟..

خرجت من مخبئها تقترب من موضعوقوفه ليراها رؤى العين للمرة الأولىمنذ ما يقارب النصف قرن..
همست فى وجل و بنبرة مرتعشة غيرمعتادة من تلك المرأة الجريئة التى لا يهمها لوم اللائمين أى كانوا لكنها الان فى حضرته هو:- ايوه..
انى هي يا حامد.. لساتك فاكر سَكينة!ووچع سَكينة!؟.. و حرجة جلب
سَكينة!؟..

هتف مؤكدا فى لوعة:- و لا عمرى نسيتك.. لفيت عليكى الصَعيد كله
شرجه وغربه عشان اعتر عليكى
ملجتكيش.. حسرة جلبى عليكى
مكنتش هينة.. و انت واعية زين
انى بجول الصدج و لو على رجبتى.
همست عاتبة:- امال ليه طلجتنى و سبت ورجتى مع البت لواحظ..!؟

اكد هامسا:- عشان كنت فاكر انك بعتينى و نسيتى حامد و روحتى.. جلت اعمل بأصلى و أبعت لك ورجتك عشان مربطكيش بيا..
هتفت تؤكد:- اشوف حالى!؟.. حالى كان عدم من بعدك يا حامد.. انى كمان كنت فاكرة انك بعت و اهى بت غازية خدت لك معاها يومين و راحوا لحالهم و بعت لها ورجتها و خلصت الحكيوة على كِده.. و جلت ان اخوك الكبير هو اللى غصبك على كِده بعد ما عرف باللى بينا.. و انت اكيد طاوعته..

هتف حامد جزعا:- صابر اخوى.. عِمل ايه!؟.. و ايه عرفه بيكِ من الاساس!؟..
اكدت:- معرفاش.. هو جانى ف ليلةو جالى بالفوم المليان انى ابعد عنيك و الا اجول على نفسى وأهلى يا
رحمن يا رحيم.. و طردنا من البلد كلها و جالى.. اياك اشوف خلجتك ولاحتى ألمح ضلك ف الصعيد كلاته.. خفت على نفسى وأهلى و الأهم
خوفت على ولدى.. ولدنا يا حامد على شرع الله..

هتف حامد صارخا وهو يندفع ممسكا بكتفيها يهزها كالمجنون:- بتجولى ولدى.. ولدى انى.. كيف و ميتا!؟..
اكدت و الدموع تسيل على خديها:-عرفت بعد اخرمرة كنت عِندى فيها.. و كنت هفرِحك لما تاجينى ف ميعادك.. لكن اخوك صابر سبج و چه وطردنا ذى ماجلت لك.. و انت عارفه كان عامل كيف و ممكن يعمل فينا ايه!؟.. دِه رضا جووى انه مدورش فينا الجتل يوميها و مكنش هايبجى لينا عنديه دية..
اكد بإيماءة من رأسه مصدقا حديثها فأخيه صابر كان وحش قاس القلب لا يرحم.. و ابنه جاسم لا يتخير عنه و كأنه نسخة اخرى منه تركها لتخلفه فى نفس الصفات و يورثه نفس الجبروت و القسوة..

انتفض من شروده على ورقة مطوية تفرد امام ناظريه ليتطلع اليها متسائلا:- ايه دِه!؟..
مدت يدها تضع الورقة فى كفه هاتفة:دى شهادة ميلاد ولدك.. يونس حامد محمد عبد الصمد.. محطيتش اسم العيلة.. حتى الخوف لچمنى انسب ابنك ليك حتى ف الاسم كامل.
ضم حامد الورقة لصدره للحظات متأثرا ثم هتف اخيرا فى لهفة:- هو فين يا سَكينة!؟.. مچبتيهوش معاكِ ليه!؟..
تساءلت فى حذّر:- كنك متوكد انه ولدك!؟..

اكد فى سرعة:- معلوم ولدى.. وحتى من غير شهادة ميلاد.. برضك ولدى.. كفاية انكِ انتِ اللى تجولى كِده عشان اصدج..
دمعت عيناها فى امتنان و تساءلت منجديد:- يعنى هاتعترف بيه.. وتجول انه ولدك جصاد العالم كليها!؟
هتف فى تأكيد:- معلوم.. هجول..
و حجه هايرچع له ف كل حاچة كفاية انه اتربى بعيد عن حضن ابوه ثم استطرد هاتفا فى تنهيدة حارة:- انتِ متعرفيش كد ايه رديتى روحى بالخبر دِه!؟.. كنت مفكر خلاص بعد روحة عبدالله مبجاش ليا سند و لاضهر اتعكز عليهم ف شيبتى..

هتفت سكينة فى تخابث:- ليه.. ربنا يخليلك دِه اللى كان واخد بيدك و اللى معرفهوش يبجى مين..
هز حامد رأسه نافيا:- اللى شفتيه معاى دِه چاسم واد صابر الله يرحمه و ميتخيرش عنيه.. عرفتى انى بجولك انى محتاچ يونس جووى ليه.. كنه العوض اللى ربنا بعتهولى بعد عبدالله..
هزت رأسها تفهما وقد أدماهاإحساسها بقلب الاب المكلوم فى ولده و ذاك البريق من الأمل الذى أضاء عينيه بنور الحياة من جديد بعد معرفته بوجود يونس..

انتفضت من شرودها متأهبة للرحيل هاتفة:- انى اتاخرت جووى لازما ارچع..
هتف الحاج حامد خلفها فى لوعة:- هتاجى تانى!؟.. و هاتعرفى تروحى كيف دلوجت لحالك!؟..
هتفت و هى تستدير مغادرة:- متخافش علىّ عاملة حسابى هرچع كيف..
و خطت خطوة مودعة ليتساءل في لهفة من جديد:- مجلتيش.. هاترچعى ميتا!؟..

استدارت نص استدارة و هى تجذب بردتها السوداء على رأسها لتتلفح بها متخفية:- هرچع يا حامد.. وغلاوتك لأرچع.. وابنك ف يدى يا ابو يونس و ابتسمت للحظات و غابت بين الأشجار من جديد ليتنهد فى راحة لم يكن يتوقع ان يظفر بها بعد رحيل عبدالله ولده عن دنياه...

مرت الأيام برتابة و تثاقل من بعد نبأ استشهاد نادر و الساعات قاتمة و اللحظات التي تمر تكاد تخنق الجميع في بيت المعلم خميس الذى وقف صلبا يتظاهر بأن الامر شرفا و عزة على الرغم من انه مذبوح من الداخل يئن في صمت و لا يُظهر كعادته..
اما تلك المسكينة نعمة و التي راحت في غيبوبة طويلة ما ان أتاها الخبر..

تغيب عن الوعى لتعود متسائلة عن ولدها هل عاد ام مازال هناك ينتظر إجازته ليعود ليشهد زفاف أخيه.. ثم تذهب في غيبوبة أخرى كأنما تهرب من الاعتراف ان ولدها ذهب و لن يعود مجددا..

ايّام طويلة مرت و ناصر على حاله يغلق عليه حجرته و شيماء تجلس تحت اقدام أمها نعمة تطيبها و تسهر على راحتها.. تبكى نادر اخيها و تبكى حالها و فرحتها التي وئدت بخبر استشهاده و كأنما كتب عليها الا تفرح قط.. هى تعلم انه ليس فرحا حقيقيا و إنما تستر على فضيحتها.. لكنها كانت تدرك أيضا انها و للحظات معدودة شعرت بتلك الفرحة التي تستشعرها كل عروس مقبلة على زفافها.. و مع اقتراب ذاك اليوم و السباق المحموم لتجهيز عشهما الزوجى نسيت تماما انها ليست عروس حقيقة بل انها ايقنت انها عروس و انها تستحق الفرحة بحق..

لكن حتى تلك الفرحة الوهمية لم تكن لتكتمل.. و اعتقدت في قرارة نفسها انه عقاب ربانى على فعلتها و انها لا تستحق ان يقترن اسمها بذكر ناصر بن خالها الذى قرر التضحية بكل شيء في سبيل الحفاظ على سمعتها و شرف العائلة..
و تذكرت حاله منذ ما حدث و كيف هو قابع بحجرته لم يخرج و لا طالعت محياه حتى.. انها قلقة عليه بحق.. تشعر برغبة قوية في الذهاب اليه و طرق باب حجرته لعله يسمح لها برؤيته.. مجرد رؤيته و الاطمئنان عليه..

أعدت صينية من طعام يحبه و سارت بطول الردهة حتى وقفت امام غرفته و طرقت الباب و تذكرت انها الان زوجته فتجرأت و دفعت باب الحجرة و دخلت بالصينية ليطالعها جو الغرفة الخانق و المظلم كالقبر حتى انها لم تتبين موضع جلوسه للوهلة الأولى فجالت البصر في أنحاء الغرفة حتى وجدته متكوم على نفسه كجنين برحم امه يتوق للأمان على تلك الأريكة الجانبية..

اشفقت عليه و دخلت مغلقة الباب خلفها و تقدمت بضع خطوات ووضعت الصينية على الطاولة بجوار الفراش و سارت حيث موضعه..
غاص قلبها بصدرها و هي ترى ناصر ذو السطوة و الجبروت و الذى دوما ما ابكاها ينام متنهداً في شهقات متعاقبة دلالة على بكاء طويل و حار ترك اثره دموعا جافة على وجنتيه الصارمتين..

امسكت نفسها عن البكاء لمرأه بهذا الشكل و انحنت لمستوى رأسه هامسة في هدوء حانٍ رابتة على كتفه:- ناصر.. ناصر..
انتفض فزعا لندائها متشبثا بكتفيها هاتفا:- امى كويسة!؟.. ابويا جراله حاجة!؟..
ربتت على كتفه من جديد:- اهدا يا ناصر.. هما كويسين متخفش.. انا بس كنت بطمن عليك.. انت محطتش الزاد ف جوفك من ساعتها..
ترك كتفيها في تثاقل مشيحا بوجهه عن محياها هامسا في صوت متحشرج:- نادر راح يا شيماء.. نادر راح..

كتمت شهقة بكاء كادت تصدر عنها و اقتربت تربت على كتفه في حنو تبتلع غصة بحلقها كادت تقتلها تحاول التماسك لأجله مدعية الصلابة هامسة:- مين بس اللى قال كده!؟.. نادر لسه عايش.. حى يرزق.. بس عند رب العالمين..
و اندفعت تحضر طبق من الطعام من الطاولة القريبة مستطردة في فخر و هي تقف قبالته ممسكة بالصحن هاتفة:- بزمتك.. في احلى من كده عيشة..
و رفعت لقيمة من الطبق لفمه مقتربة لتطعمه هاتفة:- خد دى عشان خاطرى..

ليرد هو و كأنه لم يع او يسمع ما كانت تقول هامسا:- بس انا مش هشوفه تانى يا شيماء.. مش هشوفه تانى.. مش هتلاقى اللى يقولك يا شوشو و اضايق منه عشان بيدلعك.. مش هعرف مين البت اللى بيحبها عشان اروح اخطبهاله يا شيماء.. مش هيكون في نادر تانى يا شيماء..
و شهق في لوعة و اندفع بلا إرادة منه يدارى رأسه بصدرها متشبثا بها في وجع..

