logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 7 من 36 < 1 14 15 16 17 18 19 20 36 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 04:31 صباحاً   [49]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل التاسع

وصل حمزة لذاك العنوان الذى أعطاه له عمه زكريا و تطلع لتلك اللوحة المعدنية البراقة امام بوابة حديدية أنيقة .. ڤيلا مندور .. أمهر سائق السيارة الأجرة ثمن توصيله و ترجل متوجها فى ثبات ليطرق ذاك الذر جوار البوابة ليتطلع اليه البواب العجوز من بين أسياخها الحديدة متسائلا:- مين ..!؟..
هتف حمزة مجيبا :- انى الباشمهندس حمزة الهوارى بن اخو زكريا بيه ..
هتف البواب فى ترحيب :- اهلًا يا بيه اتفضل .. زكريا بيه بلغنى بوصولك .. هو مستنيك جوه ..

فتح البواب احد جانبى البوابة و سمح لحمزة بالمرور و الذى اخذ يتطلع للڤيلا متأملا حتى وصل لبابها الداخلى فطرقه و عرف نفسه من جديد لرزقة التى هللت لوصوله و اصطحبته حيث يجلس عمه بالمكتب و الذى ما ان رأه حتى اندفع فى سعادة محتضنا اياه هاتفا :- الف حمد الله ع السلامة يا حمزة .. نورت إسكندرية .. بس مش كنت تجول انك چاى كنت بعت لك العربية تستناك ع المحطة بدل ما تتصل تاخد العنوان اول ما وصلت .. دِه انى كنت خايف عليك تتوه ..

ابتسم حمزة :- لااه متخافش علي يا عمى دِه انى أفوت ف الحديد ..
قهقه زكريا :- تمام .. هو دِه المطلوب ف شغلنا يا واد اخوى انك تفوت ف الحديد .. كِده انى اطمنت ..
اندفعت هدير لحجرة المكتب هاتفة فى دلال :- بابى ... بليز عايزة العربية عشان ..
قطعت جملتها هاتفة فى دهشة ممزوجة بفرحة بريئة كعادتها :- ايه ده ..!؟.. هو حمزة جه ..!؟ مقلتش يا دادى انه جاى ..!!..

غض حمزة بصره و هو يرى ذاك البنطال الضيق و القصير الذى ترتديه و ذاك القميص بلا أكمام الذى يظهر ذراعيها كاملين و لم يعقب بحرف على ترحيبها بينما هتف زكريا مشاكسا ابنته :- يعنى كنتِ هاتعملى ايه يعنى لو جلنالك انه چاى ..!؟..
هتفت هدير بغيظ :- كنت هعمل كتير يا بابى .. و اول حاجة هعملها انى اجيب شحنة ناموس و أطلقها ف اوضته يرحبوا بيه .. زى الترحيب اللى شفته ف بيتهم بالظبط ..

انفجر زكريا مقهقها بينما ابتسم حمزة للذكرى ليستطرد زكريا موجها كلامه لحمزة :- شايف .. تاريها صعيدية على حج ومتسيبش تارها .. ميغركش ...الاصل غلاب برضك ..
اتسعت ابتسامة حمزة و رفع عينيه بلا إرادة لأبنة عمه التى رأها متخصرة فى غيظ و وجهها فى تلك اللحظة توحى ملامحه بالإجرام الفعلى لكنه اجرام مخلوط ببراءة عجيبة تربكه فاضطرب و غض الطرف من جديد ليهتف عمه امرا :- ياللاه يا حمزة اما أوصلك اوضتك عشان تستريح من السفر ..

هتف حمزة مستنكرا :- ليه ..!؟.. هو احنا مش هنروحوا الشركة ..!؟..
ابتسم زكريا رابتا على كتفه :- الصبر يا باشمهندس الشركة مش هطير .. كمان الشركة اچازتها النهاردة .. انت مخدتش بالك انى موچود ف البيت النهاردة و دى ساعة شغل ..!؟..

تنبه حمزة فعلا لهذه النقطة و هو يخرج من غرفة المكتب و خلفهما هدير .. اشار زكريا للدور العلوى و السفلى هاتفا :- بص .. منتش غريب .. اختار لك أوضة فاضية تعچبك .. البيت كَبير و فى اوض فوج و تحت .. شاور ع اللى هتريحك فيهم و تبجى بتاعتك ..

تنحنح حمزة فى ادب هاتفا :- طب معلش يا عمى.. انى بجول اشوف اى فندج اجعد فيه لحد ما اشوف شجة على كدى جريبة من الشركة عشان متجلش ع البيت و ناسه ..
زمجر زكريا فى ضيق حقيقى هاتفا :- وااه .. بيت عمك مفتوح وتجعد بره .. ليه !؟.. مش هنجدر على لجمتك و لا ايه ..!؟..

هتف حمزة فى اضطراب :- لاااه .. العفو يا عمى مش الجصد و الله .. بس ..
قاطعته هدير هاتفة موجهة حديثها لأبيها :- خلاص يا دادى سيبه براحته .. و لو هو شايف انه هيحد من حريتنا جوه الڤيلا خلاص .. جناح الضيوف موجود ..مش هايبقى له حجة ..
هتف زكريا مهللا :- تسلم افكارك يا هدير .. هو دِه الكلام ..

صفقت فى سعادة لنجاحها فى إيجاد حلا للمعضلة بينما انحنى زكريا على حمزة قليلا مستعيدا روحه المرحة هامسا :- عرفت تلاجى حل و انا و انت كنّا هنمسكوا ف خناج بعضينا و الحل جدامنا .. صعايدة صح يا واد اخوى لما مخنا بيجفل يالله السلامة ..

قهقه حمزة للمرة الاولى منذ وصوله بل منذ ان رأته هى للمرة الأولى و جذب صوت قهقهاته مسامعها لتتنبه انها ايضا للمرة الاولى تطرب لصوت ضحكات ما لكنها لم تقف امام الامر طويلا كعادتها و لم تحمله اكثر مما يحتمل بل ابتسمت فى هدوء و تطلعت لأبيها و بن أخيه المحبب الى قلبه و هما يتجها معا لجناح الضيوف و قد غابا عن ناظريها الان و ابيها يستند على ذراع حمزة القوية السمراء التى قدمها لعمه فى محبة .. تنهدت فى لامبالاة ملقية كل تلك الخواطر خلف ظهرها و عادت ادراجها لحجرتها ..

رن هاتفها مراراً فى تلك الساعة المتأخرة و قررت الا ترد الا انه ألح فى الرنين فتأففت فى غيظ و نظرت الى ذاك الرقم الغريب الغير مسجل عندها لكنها استيقظت على ايه حال و قررت الرد بالفعل هاتفة بصوت ناعس :- ألو .. مين ..!؟..
انتفض باسل لسماع صوتها الناعس و اضطربت جوارحه دفعة واحدة فهى المرة الاولى التى يتصل بها فلم يكن ابدا هناك ما يستدعى ان يفعل .

حاول استجماع شتات نفسه هاتفا بغيرة غير منطقية و ليست فى محلها على الإطلاق :- ازاى تردى على حد ف الساعة دى ..!؟..
هتفت فى نزق و قد بدأت تستفيق كليا :- نعم !؟..
هتف متراجعا عن جنونه :- اجصد يعنى مترديش على نمر غريبة تانى و خصوصى ف الليل ..
تجاهلت الرد متعمدة و هتفت فى لهفة :- هااا فى اخبار جديدة ..!؟..

اكد و قد تذكر سبب الاتصال من البداية :- ايوه .. امال انى بتصل ليه ف ساعة ذى دى ...!!.. استعدى و انى جاى اخدك نروحوا المستشفى جبل ما الممرضة تبلغ الدكاترة بفوجان المحروج و الدكاترة الصبح هيبلغوا النيابة تاجى تاخد اجواله ..
انتفضت بدورها هاتفة :- اعتبرنى جهزت .. و هستناك من باب السرايا الورانى عشان عم سعيد ميخدش باله..
اكد بدوره :- اتجفجنا .. انى چاى ف السكة .. اعتبرينى عندك .. سلام عليكم ..

أغلق الهاتف و انتفض بدوره خارج الدار و منه للسيارة .. لحظات و كان بانتظارها خلف سُوَر السراىّ الخلفى .. لمح شبحها يقترب فأدار العربة التى كان قد أطفأ محركها حتى لا يسترعى صوتها او إضاءتها انتباه احدهم ..
دخلت السيارة ملقية السلام ليرد مندفعا مبتعدا فى طريقهما للمشفى ..
لم يتفوها بكلمة طوال الطريق حتى وصلا اخيرا ..

استطاعا بمساعدة الممرضة الدخول حيث حجرة المجنى عليه لينقدها باسل مبلغا سال له لعابها فأخذته فى لهفة مبتعدة لتترك باسل يحاول ان يتجاذب أطراف الحديث مع عسكرى الحراسة أمام الباب مؤكدا إنهما .. هو و سندس .. أقارب المجنى عليه بالداخل و لا يريدا شيئا الا التطلع اليه و التأكد انه بخير .. حاول باسل باستماتة إقناع العسكرى و كان لبريق المال تأثيره الفعّال بالتأكيد ليسمح لهما بالدخول لدقائق معدودة شكره باسل ناقدا اياه مبلغا من المال و تسلل هو و سندس لداخل الحجرة فى سرعة ..

كان مسعد ممددا على فراشه بصدر عار الا من بعض الأربطة الطبية و بقعة دم تزينها تدل على موضع جرحه .. امتعض باسل لمرأه بهذا الشكل فى وجود سندس التى ما ألقت بالا للأمر متقدمة قرب الفراش هاتفة به فى صوت خفيض نوعا ما :- انا المحامية بتاعت مهران اللى ضرب عليك النار..
همس بدوره بوهن :- وجيالى ليه!؟

انا معملتلوش حاجة عشان يبقى عايز يقتلنى .. منه لله ..
تصنع الغلب و المسكنة و لكن سندس ادركت ما يرمى اليه هاتفة :- على فكرة مهران قالى على كل حاجة و اللى عملته يدخلك السجن كام سنة حلوين .. فأحسن لك قول اللى عندك و أوعدك هساعدك زى ما هساعده .. انا مش عايزة ليك الأذية بس ف نفس الوقت عيزاه يطلع براءة و يا دار مدخلك شر .. هااا .. ايه رايك نتفق و لا ..!؟

همس فى استكانة :- نتفق .. شوفى انت عايزة ايه و انا معاكى .. بس كله بتمنه ..
حاولت سندس كتم سعادتها حتى تنهى مساومتها مع ذاك الحقير هاتفة بلهجة محامية متمرسة :- بص .. البوليس لقى معاك ٢٠ الف جنيه و هم بينقلوك المستشفى .. لو عِملت اللى هقولك عليه هتاخد قدهم قلت ايه ..!؟..
برقت عينا مسعد هاتفا و قد نسى جرحه مخدرا بسحر المال :- طب ما نكملهم ٥٠ الف يا استاذة.. كلك مفهومية ..

جز باسل على اسنانه غيظا و هو يرى ذاك الحقير يكلم سندس بهذه الطريقة ما جعله يهتف فى نفاذ
صبر :- هنخليهم زفت ٥٠ بس اتنيل جول اللى هتجولهولك و تحفظه بالحرف الواحد ..
اكد مسعد هاتفا بجشع عجيب على حالة فى مثل حالته :- خدامكم يا بيه .. بس مش اشوف اى حاجة تحت الحساب ..

تطلعت سندس لباسل فما كانت لتستطيع احضار اى مبالغ مالية معها خاصة بهذا الكم لكن باسل لم يخزلها و اخرج من جيب سترته مبلغا ضخما واضعا اياه فوق المنضدة القريبة من فراشه هاتفا فى نبرة قاسية و بصوت واثق يثير الرعب فى النفس منحنيا ليواجه مسعد و نظراته تكاد تقتله
حنقا :- أدى يا فجرى الفلوس ..١٥ ألف جنيه .. و ليك زييهم لما نسمعوا انك جلت اللى اتفجنا عليه .. بس بالك انت لو ما نفذت و جلت خلاف ما احنا عايزين .. و الله ما هتجعد عليها ثانية واحدة يا واد المحروج ..

ارتعش مسعد متسائلا بقلق :- مش هقعد على ايه لمؤاخذة ..!؟..
جز باسل على اسنانه هاتفا بصوت كالفحيح :- الدنيا .. مش هتجعد على وش الدنيا ثانية واحدة .. و هجتلك بيدى .. و أديك كنت ميت ميت .. و اللى الموت ملحجهوش النوبة اللى فاتت يلحجه المرة دى .. جلت ايه !؟

ارتعشت سندس بدورها مع ارتعاشة مسعد و للمرة الاولى تشفق عليه و هو يهتف فى وهن من جراء خوفه لا جرحه :- تمام يا بيه .. تمام ..اللى هتقولولى عليه بالحرف هقوله ف النيابة ..
ربت باسل على كتفه فى تشجيع مصطنع هاتفا :- انت كِده چدع و تعچبنى .. اتفضلى يا استاذة جوليله يجول ايه بالحرف ..

