logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 6 من 36 < 1 11 12 13 14 15 16 17 36 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 03:08 صباحاً   [40]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل العشرون والأخير

ترددت تكبيرات عيد الأضحى من اقرب جامع للسراىّ تلك التكبيرات التي تصدح عاليا بصوت مهران الذى كان يصمم كل عيد منذ بلغ الخامسة عشرة ان يهتف بها عاليا من مأذنة الجامع العتيق بالقرب من السراىّ و الذى بناه جده الأكبر صادق و أضيفت اليه الكثير من التعديلات و التوسعات...

انتهى مهران و باسل و كل رجال العائلة من صلاة العيد ليندفعوا للسراىّ من اجل الذبح و التضحية و التى صمم شباب العائلة القيام بتلك المهمة هذا العام.. باسل الذى انتهى من معهده المتوسط منذ ما يقارب السنتين و زاد ما يحمله من مسؤليات العائلة و مهران الذى انتهى من سنته الثانية فى كلية الطب البيطري و الذى مارس مهامه فى اختيار البهيمة و انتقائها من اجل الذبح بعين خبير مدقق.. و الذى كان اكثر الشباب اصرارا للقيام بمهمة الذبح لانه امر مستحب دينيا..

انتفخت أوداج عاصم و هو يهمس لحسام التهامى:- و الله و كبروا العيال.. !!.. ربنا يبارك لنا فيهم.. و نشوفوا هيعملوا ايه فى الدبايح.. و قهقه مستطردا.. ربنا يستر.. الحريم مستعجلين عايزين يطبخوا و دول شكلهم لسه غشم.. شكلهم هيفطرونا على المغرب..
قهقه حسام بدوره: - لااه.. باذن الله يظبطوها تمام.. احنا أهم حاجة نضمن الكبدة ندوها للحريم يفطرونا بيها و بعدين يبجى لها صرفة..

أكد عاصم باسما: - على جولك.. نضمن الفطور و بعدين يحلها ربك..
توجه الشباب مهران و باسل للذبيحة الكائنة فى الجانب الخلفى من السراىّ..و اعدوا العدة..
وذبحوها و عملوا على تقطيعها و توزيعها كما يجب..

عمل كل منهما بهمة و نشاط.. حتى نهض مهران هاتفا: - محتاجين حاچات تانى نوزعوا فيها.. انا رايح اجيب اللى أجدر عليه من المطبخ..
هز باسل رأسه موافقا و هو منهمك فى عمله لحظات غاب فيها مهران ليبقى وحيدا يفكر فى تلك التى لم يرى محياها فى صبيحة العيد..
لم يأت العيد بعد يا باسل..كان يحدث نفسه.. ما عاد هناك عيد ما لم تتكحل عيناه بمرأها.. صاحبة الطلّة الصاخبة التى تنقر على جدران قلبه بأساورها فتثير فيه العديد من الزوابع..

و فجأة و فى عز انهماكه بتقطيع اللحم انتفض قلبه لمسمع الصخب الأقرب لقلبه و الأحب لروحه صخب اساورها التى هلت و التى ألتقطها قلبه قبل أذنيه..و تأكد حدسه عندما هتفت متعجلة اياهم: - ايه يا جماعة.. محتاجين الكبدة ضرورى فى المطبخ.. هانفطر امتى..!؟.. الضهر..!!
تلك الانتفاضة لمسمع صوتها و رناتها التى تترد بقلبه جعلته ينتفض و تنتفض سكينه بدورها بين كفيه لتضرب احد أصابعه بدلا من اللحم الذى كان ينهمك فى تقطيعه..

دفع السكين بعيدا وهو يتأوه ممسكا بإصبعه المصاب.. اندفعت هى بلا اى تفكير تجاهه لتجلس بدورها قبالته فى ذعر هاتفة: - ايه اللى حصل..!؟.. انت جرحت نفسك..!؟..
هتف فى نزق وبكبرياء حمقاء: - مفيش حاچة.. ده چرح صغير و السكينة حامية.. عاادى..

ظهر كذب ادعائه عندما بدأ الدم الغزير يتساقط من بين اصابع كفه القابضة على إبهامه الجريح و النازف بشدة..
هتفت فى رعب: - انت بتنزف جامد..
و جالت بنظرها حولها و وضعت يدها فى جيب عباءتها لتصطدم باحد مناديلها و بلا وعى اندفعت تجذب كفه المصابة بين كفيها تحاول ان تكتم اندفاع الدم من الجرح بمنديلها الذى ربطته حوله إصبعه..

صمت هو و هو يرى كفه مستكينة بين كفيها فى وداعة.. يرى لهفتها عليه و ذعرها لجرحه.. يرى اندفاعها لنجدته و منديلها الغالى يعانق جرحه
انتفض كلاهما عندما دخل مهران هاتفا وهو يراهما فى تلك الحالة: - ايه فى.. !؟..ايه اللى چرى.؟!!..
انتفضت سندس هاتفة فى حرج: - ألحق واد عمتك يا مهران.. جرح حاله.. و بينزف جامد..

انتفض مهران ملقيا ما بيده من أوعية مندفعا باتجاه باسل يلتقط كفه ليطمئن على بن عمته المصاب و اخيراً زفر فى راحة: - الحمد لله.. الچرح مش چامد... ثم نظر لباسل فى مرح: - خضتنى يا شيخ.. چلت هتشمت فينا الكبار اللى مستنيين چوه عشان يخلونا سلوتهم..
ابتسم باسل هاتفا: - لاااه.. الحمد لله چت سليمة..

دفع مهران بوعاء لسندس التى كانت تقف دون أدنى رد فعل و هى تدارى إحراجها تتذكر ما فعلت مع باسل و كيف اندفعت اليه بهذا الشكل..لا تصدق انها وصلت من الحماقة تلك الدرجة التى جعلتها تصرح بذعرها و قلقها عليه..

لم تع يد مهران الممدودة لها و هى غارقة فى افكارها تجاه ذاك الجريح الذى كان لا يقل عنها تيهاً و شرود ينظر لذاك المنديل الغالى الذى مازال يعصب إصبعه و لا يجرؤ على رفع نظراته ليتأمل صاحبته فما عاد قلبه يستطيع تحمل وجيبه المتنامى فى حضرتها... و قد اكتفى.. نعم اكتفى.. فها قد طل العيد و هلت نسائمه بمرأها.. بل زاد روعة بلهفتها و ذعرها لجرحه.. فما أروعه من عيد !!..

هتف مهران للمرة الثالثة صارخا: - سندس.. ايه.. روحتى فين..!؟.. خدى اهااا الكبدة عشان نفطروا
بدل ما ابوكِ و عمك حسام يفضحونا..
انتفضت تتناول الوعاء من يده.. و تخرج مندفعة للمطبخ تناوله للنساء..
و تعود لتنادي مهران من جديد حاملة كوب من اللبن المحلى بالعسل الأبيض ليعطي باسل إياه..
اخذه مهران لباسل هاتفا: - ياللاه يا عّم.. اشرب..

الظاهر سندس چالت للدكتورة زهرة على اللى حصل فبعتت لك كوباية اللبن دى..
تناول باسل اللبن ليتجرعه على دفعتين متلذذا و هو يتساءل كيف عرفوا انه يحبه بارد من المبرد رأسا لمعدته..
دخلت زهرة الحظيرة حيث تتم عملية الذبح لتطمئن على سير العملية لتهتف فى قلق: - ايه ده !؟.. انت اتجرحت و لا ايه يا باسل..!؟..
هتف باسل مبتسما: - چرح بسيط يا مرت خالى.. متجلجيش..

اندمجت زهرة فى الحديث مع ولدها مهران بينما تاه هو فى ذاك الكوب الفارغ الذى وضعه بالقرب يؤكد له انها هى من احضره من تلقاء نفسها و ليست الدكتورة زهرة كما ادعى مهران و هو يناوله إياه.. هل تهتم لأمره.. !؟ أم هى مجرد شفقة من قبلها لابن عمتها الجريح.. !!

نظر لاصبعه الذى عقمه و ضمده له مهران بالشاش الطبى و مد كفه يربت على جيب جلبابه الذى يحمل هديتها الثمينة التى ما كان حاصلا عليها الا وهى مدرجة بدمائه..

هتف زكريا في حازم محاولا إثناءه عن رأيه:- يعنى خلاص يا حازم.. هي كلية الشرطة..!؟؟.. لازماً يعنى.. ما جدامك اى چامعة هنا في اسكندرية.. اختار لك واحدة و خليك چنبينا..و اذا كان ولابد كلية عسكرية ما جدامك البحرية طيب..!؟

هتف حازم في إصرار: - لا يا بابا.. اناعايز شرطة.. و عمى مختار وعدنى انه يساعدنى.. و بعدين محدش عارف مش يمكن مقبلش.. ادينى بجرب..
ابتسم زكريا و هو يربت على كتف ولده: - ربنا يجدم لك اللى فيه الخير يا ولدى..روح چرب حظك.. محدش عارف نصيبه فين!؟..
هتفت هدير ذات الأربعة عشر عاما مشاكسة:- سيبه يا بابا خليه يروح.. هو في كلية تانى هاترضى تقبله بتكشيرته دى..!؟.
انفجر زكريا ضاحكاً على مشاكسة هدير لأخيها و خاصة مع امتعاض حازم الذى نظر اليها في غيظ لكنه ترفع عن الرد عليها..

تساءل زكريا و هي يضم كتفيها: - و انتِ بجى يا ستى.. تحبى تدخلى كلية ايه..!؟..
هتفت هدير بدلال: - يا دادى انا لسه مخترعوش كلية تليق لى..
عاد زكريا يقهقه من جديد ليهتف حازم حانقاً:- ايوه صحيح...لسه مخترعوش كلية تليق على تسريحة شعرك.. او لون بلوزتك نظرت اليه هدير بابتسامة واسعة و ما ان استدار والدهما ليجلس خلف مكتبه حتى أخرجت لسانها تكيد اخيها.. الذى نظر اليها متوعدا.. لتخرج في سرعة تختفى من أمامه ليهتف زكريا: - طالما ده اللى انت عاوزه يا حازم..يبجى لازم انزل معاك جريب..

سأل حازم مستفسراً: - هاتيجى معايا عشان الاختبارات و التقديم يعنى يا بابا..!؟..
نفى زكريا: - لااه.. روح انت جدم و خلص على خير.. و لما تجبل باذن الله.. هايبجى لينا جاعدة تانية.. و نزولة لمصر باذن الله.
اومأ حازم برأسه موافقا و هو يتعجب متسائلا في نفسه.. عن اى شيء يتحدث والده..!؟..

وصل السراىّ نبأ وفاة الحاج قدرى التهامى فى الصباح الباكر ليهرع الجميع لدار التهامية فى لحظتها لمساندة صهرهم حسام التهامى و اداء الواجب المفترض فى مثل هذه الظروف الحزينة..
اندفع مهران بدوره مع ابيه..كان الأكثر تأثرا بين الجميع فقد كان دوما الأقرب له..

مرت الثلاث ليال الاولى بعد وفاة الحاج قدرى كئيبة تظلل الجميع بسحابة من حزن طغى على جميع الملامح بلا استثناء..
اليوم.. ميعاد لقاءه الاسبوعي مع جده قدرى.. دمعت عينا مهران.. فى تلك اللحظة كان من المفترض عليه التوجه لدار التهامية ليجلس فى تلك القاعة التى كان لا يبرحها الجد أبدا الا الى فراشه ليلا..

ازداد حزنه عندما تذكر موعد اللقاء و زاد الحزن شدة عندما ادرك انه لن يراها بشكل أسبوعى كما كان يحدث بالسابق.. فمن كان يجمعهما من اجل حفظ و ترتيل كتاب الله قد رحل.. غادر بغير رجعة.. لن يراها.. و لكم كان ذاك الخاطر قاسيا لا يُحتمل.. لم يع الا و قدماه تقوده الا بيت عمته و دخل من الباب الخلفى للدار حيث يظل باب القاعة مفتوحا على مصراعيه كعادته..

تنحنح فى تأدب و كأنما كان يتوقع ان يسمع الجد صوت استئذانه فيأذن له.. كانت القاعة فارغة كعادتها فى تلك الساعة من النهار..
تقدم مهران لداخلها و جال ببصره فى ارجائها حتى وقعت عيناه على مصحف الجد قدرى الذى لم يكن يبارح كفه الا فيما ندر.. و بجانب المصحف مدلاة من حامله الخشبي تقبع مسبحته الكهرمانية تقدم مهران يتحسس أشياء جده قدرى العزيزة فى محبة و شوق لذاك الرجل الذى يدين له بالكثير من أمور دينه و
دنياه..

اصطدم مهران بعصا الجد التى كانت تقبع بالقرب و لم يرها فسقطت أرضا محدثة دويا مسموعا لحد كبير.. لم يكن يريد ان يدرك احد انه هنا. كان يريد الانفراد ولو قليلا بذاك المكان الطاهر الذى جمعهم هو و جده و تسنيم..
اااه.. تسنيم.. ما بالها الان..!؟.. انه يشفق عليها فمن المؤكد انها فى دنيا اخرى من حزنها على جده.. ليته يستطيع ان يراها أو حتى يطمئن على حالها..

و كأنما كانت أبواب السماء مفتوحة لتُستجاب أمنيته فى لحظتها.. فقد فُتح الباب فى اندفاع لتدخل منه تسنيم..
انتفض هو ليواجه القادم..
نظر اليها و الى ذاك الحزن الذى عشش على ملامح وجهها الصبوح..

كانت تقف كالمشدوهة.. نظرت للعصا الساقطة أرضا و قد ادرك ان صوت سقوطها هو ما جذب انتباهها للقاعة بدأت تستفيق من صدمة ما تجلت على ملامحها و استطاع ان يستنتج انها تعيش نفس حالة النكران التى عانى منها فى الأيام الاولى للوفاة.. كان يعتقد انه فى حلم سئ و سيستيقظ منه قريبا ليدرك ان كل هذا محض خيال و انه لم يحدث فى الواقع.. و بالفعل استفاق.. لكن على الحقيقة التى كان يحاول الهرب منها بالإنكار..