أوقعت الصحن من كفها و بدأت في النحيب مشاركة إياه البكاء في حزن قاتل و بلا وعى طوقت رأسه لتضمها لصدرها اكثر رغبة في انتزاع الألم الذى يمزقه.. او حتى على اقل تقدير مشاركته إياه مناصفة..

لا تع كم بقى على حاله.. و لا كم ظلت تنتحب.. و لا تعلم من الذى بدأ في الانسحاب من ذاك التشابك المحموم بينهما.. لكن كل ما كانت تدركه انها الان خارج غرفته.. دخلتها بحال و صورة لناصر في مخيلتها لم تتزحزح قط.. و الان ترى ناصر بصورة أخرى لم تكن تتوقع وجودها.. و الأدهى من كل ذلك.. انها هي نفسها تشعر بتبدل غريب تجاه بن خالها الصلف الذى كان في أحضانها منذ لحظات و الذى تستشعر انها تركت شيء عزيز عليها لازال يعانقه حتى اللحظة و لم يغادر معها الغرفة.. غرفته..

خرج من النقطة يستقل سيارة الشرطة التى كان احد العساكر مرابط بانتظار خروجه امام مقودها ما ان رأه حتى بدأ فى تشغيل السيارة متأهبا للتحرك بها الى حيث يأمر سيادة الضابط..
اندفع حازم يستقبل العربة هاتفا بحزم فى سائقها امرا اياه:- ع البيت يا عسكري..

اندفع العسكرى منفذا ليسير على ذاك الطريق الترابى الضيق محازيا لترعة ما قد جف بعض ماءها فى ذلك الوقت من العام.. لحظات و انتبه حازم لتلك السيارة التى تقف على احد جانبى الطريق و قد استطاع تمييزها دون جهد يذكر.. فهتف بسرعة امرا
السائق:- أركن على جنب..

نفذ الجندى بسرعة و ترجل حازم مسرعا يتوجه لسائق العربة الذى كان وجهه غائب فى داخل أحشائها و قد تطلع بسرعة لداخل السيارة ليتأكد انه ليس احد ما هناك بالداخل و قد كانت فارغة بالفعل فهتف فى السائق الذى يعرفه جيدا:- خير يا مهني!؟.. فى مشكلة و لا ايه مخلياك راكن كده!؟..
انتفض مهني محييا فى احترام:- ازيك يا سعادة البيه.. اه.. العربية باينها عِملتها معاى.. محتاچة شوية شغل..

هم حازم بسؤاله عن ما اذا كان احد معه عندما تعطلت العربة لكن مهني لم يمهله بل هتف فى توسل:- اللى مضايجنى ان الست تسبيح كانت معاى و لما لجيت موضوع التصليح ده هيطول مشت لوحدها..
ما ان سمع حازم بذلك حتى هتف مؤنبا:- و سبتها تمشى لوحدها دلوقتى يا بنى أدم.. !!

و اندفع دون حتى ان يسمع دفاع مهني بل امر العسكرى فى عجالة ليخرج من امام مقود السيارة و يبقى مع مهني بينما اندفع هو يقودها فى تهور على ذاك الطريق الترابى الضيق و قد ثارت خلفه عاصفة من غبار..
دقائق مرت حتى لمحها اخيرا.. لكن لم تكن بمفردها بل كان هناك شابان على احدى الدراجات البخارية يحاولان مضايقتها و هى تحاول تجنبهما لكن لا جدوى و خاصة مع حركة قدمها المريضة التى باتت ملحوظة جدا و هى تحاول الهرولة مبتعدة عن مجال سيرهما..

توقف فجأة بجوار الدراجة البخارية حتى كاد ان يُسقط راكبيها و شهقت هى فى فزع لصوت مكابح السيارة التى زمجرت فى قسوة بينما تنبه الشابان لعربة الشرطة و ذاك الذى ترجل منها شاهرا سلاحه لينتفضا مسرعين بالدراجة يسابقان الريح و هو يوجه سلاحه فى أثرهما..
لتتنبه هى فتندفع فى هرولة قدر استطاعتها لتدفع سلاحه بعيدا لتخرج احدى الرصاصات بعيدا عن هدفها المطلوب.. وتهتف هى غير مصدقة:- انت هتعمل ايه!؟.. هتجتلهم!؟..

هتف فى غيظ:- اجل حاچة يستاهلوها..
توقفت تنظر اليه مشدوهة للحظات و اخيرا ابتسمت ثم انفجرت ضاحكة مما استرعى انتباهه ليحملق فيها كالأبلة غير مدرك انه يتفرسها لتهتف هى مازحة كعادتها:- كام شهر كمان معانا يا حضرة الظابط و هتبجى صعيدى تمام..

انتبه انه نطق بلسان صعيدى فصيح فأبتسم احدى ابتساماته النادرة و هو يخفض سلاحه هاتفا:- انتِ هتعملى ذى الحاج زكريا و لا ايه!؟.. و انا قاعد معاه بقى بيفلت منى كلمات صعيدى من كتر احتكاكى بالعساكر بقى بيقولى "عرجك الصعيدى اخيرا ظهر.. كام شهر و تبجى بتتكلم صعيدى على ابوه.. "
انفجرت ضاحكة على تقليده لأبيه و لهجته الصعيدية التى لم يتخل عنها رغم رحيله عن الصعيد منذ زمن و حياته التى قضاها بعيدا عنه..

انتبه لضحكاتها من جديد و تحرك شئ ما داخله جعله يهتف فى عجالة:- اتفضلى أوصلك..
و أشار للسيارة و هو يتوجه اليها بدوره لتهتف هى فى حرج:- مش عايزة أعطلك.. شكلك كنت رايح مأمورية و لا حاچة!؟..
اكد و هو يفتح باب العربة مشيرا لها من جديد:- لا مكنتش رايح ف حتة.. كنت مروح و سكتك ف طريقى.. اتفضلى.. ثم هتف و قد تحولت لهجته للعصبية:- و لا اسيبك تمشى لوحدك و يتعرضوا لك الأشكال دى تانى!؟.

اومأت بالإيجاب و هى تنظر اليه فى قلق و تعجب.. و قد رأته قد تحول فجأة من شخص مرح الى شخص ملتهب الأعصاب..
دخلت السيارة فى هدوء و جلست دون ان تنبس بحرف و تحركت العربة لتختلس نظرة اليه لترى حاجبيه الكثين معقودين بطريقة عجيبة.. أمسكت ضحكاتها على مظهره الجدي.. و حاولت ان تمسك لسانها ايضا لكنها لم تستطع فطبيعتها المشاغبة غلبتها لتهتف فى مرح:- لو حضرتك مضايج كِده من وچودى انزل احسن.

نظر اليها فى تعجب متسائلا:- بتقولى ليه كده!؟.
هتفت مازحة من جديد:- اصل مش عارفة حاسة ليه ان مكانى مش هنا.. و اشارت لموضع جلوسها جواره.. و استطردت هاتفة و هى تشير بكفها لصندوق السيارة الخلفى حيث يُوضع المجرمون:- حاسة ان مكانى المفروض كان هنا.. بتكشيرتك دى حاسة انى مقبوض عليا و اتحطيت ف المكان الغلط..

لاحت ابتسامة على جانب فمه و هتف مؤكدا:- لا مش مكشر و لا حاجة بس انا مركز ف الطريق عشان انا لسه مش حافظه..
ثم أشار مدلالا يسأل:- هو المفروض اروح يمين و لا شمال على طريق بيتكم..
ابتسمت مشيرة بدورها:- يمين ان شاء الله..

لحظات صمت لم يقطعها اى منهما حتى وصلت العربة امام دار ابيها.. كانت أمها سهام بالقرب من باب الدار عندما لاحت لها السيارة قادمة من بعيد.. انتظرت حتى هلت عليها لتهتف فى هلع ما ان رأت تسبيح تطل منها:- ايه فى !!.. خير يا تسبيح يا بتى.. !؟.
تصنعت تسبيح البكاء و هى تندفع لأمها هاتفة:- حضرة الظابط جبض عليا يا ماما.. جال عِملت مشكلة ع الطريج..

ترجل حازم من السيارة ينظر الى تسبيح و قدرتها على التمثيل و إقناع أمها التى هتفت فى لوعة مصدقة ادعاء ابنتها:- مشكلة ايه اللى عملتيها!؟.. و راح فين مهني المخبل و سابك لحالك!؟.. و بعدين برضك يا واد زكريا تعمل كِده ف بت عمتك!؟.. و الله لأجول لأبوك..
انفجرت تسبيح مقهقهة و هى تبتعد عن احضان أمها فى اتجاه باب الدار مخافة عقابها و هى تهتف:- خالت عليكى يا سوسو.. دى العربية عطلت و مهني واجف ع الطريج محتاس فيها و لولا حضرة الظابط كان زمانى مخطوفة و بتدوروا عليا و بتلموا تمن الفدية كمان..

هتفت سهام محرجة و هى تتوعد ابنتها:- حاضر يا تسبيح.. بجى كِده.. أدبك علىّ..
و توجهت بحديثها لحازم الذى كان مازال يقف يتابع الموقف مستمتعا رغم ما ناله من تقريع لتهتف فى نبرة أسفة:- معلش يا ولدى متأخذنيش.. بتى مچنونة.. و انى كل مرة من تغفيلى بصدجها..
ابتسم فى هدوء هاتفا:- و لا يهمك يا عمتى.. استأذن انا بقى..

هتفت سهام موبخة:- لاااه تستأذن
ايه.. !!.. بجى دى تاچى.. نبجوا بنحضروا الغدا و انت على باب دارنا و متدخلش تاكل مع عمك و باسل.. ليه.. بيت يهود.. !؟
ابتسم حازم هاتفا:- مرة تانية يا عمتى.. يا دوب أ..
لم تمهله ليكمل اعتذاره بل هتفت فى حسم:- و لا تانية و لا تالتة..
ثم امسكت بكفه جاذبة اياه لداخل الدار هاتفة تنادى ولدها:- يا باسل.. واد خالك زكريا هنا..

ظهر باسل من داخل الدار مستقبلا حازم فى ترحاب هاتفا:- اهلًا يا حضرة الظابط.. چيت ف وجتك.. الغدا وچب..
و جذب حازم من كفه ليمرا عبر بهو الدار الواسع حتى خرجا من بابه الاخر المفضى على حديقة يوجد على احد أركانها بعض المقاعد و الأرائك تحت شجر المانجو الوارفة الظلال..

جلسا يتبادلا الحديث حتى طلت على الدرج من داخل الدار تسبيح تحمل تلك الصينية الفضية الكبيرة الحجم.. كان باسل غير منتبه لمقدمها لكن هو ظل على حاله نظراته تتبع خطواتها فى وجل مخافة ان تسقط او تتعثر اقدامها فى طريقها إليهما..
هتفت تسبيح ما ان اقتربت تنادى باسل هاتفة:- خد من يدى يا باسل.. الصينية تجيلة..