هتفت سندس بعد ان تمالكت نفسها جراء ما رأت من باسل العجيب ذاك و الذى لم تعرفه يوما:- كل اللى عوزاك تقوله ان بينك و بين مهران شغل .. و انك كنت متفق معاه على طلبية عسل نحل .. و اتفقتوا على السعر العشرين الف اللى لقوهم معاك و اللى مهران دفعهم ليك فعلا و إنكم و إنتوا بتتكلموا ف البيت المهجور ده مهران شاف ثعبان مقرب منك فخرج سلاحه عشان يضربه لكن انت اتحركت لانك خفت و الطلقة جت فيك غلط و اللى هيأكد كلامك ان مهران بلغ الإسعاف بنفسه ..لو فى نية للقتل كان سابك تموت ف مكانك .. تمام .. فهمت هتقول ايه ..!؟..

سأل مسعد :- طب لو سألونى دخلتوا ليه البيت ده من الاساس .. أقول ايه!؟
هتفت تخبره :- قول يا سيدى ان الدنيا كانت شمس ف وقتها و انت مش بتستحمل و انك طلبت من مهران تخشوا البيت ف الضل و تتكلموا
مع انه عزم عليك تيجى فى بيته بس انت كنت مستعجل و انت اللى طلبت منه تتقابلوا على اول النجع ..
تمام كده..!؟.. اى استفسار عن اى حاجة تانى !؟..

هز مسعد رأسه نافيا مع دقات العسكرى بالخارج على الباب يتعجلهما مؤكدا على انتهاء وقت الزيارة لتندفع سندس خارجا يتبعها باسل و هو يشير لمسعد إشارة محذرة ان يتفوه بكلمة خلاف ما لقنته سندس .. ليومئ مسعد رأسه موافقا فى خوف مؤكدا انه ما كان ليفعل ..

تحرك باسل بالسيارة فى اتجاه النجع و قد شملهما الصمت لكنه صمت من نوع جديد .. ليس صمتا لانه ليس هناك ما يقال بل صمتا ناتجا عن اضطراب نتيجة احتشاد الكلمات فى حلقها دون قدرة على التفوه بها .. و تساءلت و هى تلقى بنظرة جانبية لابن عمتها :- هل هذا باسل حقا !؟.

فهى لم تراه يوما بهذه الشخصية القادرة المسيطرة فهو دوما المستهزئ الساخر .. الباسم الباش فى وجه الجميع بلا استثناء لكن ذاك الباسل الذى رأته بالأعلى يحاور مسعد فى اقتدار جانب جديد من شخصية بن عمتها لم تكن تتخيل وجوده من الاساس ..
هتف هو قاطعا شرودها بعد ان لاحظ نظرتها المختلسة تلك :- ايه يا استاذة .. مش عارف حاسس ليه انها اول مرة تشوفينى ..!؟..

اضطربت بعد ان ادركت انه لاحظ نظراتها فهمست :- لا ابدا .. بس اصل اللى كان بيتعامل فوق مع مسعد ده .. يعنى ... شخصية جديدة انا معرفهاش ..
هتف فى شجن لاأراديا :- و انتِ من ميتا تعرفينى..!؟.. ثم ادار دفة الحديث فى مهارة هاتفا:- يا استاذة انى من سن اتناشر سنة و انى ف السوج بتعامل مع أصناف و أشكال و ألوان من البشر و خلاص عرفت من نظرة الطريجة اللى تنفع مع كل واحد .. واللى شوفتيه فوج ده عينة صغيرة من باسل .. باسل اللى ما تعرفهوش يا بت خالى ..

وصلا لسور السراىّ الخلفى لتتنبه هى لوقوف السيارة فتلقى التحية فى صوت متحشرج على عجل و تندفع لداخل السراىّ من بابها الخلفى .. انتظر حتى غابت و تأكد انها بالفعل فى الداخل ليعيد تشغيل العربة من جديد هامسا بشجن لطيفها الذى غاب الان خلف البوابة الصغيرة :- باسل يا بت خالى .. باسل اللى متعرفهوش و لا عايزة تعرفيه .. باسل اللى يتمنى يسمع اسمه من بين شفايفك ..اسمه اللى بجاله سنين متحرم عليه يسمعه منيكى .. يسمعه لو حتى بعدها يموت ..

تنهد فى قلة حيلة و اندفع بالعربة راحلا مبتعدا عن محياها و كأنما يفر منها هاربا .. لكن منذ متى
بمقدور عاشق الهرب من ساكنة روحه ..!؟..

هتفت تلك الفاتنة في دلال و هي تميل عليه بإغراء محترف :- بجى كِده يا سى ماهر .. تغيب الغيبة دى كلها و تجول عدولى .. متوحشتش حنان ..
هتف بصوت متحشرج متأثرا لقربها المُهلك منه :- لاااه .. كيف تجولى كِده.. اتوحشتك جوى يا بت .. بس غيبت و جيت على شوجة عشان اجيب لك دى ..
انتفضت في مكانها و برقت عيناها طمعا عندما اخرج من جيب جلبابه سوار من الذهب و وضعه امام ناظريها لتلهث في جوع حقيقى لمرأى ذاك السوار الذهبي ..

هتفت و عيونها لازالت متعلقة بمبتغاها :- دِه ليا انى يا سيد الناس!؟..
هتف متفاخرا :- امال ايه ..!؟ طبعا ليكى يا بت .. هاتى يدك ..
و جذب يدها البضة و زينها بوضع السوار حول معصمها لتجذب يدها تحركها يميناً و يسارا في تيه و إعجاب ..
نهض خلفها يهمس بالقرب من اذنها في رغبة :- ها عچبك يا بت .. !؟..

استدارت متكئة على صدره في دلال هامسة :- عچبنى بس .. دِه يچنن يا سى ماهر .. ربنا يخليك ليا و تچيب لحد ما تملى دراعاتى دول كلهم أساور ..
هتف و هو يدنيها منه هامسا :- هايحصل يا بت .. هايحصل ..
هتفت بفضول :- شكل اللى الناس بتچوله صح .. و ان طلع لك عم و لا خال و لا بهوات السيما .. ألا صحيح الكلام دِه يا سى ماهر ..!؟..
دفعها ماهر عنه هاتفا بحنق :- ملكيش صالح .. هو اكل و بحلجة ..

تنبهت انها اثارت حفيظته فعاودت إغراءها من جديد مقتربة منه هامسة بدلال :- على جولك .. المهم انك تسلم و تچيب يا حبة عينى من چوه..
استدار اليها و قد جذبته بسحر غوايتها المفطورة عليه ليهمس لها :- ايوه ..خلينا ف حالنا .. و مفيش أحلى من حالنا و لا ايه ..!؟..
أطلقت ضحكة ماجنة جعلت رأسه يدور و ينسى ما عداها ..

انطلقت الزغاريد من ام سعيد و نجاة زوجة ولدها ما ان طالعهما مهران بصحبة عاصم و سندس و كذلك حسام و باسل و حازم يدخلون السراىّ و قد غمرتهم الفرحة اخيرا ببراءة مهران من تهمة الشروع فى قتل ذاك الحقير مسعد بعد ان أكد فى اقواله ان ما حدث كان مجرد خطأ غير مقصود و ان المال الذى كان بحوذته كان ثمن طلبية من العسل الذى يشرف مهران على مناحله و ان ما يثبت صحة اقواله ان مهران بنفسه هو من ابلغ الإسعاف و الشرطة عندما وقع الحادث فلو هناك اى نية لقتله فما الداعى الذى دفعه لإنقاذه خاصة فى مثل ذاك المكان الذى لم يكن ليجد احد فيه جثته لإيام عديدة ..

اندفعت زهرة تجاه ولدها الذى كادت تُجن من خوفها عليه تحتضنه فى شوق تطمئن انه حقا امامها و ان تلك الغمة قد انزاحت بلا رجعة ..
كان الجميع فى سعادة غامرة ان الامر انتهى على خير اخيرا الا مهران الذى ظل ذاك الجمود يسيطر على ملامح وجهه و هو يجلس يتلقى التهانى من الكل بلا استثناء دون ان يلين ذاك الجمود و لو للحظة حتى لأمه التى كانت فرحتها بنجاته تفوق الحد الذى جعلها لا تدرك ما يعتر ولدها الا بعد حين حينما كان يرد على مجامليه ردودا مقتضبة خالية من الود الذى كان دوما يقطر من كلمات مهران و افعاله ..

وجبت صلاة العصر فأنتفض من المجلس مستئذنا ليندفع للأعلى متحججا برغبته فى الاغتسال و الصلاة .. استأذن الجميع متفهمين واحدا تلو الاخر لتهتف زهرة في قلق :- مهران ماله يا عاصم ..!؟.. مش ده مهران اللى غاب عنى اربع ليالى بس .. ده كأنه اتبدل ..

ربت عاصم على كتفها متفهما و محاولا بث الطمأنينة داخلها :- متجلجيش .. شوية و هيفك و يرچع احسن من الاول .. اللى شافه برضك مهواش هين .. و الاربع ليالى دوول بهم اربع سنين .. جولى الحمد لله ان ولدك رچع لك بالسلامة يا ام مهران و بكرة يبجى عال .. استحمديه ..
همست زهرة بألية و عقلها لايزل مضطربا لمرأى ولدها بهذه الحالة :- الحمد لله على كل حال ..

هتف عاصم متسائلا :- هو ماچد اتصل ..!؟.. أوعى تكونى جولتيله حاچة ..
نفت زهرة هاتفة :- لا طبعا مقلتش حاجة محبتش اقلقه هو كمان على اخوه و انا عارفة انه هيفضل هناك مش قادر لا يجى و لا هيبقى مرتاح وهو بعيد و احنا ف الظروف دى عشان كده متكلمتش و لا جبت سيرة .
هتف عاصم :- طب الحمد لله اهى چت على خير و ربنا سترها معانا ..

و ربت عاصم على كتفها قبل ان يصعد لغرفته و تتجه هى للمطبخ لتوصى بطعام شهى من اجل مهران تعويضا عما فاته ربما يعيد له ذلك بعض من ذاك البريق الذى تستشعره كأم و قد خبا فى اعماق ولدها البكر .

اندفع مهران لحجرته مارا بذاك الجناح الذى من المفترض ان يكون جناحه بعد زواجه و لم يسطع ان يرمقه حتى بنظره .. شعر ان بداخله قوة غضب هائلة يمكن ان تدمر ذاك الجناح بكل ما فيه و إحراقه رغبة فى إطفاء تلك النيران التى تستعر بداخله فى المقابل .. و ما ان كاد يدفع باب غرفته حتى تذكر جدته فضيلة التى ترقد بالغرفة المجاورة وانه قد انقطع عنها و عن زيارته لها بشكل دورى مع ميقات كل صلاة حاملا لها ماء الوضوء ليساعدها فى اتمامه قبل ذهابه للصلاة بالمسجد.. ترى كيف حالها دونه و قد تخلف عنها اربعة ليال كاملة !؟..

توجه الي بابها يطرقه فى وجل و هو يعلم انها لن تجيب كعادتها فدخل فى هدوء ليراها تتمتم بأذكارها فى خشوع و مسبحتها الألفية تتدلى من احد كفيها .. شعر بشوق هائل يجرفه ليقبل تلك الكف المتعرقة و يلقى برأسه المكدود بحجرها الطاهر ..
اقترب منها لتستشعر وجوده رافعة رأسها متطلعة اليه لتهتف فى سعادة :- مهران يا حبة جلبى .. رچعت بالسلامة يا واد الغالى ..

تعجب من معرفتها بالأمر فهو يعلم تماما ان الجميع اصبح يخاف عليها تأثير الحزن و الهم لكبر سنها فلا يخبروها الا الطيب من الاخبار ..
اندفع اليها يلقى برأسه فى تجويف قدميها المتشابكتين فوق اريكتها المفضلة .. ضمت رأسه اليها و ربتت على ظهره فى حنو هامسة فى تفهم عجيب كأنما تعرى روحه :- مالك يا مهران .. راحت فين روحك و عزمك .. راچع مهران و منتش مهران اللى اعرفه ..

كاد يبكى و هو يخبئ وجهه بحجرها الحانى و تلمست هى ذلك بمشاعر جدة هو عندها أعز من ولدها ذاته فربتت من جديد على كتفه و جالت بكفها على طول ظهره و عرضه تتمتم ببعض الأدعية و آيات القرآن الكريم دفعا لتلك العين الشريرة التى اصابت حفيدها المفضل لقلبها ..
همهمت بعد فترة ما ان استشعرت انه هدأ قليلا هامسة :- جوم يا مهران و سلمها لله جادر يعدلها من عِنده .. جوم و صل ووضينى جبل ما تروح .

رفع مهران نظراته اليها متسائلا :- معلش يا ستى انى بجالى اربع ليالى مش باچى اوضيكى ..
ابتسمت و هى تربت على جانب وجهه هاتفة :-كيف دِه ..!؟.. كنت بتاچى يا مهران .. مخلفتش ميعاد صلاة حتى الفچر .. بس ف كل نوبة اشوفك مهموم كيف ما انى وعيالك دلوجت و تروح توضينى و تبوس على يدى و تجولى ادعيلى يا ستى انى ف ضيجة شديدة و كنت بدعى يا ولدى .. بدعى و انى جلبى هيتخلع لشوفتك متكدر كِده..

تعجب مهران من كلماتها التى تقطر صدقا و بالفعل نهض لمساعدتها فى الوضوء و قبل جبينها فى محبة طاغية قبل ان يرحل ليلحق بصلاة العصر متمنيا ان ينزاح ذاك الهم من على قلبه لكن هيهات فوجعه و صدمته فى توأم روحه لا يعادله وجع و لا تساويها صدمة ..