هى لم تستفق بعد.. ولقد أتت تجرى للقاعة ظنا منها انها يمكنها رؤية الجد قدرى و هو يجلس على مقعده و يقرأ فى مصحفه أو يتمتم محركا حبات مسبحته.. لكنها لم تجد الا طيف ذكرى و أياه..
تحركت فى بطء و جلست على أطراف الأريكة القريبة من الباب.. و ذاغت نظراتها فى المجهول أمامها..

ماذا عليه ان يفعل..!؟.. انه لا يطيق رؤيتها بهذه الحالة.. كيف يمكنه مواساتها..!؟.. كيف يمكنه اخراجها من حالة التيه و النكران التى تسيطر عليها بهذا الشكل الموجع.. !؟..

عاد ينظر من جديد للمصحف و المسبحة و اخيراً جلس فى هدوء و بدأ فى تلاوة القرآن بصوت عذب شجى.. و بدأت هى تبكى و تبكى..
حتى انتهى و صمت.. كان تأثره وصل به مبلغاً شديداً جعله ينهض راغبا فى الرحيل..
و ما ان هم بالخروج من باب القاعة حتى هتفت به تسنيم بصوت متحشرج: - يا شيخ مهران..!؟..
نادته كما تناديه جدته فضيلة.. كانت المرة الاولى التى تناديه فيها منذ زمن بعيد.. منذ تخطيا اعتاب الطفولة و هى لم تنطق اسمه مطلقا.. لا مجردا أو حتى بألقاب تسبقه..

الان فقط سمعه منها.. و تعجب من حاله..
هل يمكن لانسان ان يجمع بأعماق قلبه مشاعر حزن دفين و مشاعر فرح صارخ في آن واحد..!؟.. هل يمكن ان يحدث هذا لشخص عاقل..!؟..
استدار فى بطء يحاول ان يغض الطرف عن محياها قدر استطاعته..
توجهت هى حيث موضع المسبحة و تناولتها فى إجلال و ضمتها لصدرها فى شوق لصاحبها و اخيراً تمالكت نفسها و ازدردت ريقها و هى تستدير له هامسة بصوت غير قادر على الإفصاح من شدة تحشرجه: - چدى كان موصينى لو چراله حاچة تبجى السبحة بتاعته من نصيبك انت..

كاد ان يمد كفه ليلتقطها من كفها لكنه خشى ان يمس ذاك الكف الطاهر الذى لم يصافح رجلا قط فعدل وضعية كفه ليبسطها أمامها فتسقط عليها المسبحة فى بطء ليضم عليها أصابعه و يندفع خارجا و قد انتزع نفسه من امام نظراتها التى تقطر حزنا على جدها انتزاعا..

هتف زكريا في مشاكسة: - نلاقى عندكم كباية شاى مظبوطة و لا ناخد بعضنا ونمشى..!؟..
اندفع المعلم خميس من داخل مقهاه ما ان سمع صوت زكريا يهتف مشاكساً من الخارج ليهتف خميس مللا في فرحة: - زكريا..!؟.. يا مرحب يا مرحب.. شاى بس.. ده احنا نجيب شربات لمجيتك دى..

ثم هرش خميس في رأسه يحاول التذكر:- بس هو النهاردة موافق كام..!؟.. ده مش معادك من كل سنة يا صاحبى..!؟..
اومأ زكريا مؤكدا على صدق قول خميس فبالفعل لم توافق بعد ذكرى رحيل بدور السنوية و التي يأتي اليها من الإسكندرية
يطل على الحارة و أهلها و يزور البيت و يخرج ما أمكنه من صدقة على روحها و روح ابيها.. قبل ان يزور قبرهما..

جلس زكريا و قبالته جلس خميس متعجباً و خاصة عندما لم يرد زكريا بل نظر لمدخل الحارة و أخيرا أشار لأحدهما من بعيد ما ان اقترب حتى هتف زكريا مشيرا لحازم الذى تأخر عن والده قليلا يبتاع غرض ما: - اهو يا سيدى السبب..!!؟..

نظر خميس للشاب الفارع الطول و الذى يمشى في كبرياء متطلعاً حوله حتى وصل اليهما ليشير له زكريا: - سلم يا حازم على عمك خميس.. فاكره..
صرخ خميس مهللاً: - حازم..!! ده حازم.!!.. الله اكبر.. الله اكبر.. بقى راجل طول بعرض ما شاء الله.. دى خالتك نعمة هاتفرح بشوفتك قووى..

ابتسم حازم بدبلوماسية و لم يعقب..و جلس على احد المقاعد المجاورة ليستكمل زكريا هاتفاً: - حازم قبل في كلية الشرطة.. هايبقى ظابط باذن الله.. و انا قلت مفيش مكان ممكن يقعد فيه هنا في مصر لو اضطرته الظروف و منزلش اسكندرية كل إجازة.. الا هنا.. في الحارة وسطكم..

هلل خميس بنشوة: - و احنا نشيله في عنينا ده هيبقى ضهرنا في الداخلية باذن الله..
قهقه زكريا.. و ابتسم حازم و الذى بالتأكيد لم يكن اقتراح ابيه في البقاء لو اضطرته الظروف في الحارة على هواه.. فقد كان يتمنى ان يشترى له ابيه شقة خاصة تكون ملاذه وقت الحاجة.. لا بيت قديم في حارة شعبية عتيقة حتى و لو كان يحمل عبق امه الراحلة.. هو يعلم كم كان يكن ابوه لامه من مشاعر دوما كانت محل نقاش بينهما..

دوما ما كان حازم يسخر من الحب و المحبين و لا يصدق في ترهات القلب و احاديث العشق و الشوق.. يعتبر رغم حداثة سنه ان تلك الشاعر المرهفة التي طالما ذكرها ابوه ما هي الا نوع من أنواع الضعف التي لا يحب و لا يتمنى ان يعيشها و لو للحظة.. و لا يعتقد انه سيفعل.. بل كان واثقا من انه ابعد ما يكون عنها...

سار فى اتجاه جامعتها يمنى نفسه برؤيتها.. فمنذ حادثة إصبعه صبيحة العيد لم يلمح طيفها حتى و لو من بعيد.. فقد اعتزلت حجرتها من اجل المذاكرة بسبب امتحاناتها التى على وشك البدء..

و اخيراً جاءته الفرصة على طبق من فضة.. خاله عاصم مسافر و مهران فى جامعته فقد بدأت امتحاناته.. و السيارة التى دوما ما يبعثها خاله من اجلها معطلة بالفعل و سعيد أتى بالمكانيكى لإصلاحها....انتشى فرحا فقد اجتمعت الأسباب و الظروف كلها ليكون هو الوحيد الموجود ليذهب لاحضارها..

اقترب من الحرم الجامعى الذى لم يكن له حظ الالتحاق به فمعهده المتوسط فى محافظة اخرى و قد أنهى الدراسة التى لم تزد عن السنتين به ليتفرغ للعمل مع والده منذ ما يزيد عن عامين... اما هى فألتحقت بكلية الحقوق عن رغبة قوية منها رغم مجموعها العالى فى الثانوية العامة..

تنهد فى ضيق.. لطالما كان و سيظل الفارق التعليمى بينهما سبب قويا فى ابتعاد كل منهما عن الاخر.. هو يعلم تماما انها تسعى للتفوق فى كليتها للحصول على الماجستير فى تخصصها اما هو فقد اكتفى من التعليم بما حصل عليه بالفعل كل سنة يجد الهوة بينهما اتسعت بل و تزداد اتساعا مع ازدياد طموحها العلمى الذى يخالف عدم شغفه التام بالدراسة..

توقف امام بوابة الجامعة و كما أكدت عليه زوجة خاله زهرة أن سندس تنتظر امام البوابة مجئ سعيد بسيارتهم كما تعودت.. جال بنظره امام البوابة لعله يلمح طيفها ليجدها تقف بالفعل مع احدهم انتفض فى غيظ هامسا فى ضيق لنفسه: - مين دِه؟!؟ و ليه واجفة تكلم معاه عادى كِده..!؟

اشتعل غيرة و رغبة فى الاندفاع اليها ليجذبها من ذراعها دافعا بها للسيارة بعيدا عن هذا الشاب السمج الذى يحادثها لكنه سيطر على نفسه بالكاد جازا على اسنانه فى حنق بالغ..

لمحته صديقتان لسندس يقف فى توتر بانتظارها ليتهامسا بغمز: - بصى.. ده بن عمة سندس.. اللى واقف مستنى هناك ده عند العربية الزرقا..
هتفت صديقتها: - معقول.. دى سندس دى محظوظة متوقعش الا واقفة..

و نظرتا لسندس التى كانت تنهى حوارها مع الدكتور عمرو الذى وقفت تستفهم منه على بعض النقاط الخاصة بامتحان المادة القادم.. لتهتف احداهما: - طبعا.. بن عمتها من ناحية و الدكتور عمرو من ناحية تانية.. بجد مبتضيعش وقت و الاتنين ايه.. مال و جمال..
هتفت الاخرى: - لااا.. سيبك من بن عمتها.. ده اخره معهد متوسط.. لكن خليكى فى دكتور عمرو اللى واضح انه مغرم قووى.. حظها نااار.. مش احنا..!

هنا كانت وصلت سندس لتنضم إليهما لتهتف احداهما فى نبرة متمنية: - بن عمتك أهو يا سندس.. يا بختك يا ستى.. حد يكون عنده ابن عمة بالشكل ده و يسيبه.. طول بعرض.. اوعدنا يا رب..

صمتت سندس و لم تعقب لتهتف الاخرى بنبرة حاقدة استطاعت اخفاءها ببراعة: - لاااا.. لااا.. بن عمتها مين.. ده معهد سنتين.. بقى اسيب دكتور عمرو اللى هايبقى دكتور فى القانون و اخد ده.!؟
عند هذه النقطة اشتعلت سندس ضيقا و حنقا لتهتف بهما: - إنتوا خلاص قررتوا و بتختاروا لى اللى هتجوزه كمان.. !!؟.. ده إنتوا بنات دماغها فاضية.. انا امشى أحسن و انصرفت فى ضيق مندفعة باتجاه باسل الذى كان اخر من تريد رؤياه بعد هذه المناقشة السخيفة..

فكلتاهما ضغطت على المعضلة التى تؤرقها ليل نهار.. و تزيد من احتدام الصراع المتواصل بين قلبها و عقلها..
وصلت عنده فألقت التحية فى هدوء تجيد اصطناعه رغم ذاك الصخب الدائر داخلها لتفتح الباب و تجلس فى المقعد الامامى بلا تفكير..
دخل هو يضبط نفسه امام مقود العربة فهو أبدا لم يكن قريبا منها فى مجلس ما مثلما هو قريب منها الان.. فيما عدا تلك اللحظة التى اندفعت مزعورة تجاهه يوم جرح إصبعه الميمون..

ازدرد ريقه فى توتر و هو يحاول ضبط أعصابه التى بدأت فى الغليان هاتفا لنفسه: - مش هتسألها مين ده..!؟.. مش هتسألها سااامع.. !!؟..
و أخذ يؤكد لنفسه ذلك مرارا و تكرارا وهو يدير السيارة و ينطلق بها عائدا للنجع..
اخرجت هى احد كتبها و منظارها الطبي و بدأت فى مطالعته متناسية إياه أو ربما تتجاهل وجوده كعادتها التى تثير اعاصير غضبه..

ألقى ببضع نظرات فى اتجاه نافذته للخارج يحاول التنفس بعمق حتى يضبط قدرته على الانفعال و يسيطر عليها..و داس بعنف على زر مشغل الاغانى لعله يقذف بخواطره فى اتجاه اخر بعيدا عن تلك الهادئة حد برود القطب الشمالي بجواره و هو يستعر غضبا بجانبها حد الجحيم..
تسربت الاغنية من المشغل هاتفة: - جرب نار الغيرة و قولى.. ايه رأيك..!؟. رأيك..!؟.. جرب و أُوصِّف لى..

انتفض فى غيظ مغلقا الاغنية التى شعر انها تخرج له لسانها بغية إغاظته و سكب البنزين على نار صدره..
هنا استفاقت الساكنة لتهتف فى اعتراض: - ليه قفلت الاغنية..!؟؟... دى لذيذة قووى..
جز على اسنانه طالبا من الله المزيد من السيطرة على النفس وهو يهتف: - مش عچبانى..

نظرت اليه بغيظ و عادت لتجاهله بالنظر لكتابها الذى مارس أقصى درجات ضبط النفس حتى لا ينتزعه من يدها ملقيا به فى عرض الطريق.. و اخيراً قررت التمرد لتمد كفها تفتح مشغل الاغانى من جديد ليهتف الصوت المنبعث منه هاتفا: - يااامستبدة..
اعادت إغلاق المشغل بسرعة و شعرت و كأنه يسبها لينفجر باسل هاتفا فى استمتاع: - ليه جفلتيه.. و بدأ فى تقليد صوتها هاتفا: - دى أغنية لذيذة قووى..

زفرت فى حنق و لم تعقب كعادتها التى تثير جنونه ليسود الصمت الصاخب بينهما من جديد ليعود مؤكدا لنفسه انه لن يسألها.. نعم لن يسألها..
و فجأة هتف مجفلا إياها: - مين اللى انت كنتِ واجفة معاه دِه..!؟..
رفعت رأسها فى هدوء مجيبة: - ده دكتور عمرو.. استاذى.. و دكتور المادة اللى هنمتحنها كمان أسبوع.. ليه..!؟..

هتف محاولا تصنع اللامبالاة: - لااه.. مفيش.. بس هو عادى توجفى مع الدكاترة بتوعك كِده و فى الشارع كمان.. و فى الاخر تسلمى عليهم بيدك و أنتِ ضحكتك ملية وشك.. !؟..
هتفت فى حنق: - قصدك ايه..!؟.. و بعدين انا مكنتش فى الشارع.. انا كنت على البوابة لحقته قبل ما يخرج عشان فى حاجات مهمة كنت بستفسر عنها.. و بعدين ايه ضحتك مالية وشك دى.. انا مقبلش اى تلميح من اى نوع.. و بعدين انت ايه اللى جابك أصلا.. فين عم سعيد..!؟..

نظر اليها و على الرغم من انه أشعل غضبها الا انه كان فى قمة الاستمتاع فها هو يرى وجها اخر لها بخلاف ذاك الوجه البارد الذى تطالعه به دوما ما ان يلتقيها..