ما ان استدار باسل بإتجاهها حتى تعثرت احدى قدميها فى حصاه صغيرة كادت ان تسقطها والصينية معا.. الا ان باسل أنقذ الصينية فى اللحظة الاخيرة ليستدير مفسحا موضعا على الطاولة المكدثة بالاشياء واضعا إياها و هو يسخر منها و لا يدرى ان حازم كان الأسبق لإنقاذها هى لتكون كفه جاذبة لمعصمها قبل ان تسقط بدورها.. تشبثت مادة كفها الاخر لتتمسك بمعصمه لتنهض فى حرج تتلفت حولها غير واعية حتى لسخرية اخيها الذى استدار اخيرا هاتفا بها:- حتى الصينية معرفاش تشيليها.. الله يكون ف عونك يا حمزة يا واد عمى..

و وجه حديثه لحازم الذى كان عاد لموضعه و الأضطراب يتأكله بدوره هاتفا:- واد عمك يا حازم اللى هياخدها دِه ليه الچنة و الله..
اندفعت تسبيح هاربة من سخرية باسل.. هكذا كانت تبرر لنفسها اندفاعها من امام حازم.. لكنها كانت تعرف انها كاذبة.. انها تهرب من حازم نفسه.. من نظراته لها ما ان لامست معصمه و تشبثت به و تلك اللحظات التى تشابكت فيها نظراتهما كتشابك الاقدار.. من سيرة حمزة التى ظهرت فى منتصف تلك المشاعر التى غمرت كل منهما لتذبح تلك اللحظات بل تؤدها قبل حتى ان تولد..

ما الذى حدث!؟.. هى لا تدرى.. كل ما تدركه و تعيه جيدا.. انها مخطوبة لحمزة و فى سبيلهما للزواج قريبا.. و هو ايضا على وشك الزواج من خطيبته ابنة اللواء مختار.. اذن.. ماذا يحدث!؟.. حاولت الا تجيب.. وان تتناسى ان هناك ما يحدث بالفعل.


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 04:34 صباحاً   [53]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الثالث عشر

اندفعت كسبانة لداخل غرفة حمزة فى قلق هاتفة لولدها البكر متسائلة:- خبر ايه يا حمزة.. هو حامد مش اتاخر و لا انى اللى جلجانة و مش على بعضى!؟..
نهض حمزة رابتا على كتف امه مطمئنا:- اهدى ياما.. ان شاء الله خير..

كان يعرف ان أخيه بالفعل تأخر عن المعتاد و قد حاول التواصل معه ليعرف اخر الأخبار لكن جواله كان مغلقا و هذا ما استرعى المزيد من قلقه.. فعلى أقصى تقدير كان لابد و ان يكون حامد هنا منذ اكثر من ساعة.. لكن هاهو العِشاء قد أقيمت صلاته منذ ما يقارب النصف ساعة و لا اى اخبار تذكر من أخيه..

هتفت كسبانة تخرجه من شروده بنبرة طغى فيها القلق بالفعل:- لاااه.. كِده كَتير.. الواد دِه راح فين بس !!.. شكل ابو عروسته رفضه.. انى كنت حاسة ان الموضوع دِه مش هيكمل على خير.. استر يا رب..

نظر اليها حمزة فى إشفاق و لم ينبس بحرف واحد فهو كان فى قمة قلقه ايضا و لا يلومها على ما هى فيه.. لكنه لم يستطع الجلوس مكتوف الأيدى و هو لا يعرف اين يكون اخاه ذاك المتهور الذى قد يقترف اى رد فعل جراء ما يمكن ان يكون حدث مع والد حبيبته.. اندفع خارج الحجرة و منها لخارج الدار يبحث عنه ربما يجده قادما على مشارف النجع او يجلس متسامرا مع احد أصحابه..

كان يعلم ان تلك الافكار غير منطقية فى ظل الظرف الذى خرج لأجله حامد و كان لابد عائد فى عجالة لإبلاغهم ما حدث.. غيابه هذا لا ينبئ بالخير ابدا..
مر حمزة بجانب السور الخلفى للدار و ما ان تخطى حجرة التعريشة حتى توقف فى صدمة..
ظل لثوان متسمرا فى موضعه و قد وجد حامد متمددا على احد المراتب القطنية الممتدة على ارضها و قد تكور على نفسه فى وضع جنينى يضم جسده بذراعيه متلمسا الدفء و الأمان...

اندفع اليه حمزة هاتفا بإسمه في قلق:- حامد.. خبر ايه.. حامد رد علىّ.. حاامد..
ضم حمزة أخيه الأصغر بين ذراعيه فى لوعة محاولا إفاقته لكن بلا جدوى.. حمله بين ذراعيه مندفعا لداخل الدار لتصرخ كل من سكينة و كسبانة ما ان وعت لهما على هذه الحالة..

اندفع حمزة لداخل غرفتهما ممددا أخاه على الفراش لتدثره كسبانة فى سرعة و هى تنتحب لا تعرف ما يحدث.. لتصرخ سكينة بحمزة:- ماله اخوك يا حمزة.. لجيته فين و ايه اللى چرى له!؟..
اندفع حمزة خارج الغرفة هاتفا فى عجالة:- مش وجته يا ستى.. انى رايح اجيب له داكتور و إنتوا بلغوا ابويا ياجى يشوف ولده..
و خرج مهرولا من الدار باحثا عن طبيب.

هتفت هداية فى ابنة عمها عائشة متعجلة إياها فى ضيق:- ياللاه يا عيشة.. اتأخرنا جووى على الچامعة..
اندفعت عائشة خلفها هاتفة بإعتذار:- اهاا.. انا چيت اها متجلجيش هنلحجوا معاد المحاضرة..
نظرت هداية لساعة جوالها هاتفة:- مش باين.. اتاخرنا النهاردة بچد..

اندفعت كلتاهما خارج حدود دار العمدة حامد الحناوى فى انتظار السيارة المخصصة التى تقلهما للجامعة الا إنها لم تكن موجودة كعادتها كل صباح لتهتف هداية فى غضب:- اهى كملت.. عم محروس اتاخر بالعربية النهاردة.. اصلها ناجصة تأخير.. !!..
هتفت عائشة فى رعب و هى تتدارى خلف هداية هاتفة بالقرب من اذنيها و هى تتطلع لنقطة ما:-هى كملت بچد.. اطلعى مين اللى چاى علينا دِه.

أدارت هداية ناظريها باتجاه النقطة التى اشارت اليها عائشة بطرف خفى ليطالعها مرأى جاسم بن عمها و الذى وصل لموضع انتظارهما فهتف فى تعاليه المعتاد و هو يتطلع لهداية بنظرات فاجرة لا تليق ابدا بنظرات بن عم الاجدر به حمايتها و صَونها:- كيفكم يا بنات!؟.. نازلين رايحين فين ع الصَباح الفتاح كدِه!؟..

هتفت هداية فى نزق:- و ايه يخصك انت رايحين فين و لا چايين منين!؟.
احمرت عيناه نذيرا لتطاير حمم غضبه لتهتف عائشة بسرعة على غير عادتها:- رايحين الچامعة يا واد عمى.. هنروحوا فين يعنى دلوچت!؟..
هتف جاسم غاضبا و هو يوجه حديثه لهداية التى كانت تقف ساكنة فى شموخ غير عابئة بغضبه الذى تزداد وتيرته:- چامعة ايه.!!؟. احنا مش كنّا فضيناه الموال دِه يوم ما چيت و طلبت يدك من عمى!؟..

اندفعت هداية هاتفة فى حنق بالغ:- طلبك مترديش عليه بالموافجة من اساسه عشان تتشرط و تتحكم.. انى لسه فى بيت ابويا و هو اللى ليه الكلمة الاولى و الاخيرة معاى.. غير كِده انى معرفش.. و ياللاه يا عيشة ناخدوا اى عربية من ع الطريج نلحجوا اللى باجى من محاضرات..

و اندفعت كلتاهما من أمامه الا انه لم ييأس مندفعا خلفهما بدوره هاتفا فى ثورة:- عربية من ع الطريج!؟.. بت العمدة حامد الحناوى تركب عربية من ع الطريج.. ليه من جلة العربيات.. انى هوصلكم لحد الچامعة بعربيتى..

توقفت هداية عندما وصل حديثه لهذه النقطة و جذبت عائشة من يدها لتعود ادراجها هاتفة فى تحدى:- دِه لو هتودينى فين مهروحش معاك.. ياللاه بينا يا عيشة نرچع الدار و بلاها محاضرات من اساسه النهاردة.. هو اليوم كان باين من أوله..

و عادت كلتاهما بالفعل لحدود دار ابيها العمدة و اختفيتا خلف بوابته الخشبية و هو يقف تتعلق أنظاره بتلك الفرسة الجامحة التى يعشقها حد الجنون و التى لن يهدأ له بال حتى تكون من نصيبه بأى شكل من الأشكال..

لم يكن من الصعب ادراك النتيجة التى وصلت اليها مقابلة حامد مع والد حبيبته فقد ظل قرابة ثلاثة ايّام لا ينطق حرفا فقط يتطلع للجميع بلا استثناء بنظرات عجيبة ملؤها الغضب و القهر و لم يكن يغادر غرفته الا للحمام بخطى وئيدة منكسرة و لم يضع الا القليل من الماء فى جوفه
كان بالفعل هزيلا منكسرا روحه ما عادت روح حامد الذى ما كان يكف عن المشاكسة و المزاح..

بكت امه لمرأه بهذا الشكل و كذلك سكينة جدته التى هتفت فى حسرة:- هنسيبوا الواد كِده.. !؟الواد هيروح مننا..
انتحبت كسبانة بمزيد من القهر و العجز لرؤيتها ولدها بهذه الحالة و لا قدرة لديها لمد يد العون له حتى يونس ابيه كان يمر على غرفته يتطلع اليه فى إشفاق و يرحل فى حسرة..

حمزة وحده الذى لم يستطع ان يقف متفرجا على هذه الحالة التى تلبست حامد و لا يتصرف حيالها
فهتف به و هو يندفع للغرفة:- ايه مش كفاية الرجدة اللى ملهاش عازة دى!؟.. كان ايه اللى حصل لكل دِه!؟..
نظر اليه حامد و لم يعلق بحرف ليجذبه حمزة مخرجا اياه من تحت غطاء فراشه ساحبا اياه خارج الغرفة ليجلس بينهم و هم يعدون العشاء
نظرت كسبانة فى فرحة ممتنة لحمزة فعلته فما كان احد قادر على فعلها غيره..

هتف يونس مرحبا:- الله اكبر.. ايوه كِده.. تعال اجعد وسطينا..
و ربت على كتفه و حمزة يجلسه بينه و بين ابيه...
ألتف الجميع حول الطعام و هو صامت لم يأتِ اى رد فعل تجاه ترحيبهم او دعواتهم له لتناول الطعام و كل يضع ما يجود به من طعامه على صحنه لعله يشتهيه فيتناوله.. الا انه لم يفعل..
فهتفت سكينة فى ضيق على حاله:- خبر ايه يا حامد.. !!.. غارت مَرة تاجى غيرها.. دِه انت تتمناك بت الباشا..