طرقت باب غرفته و هى عازمة على معرفة الامر برمته للنهاية .. اذن لها بالدخول فدفعت الباب و دخلت ملقية السلام دافعة ذاك المقعد لتجلس عليه لتكون فى وضع مقابل له تماما و نظرت اليه منكس الرأس هكذا فشعرت بالضيق فهتفت تجذب
انتباهه :- مهران ..!! خبر ايه ..!؟.. ايه اللى حصل للى انت عاملة ف نفسك ده ..!؟..

تنهد فى ضيق و صمت و لم يعقب لتستطرد هى و قد عزمت على دك حصون جموده و ثباته منذ عاد الى البيت بعد محنته الماضية :- بقولك ايه يا مهران انا سندس يا مهران عارف يعنى ايه سندس!؟..
تطلع اليها مستفهما لتكمل بمحبة :- يعنى توأمتك و حتة من روحك .. هتخبى على روحك يا مهران ..!؟..

تطلع اليها فى محبة مماثلة و هز رأسه فى تشتت و لم ينطق حرفا لتندفع متسائلة بغتة :- ايه اللى حصل بالظبط يا مهران ..!؟.. مين مسعد ده و عارفه منين ..!؟.. و ايه اللى حصل بينكم بالظبط!؟..
انتفض حانقا يهتف فيها :- ما خلصنا من الموال دِه و كل حاچة اتجالت ف النيابة ..

هتفت بدورها :- مش صحيح .. انا عارفة ان مش دى الحقيقة .. و اللى متعرفهوش انى انا اللى قلتله يقول كل الكلام اللى اتكتب ف اقواله ف النيابة يعنى انا اللى عارفة كويس ان مش دى الحقيقة .. ايه الحقيقة بقى ..!؟.. و ايه اللى خلاك توصل انك ترفع سلاحك على الراجل ده و انا اكتر واحدة ف الدنيا متأكدة انك متعملهاش!؟...

تهرب منها يدور فى الغرفة لا يريد ان يلتقى بعينيها حتى لا تثبر أغوار نفسه و تدرك حقيقة ما حدث و تقرأه جليا بعمق عينيه ..
تنهدت متسائلة فى تعجب :- مش غريب انك من ساعة ما رجعت من الحجز مزرتش تسنيم و لا جت هى تطمن عليك و لا مرة سواء و انت ف الحبس او هنا لما رجعت ..!؟..

انتفض من جديد عند ذكر تسنيم هاتفا :- لاااه .. كانت عايزة تاچى و انى اللى منعتها و انى بكلمها ف التليفون اطمنها عليا ..
تنهدت سندس من جديد و هى تربت على كتفه فى حنو و قد ادركت ان هناك سرا فى ما يحدث .. سرا شائكا و خطيرا و الا ما كان استمات اخوها هكذا للدفاع عن سريته و عدم فضحه لمخلوق حتى لها هى و همست قبل ان ترحل تاركة الغرفة فى هدوء :- تسنيم عيانة يا مهران ..من ساعة ما سمعت باللى حصل لك و هى راقدة و دكاترة داخلين و دكاترة خارجين ..

هتف فى وجل مقاطعا إياها :-عيانة!؟
هزت رأسها و هى على اعتاب الحجرة قبل ان تخرج و تغلق الباب خلفها :- مش بتقول كلمتها يبقى اكيد عرفت بده .. مع انها على حسب ما شفتها لما رحت أزورها رايحة خالص عن الدنيا و كل اللى على لسانها .. اسمك ..

انتفض مع إغلاق اخته للباب كأنما اغلقته بوجه قلبه الذى ما عاد يحتمل .. شطراه يتنازعان فى ضراوة .. شطره الذى مازال يحن لها كحبيبة و منية لروحه و شطره الاخر الذى ما عاد يطيق ذكرها امامه و لا يتذكر الا صورتها امام ذاك الحقير و هى تعطيه ثمن اثامها التى ساومها على فضحها .. انه يكرهها .. لا .. بل يحبها .. و لايزل يحبها بل يعشقها و هذا ما يعذبه و يدفع به لحافة الجنون .. جلس مهدودا على اقرب مقعد واضعا رأسه المثقل بالصراعات بين كفيه يهمس متضرعا فى وجع .. يااارب ..

بدأت الانفجارات تتوالى و صوتها يتتابع فى صخب و صرخات هنا و هناك و تلك الملامح المألوفة لذاك الوجه الذى يطارده دوما يظهر و يختفى من جديد مع صرخة بأسمه جعلته ينتقض فى ذعر اصبح علامة من علامات استيقاظه منذ كان فى الخامسة من عمره تقريبا ..

ألتقط انفاسه فى تتابع يتلفت حوله على الرغم من يقينه انه بحجرته و على فراشه و ان ذاك الكابوس الذى يصاحبه كظله هو سبب ذاك الاضطراب الذى يعانيه بعد استيقاظه من نومه مباشرة ..
طرقات على الباب من خادمه تؤكد انه استيقظ بالوقت المناسب تماما .. دخل الخادم هاتفا فى تأدب :- صباح الخير يا سيد بيه .. ثوانى و الحمام يكون جاهز لحضرتك ..

أومأ سيد برأسه موافقا و ألتقط من على تلك الصينية التى أحضرها الخادم كوب من عصير برتقال طبيعى هو المفضل له صباحا و ما ان انهى بضع رشفات منه حتى خرج خادمه يعلن جاهزية الحمام لأستقباله ..

جلس يتناول إفطاره و عينيه تجولان على اخبار المال و الاعمال فى الجريدة التى ينشرها أمام ناظريه وفجأة توقف عن ابتلاع لقمة كاد يغص بها فألتقط كأس الماء ليرتشف منها ما يخلصه من غصته و هو يطالع ذاك الاسم المتألق فى عالم الاعمال و الإنشاءات .." الهوارى جروب " يعلن عن مشروع جديد سيبدأ فى تنفيذه بالصعيد ..

ألتمعت عيناه ببريق ما يشبه بريق احد الذئاب الذى اخيرا عثر على ضالته المنشودة .. همس فى سعادة و هو يتطلع للأسم من جديد :- اخيرا الفرصة جت و هنتجمع و كل واحد ياخد حقه ..
..و ابتسم تلك الابتسامة الصفراء من جديد و هو يقذف بالجريدة بعيدا بطول ذراعه ...


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 04:32 صباحاً   [50]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل العاشر

دخل عاصم حجرته المعتمة و ما ان استدار مغلقا الباب خلفه ضاغطا ذر الإضاءة حتى تفاجئ بزهرة تجلس فى طرف الحجرة على احد المقاعد تبكى و هو الذى ظن انها سبقته للنوم على غير عادتها ..
اندفع فى قلق هاتفا :- ايه فيه يا زهرة!؟..

مسحت دموعها و هى تنهض فى تكاسل هاتفة فى نبرة منكسرة :- مفيش يا عاصم .. هروح احضر لك العشا .. تلاقيك جعاا..
قاطعها عاصم هاتفا :- مش چعان و مش واكل الا لما اعرف ايه فيه خلاكى تبكى كِده ..!؟..

انحدرت دموعها من جديد هاتفة بصوت متحشرج و هى تعاود الجلوس مرة اخرى على كرسيها :- مهران يا عاصم .. عاجبك حاله ..!؟.. من يوم موضوع الراجل اللى ضربه بالنار ده و هو مش مهران .. مهران اتبدل .. و ازداد نحيبها هاتفة .. اتبدل بواحد تانى .. تايه عن الدنيا و مش عارفة ماله و لا ايه اللى ف راسه .. حتى جناح جوازه اللى كان بيشتغل فيه بأيده من كتر لهفته على تجهيزه بسرعة مبقاش حتى بيطل عليه و لا بيدخله من اساسه و لا حتى فكر يجيب العمال يكملوا شغل فيه ..

تنهد عاصم و هو يقترب منها مربتا على كتفها فى حنو و هتف بحسرة :- صدجتى ف كل كلمة .. انى شايف كل اللى انتِ واعية له دِه بس معرفش ايه فى ..!؟.. الموضوع خلص على خير الحمد لله .. يبجى ليه اللى بيحصل دِه.. !؟..انى مش لاجى سبب ..

عم الصمت للحظات و اخيرا هتف عاصم كمن وجد حلا لمعضلة :- تاهت و لجيناها .. مفيش غير الچواز اللى هيخرچه م اللى هو فيه دِه .. احنا مش كنّا متفجين مع حسام اول ما تخلص اوضتهم هنفرش و نكتب على طوول و لا فى فرح و لا يحزنون .. مش ولدك كان متفج معاهم انه هيولم يوم كتب الكتاب و ياخد عروسته بزفة من بيت ابوها و خلاص على كِده .. يبجى الليلة سهلة اهى .. من بكرة أبعت اجيب العمال تخلص الاوضة و نفرشوها و هكلم حسام و نظبط الليلة على اول الشهر باْذن الله .. ايه جولك!؟...

تلهفت زهرة قائلة :- يا ريت يا عاصم .. يا ريت .. اذا كان ده اللى هيخرجه م اللى هو فيه .. يبقى نعجل بجوازهم و نفرحه ..
تنهد عاصم فى راحة و هو ينهض من مجلسه جوار زهرة واضعا عصاه فى مكانها المعتاد هاتفا فى عزم :- باذن الله كله هايبجى تمام .. انا هكلم حسام و خير البر عاجله .. و ربنا يسعدهم..

كان حمزة يجلس على تلك الأرجوحة التى تقبع فى احد أركان الحديقة و التى يقطنها الان مع عمه زكريا وولديه حازم و هدير..
و بناء على طلبه لم يرضى ابدا بالبقاء داخل الفيلا حتى لا يقيد حرية ساكنيها و خاصة هدير ..
فأصر على عمه ليبقيه فى الجناح الملحق بالفيلا و المخصص عادة للضيوف و لكن هذا بالفعل ما أرضاه و أشعره ببعض الاستقلالية و الراحة.

تنهد فى عمق مستنشقا القدر الكاف من نسيم الليل البارد الذى ينعش روحه و بدأ يترنح فى هدوء بتلك الأرجوحة التى تذكره بأرجوحته التى صنعها من احد اطارات السيارات و علقها فى فرع الشجرة العتيقة المتاخمة لدار عمه زكريا حيث ولد و نشأ ..

ابتسم للذكرى و هلت على انفاسه تلك الروائح التى كان يعبق بها جو النجع فى تلك الأمسيات اللطيفة من الصيف و التى كانت من النادر الحصول عليها فى جو الصعيد الحار ..
انتفض فجأة عندما سمع خطوات تقترب .. انتبه الى المكان الذى تاتى منه تلك الخطوات فى حذر و اخيرا شهق بصوت مسموع عندما رأها ..
الا يوجد رادع لتلك الفتاة ابدا ..!؟..

انه يكاد يقسم الان انه على استعاد لوأدها كما كان يفعل العرب فى الجاهلية نظير لما يراها ترتديه الان
و هى تقف فى الحديقة برداء كهذا بكل حرية..
اندفع متنحنحا فى غضب ظاهر
هاتفاً :- انتِ ايه اللى منزلك من أوضتك الساعة دى ..!؟..

هتفت بغيظ مماثل :- مكنتش اعرف انى لازم اخد منك الإذن قبل ما انزل جنينة ڤيلاتنا.. !!؟؟..
ضغط على اسنانه حانقاً و هو يدير نظراته فى كل الاتجاهات بإستثناء اتجاهها و خاصة و هى تقف أمامه بتلك المنامة التى تتكون من قطعتين العليا تكشف بلا حياء و السفلى لا تستر ما يجب ستره ..
و اخيرا همس :- عارفة يا هدير لو مطلعتيش أوضتك حلاً .. هعمل فيكِ ايه ..!؟..

بدل من ان تخاف و تصعد لغرفتها دون جدال هتفت فى لهجة فضولية :- ايه .. هاا ايه!؟؟..
ضم قبضته فى حنق محاولا السيطرة على أعصابه حتى لا ينفلت عقالها :- هديكى كف و الله لتكشى اكتر ما انتِ كاشة .. و هتبجى شبه لبيسة الجلم الچاف.. اخرك اعلجك فى چيب جميصى ..

بدل من ان تغضب .. انفجرت ضاحكة لتشبيهه هاتفة :-تصدق هبقى كيوت خالص ..و هبقى شايفة الدنيا كلها كده من فوق بدل ما ان قزعة .. و الأهم بقى انى هبقى قريبة من قلبك و اعرف الاخ ده معمول من ايه ..!؟.. الله يكون فى عونك يا تسبيح .. انا عارفة مستحملاك على ايه ..!؟؟..
عند هذه النقطة و خاصة عند ذكرها لقلبه و شؤونه و تذكيره بتسبيح التى أهمل الاتصال بها منذ فترة كل هذا جعل غضبه يصل لذروته هاتفاً :- هدير.!؟..على فوج احسنلك .. جَبل ما حد يشوفك بالمنظر ده..

هتفت بغيظ متحدية :- و ان مطلعتش!؟...
اندفع و كل الغيظ و الغضب و الإحساس بالذنب يدفعه لفتح الصنبور الأرضى لرى الحديقة و يحمل الخرطوم المطاطي موجهه اليها ليندفع الماء باتجاهها مغرقها .. لتصرخ هى لثوان قبل ان تندفع لداخل الفيلا محتمية من المياه المندفعة باتجاهها .. و تندفع صاعدة غرفتها وهى تبكى قهرا و غيظا .. مِن ذاك الرجعى الاحمق و الذى لسوء حظها ..يكون بن عمها ..

