logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 6 من 36 < 1 10 11 12 13 14 15 16 36 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 03:07 صباحاً   [37]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل السابع عشر

دخل عاصم متنحنا لبيت زكريا: - يا رب يا ساتر..
ظهرت كسبانة مندفعة تفتح الباب الداخلى للدار وهى تعدل من شالها فوق رأسها هاتفة في ترحيب:- اتفضل.. اتفضل يا عاصم بيه.. ده بيتك..
وقف عاصم على اعتاب الباب هاتفا: - كيفك يا أم حمزة.. معلش ندخل الصالون بس عشان معاى ضيوف..
أفسحت الطريق في عجالة و هي تهتف متعجبة: - اتفضل يا عاصم بيه.. و اهلًا بضيوفك..

دخلت تستتر بالداخل ليهتف عاصم لحمزة الذى ظهر مسرعا ملبيا نداء عمه..
و الذى أمره بمناداة يونس من الأرض فورا اندفع حمزة مسرعا ينادى عمه يونس الذى ما ان سمع بوجود عاصم بالدار حتى ارتدى جلبابه على عجالة و أسرع لداخل الدار متنحنحا كعادته.. على الرغم من شوق عينيه لمرأها و لو للحظة الا انه غض الطرف حتى وصل الصالون مرحبا بعاصم و ضيفه الذى لا يعرفه..
هتف عاصم ما ان جلس يونس: - بص بجى دِه.. و أشار للرجل الذى كان بصحبته مستطردا.. عم الشيخ مصباح.. مأذونا الخصوصي..

هتف يونس بتعجب: - مأذون.. !!..
و انتفضت كسبانة بدورها في الخارج و هي تسترق السمع في فضول دفعها اليه رغبتها في معرفة كنه الضيف المصاحب لعاصم.
عاد عاصم مؤكدا: - اه.. مأذون.. لجل ما يكتب كتابك انت و أم حمزة..
هتف يونس متعجبا: - بس يا عاصم بيه.. حالة الوفاة.. و يا دوب الأربعين معدى و..

هتف عاصم مقاطعا: - هو اللى مات دِه الله يرحمه مش واد عمى.. و المفروض انى انا اللى احزن عليه.. طب انى اللى جايب لكم المأذون لحد عنديكم.. عايز ايه تانى..!؟..
موضوع چوازكم مينفعش يتأچل اكتر من كِده.. و انا هبجى مطمن اكتر على أم حمزة وولدها و هم في حمايتك.. و بيت زكريا يبجى فيه راچل صاينه.. جلت ايه..!؟..

هتف يونس غير مصدق: - هجول ايه بعد جولك يا عاصم بيه..!؟.. اللى تجوله يمشى على رجبتى..
هتف عاصم في فرحة موجها حديثه للمأذون:- افتح دفترك يا عم الشيخ مصباح..و اتكل على الله..
ابتسم يونس في سعادة غير مصدق انه بعد دقائق معدودة سيكون من حقه التطلع اليها و البقاء بقربها للأبد..
حصل عاصم على موافقتها و أتم المأذون عقد قرانهما ليستأذن عاصم مصطحبه معه مهنئا العروسين..

أغلق يونس الباب ووقف لا يعلم ما عليه فعله..حتى ظهرت اخيراً على اعتاب باب حجرتها..
و ظهر على اعتاب الغرفة الأخرى الحاجة بخيتة التي جلست على اقرب أريكة بمساعدة حمزة هاتفة في سعادة: - الف مبروك يا يونس يابنى.. الف مبروك يا كسبانة.. ربنا يسعدكم دايما.. و يجمعكم في الخير..
لاحظت الصمت المخيم على المكان فهتفت و هي لا ترى بسبب نظرها العليل: - إنتوا رحتوا فين..!؟..

كان كل منهما هائم في عالم اخر لا يستطيع رفع ناظريه عن صاحبه..
ليهتف حمزة مجيبا بخيتة: - اهم واجفين يا ستى.. بس مش عارف مبيتكلموش ليه.!؟
ابتسمت بخيتة في خبث هاتفة: - تعال يا واد يا حمزة.. سندنى عشان عايزة ادخل اوضتى انام.. و اعمل حسابك.. هتنام چارى..
اسند حمزة كفها هاتفا معلقا على قرارها: - ماشى.. موافج هنام چارك.. بس تحكيلى مش تضحكى علىّ يا زى كل ليلة..

انفجرت ضاحكة و هي تأمره بغلق باب حجرتها حتى تترك كسبانة و يونس لشأنهما تحرك يونس في اتجاهها.. منجذبا بقوة لاأرادية تجاه مكان وقوفها وهى متسمرة منكسة الرأس خجلا.. وجيب قلبها يكاد يُسمع لذاك القادم اليها في ثبات..
وقف أمامها مباشرة لا يفصله عنها الا سنتيمترات قليلة..همس بصوت متحشرج:-اول مرة ابجى جريب منيكِ كِده..

مد كفه ليرفع رأسها ليطالع عينيها التي ترقص فرحا و سعادة لقربه.. وفى ذات الوقت تضطرب خجلا وهى تنظر لعمق عينيه بهذا الشكل الصريح..
همس لها في عشق: - زى ما أكون دعيت في ليلة جدر.. و الدعوة اتحججت.. و اكتر همست بخجل و نبرات مضطربة: - دعيت بأيه..!؟..

همس وهو يقترب اكثر يمد كفيه ليحتض كفيها التي ارتجفت للمساته: - دعيت أطول نچمة في السما بعيدة.. و طولتها..
همست مخدرة بسحر كلماته: - و النچمة دى تبجى انى..!؟..
اومأ برأسه موافقا و اخيراً طوقها بذراعيه لتسكن صدره حيث غمرها فيض من الأمان الذى ظلت عمرها كله باحثة عنه و لم تجده الا الان و في تلك اللحظة..

قرر الحاج مندور و اصدر بالفعل فرمانا بوجوب ذهاب زكريا و زينة لقضاء شهر العسل في قرية سياحية و قد تم الحجر باسمهما بالفعل و لا سبيل للتراجع..
حاول زكريا اثناء الحاج مندور عن فكرته و الانتباه للعمل و إعادة إصلاح ما لحقه من أضرار بسبب ما حدث من شعلان و جماعته الفاسدة..

الا ان الحاج مندور اصر على موقفه هاتفاً: - خد يا زكريا.. أدى مفتاح العربية.. و الشنطة البت رزقة وضبتها و حطناها في العربية و معاكم كل اللى يلزمكم هناك.. ياللاه انت و مراتك من غير مطرود و مش عايز اشوف وشكم هنا قبل ٣ أيام.. اهو مدة مش كبيرة عشان الشغل اللى خارب الدنيا عليه..

تنهد زكريا مستسلما و هو ينظر لزينة كانما يقول لها ليس باليد حيلة.. و كانت هي على استعداد للذهاب لاخر الدنيا تلبية لرغبة ابيها مهما كانت.. و خاصة لو هي معه..
ألقت التحية على الجميع و بالمثل فعل زكريا الذى اخذ يوصى حازم بالهدوء و عدم ازعاج الجد مندور كما كان يحب ان يسميه و كم اطرب الحاج بسماعها منه و تمنى في قرارة نفسه لو يُكتب له العمر ليسمعها من احفاده.. أبناء زينة و زكريا..

انطلق كلاهما بالسيارة يتبع زكريا إرشادات الحاج مندور للوصول لتلك القرية السياحية.
نظرت زينة بشكل جانبي لزكريا و هو يرتدى قميصا ابيض و بنطال من اللون الكحلى.. و يغطى عينيه بنظارة شمسية أهداه له ابيها لا تظهر الا ملامحه الرجولية و خاصة شاربه المهذب ذاك.. كان وسيما بشكل لا يصدق.. مما دفعها لتصرف نظراتها عنه..

كانت دوما تراه وسيما بشكل خاص.. حتى عندما قابلته للمرة الأولى على الشاطئ وهو يرتدى جلبابه و عمامته.. أسرها بخليط خاص لا تعرف له كنه او تفسير..
طال صمتهما ليقر انه غبى بما فيه الكفاية فعليه هو البدء في الحديث و محاورتها فهى لا تتكلم رغما عنها.. لو بيدها لكان الامر مختلف..
ابتسم و هو يحيد نظراته عن الطريق لثوان موجها نظراته اليها.. شعرت بحمرة خجل تغزو وجنتيها الصافيتين ليهتف: - تحبى اشغل لك الراديو.. او اى اغانى يعنى.!؟..

اومأت موافقة.. بدأ في وضع احد الأشرطة في مشغل الاغانى الخاص بالسيارة ليصدح في عذوبة صوت سيدة الغناء العربى: - اد إيه من عمري قبلك راح وعدّى يا حبيبي ولا شاف القلب قبلك فرحة واحدة ولا داق في الدنيا غير طعم الجراح إبتديت دلوقتي بس أحب عمري.

إبتديت دلوقتي أخاف أخاف لا العمر يجرى اخذ كلامهما يستمع لكلمات الاغنية التي لمست شيء ما بداخلهما..
قطعت الصمت الذى طال بالاستماع للأغنية بان أخرجت احدى الشطائر من حقيبة كانت قد سلمتها لها رزقة عند خرجهما للسيارة لتعينهما على الطريق..

هتف زكريا عندما وجد الشطيرة في يدها تقدمها له مع ابتسامة: - الله.. هو دِه الكلام.. چه في وجته.. اتستعت ابتسامتها و للعجب مد كفه و بدل من التقاط الشطيرة ليلتهمها بنفسه.. ضم كفه حول كفها الحامل للشطيرة و رفعه لفمه ليقتطم منه قضمة جبارة تدل على مبلغ جوعه..

توقع ان ترتجف او تتوتر او حتى تسحب كفها بعيدا لكن لدهشته و جدها تبتسم لفعلته في سعادة..
جذب باقى الشطيرة من كفها هاتفاً بمزاح: - حوشى يدك بجى لأكلها من الچوع..
قهقهت و هي تخرج له شطيرة أخرى.. ليتناولها هذه المرة في سعادة هاتفاً: - ان مكنتيش تحلفى..!؟..
علت قهقهاتها من جديد.. على أنغام ام كلثوم التي تشدو في هذه اللحظة: -

بعيد بعيد أنا وانت
بعيد بعيد وحدينا
ع الحب تصحى أيامنا
ع الشوق تنام ليالينا
صالحت بيك ايامي
سامحت بيك الزمن
نستني بيك آلامي
ونسيت معاك الشجن
رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا
علموني أندم على الماضي وجراحه
اللي شفته قبل ما تشوفك عنيه
عمر ضايع يحسبوه إزاي عليّ

وصلا مساءً لذا قررا تناول طعام العشاء و بعدها الصعود لغرفتهما للنوم بسبب تعب الطريق..
تناولا طعامهما بالفعل و نهضا لغرفتهما المطلة على جزء من القرية و البحر الحالك الظلمة من بعيد لا تُرى حدوده..الا بعض انوار لسفن بعيدة و كأنها نجوم في سماء حالكة السواد..

تنهد في هدوء و هو ينتظرها لتخرج من الحمام.. لكن طال بقائها ليهتف باسمها في قلق: - زينة.. انتِ كويسة..!!؟..
طرقت على الباب كى يسمعها فظن انها حبيسة بالداخل ليفتح الباب بهدوء هاتفاً باسمها من جديد.. ليجدها تجلس على حافة المغطس تمسك ملابس نومها تقلبها بين كفيها في ذهول.. تعجب و لم يفهم شيء..