انفجر حامد بضحكة هستيرية أجفلت الجميع لينفضوا أيديهم من الطعام محملقين فيه بقلق بعد ان نهض فى انتفاضة هاتفا فى صوت يأتى من اعماق روحه:- بت الباشا تتمنانى انى!؟.. و ضحك من جديد نفس الضحكة الهستيرية التى تؤكد على مدى عمق ذاك الجرح الذى يعانى منه.. ليردف فى صوت خفيض متسائلا:- و بت الباشا هتوافج علىّ ليه يا ستى.. هااا.. على اصل العيلة اللى يشرف صح.. !!.. لا اصل و لا فصل.. اب خريج سچون ميعرفلوش اب و امه كانت غازية ف الموالد.. نسب مفيش بعد كِده الصراحة.. وضحك بسخرية ممزوجة بالحسرة هاتفا... بت الباشا يا ستى هاتبجى مش سيعاها الفرحة كمان ع واد رد السچون اللى جبل بيها..

نهض حمزة صارخا فى غضب محاولا اسكات أخيه و إيقاف تجريحه لكل من ابيه و جدته:- حامد.. انت اتچننت..
هتف حامد و قد اصبح خارج السيطرة تماما:- اه اتچننت.. اتچننت يوم ما فكرت انى عادى اروح أخطب واحدة جلبى رايدها لكن اول ما چت سيرة الاصل و الفصل.. جالولى معلش.. طلبك مش عندينا.. لو انت يا حمزة اللى اتجدمت لهم كانوا عِملوا معاك كِده!؟.. لاااه طبعا.. ما انت بن الهوارية وواحد منيهم.. و اسمهم بيرن ورا اسمك يخلى الكل يوسع السكة و تعدى و انت رافع راسك فوج.. إنما انى.. انى مين.. !؟. و لا حد.. حامد واد يونس واد.. مين!؟..

صرخ بكلماته الاخيرة هاتفا بجنون و هو ينظر لأبيه الذى نكس رأسه فى خجل ليستطرد بإحتقار مشيرا لأبيه:- هو نفسه ميعرفش لانه واد..
لم يكمل حامد المزيد من جنونه الذى كاد يتفوه به ناعتا والده بإبن الحرام لانه صمت جراء صفعة دوت بقوة على وجهه أخرسته و لجمت لسان الجميع.. كانت يد سكينة قد انزاحت عن وجه حفيدها و هى تلهث فى غضب هاتفة فى جبروت لم يشهده عليها احد منهم منذ قدمت للمعيشة معهم:- اياك تكلم ابوك بالطريجة دى تانى.. ابوك دِه تاچ راسك يا عويل.. و ان مكنتش امك عرفت تربيك.. يبجى تربيتك علىّ انى..

ثم اندفعت الى ذاك المصحف الذى أهداه حمزة لجدته بخيتة و الذى لا يفارق يدها مطلقا على الرغم انها غير قادرة على القراءة فيه و الذى كان يجاور مجلسها الان و هى قابعة على اريكتها فى صمت تتابع ما يحدث و لم تتفوه بحرف واحد تتمتم ببعض الادعية فى قلق على ما تسمعه يجرى حولها لتنتزعه سكينة و تضعه على عينيها تقسم فى صدق هاتفة:- و حج المصحف دِه على عنايا عمرى ما كنت مَرة شينة و لا لمسنى راچل الا ف الحلال.. ايوه كنت غازية ف الموالد لكن عمرى ما عِملت الحرام ابدا.. و ابوك اللى انت بتستجل بيه ده واد عمدة كد الدنيا.. راچل مأصل من عيلة كَبيرة..

نهض يونس فى تثاقل متوجها لأمه فى حزن هاتفا محاولا تهدئتها:- انتِ بتجولى ايه ياما.. متخليش كلام الواد المخبل دِه.. و أشار لحامد
مستطردا:- يخليكى تدعى على نفسك بالكدب.. انى راضى ياما.. و انتِ على دماغى من فوج.. بس هاتى المصحف دِه و استهدى بالله..
صرخت سكينة فى ثورة:- انى مبكدبش و لا بجول اى كلام و خلاص... دى الحجيجة.. الحجيجة اللى فضلت مخبياها عليك لسنين و سنين من خوفى عليك يوصلوا لك يا حبة عينى..

تطلع اليها يونس فى شك بينما هتف حامد فى سخرية:- الفيلم دِه هيخلص ميتا و على ايه ان شاء الله!؟..
هتفت سكينة فى غضب:- ماهواش فيلم و لا حدوتة بخرسك بيها يا واد الغالى.. دى الحجيجة
ابوكِ يبجى يونس حامد محمد عبدالصمد..
قاطعها حامد ساخرا:- عارفين.. و انى متسمى على اسم چدى.. حامد.. ايه الچَديد!؟..

لتصرخ فى وجهه مستطردة كأنه لم يقاطعها:- الحنااااوى.. يونس حامد محمد عبدالصمد الحناوى..
انتفض يونس غير مصدق يتلفت حوله فى تيه و بكت كسبانة فى صمت شاهقة و هى تضع كفها على فمها تكتم شهقاتها بينما وقف حمزة فى احد جوانب الغرفة فى صمت يتطلع الى ما يحدث فى تعجب و جدته بخيتة زادت من وتيرة دعائها الهامس..
الوحيد الذى نطق فى صدمة غير مصدق كان حامد الذى هتف متسائلا:- بتجولى الحناوى.!؟..

جصدك العمدة حامد الحناوى ابو عبدالله الله يرحمه!؟..
هزت رأسها فى تأكيد هاتفة فى وهن:- إيوه هو.. عبدالله الله يرحمه دِه يبجى عمك الصغير يا حامد..
هم حامد بالتحدث الا ان يونس اندفع لأمه صارخا و هو يمسك بعضديها فى غضب:- انتِ بتجولى ايه.. بتجولى ايه!؟.. هنتبلوا ع الناس ياما.. ارحمينى و ارحمى روحك و بكفاياكى بجى..

همست رغم ألم ذراعها التى كان يضغط عليها يونس بقوة غير واع:- انى حلفت ع المصحف و انى مبكدبش.. و ابوك عايز يشوفك يا يونس.. انت اللى باجى له بعد موت عبدالله.. مكنتش عارفة اجولك ازاى و لا أوصلك طلبه كيف.. بس كن اللى حصل دِه كله عشان ربنا يظهر الحج و تعرف ابوك و يعرفك..

ترك يونس ذراعيها فى بطء قاتل يتطلع اليها فى شرود غير مدرك ما يجب عليه فعله او قوله.. تطلع حوله فى اضطراب لعل احد من الموجودين يخبره ان ما يسمعه الان ما هو الا مزحة ثقيلة او حلم يقظة سيستيقظ منه سريعا على حياته الرتيبة التى اعتادها و على يونس الذى كان يظن طوال عمره انه لن يعرف له ابا ابدا..

تطلع لحمزة الذى كان ينظر اليه بشفقة غير قادر على الرد بأى كلمة و كسبانة التى لازالت على صدمتها المتمثّلة فى بكائها الصامت و شهقاتها الشبه مكتومة حتى حامد الذى فجر الموقف برمته لم يكن بأقل منه صدمة و عدم تصديق..
و اخيرا اندفع يونس خارج الدار كالإعصار مبتعدا يكافح حتى يستطيع ان يرى الطريق امام عينيه من شدة هرولته و قدماه التى تلتف ببعضها تكاد تعرقله من شدة اضطرابه..

هتفت بخيتة عندما عم الصمت بتنهيدة متحسرة خرجت من اعماق روحها:- بخيتة هى سكينة هى كسبانة.. و غسان الهوارى هو ولده سليم هو حامد الحناوى.. بس عيالنا هم اللى بيدفعوا التمن ف الاخر.. يا خوفى من اللى چاى..
و كانت على حق تماما فى توجسها.. فالقادم يحمل رياح عاصفة فُتح لها الباب على مصرعيه..

كان صوت الاذان صادحا حين دخل مهران بهدوء لحجرة جدته التى كانت تأخذها الان سِنة من نوم فى موضعها على تلك الأريكة المفضلة لديها.. دخل مهران الحمام الملحق بحجرتها و ملأ كعادته ذاك السطل بالماء و حمل معه ابريقه و خرج اليها.. تنبهت جدته لحضوره فهتفت فى سعادة:- مبتفوتش فرض يا مهران و تاجى لستك.. ربنا يذكرك بالشهادة يا ولدى و يرزجك راحة البال.. جلت لك متتعبش روحك انى هتيمم لكن مچيتك عندى يا ولدى بتفكرنى انى لساتنى عايشة بدخلتك عليا يا واد الغالى..

انحنى مهران مقبلا هامتها و تنهد و هو يضع السطل المعدنى ارضا و يبدأ فى صب الماء لجدته حتى تتم وضوءها و اخيرا يقوم بغسل قدميها حتى ينتهى و يحمل الماء للحمام من جديد..
هم مهران بالخروج ليلحق بصلاة الجماعة فى المسجد الا ان الحاجة فضيلة استوقفته هاتفة:- لساتك على حالك يا مهران!؟.. سامح يا ولدى..
تعجب مهران من سؤالها و زاد تعجبه من طلبها بالسماح..

هتف مهران مستفسرًا:- أسامح مين يا ستى!؟..
هتفت الحاجة فضيلة:- سامح جلبك يا ولدى.. سامح روحك.. هتلاجى مهران رچع مهران..
همس مهران فى نفسه:- صدجتى يا ستى.. بس أسامح كيف!؟.. أسامح جلبى و لا روحى كيف و هى أسراهم كأنهم ملكها هى.. مش جادر اسامحهم لأنهم مش مطوعينى.. جلبى و روحى طوعها و دِه اللى واچعنى.. تسبهم يا ستى و انا هسامحهم انهم كانوا ف يوم معاها ضدى.. هسامحهم و الله بس يرچعوا لى و يبعدوا عنيها.. يبعدوا عشان ارتاح.

تنهد مهران و ما ان هم بالخروج من غرفة جدته حتى اصطدم بجسدها ذاك الشهى الذى حرمه بغباء منقطع النظير على نفسه يوم زفافهما.. انتفضت هى بدورها متراجعة عندما ترأى لها محياه.. كانت نظراته تلك اللحظة تقتلها و تثير فيها وجعا ينوء بحمله الجبال.. نظراته منكسرة ذليلة.. نظرات تعكس مدى قهر روحه و أحزان قلبه و على قدر خيبة أملها فيه على قدر وجعها لحاله الان و هو ينظر اليها عاتبا للمرة الاولى.. ينظر اليها يكاد يقتله ألمه يخبرها انه جَبُن... انه غير قادر على اتخاذ قرار موجع كأبتعاده و حتمى كأبتعادها.. جَبُن ان يمنع قلبه عن حبها و ان يمنع روحه عن التعلق بها..

حاولت ان تنطق حرفا ان تستغل تلك الفرصة التى تراه فيها راغبا فى الغفران او حتى الاستماع لها على اقل تقدير لكن ذاك النداء القريب من مسجد جدهما الكبير صادق الهوارى جاء معلنا إقامة الصلاة فهرول من امامها و لم ينبس بحرف.. يسير الى المسجد جسدا بلا روح ملبيا نداء الصلاة لعلها تريحه من ذنب لم يجنه.. ووجع صار مختلطا بأنفاسه.