اندفعت تسبيح لداخل حجرتها المشتركة مع اختها و التي يبدو ان الاخيرة ستغادرها أسرع مما توقعت و ستصبح لها وحدها وهتفت :- سمعتى اخر الاخبار يا تسنيم .. خالك عاصم جدم الفرح ..
انتفضت تسنيم هاتفة :- فرح مين اللى اتجدم !؟..
هتفت تسبيح :- هيكون فرح مين يعنى .. فرحى !؟.. اكيد فرحك انت و مهران ..

انتفضت تسنيم من موضعها تجوب الغرفة بأضطراب مما دفع تسبيح تهتف في فضول :- ايه في يا تسنيم!؟.. ده انا كنت فاكرة ان الخبر ده هيفرحك !؟..
لم تجب تسنيم بل ظلت على حالها المضطرب الذى دفع اختها لتستطرد فى تعجب :- مالك يا بنتى ..!؟.. المفروض تفرحى .. انا لولا ما عارفة انتِ بتحبى مهران ازاى كنت جلت انك مغصوبة ع الچوازة دى .. و كمان موضوع ضرب النار ده انتِ جولتيلى خلص على خير برغم انى مش مصدجة و لا انتِ حكيتى تفاصيل و حالك يوميها مكنش بيجول كده ..

بس لو مهران شاكك ف حاچة من ساعتها كان هيفكر يتم الفرح و بسرعة كمان..!؟.. إنتوا الاتنين ملخبطين عقلى ..انا هروح لمهران و اجوله ان الراچل اللى كان چاى يجابلك كان جاصدنى انى مش انتِ..ما هو انا مش هجعد ساكتة و انا شايفة اللى بينكم ده !؟.. و الأدهى انى السبب ... لازما مهران يعرف ان ملكيش ذنب من اساسه ..

صرخت تسنيم موبخة :- اياكِ .. و استطردت كاذبة :- مهران اصلا ميعرفش اى حاچة عن موضوع السى دى ده .. انا خدته م الراچل و خفيته .. مهران ضرب الراچل لما لجيه واجف معايا و بيحاول يجل أدبه .. هتروحى تفضحى حالك جدامه بعد كل اللى عملناه ده عشان ندارى ع الفضايح !؟..

هتفت تسبيح صارخة بنبرة موجوعة:- و هو مين اللى خلاكى تروحى للراچل ده !؟.. مش انا .. و كان عشان خاطرى انا .. يبجى لازما اعرف مهران بكل حاچة ..
هتفت تسنيم من جديد بنبرة متحسرة تحمل وجع العالم :- و يعنى انتِ فاكرة لو جلتى لمهران هيصدج !؟.. هيجول دى چاية تشيل عن اختها التهمة .. خلينا ساكتين يا تسبيح بلاش نفتح على نفسنا سكك ملهاش لازمة ..

و ابتسمت فى شجن مستكملة :- و خلينا نتأملوا ف رحمة الشيخ مهران و حلمه ..
ابتسمت تسبيح مستطردة :- و حبه ..
صمتت تسنيم لفترة و لم تعقب على كلمة اختها وظلت على حالها من الصمت و هى تحاول استيعاب خبر تعجيل الزفاف بعد كل ما كان .. فقد كانت تتوقع إلغاء الزفاف في ايه لحظة و كانت تنتظر على حد سيف ان يُفتح باب حجرتها لتتلقى ذلك الخبر المشؤوم في اى وقت ..

اشفقت تسبيح على حال اختها التي تآكلها الصمت و القلق فنهضت تقترب منها و احتضنتها اليها في حنو هامسة بصوت داعم :- لو في حاچة يا تسنيم جوليلى .. انا اختك اللى مبتخبيش عليكِ حاچة .. انا حاسة بالذنب انى انا اللى ورطك ف موضوع البيت المهچور ده بس غصب عنى مكنش ليا غيرك اجوله و اشكيله ذى ما انا مستنية تجوليلى ايه فيكِ .. و منتيش فرحانة ذى اى عروسة ليه !؟.. مش ده مهران حبيب الجلب اللى كنتوا بتعدوا الأيام عشان يچمعكم بيت واحد!؟.. امال خبر ايه .. !؟.. لو تريحينى و تجولى فيكِ ايه !؟..

لم تستطع تسنيم كبت ما بداخلها من ألم اكثر من هذا و التظاهر بعكس القهر الذى يشملها فأنفجرت باكية في لوعة بين ذراعى اختها الصغيرة غير قادرة على البوح بما يعتمل بصدرها من وجع مر و لا تملك غير نوح قلبها على حب عمرها الذى يتسرب من بين حنايا الروح ..

تسلل صاعدا الدرج و هو يستمع لضحكات الفتيات و مشاغباتهن و صوت الموسيقى الصادح عاليا من باب شقة ابيه .. تنفس الصعداء عندما وصل للشقة العلوية او بالأدق شقته .. فها هو يفوز بها دون نادر اخيه الذى سيفاجأ بما يحدث ..فغداً سيعقد قرانه على شيماء و سيكون نادر هو احد الشاهدين على العقد كما اتفق مع ابيه فغداً كما علم من صديق اخيه ميعاد اجازة نادر الشهرية .. كم ستكون المفاجأة كبيرة عندما يدخل للحارة و يجد ذاك الصوان الكبير و قد نُصب لزفافه غدا .. !!..

دس كفه فى جيبه باحثا عن مفتاح الشقة و فتحها فى رهبة ممزوجة بالسعادة .. انها المرة الاولى التى سيدخلها بعد كل تلك التجهيزات التى قامت به امه و شيماء و بعض من صديقاتها من بنات الحارة .. لم يكن يراها تقريبا خلال الأيام الماضية الا لمحات قليلة فقد كان إعداد الشقة فى تلك الفترة الضيقة يأخذ وقتها بالكامل .. لكم يشتاقها..!؟.

دفع الباب فى حذّر على الرغم من علمه ان لا احد بالداخل لكن تلك الرهبة الداخلية لازالت تسيطر عليه كليا .. دخل متطلعا حوله فى وجل و جال ببصره فى جميع الأنحاء حتى وقعت عيناه على أبواب الغرف .. تساءل فى نفسه .. أيهما اختارته شيماء ليكون غرفتهما ..!؟..

ابتسم فى براءة و هو يمنى نفسه ان تكون الغرفة التى وقع عليها اختياره تكون هى اختيارها بالمثل.. اندفع اليها فى لهفة و ما ان فتحها حتى ادرك انه كان على حق .. كاد يقفز فرحا و تنبه لنفسه و هو فى ظل تلك الحالة التى لم تنتابه من قبل فقهقه حتى دمعت عيناه و دخل الحجرة فى قدسية يتطلع لكل ما فيها بإعجاب و كأنه يرى فيها جنة مصغرة على الارض..

النوافذ و الستائر و المقاعد و الخزائن و البسط و اخيرا الفراش و غطائه الحريرى الوردى .. تحسس بإجلال الغطاء و ابتسم لنفسه فى بلاهة .. و تطلع للفراش و أعمدته و وسائده المتناثرة و كأنه قطعة من النعيم ستجمعهما بعد ساعات تبدو له الان طويلة .. طويلة و كأنها الابدية .. غدا ..!!!.. متى يأتى الغد ..!؟.. بل متى يأتى مساء الغد!؟..

بل متى ستأتى تلك اللحظة التى سيجدها فيها هنا فى تلك الحجرة معه وحيدين .!؟... وحينها .. انه لا يعلم ما سيحدث له حينها .. لكن كل ما يدركه الان انه سيخبرها.. نعم سيخبرها .. سيبوح لتلك الحمقاء الصغيرة ويخبرها و هى ترتدى رداء عرسها الأبيض الملائكى كم يعشقها .. و كم يهواها قلبه منذ لحظة ان ضمها لصدره ابنة الثالثة و نطقت اسمه بأحرف متقطعة و هى تخرج لسانها بحرف الصاد بطريقة أفقدته فؤاده بلحظات وهو ذاك الطفل الذى ما كان يدرى ما كنه الهوى ..

تاه للحظات بجو الغرفة و تفاصيلها حتى تناهى لمسامعه شهقات بكاء قادمة من الردهة الخارجية للشقة .. تطلع فى حذّر خارج باب الحجرة الموارب قليلا ليراها تجلس على احدى الأرائك تبكى فى لوعة مزقته و تنبه ان تلك الضجة و الموسيقى الصاخبة قد توقفت بالأسفل تماما مما يعنى ان جميع الفتيات و نساء الحارة قد رحلن .. لكن ما الداعى لصعودها هنا فى تلك الساعة ..!؟..

قرر الظهور و كأنه كان هنا ليضع بعض الأغراض و تظاهر بصدمته لرؤيتها هاتفا :- شيماء ..!!.. فى ايه!؟.. و بتعيطى ليه كده !؟..
انتفضت فى ذهول لمرأه و اسكتت الصدمة نشيج بكائها تماما .. نهضت بعد لحظات فى عجالة هاتفة بصوت متحشرج و هى تزيل اثر الدموع عن خديها فى سرعة :- مفيش يا ناصر .. مفيش ..

همت بالاندفاع خارج الشقة ليستوقفها هو فى حزم :- استنى هنا .. فى ايه!؟..مش هاتنزلى من هنا الا لما تقوليلى مالك بالظبط ..
وضعت كفها على فمها تكتم شهقات بكاءها الحار و هى تجلس فى انهيار على الأريكة من جديد ..

تطلع اليها فى وجع لا يقل بأى حال من الأحوال عن وجعها بل ربما يزيد و قد ادرك ما يعتريها من حزن و ما ينثر روحها كشظايا موجوعة .. انه نسى او يحاول ان يتناسى تلك الحادثة و كأنها لم تكن .. لكن هى لم تنساها و لن تفعل .. لازالت تئن من جرح الوجيعة و مرارة الشعور بالخزى مع شعور مضاعف بالذنب تجاهه لانه فى اعتقادها تحمل نتيجة جريرتها كاملة .. ياللحمقاء ..!

استدار موليا لها ظهره غير قادر على التطلع اليها و هى بتلك الحالة و لا يندفع ليعتصرها بين ذراعيه رغبة فى ابعاد اشباح الخزى و الذنب التى تطاردها .. تمسك بقمة احد المقاعد المقابلة له يضغط عليها فى عنف يبثها رغبة كادت تقتله لمواساتها .. و اخيرا تنهد فى إشفاق على حالها و انتظر حتى هدأت تماما و همس بصوت مبحوح هادئ النبرات على غير العادة :- قومى انزلى تحت يا شيماء.. وافتكرى حاجة واحدة بس .. انا ناصر يا شيماء .. ناصر اللى مش ممكن هتندمى لحظة انك اديتيه ثقتك و أمنتيه على حياتك ..

للمرة الثانية تتوقف شهقات بكائها لكن ليس لمرأه هذه المرة بل لقوله الذى جعلها تتطلع اليه فى دهشة بعيون متسائلة دامعة جعلته يهتف صارخا رغما عنه غير قادر على مواجهتها :- قومى ياللاه .. اخلصى ..
انتفضت مندفعة لخارج الشقة تهرول هابطة الدرج لشقة خالها بينما تطلع هو الى موضع خروجها و همس لنفسه فى عشق :- بكرة يا شيماء .. بكرة ..

هعرفك ازاى تحبى ناصر زى ما بيحبك و اكتر ..
و هتف متضرعا فى لهفة :- امتى يجى بكرة !؟..
و اندفع خارج الشقة يلقى عليها نظرة اخيرة يزيلها بابتسامة أمل فى دنو ما كان يظنه مستحيلا.. و أغلق الباب خلفه و هرول لشقة ابيه فى انتظار الغد ..و على شفتيه تساؤل متلهف واحد .. أيها الغد متى تأتى ..!؟

تعالت الزغاريد حتى وصلت لذروتها عندما وصل العروسان لباب غرفتهما فتحت زهرة باب الغرفة المغلق فى سعادة واشارت لولدها العريس المتجهم ليحمل عروسه قبل ان تخط أقدامهما الغرفة ففعل حاملا أياها وهو يحاول جاهدا رسم ابتسامة على شفتيه..
دلف العروسان للغرفة فأسرعت زهرة بإغلاقها خلفهما وتعالت من جديد الزغاريد المبتهجة حد السماء ..

ظل مهران يحمل عروسه المنتفضة بين ذراعيه خجلاً وما ان شعر بإبتعاد الجميع حتى دفعها من فوق ذراعيه فى خشونة لا تليق ابدا بالشيخ مهران الحنون.. دفعها عن ذراعيه كأنما يدفع عنه أدران نجسة .. كادت تسقط من هول مفاجأتها لكنها استطاعت استجماع شتات نفسها ووقفت فى ثبات اخيرا .. متعجبة هى تنظر من خلف تل خمارها الابيض تستطلع اخبار ذاك الجافى الذى رحل بعيد عنها فى أقصى اطراف الغرفة يصارع مشاعر شتى لا تعلم بها ولا تدرى كنهها لكنها تستشعرها من ذاك الإضطراب الباد عليه ومن صدره الذى يرتفع ويهبط فى سرعة وكأنما كان يعدو باقصى قوته دون توقف لإلتقاط الانفاس ..

