logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 5 من 36 < 1 9 10 11 12 13 14 15 36 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 03:05 صباحاً   [34]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل الرابع عشر

بدأ زكريا في جمع ملابسه و ملابس ولده و هو يقسم انه لن يبيت في هذه الفيلا بل لن ينتظر فيها لحظة و احدة.. فلقد كاد ان يفقد ولده الوحيد بسبب تلك المدللة التي تتعالى على امثاله حتى انها تترفع عن الحديث اليه و لو ببعض كلمات مجاملة او شكر..

انتهى من جمع كل ما له و ألتقط كف حازم و اندفع خارجا من الجناح الجانبى للفيلا و الذى يفتح بباب منفصل على الحديقة و الذى خصص لضيوف الحاج مندور حتى يكون لهم الخصوصية بعيدا عن الفيلا و سكانها ما كاد يصل زكريا لباب الفيلا الخارجي حتى هتفت به الخادمة و التي جاءت مسرعة تستنجد بأى شخص تجده في طريقها: - حد يلحقنى.. الست زينة واقعة و قاطعة النفس و جسمها كله بينتفض و مش عارفة أتصرف..

ترك زكريا حقيبته في عجالة تاركا كف حازم في يد الخادمة مندفعا لداخل الفيلا حيث وجدها في نفس المكان الذى تركها به منذ دقائق لكنها متمددة على الأرض تنتفض و هي تضم جسدها في وضع الجنين و تطبق عليه محتضنة نفسها بذراعيها بغرض الحماية.. انحنى زكريا باتجاهها هاتفا باسمها في قلق: - أنسة زينة.. أنسة زينة..

لكن لا مجيب.. تطلع حوله في توتر لا يعرف كيفية التصرف يتأكله الذنب لانه يشعر ان ما يحدث الان بسبب صراخه في وجهها..هتف للخادمة التي وصلت في أعقابه مع حازم: - اتصلى بالحاچ مندور.. خليه ياچى بسرعة..
هتفت الخادمة: - الحاج مندور مسافر و هايرجع اخر النهار.. و قال يمكن يبيت و مش هاييجى الا بكرة الصبح..

ضرب زكريا كفا بكف و هو يرى حالتها تسوء و هو غير قادر على التصرف و أخيرا: - طب تعرفى نمرة داكتور نكلموه ياجى يشوفها..!؟..
أكدت الخادمة الحمقاء: - اه.. الدكتور مؤمن.. هو بيتابعها من فترة و..
قاطعها زكريا هاتفاً في حنق: - و ساكتة يا حزينة.. !؟؟..أچرى كلميه خليه ياچى حالا أقترب زكريا منها و هاله وجهها الباكى و جسدها المنتفض حتى و ان خفت حدة انتفاضاته الا ان مظهرها الان يدمى القلب.

اقترب منها متحاملا على نفسه حتى يحتمل ألم ذراعه و هو يفك تلك الدعامة التي يتعلق بها ذراعه محمولا و منجذبا لاعلى الى رقبته ليدفع به جانبا و يضع يده اليسرى تحت كتفيها و اليد اليمنى يدفع بها متألماً تحت ركبتيها و ينهض دفعة واحدة حاملا أياها و هو يتصبب عرقا من جراء ألم ذراعه الذى بدأ كنيران تنشر بطول كتفه.. صعد الدرج و وصل للردهة لا يعلم أين حجرتها و أخيرا قطعت الخادمة حيرته هاتفة به: - من هنا يا سى زكريا..

تبعها زكريا و هي تعدل الفراش و هو يدخل تلك الغرفة الرحبة ليضعها أخيرا به و هو يكتم ألماً فاق الحد..