نظر اليها فى ضيق مصطنع هاتفا وهى يضغط على حرف السين عقدتها محولا إياه ل ثاء كما تنطفه: - عم سعيد بيصلح عربيتكم و مرت خالى هى اللى طلبت منى أجيبك.. المرة الچاية انا اللى هجول لمرت خالى اعفينى.. عشان مبحبش اضايج بتك.. و اسيبها توجف مع اللى يعجبها من غير ما يكون ليا حج فى السؤال..

انتفضت فى غضب حقيقى تغلق كتابها فى عنف هاتفة: - انا مسمحل...
قاطعها مشغلا الراديو هذه المرة بصوت هادر حتى لا تصله اعتراضاتها و يستمتع بانتصاره عليها اخيراً و خاصة انه نجح فى إذابة بعض من الجليد الذى يحيط بتلك الواثقة الباردة دوما..

ليهدر المذياع قاذفا كلماته التى ألجمت كلاهما لتصمت هى و ينتبه هو بكل حواسه لتلك القصيدة الملقاة: -
ايوه بغير..
اصل المشكلة عندك.. عِندك..
جلت حاسيبها وبكرة تحس
بعده تحس
بعده تحس
ده انا لو جبس كنت زعجت
ماشي صداجة وماشي زمالة
بس مچتش على الرچالة
ماهي نسوان الدنيا كَتير
وانا ما بجولش تخاصمي الناس
ولا تِتْحِچبي عن الرچالة
ولا تعتكفي وتسكني دير
بس يا ريت حبة تجدير
اني بحبك
واني بريدك
واني زرعت حياتي في ايدك
واني غزلت بنات الدنيا عجود على چيدك
واني تعبت من التفكير
واني بغير.

انتهت القصيدة.. ليعلو صوت التصفيق من المذياع و يمد باسل كفه فى آلية ليغلقه وهو فى تيه كامل.. لا يجرؤ حتى للنظر لتلك التى عادت لسكونها المريب بالقرب منه..نظر من نافذته لثوان ثم عاد بناظريه يثبتهما على الطريق و قد أيقن إنهما وصلا بالفعل فقد لاحت السراىّ على مرمى البصر
توقف فى لحظات امام بابها الداخلى بعد ان اجتاز بوابتها فى سرعة و اخيراً داس على المكابح فى غيظ لتتوقف السيارة مزمجرة فتندفع منها سندس الى داخل السراىّ بسرعة الصاروخ ليزفر هو فى قوة و يضرب المقود بكفه فى غضب.. و يستدير بالسيارة راحلا..

مرت عدة أعوام من عمر شراكة زكريا مع العميد مختار كانت أخصب سنوات عمل بالنسبة لزكريا.. فقد توطدت علاقتهما الاجتماعية و توسعت المعرفة على نطاق العائلتين لتصبح صداقة متينة الأواصر..
وقفزت شركة زكريا من مصاف الشركات الجيدة السمعة والكفاءة الى مستوى اعلى بمراحل وضعها في مصاف أقوى شركات الإنشاءات..

كان من المفترض ان تتم بينهما مقابلة في تمام الساعة الخامسة.. لكن هاهى الساعة شارفت على السادسة و لم يظهر مختار كما هو متفق و هذه ليست من عادته فهو دقيق جدا في مواعيده مما دفع القلق الى نفس زكريا و هو يتلفت على امل ان يراه قادما
لكن لا فائدة... ليهم بالنهوض مغادراً ليجده أخيرا يندفع معتذرا: - اسف على التأخير يا زكريا.. معلش امر طارئ..
هتف زكريا بقلق: - خير يا باشا..!؟..

اكد مختار: - خير..أصل من فترة كانت بتجيلى شوية تهديدات..!؟.. و الظاهر عرفوا مين وراها..!؟...
هتف زكريا مزعورا: - تهديدات..!؟.. و مين وراها دى..!؟..
هتف مختار كأن الامر لا يعنيه: - عارف العيال اللى حاولوا يموتونى في السجن لولاك..!؟.. هم دوول..
هتف زكريا: - بس دِه كان من زمن يا مختار باشا و انت سبتلهم الداخلية بحالها عايزين منك ايه تانى..!؟..

ابتسم مختار: - عايزين تارهم..العيال دى مبتنساش.. و اللى كان منهم ساعتها لسه تابع صغير دلوقتى بقى أمير جماعة قد الدنيا.. بيأمر والكل يطيع.. دلوقتى بقوا متوغلين في كل حارة و كل بيت.. كلامهم اللى متغمس بآيات من القران و احاديث نبوية
مخلى الناس مغشوشين فيهم و بيقولوا عليهم بتوع ربنا..
هتف زكريا في ضيق: - لا حول و لا قوة الا بالله.. طب و العمل دلوجت يا مختار بيه..!؟؟...

ابتسم مختار: - العمل عمل ربنا يا زكريا.. العمر واحد و الرب واحد و اللى له نصيب في حاجة هيشوفها..
همس زكريا: - و نعم بالله..
نهض مختار متعجلا: - طب يا زكريا انا لازم امشى دلوقتى.. عندى معاد مهم جدا.. و اكيد هقبلك تانى عشان نكمل كلامنا اللى مخلصش النهاردة..
نهض زكريا بدوره هاتفاً: - طب انا كمان ماشى معاك.. انت تروح مشوارك و انا ارچع الشركة..

خرجا سويا من ذاك المقهى العريق في احد اهم شوارع الإسكندرية.. اتجه زكريا لسيارته و بالمثل فعل مختار.. ليتذكر مختار شيء ما ليعود مسرعا لزكريا هاتفاً
به من نافذة عربته: - زكريا..!؟.. خد..
و يسلمه ظرفا مغلقا يتناوله زكريا بنظرة مستفسرة.. ليستطرد مختار: - لو حصل لى حاجة يا زكريا.. افتح الظرف ده.. ده وصيتى..

انقبض قلب زكريا ليندفع خارج سيارته هاتفاً في ضيق: - ليه بس يا مختار باشا السيرة دى..!؟.. ربنا يخليك لأهل بيتك..
ربت مختار على كتف زكريا بابتسامة هاتفاًو هو يودعه ملوحا: - اشوف وشك بخير يا زكريا..
لا يعلم مختار لما هتف بتلك التحية و هو يغادر زكريا الذى ارتسمت على وجهه ملامح الضيق و شعر بانقباض في صدره دفعه ليلتقط أنفاسه في شهيق قوى..

و ما ان عاد للسيارة يتبع مختار بنظراته و هو يستدير بسيارته لتكون بمحازاة سيارة زكريا.. حتى بدأ الهرج و المرج.. و صوت صرخات تعلو و طلقات متتابعة تدوى.. و ظلام تام غلف واقع زكريا المحيط و هو يهتف باسم واحد.. مختار..
و يده يضعها على جيب سترته حيث أودع وصية صديقه ..

دخلت زهرة حجرتها فاذا بعاصم ممدد على سريرهما وما ان طالعته وهى تدخل حتى سألها فى تخابث: - لسه فى فردة حمام من غداء النهاردة نتسلوا بيها!؟..
ابتسمت وهى ترفع حاجبيها متعجبة: - فردة واحدة.. دوول يبقوا جوز حمام عشان خاطر عاصم بيه..
جلست على طرف الفراش وهى تستطرد: - بس انا بخاف على عصومى ينام بالليل تقيل
ربت عاصم على معدته البارزة مقهقها: - خايفة على عصومى و لا على شكل عصومى اللى بجى مش ولابد و هايمشى چمبك يجولوا مين الجمر اللى ماشية ويا ابوها دى.. !!؟..

انفجرت ضاحكة على غزله الصريح: - قمر ايه بس يا عاصم.. بس تعرف..
تنبه بكل حواسه عندما قالت كلمتها الاخيرة و التى اعتاد دوما ان يسمع بعدها ما يسر قلبه.. استكملت هى حديثها و ابتسامة هادئة تكلل شفتيها و عيونها تلمع ببريق يحمل جمال الذكرى عندما هتفت: - الكرش مش فارق معايا كتير..لان انا لسه شيفاك زى اول مرة شفتك فيها..
ثم أسرعت قائلة بضحكة واسعة:- مش اول مرة قووى يعنى.. عشان كانت صعبة الصراحة..

كان دوره لينفجر ضاحكاً متسائلا: - ألا صحيح.. حسيتى بايه لما شفتينى اول مرة!؟..
ابتسمت هاتفة: - حسيت برعب غريب و صوت داخلى بيقولى اهربى من قدام الراجل ده.. بس ملحقتش
ابتسم هو و نظراته لها تؤكد عشقه هامسا: - انا لو اعرف اللى هيجرالى منيكِ ساعتها.. كنت انى اللى هربت.
ظهرت على جانب فمها ابتسامة و نظرة معاتبة و هى تقول: - كنت هربت..!؟.. طيب..اما اهرب انا كمان.. و مفيش أكل حمام النهاردة..

و اندفعت مبتعدة مشاكسة أياه.. ليهتف هو ضاحكاً: - خلاص بلاها الحمام.. و نحاول نجلل من الاكل بالليل عشان خاطر عيون زهرة..
قررت الاستمرار فى مشاكسته: - اه الصراحة.. حرام عليك.. يعنى زهرة بنت عزيزة تركبها بكرشك ده.. الرفق بالحيوان هيقاضونا يا عاصم..
لم يصمت هذه المرة بل اندفع ليمسك بها قبل ان تهرب مختبئة فى الحمام و يهتف مازحاً: - خايفة على زهرة الفرسة منى.. و بتجولى الرفج بالحيوان هيجاضينا.. طب شوفى من هيخلص زهرة اللى هو انتِ من يدى دلوجت.!؟؟

هتفت مازحة وهو يلتف حولها ليقف خلف ظهرها و يطوق خصرها بذراعيه و يرفعها قليلا عن الأرض حتى ما عادت قدميها تلامسها..: - عاصم.. هصرخ و اشهد عليك عيالك اللى بقوا طولك ..
انفجر ضاحكاً و هى يلقى بها على الفراش: - متعمليهاش..
و اقترب منها لتهتف بتحدى: - ايه.!؟جايب الثقة دى منين..!؟..

انحنى عليها و هى لازالت على حالها ليأسرها بذراعيه وهى يقول بصوت يقطر حبا: - عارفة چايبها منين..!؟.. من عيونك دى اللى كلها تحدى و اللى وجعتنى فيكِ.. دِه يوم ما وجفتى تتحدينى وانا بكتب عليكِ غصب..مصرختيش.. هاتيجى دلوجت و تصرخي.. !!..

همست مدعية النداء مازحة: - يا مهرااان.. يا سندس.. يا ماااجد.. تعالوا شوفوا ابوكوا بيعمل ايه..
انفجر ضاحكاً و قال: - طب ما تخدنيش فى دوكة و جوليلى.. انتِ شيفانى كيف..!؟..
ابتسمت وهو تطوق ذراعيها حول عنقه: - شيفاك زى اول مرة شفتك فيها بقلبى..
رفع حاجبيه معجبا: - وااه.. ده باينه كلام كبييير.. كيف يعنى..!؟..

ابتسمت و هى تستطرد: - لسه شيفاك يا عاصم زى يوم ما قلبى و عقلى اتفقوا ان روحى متعلقة بيك و انى مقدرش أعيش من غيرك...يوم ما خدتنى قدامك على الفرسة و كان نفسنا نعيش العمر على ضهرها بعيد عن الدنيا كلها.. يوم ما لقيتك بين دراعاتى غرقان فى دمك و عيونك بتلومنى انى هبعد عنك.. لسه شيفاك عاصم اللى مقبلش الظلم على بن عمه و كان هيدفع حياته تمن لرد الحق لصاحبه.. عاصم البار بابوه و امه.. عاصم الحنين على اخته.. عاصم حبيب قلبى و روحى..

نظر اليها مشدوها تلمع عيناه كنجمتين فى سماء شديدة الظلمة.. تنحنح محاولا تقليل تأثره بكلامها و انحنى يقبل جبينها قبلة عميقة أودعها كل عشقه و حنانه و رفع رأسه يقول بنبرة مشاكسة: - خليها اخر مرة.. و جومى هاتى الحمام..
انفجرت ضاحكة و هى تتعلق اكثر برقبته.

ظلام دامس.. انوار تُضاء و تُطفأ.. صرخات و ضحكات.. نداءات من عمق سحيق و همسات بجوار مسامعه..
صورة امه الحبيبة التي لم تتكحل عيناه برؤيتها منذ زمن بعيد.. عاصم بن عمه الذى يعده بمثابة الأخ الحقيقى..
النجع و كل شبر بأرضه التي يعشقها حد الهوس و رغم ذلك ابتعد عنها حد اللانهاية

ابنة عمه سهام ربيبته.. و حبيبته الأولى و نايه الذى دفنه مع ذكرياته القاتمة بجوار قبر ابيه غسان الهوارى الذى لم يعترف به ابنا في حياته و اقسم ان يعود ليصبح افضل مما حلم ان يكون اذا بقى في النجع .. سيكون زكريا لذاته...

بدور و عشقها الذى ما غادر روحه قط و حنانها و الأمان بين ذراعيها..
سنوات السجن و سنجأ..
زينة و حكايته معها و كيف حركت فيه قلب ظنه دُفن منذ زمن مع سارقة روحه الغالية. كل تفاصيل حياته في فيلا الحاج مندور..
ابناءه.. حازم و هدير..
و أخيرا.. الباشا..سيادة العميد مختار..
ووصيته..

حرك كفه في تثاقل يبحث عنها في جيب سترته.. لكنه لا يجد موضع الجيب من الأساس.. لا.. الا الوصية.. أين هي..!؟..
أين ذهبت..!؟..
تململ في ضيق و أخيرا بدأ يفتح جفونه في تثاقل ليطالع أشباحا تتراقص امام عينيه لا يستطيع تمييزها مباشرة فهمس:-.. أمى.!!.. عاصم..!!؟..
بدأت الصورة تتضح امام عينيه المشوشة تدريجياً ليتبين ان الشبحان هما لحازم ولده و زينة زوجته التي كان وجهها يغطيه الدمع بغزارة...

لا يعلم كم غاب.. و لا يعلم ما حدث..
لكن كل ما استطاع ان ينطقه في صوت منهك متحشرج: - فين الظرف اللى كان في چيبى..!؟.. فين وصية مختار باشا..!؟..
اندفعت زينة تسلمه ذاك الظرف الذى وجدوه في جيب سترته مدرج بالدماء..