تحركت فى هدوء وهى تهمس باسمه :- مهرا..
لم يدعها تكمل نطق اسمه الذى لطالما كان سماعه من بين شفتيها الطاهرتان حلم من احلام حياته .. لكن الان .. لا
..لا يرغب فى سماعه ..هتف فيها كاظما غيظه :- متنطجيش اسمى على لسانك .....اياااكِ..
انخرطت فجأة فى بكاء عاصف مكتوم الاهات فهتف مؤنبا :- بتبكى .!؟.. على ايه ولا ايه ..!؟؟.. على ثقة ابوكى وامك اللى ضيعتيها ولا على المصيبة اللى ارتكبتيها فى حج نفسك .. ولا على حج ربنا اللى ضيعتيه .. ولا على حجى انا اللى..

و توقف عند تلك النقطة ولم يسهب بل قطع كلامه لها وهو يكاد يقتلها غيظا ..
رفعت عيونها الدامعة اليه ولم تعقب بكلمة .. وتوقف نبض قلبه لثوان عندما طالعته تلك العيون الندية بدموع الندم .. انها تسنيم وستظل .. حب الطفولة والصبا .. و رغبة الشباب التى ما ان تحققت حتى أضحت الان فى تلك اللحظة سراب ..
ارتفع وجيب قلبه على نحو مفاجئ وقاوم رغبة ملحة حد اللامعقول فى ان يضمها اليه .. انه يحبها بل يعشقها
لكن ما حدث منها اذل كرامته وحطم كبرياءه الرجولية ..

كان لابد من مهرب من أسرها الأنثوى الذى بدأ يغشى عقله
عن التفكير السليم .. اندفع من امام محياها الباكى بشق الانفس .. و هتف جازا على اسنانه ساخرا:- كفاية عليكِ الباشا اللى كنتِ تعرفيه ..كان يستاهل للدرچة دى تخسرى كل دوول عشان خاطره !؟..
همست فى عدم تصديق :- أنا!؟
وازداد نحيبها ..

صرخ فى غضب :- ايوه انتِ .!؟.. وانتبه لنبرة صوته العالية فأخفضها فى ضيق مستطردا :-ايه .. لسه عايزة تمثلى دور الطاهرة الشريفة ..!؟.. مبجاش لايج عليكِ..
ازدادت شهقات بكائها حتى وصل لذروته بأنات تمذق نياط قلبه ..
رغم كل القسوة التى تحملها كلماته كرصاصات موجهة لعمق روحها تتلقاها هى فى صمت غير قادرة على الإفصاح بكلمة.

ظلت تقف كتمثال شمعى بلا روح تنتظر حكمه فيها .. طالما تساءلت هل صدق بحق ما رأه و سمعه !؟ ..و ها هى اتهاماته القاسية لها الان تجيب عن هذا السؤال بكل وضوح .. لقد اكتفى بما رأه بعينيه و سمعته أذنيه ولم يكن بحاجة للمزيد ..كانت تمنى نفسها بأنه سيقدر .. سيتفهم .. حتى يسألها عما حدث .. ينتظر تفسيرها لكنه لم يفعل ..
سألت بصوت متحشرج لازال يحمل اثر بكاء :- ليه اتچوزتنى!؟...

هتف ساخراً :- مش محتاچة سؤال.. عشان ارتبطت مع ابوكِ واخوكِ بكلمة رچالة وطلبتك منيهم جبل ما اعرف مصايبك ...و عشان خاطر ابوكِ وامك اللى ما يستهلوش ان يركبهم العار بسببك ..عشان خاطر باسل اللى ممكن يجتلك ويروح فيكِ .. وعشان أحچم فچرك ..
انتفضت من هول الكلمة ووقعها على مسامعها .. وهى الصوامة القوامة التى ما مسها رجل قط .. ولا اطلع منها على اكثر مما يسمح به شرع الله .. لقد حرمت على نفسها مصافحة الرجال حتى لا يمسها كف رجل خلاف كفه هو ..

الان أصبحت فاجرة فى نظره يبأى الاقتراب منها كأنها نجسة .. وينأى عنها وكأنها رجس من عمل شيطان
همست فى نفسها .. لقد ظلملتنى يا شيخ مهران .. لكن ..صبرا جميلا .. والله المستعان على ما تصفون ..
استكمل حديثه فى تثاقل .. وبنبرة تحمل حزن العالم مجتمع فى احرف :- انتِ من الليلة .. متحرمة على حرمانية امى لحد ما ياجى الوجت المناسب .. وصمت لحظات قبل ان يستطرد .. وكل واحد يروح لحاله ..

واندفع للحمام واغلق بابه وراءه فى عنف أجفلها وطفقت دموع عينيها من جديد .. بينما وقف هو داخل الحمام يستند على اطراف حوض المياه كأنما يستمد منه قوة وهمية ..
فتح صنبور المياه يقذف بالمياه لوجهه فى غضب وثورة ..
لكن ذاك لم يكن كاف ليهدأ بركان غضبه الذى تتقافز حممه ..

اندفع كالمحموم داخل المغطس وهو لا يزل بكامل ملابسه وفتح المياه بكل قوتها تندفع على رأسه الذى يمور بالافكار .. وجسده الثائر رغبة فى تلك الفاسقة هناك .. والتى لم تدافع عن نفسها او تدفع عنها جريمتها فى حق كل من يحبوها ..
وهو أولهم .. ذاك العاشق الذائب فيها .. المقتول فى هواها ..الراغب فيها حد اللانهاية .. الزاهد فيها حد اللامعقول ..

انه يموت ويحيا الف مرة .. و اسباب موته .. وأسباب حياته بيدها وحدها .. اسند رأسه المتثاقلة بالخواطر على حائط المغطس الرخامى لعل ملمسه البارد يخفف من لهيب رأسه المحموم .. وصرخ من اعماق روحه بدعاء لا صوت له .. يااارب ..

أعلن سكرتير حمزة بفرع القاهرة الذى وصله صباحا من الإسكندرية وصول رئيس مجلس إدارة شركات العشماوي جروب و التي استقر عليها الاختيار لمشاركة مجموعة الهوارى ذاك المشروع الضخم المزمع إنشاءه في قلب الصعيد و الذى سيكون حمزة المسؤول عن تنفيذه بأعتباره رئيس فرع شركات الهوارى هناك ..

انتفض حمزة معدلا من هندام سترته و هو يندفع في اتجاه باب قاعة الاجتماعات الكبرى التي فضل الانتظار فيها حتى وصول ذاك الشريك المزعوم ..
طل سيد العشماوي من باب القاعة متوجها لحمزة و على وجه كل منهما علامات تعجب كبرى فكل منهما كان يظن الاخر اكبر سنا بكثير .. فسيد لا يكبر حمزة الا بمقدار سنتين او ثلاثة على الأكثرو كان الأسبق لتأكيد الملاحظة هو سيد الذى هتف متعجبا و هو يضع كفه في قلب كف حمزة بثقة عالية :- اهلًا باشمهندس حمزة .. اتوقعتك اكبر من كده بكتير ..

ابتسم حمزة في ود :- و انى كمان كنت فاكرك ف سن عمى زكريا ..
ضحك سيد في دبلوماسية هاتفا :- ده فال خير ان المشروع يمسكه الشباب اكيد فكرنا هايبقى متقارب كتير .. و لا ايه يا باشمهندس ..!؟..
اكد حمزة بإيماءة من رأسه :- اكيد يا باشمهندس سيد .. اكيد ..

و أشار بكفه لطاولة الاجتماعات الضخمة ليجلس كل منهما على احد جانبيها و امامه اسم شركته و الكثير من الأوراق ..و تبدأ المباحثات فيما يخص المشروع و ميزانيته و العائد منه و هنا هتف سيد في لهجة عملية تعاكس تماما تلك اللهجة الودودة التي بدأ بها حديثه مما جعل حمزة يدرك ان هذا الرجل لا يعبث و انه رجل اعمال من الطراز الأول قادر تماما على الفصل في لحظات ما بين الإجواء الاجتماعية و أجواء العمل و متطلباته :- انا بقترح زيارة لأرض المشروع يا باشمهندس حمزة ..يناسبك امتى !؟..

هتف حمزة في ثقة :- اى وجت تحدده هتلاجينى سابجك على هناك عشان اسهل لك الأمور ..
هتف سيد في راحة :- تمام .. مش بقولك هنرتاح سوا ..
و ابتسم ابتسامة صفراء ظهرت على وجهه فأنقبض لها قلب حمزة الا ان سيد استطاع بمهارة كبيرة إخفاء تلك البسمة القاتمة على شفتيه ليحل محلها ابتسامة أخرى ندية بددت اثر سابقتها كأنها لم تكن و جعلت حمزة ينسى في لحظة انقباض صدره و يعود للانشراح من جديد و سيد يستطرد و هو ينهض ملقيا التحية على حمزة في محبة لا يمكن إغفالها استطاع إظهارها بأحترافية :- خلاص يا باشمهندس .. مكتبى هيبلغ مكتبك عن الوقت المناسب للزيارة قبلها بأسبوع.. ده يناسبك ..!؟..

اكد حمزة في أريحية :- اكيد طبعا .. انا ف الانتظار ..
خرج سيد هاتفا و هو يشد على كتف حمزة في حفاوة :- فرصة سعيدة يا باشمهندس حمزة .. و أتمنى ان العلاقة تتعدى العمل للصداقة ..
ابتسم حمزة في مودة :- اكيد يا باشمهندس سيد .. دِه يشرفنى ..

جذب سيد كفه و استدار مغادرا مقر شركة الهوارى و هو يبتسم نفس تلك الابتسامة الصفراء التي أصبحت عنوان يطل على محياه عندما يصادفه كل ما هو هوارى ..دخل سيارته و أغلق بابها خلفه في عنف و هو يجز على اسنانه غيظا و يضم كفه التي حوّت منذ لحظات كف حمزة و ضرب بها ظهر المقعد المقابل له في غيظ هامسا :- الحساب قرب .. الحساب يجمع يا هوارية ..

تعالت الزغاريد لتملاء اجواء السراىّ بهجة .. فانتفض مهران على فراشه فزعا.. و استغفر ربه وهو يمسح وجهه بكفه يطرد ما بقى من اثر للنوم وقد تذكر ان بالامس كان زفافه .. فأبتسم ساخراً وهو يجول ببصره فى ارجاء الغرفة باحثا عن تلك المزعومة المسماه فرضا عروسه ..لم يبصرها من موضعه فأخذه القلق لينهض فى تثاقل باحثا عنها فى عتمة الحجرة التى لم يدخلها نور الصباح بسبب الستائر الثقيلة التى تحجب الضوء و التى تحرك من موضعه ليفتحها فوطئت احدى قدميه قماش مخملى جعله يتوقف متوترا...

تراجع خطوة للوراء و انحنى قليلا يتبين ما هذا .. ليفاجأ بتسنيم تنام فى فستان عرسها .. تفترش مصلاه .... رق قلبه لحالها و هى تتوسد ذراعيها المتشابكين و الدموع جافة على وجنتيها التى غطى جزء منهما القماش الناعم الشفاف لطرحتها ..و استدار رداءها الملائكى حولها يحيطها كبتلات زهرة ندية ..
خُطف قلبه من جديد . واعترف انه لا قبل له بالقسوة عليها .. واعترف ايضا انه لا قبل له بالعفو فى نفس ذات الوقت ..
انه يتمزق ما بين رغبتى القسوة عليها والعفو عنها ...

ارتفعت الزغاريد مرة اخرى لتوقظه من خواطره ليقف فى عزم
وقد تغلبت رغبة القسوة ليهتف فى صوت يقطر شدة وصلابة:- جووومى
لتنتفض تسنيم فى ذعر ... تتلفت حولها فى تيه .. واخيرا ترفع رأسها لتقابل نظراتها الناعسة نظراته القاسية .. فتدمع عيناها من جديد .. و خاصة عندما أشاح عنها بوجهه ..

طالعها كشجرة نخيل باثقة .. تشتاق لترفع كفها تقتطف منها ثمار الحنان الناضجة التى لطالما اشتهتها.. لكن هيهات ..
فتلك الثمار التى تمنتها ايام وليال طويلة .. و انتظرت أوان قطافها اصبحت الان بطعم الحنظل .. و مرارة العلقم ..

قطع توارد افكارها هتافه المتحامل من جديد :- جووومى ..شكل ابوكى وامك جم برة .. ألحجى غيرى هدومك عشان انا اول ما هنزل لهم .. امك ها تطلع لك .. همى ..
و اندفع مبتعدا للحمام يستعد للنزول .. ليتركها نهباً للأفكار من جديد .. و قد ايقنت انها فقدت مكانتها فى قلبه للأبد

هتف حامد و هو يدخل من باب الحجرة القبلية المخصصة للضيوف يتبعه ذاك الشاب النحيل جميل الطلّة ليستأذنه حامد لدقائق و يخرج من باب الغرفة الذى يُفتح على صحن الدار ليقابل جدته سكينة و بجوارها كالمعتاد جدته بخيتة و أخيرا طلت امه كسبانة من الردهة المفضية للمطبخ ليهتف بها مؤكدا :- أما اعملى حسابك عندى ضيف ع الغدا النهاردة ..