حاولت ان تفهمه لكنه لم يدرك ماذا تعنى..
تنهدت في نفاذ صبر و تركت الحمام و خرجت.. سحب ملابسه من الحقيبة و دخل ليرتديها ليصرخ هاتفاً بغضب: - ايه دِه.!؟..
خرج من الحمام و لازالت نوبة الغضب تجتاحه حتى انه لم يلحظ انه لا يرتدى الا بنطال قطنيا بلا سترة..و.. صدر عار..
هتف بغيظ: - طيب يا رزجة.. اما اشوفها هخنجها..!؟..

انفجرت زينة مقهقهة عندما تيقنت انه ادرك الان ماذا تعنى.. فرزقة عندما حضرت حقيبتهما وضعت فيها أجزاء مستقطعة من كل منامة او قميص نوم.. الان كل ما يملكه زكريا هو ثلاث سراويل لمنامات من دون سترات.. و هي كل ما تملكه سترة من هنا و بنطال قصير من منامة أخرى.. ولا مِئْزَر على الإطلاق تدارى خلفه تلك الفضيحة غضت بصرها عندما شاهدت زكريا بهذا الوضع و الذى جذب احد الشراشف ملتحفا به.. مشجعا أياها لارتداء ما تملك على اى حال.. و الا كيف النوم..!؟..

تشجعت و دخلت الحمام تبدل ملابسها بما تملكه.. لتخرج و يشهق زكريا بصوت مكتوم متمنيا انها لم تكن لترتدى تلك المنامة الحريرية ذات السترة الرقيقة الوردية بلا أكمام و ذاك البنطال القصير الحريرى الأخضر اللون..
دخلت للحجرة تقف كالمتخشبة لا تستطيع الحراك.. و هو لا يستطيع ان يحيد بناظريه عنها..

سحبت شرشيف اخر تتدثر به.. ليتنحنح زكريا محاولا ترطيب الجو الحار:- شكلنا الصراحة كِده مش ولابد.. كل واحد متلحف بغطا و لا اللى اتسرجت هدومه ف حمام التلات..
انفجرت مقهقهة غير قادرة على كبح جماح ضحكاتها حتى دمعت عيناها.. ليهتف و هو يشاركها قهقهاتها: - منكِ لله يا رزجة.. اشوف فيكِ يوم يا بَعِيدة..
لتشير اليه ان يصمت فقد ألمتها بطنها من كثرة الضحك على حالهما و تعليقاته..

نهضت تجلب لنفسها كوب من الماء ترطب به حلقها فتعثرت رغما عنها في طرف دثارها المحيط بها لتندفع للأرض.. ليشهق هو مندفع لانقاذها..
ليتعثر بدوره ساقطا معها.. سقطة كبيرة و ارتطام ثم صمت مطبق..
لحظات قبل ان يرفع كل منهما رأسه يتطلع حوله في تشوش كانت هي بالأسفل و هو يشرف عليها بهامته و جزعه المرتفع قليلا عن الأرض و ذراعاه تحيطان بها و قد تلقت اثر الارتطام عن جسدها..

تلاقت نظراتهما.. و بدأ جسدها يرتجف تحت وطأة لمساته على ظهرها.. و نظراته التي تربكها.. همس رغما عنه: - متخافيش.. طول ما انتِ معايا أوعاكِ تخافى..
سحب كفه اليمنى رويدا من تحت ظهرها لتمتد بلا إرادة منه يبعد عن وجهها خصلات شعرها الكستنائى التي تناثرت على ملامحها المصدومة قليلا..
لما فعل ذلك لا يعرف.. لكنه انحنى و لثم جبينها في رقة و رفع رأسه ناظراً اليها من جديد يدعو الله ان يصبره على تلك النظرات التي تدعوه اليها و في نفس اللحظة تقصيه عنها..

نهض و رفعها ليحملها بين ذراعيه بدثارها الذى حمد الله انه لازال يلتف حولها بإحكام ووضعها على الفراش متمنيا لها مساء طيبا و اندفع الى الحمام.. لعله يبيت ليلته فيه بعيدا عن تأثيرها الدامى على أعصابه..

نزلا لتناول الإفطار و شراء بعض الملابس عوضا عن تلك القطع الغير متناسقة التي اتحفتهم بها رزقة الخادمة..
جالا قليلا خارج القرية السياحية.. أراد شراء بعض المشروبات لها فتركها للحظات ليعود ليجد شابين يحاولان التحرش بها في صفاقة..
ألقى بما كان في يده.. و بدأ في الشجار معهما و لم يتركهما الا بعد ان أتى امن المكان ليلقوا بهما خارجا..

كانت هي ترتجف في خوف ليندفع اليها هامساً بقلق: - زينة.. فيكِ حاچة..!؟..
طمنينى.. حد فيهم مسك..حد جل أدبه..
هزت رأسها حتى تطمئنه.. تؤكد له انه جاء في الوقت المناسب.. جذب كفها ضامه اليه في تملك ليدفع جسدها ليحتضن كتفيها بطول ذراعه لسحبها بعيدا عن الزحام حيث يصف عربته..

جلس معها في مكان هادئ يحضر لها بديل عن المشروبات التى ألقاها جانبا حتى تستعيد بعض من هدوئها.. ربت على ظاهر كفها الممدودة على الطاولة قبالته وهو يهمس مازحاً محاولا إخراجها من حالة السكون التي اعترتها منذ ما حدث: - ايه اللى حصل يعنى.. ملحجناش نشترى اللى عاوزينه.!؟..آخرتها ايه...ها نلبسوا لبس رزجة المخربط تانى ..!؟..

ابتسمت على مزاحه.. فانشرح صدره لما رأي ابتسامتها تكلل محياها من جديد..
هتف ليغير الموضوع: - مچعتيش..!؟..
هزت رأسها إيجابا.. ليطلب الطعام و يشرعا في تناوله.. لكنه تعجب منها عندما وجدها انتظرت و لم تمد كفها على اى من الأصناف قبالتها قرأها و فسر رغبتها بشكل أثار دهشته ليمد كفه و يقدمه لها بلقيمة..

ألتمعت عيناها بفرحة و مدت فمها المفتوح لتتناول الطعام الذى بات أشهى من يده..
عادا للفندق في سعادة و دخلا غرفتهما و جاءت لحظة الكرنفال اليومى لعرض الأزياء الاغرب على الإطلاق.. هو ارتدى احد السراويل بلا سترات و هي ارتدت منامة غير متناسقة الألوان و لا الخامة..
و بدأت وصلة الضحك على مظهرهما العجيب..

و أخيرا.. بدأ التوتر يسدل استاره على الغرفة..قطعه هو مؤكدا أين موضعه بالضبط حينما جلس على احد المقاعد مادا قدمه على الاخر وهو يتدثر بغطاءه المعتاد و يضع احدى الوسائد التي جذبها في طريقه من على الفراش أسفل رأسه داعيا الله ان تمر الليلة على خير..
تمددت هي على طرف الفراش.. محاولة تقليده و التدثر بغطائها و الغطيط في النوم و لكن ذاك الألم الذى داهمها منذ قليل يصرف عنها النوم بالفعل..

لا تعرف ماذا حدث ليصبح ألم معدتها لا يحتمل بهذا الشكل..!؟.. ربما هو طعام الغذاء..!!..
فطعام العشاء لم تتناوله حتى لشعورها بالامتلاء بالفعل فشربت بعض المهضمات.. لكن يبدو انها لم تفلح..
ارتفعت وتيرة هنات ألمها لتسترعى انتباهه فينهض في ذعر باتجاهها ينحنى هاتفاً في قلق: - زينة.. ايه اللى حُصل..!!.. ماالك..!؟..

اشارت لألم معدتها.. فهتف يهدأها وارتدى ملابسه على عجل يشترى دواء ويعود سريعا ليعد لها مشروبا ساخنا من الأعشاب.. مر بعض من الوقت حتى هدأت تماما و هو بجوارها..
لا يعرف كلاهما متى غفلا.. لكن همهماتها قد علت لتبدو و كأنها تصارع شيء ما في أحلامها.. شيء بغيض يحبس أنفاسها و لا يدعها تطلق الصرخات استنجادا.. شيء يكمم فاها و لا يتركها تنادى باسمه لعله يأتي ليخلصها من عذابها و ألامها و يكفيها معاناة ستعيشها لسنوات و عار سيلحق بها للأبد..

لكن لا فائدة من المقاومة لتشهق منتفضة في ذعر لينتفض بدوره جوارها يتيه لثوان غير مدرك ما يحدث.. ثم يستفيق دفعة واحدة و قد أيقن انه كابوس من كوابيسها و التي اخبره عنها طبيبها و التي يبدو انها عاودتها بعد ان ظن انها ذهبت بغير رجعة فهو لم يصادف اى من تلك الكوابيس منذ اصبح يبيت ليلته في غرفتها..

ما الذى دفعها للظهور من جديد يا ترى.!؟. و طلت الأجابة في سرعة.. ما حدث معها اليوم فى المركز التجارى من الشابين الفاسدين لابد و انه أعاد على ذهنها تلك الحادثة المقيتة..
نظر اليها في إشفاق و هي تلتقط أنفاسها في تلاحق مما دفعه ليستدير متناولا كوب الماء ليقدمه لها.. نظرت اليه نظرات تائهة و أخيرا انخرطت في بكاء مرير و هي تندفع لاحضانه بقوة تنكمش داخلها في ذعر دفع القليل من الماء لينسكب على كفه الحاملة للكوب..

ظل للحظات مبهوتا مما يحدث تشل الصدمة رد فعله المفترض..
آفاق تدريجيا ليضع الكوب موضعه الأول و يعود الى تلك المنتحبة في احضانه.. و بلا إرادة منه وجد ذراعيه تحكمان أسرها و تقربها الى أضلاعه يخبئها من كل ألامها و أحزانها و هواجسها التي تطاردها بلا رحمة..

لثم هامتها في محبة حقيقية هامساً بالقرب من اذنها: - متخافيش.. مش انا جلت لك طول ما انى چنبك متخافيش..!!؟..
رفعت رأسها عن احضانه قليلا و تلاقت نظراتهما لتدفع بحروف اسمه في بطء على شفتيها ليستطيع قراءتها.. فكان دوره هو ليرتجف.. لتسحب هي نفسها من بين ذراعيه ليحمد الله ان رحمته به جاءت في وقتها قبل ان يفقد عقله من جراء تلك الرقيقة المهلكة.. التي اتخذت من طرف الفراش البعيد ملجأ لها تتدثر بغطائها و تتركه يعانى الامرين من ذاك المد و الجزر..

عادا للفيلا و اصبح من المعتاد ان ينام في حجرتها بعد ان تم تخصيص غرفة في نفس الرواق لحازم..
كان يتمدد على الأريكة في مقابلة فراشها الذى كانت تتمدد على أحد اطرافه و لا تغفو في اطمئنان الا اذا كان وجهها في مقابلة وجهه الذى كان يديره اليها دون ان يدرك انها تتفرسه دوما حتى تغيب في نوم مريح هادئ بلا كوابيس تزعجها كالسابق..

دفع حازم باب غرفتهما باكيا شاكيا في احدى الليالى هاتفاً في ذعر: - انا خايف يا زكريا..
انتفض زكريا مع هجوم حازم المباغت داخل الغرفة و ذلك لعدم رغبته في رؤيته ممددا على الأريكة لا على السرير بجوار زينة كما هو مفترض..
هتف به زكريا: - تعال يا حازم نروح اوضتك ننام فيها.. متخافش هنام معاك..