قبض على الظرف و ضمه لصدره مستطردا في وهن.. رچعونى النچع.. عايز ارچع بلدنا..
لينظر كل من حازم و زينة لبعضهما و لم يكن بوسعهما الا الازعان لطلبه و قد اومأ كل منهما برأسه إيجابا...ليستكين هو مغمضا عينيه مرة أخرى محاولا الاسترخاء و قد أدرك ان موال تيهه ووجعه قد أوشك على الانتهاء...
تمت
الجزء التالي
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث بقلم رضوى جاويش


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 03:09 صباحاً   [41]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش

هناء القلوب رحلة طويلة من الالم و المحبة.. العشق و الوجع.. الفراق و اللقاء.. فهل بعد تلك الرحلة سيكون لتلك القلوب المنهكة فرصة للبوح واعتزال النوح!؟
فصول رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الأول

تهادى ذاك الصوت الرخيم لمؤذن المسجد القريب من الدار ليصل لمسامعها التي ارهفت السمع جيدا و هي تنفض عنها بقايا نعاس لازال عالقا بأجفانها ..
نفضت عنها غطاءها رغم برودة الطقس و اعتدلت في بطء جالسة على طرف فراشها ..
هتفت الخالة بخيتة لمن تتدثر على الفراش المقابل بطبقات متعددة من الغطاء :- سَكينة .. انتِ يا ولية .. الفچر أدن .. جومى صلى ..

همهمت الحاجة سكينة ام يونس من تحت غطائها و لم تحر جوابا شافيا يريح بخيتة التي عادت لتكرر نداءها هاتفة بصوت اعلى :- جومى يا ولية خدى بيدى للحمام .. جومى اتوضى و وضينى معاكِ .. اعملى حاچة لأخرتك يا بعيدة ..
انتفضت سكينة من تحت فراشها هاتفة بخنق :- انتِ مش هتبطلى يا ولية الغاغة بتاعت كل ليلة دى .. ارحمينى و سبينى اتخمد و روحى انتِ صلى و سبينى ف حالى ..

و تأففت و هي ترفع الغطاء مرة أخرى على وجهها .. تحسست بخيتة طريقها حتى وصلت لفراش سكينة و ما ان وصلت لأطرافه حتى جلست بتؤدة و بدأت في هز جسد سكينة بغية اثارة غيظها هاتفة :- سكينة .. جومى يا مرة سندينى للحمام و ارچعى تانى اتخمدى ..
هتفت سكينة من تحت غطائها في حنق :- يا ولية انتِ فاكرة نفسك عامية صحيح !!.. دِه انتِ بتشوفى اكتر مننا كلنا .. بطلى كهن بجى ..

همست بخيتة محاولة استمالتها :- الحج عليا عايزاكِ تبجى معايا ف الچنة ..
انفجرت سكينة بتهكم :- چنة..!! معاكِ!!.. لااااه متشكرين .. چهنم ارحم ..
انفجرت بخيتة مقهقهة :- وراكِ وراكِ .. دنيا و اخرة .. غصبًا عنيكِ.. جومى بجى ..
هتفت سكينة بغيظ :- اللهم طولك يا روح ..

تابع كل من يونس و كسبانة ذاك النزاع اليومى و هما يمران بغرفة الخالة بخيتة و سكينة امه و التي احتلتها ما ان وصلت للمعيشة معهما بعد وفاة اختها لتصبح رفيقة بخيتة فى تلك الغرفة ..
همست كسبانة ليونس :- امك و خالتى بخيتة بيتعاركوا زى كل ليلة ..
ابتسم هامسا :- اديكِ جلتيها زى كل ليلة .. و هاتنتهى برضك زى كل ليلة.. اسمعى كِده ..

و ارهفا سمعهما و بخيتة تهتف :- هتروحى النار يا بعيدة .. جومى صلى ..
هتفت سكينة :- ملكيش صالح .. و يكون ف علمك هدخل الچنة جبل منيكِ .. ايه رأيك بجى ..!؟..
هنا نظر يونس مبتسما لكسبانة التي كادت ان تنفلت منها قهقهة على ذاك الحوار الدائر بداخل الغرفة ..
و تنبها للخالة بخيتة و هي تخرج من الحجرة تتلمس طريقها متحسسة الحوائط التي تحفظها عن ظهر قلب مما دفع يونس ليتنحنح هاتفا :- صباح الخير يا خالة بخيتة .. تعالى أسندك للحمام تتوضى ..

هتفت بخيتة :- فيك الخير يا ولدى .. الحمد لله منتش طالع لأمك ..
ابتسم يونس و لم يعلق لتستطرد بخيتة هاتفة :- روح صحى ولادك يصلوا هم كمان خلى البيت يتملى بركة و خير ..
هتف يونس لكسبانة التي كانت تتبعهما:- تعالى يا كسبانة ساعدى خالتى و انا هروح أصحي حامد و حمزة ..خليهم يصلوا و كل واحد يشوف مصالحه ..
اومأت كسبانة برأسها إيجابا و هي تندفع تساعد بخيتة بينما توجه هو لغرفة ولديه لإيقاظهما ..

صدح نفير السيارة عدة مرات في فرحة معلنا وصوله أخيرا مما جعلها تندفع على الدرج في لهفة لتكون الأولى التى تراه بذاك الزى العسكرى الذى حلم طوال عمره بأرتدائه و ها هو اليوم يحقق حلمه و يعود لها بعد حفل تخرجه يرتدى الزى العسكرى لضباط القوات المسلحة و يضع تلك النجمة الذهبية المتألقة على كتفيه ..

وصلت أخيرا لباب السراىّ حتى ظهر أخيرا مندفعا من السيارة تجاهها و ما ان رأها حتى اندفع بإتجاهها حاملا إياها عن الأرض يدور بها في سعادة
و شوق لأحضانها هاتفا :- وحشتينى يا ست الحبايب ..
هتفت زهرة مقهقهة :- نزلنى يا ماجد ميصحش كده ..

انزلها ممتعضا و هو يهمس في خبث:- متخافيش كده الحاج عاصم شكله مش موجود .. يعنى مش هيقيم علينا الحد ..
انفجرت زهرة ضاحكة لمزاحه :- اه لو سمعك ليعلقك ف الشجرة زى زمان .. فاااكر ..!؟..
زم ماجد ما بين حاجبيه مدع الحنق هاتفا :- لااا بقى .. انا بقيت ملازم اول قد الدنيا.. و البدلة دى ليها احترامها على فكرة ..
هتف صوت جهورى من خلفه :- انت و بدلتك هتتعلجوا زى زمان و لا يهمنى .. تحب تچرب .. !؟..

انتفض ماجد متوجها بكليته حيث يقف ابيه هاتفا و هو يؤدى التحية العسكرية في اكبار :- عاصم باشا .. انا تحت الطلب و سرعة التنفيذ يا فندم .. هو انا اقدر ..
فتح عاصم ذراعيه ليتلقف ولده في سعادة غامرة فها هو يراه امام ناظريه ضابطا ملء العين .. ربت على ظهره في قوة و عزم هاتفا في حبور :- حمد الله بالسلامة يا حضرة الظابط .. اتوحشناك ..

قبل ماجد ظاهر كف ابيه في تأدب هاتفا :- و الله يا حاج عاصم كلكم وحشتونى .. امال فين سندس و مهران ..!؟..
هتفت زهرة :- مهران ف مناحل العسل هبعت حد يبلغه وصولك .. ده مأكد عليا لما توصل ابلغه .. اما سندس يا سيدى ف الجامعة مقدرتش تأجل مشوارها .. الدكتور المشرف على رسالتها طلبها ضرورى .. بس قالت لى انها مش هتتأخر ..
اكد ماجد :- طيب كويس .. انا عايز بجد أقضى كل دقيقة معاكم عشان يا دوب الإجازة تمانية و أربعين ساعة بس..

هتفت زهرة مستنكرة :- ايه ..!؟.. يومين بس ..!؟..
هم ماجد بالشرح حتى يمتص حنقها الا ان عاصم هتف مستنكرا حنقها :- واااه يا زهرة .. هو بجى ملك نفسه .. لااه .. اتعودى على كِده بجى.. دِه هايبجى حاله من هنا و رايح.. و لا ايه يا حضرة الظابط ..!!
هتف ماجد ممازحا أبيه:- الله عليك يا حاج عاصم يا جامد انت .. كلام اخر حاجة .. نشنت ف السوادة يا عصومى ..

و ما ان نطق كلمته الأخيرة حتى استدرك خطأه فاندفع حتى لا تطاله عصا ابيه التي رفعها لتوه حتى يضربه لتشهق زهرة واضعة كفها على فمها تمنع قهقهة قد تخرج غصبا عنها و عاصم يهتف حانقا :- طب يا جليل الحيا .. أدبك عليّ .. بس ادب ايه و انت بجيت طولى و ظابط كمان!؟.. انا عارف جبلوك ازاى ف الحربية و انت هايف كِده ..

هتف ماجد ممعنا ف أغاظة ابيه :- هم كانوا هيلاقوا زيي يا حاج .. ده انا محصلتش و لا هحصل و الله ..
ثم قرر مهادنة ابيه فاستطرد مادحا :- و بعدين ميقبلونيش ازاى ..!؟.. ده انا ابن عاصم مهران الهوارى بجلالة قدره ..

انتفخت أوداج عاصم لمدح ولده و نسى ما كان منه منذ لحظات مما دفع القهقهات على شفتى زهرة التي كانت تتابع المشهد بين ولدها الحبيب اخر العنقود و زوجها .. رفيق الدرب و حب العمر .. لتنهض أخيرا لتؤكد على افخر غذاء يمكن اعداده من اجل عيون حضرة الضابط .. ليهتف عاصم لولده و هو ينهض مغادرا:- اطلع استريح لك شوية جبل الغدا و متنساش تعدى على ستك تبوس على راسها .. هِم ياللاه ..

رفع ماجد كفه بالقرب من جبينه بتحية عسكرية صارمة لوالده و هو يغادر هاتفا في مرح :- عُلِم و ينفذ يا عاصم باشا ..
ابتسم عاصم لمزاح ولده و غادر السراىّ بينما اندفع ماجد يعتلى الدرج في نشاط قافزا الدرجات مثنى و ثلاث حتى وصل لغرفة جدته فضيلة التي طرق على بابها عدة مرات و لم يتلقى جوابا بقبول الدخول كالعادة .. فمنذ ضعف سمع جدته و اصبح هذا هو المعتاد منها .. فتح باب الغرفة في هوادة متطلعا منه بقمة رأسه فرأها تجلس على مقعدها الأثير الذى لا تغادره الا للانتقال الى الفراش للنوم..

هتف محييا إياها يرفع من صوته قدر الإمكان حتى يتسنى لها سماعه :- السلام عليكم يا ستى .. ازيك ..!!
تنبهت الحاجة فضيلة لذاك الظل الذى ظهر في مجال رؤيتها و رفعت رأسها المنحن تستطلع القادم ..
تقدم اليها ماجد منحنيا يقبل قمة رأسها
هاتفا :- عاملة ايه .. اتوحشتك جووى..

عاد يتحدث بلكنته الصعيدية معها كما كانت تؤكد عليه دوما .. فهى كانت تسخر منه عندما يتحدث بلكنة مصراوية على حد قولها ..
نظرت الحاجة فضيلة اليه في تعجب متحسسة سترته العسكرية و هتفت بعدم تصديق :- الزعيم چمال عبدالناصر !؟..
انفجر ماجد مقهقها غير قادر على كتمان ضحكاته و ما ان هدأ قليلا حتى هتف نافيا في مرح :- چمال عبدالناصر مين بس يا ستى !؟.. انا ماچد واد ولدك ..

تنبهت الحاجة فضيلة هاتفة :- وااه .. دِه انت ماچد واد عاصم ولدى صح .. بس ايه اللى انت لبسه دِه يا واد .. لبس العيد جابوههولك بدرى .. و لا كن العيد چه و انى اللى مش دريانة!؟..
انفجر ماجد مقهقها من جديد حتى دمعت عيناه و هتف مستنكرا :- عيد ايه .. و لَبْس عيد ايه يا ستى .. انا بچيت ظابط كد الدنيا ..
و انحنى مستندا على احدى ركبتيه ليكون في محازاة مجلسها هاتفا :- ظابط ف الچيش يا ستى ..

و امسك بكفها يضعه على سترته تتلمس النجمة الوحيدة على كتفيه و بعض الشارات العسكرية الأخرى على ذراع و صدر بدلته الزيتونية اللون ..
ابتسمت الحاجة فضيلة و قد ادركت الحقيقة أخيرا و دمعت عيناها .. فأخذت تتلمس وجه حفيدها في فخر :- بِسْم الله ما شاء الله .. كبرت و بچيت ظابط كد الدنيا يا ماچد .. ربنا يحميك و يحفظك يا ولدى ..

ابتسم ماجد لها في محبة طاغية و احتضن كفها ملثما و هو يهمس لها :- امين يا ستى .. يحفظنا كلنا بحفظه
و استطرد مشاكسا كعادته :- يحفظنا بفضل دعواتك .. يا فضيلة انتِ يا چمر ..
انفجرت الحاجة فضيلة مقهقهة على مزاح حفيدها الأثير لقلبها .. و الذى قبل جبينها و غادر الغرفة محييا متبوعا بدعواتها المباركة ..

تمطع المعلم خميس في فراشه متثائبا و استدار مواجها نعمة زوجه هازا إياها برفق ليوقظها هامسا :- نعمة .. يا نعمة .. قومى حضريلى الفطار عشان ألحق القهوة ..
همهمت نعمة في كسل :- قوم خلى شيماء تحضرهولك تلاقيها صحيت ..
ابتسم خميس ساخرا :- دى مين دى اللى صحيت ..!؟.. شوشو .. دلوعتك
اللى مش بتخليها تشيل النسمة من ع الأرض ..

استدارت نعمة تواجهه مستأسدة تدافع عن ربيبتها :- ايوه دلوعتى ..ليك شوق ف حاجة .. !؟.. دى شوشو دى ست البنات ..
ضحك خميس و هو ينهض من فراشه متناولا منشفته من مشجبها مغادرا الغرفة هاتفا :- ماشى ياختى .. خليكِ كده مدلعاها و محدش بعد كده هيعرف يكلمها .. و الله دى لو بنتك صح مكنتيش دلعتيها كده !؟..