دخل باسل دارهم بعد رحلة استغرقت ثلاث ليال خارج النجع
فطالعته امه تجلس فى صحن الدار تولى جم انتباهها للتلفاز أمامها حتى انتبهت اخيرا لقدومه..
هتفت فى سعادة:- حمدالله بالسلامة يا جلب امك..
انحنى فى مودة يقبل رأسها ويتمدد على الأريكة المجاورة لها فى إرهاق.. فاندفعت هى فى سرعة هاتفة:- هحضر لك حاچة تاكلها تلاجيك چعان يا حبة عينى..

هتف باسل:- لاه.. مش چعان ياما.. انا عايز انام.. هروح اخد دش وانام.
عادت ادراجها وهى تربت على كتفه فى محبة:- طيب.. روح نام واستريح على بال ما اروح وارچع من بيت خالك.. تكون صحيت وچعت.
انتبه عندما ذكرت بيت خاله.. بيت الحبيبة المتباعدة تلك النجمة العالية التى لن يستطيع الوصول اليها ابدا..
فتساءل فى ترقب:- ليه خير.!!؟. مش بعادة تروحى فى وجت زى دِه لبيت خالى.. ده احنا داخلين ع المغرب.. !!؟..

قالت فى حبور و هى تتطلع لشاشة التلفاز:- بت خالك سندس چالها عريس وهو..
انتفض كمن لدغته عقربة هاتفاً:- بتجولى ايه.. !!؟..
انتفضت سهام على صراخه:- ايه يا واد.. خلعتنى.. ايوه عايزنى اروح عشان اجعد مع زهرة وجت مچية العريس.. سبنى بجى لحسن اتأخرت و زمانه وصل.. و..
لم تكمل جملتها ليندفع كالقطار من أمامها خارج الدار وهى تضرب كف بكف على ولدها الذى كان يتضور جوعا للنوم منذ لحظات وها هو يندفع للخارج فى اللحظة التالية..

لتهتف ضاحكة:- مچنون بن مچانين.. ولدى.. مش جايبة من بره.. وتعاود قهقهاتها فيظهر حسام متوجها اليها وقد استمع لتعليقها الاخير.. لينفجر ضاحكاً بدوره وهو يعقب:- اول مرة تجولى حاچة صح فى حج ولدك..
لتعاود هى قهقهاتها على تعليقه..
ليهتف متسائلا:- هو ولدك راح فين يچرى كِده!؟..

هتفت متعجبة:- و النبى ما عارفة.. دِه لساته واصل م السفر و اول ما جلتله انى رايحة بيت خاله عشان عريس سندس فلجيته..
صمتت و تنبهت فجأة لغبائها لتنتفض هاتفة فى حسام:- هم يا حسام وصلنى بسرعة ع السرايا..
تعجب بدوره هاتفا:- ايه فى!؟.. ما كنتِ زينة.. و لا الچنان طالك انتِ وولدك!؟..
صرخت فى ذعر:- بجولك هم يا حسام مش وجت هزار.. هم نلحج ولدك..
لم يعقب حسام على قولها و اندفع بدوره خارج الدار ليوصلها الى سراىّ أهلها غير مدرك لذاك السبب الذى دفعها لتتعجل بهذا الشكل..

هتفت هداية صارخة و هي تخلع عنها خمارها الأسود:- لحد ميتا اللى اسميه چاسم دِه هايفضل ورايا كِده!؟..
ربتت عائشة على كتفها مهدئة فى محاولة لتطييب خاطرها:- استهدى بالله يا بت عمى.. ما انتِ مش بتسكتيله برضك و بتديله على دماغه..
هتفت هداية حانقة:- طب و انى هعمل ايه طيب.. و الله لولا اللى احنا فيه لكان ليا كلام تانى مع ابويا..

اكدت عائشة:- اهااا.. اديكِ جولتيها.. اللى احنا فيه.. عمى حامد مش ناجص يا هداية.. مصيبة اخوكِ عبدالله كَبيرة جوووى عليه و كسرت ضهره.. و البَعيد اللى اسميه چاسم عارف دِه كويس و اديكِ وعياله مبيفارجش عمى لا ف صبح و لا عشية.. استهدى بالله كِده.. و اول ما عمى يشد حيله جوليله.. و انتِ عارفة عمى مبيرفضلكيش طلب.. دِه انتِ بالذات مبيحملش عليكِ النسمة..

هدأت هداية قليلا و هي تصدق على كلام ابنة عمها و الأقرب اليها من اخت.. فقد نشأتا سويا كأختين بعد وفاة أبوي عائشة و رغبة حامد عمها في الاحتفاظ بها لتربيتها عوضا عن أخيه الأصغر و منذ تلك اللحظة لم يفترقا قط..

تنهدت هداية في حزن هاتفة:- ربنا يعدى الأيام اللى چاية دى على خير يا عيشة.. چاسم شادد حيله و شايف حاله بعد ما راح عبدالله و حس بكسرة ابويا عليه.. فاكر ان مبيجلناش راچل يوجف له.. بس و الله ما انولهاله ابدا و لا هيطولنى و لا ف أحلامه.. دِه انى بت العمدة حامد الحناوى..
هتفت كلماتها الأخيرة بعزم و صلابة يلين لها الحديد..

تنهدت كسبانة و هى تجلس فى وهن بجوار حماتها لتسألها الاخيرة:- لساته جاطع الزاد و مبيكلمش مخلوج!؟.
هزت كسبانة رأسها فى إيجاب دون ان تنطق بحرف لتنهض سكينة هاتفة فى عزم:- طب انى جامية ادخله..
هتفت كسبانة فى تضرع:- بلاش يا خالتى الله يخليكى.. دِه على اخره ومش ناجص.. اللى عرفه مش هين برضك..

لم تعر سكينة لتوسل كسبانة بالا بل اندفعت تجاه حجرة ولدها بنفس العزم و فتحت الباب فى هدوء تتطلع فى جنبات الغرفة المعتمة نوعا ما حتى وقعت عيناها على وحيدها القابع فى احد الأركان..
مدت كفها لذر الضوء ليسطع ف الغرفة و دخلت و اغلقت خلفها الباب و استدارت تتطلع اليه هامسة:- لساتك مجاطعنى و مش عايز تتحدت معاى يا واد سَكينة!؟..

رفع نظراته الغاضبة المقهورة اليها و لم يتفوه بحرف لكن تلك النظرات كانت كفيلة بالرد على تساؤلها مما حاداها لتسير الى حيث كان يجلس و تجلس بالقرب منه هامسة:- عِندك حج.. لكن لو كنت وعيت للشر اللى كان طالل من عين صابر الحناوى ياميها مكنتش هتزعل من امك كِده!؟..
استطاعت اثارة فضوله ليهمس بصوت متحشرج لطول صمته الأيام الماضية:- مين صابر دِه!؟..

تنهدت سكينة هاتفة و هى تتطلع لنقطة بعيدة فى احد أركان الغرفة:- دِه يبجى عمك الله يرحمه يا ولدى.. بس كان راچل چبار و عليه چبروت يهد چبل.. يوم ما عِرف ان ابوك بياجينى المولد جه برچالته و كسروا المولد كلاته و طردونا من مُطرحنا و جالى بالحرف الواحد.. " لو وعيت لك تانى هنا انتِ واهلك هجطع خبركم" كان فاكر انى غازية بتلوف على اخوه الصغير و هاتتلف أمله مكنش يعرف انى مرته على سنة الله و رسوله و انى كنت حامل فيك..

خرست من خوفى على حالى و على اللى ف بطنى.. ساعتها هربت لبعيد و كل ما أفكر ارچع.. اسأل و اعرف ان عمك لساته عايش و چبروته بيزيد اخاف عليك و ابعد من تانى لحد ما خلاص جلت بعد ببعد.. هناخد منيه ايه جربنا منيهم.. و انت اتچوزت و بجى ليك عيال و عايش الحمد لله بعيد عن مواويلهم.. لحد ما چه عبدالله معزوم مع ولدك حامد ف يوم و سبحانه اللى بيسبب الأسباب.. عرفت هو مين و بن مين..

جعدت أفكر اجول و لا لاه.. و لو جلت هيعترف بيك ابوك و لا لاه.. جلت اروح له.. وساعتها حصل اللى حصل لولده عبدالله و رحت له أعزيه.. يوميها مصدجش حاله و طلب يشوفك لانه محتاچ لك چاره و عايز يعوضك بعادك عنيه السنين دى كلها.

صمت يونس و لم يعقب و رأسه منكس مكدود من الافكار التى تتصارع به بلا هوادة.. شعرت سكينة بما يعتمل بعقل ولدها و صدره من صراعات فربتت على كتفه فى حنو هامسة:- عارفة اللى انت فيه.. ربنا يعينك على حالك يا ولدى.. سامحنى يا يونس كل اللى عِملته كان عشانك..

عشان خايفة عليك و كنت فاكرة ان دِه الصالح.. جلت تفضل معرفش ابوك احسن ما تعرف انه متبرى منيك او عمك يعرف مكانك و يجتلك.. و نهضت تربت على كتفه من جديد هامسة فى صوت باكٍ بنبرات متحشرجة:- سامحنى يا يونس.. انى محجوجة لك يا حبة عينى...

و انحنت تقبل هامته المنكسة و ترحل خارجة من الغرفة فى هدوء تاركة اياه فى صراع محتدم و حيرة قاتلة.. هل عليه ان يذهب لأبيه و يكون سندا له كما يرغب و ينعم بالعوض عن كل ما عاناه فى الماضى.. ام يترك كل هذا خلف ظهره كأنه لم يعرف قط و يظل يونس الذى كان يعيش حياته فى سكينة و رتابة لا يعكر صفوه شيئا!؟.. و ما بين هذا الخيار و ذاك دارت رحى حربه الداخلية التى لا يعرف هو نفسه على ماذا ستنتهى و لمن ستكون الغلبة فى النهاية..
ليونس القديم.. سنجأ سابقا..
ام ليونس الجديد..
... يونس الحناوى!؟..

هلل عاصم مرحبا بالضيف الكريم... تنحت زهرة جانبا فى الصالون الملحق بمقعد الرجال.. حتى وصلت سندس اخيرا فألقت التحية فى سرعة على ابيها وأخيها و عريسها الاستاذ سامى.. وكيل النيابة الذى باشر قضية مهران.. و الذى رأها عدة مرات اثناء سير التحقيقات مع الاستاذ موافى المحامى الذى تعمل بمكتب المحاماة خاصته.. والذى كان يتولى الدفاع عن اخيها.. لتفاجأ برغبته فى التقدم لخطبتها..

جلست بالقرب من أمها التى أولتها جم اهتمامها ما ان رأتها تدخل عليهم
تبادل الرجال اطراف الحديث فى شتى الموضوعات حتى حانت لحظة تنحنح فيها سامى هاتفاً:- انا جيت النهاردة يا عاصم بيه عشان أتشرف بطلب ايد كريمتكم الانسة سن..

وفجأة.. وعلى غير المتوقع يجد سامى نفسه مرفوعاً من على الارض قدميه لا تلامسها وفى جانب رأسه تلتصق فوهة مسدس باردة.. وصوت يقطر غضبا وحقدا يهمس به:- انطج اسمها على لسانك و شوف هاتبجى فين بعديها!؟..