سمعتهما زينة و زكريا يحاول جذب حازم خارج الغرفة الا انها استدارت مهمهمة ليتنبه حازم و هي تشير اليه ليندفع راكضا لاحضانها فتدفعه ليتمدد جوارها..
وقف زكريا متعجباً من افعالها و طبعا لم يكن من المنطقى ان ينام بعيدا عن الفراش الذى يجمعهما حتى لا يخرج حازم يخبر الجميع..

تمدد في هدوء و جسده متشنج لكن رويدا رويدا.. بدأ يسترخى و يثقل جفنه ليروح في نوم عميق لأول مرة منذ وقت طويل ربما لانه لأول مرة منذ فترة يتمدد جسده على فراش وثير لا على أريكة متعرجة تصيب عضلاته بالتيبس..

همهم حازم فضمه زكريا هامساً فيه من أعماق غطيطه: - نام.. نام..
اخذ يربت عليه و تمسد كفه رأسه مهدهدا و هو اقرب للنوم منه لليقظة..
همهم حازم من جديد ليهمس زكريا مجددا و هو يجذبه اكثر لاحضانه: - هششش.. نااام..
و اعتصره بين ذراعيه أخيرا.. لكن تلك الهمهمة الأخيرة جعلت زكريا يفتح جفونه في تثاقل هامساً: - يا واد ما تنام...نااا..

قطع أمره لحازم الذى بين ذراعيه و الذى لم يكن سوى زينة و قد نهض حازم هاربا خارج الغرفة منذ زمن و تركه يعتقدها ولده الذى يهدهده و يضمه لصدره..ابعد كفيه عن الضغط عليها قليلا لكنه لم يجذبهما بعيدا..
ازدرد ريقه في صعوبة و هو يرى تلك النظرات الشقية التي تتطلع اليه في بريق عجيب كانت المرة الأولى الذى يراه يتراقص بهما.. همس يحاول ان يفسر ما يحدث الا انها رفعت رأسها اكثر تنظر لأعماق عينيه..

لم يكن يصدق انها هنا بجواره على مثل ذاك القرب الحميمى دون خوف دون ارتعاش او ارتجاف.. غابت تلك النظرة التي تقصيه عنها لتحل محلها نظرة مشتاقة و مرحبة بقربه..
رفع ذراعه لا أراديا ليحيط خصرها هامساً بالقرب من اذنيها باسمها: - زينة.. !!؟..

رفعت فمها مقابلا لنظراته تنطق كل حرف من حروف اسمه مفردا متفردا.. كل حرف كان مسمارا في نعش ثباته الوهمي الذى يدعيه أمامها..و الان أعلن استسلامه لها دون قيد او شرط وهو يقربها اليه اكثر هامساً في اذنها بصوت متحشرج بعد ان أنهت نطق اسمه بهذا الشكل الخطر:- عيون زكريا..

غابت بين احضانه و هي لا تصدق انها أخيرا صالحت الدنيا.. او ربما صالحتها الدنيا ان أهدتها ذاك الرجل الذى عشقته من الوهلة الأولى..لتجد نفسها أخيرا...و تشعر أخيرا..انها امرأة طبيعية يمكن ان تهب الحب و تناله بكل روعة و في منتهى الرقى مع ذاك الحنون الذى تنعم الان بدفء الأمان بين ذراعيه..

جاء من الخارج بعد ان استدعاه الحاج مندور لقضاء بعض الاعمال فاندفع ملبيا مبتعدا عنها بعد ان وجدت اخيرا طريقها لاحضانه.. صعد الدرج متوجها لحجرة حازم يطمئن انه خلد لنوم هانئ.. أغلق باب حجرته و توجه بقلب خافق باتجاه غرفتهما..

فتح باب الغرفة في وجل و دخل في تؤدة و أغلق الباب خلفه متطلعا حوله باحثا عنها ماسحا الغرفة بنظراته المتلهفة لمحياها و ما ان هم بالتحرك لداخل الغرفة حتى ظهرت هي من داخل الحمام في ثوب حريرى رقيق ظهرت و كأنها شذى عطر فاح في الأنحاء ليغمر روحه.. تسمر موضعه.. و كذا هي لم تتحرك قيد انملة و هي تنكس رأسها في خجل.. دفع نفسه دفعا للتوجه اليها في خطوات متمهلة لا تشى إطلاقا بما يعتمل بصدره من شوق اليها.. وقف أمامها مباشرة لا يفصلهما الا بضع سنتيمترات..

شعر بارتجافاتها المعتادة و تسلل القلق لروحه.. هل عادت سيرتها الأولى..!؟.. سأل نفسه في توجس.. الا ان شيء ما في أعماق نفسه اجابه بالنفى و دفعه ببطئ ليمد كفيه ليضعهما على اعلى ذراعيها و في بطء و تؤدة يدنيها الى احضانه و يطبق في حنو عليها بذراعين من حنان يدثراها.. و ابتسم في سعادة عندما اختفت الارتجافات المعهودة و سكنت هي في احضانه بوداعة..

اخفض رأسه ليهمس بإذنها في حنو: - انا مش جلت لك طول ما انت جنبى متخافيش.. أوعى تخافى..
رفعت رأسها في تردد باتجاه وجهه لتلتقى نظراتهما و أخيرا اماءت برأسها في إيجاب
و هي تحرك شفتيها بكلمة غالية تمنت ان تبوح بها منذ سنوات: - بحبك..

لمعت عينا زكريا لكلمتها الثمينة التي تعنى انه اصبح مالكا لقلبها و ان أمانها بالفعل بين ذراعيه و هو لا يدرك انه كذلك منذ ان وعته يتطلع اليها على شاطئ البحر في تلك الليلة التي تعدها هي ليلة القدر بالنسبة لها..
همس و هو يقربها لصدره من جديد بشوق و لهفة بعد ان باحت بمكنون صدرها
أخيرا: - و انت يا زينة.. جلب زكريا..
رفعت نظرات دامعة لوجهه ليحنى هامته مقبلا جبينها الوضاء و يضمها الى أضلعه في شوق...


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 03:07 صباحاً   [38]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل الثامن عشر

خرجت تترنح من داخل الحمام.. لا تصدق ما استنتجته منذ عدة ايّام و أكده لها الطبيب و ظلت لا تصدقه حتى هذه اللحظة..
تقدمت خطوات باتجاه فراشها لكنها شعرت بالدوار و كادت تسقط عندما مادت الأرض بها الا ان كفى زكريا القويتين تلقفتاها عندما دخل للغرفة على حين غرة و أسرع لنجدتها رفعها مسرعا باتجاه الفراش و ما ان هم بالاندفاع لإحضار الطبيب حتى همهمت معترضة و جذبته ليعاود الجلوس بجانبها من جديد..

أخذت تلتقط أنفاسها في تتابع و هي تنظر اليه في استكانة تربت على كفه تطمئنه انها بخير..
هتف زكريا في اضطراب: - لازما اجيب الداكتور يشوفك..
هزت رأسها نفيا و ابتسمت في سعادة و هي تقربه لتضم وجهه بين كفيها.. و قربت جبينه لشفتيها مقبلة إياه في عشق ثم ضمت راْسه لصدرها..
استكان في تعجب بين أحضانها و هو يستشعر قبلاتها الدافئة على جبينه..

رفع راْسه في تردد باتجاه نظراتها يود لو تطمئنه و تزيح ذاك القلق الذى يتسلل الى أعماقه بسرعة..
استشعرت هي ذلك التوتر البادى على محياه المحبب فمدت كفها و التقطت كفه السمراء تضعها على بطنها و تشير..
لم يستوعب ما تقصده او ربما لا قبل له ليتستنتج مقصدها.. اتسعت ابتسامتها لمرأى صدمته.. فأشارت بكفيها لبطنها و مثلت انها ستتكور و ضمت عضديها كأنها تحمل طفلا و تهدهده..

دمعت عيناه في سعادة غير مصدق.. و اندفع اليها ضاما إياها في فرحة غامرة اعتصرها بين ذراعيه مقبلا جبينها في حبور طاغ.. و همس بالحمد و الشكر لله و هي تبكى بين ذراعيه في وجل رافعة نظراتها للسماء شاكرة..

هتف الحاج مندور بنبرة غير مصدقة: - حامل.. زينة بنتى حااامل..!؟..
الف حمد وشكر ليك يا رب..
غامت عيناه بدموع فرحة و هو يفتح ذراعيه لاستقبال ابنته التي شاركته دموع فرحته و هي تلقى بنفسها في سعادة لأحضانه..
هتف حازم سعيدا بالخبر السار:- يعنى هيكون عندى اخ يا ماما زينة..!؟..

انفجر زكريا ضاحكاً: - يعنى هي اتچوزت ابوك بجت ماما و انا ابوك افضل زكريا.!؟
انفجر الجميع ضاحكين ليرد حازم: - حاضر يا زكريا.. هقولك يا بابا..
قهقه زكريا: - طب كتر خيرك و الله بصراحة معرفش أودى چمايلك فين..!؟..
و اه يا سيدى.. هياچيلك اخ او اخت..
هتف حازم معترضاً: - لااا..بنات لاا.. عايز ولد ألعب معاه..

قهقه الجميع ليرد زكريا: - اهو عشان لمضتك دى هيجيك بت..ايه رايك !؟..
انفجر حازم باكيا: - لااا.. عاايز واد ألعب معاااه..
ضحك الجميع على سذاجة حازم و كأن الأطفال بضائع معروضة في محل الألعاب ننتقيهم كما نحب و نرغب..

كان حمل زينة مستقرا لحد كبير مع بعض المحاذير..اتبعتها بحذافيرها و خاصة مع وجود الحاج مندور الذى كان يعد الأيام و الليالى حتى يهل حفيده الذى انتظره طويلا و لطالما دعا الله ليطيل في عمره حتى تتكحل عيناه برؤيته..
مرت أشهر الحمل على خير ما يرام لتأتى اللحظة الحاسمة..

اندفع زكريا بزوجته للمشفى المتفق على الوضع بها.. كان يروح و يجئ في قلق لا يستطيع تهدئته..
لقد دخلت لغرفة العمليات منذ ما يزيد عن الساعة و لكن لا جديد..ماذا يحدث بالداخل..؟؟!.. التوتر وصل به حد الجنون وهو يرى ممرضات تروح و تجئ لداخل غرفة العمليات حيث ترقد زينة و لا احد يطمئنه... و أخيرا خرجت إحداهن لتضع بين كفيه لفافة صغيرة تحمل ابنتهما..كانت قطعة مصغرة عن أمها..

نظر اليها في فرحة لكنها منقوصة لقلقه على أمها التي لم يطمئنه احد عليها حتى هذه اللحظة و أخيرا خرج الطبيب يتطلع لزكريا هاتفاً:- حضرتك جوزها مش كِده..!؟؟..
اكد زكريا في ذعر: - اه.. انا چوزها يا داكتور خير.. !؟.. هي كويسة..!؟..
اكد الطبيب: - هي للأسف ..

صرخ زكريا و قد ذابت مفاصله هلعا غير قادر على الوقوف من ذعره متذكرًا بدور: - مالها..ايه فيها..!؟..
أقر الطبيب: - للأسف بعض المضاعفات اثناء الولادة هاتضطرنا نشيل الرحم.. بس كان لازم ابلغك و اخد موافقتك..
صرخ زكريا مضطربا يهزه الذعر هزا:- اعمل اللى تجدر عليه يا داكتور.. بس هي تبجى كويسة.. اى حاچة بس تجوم بالسلامة.. اى حاچة ربنا يخليك.