تنبه خميس لخطئه قبل ان يفتح باب الغرفة مغادرا للحمام ليترك مقبض الباب عائدا حيث جلست نعمة على طرف الفراش صامتة ..
ما ان هم بالكلام حتى بادرته هي قائلة بنبرة كلها شجن :- ما هي بنتى يا خميس ..بنتى زى ما ناصر و نادر ولادك ما هم ولادى .. زى ما حازم بن بدور و زكريا ما هو ابنى ..

بس شيماء حاجة تانية .. فاكر يوم ما حطيتها بين درعاتى حتة لحمة حمرا بعد موت اختك و جوزها الله يرحمهم و قلت لى ربنا بعتهالك يا نعمة زى ما يكون كان عارف قد ايه نفسك ف بنت .. و جت شيماء و بقت روح قلبى و مش بحمل عليها النسمة يا خميس تبقى بنتى و لا مش بنتى..!؟..
تنهد خميس و انحنى يقبل جبينها معتذرا بمرح :- بنتك و نص كمان و اللى يقول غير كده يبقى مبيفهمش و بن..

اندفعت نعمة مبتسمة لمزاحه واضعة كفها على فمه تمنعه الاسترسال في السباب هاتفة :- خلاص يابوخميس .. يا اللاه على الحمام على بال ما احضر لك الفطار ..
ابتسم فما ان يسمعها تناديه ابوخميس حتى يعلم انها راقت و ما عادت غاضبة منه ..

ابتسم مغادرا الغرفة لتنهض هي خلفه تتثاءب طاردة بقايا نعاس عالق بأجفانها و هي تسير الهوينى عبر الرواق الطويل المفضي للردهة الواسعة حيث مدخل البيت ..لتنظر الى ربيبتها المسرعة الخطى و التى اندفعت توارب ضلفة نافذة الصالة فى تلك الساعة المبكرة من الصباح لعلها تلمحه يغادر من منزل امه كعادته يوميا يسير بتلك العنجهية و الخطوة العسكرية التى تعشقها و تلك التكشيرة الميرى التى تعلو ملامح وجهه الوسيم الذى ينضح رجولة ..

تنهدت و هى تتذكر ملامحه و هى تضع كفها المضمومة تحت خدها فى انتظار مغادرته .. لم تطل جلستها فها هو يظهر على اعتاب المنزل و رغم ان النهار لازال فى مطلعه الا انه وضع نظارته الشمسية التى تزيده وسامة و انتفضت هى فى مجلسها لمرأه و بدأت نبضات قلبها فى التزايد المضطرد المعتاد لطلته عليها..

غابت عن الدنيا تلك اللحظات و هى تراه يقف ليلقى التحية و يتحدث مع بعض المارة من اهالى الحارة حتى انها لم تع لصوت أمها نعمة تظهر على اعتاب الصالة خارجة من غرفة نومها لإعداد الفطور للمعلم خميس قبل نزوله للمقهى ..
تبسمت نعمة فى ود هاتفة :- يا بت انت مش هتبطلى قعدتك كده كل طلعة صبح ..!؟..

انتفضت شيماء مذعورة على صوت زوجة خالها التى ربتها كأمها :- خضتينى ياما .. فيها ايه لما اقعد اشم شوية هوا .. مش كفاية انى من ساعة ما خدت الدبلوم و انا قاعدة ف البيت مخنوقة لا شغلة و لا مشغلة ..
ابتسمت نعمة بخبث محبب :- اه .. مفيش شغلة الا الطلّة الميرى .. هااا!!..
و بدأت نعمة فى الغناء مازحة بأغنية قديمة مخصصة للضباط :- يابو الشريط الأحمر ياللى .. اسرتنى ارحم ذلى ..

انفجرت شيماء ضاحكة و هى تندفع تحتضن نعمة فى سعادة :- اه ياما .. عليه تكشيرة ميرى .. محصلتش ..
و تنهدت فى وله .. جعلت نعمة تضربها على كتفها فى محبة هامسة :- طب وطى صوتك يا حلوة عشان ابو تكشيرة عسل ..وصَل اهو..
لمحت نعمة بن زوجها البكرى و ربيبها ناصر قادم من اخر الرواق بعد ان خرج من الحمام ..
همست شيماء :- ده تكشيرته عسل!؟.. ياباى ده صوت كحته الصبح بيوقع البياض من ع الحيطان .. و لا شخطته شبه الفرامل لما تعلق فالعربية تعمل حادثة..

انفجرت نعمة ضاحكة على تشبيهات شيماء و التى اندفعت تجلس أمام النافذة من جديد تتأكد ان فارسها لم يرحل بعد .. و عندها وصل ناصر على اعتاب الصالة ليلمح شيماء جالسة فى ذاك الركن المقيت تتطلع من تلك النافذة التى يود لو أغلقها بألف سد حتى لا تطل منها من جديد ..
سعل بقوة لتنتفض هى مكانها تنظر اليه شذرا ليهتف هو فى نذق :- قومى يابت انت بدل قعدتك اللى ملهاش لازمة دى اعمليلى كوباية شاى و حضرليلى الفطار ..

نهضت على مضض تنفخ فى غيظ .. فهتف هو بصوت جهورى :- كان فى حاجة ان شاء الله عطلناكِ عنها ..!؟..
اندفعت شيماء للمطبخ لتقابل نعمة هاتفة بغيظ و بصوت خفيض :- شايفة .!!.. شايفة عمايله .. و الله لقايلة لخالى..
و على ذكر خالها هتف المعلم خميس و هو يطل بدوره من غرفة النوم موجها كلامه لإبنه البكرى ناصر :- خبر ايه يا ناصر ..!؟.. مفيش مرة نصحى على صوت غير صوتك اللى يشجى ده ..!؟.. و مش هتبطل مناقرة يوماتى مع بت عمتك ..!؟..

هتف ناصر بصوته الجهورى :- ما هى اللى مش على بعضها كده و طول اليوم قاعدة قدام الشباك و سايبة امى الغلبانة تقوم بشغل البيت كله و هى مش فالحة الا ف الزواق و المسخرة ..
هتفت نعمة و هى تضع أطباق الافطار على المائدة قبالتهما :- ملكش دعوة انت ..محبب على قلبى .. هو انا كنت اشتكيت لك ..!؟..
هتف ناصر :- و هى ايه ..!؟.. برنسيسة ..!؟.. ما تعمل لها حاجة مفيدة بدل قعدتها دى قدام الشبابيك او المراية .. تعمل بلقمتها ..

انطلقت الكلمة الاخيرة كقنبلة دوت و ساد بعدها الصمت الرهيب الذى ما قطعه الا نظرات المعلم خميس و نعمة لبعضهما ثم لمكان تواجد شيماء حتى يتأكدا انها لم تسمع تلك الكلمة الاخيرة و لكن للاسف سمعتها و وقفت تتطلع إليهما و لم تجرؤ على التفوه بكلمة .. بل اندفعت لحجرتها و اغلقت بابها خلفها فى صمت و ما ان أعاد كل من المعلم خميس و نعمة أنظارهما لإبنهما ناصر لائمين حتى تعجبا لأنهما لم يجداه مكانه بل كل ما جاء إليهما الان هو صوت اغلاقه باب حجرته فى عنف ..

لترتفع طرقات موازية على باب الشقة معلنة قدوم احدهما ..
هتف خميس متعجبا :- و ده مين اللى هايجى بدرى قووى كده ..!؟..
و نهض يفتح الباب و هتف في سعادة ما ان طالعه وجه حازم :- اهلًا يا حضرة الظابط اتفضل .. حماتك بتحبك .. تعال أفطر معانا ..
دخل حازم في هدوء هاتفا بتأدب :- تسلم يا معلم .. سبقتكم .. بالهنا و الشفا..

جلس المعلم خميس على المائدة يتناول أولى لقيمات إفطاره عندما توجه حازم بالحديث لنعمة هاتفا :- معلش يا خالتى.. انا مسافر يومين إسكندرية و الشقة بقالها بدرى متنضفتش .. جيبى حد ينصفهالى على بال ما ارجع ..
هتفت نعمة و هي تتناول مفتاح شقة حازم و التي كانت يوما لأمه بدور هاتفة :- من عينايا يا حبيبى .. متشلش هم قبل ما ترجع هتكون زى الفل ..
ابتسم حازم في تأدب :- تسلمى يا خالتى .. بس بقولك ايه .. تجيبى حد .. أوعى تتعبى نفسك انت ..

هنا ظهرت شيماء على باب غرفتها مندفعة في رعونة :- انا اللى هنضفها يا حضرة الظابط ..
هتف في هدوء :- ازيك يا آنسة شيماء..
هزت رأسها مؤكدة على انها بخير و احمرت وجنتاها و هي تدرك انها خرجت من حجرتها باندفاع غير محسوب ..
قطع تسلسل افكارها هاتفا :- لا انت و لا خالتى نعمة .. تجيبوا حد ينضفها و لو عرفت ان حد فيكم تعب فيها .. انا هجيب حد بمعرفتى بقى ..

أكدت شيماء هاتفة :- بس مفيش تعب و لا حاجة .. ده احنا نخدمك بعنيتا يا حازم بيه ..
هنا تدخل ناصر الذى ظهر على اعتاب الردهة حيث يقف الجميع هاتفا في شيماء بثورة :- انتِ واقفة تتسايرى و معملتيش الشاي و الفطار عشان انزل .. غورى اعمليهم ياللاه ..
اندفعت شيماء للمطبخ في حنق و هي تكاد تبكى قهرا مما فعله ناصر امام حازم ..

و استدار ناصر بعد رحيلها مادا كفه لحازم هاتفا :- ازيك يا حازم بيه .. عامل ايه !؟..
ابتسم حازم مؤكدا :- الحمد لله .. كله تمام ...بس انت مش هتبطل بقى موضوع حازم بيه ده ..!؟.. ده انا اخوك الصغير و ياما انا و نادر كلنا علق منك .. فاااكر..!؟
ابتسم ناصر احدى ابتساماته النادرة هاتفا :- اكيد فاكر بس برضة العين متعلاش عن الحاجب يا حضرة الظابط..

تنهد حازم و هو يعلم انه لن يستطيع اثناء ناصر عن أسلوبه الرسمي في التعامل معه منذ قدم الى الحارة بصحبة ابيه متضررا ليكتشف انه ما كان سيُصبِح حازم الهوارى الذى هو عليه الان الا بمعيشته وسط أهل هذه الحارة التي كان أهلها اهلًا لامه ذات يوم و احتضنوا ابيه عندما كان غريبا و التي على الرغم من انه يستطيع الانتقال عنها لمكان اكثر رقيا الا انه رفض ذلك و فضل البقاء فيها يعيش في بيت امه في شقتها بالتحديد و يترك الشقة الأخرى لبعض الطلبة الغير قادرين على دفع تكلفة الإيجارات العالية لشقة تأويهم اثناء فترة دراستهم بالقاهرة ..

هتف حازم معلنا استسلامه :- اخبار ورشتك ايه !؟...شغالة تمام .. !؟..
اكد ناصر بجدية :- الحمد لله زى الفل..
كان حازم يعلم ان ناصر من النوع الجدى ف التعامل بل ان كلاهما من نفس النوع .. كلاهما جدى لا يقبل الحال المائل و لا يحب الميوعة او التهاون ..
هتف حازم وهو يهم بالرحيل :- الحمد لله .. يا رب على طوول .. و لو احتجت لأى حاجة انا ف الخدمة ..
هتف ناصر ممتنا :- تسلم يا حازم بيه شيلينك لعوزة ..

ألقى حازم التحية و غادر ليجلس ناصر على الطاولة قبالة ابيه الذى ظل يتناول إفطاره في استكانة و لم ينبس بحرف بينما هتف ناصر بصوت جهورى لشيماء التي كانت لاتزل قابعة بالمطبخ تقذف بالأوعية و الاوانى في ضيق :- فين الشااااى !؟
لتقفز في ذعر مكانها و هي تلعن ذاك الذى يصرخ بالخارج و اخذت تتمتم ببعض السباب تخرج فيه غلها بالتلازم مع ضحكات نعمة التي كانت تنظر اليها تحاول ممازحتها و امتصاص غضبها ..

اندفع مهران من باب السراىّ باحثا بعينيه عن أخيه الأصغر الذى كاد يذوب شوقا لرؤيته و ما ان علم بوصوله حتى أتى مسرعا لملاقاته
هتف مهران في لهفة :- انت فين يا سيادة اللوا ..!؟..
اندفع ماجد من غرفة جدته فضيلة مهرولا على الدرج في لهفة صارخا بصوته الجهورى الذى تقطر نبراته مرحا :- أبو مهران .. حبيبى ..

ألقى ماجد نفسه بين ذراعىّ أخيه الأكبر في شوق يربت كل منهما على كتف الاخر في قوة مستوحشا غيابه
جذب ماجد نفسه من بين أحضان أخيه هاتفا :- وحشتنى يا شقيق .. اخبارك ايه يا حاج مهران .. زييين !؟..
انفجر مهران ضاحكا و هاتفا في أخيه:- لا بص بجى .. انت تركز كِده و تحدد هتتكلم ايه ف اليومين اللى انت جاعدهم هنا .. صعيدى و لا قاهرى احسن ستك فضيلة هي اللى هتعلجك ف الشجرة بنفسها ..

انفجر ماجد ضاحكا :- على قولك .. الا ستى فضيلة .. كلامها على راس الكل و أولهم ابويا .. ربنا يديها الصحة
ثم هتف ماجد و كأنه تذكر امر هام :- بقولك ايه يا شيخ .. انا رايح لعمتى سهام اسلم عليها و على تسبيح .. تيجى معايا ..!؟..
و ابتسم ماجد متخابثا :- اكيد ده المشوار الوحيد اللى مش هتقول فيه لااا .. و لا ايه ..!؟..
دارى مهران ابتسامة كادت تقفز على شفتيه و هتف محاولا تصنع الجدية :- مااااجد .. الحاچات دى مفيهاش هزار.. انت عارفنى ..