هتفت كسبانة متزمرة :- طب مش كنت جلت من بدرى شوية يا حامد نعملوا حاچة تليج بيه ..!!
هتف حامد :- كل اللى ياجى من يدك خير .. و الچودة بالموچودة ..
عادت كسبانة مرة أخرى لمطبخها لتعد ما يمكنها اعداده ليتشرف ولدها امام ضيفه بينما هتفت سكينة في فضول كعادتها :- بس هو مين ضيفك دِه يا حامد !؟.. احنا نعرفه !؟.. چه يعنى هنا جبل سابج !؟..

هتفت بخيتة :- و انتِ ايه دخلك يا ولية .. ضيف و چاى مالك انتِ ..
هتفت سكينة معترضة :- مش نعرفوا مين الضيف .. !؟..
هتف حامد يوقف المعركة بين جدتيه قبل ان تبدأ و تصل لمسامع الضيف بالداخل :- دِه واحد زميلى من ايّام الثانوية العامة يا ستى .. بس انى دخلت زراعة و هو دخل هندسة ..

خرجت في تلك اللحظة كسبانة تحمل صينية حاملة ما لذ و طاب من أصناف الطعام تلقاها حامد في سعادة
مهللا لأمه :- تسلم يدك يا ست الكل ..
و اندفع بها لداخل قاعة الضيف لتندفع خلفه جدته سكينة متعللة بنسيان حامد لأبريق الماء و الأكواب ليتفاجأ بها داخل القاعة خلفه تماما تكاد تصطدم به..

تنحنح في احراج و هي تضع الإبريق و الأكواب على احدى الموائد متطلعة للشاب الضيف في نظرات نافذة و هتف حامد معرفا :- عبدالله .. دى ستى سكينة .. ام ابويا چاية ترحب بيك ..
نهض عبدالله في تأدب مادا كفه في وداعة ملقيا التحية .. تقبلت سكينة تلك اليد الممدودة في توجس عجيب و هي تتطلع لملامح ذاك الوجه كالبلهاء ..
و أخيرا طردت شرودها هاتفة في تساؤل تعجب منه حامد :- انت مين يا عبدالله.!؟...واد مين هنا ف النچع ..

تولى حامد الإجابة عن صديقه الخجول هاتفا :- عبدالله مش من النچع يا ستى .. عبدالله من نچع بعدينا ع السكة ..بن عمدته .. من نچع الحناوية..
أسقطت سكينة كف عبدالله التي كانت ما تزل بين كفها و غاب اللون عن وجهها للحظات .. و أخيرا هتفت بصوت متحشرج و هي تهرب صوب الباب :- شرفت يا ولدى .. شرفت ..

خرجت و أغلقت باب القاعة على حفيدها و صديقه لكن يبدو ان هناك الف باب في سبيلها لتُفتح و لا علم لديها هل هي أبواب من جنة ام أبواب من جحيم..!؟..


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 04:32 صباحاً   [51]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الحادي عشر

استيقظ ناصر متأخرا على غير العادة فاليوم لا ورشة يستيقظ لها مبكرا و لا عمل لديه الا تجهيز حاله لليلة العمر.. تمطع فى سعادة على فراشه و تطلع لساعة الحائط امامه ليدرك انها تعدت العاشرة صباحا بقليل.. اندفع خارج الفراش حتى يبدأ فى التجهيزات التى يسمع سيرها على قدم و ساق بالأسفل داخل الصوان الذى تم نصبه البارحة بعرض الحارة وطولها.. خرج من غرفته يتطلع حوله لعله يلمحها قبل ان يرحل الا ان امه عاجلته هاتفة فى تخابث مقهقهة:- مش هنا.. شوشو نزلت..

انتفض غاضبا:- نزلت فين من غير اذنى!؟..
قهقهت نعمة من جديد هاتفة فى
مرح:- يا واد اتهد.. إذنك ايه يابو اذن انت.. ما هى خدت اذن خالها.. لما تبقى ف بيتك ابقى هلل كده.. و بعدين دى عروسة.. لازم تبقى قمر الليلة دى..
هتف بتهور غير محسوب:- هى قمر من غير حاجة.. عجبانى كده..
انفجرت نعمة ضاحكة على كلمات ناصر الغير معتادة هاتفة:- و الله و لينتى الحجر يا شوشو !!. كان فين ده كله بدل الشخط و النطر فيها ع الفاضية و المليانة!؟..

تنحنح ناصر و قد ادرك نتيجة تهوره فقرر ان يمسك عليه لسانه و اندفع مؤكدا:- انا هنزل اشوف باقى التجهيزات و اروح للحلاق.. يا رب نادر يجى بدرى النهاردة..
هتفت نعمة ما ان وصل اسم نادر لمسامعها:- يا رب يا ناصر يا بنى.. نفسى ميتأخرش عن كتب الكتاب و يفرح معاك.. عقبال ما اشوفه هو كمان حيران حيرتك..

و ما ان هم بالخروج حتى هتفت تستوقفه نعمة و هى تدخل للمطبخ و تعود سريعا لتضع بعض أطباق على المائدة و تجذبه ليجلس أمرة اياه:- ياللاه كل دوول قبل ما تنزل..
ابتسم ناصر و هتف متعجبا:- حمام و طبيخ ع الصبح ياما!؟..
أكدت نعمة:- ايوه يا واد انت عريس أمال تاكل ايه.. بلا هم.. عيال مش عارفة مصلحتها..

انفجر ناصر مقهقها هاتفا و هو يتناول كفها مقبلا اياه:- خلاص متزعليش و حياتك الا النهاردة.. هاكلهم و امرى لله..
اومأت نعمة و هى تربت على كتفه:- ايوه كده.. اسمع كلام امك تكسب..

تناول ناصر ما وضعته نعمة امامه تحت تهديد السلاح و ما ان انتهى حتى نهض مبتسما و هو يقبل جبينها فى محبة و يندفع خارج شقة ابيه.. تطلع ما ان خرج من باب البيت الى ذاك الصوان الضخم و ألقى اليه نظرة عامة و هو يرى احد صبيان ابيه فى القهوة و صبيه شكمان يقومان بالاشراف اللازم على اعداده كما يجب و ما ان طالعهما محياه حتى هتف كل منهما مباركا فى حبور..

اندفع ناصر للحلاق الذى كان ينتظر العريس بفارغ الصبر حتى يهنئه بطريقته الخاصة.. اجلسه على كرسيه امام مرآة بلجيكية كبيرة الحجم بعرض الحائط و بدأ فى إعمال مقصه كما يجب و بدأ ايضا توافد العديد من شباب و عجائز الحارة للإشراف على تجهيز العريس..

و انطلقت من هنا و هناك التلميحات الخارجة و النكات الاباحية ليضج محل الحلاق بالضحكات التى تناثرت خارج ابوابه الزجاجية والتى تطل على قهوة الشمندورة التى لم تغلق ابوابها كما هو متوقع فى يوم ميمون كهذا بل استُخدمت كمقر لزجاجات المشروب الغازى الذى يتم تبريده استعداداً للحفل بعد بضع ساعات..

صدحت زغاريد سهام و هى تصعد حيث غرفة ابنتها و لم تهدأ الا و هى تدق بابها لتفتح لها العروس خجلى و هى فى أبهى زينة بشعرها المنساب على كتفيها و قميصها الأبيض الحريرى و نظراتها البراقة المشعة فرحة و التى استطاعت إجادة تمثيلها ببراعة جعلت أمها ما ان رأتها حتى جذبتها لأحضانها فى سعادة و اخذت تبكى مما جعل تسنيم تجذب أمها للداخل فى تعجب و تغلق الباب هاتفة و هى تجلسها على طرف..

الفراش:- ايه بس يا سوسو.. ليه البكا ده بس!!
هتفت سهام من بين دموعها:- دى دموع فرحة يا غشيمة ايش فهمك انتِ!!..
انفجرت تسنيم ضاحكة:- طب اذا كان كده ماشى يا سوسو..
احتضنتها سهام من جديد فى محبة طاغية هاتفة:- و الله الدار من غيرك ملهاش طعم يا تسنيم..
هتفت تسنيم مازحة:- و لا تزعلى يا سوسو ألم هدومى و اروح معاكى و لا يكون عندك فكر..

هتفت سهام بذعر:- كف الله الشر.. جال تاجى معاى جال.. ربنا يعمر بيكِ يا بتى و يچعلها چوازة العمر كله يااارب.. مهران راچل و بيحبك بچد و هيحطك ف عنيه.. بس انت بجى اتشطرى و جيبلنا عيل نلعبوا بيه..
ابتسمت تسنيم على الرغم من الغصة التى تكاد تقتلها حزنا و قهرا.. كان من المفترض ان يكون ذاك الصباح هو اروع صباحاتها على الإطلاق.. كان من المفترض ان تصحو و هى بين ذراعيه و قد تحقق حلم العمر و جمعهما الله فى حلاله و أراح سهاد قلبيهما بعد طول انتظار.. الان تراها تحاول التظاهر بذلك..

تحاول ادعاء ان الحلم اضحى حقيقة على الرغم من يقينها ان ذاك الحلم اضحى مستحيلا و ما عاد فى الإمكان تحقيقه..
ربتت سهام على كتفها فى سعادة و فخر بابنتها العروس الجميلة و نهضت فى عجالة لترحل.. هتفت بها تسنيم تستبقيها فهى تعلم ان بعد رحيلها سيعود مهران للغرفة ليعاود الالم الاستيقاظ بأعماقها من جديد مع رؤيتها له و هو يعاملها بتلك الطريقة و ينأى عنها كأنها شئ نجس لا يقو على الاقتراب منه لكن تلك الطرقات على الباب دفعت سهام لتسارع بالمغادرة هاتفة:- تلاجى ابوكِ اللى باعت يستعچلنى دِه..

و فتحت الباب ليطالعها مهران
هاتفا:- عمى حسام عا..
قاطعته سهام رابتة على كتفه فى مودة هاتفة:- خلاص انى نازلة اهاا..

ثم جذبت مهران دافعة به فى مشاكسة لداخل غرفته حيث ابنتها:- و انت بجى تدخل لعروستك و مشوفكش تحت تانى.. انى عارفة السكة يا واد عاصم..
اغلقت الباب بعد ان أدخلته عنوة و لم تدع له مجالا للإعتراض ليتنبه لتلك التى خرجت من خلفه حيث كانت تجلس على طرف الفراش منذ لحظات لتقع عيناه عليها و هى تسرع للإختفاء عن ناظريه ليشهق بصوت مسموع و هو يرى شعرها الغجرى ذاك يتراقص خلفها فى مجون أفقده صوابه..

سمعت هى صوت شهقاته مما دفعها لتسرع الخطى و إسدال صلاتها بيدها و ما ان همت بالوصول لعتبة الحمام حتى داست على طرف اسدالها الذى كانت تحمله لتندفع أرضا بسقطة قوية جعلته يسرع اليها فزعا هاتفا و هو ينحنى اليها:- انت كويسة!؟..
كانت السقطة من القوة بحيث جعلت شعرها الثائر يتطاير حول وجهها مغيبا ملامحه خلفه كما يختبئ قمرا خلف الغيوم..

رفع هو كفه بشكل لا أرادى يدفع خصلات شعرها متلمسا ملامحها التى يعشق و عيونها التى تمنى ان يسرح فيهما مليا دون ان يشعر بذنب الخطئة لتطلعه لما لا يحل له قبل ان يأذن ربه.. رفعت هامتها المنكسة تتطلع اليه فى وله.. تتشرب تلك النظرات الحانية كأرض عطشى.. ها هو مهران الذى تعرفه.. هاهى نظراته المغلفة بالحنان و المغموسة بالتقوى و المسربلة بعشقها..

هل سامحها!؟.. هل اندفع يطمئن عليها خوفا عليها ام واجبا!؟.. هل يع ان تلك اللحظات بينهما مسروقة من وعيه و ادراكه انه حرمها على نفسه البارحة.. و انه سيعود سيرته الاولى ما ان يزول سحر تلك اللحظات.. !؟.
الجواب فى يدها هى.. عليها ان تنهض مبتعدة حتى توفر على نفسها و عليه وجعا من نوع اخر.. وجع الندم.. وجع البعاد بعد التلاقى..

بالفعل نهضت مندفعة الى الحمام و اغلقت الباب خلفها ليستفيق هو و كأنما اغلقت باب الحلم ليستيقظ مستنكرا على واقعه المقيت.. نهض بدوره يكاد يختنق رغبة فى الابتعاد و يموت شوقا رغبة فى الاقتراب.. لكن كيف السبيل لأى منهما!؟..

دخل حامد الى الدار من بابها الخلفى يترنح متألما يدارى دمعا يأبى السكون فى مقلتيه ينازع الثبات حتى يفر على خديه فى حزن بالغ و ما ان رأته جدته سكينة بهذا الوضع حتى اندفعت اليه متسائلة فى قلق بالغ:- ايه فى يا حامد!؟.. كف الله الشر يا ولدى..
جلس حامد على اقرب مقعد مهدودا ليهتف فى ألم و بصوت متحشرج:- عبدالله يا ستى..
هتفت فى لوعة:- عبدالله مين!؟.. زميلك اللى جبته مرة يتغدى عندينا من مدة!؟..

هز رأسه بالإيجاب مستطردا:- هو يا ستى.. مات امبارح ف حادثة ع الطريج و هو رايح چامعته..
ضربت صدرها بكفها فى لوعة و هى تجلس على المقعد المجاور لحامد هاتفة فى جزع:- ولدى.. يا حبيبى يا بنى..
انحدرت دمعة من عين حامد رغما عنه و هو يهتف:- نچع الحناوية مجلوب م الصبح و عربيّات رايحة و جاية ع الطريج و لما سألت اشوف فيه ايه عرفت الخبر.. جثمانه على وصول و الدنيا فوجانى تحتانى عشان الچنازة..