ربت الطبيب على كتفه مطمئناً و هي يعود من جديد لداخل غرفة العمليات لينهار زكريا تماما على احد المقاعد القريبة من باب الغرفة يسند رأسه على احدى كفيه و ينظر لابنته بغصة و أخيرا نظر بعين دامعة للسماء متضرعا بقلبه:- ياااارب.. اجول ايه..!؟.. أسوى كيف.!؟..
ياارب مش جادر اجولها بس انت اعلم بيها..

يا رب.. جلبى معدش جادر.. انى معدتش جادر.. زكريا معدش جادر على وجع تانى.. يااارب..
و سالت دموع قلبه قبل عينيه..لا يعلم كم مر من الوقت و هو يناجى ربه..لينتفض اخيراً باتجاه الباب عندما رأى الطبيب خارجا..
و الذى ابتسم في وجه زكريا هاتفاً: - الحمد لله.. عدت على خير.. هاتبقى كويسة باذن الله.. بس لازم نخبى عليها موضوع إزالة الرحم ده شوية لحد ما تشد حيلها..

هتف زكريا غير مصدق: - يعنى هي بجت تمام كِده.. بجت بخير..!؟..
ابتسم الطبيب من جديد: - الحمد لله.. هاننقلها لاوضتها دلوقتى و هاتابعها و تبقى ذى الفل.. و مبروك عليك العروسة الصغيرة..
نظر اليها زكريا للمرة الثانية منذ وضعوها بين ذراعيه لكن تلك المرة بفرحة عارمة حامدا لله كثيرا..

اندفع ماجد ذو السبعة أعوام لمجلس جدته فضيلة فى قاعتها المفضلة يراها تجلس القرفصاء فوق احدى الأرائك تمسك بمسبحتها ذات الألف حبة تتمتم بالاستغفار حتى تأخذها سنة من نوم.. و تستفيق فجأة كما غفلت فجأة معاودة التسبيح من جديد.. ليهتف فى استكانة مصطنعة: - يعنى يا ستى حفظتى مهران القرآن.. و انا لاااه.. !؟..

هتفت الحاجة فضيلة: - مين جال كِده.. احفظك يا ماچد.. ده انت حبيبى.. اخر العنجود..
ابتسم ماجد فى شقاوة هاتفا: - طب ياللاه.. جولى و انا اجول وراكِ..
أكدت هى: - تماام..ياللاه ورايا..
و بدأت بالفعل تتلو بعض آيات من القران الكريم حتى راحت فى نعاسها المعتاد..

ابتسم ماجد فى سعادة و ما ان هم بالاندفاع خارجا ليلعب حتى استفاقت الحاجة فضيلة هاتفة: - رايح فين..!؟.. تعالى سمع يا واد
هتف ماجد مشاكسا: - خبر ايه يا ستى.. ما انا لسه مخلص تسميع.. انت نمتى تانى و لا ايه !؟..
هتفت الحاجة فضيلة نافية: - لااه.. ما نمتش يا جليل الأدب..
هتف ماجد بضيق: - طب اعمل ايه انا طيب.. اسمع تانى.. !؟..

أكدت الحاجة فضيلة: - اه.. سمع ياللاه..
ما ان هم ماجد بفتح فيه حتى راحت الحاجة فضيلة فى نوبة نعاسها السريعة من جديد..لينهض ماجد متسللا من خلف أريكتها ليخرج.. الا انها استيقظت
متلفتة حولها هاتفة فى ضيق: - وااه.. الواد سهانى و خرچ.. معچون بمية عفاريت..
قفز ماجد من خلف اريكتها هاتفا فى شقاوة: - انا أهو يا ستى..

لتنتفض هى مزعورة هاتفة فيه: - طيب يا ماچد.. و الله لأجول لأبوك لما ياجى.. و الله ليعلجك فى الشچرة اللى بره لحد لما يبان لك صحاب..
هتف ماجد مستعطفا: - و اهون عليكى يا ستى !؟.
هتفت الحاجة فضيلة بعد ان رق قلبها لاستعطافه:- لااه.. متهونش يا جلب ستك.. ده انت الغالى واد الغاليين.. بس بجولك ايه !؟.. لساتك معاك من البسكويت الطرى دِه اللى دوجتهونى عشية.. !؟..

أكد ماجد: -اه.. لسه معايا يا ستى..
امرته هاتفة: - طب اچرى هاتلى منيه أحسن انى نفسى فى حاچة حلوة..
اندفع ماجد مسرعا يحضره لها هاتفا قبل ان يغيب:- بس مش هتجولى لبابا حاچة مااشى.. !!؟
اكدت: - لااه.. مش هچول.. بس هاته انت.. اچرى..
لتغيب الحاجة فضيلة فى سباتها المفاجئ مرة اخرى..

اندفع زكريا بجوار السرير المدولب المدفوعة عليه زوجته زينة داخل أروقة المشفى.. يتطلع اليها في ذعر..هو يكره المستشفيات و كل ما يتصل بها وكان يتجنب الدخول اليها او التواجد فيها لأي سبب...
اخر مرة كان فيها داخل المشفى يجرى مضطربا بنفس ذاك المنظر المذعور يوم ولادة هدير منذ سبع سنوات.. و الان..

لا يعلم ما الذى حدث لزينة بالضبط.. فكل ما قصته رزقة عليه.. ان هدير كانت تخرج من حافلتها المدرسية و كعادتها المشاغبة بدلا من ان تدخل لبوابة الفيلا اندفعت في الاتجاه المضاد تعبر الشارع للجانب الاخر حيث احد بائعى الحلوى و الذى رغبت في الشراء منه تلك المصاصات ذات الألوان و الأشكال المختلفة التي تعشقها.. و في اثناء ذلك كانت زينة تنتظرها كعادتها في نافذة الطابق الثانى..

لتسمعها رزقة فجأة تصرخ عندما شاهدت هدير تعود ادراجها للفيلا بشكل غير محسوب و هناك سيارة قادمة في سرعة باتجاهها فما كان منها الا الصراخ.. و الهتاف باسم هدير..لتسقط فاقدة وعيها تساءل: - هل حقا زينة هتفت باسم ابنته..!؟
هل تكلمت اخيراً.. نطقت بعد كل تلك السنوات..!؟.. لا يدرى حقيقة ذلك..!؟..

و لا ثقة له في رواية رزقة.. و التي يعلم تماما مدى تركيزها المحدود.. و التي للأسف كانت الشاهد الوحيد على ما حدث..
لحظات و خرج الطبيب المعالج مطمئنا زكريا: - دى صدمة عادية.. متقلقش..هتاخد وقتها.. و خاصة ان بقالها سنين متكلمتش..
هتف زكريا مستوضحا: - يعنى هي هتبجى بخير..!؟..

أكد الطبيب رابتا على كتفه: - أكيد باْذن الله.. بس لازم دكتور متخصص يتابعها أفضل..
أكد زكريا بايماءة من رأسه..و هو يفتح باب غرفتها ليتقدم الى فراشها رابتا على رأسها في حنو.. متلهفا على استفاقتها ليتأكد انها بخير.. و ربما يستمع لصوتها الذى يشتاق لسماعه منذ سنوات..

دخل حمزة الى الإسطبل فى سعادة فأخيرا سيكون له فرسا باسمه.. فرسا خاصا به يحمل اسمه.. هكذا وعده عمه عاصم عندما ينجح فى الإعدادية و ها قد نجح بتفوق كعادته و الْيَوْمَ هو يوم انتقاء الجائزة. هدية النجاح.. فرسته الحبيبة التى حلم بها دوما..

جال بنظرة فى الإسطبل باحثا عنها حتى وقعت أنظاره عليها.. فرسة شامخة مشعة اللون كالعسل المصفى المخلوط بتبر الذهب.. كانت خلابة.. ذهبية.. هكذا قرر تسميتها.. اندفع فى اتجاهها يربت على عنقها الشامخ القوى كأى فرس عربى اصيل و أخرج من جيب جلبابه مكعبات من السكر ابتاعها خصيصا لأول لقاء بها.. دفع بقطع السكراليها و هو يهمس باسمها بجوار اذنيها و هى تنحنى تلتقط قطع السكر فى استمتاع صهلت الفرسة فى سعادة و كانما قد راق لها الاسم..

اسرجها بغية امتطائها قليلا حتى و لو داخل الإسطبل فعمه عاصم لم يسمح له بالخروج بها بعد.. انتهى من وضع السرج الفضى على ظهرها
ليزيدها فتنة.. و ما ان هم بالصعود على صهوتها حتى هتف صوت رقيق أسفل منه فى نبرة مترجية: - ممكن تخلينى أركبها يا حمزة..!؟..

نظر حمزة للأسفل منتفضا ليجد تسبيح ابنة عمته سهام.. تلك الصغيرة الشقية التي تبلغ السابعة من عمرها و التى لا يُرفض لها طلبا و الا ملأت الدنيا صياحا و ظلت تبكى حتى تحصل على مبتغاها.. كان لديها القدرة للبكاء بالساعات دون انقطاع و لا قبل لأحد على احتمال هذا العذاب.. لا تغرنه تلك النظرة البريئة المطلة الان من عينيها.. فهى نظرة توسل تأتى فى البداية قبل الرفض الذى يكون عاقبته وخيمة و يظهر ساعتها الوجه الاخر لتلك البراءة المزيفة..

هتف فيها حمزة: - لااااه.. مش هاينفع يا تسبيح.. انا لسه متعودتش على الفرسة و معرفلهاش.. و بعدين أنتِ ايه اللى جابك هنا من الأساس..!؟..
رفعت كتفيها بلامبالاة مجيبة: - كنت راچعة من المدرسة شوفتك داخل هنا.. رحت چيت وراك.. مش هتركبنى بجا.!؟.. باسل مش بيرضى.. و انت كمان يا حمزة..!!

و بدأت فى إطلاق شهقات خفيفة إيذانا ببدء وصلة البكاء المعتادة..
هتف فى ذعر: - لااه.. خلاص ما تبكيش.. انا هخليكى تركبيها بس تنزلى على
طوول.. اتفجنا..!؟..
سكتت شهقاتها فى التو و ابتسمت مؤكدة باهتزازات متتابعة من رأسها انها موافقة على اقتراحه..

جال حمزة ببصره فى المكان ليجد دلولا فى احد الأركان.. احضره على عجالة وضعه مقلوبا أسفل سرج الفرسة و طلب منها الوقوف عليه
وقفت بالفعل.. فأمرها بوضع قدمها داخل موضع القدم المدلى من السرج مع دفع جسدها لاعلى الفرس بمساعدته لتستقر على ظهرها ففعلت فى طاعة عمياء..

و اتبعت تعليماته بحذافيرها..لتجد نفسها و قد أصبحت على ظهر الفرس و نظرت من عليائها فى سعادة منقطعة النظير ابتسم هو لسعادتها و هتف أمرا: - ياللاه.. بكفياكى كِده.. هاتى يدك انزلك..

هتفت تسبيح فى رعونة: - لاااه..خلينى شوية و مدت يدها تلتقط لجام الفرس والتى تنبهت برفع رأسها عن جوال التبن الذى كانت تغرس فمها فيه و تحركت آذانها استشعارا لبدء نشاط ما منذ لمست يد تسبيح اللجام و الذى لسوء الحظ حاول حمزة ألتقاطه منها لمعرفته بخطورة العبث بلجام الفرس دون دراية لكن.. سبق السيف العزل.. واشرأبت عنق الفرس و صهلت لتندفع فى حماسة خارج الإسطبل و تسبيح تحاول التوازن على صهوتها مع صرخات حمزة و نداءاته و ركضه خلفها.. لكن.. لا فائدة اندفعت سندس لداخل السراىّ تلقى حقيبتها المدرسية فى حنق باكية مما استرعى انتباه زهرة التى توجهت اليها فى قلق هاتفة: - في ايه يا سندس..!؟.. بتعيطى كده ليه يا حبيبتى..!؟..