هتف ماجد مازحا :- ما هو عشان انا عرفك يا شقيق بقولك اهو .. و ابتسم متطلعا اليه من جديد في شقاوة مستطردا :- تيجى .. و لا ايه ..!؟..
و اندفع متصنعا الرحيل دونه هاتفا :- انا بقول اروح لوحدى و ابقى روح انت بقى ف وقت تانى ..
هتف مهران مندفعا خلفه :- لاااه .. استنى هاچى معاك ..
انفجر ماجد مقهقها و هو يتطلع لاخيه هاتفا في تأنيب مازح :- ما قولنا كِده من الأول .. عد الجمايل بقى ..

دفع مهران ماجد من كتفه ليسير أمامه هاتفا في سعادة لا يستطع اخفاءها رغم خشونته .. :- طاب ياللاه يا حدج ..
انه ذاهب لرؤيتها .. رؤية تسنيم و سماع صوتها و التي ما ان طلب يدها و تأجل الارتباط حتى تنهى دراستها و هو ينتظر على احر من الجمر انتهاءها حتى يعيد الطلب من جديد لتبقى بقربه العمر كله ..

هتف ماجد مخرجا إياه من خضم أفكاره مازحا و هو يعدل من هندامه بعد دفع أخيه له :- لاااا .. الا البدلة العسكرية .. دى فيها محاكمة ..احترمنى شوية بقى .. حتى عشان خاطر الغالية دى ..
انفجر مهران مقهقها و هو يسير بجوار أخيه يسبقه الشوق لبيت المحبوب ..

تقدم ذاك الظل المتوارى في ظلمة المكان ليقف في منطقة منيرة جعلته ظاهرا لزكريا الذى كان يجلس على كرسيه المدولب في ترقب ينتظر معرفة صاحب ذاك الظل الذى لا يعرفه لكنه ما ان ظهرت ملامحه جلية عبر ذاك الضوء الذى انار المكان فجأة حتى هتف زكريا في سعادة غامرة راغبا في القفز من كرسيه هاتفا في لهفة :- مختار باشا ..!!.. اتوحشتك ..

هتف مختار في ضيق :- بجد يا زكريا .. وحشتك بجد ..!؟.. طب فين وصيتى اللى وصيتك بيها .. شكلك نستنى يا صاحبى .. !؟..
هتف زكريا صارخا :- لاااه .. و الله ما حصل .. كيف أنساك و أنسى وصيتك اللى ما بتفارجنيش ليل و لا نهار من ساعة اللى چرى .. وصيتك ف الحفظ و الصون يا مختار باشا .. و عهد عليا ليوم الدين ..
هتف مختار:- يعنى هتنفذها يا زكريا!؟..

اكد زكريا بحماس :- ايوه .. اكيد يا مختار باشا ..
ابتسم مختار و استدار راحلا في هدوء ..
لينتفض زكريا من فراشه غارقا في عرقه يلتقط أنفاسه في تتابع متلفتا حوله حتى يتأكد انه بالفعل يحلم ..
انتظمت أنفاسه أخيرا و وضع قدمه ببطء خارج فراشه و تناول عصاه يتكئ عليها حتى يستطيع النهوض ..

ثلاث سنوات خلت منذ حادثة اللواء مختار السداوى.. ثلاث سنوات خلفت له المزيد من الألم لفراقه و المزيد من الوجع .. اصابته تلك التي عانى منها لفترة طويلة بعد ان طالته رصاصة بقدمه جعلت منه قعيد لفترة ليست بالقصيرة على ذاك الكرسى المدولب المنزوى بأحد أطراف الغرفة و الذى يكره استخدامه الا للضرورة القصوى فهو ما عاد يريد حتى رؤيته و حمد ربه انه الان يستطيع ان يسير على قدميه حتى و لو بمساعدة تلك العصا التي يستند عليها في خطواته المتمهلة قليلا عن ما اعتاده ..

تنهد في ضيق و اتجه لخزانة ملابسه يفتح احد ادراجها لتمتد كفه لسترته التي كان يرتديها يوم الحادث و التي اصر على الاحتفاظ بها و اخرج منها تلك الورقة المطوية المدرجة بدمائه
فضها تجرى عيناه على الأسطر المرسومة بقلم صديقه و شريكه مختار و التي كان يوصى له فيها بإدارة كل أملاكه ثم توقفت عيناه على السطور الأخيرة و ذاك الجزء من الوصية و الذى لم ينفذه بعد و ربما كان هو سبب حزن صديقه و زيارته له مؤنبا في منامه ..

تطلع لتلك الأسطر و تنهد هامسا لنفسه :- الظاهر ان وجتها جه و لازما نتمموا الموضوع دِه جريب ..
طرقات على الباب أخرجته من خواطره ليعيد الوصية حيث كانت بداخل سترته و يغلق الدرج هاتفا بمن بالباب سامحا له بالدخول ليهتف في سعادة ما ان طالعه محيا حازم :- حضرة الظابط .. اتوحشتك ..

اندفع حازم محتضنا والده في شوق هاتفا :- ازيك يا بابا .. اخبار صحتك ايه ..!؟..
و مد كفه ليستند عليها زكريا بجانب عصاه ليستقر على احد المقاعد القريبة هاتفا في حازم بلهجة جدية :- سيبك من صحتى دلوجت وتعال اجعد عايزك ضرورى ..

جلس حازم مترقبا في صمت و لم يعقب لكن الاهتمام الجلى ظهر واضحا من خلال تقطيبة حاجبيه التي نادرا ما تفارقه و التي زادت حدتها قليلا عن المعتاد مما دفع زكريا ليستطرد هاتفا :- فاكر وصية عمك مختار ..!؟..
صمت حازم و اومأ برأسه موافقا و بدأت تعابير وجهه تتبدل فأردف زكريا :- ايه جولك ننفذ اللى اتفجنا عليه .. أظن الوجت خلاص بجى مناسب .. و لا ايه ..!؟..

هتف حازم في عدم اكتراث :- اللى تشوفه يا بابا .. مفيش مشكلة .. عمى مختار كان ليه دين ف رقبتى و لازم اوفيه بأنى أريحه .. و اعتقد مفيش مشكلة خلاص ف التوقيت ..
ابتسم زكريا في بشر هاتفا :- يبجى على بركة الله .. انت راچع شغلك امتى من غير شر ..!؟..
امد حازم :- بإذن الله بعد بكرة ..
هتف زكريا في سعادة :- يبجى تمام .. نتمم الموضوع بكرة بالمشيئة ..
و ربت على كتف ولده في سعادة ..


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 03:10 صباحاً   [42]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الثاني

صرخت تسنيم في اختها تسبيح و هي تراها تتمادى في تصوير نفسها بكاميرا جوالها بهذا الشكل الهستيري
و اندفعت اليها متزمرة :- كفاية يا بنتى .. ارحمى نفسك من السلفى اللى طول الوجت شغالة فيه ده ..
هتفت تسبيح في لامبالاة :- و ايه اللى فيها يعنى ..!؟.. شايفة نفسى حلوة و عجبانى .. متصورش ليه ..!؟..
ابتسمت تسنيم لأختها الصغرى في محبة و هتفت في سعادة :- طبعا حلوة .. حلوة و زى الجمر كمان ..

كانت دوما ما تبتعد عن إشعار تسبيح ان عاهة قدمها لها اى تأثير على مجمل جمالها الشكلى و دوما ما كانت تحرص على الابتعاد عن اى مقارنات في ذاك الصدد بل كانت دوما ما تدعم ثقتها بنفسها و تؤكد على تلك الحقيقة.. انها جميلة بل رائعة متناسية تماما تلك الميلة الخفيفة التي تظهر مع مشيتها و التي تكون اقرب للعرج عندما تسرع الخطى ..

كانت تسنيم حريصة كل الحرص على ان لا ينل اختها اى إشارة من قريب او بعيد لذاك العيب الجسدي فيها و الذى لايزل يؤثر بشكل كبير على نفسية تسبيح حتى و لو لم تظهر ذلك و تسلحت بالروح المرحة و الدعابة التي تتحلى بها ..
انتفضت تسبيح صارخة في سعادة و هي تتطلع من نافذة حجرتهما عندما طالعها شبحان بالقرب من باب دراهما لتهتف في سعادة :- ماچد رچع يا تسنيم و لابس البدلة العسكرية ..

و هتفت في خبث و هي تندفع قدر استطاعتها بإتجاه طاولة الزينة تعدل من وضع حجابها على رأسها :- و مش هتصدجى مين معاه ..!؟..
غمزت بعينها هامسة في نبرة مدلهة:- الشيخ مهران بچلالة جدره أتشرف و زار دارنا ..
انتفضت تسنيم عندما رن اسم مهران على مسامعها لتهتف غير مصدقة مستديرة بكليتها لتواجه اختها :- انتِ بتتكلمى چد ..!؟..

اكدت تسبيح و هي تندفع لفتح باب الغرفة هاتفة :- انا نازلة اسلم على ماچد .. و استطردت مشاكسة اختها التي اصبح وجهها يكسوه الحمرة من شدة الاضطراب و الخجل :- هااا .. هتنزلى معايا .. و لااا انزل لوحدى..!؟..
هتفت تسنيم في لهفة :- لااه .. خدينى معاكِ .. انا مش هجدر ادخل عليهم لوحدى ..

انفجرت تسبيح ضاحكة :- خلاص هستناكِ ..تلاقيه هو كمان مش جاعد على بعضه تحت .. و ف الاخر تجعدى انت وشك ف الأرض و هو بيغض بصره و معرفش إنتوا داخلين تشوفوا بعض ليه من أساسه ..!؟..
اضطربت تسنيم هاتفة :- بس بقى اجعدى ساكتة متوترنيش اكتر ما انا متوترة ..

كان مجرد تفكيرها في انها ستراه بعد دقائق بعد فترة طويلة لم يطالعها محياه و لم تتكحل عيناها برؤياه جعلت دقات قلبها تتضاعف بشكل غير طبيعى و قدرتها على إلتقاط أنفاسها بإنتظام أصبحت مضطربة و تشى بما يعتمل داخلها من فوضى مشاعر لا تعرف كيف تسيطر عليها أو تتحكم بها...
وصلتا لباب القاعة التي يُستقبل بها الضيوف و دخلت خلف تسبيح التي هتفت في سعادة و بأريحية :- حمدالله ع السلامة يا حضرة الظابط .. نچومك نورت اهى .. !؟..

انفجر ماجد ضاحكا :- غصب عنك منورة و هتفضل .. عشان تعرفى بعد كده انتِ بتتكلمى مع مين ..!؟..
كان ماجد و تسبيح يتبادلان المزاح كعادتهما بينما دخلت تسنيم في خطى وئيدة خلف تسبيح لتهتف بالتحية في صوت متحشرج كساه الخجل حتى أغرقه .. و مدت الطرف للحظة الى ذاك الذى ملك الفؤاد منذ وعت ان لها خافقا ينبض و ما ان رفعت نظراتها حتى تقابلت بنظراته التي ما عاد بإمكانه السيطرة على جموحها و فرض غضها الطرف عن محيا تلك التي تسلب وقاره دونما أدنى جهد يذكرمن قبلها .. يكفيها ان تطل عليه حتى يطيش صوابه و يشعر ان الدنيا ما خلقت الا لتجمعهما كروح واحدة حلت في جسدين ..

ظلا على حالهما من الوصل الصامت الصاخب ذاك و الذى لا يستشعر صخبه الا كلاهما حتى انتفض ماجد محييا رغبة في الرحيل لتتمهله تسبيح قليلا الا انه اكد على ضرورة العودة حتى لا ينله تقريع امه بعد ان صنعت كل ما لذ و طاب من اجل الغذاء...
رحل كل من ماجد و مهران عن بيت عمتهما سهام ليتحدث ماجد طول الطريق و لكن مهران كان في عالم اخر .. كان لايزل مأخوذاً بذاك السحر الذى لمسه لدقائق معدودة قضاها بحضرتها لكن مفعولها سيستمر معه حتى يراها من جديد ..

اندفعت سندس تبحث عن ذاك الكتاب الهام الذى لا تذكر اين وضعته يداها
بحثت عنه في كل مكان حتى أنها اندفعت خارج غرفتها تهبط الدرج لتبحث في حجرة مكتب ابيها لعلها نسيته و هي تطالعه هناك ..
انه مرجع هام في القانون اكد عليها
أستاذها المشرف على رسالتها قراءته بتأني و مناقشته فيه .. اين ذهب يا ترى ..!؟..

كادت تصرخ عجزا و قهرا لعدم إيجاده .. اندفعت لتلك القاعة كمحاولة يائسة أخيرة للبحث عنه .. لم تكن تدرك ان هناك احدهم ينتظر بتلك القاعة و لم تنتبه اليه و هو يجلس هناك في ذاك الركن البعيد متطلعا اليها في نشوة .. منشرح الصدر لرؤيتها و سعيد بذاك الغاضب البادى على محياها و هو يدرك تماما على ما تبحث و يعلم أين يمكنها إيجاده ..

فر صفحات ذاك الكتاب الضخم بين كفيه هاتفا بلهجة مرحة محورا حرف السين الى ثاء كما اعتادت نطقه و كما اعتاد هو كذلك على السخرية منها :-هي الاثتاذة بدور على حاچة !؟..
انتفضت لمرأه و هتفت تدارى مفاجأتها بوجوده و ارتعاش قلبها لرؤيته هاتفة مدعية اللامبالاة كعادتها في حضرته :- اهلًا .. هو انت هنا !؟

و لم تنتبه من شدة اضطرابها الذى استطاعت ان تداريه بحرفية شديدة اعتادتها منذ سنوات ان كتابها المنشود قابعا بين كفيه يقلب فيه امعانا في اغاظتها و اثارة المزيد من حنقها ..
هتف مشاكسا :- بتدورى على حاچة يا بت خالى ..!؟.. جولى يمكن أجدر أساعدك ..!؟...
قالها و هو يطوح الكتاب بين كفيه سعيدا بتشتتها لتهتف هي في نزق :- لااا .. متشكرة مش عايزة م..

و قطعت كلماتها عندما لاحظت أخيرا كتابها بين يديه لتهتف في غيظ :- كتابى !؟..لما هو معاك مقلتش ليه من الصبح ..!؟..
اكد في مشاكسة :- ما انا بجول اهو .. عايزة مساعدة .. جلتى لااه .. اعمل ايه تانى ..!؟..