رفع زكريا نظراته لاعلى الدرج الذى يهبطه الطبيب الان و هو يكلم الخادمة هاتفاً:- هو ايه اللى حصل بالظبط وصل الحالة لكده..!؟..
ازدرد زكريا ريقه فيبدو ان الامر اكثر سوءً مما كان يظن ليستطرد الطبيب: - واضح انها اتعرضت لصدمة جامدة..
هتفت الخادمة: - ايوه.. عندنا ضيوف ابنهم كان هايقع من السلم و هي كانت واقفة و مش عارفة تتصرف..
سأل الطبيب: - بس..!؟..

هنا تدخل زكريا قائلا بعد ان وصل الطبيب بالقرب منه: - لااه.. انا زعجت فيها چاامد يا داكتور لانها حتى مصرختش و لا استنچدت بحد يلحج الواد..
نظر اليه الطبيب في تعجب للحظات و أخيرا ادرك ان زكريا لا علم له بطبيعة حالة زينة فلم يستطرد في حديثه و إنما هتف في عجالة:- على العموم بلغوا الحاج مندور يكلمنى ضرورى اول ما يوصل..و انا أديتها مهدئ و ان شاء الله تصحى كويسة..
اومأ زكريا موافقا: - باذن الله..

لم يستطع زكريا الرحيل و هي بتلك الحالة و خاصة بعد أن تأكد ان الحاج مندور لن يأتي الليلة فوجب عليه البقاء لاى ظرف طارئ..
دفع بحازم الشبه نائم لجناحهما مؤكدا على الخادمة البقاء معها و ان تناديه اذا ما جد جديد او حدث شيء ما يستدعى وجوده..

وضع حازم على الفراش و دثره جيدا و هو لا يحتمل ألام كتفه فترنح حتى وصل للحمام معتقدا ان حمام ساخن على موضع الألم قد يخفف بعض مما يعان.. لكن هذا لم يحدث ظل الألم على حاله.. بحث في تلك العقاقير التي كان يتناولها ليجد في احداها مسكنا تناول منه حبتين و استلقى محاولا النوم و لو قليلا..

أغمض عينيه محاولا الوصول لاعتاب النعاس لكن لا فائدة فأمامه تظهر نظراتها المذعورة و جسدها المرتعش و هو يهزها بقوة.. كيف لم يع كل هذا في لحظات غضبه..!؟.. كيف فاته ذعرها و نظراتها المرتعبة بتلك الطريقة..!؟..

لقد أعماه غضبه عن ادراك ما كان يجب عليه ادراكه.. و أنساه حنقه اقل أصول المفروض.. كيف يمسها من الأساس.. كيف يضع كفه عليها وهى وحيدة و ابيها غير متواجد..
اخذ يزفر في ضيق و هو يشعر بذنب رهيب لانه تخطى أصول المفروض و الواجب و هذه ليست طبيعته و لم تكن يوما..
ما الذى دفعه لذلك..!؟.. هو لا يعرف.. لكن كل ما يعرفه.. ان صمتها القاتل و نظراتها المذعورة أحيانا و المتعالية أحيانا أخرى .. تثير حنقه..و تطلق شياطينه..

دخل عاصم السراىّ مسرعا يصعد للأعلى مناديا زهرة في عجالة.. ظهرت من داخل احدى الغرف تلبى نداءه..
دخلت خلفه الغرفة لتجده يزرعها في غيظ جيئة و ذهابا.. هتفت و هي تراه على هذه الحالة: - خير يا عاصم..!!.. في حاجة.. شكلك ميطمنش..!؟..
و سعيد لما جالك مذعور الصبح يناديك.. كان عشان ايه.!؟..

هتف فيها أمرا: - ما دِه اللى هعرفه منيكِ..ألبسى بسرعة و تعالى معايا..
لم تجادله بل ذهبت لترتدى ملابسها على عجالة لتقف أمامه في لحظات لتتبعه و هو يضع عباءته على كتفه..
ركبا السيارة و اتجها كما استنتجت للزائب الخاصة بالهوارية..و التي تأتيها من حين لآخر لفحص البهائم او تطعيمهم او عند وجود حالة تستدعى تدخلها...