فتحت سندس كفيها ليظهر بينهما اساورها العزيزة عليها و قد تحطمت تماما.. تلك الأساور التى كانت تتباهى و تزهو بها فى سعادة لندرة الحصول على مثلهن..
فقد طلبتهن مخصوص من احدى صديقاتها التى كانت تسافر لأبيها احدى دول الخليج.. فتلك الأساور هى أساور هندية اصلية.. و هى تعشق الأساور بجنون..

و هى المفضلة لديها من بين تلك المجموعات التى تملكها. ولكم تعجب عاصم ابيها لحبها الشديد لارتداء الأساور من صغرها.. و طالما أكد انه يريدها ان ترتديهم من الذهب الخالص.. لكنها ترفض بشدة مكتفية بالأساور الخاصة بالزينة بألوانها المبهجة و صوت رنينها الأخاذ..

هتفت زهرة مؤنبة: - كام مرة قلت لك المدرسة مش مكان للبس الغوايش بتاعتك دى و انتِ مفيش فايدة.. برضه بتلبسيهم..
اهم اتكسروا..
رق قلب زهرة لبكاء ابنتها الحار فسألت مستفسرة: - بس اتكسروا ازاى..!؟..

هتفت سندس من بين دموعها: - مدرس العربى طلب منى أعراب جملة غلطت راح ضاربنى بالعصايا.. جت فى الغوايش و اتكسروا..
ضمتها زهرة هامسة: - طب خلاص..
متزعليش.. هنجيب لك غيرهم.. بس متلبسيهمش فى المدرسة مااشى.. !!..

ابتعدت سندس عن احضان أمها واضعة اساورها المكسورة على الطاولة فى حنق مندفعة للدرج: - مش هتلاقوا زيهم يا ماما.. دوول جايين من بره..
رن جرس التليفون.. فاتجهت زهرة للإجابة تشعر بالضيق لحال ابنتها و عشقها العجيب للاساور و التى ألقت نظرة على بقاياهم المحطمة على الطاولة قبل ان تنصرف للإجابة على الهاتف الذى يدوى رنينه بغرفة المكتب..

لم تكن زهرة تعلم أو حتى تدرك ان هناك من كان يستمع للحديث الدائر و دخل يجمع بقايا الأساور المحطمة يضعها فى جيب جِلْبابه و يخرج فى هدوء كما جاء...
صرخت سهام داخل رواق المشفى و هى تندفع الى الحجرة التى تضم ابنتها و الطبيب الذى يقوم بفحصها الان.. اندفعت تستند على ذراعى حسام زوجها الذى كان يقف مشدوها لا يعرف ما الذى يحدث بالضبط و خلفهما يقف عاصم فى حيرة لا يعرف ما عليه قوله.. صرخت فى جنون فى حمزة الذى كان يقف فى احد الأركان زائغ البصر لا يدرك ما عليه قوله أو فعله: - انت السبب..انت يا بن سليم السبب.. منك لله.. ذنبها فى رقبتك.. حرام عليك..

كانت تهزى بتلك الكلمات كالذى فقد عقله غير مدركة لأثر كلماتها فى نفس متلقيها.. هى مكلومة فى ابنتها و تريد ان تلقى اللوم على احدهم..
بكى حمزة.. ذاك الفتى الذى يعلم ان دموع الرجال عيبة كبيرة فى حقه..لكنه لم يحتمل اتهاماتها و بكى بدموع صامتة..
ربت عاصم على كتفه مطيبا خاطره.. و هامسا بالقرب من مسامعه عندما تأكد من ابتعاد سهام بعد ان جذبها حسام بعيدا عن حمزة محاولا تهدئتها حتى خروج الطبيب: - معَلش يا حمزة يا ولدى متاخدش على عمتك و كلامها.. من خوفها على بتها..

أومأ حمزة برأسه متفهما هامسا بصوت مختنق بالبكاء:- و الله يا عمى عاصم هى اللى ركبت الفرس و انا جلت لها تنزل مرضيتش و شدت لجام الفرسة فرمحت بيها و ملحجتهاش.. و لجيتها بعديها واجعة و رجليها منصابة..
ربت عاصم على كتف حمزة من جديد: - الغلطة مش غلطتك يا حمزة.. الغلطة غلطة الغفير الفجرى اللى جلت له يخلى باله عليك و انت بتختار فرسك.. كان فين ساعتها !؟...لو كان موچود مكنتش تسبيح دخلت الإسطبل من اساسه..

بكى حمزة من جديد: - انا مكنش جصدى اللى حصل لتسبيح دِه.. جول لعمتى سهام تسامحنى..
هم عاصم بإجابة الفتى و طمأنته الا ان باب الغرفة فُتح فجأة فانتفض الجميع عندما خرج الطبيب و اندفعوا كلهم نحوه فى لهفة ليكون عاصم السائل الاول: - خير يا داكتور..
طمنا..

هتف الطبيب بصوت يحاول ان يخفف عليهم الصدمة: - انا كان بوسعى أطمنكم.. بس الحالة صعبة و إصابة رجلها شديدة و لازم لها عملية حالا.. و بعدها ممكن نقرر..
لجمت الجميع الصدمة و لم يتفوه احدهم بكلمة و استفاقوا جميعا على سهام التى سقطت بين أيديهم فاقدة الوعى..

استفاقت من غيبوبتها التي تدخل اليها مرغمة بسبب تلك الأدوية و العقاقير التي تتناولها..
همست بصوت متحشرج واهن متقطع الأحرف: - هدير.. هدير..
اندفع اليها زكريا غير مصدق ينظر اليها و عينيه تكللها الدموع.. انها تتحدث بحق.. انها تسأل عن هدير..
همس متأثرا: - هدير بخير يا زينة.. و الله بخير.. و هجبها تشوفيها..

اومأت إيجابا و هي تمد كفها لوجهه المحبب لقلبها تملس على جانبه في شوق..
لتهمس بوهن: - زكريا..بحبك يا زكريا ابتسم في حبور و انحنى يقبل جبينها في شوق اليها.. و يرفع كفها الممدودة جواره ليقبل باطنه في سعادة لا توصف..
همست من جديد: - كنت واخدة عهد على نفسى.. اول كلمة أنطقها لو ربنا أراد و اتكلمت.. هي اسمك.. زكريا..

و اعادت نطقه من جديد في حبور..وهو ينظر لعمق عينيها الجوزيتين في عشق.. لتهمس من جديد متسائلة: - برضة لسه معرفتش انا مين يا زكريا..!؟..
ابتسم محركا رأسه في تأكيد على فشله الذريع في تذكر أين رأها و متى..!؟..
لتهمس هي: - انا البنت اللى انت أنقذتها من غلاسة الشباب على البحر.. و اللى وقفت تتنفض في خوف و مكنش في حاجة غير صوتك اللى حسسها بالأمان.. و اللى خلتها تقدر تقاوم لحد ما تقدر ترجع لطبيعتها..

شهق زكريا متذكرًا غير قادر على التفوه بحرف.. لا يصدق انها تلك الفتاة حقا..
اومأت برأسها إيجابا مستطردة: - انا حبيبتك قبل ما ترجع إسكندرية تانى و تنقذنى يوم ما جيت اتفرج على الفيلا.. حبيبتك قبلها بسنين.
مد كفه ليعيد خصلة متمردة من شعرها الى جانب وجهها ليبتسم متسائلا: - كيف..!؟..

من يوم الموقف ده على الشط و انا كل يوم امر من هناك.. اشوفك قاعد قصاد البحر.. أفضل قاعدة أبص لك من بعيد لحد لما تقوم تمشى..
كل يوم على كده..لحد لما جه يوم.. مشفتكيش على البحر تانى.. و فضل عندى أمل أسابيع انك راجع.. بس مرجعتش..لدرجة انى تعبت فترة بعدها.. و اليوم اللى شفتك فيه تانى و انت بتنفذنى في موقع البنّا.. ده كان اجمل يوم في عمرى.. لأنك رجعت.. ظهرت تانى في حياتى بعد ما كنت فاكرة انى مش هشوفك تانى أبدا..

انحنى في حب يلثم جبينها من جديد هامسا: -ده كان اسعد يوم في حياتى انا.. و النهاردة.. تانى اسعد يوم لانى سمعت صوتك.. صوتك اللى كان نفسى اسمعه من يوم ما عرفتك..
ابتسمت في حبور غير مصدقة انها اخيراً تتكلم اليه.. تحادثه.. منذ اللحظة لن تصمت أبدا.. ستظل تتكلم و تتكلم.

ستظل تبثه حبها و عشقها كلمات و كلمات لسنوات طويلة قادمة.... لتعوض كل ما فاتها وهى غارقة في دنيا الصمت..


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 03:08 صباحاً   [39]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل التاسع عشر

اندفع حمزة لداخل داره فى حزن حقيقى.. فذاك الْيَوْمَ الذى ظل ينتظره حتى يحصل على فرسه التى تمناها أصبح اليوم الاسوء على الإطلاق بعد ما حدث لتسبيح..
دخل حمزة لغرفة جدته بخيتة و التى استشعرت وجوده بعد ان ذهب الحزن و البكاء بنظرها فى بطء دون ان يستشعر احد حتى اصبح علاجها لا يصلح لإعادة بصرها.. و كم استحلفت الجميع الا يخبروا زكريا بذلك و عاهدتهم و اوفى الجميع بالوعد..

هتفت بخيتة فى سعادة: - حمزة..!!.. تعال يا ولدى.. جرب..
اندفع حمزة فى حزن باتجاه جدته ليلقى برأسه فى حجرها لتمسد على جبينه و شعره هاتفة فى توجس: - خير يا ولدى.. ايه فى..!؟..
شهق حمزة فى محاولة لكتم بكائه: - يعنى مسمعتيش باللى حصل لتسبيح يا ستى..!؟.

اومأت جدته برأسها ايجابا ليستطرد فى حنق..انا مكنتش اجصد..انا معملتش حاچة.. هى اللى طلبت تركب الفرس و انا مجدرتش اجولها لااه..
همست بخيتة: - عارفة يا ولدى.. مهياش غلطتك يا حبيبى.. روج حالك..
هتف حمزة شاهقا: - لكن عمتى سهام..
قاطعته بخيتة هاتفة: - معلَش.. متخدش على كلامها..محروچ چلبها على بتها.. ربنا يكون فى عونها.. بااذن الله تجوم بالسلامة.
هتف من قلبه: - يارب يا ستى.. يااارب.

كان الجد قدرى يراجع بعض الآيات لحفيدته المفضلة و القريبة لقلبه تسنيم و لم يكن وصلهما بعد ما حدث لتسبيح عندما تنحنح مهران فى أدب مستأذنا
للدخول.. تأكدت تسنيم من احكام حجابها حول رأسها حتى أذن الجد قدرى لمهران بالدخول.. دخل مهران يغض بصره فى تأدب هاتفا للجد قدرى: - ازيك يا چدى..
انا چيت حسب الميعاد هتف قدرى: - تمام يا ولدى.. اجعد عشان اراچع لك انت و تسنيم.. ثم أخذ يقلب في مصحفه متسائلا و قد اخذه النسيان كعادة كل
أسبوع عندما يجمعهما ليسترجع لهما ما أمرهما بحفظه:- احنا وصلنا لفين.. !؟..
هتف كلاهما.. مهران و تسنيم فى نفس اللحظة: - الچزء ال..