لم تكن سكينة تسمع كل تلك التفاصيل بل كانت مغيبة تماما تهمس فى لوعة و حزن حقيقى:- يا مرك يا حامد.. يا وچع جلبك يا خويا..
هتف حامد متعجبا على دمدمة جدته التى لا يعيها:- ايه فى يا ستى!؟.. مكنتش اعرف انك هتزعلى عليه جووى كِده!؟.. دى هى المرة اللى وعتيله فيها.. !!..
هتفت تبرر لوعتها الظاهرة:- زعلانة على شبابه يا ولدى.. و على حرجة جلب امه و ابوه عليه.. ربنا ما يدوجها لحد ابدا..
هتفت حامد:- امه ماتت من زمان.. ابوه بجى اللى الله يصبره.. و خصوصى ان عبدالله كان ولده الوحيد..

صمتت سكينة و هى تستمع لكل تلك التفاصيل التى كانت تجهلها و ما كان فى الإمكان معرفتها من خلال تلك المرة الوحيدة التى زارهم فيها عبدالله و لم يكن من الجائز ابدا ان تخضعه لأسئلة من شأنها فضح امرها و اثارة تساؤلاته..
نهض حامد هاتفا:- انا رايح اتحضر عشان اعزى..
نهضت سكينة فى انتفاضة اثارت دهشة حامد هاتفة:- بلاش يا حامد يا ولدى.. بلاش..

تعجب حامد هاتفا:- ايه هو اللى بلاش يا ستى.. !! دِه واچب.. دِه انى هاخد ابوى معاى..
هنا كانت الانتفاضة اكثر جزعا و سكينة تهتف مستنكرة:- لاااه.. ابوك لااه يا حامد..
هتف حامد مستنكرا بدوره:- خبر ايه يا ستى.. !!.. ايه هو اللى لااه.. مش دِه اللى كنتى لسه باكية عليه حلا !؟.. مخدش ليه ابويا معاى!؟..

تلجلجت سكينة فى اضطراب و اخيرا هتفت متحججة:- ابوك تعبان و صدره طول الليل عالل عليه و منامش.. سيبه يرتاح و روح انت لو عايز.. لكن متعوجش.. ربنا يحفظك يا ولدى..
هز حامد رأسه موافقا رغم عدم اقتناعه بذاك العذر الواهن و خرج من الغرفة تاركا إياها و قد عزمت امرها على ما كانت مترددة فى تنفيذه منذ رؤيتها عبدالله للمرة الاولى.. لكن يبدو ان الوقت قد حان لذلك و ها هى السبل تتيسر من اجل تحقيقه...

وقف ماجد بحلته العسكرية في صحن السراىّ مستعدا للرحيل بعد حضوره زفاف أخيه هاتفا بصوت جهورى مازح:- يابو مهران.. يا شيخ مهران.. انزل شوية هنا الله يخليك.. العسل مش هيخلص..
انفجر كل من زهرة و عاصم مقهقهين على مزاح ولدهما ليظهر مهران اعلى الدرج هاتفا في تعجب:- خبر ايه يا ماچد!؟.. فاكر نفسك ف الكتيبة و لا ايه!؟.. حد يزعج بالصوت الحياني كِده!؟..

هتف ماجد و كأنه لم يسمع كلمة مما قاله مهران الذى توجه للدرج هابطا:- طب نعمل ايه عشان نستدعيك يا شيخ!؟.. اسلم عليك ازاى دلوقتى قبل ما اسافر!؟..
وصل مهران لموضع أخيه الأصغر اسفل الدرج ليتلقاه ماجد بين ذراعيه هامسا في مجون:- حلو الجواز يا مهران!؟.. هااا.. !!.. اوعدنا ياارب...

ابتسم مهران رغما عنه لمزاح أخيه.. كانت تلك البسمة الوحيدة ربما التي اعتلت شفتيه منذ زمن قريب.. بخلاف تلك البسمات الزائفة التي كان يتصنعها امام والديه او احد الزوار القادمين لمباركة زواجه.. لكن ماجد الوحيد القادر على انتزاع ضحكاته من قلب حزنه لكم سيشتاقه.. !!..
احتضن مهران أخيه في محبة هاتفا و هو يربت على كتفه في معزة:- مع السلامة يا سيادة اللوا.. مطولش علينا الغيبة..
هتف ماجد مؤكدا:- كله على الله..

و توجه بنظراته لزهرة التي بدأت في وصلة البكاء المعتادة عند كل رحيل له بعيدا عنها ليتلقفها بين ذراعيه هامسا في حنو:- ايه يا زهورتى.. هو مفيش فايدة فيكِ.. !!.. انا لازم اخدك معايا اديكِ كورس تنشفى كده و تبقى عَصّب..
انفجر عاصم ضاحكا و هتف و هو يتلقف ولده مودعا:- لاااه.. مش هيحوج فيها.. هتفضل برضك امك اللى هتبكى كل ما توعالك مسافر و فايتها..

ربت عاصم بقوة على كتف ولده مودعا هامسا:- خلى بالك على حالك يا ماچد.. و ابجى طمنى عليك دايما.. كل اما تجدر ابجى ادينا تلفون.. ماااشى!؟..
هز ماجد رأسه متفهما و مؤكدا و هو ينتقل ليطوق سندس بين ذراعيه في محبة مقبلا إياها هاتفا:- مش هوصيكِ يا أستاذة.. فوق السرير بقى و اديها مرافعات.. مستواكِ المرة دى مش عاجبنى.. عايز احسن المرة الجاية.. عايزين نرج المحكمة سعادتك..

نفجر الجميع ضاحكين و سندس تضرب اخيها على كتفه في مودة و عيونها دامعة على غير العادة..
اندفع ماجد خارج السراىّ و هتف أخيرا في أخيه مهران مازحا:- مش هوصيك يا عريس.. سلم لى ع العروسة بقى.. و الاجازة الجاية عايز السرايا مليانة عيال.. عايز اتعكبل فيهم كده من كترتهم..
انفجر مهران ضاحكا:- ليه امال!؟.. انت هتغيب شهر و لا كام سنة!؟..

اكد ماجد مازحا:- انا و حظى بقى.. و بعدين هو ايه.. انت الشيخ مهران.. عايزين كل شهر عيل.. بين كفاءة يا شيخ..
انفجر مهران مقهقها من جديد على مجون أخيه الذى اندفع للعربة راحلا.. و هتف قبل ان يغيب خلف سياج السور الحديدى مبتعدا:- مش هوصيك يا شيخ.. الكفاءة..

ليعاود مهران قهقهاته التي اختفت عن شفتيه ما ان غابت سيارة أخيه عن ناظريه و عاد لداخل السراىّ من جديد.. و عاد ليتقوقع داخل نفسه ناءيا عن عروسه الموصومة بعارها و البريئة من ذنبها..

تطلع الى تلك الارض البعيدة المتاخمة للجبل و تنهد فى نفاذ صبر و هو ينظر لساعته فقد أقر فى قرارة نفسه انه اخطأ عندما قرر المجئ الى هنا بالسيارة فساعة واحدة بالطائرة كانت كفيلة لتلقى به الى احضان تلك الارض التى سمع عنها دوما و لم تطأها قدماه قط..
لكنه كان يريد ان يقتحم تلك الارض بكل تفاصيلها فهو قادم فى الاساس ليعاين ارض المشروع المشترك بين شركته و شركة زكريا الهوارى و الذى تقرر له تنفيذه هاهنا بقلب الصعيد كما تمنى..

زمجرة متقطعة أخرجته من خضم أفكاره ليهتف فى سخط لسائقه:- ايه اللى بيحصل يا عادل.. العربية مالها!؟..
هتف سائقه فى اضطراب:- مش عارف يا سيد بيه!؟.. ماهى كانت ماشية تمام و انا عامل عليها صيانة قبل خروجنا بيها من مصر..
هتف سيد حانقا بعد ان توقفت تلك العربة الفارهة تماما عن الحركة و لازالت تزمجر مع محاولات عادل المستميتة لإعادة تشغيلها:- ايه.. مفيش امل.. عربية زى دى تعطل فجأة كده من غير مقدمات!؟..

توتر عادل و هو يخرج من العربة محاولا اكتشاف سر تعطل السيارة محاولا تفادى نوبة غضب سيده و التى يدرك مداها لكنه لم يفلح فى ذلك.. فوقف مكتوف الايدى غير قادر على الإتيان بأى تصرف يثير حفيظة سيد القابع داخل السيارة فى هدوء مخيف يشبه ذاك الذى يسبق العاصفة.
حاول سيد تمالك أعصابه و اخرج هاتفه الجوال لعله يستطيع الحصول على بعض المساعدة فأرقام الهواتف الجوالة لكل من حمزة و عاصم مسجلة لديه بالفعل و يمكنه طلب العون و خاصة انه لا يعلم اذا كان لايزل بعيدا عن نجع الصالح ام هى بضع كيلومترات و يصل.. !؟

تطلع لشاشة جواله و اطلق سبابا خافتا يلعن شبكات الهواتف النقالة كلها على سوء الخدمة و رداءة الإرسال فها هو جواله لا يلتقط إشارة واحدة تمكنه حتى من اجراء اتصال واحد لطلب المساعدة..
خرج من السيارة يتطلع لذاك الطريق الهادئ فى مثل تلك الساعة من النهار.. وضع نظارته الشمسية حتى يستطيع التطلع للأفق البعيد لعله يلمح سيارة ما قادمة يستدل بها على الطريق او حتى يستطيع استقلالها للوصول لمبتغاه..

مضت اكثر من نصف ساعة و لا أمل فى ظهور اى سيارة و لكن لاح الأمل اخيرا فى سيارة رمادية متهالكة تسير الهوينى قادمة من بعيد..
اشار اليها عادل السائق نيابة عن سيده لتتوقف السيارة فى تؤدة و يهتف سائقها فى تعجب:- خير يا بهوات!؟.. اى خدمة!؟..
هتف عادل فى سرعة:- البيه عايز يوصل لنجع الصالح.. هو قريب من هنا!؟..

هتف السائق فى تأكيد:- لااه.. لسه عليه شوية جدام.. بس من عنايا يا بيه.. هو ف طريجى برضك.. تشرف..
هتف سيد فى نزق شاكرا الرجل وهو يركب بالقرب منه فى المقعد الامامى تاركا سائقه خلفه مع وعد بإرسال المساعدة فور وصوله للنجع..
مرت دقائق قبل ان يهتف الرجل فى فضول:- بس حضرتك چاى لمين ف نچع الصالح.. !؟
هتف سيد فى لامبالاة:- عاصم بيه الهوارى.. تعرفه!؟..
هتف السائق فى تأكيد:- ألا اعرفه!؟. معلوم أعِرفه.. و مين ميعرفش كبير الهوارية ف الجيهة كلها..

اتم ناصر تجهيزه قبيل المغرب و ارتدى بدلته السوداء التى ابتاعها خصيصا لهذه المناسبة و خرج من غرفته لتتطلع اليه نعمة فى محبة طاغية.. محبة أم ترى صغيرها و قد اضحى رجلا يوم عرسه.. طفرت الدموع من عينيها لمرأه ليندفع هو محتضنا إياها فى وداعة ليست معتادة منه..

و ما ان هدأت تشنجات بكائها حتى هتفت فى محاولة لإصطناع المزاح والمرح:- مفيش فايدة فيا اعمل ايه بس.. فقرية من يومى.. افرح اعيط.. أزعل اعيط..
ابتسم ناصر و لم يعقب تأثرا لحالها لتدفعه هى خارج الشقة هاتفة:- ياللاه اجرى انزل وسط الرجالة استنى اخوك و انا هستنى العروسة هنا.. هى كلمتنى قال ايه مكسوفة و حالفة ما تنزل تقعد تحت ف الكوشة الا بعد كتب الكتاب.

هتف ناصر مؤيدا:- جدعة.. قال تنزل تقعد تحت قال!؟.. عشان كل اللى رايح و اللى جاى يتفرج عليها.. متنزلش من هنا الا لما اطلع اخدها..
هتفت نعمة مقهقهة:- طيب ياخويا.. انزل بس و طمنى على اخوك.. ربنا يجيبه بالسلامة و انا هحبسهالك هنا لحد ما تكتب الكتاب و تطلع تاخدها..
قبلها ناصر و اندفع مغادرا ليستقبله الرجال بالأسفل بالتهليل و الموسيقى الصادحة..

مر بعض الوقت سريعا و بدأ ظهور العربات على مدخل الحارة معلنة قدوم العروس التى فضلت ان يصطحبها خالها من عند مصفف الشعر.. توقفت سيارتها امام مدخل بيت ابيه لتنزل هى متوشحة بثوبها الأبيض كحورية ضلت طريقها من الجنة.. قفز قلبه معلنا التمرد راغبا فى مغادرة صدره ليتبعها حيث اندفعت للداخل فى خجل و حياء مع تناثر الزغاريد من هنا و هناك معلنة وصولها و بالمثل وصول المأذون..