ما ان ظهر بالسيارة حتى تنحى الجميع جانبا و ما ان ادركوا وجود زهرة معه حتى اختفى الجميع في سرعة تاركى الساحة فارغة..
هتف عاصم: - تعالى.. لتندفع خلفه و هي لا تدرى من امرها شيئا و لا تدرك لما هي هنا من الأساس حتى دخلت للذريبة و ما ان طالعها المنظر الدامى أمامها حتى شهقت في ذعر.. من الذى يمكن ان يفعل شيئا حقيرا كهذا..!؟..

عدة رؤوس من الماشية ممدة بلا حراك نظرت لعاصم في صدمة: - مين اللى عمل كده..!؟.. دى مش ممكن تكون ماتت بشكل طبيعى..
هتف عاصم: - ما هو دِه اللى شكيت فيه.. عشان كِده جلت محدش هيأكد شكى الا انتِ..
مد لها كفه ببعض القفازات التي احضرها من الدكتور البيطري المشرف على الاسطبلات.. و الذى كان من الممكن ان يطلب منه فحص البهائم.. لكنه لم يكن يريد الا رأيا يثق فيه..رأيها..

بدأت في مباشرة عملها.. و ما ان انتهت حتى خلعت قفازاتها وهى تتنهد في حسرة مؤكدة صدق شكوكه هاتفة: - ايوه يا عاصم..شكك في محله.. البهايم دى مسمومة للأسف.. حسبنا الله و نعم الوكيل..
جز عاصم على اسنانه هامسا باسم ما لاعنا صاحبه لتهتف زهرة: - انتِ عارف مين اللى عملها يا عاصم.. !!.. لازم متسكتش انتِ عارف ده مخسرك كام راس..دوول ثروة.. خسارة و الف خسارة..

أومأ برأسه موافقا إياها و هو يصطحبها للسيارة ليعودا للسراىّ و هو شارد الفكر مشغول الخاطر

انتفض زكريا من فراشه وهو يتحسس موضع حازم فلا يجده ليتطلع حوله مناديا و لا مجيب.. خرج مذعوراً للحديقة ينادى بلهفة على ولده و الذى فجأة اجابه..
نظر زكريا للأعلى ليجد ولده يطل عليه من نافذة احدى الغرف بالأعلى هاتفاً ليسأله في حنق: - انت بتعمل ايه عِندك..!؟..
هتف حازم: - انا قاعد مع طنط زينة.. مش هي تعبانة و لازم اقعد جنبها.. !!..

جز زكريا على اسنانه في غيظ من تصرفات و لده و التي ستجبره على الصعود اليه و صرفه عن ازعاجها..
زفر زكريا في ضيق و هو يدخل الى الفيلا مستأذنا صاعداً الدرج في تردد و أخيرا وصل لغرفتها عبر ذاك الرواق المكسو بالسجاد القرمزي.. طرق الباب في اضطراب هاتفاً: - تعالى يا حازم عشان تُفطر..

انفرج الباب فجأة عن ولده هاتفاً: - انا فطرت من بدرى مع طنط زينة..
جفل زكريا من فتح الباب بغتة و استطاع لوهلة ان يلمح طيفها على الفراش جالسة تتكئ على الوسائد خلف ظهرها و شعرها الكستنائى القصير يحيط بوجهها في براءة لم يستطع الا ان يهتف بصوت متحشرج يملؤه الشعور بالذنب: - كيفك النهاردة يا أنسة زينة..!؟..
لم ترد كعادتها.. و لكنه لاحظ انها تؤمى برأسها في إيجاب..

و فجأة لاحظ زكريا ما يقوم به حازم فاندفع لداخل الغرفة ملتقطا منه تلك الصينية التي يحاول حملها هاتفاً فيه بضيق: - مالك انت ومال الصينية.. هاتها و تعال جدامى سيب طنط زينة تستريح..
امتعض حازم هاتفاً و هو يندفع لاحضان زينة: - لااا.. مش هسيب طنط.. هقعد معاها..