و صمت كلاهما فى نفس اللحظة دون ان يكمل احدهما إحراجا..
فتعجب الجد قدرى ليرفع رأسه عن مصحفه هاتفا: - الچزء الكام.. محدش جال يعنى..!؟..
هتف مهران فى عجالة ليجنبها الاحراج: -الچزءالأخير يا چدى..سورة المطفيين..
هتف قدرى وهو يفتح مصحفه: - ايوه يا ولدى صُح.. ربنا يبارك لك..ثم استطرد أمرا حفيدته الخجول التى لم تتفوه بحرف منذ بداية الجلسة: - ياللاه يا تسنيم ابدأى..

تنحنحت فى اضطراب و بدأت فى التلاوة بصوت أخاذ و ما ان وصلت للأية الكريمة التى تحمل اسمها حتى ابتسم مهران فى فرحة متذكرًا كيف كانت تكره اسمها.. و كيف ذكر لها الجد قدرى تلك الآية فى نفس ذاك المكان الذى يجمعهما الان.. هل لا زالت تذكر ذاك الاسم الذى أطلقه عليها عندما ارادت ان تختار اسما غير اسمها الذى كان مثار سخرية الاولاد منها.. هل لا زالت تذكر..!؟..

هتف الحاج قدرى مخرجا مهران من شروده و فرحته التى غافلته لترتسم بابتسامة بلهاء على شفتيه دون ان يدرك ذلك: - ايه فى يا مهران.. بتضحك ليه !!..
ما تفرحنا معاك انتفض مهران هاتفا فى احراج: - لاه..
مفيش يا چدى.. عاادى..
أمره الجد: - طب ياللاه كمل.. السورة اللى جبلها..

بدأ فى التسميع بإجادة و استمروا على هذا الحال.. حتى وصلوا لسورة كان يحفظها مهران عن ظهر قلب.. بدأت تسنيم فى التلاوة لكنها تلجلجت و أخفقت فى تذكر بعض الآيات مما استرعى انتباه الجد ليؤكد لها ضرورة إجادة حفظ تلك السورة بشكل أفضل و اكثر إتقانا.. و هنا جاء دور مهران الذى ألقى نظرة سريعة عليها فوجد وجهها يحمل الكثير من الحزن لإخفاقها.. فصمت..

هتف الجد مازحا: - خبر ايه يا مهران.. سمع ياللاه.. و لا شكلك عايز عَزومة..
ابتسم مهران بإحراج هاتفا: - أصل شكلى يا چدى انا كمان نسيتها و عايز أراچعها..
انفجر الجد ضاحكا: - طيب و ماله.. خلاص راچعوها و نبجى نسمعها الأسبوع الچاى مع السور الچديدة.. ياللاه تعالى يا مهران خد
بيدى لحد الچامع.. العصر وچب..

انتفض مهران فى اتجاه الجد قدرى يأخذ بيده متوجها لخارج القاعة ليفاجئ بتسنيم تنحنى تضع خُف جدها الجلدى تحت أقدامه ليرتديه الجد فى بطء هامسا بالدعاء لهما..
دعاء وصلت بعض من حروفه و كلماته المبهمة لأذن مهران.. ليبتسم فى سعادة عندما استنتج ان الجد يجمعه بها فى دعائه الذى دوما يخصهما به..
لكن هذه المرة..

تلك الكلمات التى كانت دوما مبهمة و كأنها طلسم أو تعويذة ما لا يستطيع احد فك رموزها استطاع مهران اخيراً ادراك احدى الكلمات التى تحمل دلالة تخص.. قلبيهما.. فابتسم في حبور..

هتف صديق باسل والذى كان يتدارى داخل غيط من القصب بجوار بيت مدرس اللغة العربية بالمدرسة الإعدادية و بجواره يرقد باسل فى شرود يقلب تلك الأساور المحطمة و الغالية على قلبه فى تيه تام حتى انه لم يسمع هتاف صديقه للمرة الثانية و الذى لم يستطع رفع صوته اكثر من ذلك فألقى بإحد الأحجار بجوار باسل الذى كان ممددا داخل الغيظ بلامبالا و تنبه اخيرا لإشارة زميله دلالة على وصول المعلمصف معلم اللغة العربية دراجته البخارية
المتهالكة بجوار باب داره و دخل و أغلق بابه خلفه..

اندفع كلاهما باسل و صديقه فى اتجاه الدراجة البخارية و بدأ كل منهما فى إلحاق الضرر بها بأى شكل من الأشكال..
كان على باسل ان ينتقم.. نعم.. كان عليه ان يثأر من ذاك المعلم القاسى الذى تچرأ و ضرب سندس و حطم اساورها الغالية و التى يتزايد وجيب قلبه كلما سمع رنينها قادما تجاهه..

هى لا تدرك ذلك أبدا.. و هو لم يجعلها يوما تدركه كلاهما على طرفي نقيض.. هى تلك المتفوقة التى لا تعبء لشئ سوى دراستها و تلك الأساور التى تعشقها.. اما هو فلم يلقى بالا بأى شئ فى حياته سوى سندس.. هى فقط.. لا شئ اخر يحتل مكانتها أو حتى يزاحمها فى محبتها... على عكسها هو فإن الدراسة لم تستهويه يوما.. منذ بلغ الثانية عشرة و هو يصحب ابوه فى كل ما يخصالعمل و الغيطان و القصب و العصارة..

و اخيراً... اصبح يترك له بعض السفريات الى القاهرة يقوم بها منفردا و اثقا فى قدرته على اتخاذ القرار السليم و كم اسعد ذلك حسام والده فهو ولده الوحيد و ذراعه الأيمن بقدر ما احزن أمه التى كانت تتمنى لو تراه طبيبا أو مهندسا..

انتهى و صديقه من مهمتهما الثأرية و افترقا ليندفع فى سعادة وهو يربت على جيب جلبابه يطمئن انه يحمل بغيته..
تسلل بهدوء للسراىّ و استدار حيث ذاك المرأب القديم الذى يحتفظ فيه خاله عاصم بتلك السيارة القديمة الطراز و التى لم يعد يستخدمها برغم حالتها الجيدة منذ زمن بعيد. لقد سمع أمه تخبر أبيه انها نفس العربة التى اختطف فيها خاله عاصم..

زوجته زهرة لينفذ انتقام الهوارية القديم من ابيها..
ابتسم عندما وصل للسيارة القابعة فى احد الأركان و فتح بابها الذى يزأر عند فتحه دوما.. و الذى حاول على قدر استطاعته اخفاض صوته بأن يبطئ في فتحه حتى لا يدرك احدهم وجوده..

تنهد فى سعادة و هو يضع تلك الأساور الرائعة الألوان على مقعد السيارة الخلفي حيث تحب سندس دوما الجلوس وحيدة لقراءة رواياتها أو حتى بعض كتبها المدرسية فهذا هو مكانها المفضل.. بالاصح.. مكانها السرى المفضل و الذى لا يعلمه احد غيره..تطلع لمجموعة الأساور البراقة التى تركها على مقعد السيارة و أغلق الباب بحرص و هو يتخيل مدى سعادتها عندما تأتى لتجد اساورها الحبيبة..

نعم.. نسخة جديدة من تلك الأساور التى لف و دار الكثير من المحال فى اخر زيارة له فى القاهرة حتى يستطيع الحصول على نسخة منها.. و عندما وجدها
كاد يقفز فرحا..
تسلل عائدا من جديد و هو يبتسم فى سعادة لانه استطاع ان يثأر من المعلم الاحمق الذى تطاول عليها و الأهم هو ان اساورها قد عادت اليها من جديد.. عادت على يديه..

دخل يونس لدار زكريا و التى أصبحت داره بعد ان كتبها زكريا باسمه هو و كسبانة كهدية بمناسبة زواجهما..
ليجلس فى حزن قبالة كسبانة التى كانت تضع الطعام لصغارها حمزة و حامد و اخيراً تنبهت لنبرة الحزن فى صوت زوجها وهو يلقى التحية فتساءلت فى قلق: - خير يا يونس..!؟.. ايه فى !؟.
هتف محزونا: - خالتى البقاء لله..

شهقت كسبانة: - لا حول ولا قوة الا بالله.. الله يرحمها..
همس مكررا: - الله يرحمها.. المهم دلوجت امى.. كيف هسيبها لحالها هناك.. كانت جاعدة مع خالتى و مونساها..دلوجت هتجعد هى فى بلد و انا فى بلد و كمان بطولها.. طب دِه انى اللى كان مصبرنى انها هى اللى مش عايزة تفوت اختها وتاجى تعيش هنا و اهى راحت الله يرحمها..

هتفت كسبانة: - لااه.. ميصحش تسيبها لحالها يا يونس.. روح چيب الحاچة سَكينة تعيش معانا.. و أهو البيت واسع و يساع من الحبايب ألف..و حتى و لو مش واسع نشيلها فوج روسنا..
هتف يونس: - بس هى ترضى تاجى..
أكدت كسبانة: - هاتاجى.. هى ليها مين هناك.. مش بجيلها حد.. روح جيبها يا يونس وجولها انك ساكن فى ملكك..ساعتها هاتيجى و هى عارفة انها مش هتجل على حد و انها جاعدة فى ملك ولدها..

هتف يونس فى فرحة: - و الله و عِندَك حج يا كسبانة.. يمكن دِه يخليها تاجى صُح..
ابتسمت كسبانة عندما بدأ حزنه يتبدد و جذبته ليجلس بجوار ابنهما حامد لتضع له صحنا هو الاخر ليتناول عشاءه و قد بدأ يستعيد راحة باله..

دخل زكريا يخلع سترته و يضعها على ظهر مقعده ليتناول الطعام مع عائلته كالعادة.. كان يترك كل ما يشغله ليأتى اليهم ليقضى سويعات قليلة في صحبتهم قبل عودته للعمل من جديد..

عدة سنوات مرت عمل فيها بجد و اجتهاد حتى اصبح من اكبر رجال المقاولات في الإسكندرية..
هتف في رزقة: - فين باچى الأكل يا رزجة.. چعانين..
طلت زينة في سعادة لعودته تشاركه المائدة:- حالا يا حبيبى.. الأكل هايجى..
ابتسم لها متسائلا: - طب و فين العيال..!؟.

اندفع كل من حازم و هدير لداخل الفيلا في صخب.. لتهتف هدير ممتعضة: - يا بابى لو سمحت خلى حازم ملوش دعوة بيا.. و ميعيبش على لبسى و لا صحباتى..
هتف حازم ذو الخمسة عشر عاما مدافعا عن نفسه:- انت اللى تنتبهى للبسك ده.. كام مرة اتخانق بسببها و بسبب لبسها..العيال بيعكسوها..!؟..

انفجر كل من الحاج مندور و زينة ضاحكين و هم يروا حازم يشعر بالغيرة على اخته الصغرى التي لم تبلغ العاشرة بعد.. بينما طلت من عينىّ زكريا نظرات إعجاب لرجولة ولده و اصله الصعيدى الذى يتسرب رغما عنه في تصرفاته..
استطرد حازم هاتفاً في حنق: - كمان صحباتك أساسا بنات هايفة..انا مش عارف انت بتحبى فيهم ايه دوول..!؟..

انفجرت هدير باكية ساخطة مندفعة لاحضان جدها مندور نصيرها الأوحد و الأقوى في فيلا مندور.. فأبوها دوما ما يخبرها ان عليها طاعة اخيها الأكبر.. و أمها تقف دوما على الحياد و أحيانا في صف حازم و لا يبقى لها غير جدها مندور و الذى لا يقبل ان يضايقها احدهم او يفرض عليها امرا لا تحبه.. و بالتأكيد لا يستطيع احد ان يخالف الجد مندور او يرد له امرا..