اندفعت تجذب الكتاب لترحل به بعيدا عن محياه و تركض هاربة من التواجد معه في مكان واحد و الذى يدفعها للتوترفوق قدر احتمالها لكنه استطاع المراوغة و لم تنجح في اختطافه من يده .. لتهتف مدعية اللامبالاة و هي تستدير راحلة :- على اى حال انا مكنتش محتاجة الكتاب دلوقتى .. خليه معاك يعنى انت هتعمل بيه ايه ..!؟.. اخرك هتسيبه هنا لانه ميخصكش و لا هاتفهم اللى فيه ..

أمسكت لسانها و هي تدرك انها تجاوزت في ردها القاسى عليه تذكره بتعليمه المتوسط و فرق المستوى الثقافي بينهما ..
ابتلع إهانتها الواضحة كجلاء الشمس ووضع الكتاب في هدوء على اقرب طاولة راسما ابتسامة باهتة على شفتي لا تعكس مدى القهر الذى يعتمل بداخله في تلك اللحظة هامسا :- سبنالك انتِ العلام يا اثتاذة .. و لما ياجى ماچد جوليله انى سألت عليه .. و لا اجولك متتعبيش حالك مش عايزين نعطلوكى عن العلم .. يااا بت خالى ..

و اندفع راحلا خارج القاعة و هي تلعن لسانها الذى لا يتورع ابدا عن الهجوم و الرد عليه بسخافة ما ان اجتمعا سويا في مكان واحد ..
لطالما حاولت تجنب تلك الاجتماعات قدر الإمكان فهى لا تدرى متى يقذف فمها تلك الكلمات و لا قدرة لديها للسيطرة على ردودها الجارحة الموجهة لشخصه ..

هي تعلم لما !؟.. هي وحدها تعلم انها تفعل ذلك لا عن عمد و لكنها وسيلة دفاعية تحاول ان تنفى لنفسها عشقها لإبن عمتها الذى تهواه منذ طفولتها المبكرة و لازالت .. و مهما حاولت إنكار ذلك فإنها تدرك بل تعلم علم اليقين ان حبه في قلبها راسخ و عميق يسير بأوردتها و شرايينها كمجرى الدم ..

انتفضت على صوت ضحكات ماجد و مهران مع باسل و الذى يبدو انه قابلهما قبل رحيله .. لتتنهد في قلة حيلة و تسير في خطى بطيئة تجاه الطاولة التي وضع عليها باسل كتابها و رحل مخلفا وراءه رائحة عطره التي ميزتها ممتزجة بأوراق الكتاب و غلافه و الذى احتضنته في شوق تتأكلها رغبة قاتلة في الإعتذار لما بدر منها..لكن هيهات ان تفعل...

اندفعت في سعادة خارج باب البيت تحمل ذاك الكيس القماشى مطويا في سبيلها للسوق لشراء بعض الخضار و الفاكهة ..
نظرت حولها في نشوة فهى أخيرا ستغادر البيت و لو لساعة من زمن فقد سأمت جدرانه التي حفظت تفاصيلها من كثرة تطلعها اليها ..
تحركت في نشاط بإتجاه مدخل الحارة و قبل ان تدرك قهوة خالها الشمندورة كان عليها ان تمر بورشة ناصر الذى تراه عن كثب منكبا على احدى السيارات يغيب نصف جسده الأعلى خلف صاجها الامامى المرفوع كفم وحش مفتوح يكاد يبتلعه ..

أعجبها الخاطر فأبتسمت في سعادة غامرة لم تطل طويلا حيث وأدت نظراته اليها الان أي شبهة ابتسامة كانت تفكر في الظهور على شفتيها و خاصة عندما رأها تخرج بذاك الثوب الذى منعها من أرتدائه في السابق و قد لاحظ نظرات الشباب عندما مرت بهم منذ قليل و الأدهى ..ذاك الشاب الذى لاحظ تتبعه لها .. و اخذ يفكر .. أليس ذلك الشاب هو الذى يمكث في الشقة المقابلة لشقة حازم و التي كانت يوما ما شقة الحاج وهيب ..!؟.. ماذا يريد من شيماء و لما يتبعها هكذا كظلها !؟.

اندفع اليها قبل ان تولى هاربة من أمامه ليستوقفها هاتفا في لهجة أمرة جعلتها تتسمر في مكانها :- على فين العزم ان شاء الله !؟..
اهتزت أحرفها هاتفة :- رايحة السوق اجيب شوية طلبات لأمى !؟..
جز على أسنانه في غيظ :- رايحة السوق بالفستان ده و اللى محرج متلبسيهوش تانى !؟.. طيب يا شيماء اما رجعت البيت و خفيت الفستان ده مبقاش انا ناصر ..!؟..

جزت على أسنانها قهرا تكاد تنفجر من الغيظ و خاصة عندما استطرد بهمس امرا :- ارجعى ياللاه ع البيت و اللى امى عيزاه هبعت الواد شكمان يجيبهولها ..
هتفت و دموع الغضب المكتوم تكاد تخنقها :- بس انا عايزة اخرج و خدت الإذن من امى و هي وافقت و السوق مش بعيد .. هروح و ارجع بسرعة ..
قالت كلماتها الأخيرة بنبرة مستجدية الا انه لم يلن للحظة بل هتف في حنق
مكتوم رغبة في عدم جذب الأنظار إليهما :- غورى ارجعى البيت .. حالاااا .. و مشفش ضلك بره عتبته ..
اما اشوف كلامى هيتنفذ و لا لأ !؟..

كتمت دموع القهر ترفعا و اندفعت عائدة من حيث أتت يتبعها بنظراته حتى غابت داخل البيت و قد تأكد تماما ان ذاك الشاب كان بالفعل يتبعها فقد عاد بدوره ما ان وجدها رجعت و قد لعبت به الظنون للحظة .. هل يمكن ان يكون هناك علاقة بينها و بين ذاك الشاب و قد قررا ان يتقابلا بعيد عن الاعين ..!؟.. ألهذا كانت لديها تلك الرغبة القوية في الذهاب للسوق كما كانت تتدعى حتى تقابله !؟
اللعنة على هواجسه و ظنونه و همزات شيطانه ..

انها ابنة عمته و ربيبته كيف يظن بها ذاك الهاجس النجس !؟.. لا يدرى من اين تأتيه تلك الخواطر التي تذهب بعقله ..!!.. لكن كل ما يعلمه بل يدركه عين الإدراك هو انه يعشق تلك الصغيرة الحمقاء التي لا يحمل عليها مس الهواء حتى لا يجرحها ..
تنهد في ضيق و عاد ليدفن رأسه داخل فم السيارة المفتوح يعبث بأحشائها بغية إصلاحها ..

أما هي فقد اندفعت تبكى بقهر على درجات السلم التي صعدتها قفزا في غضب عارم و دقت الباب في ثورة لتفتح أمها نعمة متعجبة من وجودها امامها و هي التي غادرتها منذ دقائق معدودة .. كانت شهقات بكائها تنذر بمدى غضبها مما دفع نعمة لتنسى غلق الباب و تندفع تحتويها بين ذراعيها متسائلة في لوعة :- ايه اللى حصل خلاكى تبكى كده ..!؟ في ايه!؟

هتفت من بين شهقاتها المتتابعة :- ابنك يا ستى .. مرضيش يخلينى اروح السوق و رجعنى تانى .. و مش عاجبه فستانى و هيجيبه نصين لما يرجع .. شوفيلك حل معاه بقى .. انا اتخنقت من تحكماته الفاضية دى ..
عادت نعمة تشدها لأحضانها من جديد هاتفة :- يا بت و الله بيخاف عليكى .. انت زى القمر و مطمع ..

هتفت شيماء ساخطة :- لااا .. بجد حرام عليه .. انا تعبت .. كل حاجة لأ.. متبصيش .. متخرجيش .. متتكلميش .. طب ما يدفنى و نخلص احسن .. !!..
تسلل صاحب ذاك الصوت المرح الذى اندفع من الباب الموارب للشقة هاتفا في سعادة :- بعد الشر عليكِ يا شوشو يا جميل .. مين اللى زعل القمر بتاعنا..!؟
اندفعت نعمة ما ان طالعها محيا ابنها نادر هاتفة في حبور :- ناادر .. حمد الله بالسلامة يا عين امك..
اندفع نادر يحتضنها في شوق مقبلا رأسها و كذلك اندفعت له شيماء تحييه بشوق كمن وجد أخيرا طوَّق نجاة هاتفة :- أخيرا جيت يا نادر عشان تخلى اخوك يخف عليا شوية ..
ابتسم نادر في مودة هاتفا :- إنتوا لسه مفيش فايدة فيكم أغيب و ارجع ألاقيكم لسه زي القط و الفار ..!؟..
هتفت نعمة :- ايوه غبت قووى المرة دى يا نادر ..

هتف نادر متنهداً :- اعمل ايه بس .. هو بأيدى يا ام ناصر .. ما انت عارفة عبد المأمور .. ربنا يعدى فترة التجنيد اللى باقية دى على خير خلى الواحد يشوف حاله بقى ..
و توجه بأنظاره لشيماء هاتفا :- شكلك لسه واخدة طريحة محترمة من أبو تكشيرة جنان ..!؟..
هتفت شيماء في غيظ :- هو سايبنى ف حالى .. نفسى يعتقنى لوجه الله ..

انفجر نادر ضاحكا :- معلش .. حاسس بيكِ و عارف دماغ ناصر لما تحجر .. قدرك يا بنتى .. اخوكِ الكبير و لازم تسمعى كلامه ..
همت بأن تعترض لكن "أبو تكشيرة جنان " كان يقف بالباب يهم بالدخول عندما طال مسامعه كلامتهما الأخيرة عليه و ذاك اللقب الذى أطلقه نادر عليه .."اخوها الكبير " .. اندفع بغيظ و تحفز للداخل حيث كان قد قرر الصعود للبقاء مع أخيه الذى اشتاقه ليجدها تجالسه شاكية و هي لاتزل بذاك الثوب الاحمق الذى كان قد اقسم ان يمزقه ان رأه عليها مرة أخرى ليصرخ ما ان طالعه محياها :- انتِ لسه مقلعتيش الفستان ده برضو ..!؟ شكلك نوياها ..

انتفضت شيماء ما ان تناهى اليها صرخاته لتندفع هاربة من أمامه لداخل حجرتها محتمية بها بعيدا عن أنظاره ..تتبعها قهقهات نادر و هو يتسلى بصراع اخر من صراعات القط و الفأر التي لا تنتهى ..

جلس كل من زكريا و زينة و حازم في ذاك الصالون الأنيق في انتظار صاحبة البيت التي ما هي الا لحظات حتى دخلت في ترحاب هاتفة :- اهلًا و سهلا زكريا بيه .. شرفتنا .. ازيك يا زينة هانم .. اخبارك يا حازم يا حبيبى يا رب تكون بخير دايما ..
ابتسم الجميع لها مجيبا كل منهم تحيتها بدوره حتى قال زكريا في هدوء :- طبعا حضرتك عارفة احنا هنا ليه النهاردة ..!؟..
ابتسمت سهير زوجة اللواء مختار هاتفة :- طبعا يا زكريا بيه .. شرفتونا..

اكدت زينة :- الشرف لينا يا سهير هانم ان مختار باشا الله يرحمه يختارنا للامانة الغالية دى ..
ابتسمت سهير في شجن تتذكر رفيق دربها الراحل هامسة :- الله يرحمه ..صراحة عرف يختار اللى يشيل الأمانة بجد .. مكنش حد هيقدر يراعى مصالحنا بعد وفاة مختار زى زكريا بيه ربنا يديله الصحة ..

ابتسم زكريا مؤكدا :- العفو يا هانم .. مختار باشا الله يرحمه كان اكتر من اخ .. ربنا يجدرنا على رد چمايله علينا..
هتفت زينة متسائلة في مرح محاولة الخروج من جو الحزن الذى بدأ يخيم على الجلسة :- امال فين عروستنا يا سهير هانم ..!؟..
ابتسمت سهير هاتفة و هي تنهض في وقار :- حالا هشوفها اتأخرت ليه ..!؟
ما ان خرجت سهير من الغرفة حتى هتفت زينة في حازم مؤنبة :- ايه يا حازم مقلتش حاجة و لا نطقت بحرف من اول القاعدة .. تقول ايه الست يا بنى .. جيبنك غصب !؟..

همس زكريا محاولا وأد ضحكاته :- سيبيه يا زينة .. لحسن لو أتكلم يخربت لنا الدنيا ..
هتف حازم متعجبا :- طب إنتوا عايزينى أقول ايه .. !؟..
كادت ان تهتف زينة مؤنبة من جديد لكنها ابتلعت اعتراضها عندما لاح لها شبح احد ما قادم باتجاههم ..

هلت سهير و من بعدها ظهرت نهلة ابنة اللواء مختار و هل معها وجه بشوش مريح القسمات .. و ابتسامة خجلى و عيون بندقية تحمل نظرات طفولية ممزوجة بشقاوة طفولية محببة دخلت و ألقت التحية في حياء ليهب الجميع لسلامها .. كبر زكريا في سعادة لمرأها بينما احتضنتها زينة في مودة صادقة اما حازم فوقف كجبل لا يتزحزح و لم تهزه و لو لثانية واحدة تلك الرقة المنسابة من عروسه التي مدت كفها لسلامه في خجل و أسرعت بإلتقاط كفها من بين كفه ..

جلس الجميع يتبادلون أطراف الحديث بشكل عام حتى تحججت زينة لتدع فرصة للعروسين بالبقاء بمفردهما لعل هذا التمثال المدعو حازم يتحرك و ينطق حرف واحد ..
خرج الجميع ليبقى كل منهما في الغرفة ليتنحنح حازم في ثقة هاتفا :- ازيك يا آنسة نهلة ..!؟
همست بإضطراب :- الحمد لله .. تمام
هتف حازم :- طبعا اكيد سهير هانم بلغتك احنا هنا ليه ..!؟..

اومأت برأسها في إيجاب دون ان تنبس بحرف واحد ليستطرد هو :- و اكيد انتِ عارفة ان دى وصية سيادة اللوا مختار الله يرحمه .. و ده شرف ليا فعلا ..
ابتسمت في هدوء و لم تعقب .. مما دفعه ليردف قائلا :- بس في شوية حاجات لازم تعرفيها قبل ما ربنا يكتب لنا نصيب مع بعض ..!؟
تنبهت و رفعت نظراتها اليه في ترقب منتظرة ان يلقى ما بجعبته ..