وقفت زهرة مشدوهة من المنظر الغير متوقع لباسل وهو يستأسد على عريس ابنتها بهذه الطريقة.. فمدت بصرها لعاصم الذى وجدته لم يحرك ساكنا حتى الان.. و يبدو انه منع مهران بطريقة ما من التدخل هو الاخر.. فهمست فى نفسها:- ماذا تخبئ فى جعبتك يا عاصم!؟..

وما الذى يدفعك للوقوف صامتا امام مشهد كهذا.. !!... ثم تذكرت فجأة بعض الكلمات التى ألقاها على مسامعها منذ فترة بخصوص باسل و سندس.. "ان كان باسل مش جادر يتجدم انى اللى هخليه ياجى زاحف يطلبها و انى اللى هرفضه.. " الم يقل هذا بالحرف.. !!؟.. بلا فعل.. لكن هل هذا ما كان يقصده بالفعل!؟.. ان هذا لجنون..

مدت كفها تمسك بكف ابنتها البارد والتى وقفت بدورها مبهوتة يغيب اللون عن محياها من هول ما يحدث.. ولسان حالها يسأل سؤال واحد.. ماذا يفعل هذا المجنون المدعو باسل.!!؟.. .ولما يتهجم على عريسها بهذا الشكل الهمجى.. !!؟.
هنا جاءتها الأجابة التى انتظرتها طويلا.. جاءتها بشكل لم تتخيله فى اكثر أحلامها روعة وباسل يهتف فى ثورة:-محدش هيتچوزها غيرى..
ليتدخل هنا عاصم صارخا فى ثورة مماثلة:- انت بتجول ايه يا واد!؟.. .

وارتفعت كف عاصم ليهوى بها على وجه باسل.. ليستفيق ويترك تلابيب سامى و ينساب سلاحه من بين أصابعه ليسقط محدثاً صوتا كالرعد فى ظل ذاك الصمت الذى خيم على القاعة.. لكن لم يكن ذاك هو الصوت الوحيد الذى سمعه الحاضرون.. إنما كان الصوت التالى.. صوت ارتطام جسد سندس بالأرض فاقدة وعيها.. فى نفس لحظة دخول سهام و حسام شاهقين فى لوعة لمنظر ولدهما بين يدىّ خاله عاصم الهوارى ممسكا بتلابيه.. بين يدىّ الغول..


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 04:35 صباحاً   [54]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الرابع عشر

وصل حمزة لفيلا عمه بالإسكندرية
ليتلقفه الأخير مرحبا في تهليل:- بجى دِه الأسبوع اللى جلت هتغيبه عشان المشروع و زيارة سيد العشماوى!؟ طولت الغيبة يا حمزة..
هتف حمزة و هو يجذب نفسه من بين أحضان عمه هاتفا:- و الله يا عمى الأمور مكنتش تمام هناك و مكنتش جادر اسيبهم.. ما انى حكيت لك ع التليفون كل اللى چرى..

تنهد زكريا في تعجب:- اه و الله.. كله كوم و حكاية يونس دى كوم تانى..
و استطرد زكريا و هو يسحب بن أخيه لداخل الفيلا:- يعنى موضوع حامد عادى.. واحد اتجدم يخطب واحدة و اترفض.. لكن موضوع يونس دِه و ابوه العمدة اللى ظهر فچأة و لا كان ع البال و لا ع الخاطر..

هتف حمزة متحسرا:- و الله يا عمى لو تشوف ابويا ما تعرفه.. على طول ساكت و شارد و كنه مش ف الدنيا..
هتف زكريا في حزن:- لا حول و لا قوة الا بالله.. ربنا يهديه للصواب.. القرار اللى مطلوب يخده مش سهل برضك.. دِه حمل تجيل و شيلة عايزة چبل.. انى كلمت يونس و جالى على تفاصيل كَتير حكتهاله الحاچة سكينة..

و كان محتار و تايه.. و مش مصدج أصلا اللى بيحصل.. و لا عارف يرسى على بر.. يروح لأبوه و يتحمل يشيل اسمه بكل اللى ليه و اللى عليه و لا ينسى و لا كنه سمع و لا عرف حاچة!؟..
هتف حمزة:- ولساته على حيرته يا عمى و الله.. و انا مجدرتش اتاخر اكتر من كِده عليك.. سامحنى معلش..

هنا هتفت هدير التي دخلت في زوبعة كعادتها:- لا مفيش سماح.. بجد زعلانة.. انا كنت متخيلة انك هاتحضر خطوبتى.. و كنت كمان هقولك تجيب تسبيح معاك.. ينفع كِده يا واد عمى!؟..
ابتسم حمزة في رزانة غاضا بصره كالعادة:- عندك حج تزعلى بس و الله الظروف معلش.. تتعوض ف الفرح و ساعتها ابجى اچيب تسبيح.. ما يمكن نكون اتچوزنا احنا كمان..

هتف زكريا فرحا:- إنتوا حددتوا ميعاد فرحكم يا حمزة.. !؟
هز حمزة رأسه نافيا:- لاه يا عمى.. لسه محددناش.. بس بالتجريب كِده..
هي بس تخلص الكام شهر اللى باجيين لها و نحدد نهائي بإذن الله.

هتف زكريا:- على خيرة الله.. ربنا يتمم لكم كلكم على خير.. حازم برضك مستنى نهلة تخلص اخر سنة عشان تجدر تتنجل معاه الصعيد.. ربنا يهنيكم يا رب..
هتفت زينة مرحبة وهى تهبط الدرج لبهو الفيلا:- اهلًا.. اهلًا.. حمدالله ع السلامة يا حمزة..
نهض حمزة ملقيا التحية في تأدب:- الله يسلمك يا مرت عمى..

سألت في مودة:- اخبارهم ايه ف البلد.. يا رب يكونوا كلهم بخير.. !؟
اكد هاتفا:- الحمد لله.. كلهم بيسلموا على حضرتك و نفسهم تشرفينا هناك..
أكدت زينة في محبة:- اكيد هايحصل.. انا سامعة عن اخبار افراح قريبة.. ربنا يتمم لك على خير يا حمزة.. و يسهل كمان لحازم.. و الهانم دى اللى لسه بتقول يا هادى..

و شكلها لسه مطولة معانا شوية..
قهقه زكريا هاتفا:- مين دى اللى تطول!؟.. دى هتچوز جبلهم كلهم.. و ابجى شوفى..
ابتسم حمزة و ضحكت زينة على تعبيرات وجه هدير الطفولية و التي زمت ما بين حاجبيها في ضيق هاتفة:- قصدك ايه يا سى دادى.. انا مستعجلة ع الجواز و كده!؟..

اكد زكريا مشاكسا:- اه مستعچلة.. عريسك چاى على ملا وشه نجول له طب تخلص الكام شهر اللى فاضلين لها ع التخرچ و هو يجول لاه.. نخطب و بعد التخرچ الچواز.. و انتِ متبعاه.. صح و لا لاااه!؟..
قهقهت هدير هاتفة:- الصراحة.. ااه.

ليضحك زكريا و زينة على صراحتها بينما ينظر لها حمزة نظرة جانبية لم يتبعها بأخرى و تمنى من صميم قلبه ان يكون عريسها المختار على قدر كبير من الطيبة و التفهم حتى يستطع ان يتعامل مع كل هذا الكم من البراءة الذى تتحلى به ابنه عمه العزيزة تلك و التي ظن يوم ان رأها انها كتلة من الغرور و الكبر و لم يكن يدرك انها المادة الخام للبراءة.. ألقى نظرة أخيرة عليها و هي تشع بشر و سعادة و ابتسم بدوره بشكل لا ارادى على مظهرها الملائكى و تمنى لها من صميم قلبه السعادة..

تعالت صرخات حسام على غير عادته في ولده البكر داخل دارهم بعد ان سقطت سندس فاقدة وعيها و استأذن عريسها المزعوم مضطربا و ألقى عاصم بباسل خارج السراىّ ليلحق به كل من امه و ابيه ..
كانت ثورته مزيجا من الغيظ و القهر و الغضب و العجب على ذاك الجنون الذى قام به ولده في دار خاله و امام ضيوفه..
صرخ حسام من جديد:- انت اتهبلت رسمي.. لااااه.. دِه انت اتچننت..

كيف تعمل اللى عِملته دِه!؟.. ما هي كانت جدامك طول السنين اللى فاتت دى كلها.. ليه مجلتش انك رايدها.. ليه ما اتكلمتش و لا حتى لمحت ليا و لا حتى لأمك كنّا جسينا نبضهم.. لكن تخش بسلاحك على عريسها جدام ابوها و اخوها ف جلب دارهم.. !!.. لاااااه.. دِه چنان رسمي.. و والله لو كانوا طخوك عيارين ما كان حد لامهم و لا كان ليك عنديهم دية..

كانت سهام تسمع صراخ زوجها المحتقن قهرا و غضبا و لم تستطع ان تفوه بكلمة دفاعا عن ولدها و قرة عينها فهى تعلم علم اليقين ان كل ما ذكره زوجها صحيح و لا يقبل المناقشة و ان ما فعله عاصم و تركه باسل يخرج مطرودا من السراىّ بهذا الشكل ما هو الا كرم اخلاق منه متذكرًا انه بن اخته الوحيد.. اخته التي ظل محتفظا بخاطر لها و لم يتعد على ولدها في وقت ان فعل.. لن يلومه لائم..

تطلعت سهام من بين دموعها لولدها الذى كان يقف في وسط الدار مطأطئ الرأس شاردا و كأنه لا يع ما يحدث حوله.. تمزقت اشفاقا و حزنا على حاله.. هي وحدها تدرك ما يمور بقلب ولدها من مشاعر تجاه ابنة خاله منذ زمن بعيد.. هي وحدها تدرك ان قلبه لم ينبض الا لها و لن يعشق سواها..
هي وحدها التي تستشعر مدى الألم الذى كابده ليوئد حبها في قلبه.. و ما زال يكابده حتى تلك اللحظة..

سالت دموعها تباعا شفقة على وليدها و حال قلبه النازف.. و تنبهت عندما همس باسل بصوت متحشرج:- انى بحبها.. و محدش هيتچوزها غيرى.. و هعمل اللى عِملته دِه تانى و تالت.. يا يموتونى.. يا يچوزهالى...

شهقت سهام رغما عنها و هي تسمع اعترافات ولدها الذى ناء بحمل عذابات قلبه فقرر الاعتراف بها دفعة واحدة.. بينما هتف حسام بصوت رزين خفت منه نبرات الثورة و الغضب اشفاقا على حال ولده و ربت على كتفه في تعاطف:- و ماله.. يبجى كان تطلبها بالأصول.. تطلبها ذى الناس.. و يا توافج يا ترف...

هتف باسل صارخا و مقاطعا ابيه :- لاااه.. مش هستحمل ترفض.. مش هجدر اسمع كلمة لاااه منيها.. انى عارف انى مش جد المجام.. انى يا دوب واخد معهد سنتين و هي أستاذة بتحضر دراسات عليا.. كنت بصبِر نفسى و اجول اهى جدامى.. ممكن ف يوم تكون ليا.. لكن لما عرفت انها ممكن تضيع من يدى مستحملتش.. و مش هسيبها تضيع من يدى..