كانت هي صامتة تماما.. و ابتسامة محبة لحازم مرسومة على شفتيها و لم تعترض على قراره بالبقاء معها.. لكن زكريا كان يشعر بالإحراج يغرقه.. أولا لانه يقف الان في اكثر الأماكن خصوصية.. حجرتها و هذا لا يجوز و من دفعه لذلك هو ولده الذى بلغ منه الحنق مبلغا كبيرا جعله يقسم داخليا ان يخرجه معه من غرفتها و لو عنوة..و ليكن ما يكون..

وضع صينية الطعام على الطاولة الجانبية و اقترب يرفع حازم بيده السليمة الا ان اعتراضات حازم تزايدت وتيرتها و هو يحاول رفعه حتى انه ضرب ذراعه المصابة بقوة و التي كان الألم قد بدأ يعاودها من جراء انسحاب تأثير المسكن القوى الذى تناوله الليلة الماضية.. تألم زكريا بصوت عال هذه المرة و انحنى تاركا حازم رغما عنه لتنتفض هي في اتجاهه تتأكد ان كل شيء على ما يرام..

كان الوضع عجيبا.. حازم صامتا من جراء احساسه بارتكابه خطأ فادح في حق والده الذى يتألم الان منحنى الجذع ممسكاً بذراعه و كتفه المصاب.. و زينة التي انتفضت من فراشها تقف حائرة لا تعلم ما يجب عليها فعله..الا انها وجدت نفسها بلا إرادة منها تربت على كتفه مشيرا اليه بالجلوس ليلتقط أنفاسه..
كانت أنتفاضة زكريا لربتها على كتفه اثرا أقوى من اثر الألم الذى يعتمل في كتفه.. لذا نظر اليها متعجباً و لم ينطق بحرف..

قطع ذاك الصمت المحموم دخول الحاج مندور الغرفة هاتفاً في لهفة: - زينة.. انت كويسة.. طمنينى عليكِ..!؟..
ألتقط الحاج مندور ابنته بين ذراعيه يقبل جبينها في محبة و هي تربت على كتفه في محاولة منها لطمأنته..

كان وجود زكريا و ابنه في غرفة ابنته غريبا و غير مقبول بالطبع.. لذا هتف زكريا مبررا: - انا اسف يا حاچ..حازم كان هنا عند الانسة زينة و كنت چاى أبعده عنها عشان ميضايجهاش.. اسمحلنا يا حاچ نمشوا النهاردة.. و انا باذن الله من بكرة نازل الشغل عشان نعمل اللى اتفجنا عليه..
هتف الحاج مندور: - خلاص يا زكريا.. اللى يريحك... و بكرة زى ما اتفقنا..
هز زكريا رأسه موافقا و جذب ولده خلفه و رحل في سرعة خارج غرفتها..

سار زكريا باتجاه الموقع يبحث بعينيه عن شعلان و ما ان وقعت عيناه عليه حيث توجه نحوه في سرعة ووقف أمامه متحديا.. هتف شعلان ما ان رأى زكريا متصنعا المحبة: - حمد الله على السلامة يا زكريا.. بركة انك بخير بعد اللى حصل..
هتف زكريا بنبرة تحمل المحبة الكاذبة: - الحمد لله يا ريس.. بجولك ايه.!؟.. انا كنت عايزك في موضوع كِده..

تنحى شعلان جانبا ساحبا وراءه زكريا متصنعا الاهتمام: - خير يا زكريا.. خير يا خويا.. و ادخل كفه في جيبه هاتفاً.. عايز فلوس.. رقبتى سدادة.. خير ربنا كتيير..
ابتسم زكريا محاولا مداراة نبرته الساخرة:- ربنا يزيدك يا ريس.. شيلك لعوزة..اه انا عايز فلوس بس مش سلف..
هتف شعلان: - اُمال ايه..!؟.. سلفة قصدك.. ما انت عارف يا..
قاطعه زكريا بحزم: - و لا سلفة... عايز حجى..
هتف شعلان مستنكرا: - حقك..؟؟.. حقك في ايه و لمؤاخذة..!؟..