فتنحنح هو من جديد :- بصى يا آنسة نهلة .. انا بنى آدم اهم حاجة في حياتى هي شغلى .. هو رقم واحد و هايفضل رقم واحد ..
اومأت برأسها إيجابا هامسة :- مختلفتش كتير عن بابا الله يرحمه كان الشغل هو النفس اللى بيتنفسه ..
أومأ حازم مؤكدا :- و الشغل ده ليه طبيعة خاصة جافة بتنعكس على طباعنا عشان كده بقولك .. انا لا ليا ف كلام الحب و لا الرومانسيات و لا بعرف أذوق الكلام من أساسه ..

اتسعت ابتسامتها و لم تعقب ..ليهتف:-انا بقولك اهو من البداية عشان تبقى عارفة من الأول و يكون كل حاجة على نور ..و أرجو انك تكونى اطمنتى ..
ضحكت في انشراح هاتفة :- لا من ناحية اطمنت ..!؟.. فالصراحة اطمنت ع الاخر .. هو في اكتر من كده ..!!
لم يتنبه حازم لنبرتها المازحة بل هتف وهو ينهض مستئذنا بلهجة رسمية :- طب تمام.. يبقى اتفقنا ..
دخل كل من زكريا و زينة و سهير الغرفة في نفس اللحظة ليطالعهم ابتسامة نهلة المرسومة على شفتيها
فأستبشر الجميع خيرا .. و جلسوا من جديد لقراءة الفاتحة ثم الترتيب لميعاد عقد الخطبة ..

جلس كل من يونس وولديه حمزة و حامد أسفل تلك التعريشة التي بناها يونس مكان حجرته القديمة في ظهر الدار لتكون مجلسا للرجال في ليالى الصيف الحارة اثناء رى محصول القصب او حتى الجلوس بها ليلا في ليالى الشتاء و الالتفاف حول نار ركوتها احتماءً من برده ..
كان يونس ينفس دخان نرجيلته حينما هتف في ولده حامد أمرا :- ما تسمعنا حاچة يا حامد بدل من جعدتنا كِده..

كان حامد قد ورث ذاك الصوت الشجى من يونس في شبابه قبل ان يفعل التدخين بصدره الافاعيل و يؤثر على نقاء صوته العذب الذى كان ..
هتف حامد مستمتعا :- تأمر يا حاچ يونس ..

و بدأ صوته يصدح مترنما في سعادة و حمزة يتطلع لاخيه الأصغر في إعجاب بجمال شدوه .. بدأ الرجال يتوافدون على التعريشة واحدا تلو الاخر و كأنما كان صوت حامد إيذانا بإفتتاح سهرة الليلة ..و التي صال فيها حامد و جال بصوته الرخيم .. حتى ان النسوة داخل الدار جلسن بالقرب من مجلس الرجال يستمعن لجمال صوته في نشوة دفعت سكينة لتنهض محاولة استرداد مجدها القديم على خشبة المسرح كراقصة محترفة فأخذت تتمايل دافعة كسبانة لتنفجر مقهقهة ما ان طالعها ما تقوم به حتى ان بخيتة سألت كسبانة في تعجب :- بتضحكى على ايه يا بت .. ما تضحكينى معاكِ !؟..

هتفت كسبانة من بين ضحكاتها :- اصلك اما سكينة بترجص ..
هتفت بخيتة مستنكرة :- بترجصى يا بَعيدة ..!؟.. ليه فاكرة نفسك لسه ف المولد ..!؟..
هتفت سكينة و هي تتمايل في رشاقة لا تناسب سنها مطلقا :- و ماله المولد يا حاچة ..!؟.. ع الأجل ناس مفرفشة و مزجططة مش ناس عشرتها تجصر العمر..

هتفت بخيتة بغية اثارة غيظ سكينة :- يا ولية عيب عليكى فاكرة نفسك لسه صغار ع العمايل دى !؟..
هتفت سكينة :- ايوه صغيرة .. و لو جلت يا چواز هوجف رچالة بلدكم دى طابور عند بابى و انى اللى هجول لاااه ..
انفجرت كل من كسبانة و بخيتة لمزحة سكينة الأخيرة مقهقهات مما دفع سكينة لتهتف بغية اخراسهما :- بالكم لو ما وجفتوا ضحك علىّ هعمل ايه !؟.. لم تعيرها كل من بخيتة و كسبانة اهتماما و لازالت كل واحدة منهما تضحك ساخرة من أفعال سكينة الشائنة مما دفعها لتستطرد هاتفة :- طب انى خارچة ارجص وسط الرچالة و اجيب لكم الچورس و الفضايح لحد عنديكم لو ما سكتوا !؟..

هنا خرست كلتاهما لتهتف بخيتة مؤكدة :- و الله تعمليها .. ولية عجلها خف على كبر ..مچنونة ..
هتفت سكينة بمجون و قد عادت تتمايل من جديد :- چوزونى و انا أعجل و ابجى زى الفل ...
لتنفجر كسبانة و بخيتة في الضحكات من جديد ..

هتف حازم في ضيق :- انت لسه برضة ملمومة ع الشلة بتاعت النادى دى يا هدير ..!؟..
هتفت هدير في ضيق مماثل :- و مالها شلة النادى يا حازم .. ما كلهم أولاد ناس محترمة و رجال اعمال كبار بابى نفسه يعرف عائلاتهم بالاسم.. يبقى فيها ايه ..!؟

تنهد حازم محاولا التزرع بالصبر الذى لا يتحلى به عادة ليخاطبها بهدوء هاتفا :- يا هدير اسمعى .. الوسط ده مش كويس و مش ليكِ .. انت احسن من كده و ممكن تستفادى بوقتك في حاجات اهم من كده بكتير و أنفع .. التنطيط و الرحلات و الحفلات في حاجات ف الحياة اهم منها بكتير..
هزت رأسها بنفاذ صبر هاتفة حتى تنهى ذاك الحوار العقيم :- أوعدك هفكر ف كلامك ..

ثم هتفت تغير الموضوع كعادتها عندما تريد الهرب من نقاش ما ليس على هواها :- مقلتليش .. عملت ايه عند نهلة امبارح ..!؟
هتف لامباليا :- هنعمل ايه يعنى ..!!
العادى يا هدير .. قرينا الفاتحة و حددنا ميعاد الخطوبة الرسمي ف اجازتى الجاية ان شاء الله ..
هللت هدير :- ألف مبروك كان نفسى أكون معاكم .. بس انت عارف انا مليش ف الحاجات الرسمية دى ..

هتف حازم :- يا بنتى دى حتى نهلة صاحبتك .. انا استغربت انك مجتيش معانا .. بس عادى و مين بياخد عليكى من أساسه ..!؟
انفجرت ضاحكة :- بالظبط كده .. محدش ياخد عليا .. بس تلاقى نهلة طايرة من الفرحة .. طبعا ما أخيرا
أتحقق المراد ..
هتف حازم منتبها لأول مرة لكلام تنطق به هدير :- مراد ايه اللى اتحقق ده !؟..
هتفت هدير في خباثة :- يعنى بزمتك مش عارف ..!؟.. و عامل لى فيها ظابط و بتاع ..

هتف حازم بنزق و ضيق :- هدير انطقى من سكات .. و قولى في ايه.!؟
هتفت هدير راغبة في اثارة المزيد من غيظه و فضوله :- حاااضر هنطق من سكات .. و بدأت تشير بكفها كخرساء
لكن تلك النظرة التي رمقها بها حازم كانت من الشدة لتجعلها تترك مزاحها جانبا و تنطق في عجالة :- نهلة بتحبك من زمان .. و اكيد طايرة من الفرحة انك أخيرا جيت تخطبها رسمي ..

هتف حازم متعجبا :- بتحبنى !؟.. ازاى و من امتى ..!؟..
اكدت هدير :- يوووه .. من بدرى .. من قبل ما يمكن بباها يتوفى بفترة طويلة ..
صمت حازم للحظات ثم هتف بلامبالاة معتادة لأمور الهوى و شؤون القلب :- طيب ..
هتفت هدير مستنكرة :- طيييب !؟.. هو ده اللى ربنا قدرك عليه ..!؟..
هتف مستنكرا بدوره :- يعنى المفروض اعمل ايه ..!؟ .. أهلل من الفرحة ..

هتفت هدير و هي تستدير مغادرة المكان مندفعة لتصعد الدرج حيث حجرتها :- الله يكون ف عونها ..
و غابت تتحامى بغرفتها تاركة إياه
يقف ليفكر في كلمات اخته عن خطيبته المرتقبة ..

تطلعت ايمان من خلف ضلفة باب حجرتها الموارب قليلا لذاك المشهد الذى اصبح شبه معتاد يوميا بين أمها و اخيها الأكبر ماهر ..
دمعت عيناها قهرا على حاله التي يتردى اليها فها هو يقف مترنحا امام امه سمية التي تهتف في لوعة و حسرة :- يا ولدى حرام عليك .. بكفايانا فضايح و چورس .. يعنى تبجى أنت راچل البيت و تدخل علينا كل ليلة بالحال المايل دِه ..!؟.. و الله ما يرضى ربنا و لا يرضى حد اللى انت عاملة فينا دِه !؟.. طب متفكرش ف حالك .. فكر ف اختك الغلبانة اللى هايوجف حالها بسبب عمايلك الشينة دى..

كان كلامها لا طائل له و كأنه يوجه لجثة هامدة لا تع .. مما يدفعها لتترك ولدها البكر يندفع صاعدا غرفته مترنحا بعد ان قضى ليلته متنقلا بين الموالد و الراقصات حتى يأتي اخر الليل على مثل تلك الحالة كل ليلة ..

هتفت سمية و هي تضرب صدرها بكلتا يديها في تحسر :- يا ميلة بختك ف ولدك يا سمية .. و انى اللى جلت انه هايبجى ضهرى و سندى .. تاريه هو اللى كسر ضهرى .. فينك يا مؤمن .. فينك يا ولدى ترد لأخوك الكَبير عجله ..ربنا يردك بالسلامة يا ضنايا..ثم تنهدت مستطردة في قنوط:- يعنى واحد بعيد ف الچيش و جلبى متجطع على بعاده و التانى هنا و مورينى الويل .. اسوى كيف بس يا ربى .. !؟..

هنا تغلق ايمان باب غرفتها لتعود لتجلس مرة أخرى على مكتبها محاولة التركيز في كتبها فهذه السنة هي الفاصلة في مستقبلها و التي سيتحدد على أساسها مصيرها ..

هتفت لنفسها مشجعة :- احنا مش قلنا ملناش دعوة بأى حاچة بتحصل ف الدار و ناخد بالنا من مذاكرتنا و بس ذي ما وعدتى مؤمن .. يبقى خلاص نفذى ..
و بالفعل اندفعت تستذكر دروسها من جديد فهى تريد الحصول على مجموع عال ف الثانوية العامة يؤهلها لكلية مرموقة تجعل اخيها الأكبر و الذى تفتقده بشدة فخورا بها ..

تنهدت في شوق عندما طالعتها صورة اخيها امامها على مكتبها هاتفة معاتبة إياه :- طالت غيبتك المرة دى يا مؤمن ..امتى هتنزل اچازة بجى.. اتوحشتك ..

هتف حمزة في أخيه حامد و هو يدخل لحجرتهما ليراه مضجعا على ظهره يضع قدما فوق الأخرى و يهزها في استمتاع و هو يتحدث على هاتفه الجوال بهمس مريب :- هو انت مش هتبطل الودودة دى ف التليفون كل ليلة ..!؟..
انتفض حامد على هتاف أخيه مشيرا اليه بالصمت و عاود الحديث فى الهاتف على عجالة مستئذنا من يحادثه على الطرف الاخر ليغلق الخط سريعا و يقف متزمرا في وجه أخيه هاتفا بدوره في ضيق :- چرى ايه يا حمزة ياخى .. ايه في !؟.. بكلم سلوى ..

هتف حمزة بضيق مماثل :- و هي سلوى دى ليلاتى..!؟.. دِه انت مبتفتحش كتبك كد ما بتكلم الانسة سلوى ..!؟..
هتف حامد بغضب :- بجولك ايه يا حمزة .. الا سلوى !؟.. انت عارف كويس تبجالى ايه !؟...
هتف حمزة ساخرا :- عارف يا سيدى.. حبيبة الجلب .. خليك انت ورا كلام الاغانى اللى واكلة دماغك و ماهياجيك من وراها الا وچع الجلب..

هتف حامد هائما :- انت بتجول كِده عشان مچربتش .. انت لا حبيت و لا شكلك هتحب .. عجلك هو اللى بيحركك يا حمزة .. حتى لما فكرت تتجدم لتسبيح بت عمتك سهام .. كانت شورة عجلك مش جلبك ..

انتفض حمزة هاتفا :- ايه اللى چاب سيرة تسبيح دلوجت !؟..الموضوع دِه لسه بدرى عليه .. لما تخلص السنة اللى بجيالها ف كليتها .. و بعدين دِه كلام بينى و بين امى و ابوى مطلعش براتنا .. و اه انا لما فكرت اتجدم لها كان عجلى هو اللى بيحركنى .. لأن الجلب احكامه دايما غلط و بتودى صاحبها ف سكة ملهاش عازة ذي ما هتوديك كِده .. و ابجى ساعتها هتجول يا ريتنى سمعت كلام حمزة ..

هتف حامد ساخرا :- بكرة نشوف قلبى اللى هيكسب و لا عجلك اللى هيكسب .. السنة دى جربت تخلص و اخد البكالريوس و اتجدم لأبوها و اشوفك و انت جاعد تضرب أخماس ف أسداس چنب عجلك الخربان ..
قهقه حمزة هاتفا :- هنشوف ..
قهقه حامد بدوره و لم يكن يعلم ان احكام القلب نافذة و قرارات العقل واجبة ..لكن على اى حالة..!؟..
لم يكن أيهما يدرى ..

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 6 من 36 < 1 11 12 13 14 15 16 17 36 > الأخيرة





الكلمات الدلالية
رواية ، ميراث ، العشق ، والدموع ، موال ، التوهة ، والوجع ، رباب ، النوح ، والبوح ، العمر ، وزواده ،











الساعة الآن 11:17 PM