و اندفع باسل خارج دار التهامية لتنتفض خلفه سهام صارخة و من ورائه هتف ابوه متسائلا في قلق:-طب انت رايح فين دلوجت!؟.. احنا ف نصاص الليالى..
هتف باسل دون ان يلتفت اليهما حتى و قد عزم امره الا يعود الا وقد تأكد انها له:- مش بايت ف الدار و م الفچر هرچع السرايا.. هطلبها من خالى عاصم.. و يا ارچع بالموافجة يا مش راچع من أساسه..

انتحبت سهام في لوعة و هي تستند على كتف زوجها هاتفة:- هتسيبه يا حسام يروح لخاله ف الحالة دى.!؟..
ربت حسام على كتفها مطمئنا:- متخافيش.. عاصم بيعز باسل كنه مهران او ماچد.. دِه ولده و مش ممكن يأذيه.. ربنا يعديها على خير..
هتفت سهام متضرعة:- يااارب..

تقدم حازم يجلس بجوار حمزة على تلك الأرجوحة فى حديقة الفيلا الخلفية التى كانت تعد حديقة خاصة لجناح حمزة.. هتف حازم متنهداً:- سلام عليكم.. كيفك يا واد عمى!؟..
ابتسم حمزة هاتفا:- تمام يا واد عمى.. بس جولى.. كنت غايب فين طول النهار و چاى ف نصاص الليالى.. !؟

تنهد حازم من جديد:- كنت مع نهلة يا سيدى.. كل شوية تتصل.. انت مش بتيجى.. انت مش بتنزل اجازة.. بقالى فترة مشفتكش.. هى عندها حق طبعا بس غصب عنى ضغط الشغل مش مخلينى عارف أجى إسكندرية.. لكن قلت انزل يومين كده بسرعة..
هز حمزة رأسه متفهما ليسأل حازم مستفسرًا:- و انت.. مش المفروض خاطب برضو !!.. لا بشوفك بتقول انزل اشوف خطيبتى و لا حتى بقفشك بتكلمها!؟.. ايه متخاصمين!؟..

ابتسم حمزة هاتفا:- لااااه.. بس عندينا الأمور دى غير.. يعنى مينفعش اكلمها عمال على بطال و لا ازورهم كل شوية.. يعنى الدنيا محكومة اكتر.. و بعدين ما انى كنت هناك من مدة صغيرة..
هتف حازم بسؤال مباغت حتى عليه هو نفسه و صورة تسبيح بشقاوتها المعتادة تقفز رغما عنه لمخيلته :- بتحبها!؟..

انتفض حمزة كأن السؤال فاجأه و كأنه لم يفكر فى ان يسأله لنفسه من قبل او حتى لم يخطر بباله لتكون إجابته حاضرة بذهنه و اخيرا همس لابن عمه بصدق:- يعنى ايه!؟.. انى معرفش يعنى ايه حب.. و لا حتى بعترف ان فى حاچة اسميها حب من اساسه.. و لو فى.. مش عايز اجابلها لإنى شفت ممكن تعمل ف الناس ايه..

قال حمزة كلماته الاخيرة و هو يتذكر ما حدث لأخيه حامد بعد ما تم رفضه من والد حبيبته..
ابتسم حازم رابتا على كتف حمزة هاتفا فى تأييد:- انا كمان مش بعترف بحاجة اسمها حب.. و برضو لو كان موجود فعلا مش عايز اعرفه و لا أقابله لأنى زيك سمعت ممكن يعمل ايه ف الناس..

و تذكر حازم ما كانت خالته نعمة تقصه عليه من حكايا عن مدى عشق ابيه لأمه بدور و كيف كان حاله ما ان فاتته و رحلت..
هتف حازم فى سرعة قاطعا استرسال خواطره:- الحمد لله يا حمزة.. اخيرا لقيت حد زيي ف الدنيا لحسن انا كنت بدأت احسن انى شخص مش طبيعى.
ابتسم حمزة مؤكدا:- لااه متجلجش واد عمك معاك.. مفيش احسن من ان جلبك يبجى ف يدك.. لا حب و لايحزنون..

هتف حازم بدوره رابتا على كتف بن عمه مدعما:- انت صح.. قلبى ف ايدى و سيد نفسى..
كان كل منهما واثق انه سيد نفسه و ان قلبه ملك يديه و لم يكن يدرك كلاهما ان للأقدار شأنا اخر و ان للقلوب احوال فهى مرهونة بين إصبعين من يد الله يحركها كيفما شاء... فسبحانه مقلب القلوب..

طرقات على باب حجرة الحاجة فضيلة و كالعادة لا اجابة لتدخل ثريا مستأذنة بصوت مرتفع مما استرعى انتباه فضيلة لترفع رأسها مستفسرة عن القادم اليها فى تلك الساعة من النهار.. هتفت فضيلة فى سعادة:- اهلًا بالجمر.. تعالى ادخلى..
ابتسمت ثريا لذاك اللقب الذى تطلقه الحاجة فضيلة عليها..

هتفت ثريا بابتسامة :- امر بالستر يا حاچة ..
انفجرت فضيلة ضاحكة و ثريا تجلس بالقرب منها:- ليه.!؟ دِه انتِ جمر اربعتاشر كمان..
ربتت ثريا على كف سيدتها العجوز فى محبة هاتفة:- تسلميلى يا حاچة..
هتفت فضيلة:- تسلم لى عيونك يا باشمهندسة.. هااا.. جوليلى بجى ايه اللى جابك لحدى ف الساعة دى!؟
مش بعادة..

طرقت ثريا رأسها قليلا و اخيرا تنهدت هامسة:- الباشمهندس اللى كنت حكيت لك عليه.. فكراه!؟.. اللى كان چاى يشارك عاصم بيه و زكريا بيه ف مشروع هنا جريب..
هزت الحاجة فضيلة رأسها مؤكدة:- ايوه افتكرته.. الباشمهندس الحليوة بتاع مصر.. ماله دِه!؟..
هتفت ثريا ممتعضة:- حليوة مين يا حاچة.. و لا حليوة و لا حاچة.. عادى يعنى..

هتفت فضيلة مشاكسة:- انى جولت انه حليوة.. يبجى حليوة..
قهقهت ثريا:- خلاص يا حاچة و احنا نجدر نعارضك برضك.. نمشيها حليوة.. اى إضافات تانية.!؟..
هتفت فضيلة ضاحكة:- لاه.. هو كفاية عليه كِده.. المهم ماله الحليوة بجى!؟..
ابتسمت ثريا و حكت لها ما حدث فى غرفة مكتب عاصم و عرض سيد لها بالعمل فى فرع شركته هنا
مما استرعى انتباه فضيلة لتهتف مستفسرة:- و انتِ جبلتى!؟.. و لا ايه!؟..

هتفت ثريا:- ما هو دِه اللى جيتك فيه يا حاچة.. انتِ ايه رأيك!؟.. اجبل و لا اخلينى بعيد و انتبه للكام شهر الباجيين ع التخرچ يمكن ربنا يسهلها و اتعين فى سلك التدريس ف الچامعة!؟.. هى فرصة ممكن متتعوضش و حلم بالنسبة لأى خريچ و خصوصى للى ذى حالاتى.. واهو كمان اساعد ابويا ع المعايش بجرشين.. انت ايه جولك يا حاچة!؟.. دِه عايزنى ارد عليه اخر النهار جبل ما يرچع ع القاهرة..

همهمت الحاجة فضيلة دلالة تفكير عميق استغرق فترة من الصمت حتى هتفت فى هدوء:- بصى يا بتى.. انت واعية معزتك عندى كيف.. و اللى هجولهلولك دِه كنى بجوله لسندس بت ولدى..
اكدت ثريا:- معلوم يا حاچة.. معلوم..

استطردت فضيلة:- انتِ بتجولى لسه كام شهر ع التخرچ.. و هو عايزك ف الشركة هنا.. خلاص انتِ تروحى الكام شهر دول و تشوفى الدنيا فيها ايه بس متجصريش ف چامعتك و هو ذى ما جلتى مش هاياجى كَتير.. عچبتك الحال و لجيتى ف الشغلانة اللى يريحك و يرضيكِ يبجى ع البركة كملى.. ماكنيش.. يبجى اديكِ خدتى فكرة و خليكِ ف الچامعة و طريجها و شوفى حالك فيها.. هااا.. ايه جولك!؟..

انحنت ثريا تلثم كف الحاجة فضيلة فى محبة و امتنان هاتفة:- و هو فى بعد جولك يا حاچة ربنا يخليكِ لينا..
ربتت فضيلة على كتف ثريا قائلة:- انى عارفة ان دِه اللى فكرتى فيه يا باشمهندسة.. دِه انتِ عجلك يوزن بلد.. بس انتِ كنتِ محتاچة تسمعيها من حد تانى عشان ترتاحى..

ابتسمت ثريا لأن الحاجة فضيلة كانت تفهمها على حق و تدرك دواخل نفسها كأنها تراها...
همست ثريا متأهبة للمغادرة :-.. اسيبك يا حاچة تستريحى و اروح انى اشوف حالى..
تمددت فضيلة على فراشها بغية الحصول على قسط من الراحة و قد حان وقت قيلولتها المعتادة و همست ناعسة:- روحى يا بتى.. روحى..
خرجت ثريا من حجرة الحاجة فضيلة و قد عزمت امرها على الموافقة على عرض سيد العشماوي..
و العمل لديه فى الشركة المشتركة بينه و بين زكريا الهوارى...

هتفت نعمة بوهن من على فراشها منادية شيماء التي جاءت اليها مسرعة ملبية ندائها كالعادة:- نعم ياما.. عايزة حاجة!؟..
نهضت نعمة متوكئة على أطراف الفراش و شيماء تحاول منعها لتنال قسطا من الراحة و لا تغادر فراشها
حتى لا ينخفض ضغطها كالمعتاد مؤخرا و تفقد وعيها..
هتفت نعمة بعد ان وصلت لأقرب مقعد في الردهة الواسعة بقلب شقتها مؤكدة:- بقولك ايه يا شيماء..
تنبهت شيماء في اهتمام:- نعم ياما..

استطردت نعمة:- انت الليلة دى تعملى حسابك انت و جوزك تطلعوا بقى شقتكم.. كفاية عليكم قووى كده..
ردت شيماء في اضطراب:- كفاية ايه ياما.. احنا ف ايه و لا ف ايه!؟..
هتفت نعمة بصوت متحشرج تأثرا:- نادر غايب داخل ع الشهرين اهو.. و إنتوا من يوميها قاعدين معانا هنا.. كفاية بقى.. اطلعوا شقتكم.. و..

دق الباب مقاطعا استرسال نعمة في مطالبها.. فتحت شيماء الباب ليطل منه ناصر لتهتف نعمة به:- تعال يا ناصر.. جيت ف وقتك..
اقترب منها ناصر متسائلا:- خير ياما.. عيونى.. محتاجة حاجة!؟..
اكدت نعمة:- اه محتاجة..
انتفض ناصر:- عايزة ايه و انا اجيبهولك و لو كان لبن العصفور..