ضمها جدها بين ذراعيه مهدهداً.. و جاذبا أياها لتجلس على قدميه فوق ذاك المقعد المدولب الذى لم يغادره منذ سنوات طويلة..
هاتفاً بما يشبه الفرمان: - هدير تعمل اللى هي عيزاه.. دى حبيبة جدها.. متزعلهاش تانى يا حازم..
اكد حازم بأدب: - حاضر يا جدى..

بينما نظر زكريا لزينة و التي تعلم تماما سبب نظرات زكريا التي تحمل الكثير من الضيق نظرا لانه لفت نظرها كثيرا لذاك الدلال الزائد الذى تحظى به هدير من جدها مندور و مخاوف زكريا من ان يفسدها دلاله و لكم أخبرته زينة ان ابيها يفعل ذلك رغماً عنه فهى حفيدته الوحيدة و التي يعشقها بالفعل و يرى ان بعض الدلال لن يفسدها..

بل انه يرى انه من حقها و من أولى بالدلال اكثر من حفيدة الحاج مندور الوحيدة...و خاصة ان الحاج مندور يعلم انه لن يكون له المزيد من الأحفاد بعد إزالة الرحم التي تعرضت لها زينة ابنته بعد ولادة هدير مباشرة..و كم نبه زكريا زينة كثيرا لتساهلها مع هدير فيما يخص ملابسها المتحررة قليلا و التي لا ترضيه و لكن دوما كان هناك الجد مندور الذى يحكم لصالح هدير و كل ما ترغب به..

جلس الجميع يتناول طعامهم بصمت خيم على الطاولة..كان يقطعه بين الحين و الاخر بعض كلمات هنا و هناك حتى هتف زكريا متذكرًا: - بجولك ايه يا حاچ..!؟..
انتبه الحاج مندور ليستطرد زكريا باهتمام: -تعرف حد اسميه الباشا..!؟..
ردد مندور الاسم في محاولة للتذكر ثم هتف أخيرا: - لااا يا بنى.. مصدفنيش الاسم ده قبل كده.. مين ده..!؟..

هتف زكريا بحنق: - دِه واحد بجاله فترة جليلة في السوج.. بس ايه مجلكش ياحاچ.. خارب علينا المناجصات كلها.. مش سايب لحد حاچة يتهنى بيها..
هتفت زينة: - مش ماشى قانوني !!.خلاص
هتف زكريا معترضاً: - بس الرحمة حلوة برضك.. يعنى الناس اللى حواليه مش تاكل عيش..!؟.. و لا تجعد تتفرج عليه.. اخر مناجصة احنا جايبين فيها اجل سعر و كنت متاكد انها بتاعتنا.. فچأة لجيته طلع من تحت الأرض و اخدها لحسابه.. انا مش هسيبه الباشا دِه..

هجبله و اعرف ميته ايه.!؟.
هتفت زينة في لوعة: - لا يا زكريا.. عشان خاطرى.. بلاش السكك اللى فيها مشاكل..
و همست بالقرب منه.. انا خايفة عليك..
نظر الى عمق عينيها في محبة هامساً و هو يغمز لها بطرف خفى بكلمته التي طالما كان يرددها على مسامعها عندما كان يجدها ترتجف مذعورة: - طول ما انى معاكِ متخافيش..

ابتسمت وعادت تتناول طعامها في سعادة ليهتف الحاج مندور مؤيدا لقرار زكريا: - عين العقل.. اعرف خصمك مين و دماغه فيها ايه..!؟.. روح قابله يا زكريا..
هز زكريا رأسه موافقا..

حاول زكريا مقابلة ذاك الرجل المدعو الباشا عدة مرات و في كل مرة يكون غير متواجد في الإسكندرية و أحيانا يكون خارج مصر كلها فيأس زكريا من مقابلته..

اليوم يقف الان كل رجال المقاولات في الإسكندرية تكتظ بهم قاعة المزادات.. اليوم يوم حاسم في مزاد ضخم لا يتكرر الا كل فترة طويلة لذا يتكالب على النيل به كل رجال الاعمال في الإسكندرية بلا استثناء و بالتأكيد ذاك المدعو الباشا من أوائل من سينضمون لقائمة المتصارعين على ذلك المزاد و مكسبه الخيالى الذى يفوق التوقعات لذا وطد زكريا نفسه على الفوز به مهما كان الثمن.. فالفوز بمزاد كهذا سينقل شركته نقلة نوعية جبارة في عالم الإنشاءات و المقاولات و هذه فرصة لا تعوض و لن تأتى في القريب..

كان المكان يعج بالوافدين من كل صوب و حدب و كان هتافهم و نقاشهم يعلو حتى يصم الاذان.. تلفت حوله يبحث عن مندوب الباشا الذى يعرفه الجميع و الذى يحضر بالنيابة عن الباشا نفسه في كل المزادات..
لكنه لم يجده كالعادة و كم تعجب لذلك.. فكيف يتغيب عن مزاد كهذا ينتظره الجميع انتبه و صمتت الأصوات المتعالية فجأة عندما سُمع عدة طرقات على طاولة ما إيذانا ببدأ المزاد..

تعالت الهتافات هنا و هناك مع بدء المزايدة و احتدم صراع الأرقام التي كانت تتقاذف من الأفواه هنا و هناك.. و في لحظة ما و عندما وصل الصراع لاشده.. فُتح باب القاعة ليهتف احدهم برقم ألجم الجميع عن المتابعة و المزايدة بل أرغمهم على التطلع لذاك الذى دخل القاعة متبخترا و حوله زمرة من رجاله من بينهم ذاك المندوب الذى تغيب اليوم ليحضر و معه سيده..

توقف الباشا في قلب القاعة لا يفصله عن طاولة المزاد سوى خطوات ليهتف من جديد بالسعر الذى حدده.. و يستدير لكل من بالقاعة.. نظر اليه زكريا في شك يعقد جبينه في حيرة.. و أخيرا عندما خلع الباشا نظارته الشمسية شهق زكريا في صدمة جعلت الباشا نفسه يتطلع نحوه ليصمت للحظات و يشهق بدوره و هو يتطلع لزكريا في ذهول...

دخل حسام غرفة نومه لتطالعه سهام تجلس فى احد الأركان تبكى فى صمت.. اقترب ليجلس بجوارها على تلك الأريكة التى تجلس هي على احد اطرافها تنوح فى حزن يمزق نياط القلب..
ربت حسام على كتفها هامسا:- خبر ايه يا بت الشيخ مهران..!؟.ايه المناحة دى.. !؟.

همست و هى تمسح دموعها الغزيرة عن وجنتيها بظهر كفيها: - يعنى معرفش ليه المناحة.!؟.. بتى ضاع مستجبلها و تجولى ليه المناحة..!؟..
هتف فيها مهدئا: - طب استهدى بالله كِده.. و متخليش شيطانك يغلبك و جولى الحمد لله ان بتك لساتها عايشة و رچعت الدار بعد شهور العلاچ الطويلة اللى فاتت..

شهقت سهام باكية من جديد و لم تعقب على كلام زوجها الذى احزنه بكاء زوجته الموجوعة ليهتف من جديد: - وحدى الله يا أم باسل.. وحدى الله..
هتفت بصوت متحشرج: - لا اله الا الله.. اللهم لا اعتراض.. بس البت يا حبة عينى مش جادرة تمشى و هى ساندة على العكاز دِه.. بتك بجت عاچزة يا حسام و متجدرش تمشى لحالها..

تسبيح اللى كانت بترمح يمين و شمال طول النهار مش بتجدر تمشى خطوتين من غير العكاز اللى مبتعرفش تمشى بيه و لا حتى تجدرتمشى من غيره صمت حسام للحظات يستجمع شتات نفسه و يتغلب على حزنه لكلماتها التى تقر بها حقيقة وضع ابنته الجديد بعد الكثير من دورات العلاج المكثفة نتيجة لحادثة سقوطها من على صهوة الفرس.. و اخيراً همس: - الداكتور جال هاتاخد لها فترة و بعدين تستغنى عن العكاز دِه.. و هاتجدر تمشى لحالها تانى..

هتفت سهام صارخة فى ضيق: - هتمشى كيف.!؟....عارف هاتمشى كيف..!؟.. عارچة يا ابو باسل.. بتى هاتبجى عارچة طول عمرها.. اااه يا حرجة جلبى عَلَيْكِ يا بتى..

عند هذه النقطة و لم يحتمل حسام المزيد ليندفع خارج الغرفة غير قادر على مداراة ألمه و حزنه على تسبيح ابنته الأقرب لقلبه و التى كانت مدللة الدار كلها بلا منازع.. الان.. أصبحت لا تقوى على المسير لخطوات و اصبح لزاما عليها الاتكال على ذاك العكاز حتى تقوى عضلات قدمها من جديد و تستطيع الاستغناء عنه.. لكن ماذا بعد..!؟

هتفت بها أمها منذ لحظات.. ستظل هى تلك العرجاء التى لن تعود قدمها لحالتها الطبيعية من جديد..
مما أورثه المزيد من الحزن لتدمع عيناه ألما و يملؤه شعورا غامرا بعجز لا يوصف..

هتف زكريا في سعادة و هو يجلس بجوار الباشا في سيارته الفارهة: - وااه يا سعادة العميد.. عاش مين شافك..!!
انفرجت اسارير العميد مختار هاتفاً: - لواء من فضلك..انا اترقيت بعد ما انت طلعت من السجن بسنتين و محبتش اكمل في الخدمة و كانت عيلتى كلها في سوق المقاولات من زمن فقلت اجرب.. و اهو.. ايه رايك..!؟..

ابتسم زكريا: - رأيي..!؟.. هي دى عايزة كلام حضرتك.. ده انت بِسْم الله ما شاء الله أكلت السوج كله في فترة جصيرة كنك متربى فيه من صغرك..
اتسعت ابتسامة العميد مختار: - واضح ان المقاولات في دمى و مكنتش عارف.. المهم انت بقى ايه اللى جابك هنا و ايه اللى غيرك كده.. ده اما معرفتكش يا صعيدى..

انفجر زكريا ضاحكاً: - يا باشا الهدمة تتغير لكن اللى في الجلب مبيتغيرش..انا بعد ما طلعت و ظبط امورى رچعت اسأل عليك جالولى اترجى و معرفتش أوصل لحضرتك و بصراحة مجدرتش اجعد في القاهرة.. جيت على اسكندرية و ربنا عترنى في الحاچ مندور و اتجوزت بته و معايا هدير دلوجتى منيها..
قاطعه مختار: - ده غير حازم طبعا يابو حازم.. !!..

اكد زكريا: - اه.. اُمال ايه..!؟.. ده انت لو شفته متعرفوش دلوجت.. و جال ايه عايز يبجى ظابط.. !!..
انفجر مختار ضاحكاً: - و ماله يا صعيدى.. هو يشد حيله بس و سبهولى.. ده انت مداين الحكومة بتلت سنين سجن ظلم..
ابتسم زكريا و لم يعقب ليهتف مختار متسائلا: - متعرفش اخبار عن اللى كانوا معاك في السجن..!؟..
هتف زكريا: - لاه يا باشا.. الوحيد اللى اعرف هو فين.. يونس..
سال مختار: - مين يونس..!؟..