لاح على جانب الطريق احدهم يشير للعربة لتتوقف كما حدث عدة مرات توقف فيها السائق ليكمل عدد الركاب بسيارته الأجرة و هذه المرة ليست استثناءً.. توقف ايضا حتى يكتمل عدد الركاب بتلك الفتاة التى جاءت مسرعة تدفع بنفسها دفعا داخل العربة ملقية السلام بأريحية على الجميع و كإنها تعرفهم جميعا..

هتف السائق لسيد و هو يشير بطرف خفى لثريا التى ركبت مؤخرا:- اهى بت غفير سراية الهوارية هى اللى ركبت دى..
سمعته ثريا فهتفت فى جرأة:- ايوه يا عم سويلم.. بت الغفير.. عايز منيها ايه بت الغفير!؟..
هتف سويلم فى اضطراب:- هعوز ايه يا باشمهندسة!؟.. كل خير..
تنبه سيد للقب مهندسة الذى ألقاه السائق على الفتاة ابنه الغفير تلك.. هل هى مهندسة حقا.!؟.

زاد فضوله ليحرك رأسه فى بطء بإتجاه مقعدها و قد زاد فضوله ليتطلع الى تلك المهندسة الجريئة ذات الصوت الرنان الذى يحمل شكيمة و حزم ترهب اعتى الرجال..

استطاعت نظارته الشمسية ان تعطيه بعض من الحرية ليطلق نظراته اليها دون ان تدرك هى انه يتفرسها.. كانت فتاة عادية الملامح و الملبس لكن هناك شئ ما يدفعك دفعا لتطيل النظر اليها رغما عنك و ها قد استطاع ان يحيد نظراته عنها اخيرا
متطلعا للطريق و قد تعمد ان يهتف لسويلم مستفسرًا عن ما بقى للوصول لوجهته حتى يستجلب اهتمامها:- باقى كتير على نجع الصالح!؟..

هتف سويلم:- لااه يا بيه خلاص.. بس انى مش هدخل لچوه النچع هنزلك ع الطريج..
و استدار سويلم مقاطعا اعتراض سيد هاتفا فى ثريا:- يا باشمهندسة.. ينوبك ثواب خديه وصليه للسرايا ف طريجك..
هتفت فى حنق:- ليه!؟.. هو انت مش داخل چوه النچع!؟.. يبجى توصلنى و توصله معايا..
هتف سويلم:- لاااه مدخلش..

هتفت ثريا فى ثورة:- يعنى ايه مش داخل!؟.. امال ركبتنى وواخد اچرتك ليه!؟.. يا توصلنى مطرح ما انى عايزة يا تچيب الأچرة اللى خدتها..
هتف سويلم فى حنق:- يا بااى.. انى محجوج لك يا ستى.. خدى اچرتك اهى.. و ياللاه فارجينا ادينا وصلنا لمدخل النچع..
هتفت ثريا:- و اچرة الاستاذ!؟.. هتاكلها عليه هو كمان عشان غريب!؟..
هتف سيد فى سرعة:- انا مش عايز حاجة يا آنسة.. خليله الأجرة بس أوصل سرايا الهوارية لو سمحتى..

هزت رأسها متفهمة و أسرع السائق سويلم بالمغادرة قبل ان تمسك ثريا بتلابيه مرة اخرى..
بينما هتفت هى فى سيد:- اتفضل معايا هوصلك فى طريجى..

سارت فى لامبالاة تقطع الطريق فى سرعة غير أبهة بذاك الذى تركته خلفها يترنح من تلك الحرارة المرتفعة و الشمس الحامية التى شعر بها فوق رأسه مباشرة.. كان يتوقع انها ستظهر بعض من مودة تجاهه كضيف غريب لكن ما حدث هو العكس فقد سارت امامه و قد تناست امره تماما و لم تلتفت و لو لمرة واحدة تستطلع اخباره خلفها.. حاول ان يحث الخطى ليصل بمحازاتها هاتفا فى نزق:- من المفترض انى ضيف و انتِ بتوصلينى.. لكن اللى بيحصل ده مش مقبول.. انا تقريبا بجرى وراكِ..

نظرت اليه شذرا و هتفت فى نزق:- بجولك ايه.. انت ضيف اه على عينى و راسى لكن مش هاتفهمنى الصح م الغلط.. و هو المجبول انك تمشى چارى عادى كِده كتفى بكتفك جصاد البلد كلها.. انت اخرك عندى انى أدلك ع الطريج للسرايا غير كِده ملكش حاچة عندى.
وتركته و ابتعدت بالفعل ليسير خلفها و قد أيقن صحة منطقها خاصة فى نجع فى قلب الصعيد كهذا له تقاليده و عاداته التى يجب احترامها..

سار خلفها ملتزما الصمت هذه المرة متطلعا حوله فى فضول يتساءل.. اى من قطع الارض البعيدة تلك التى ستكون مقرا للمشروع يا ترى!؟
و فى خضم شروده انتفض متراجعا للخلف عندما انتصبت امامه امرأة شعثاء مهلهلة الثياب هتفت فيه
بعنف:- هات.. هات..
هتف فيها بإضطراب:- اجيب ايه!؟

وتطلع للأمام حيث تلك التى تركته و هتف يستدعيها محاولا تذكر اسمها الذى ذكره السائق على مسامعه:- يا آنسة.. يا آنسة ثريا..
اخيرا تذكر الاسم و ناداها محاولا الهرب من تلك المرأة التى ما برحت تطلب شئ لا يعلم كنهه..
نظرت ثريا للخلف فى ضيق لمناداته بإسمها لكنها تماسكت و عادت ادراجها محاولة وأد ابتسامتها و كتم ضحكاتها و هى تراه غير قادر على التخلص من تلك المرأة المجذوبة..

هتفت ثريا فى المرأة التى ظلت تكرر طلبها:- حاضر.. هيجيب.. اصبرى.. اصبرى..
هتف سيد متعجبا:- اجيب ايه.. انا مش معايا اى حاجة..
ابتسمت ثريا لتتبدل ملامحها كليا هاتفة:- هات اى فلوس معاك.. اى حاجة..
هتف سيد:- مش معايا اى فلوس خالص..

هتفت ثريا فى تهكم:- امال عامل لى فيها بيه و سايب للسواج الاچرة بحالها.. !!.. طيب.. ادفع لها انا و امرى لله عشان تعتجك..
و اخرجت من جيب حقيبتها بعض الجنيهات و أعطتها للمرأة التى كانت لاتزل تكرر طلبها غير شاعرة بالملل او الرتابة و التى تناولت الجنيهات فى سعادة و رحلت..
هتفت ثريا خلف المرأة فى إشفاق:- مسكينة يا سيدة.. راحت بحال و رچعت بحال..

هتف سيد فى تعجب:- هى اسمها سيدة.. ده انا أسمى سيد بالمناسبة..
قهقهت ثريا هاتفة:-اتشرفنا يا سيد بيه.. انعم و أكرم..
هتف سيد بنزق:- على فكرة انا مش معايا فلوس عشان..

قاطعته ثريا قبل ان يوضح لها ان تعاملاته المادية لا تتم الا عن طريق الصراف الألى و هتفت فى سخرية:- ايوه عشان مفلس.. وضع طبيعى يا سيد بيه.. على العموم تشرفنا.. و أدى السرايا.. حمدالله ع السلامة..
و انطلقت مندفعة للبوابة الحديدية تلقى السلام على ابيها و تخبره بذاك الضيف المفلس الذى يريد لقاء عاصم بيه الهوارى فى امر هام..

تنبه ابوها للضيف القادم باتجاه السراىّ و فتح له البوابة مرحبا و هو يسير امامه حتى باب السراىّ الامامى ليُعلم عاصم بقدومه..
سار سيد خلف سعيد الخفير و هو يتطلع فى فضول للسراىّ من حوله و لكن عيونه على غير ارادتها توجهت حيث غابت تلك التى جاءت به الى هنا و هى تعتقد انه مجرد شاب مفلس ربما جاء لمقابلة عاصم الهوارى فى امر ما يخص وظيفة او ما شابه..

جال ببصره محاولا ان يتبين اين اختفت و اخيرا وجدها تطل من تلك الشرفة الصغيرة فى الطابق الثانى لذاك البيت الصغير بأخر الحديقة و هى تضع شئ ما على أطراف الشرفة و تدخل فى سرعة و تختفى عن ناظريه.. ليستفيق من تأملاته على صوت الخفير سعيد يطالبه بالدخول لمقابلة عاصم الهوارى فورا..

تعدت الساعة التاسعة مساءً و لا اثر لمجئ نادر حتى هاتفه المحمول خارج نطاق التغطية..
هتف المعلم خميس متعجلا ناصر:- كِده اتاخرنا قووى يا ناصر و المأذون عايز يمشى..
هتف ناصر فى ضيق:- بس انا كنت عاوز نادر يكون شاهد ع العقد يا بابا.
ربت خميس على كتف ناصر مؤكدا:- معلش.. بس كده فعلا اتاخرنا و ممكن اخوك يكون اتلغت إجازته على اخر لحظة.. تعال نكتب الكتاب و الغايب حجته معاه..

تنهد ناصر و تبع ابيه حيث تم إعداد طاولة جانبية لتتم عليها إجراءات عقد القران..
انطلقت الزغاريد من جديد ما ان اكد الجمع تمام العقد و الصيغة.. لتصدح الموسيقى من جديد..
و ما ان هم ناصر بالتوجه لباب بيت ابيه ليصعد ليحضر عروسه الا و سطعت انوار قادمة من قلب الحارة بسرينة رتيبة جعلته يتوقف و قلبه يتوجس قلقا.. توقفت العربة العسكرية على مقربة من طرف الصوان و نزل منها ضابط و سأل على ابيه ليهتف ناصر:- خير يا حضرة الظابط.!؟.. . انا ابنه الكبير..

تنبه خميس لتلك العربة و ذاك الضابط الذى يقف معه ناصر فأنقبض قلبه بين ضلوع صدره و اندفع الى حيث يقفا ولده و الضابط المتجهم.. ليهتف خميس فى قلق و اضطراب:- خير.. ايه الحكاية.!؟
هتف الضابط مستفسرًا:- حضرتك المعلم خميس!؟..
اكد خميس بإيماءة من رأسه غير قادر على الرد من شدة اضطرابه..

نكس الضابط رأسه فى أسى و هتف بنبرة تقطر حزنا و هو يربت على كتف خميس مشجعا:- شد حيلك.. ابنك بطل.. و لأخر لحظة فضل بطل..
تلفت خميس حوله فى حيرة لا يصدق ما يسمع ولم يُرد من الاساس ان يسأل عن ما يعنيه ذاك الضابط بكلامه لأن الجواب سيكون قاتلا لا محالة..
لكن ناصر هو من هتف فى جزع:- انت قصدك ايه بالظبط!؟.. انت تقصد مين بالكلام ده!؟..

هتف الضابط راغبا فى تأدية مهمته الشاقة و الرحيل مغادرا بعيدا عن ذاك الوجع الذى بدأ يلوح ف الأفق و الذى عاصره كثيرا حتى ما عاد يطيقه:- اقصد اخوك.. الشهيد نادر خميس المرسى..

هنا لم يتمالك خميس نفسه و ترنح قليلا لكن ناصر كان الأسرع ليكون سندا لأبيه الذى تماسك كالطود فى صلابة يحسد عليها.. بدأ ناصر فى النحيب بصوت مكتوم اما خميس فقد شعر بالتيه للحظات و اخيرا انهارت مقاومته ليجلس ارضا على أطراف الرصيف و قد شعر ان روحه تغادره فى بطء.. تلجم لسانه و ما عاد قادرًا على النطق بحرف واحد و ساد وجوم عجيب على كل ما يحيط به رغم الموسيقى الصادحة بالقرب من قلب الصوان الذى لم يصل له الخبر بعد..

اعادته شهقات ناصر التى علا فى تلك اللحظة نحيبها و ما عاد قادرًا على كتمانها للواقع المرير و اخيرا همس بلسان متثاقل:- انا لله و انا اليه راجعون.. انا لله و انا اليه راجعون.

بدأ ما يحدث خارج الصوان يثير ريبة الجمع داخله ليندفع البعض يستطلع الامر و ما هى الا لحظات حتى سار الخبر بينهم كالبرق لتُغلق الموسيقى و يبدأ النحيب من كل صوب و حدب و هنا تمالك خميس نفسه و نهض فى صلابة منقطعة النظير و اندفع يهتف معلنا فى فخر بصوت متحشرج تكسوه دموع مكتومة تأبى الظهور:- انا ابو الشهيد نادر.. انا ابنى شهيد.. انا ابو الشهيد..

تحول الصوان لموجة عارمة من النحيب و وصل الخبر للأعلى عند العروس و باقى النساء لتتعاقب الصرخات و تدوى فى جزع الا ان خميس صرخ بصوت هادر كالرعد ألجم الجميع :- محدش يصرخ.. مفيش و لا حرمة تعلى صوتها الا بالزغاريد.. انا ابنى شهيد.. زغردوا.. زغردوا..
و امتزجت الزغاريد المحتقنة بصوت البكاء و لم يقطعها الا صرخة مدوية جاءت من الاعلى تعلن عن سقوط نعمة باكية ولدها بين النساء..

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 7 من 36 < 1 14 15 16 17 18 19 20 36 > الأخيرة





الكلمات الدلالية
رواية ، ميراث ، العشق ، والدموع ، موال ، التوهة ، والوجع ، رباب ، النوح ، والبوح ، العمر ، وزواده ،











الساعة الآن 01:34 AM