جذبت كفه ليجلس جوارها هاتفة:- لااا مش عايزة لا لبن العصفور و لا لبن الحداية.. انا عيزاكوا تفارقونا..
كرر ناصر متعجبا:- نفارقكم!؟..
اكدت نعمة و هي تشير لشيماء التي كانت تضطرب خجلا:- اه.. انت و الهانم دى.. اطلعوا شقتكم بقى و شوفوا حالكم..
اضطرب ناصر في مجلسه هاتفا:- و ده وقته ياما.. خلينا معاكم اهو شيماء تخدمك و ادينا مونسينكم..

اكدت نعمة:- لا.. شوشو هتونسنى طول النهار يا سيدى و لما ترجع انت من الورشة تلاقى مراتك ف شقتكم..
هتف ناصر يحاول أثنائها عن ما عزمت عليه:- بس ياما..
قاطعته هاتفة:- مبسش.. خلصنا بقى.. خد ياللاه مراتك على شقتكم و نورتونا الحبة دوول..

اكد ناصر و شيماء تلتزم الصمت تماما غير قادرة على التفوه بكلمة:- طب نستنى ابويا و شيماء كمان تحط له العشا..
اكدت نعمة بحزم:- ملكش دعوة بأبوك.. هعشيه انا.. ياللاه من غير مطرود.. مشفش وشكم الا الضهر.. و يا ريت مشفهوش قد يومين تلاتة كده..

فتحت نعمة الباب و اشارت لهما معا بالصعود لشقتهما و لم يستطع اى منهما ان يتفوه بكلمة جراء إصرارها فصعد ناصر و خلفه شيماء يكاد الخجل يبتلعها ابتلاعا و خاصة عندما ابتعد عن مدخل الشقة مفسحا لها الطريق لتمر للداخل و يمر خلفها مغلقا الباب و قد اضحى كلاهما يقف كالتائه لا يعرف ما عليه قوله او فعله حتى هتفت هي أخيرا بصوت مهتز النبرات:- خالى هيقول علينا ايه دلوقتى!؟..

تنحنح يرد في محاولة لإظهار عدم لامبالاته بالأمر:- عادى.. ابويا عارف ان ده هيحصل سواء دلوقتى او بعدين..
صمتت و لم تعقب و لم تتحرك من موضعها لذا كان من الأفضل له اتخاذ القرار و هتف بسرعة:- تصبحى على خير.. و توجه الى احد الغرف المغلقة و فتح بابها و دخل ليغلقه خلفه متجنبا تلك الغرفة التي كانت معدة لتجمعهما كزوجين.. لاز بالغرفة سريعا حتى يبتعد عنها و عن تأثيرها الطاغ على جوارحه و خلجاته التي تنتفض في رعشات محمومة رغبة في وصل ما عاد في الإمكان...

اما هي فما ان غاب عنها حتى تنفست في راحة و اتخذت طريقها لغرفة أخرى و كأنما الابتعاد عن تلك الغرفة كان اتفاقا غير معلن بينهما.. دخلت غرفتها المختارة و أغلقت بابها خلفها وهى لا تع ان هناك خلف احد تلك الأبواب قلبا يئن شوقا لقربها و روحا هي احوج ما يكون لدواء شاف لأسقامها.. دواء غير متوفر الا بين ذراعيها.. و يا له من دواء صعب المنال.. !!

دخل غرفتهما مندفعا فدوما دخوله تلك الغرفة يشعره بالأسر و انه قد وقع فى شباكها و لا يستطيع الفكاك حتى يأتى النهار فيندفع هاربا بعيدا عن محياها الذى يكره و يعشق فى نفس ذات الوقت.. دخلت خلفه هى فى هدوء و اغلقت بابها خلفها.. تنهدت فى قلة حيلة و هى تدرك شعوره تجاهها و يصلها كل حس نافر منه..

توجه للحمام يغتسل و يطيل غيابه و اخيرا خرج فى ضيق و توجه لخزينة الملابس يمد يده داخلها لذاك الركن الذى وضع به مرتبته الإسفنجية التى ابتاعها و ادخلها السراىّ فى غفلة من قاطنيها حتى يتسنى له النوم عليها ارضا بعيدا عن فراشهما المشترك.. انتزعها من مكانها الخفى فى عنف يعكس غضبا مكتوم و ألقى بها ارضا و بسطها ليتمدد عليها فى لامبالاة لوجودها..

نظرت اليه فى حزن على ما ألت اليه حالهما و فكت رباط حجابها عن عنقها و الذى بدأ يشعرها بالاختناق و قررت الخروج للشرفة قليلا لعلها تشعر ببعض التحسن و تتركه يذهب فى نعاسه فقد تأخر فى العودة الليلة على غير العادة و ايضا جلسا فترة بالأسفل مع الجميع يتباحثا فيما بدر من باسل اخيها فى حق عريس سندس و بعدها صعدا لهنا.. تنهدت من جديد و هى تتطلع للأضواء البعيدة الصادرة من أعمدة الانارة التى تقف فى انتظام على طول الطريق الرئيسى لمدخل النجع و كأنهم حراس له يراقبون كل شاردة و واردة تخرج منه او تدخل اليه..

جلست على ذاك الكرسى الموضوع جانبا و تاهت فى تلك الظلمة و تلك الأنوار المتفرقة هنا و هناك بطول النجع و عرضه و كأنه صورة منعكسة لمرآة السماء بنجومها الساطعة بشكل رائع تلك الليلة..
اخرجت مسبحتها من جيب عباءتها و بدأت فى التسبيح و الاستغفار حتى بدأت تشعر بالسكينة و الدعة.. لا تعرف كم استغرقت من وقت و هى على حالها من الذكر و التسبيح الا ان هواء الفجر البارد نوعا ما بدأ يتسلل اليها فأرتعشت و قد قررت ان الوقت حان للعودة للداخل قبل ان يفكر هو فى الاستيقاظ متأهبا لصلاة الفجر كعادته..

دخلت فى حذّر حتى لا توقظه و اغلقت خلفها باب الشرفة ليعم الظلام فتضطرب لا تع طريقها لفراشها فى تلك العتمة..
تلمست طريقها فى حرص و تحسست موضع خطواتها قبل ان تطأه قدماها و فجأة و هى تسير بشكل موفق لهدفها ضربت قدمها قدم ما ارتفعت عن موضعها فتعسرت فيها لترتبك و لا تعلم اين سيكون موضع خطوتها التالية لتترك قدمها تختار موطئا بشكل عشوائى ليكون هذه المرة قدمه الاخرى التى تعرقلت فيها لتسقط شاهقة بصرخة مكتومة ايقظته بشكل منتفض ليجدها فى لحظة بين ذراعيه.. نظر اليها و كأنما هى هدية السماء اليه بعد طول عناء..

كانت هى مشدوهة لا تدرك ما يحدث و هو يتطلع اليها بتلك الطريقة كالمسحور كليا و كفيه تعانقان خصرها البض و نظراته تجول على ملامح وجهها مأخوذ لا يرفع نظراته عنها كالمجذوب.. رفع كفا عن خصرها يداعب تلك الخصلات التى فرت متمردة من تحت حجابها الذى انحصر عن شعرها الغجرى.. و اخيرا جذب ذاك الحجاب فى سلاسة و ألقى به بعيدا بطول ذراعه و كأنما هو عزول حرمه رؤية ما و من يحب و انتظر لقاءه طويلا.. خلل أصابعه فى داخل تلك الجدائل المعطرة و رفعها الى وجهه يتحسسها و يتنسم عطرها حتى تشربت به روحه..

و اخيرا تركها تتهدل و تنساب ببطء من بين أصابعه و هو يتابعها فى شغف و اخيرا سلط نظراته على محياها الذى اصطبغ كعادته ما ان يطالعها بتلك الحمرة التى تكسوه خجلا و حياءً نفذت نظراته الى عمق عينيها و قرأ بهما ما كان يتمنى قرأته طوال حياته.. قرأ فيهما احلامه و أمنياته و سنوات عمره الراحلة كلها و عشقه اللانهائي لها و دعواتها المحبة و اعترافات بالهوى لم يبح بها قلبيهما بعد.. و لكنه رأى ايضا عتاب صامت و جوى يرتعش به نبض القلب و وجع يفر من المقل و لا دواء يطيب الجرح..

اقترب منها مأخوذاً كلية بحضورها الطاغ عن كل ما عاداه.. و انحنى ملثما جبينها الوضاء فى قبلة طويلة أودعها بعض مما يستشعره فى تلك اللحظة و بدأت هى ترتجف فى حياء لأفعاله التى ما عاد لها سيطرة عليها و لا قبل لها لتردعها و خاصة انها كانت لا تقل عنه سحرا بتلك اللحظات المختلسة من زمان خصامهما الذى طال أمده حتى جفت حنايا القلب شوقا للوصل.. لكنها كانت الأكثر إدراكا و وعيا ان تلك اللحظات نهايتها ستكون ندما و قهرا قد يباعد بينهما اكثر من زى قبل مما دفعها لتضع كفيها على صدره تحاول ان تصده عنها بوهن لا قبل لها لتضعه حيّز التنفيذ و تقصيه عنها بعد ان تمنت قربه للحظة..

تمنت ان تراه مهران كما حلمت ان يكون و كما كانت تدرك بفطرتها كيف سيكون.. فكيف لها ان تقصى عنها حلما طال انتظارها له و هى تراه يتحقق صوب ناظريها.. !؟ و من اين لها تلك القوة و ذاك الجبروت لترفض دنوه منها و الذى كان املا بعيد المنال!؟.. انها تحبه.. بل تعشقه و تهوى كل ما يمت له بصلة..
لازالت تتوسد كفاها البضتين صدره فى محاولة محكوم عليها بالفشل لإبعاده ليحتضن هو احد كفيها و يرفعه ليلثم باطنه فى عشق باح به حتى الثمالة.. و هنا أعلنت هى استسلامها و نكست رايات الرغبة فى ابعاده و..

انتفض هو و كأنما لدغه عقرب و جواله يعلن عن توقيت أذان الفجر صادحا و مكبرا.. و كأنما قد أتى ذنبا و هو بالفعل أتاه.. فقد تذكر انه حرمها على نفسه بمنتهى الغباء فنهض مبتعدا و مستغفرا و هو يندفع كالمصعوق للحمام يتوضأ على عجل و يندفع فارا من الغرفة لا يرفع نظراته اليها..
انفجرت تسنيم باكية ما ان أغلق الباب خلفه و قد شعرت بكم رهيب من المهانة و الإذلال لم تشعر بهما قط.. بكت حتى أرهقها البكاء و اخيرا نهضت لتصلى فرضها و ما ان ختمت صلاتها حتى قررت انها لابد و ان ترد له الصاع صاعين.. و لن تدعه يلهو بها مرة اخرى كيفما شاء..

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 7 من 36 < 1 15 16 17 18 19 20 21 36 > الأخيرة





الكلمات الدلالية
رواية ، ميراث ، العشق ، والدموع ، موال ، التوهة ، والوجع ، رباب ، النوح ، والبوح ، العمر ، وزواده ،











الساعة الآن 01:53 AM