ابتسم زكريا مؤكدا: - سنچأ يا باشا.. الصعيدى اللى كان دايما ملازمنى..
ابتسم مختار: - اه.. افتكرته.. اللى صوته حلو ده..!؟..
اكد زكريا: - ايوه يا باشا تمام.. بعته النچع عندينا يباشر ارضى و ياكل لجمة بالحلال و اهو اتجوز و خلف كمان..
ربت مختار على كتف زكريا هاتفاً: - دايما معرفتك.. معرفة الخير يا زكريا.. مقلتليش كملت تعليمك و لا خلاص بعد ما طلعت بعت الموضوع..!؟

اكد زكريا: - لااه كملت.. و بصراحة بعد جوازى من بت الحاچ مندور.. هي كمان مكنتش كملت علامها.. شچعتنى.. و دخلنا الجامعة المفتوحة سوا..خدت بكارليوس إدارة اعمال.. و الفضل يرچع لحضرتك..
هتف مختار في سعادة: - الله اكبر.. بجد فرحتنى.. و عشان كده...بص بقى.. المزاد اللى وقع في حجرى ده.. ليك نصيب فيه..

هتف زكريا متعجباً: - انا..!؟.. بس ده تجيل عليا يا باشا..ده انا كنت هخشه بكذا شريك لو رسى علىّ..
هتف مختار: - ملكش دعوة.. انت هتخش معايا انا شريك..ايه رايك..!؟..
هتف زكريا في سعادة: - و هو انا اجدر اجول لاه للحكومة..!؟..
انفجر مختار ضاحكاً: - انت بكاش يا زكريا.. حكومة ايه بقى..!!.. ما قلنا سبناها..

قهقه زكريا: - بس لسه برضك انت الباشا قهقه مختار بدوره: - تصدق.. غلبتنى..
و..تعالت ضحكاتهما

مر حمزة كعادته ببيت عمته سهام و هو فى طريقه لدرس الفيزياء.. تمنى ان يغمض عينيه و يفتحهما فيجد ان تلك السنة الكبيسة المسماة الثانوية العامة و قد مرت بسلام و حصل على ذلك المجموع الذى يؤهله لدخول كلية الهندسة كما تمنى دوما..

نظر باتجاه الدار و شرفاته المغلقة و لم يلمح اى كائن.. صمت مطبق خيم على تلك الدار التى كانت تعمها الفرحة دوما بعد حادثة تسبيح و التى ألقت على الدار و أصحابها غيمة من حزن و كأبة منذ ما يزيد عن العامين..

استمر فى مسيره و ما ان هم بانهاء الطريق الترابى المحاز لسور الدار المتوسط الارتفاع حتى سمع صوت صخب و هتاف قادم من ناحية الغيط القريب من الدار بجوار تلك الشجرة السامقة العتيقة..

جال بنظره و مد بصره بعيدا ليكتشف فجأة حفنة من الأطفال يحاوطون فتاة ما و يشكلون حولها دائرة واسعة و يطلقون عليها الألفاظ و المسميات
اندفع ناحية تلك الجمهرة ليكتشف ان تلك الفتاة الصغيرة ما هى الا تسبيح و هى تقف منكسة الرأس ينعتها الأطفال حولها بمسميات تعيب فيها من اجل عكازها و خطواتها المتعثرة..

صرخ فيهم حمزة ناهرا: - انت يا واد انت وهو... اقسم بالله.. اللى هيضايجها تانى منيكم لهيشوف منى اللى عمره ما شافه و إنتوا عارفينى....
انفض الأطفال من حولها فى ذعر مبتعدين فى عجالة ليختفوا خوفا من حمزة الذى يعرفه جميعهم خاصة من حكايات اخوتهم الأكبر سنا و الذين اوسعهم حمزة مرات و مرات العديد من الضربات و اللكمات.. فعلى قدر هدوء طبعه و رزانته.. لكن عندما يغضب يتحول الى أسد كاسر لا يستطع اى من كان السيطرة عليه..

اقترب حمزة من تسبيح و التى لم تبلغ العاشرة بعد و الواقفة فى ثبات رغم دموعها التى تغطى وجنتيها.. احنى حمزة رأسه الشامخ ليطالع وجهها الطفولى هامسا: - انتِ كويسة يا تسبيح.. !؟..
رفعت رأسها و مسحت دموعها هاتفة: - ايووه.. انا كويسة.. و راچعة دارنا..
و استدارت ببطء تحاول السيطرة على ذاك العكاز الذى يعاندها اثناء سيرها على الارض الطينية..

و كادت ان تسقط عدة مرات و هو يتابعها فى صمت يتأكله شعوره بالذنب تجاهها.. كادت ان تسقط للمرة الرابعة.. و المسافة حتى باب الدار لازالت بعيدة.. اقترب منها و حملها فجأة لتهتف فى نزق طفولى: - نزلنى يا حمزة.. انا كويسة..
هتف بدوره: - انى عارف انك كويسة..

انزلها بجوار باب الدار و سلمها عكازها هاتفا و ابتسامة على وجهه: - كِده انا مطمن انك جدام الدار و محدش هيضايجك تانى..
هتفت باكية: - بعد ما تمشى هيرچعوا تانى ينادوا عليا و يجولولى.. يا أم رچل مسلوخة اشفق عليها فهتف مازحا: - اى حد من العيال دى يضايجك جوليله هنادي حمزة.. هيخافوا و محدش فيهم هيجرب لك تانى.. خلاص..

اومأت موافقة فهى على علم تماما بان الجميع يهابه فهو على قدر طيبته التى ترتسم على وجهه الان الا انه عندما تفور أعصابه لا يرى أمامه..يصبح كالثور الهائج و يتصرف كبركان ثائر يلقى حممه.. و كم حكى باسل اخيها عنه و عن شجاراته و انه لا يتفاهم الا بكفه الصلبة التى اورثتها فلاحة الارض مع زوج أمه يونس مزيدا من الصلابة جعلته يتفوق على اقرانه فى اى نزال.. بل جعلت الجميع يهابه و يتحاشى الاقتراب أو الاحتكاك به..

دفعت تسبيح باب الدار لتدخل فى بطء تتعكز و تغلق الباب ليتنبه هو انه متأخر اكثر من اللازم على درسه ليندفع للطريق مهرولا..

جلست تسبيح داخل غرفة القراءة الخاصة بزهرة زوجة خالها في الحديقة الخلفية لسراىّ جدها مهران الهوارى..
تطلعت للكتب المختلفة على الأرفف و مدت كفها تحاول ان تطال احداها جذبها غلافه الملون ليخذلها عكازها و ينزلق على تلك الأرض الملساء للغرفة و ما ان همت بالصراخ حتى اندفع اليها ماجد الذى يماثلها في العمر لينجدها من سقوط محقق..

اجلسها على الأريكة الأقرب لكليهما و بدأ في اللهاث لحمله ثقل جسمها..
و أخيرا هتف مازحا: - كل ده عشان كتاب.. طب كنتِ نادتينى اچبهولك اسهل من شلتك دى..
ابتسمت بدورها لابن خالها و توأمها فهى تعتبره توأمها بالفعل فهو يكبرها بنصف ساعة فقط فرق في توقيت الولادة بين أمه و أمها و لو حدد الطبيب لامه توقيت متأخر قليلا لاصبحت هي الأكبر..

هتفت في تأكيد حقيقة: - معلش .. العكاز مش مخلينى أتحرك على راحتى..
هتف و هو ينهض جاذبا ذاك العكاز من جوارها دافعا به بعيدا: - انت اللى عاوزه و خايفة تمشى من غيره.. الدكتور بتاعك جال انت مش محتاجاه بس انت چبانة.. مش جادرة تستغنى عنه..

هتفت هي في ذعر و هي تراه يدفع بعكازها بعيدا عن متناول يدها: - لاااه يا ماجد.. الله يخليك.. رچعه چنبى..
هتف ماجد في إصرار: - لااه.. مش هرچعهولك.. و هتجومى و تمشى من غيره.. و استطرد مازحا: - بلا دلع ماسخ.. على جولة ستك فضيلة...
شعرت بضعفها و رغبتها في البكاء الا ان قلبه لم يحن لها بل اقترب منها و أمسك بكفيها جاذبا إياها لتقف فجأة و تشهق في صدمة و تكاد تسقط.. ليصرخ هو فيها هاتفا بعزم: - انا مش هجدر اشيلك لو وجعتى تانى.. اسندى على رجلك.. و بالراحة ياللاه نتمشوا..

تماسكت قدر استطاعتها و اشفقت عليه من حمل معظم ثقل جسدها فتحاملت على نفسها و داست على قدمها المصابة أخيرا..
بدأ هو في استشعار استجابتها فبدأ في جذبها رويدا.. رويدا.. حتى سارت خطوات قليلة مستندة على قدمها لأول مرة منذ سنوات..

بدأت تبتسم.. و نظرت الى بن خالها بامتنان فما كانت قادرة على اتخاذ تلك الخطوة الا بدفعة منه.. دوما كان قادرا على اقناعها بما يفشل فيه الجميع.. فهى لا تتذكر عدد المرات التي حاول فيها باسل و ابيها فعل ذلك و كان نصيبهما الفشل الذريع في إقناعها و خاصة بعد اطلاقها عدة صرخات و كذلك زجر أمها لكل من يقترب منها لأى سبب من الأسباب.. تراها ما هي بفاعلة عندما تراها الان..!؟..

بدأت بالفعل تخطو عدة خطوات و أخيرا ترك ماجد كفيها متقهقرا عدة خطوات للخلف مشجعا إياها على المضي في طريقها معتمدة على نفسها.. ظلت واقفة في ثبات غير قادرة على التقدم .. كانت تحتاج لقوة دفع داخلية جبارة كى تقوم بتلك الخطوة..
استجمعت قواها و تقدمت بالفعل ليهتف ماجد في سعادة مشجعا لمزيد من الخطوات تجاهه..

استطاعت بالفعل السير عدة خطوات غير مصدقة ما فعلت ليندفع ماجد ليحضر احد المقاعد داعيا إياها للجلوس لتلتقط أنفاسها بعد ذاك المجهود الشاق..
ما ان بدأت في استجماع قواها حتى حاولت إعادة الكرة تريد ان تثبت لنفسها انها بدأت تسير على قدميها من جديد..
ابتسمت لابن خالها و بدأت مسيرتها..

يدعمها هو مازحا و هاتفا لتتعالى ضحكاتها التي بدأت تصدح في فرحة غابت عنها لسنوات.. تتناهى صوت ضحكاتهما لتلك التي تقف منذ مدة تتابعهما بنظرها متحسرة غير قادرة على الاقتراب لتلعب معهما او حتى تجالسهما بسبب أمها سمية و تحذيراتها الدائمة لها بالا تقترب من أولاد زهرة..

دمعت عيون ايمان في حزن فطالما كانت لتسبيح مكانة خاصة عند الجميع على خلافها لا تعلم ما السبب.. هل لمرضها..!؟.. جاءتها لحظات تمنت فيها ان تكون في وضع تسبيح ولو قليلا حتى تنال اهتمام الكل و رغبتهم في أرضائها و الأهم هو صحبة ماجد الذى لا يعيرها ألتفاتا حتى..
انتفضت ايمان عندما فاجأها صوت مؤمن اخوها هامسا: - ياللاه يا ايمان.. أمك بتنادم عليكِ عشان نمشوا..

دوما مؤمن هو الأقرب لقلبها من اخيها ماهر الذى كان دوما صلفا و قاسيا معها لذا كان دوما محل ثقتها و لا تعصى له أمرا..
هزت رأسها في إيجاب و سارت معه راحلة و هي تلقى نظرة بعيدة لذاك الباسم الضاحك هناك..دونها...

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 6 من 36 < 1 10 11 12 13 14 15 16 36 > الأخيرة





الكلمات الدلالية
رواية ، ميراث ، العشق ، والدموع ، موال ، التوهة ، والوجع ، رباب ، النوح ، والبوح ، العمر ، وزواده ،











الساعة الآن 01:33 AM