ابتسم زكريا ساخراً: - حجى من النهيبة اللى انتوا واكلينها لحالكم انت و الباشمهندسين.. و احمد ربك انى مجلتش للحاچ مندور لحد دلوجت..
تصنع شعلان الدهشة: - انت ايه اللى بتقوله ده يا زكريا.. احنا مش بتوع الحاجات دى.. حد الله بينا و بين الحرام.. انت جبت الكلام ده منين..!؟..
همس زكريا: - اجولك چبته منين..!؟.. اجولك كنت بتتفج مع الباشمهندس على ايه..!؟. و تجابله فين و ازاى..!؟.. اجولك على الناس اللى بيوردولك الإسمنت المغشوش اللى بتخلطه بالأصلى.. هاا.. اكمل و لا كفاية..!!؟..

بهت لون شعلان ليكمل زكريا بغيظ:- انت فاكر انى مكنتش واعى لرچلك اللى كان سامعنى و انا بحكى مع عم بحر و جه نجل لك كل كلمة.. بس انت مصبرتش لحد اما اجيلك و جلت تخلص منى بالحادثة الخايبة اللى كانت هتروح فيها بت الحاچ مندور لولا ساتر ربنا وان انى اللى كنت مجصود..
شوف بجى الكلام ده كله لو راح للحاچ مندور هايحصل ايه..!؟.. و هايتصرف معاك ازاى..!؟..

اصبح وجه شعلان يحاكى الموتى و جبينه يتصبب عرقا عندما همس بصوت متحشرج:- طب انت طلباتك ايه..؟؟..
هنف زكريا: - متنسونيش معاكم.. جدر انت حج سكوتى و شوف تاجى كام من اللى نهبتوه من ورا الحاچ..!؟؟..
هتف شعلان: - خلاص.. اتفقنا.. بس انا اضمن ازاى سكوتك..!؟..

هتف زكريا: - مفيش ضامن الا مُصلحتى يا شعلان.. و انا مُصلحتى معاكم.. و بعدين هو انا لو عايز أتكلم.. ما انى جعدت أسبوع في بيت الحاچ مندور.. مفتحتش بجى و جلت له ليه..!؟.. و اه نصيحة لوچه الله.. متحاولش تخلص منى تانى.. اصلك انى بسبع اروح..
اومأ شعلان برأسه موافقا و مقتنعا بكلام زكريا هاتفاً: - خلاص.. انت معانا يا زكريا.. بس اللى هيسرنى علينا يسرى عليك..

كان دور زكريا ليومئ برأسه موافقا و أخيرا يتفقوا على مكان يسلم فيه شعلان لزكريا نصيبه من العملية الأخيرة و التي ثمنها سكوته..
خرج الحاج مندور من وراء ذاك الجدار المهجور الذى كان يتحدث عنده زكريا و شعلان ليتأكد بصدق كل كلمة أبلغه بها زكريا..

رن الهاتف بتلك الرنة المميزة لأذن بخيتة لتهتف من مكانها فى شوق: - رد يا واد يا حمزة.. و لا أنتِ يا كسبانة.. ده زكريا اللى على التليفون..
اندفع حمزة مجيبا فى لهفة: - ازيك يا عمى
هتف زكريا: - وااه.. كبرت يا حمزة و بجيت بترد على التليفونات كمان.. كيفك و كيف ستك بخيتة.!؟..
هتف حمزة فى سعادة: - بخير.. نفسنا نشوفوك.. مش هتاجى بجى يا عمى !؟..

تنهد زكريا هاتفا: - باذن الله.. فين ستك بخيتة.. نادم لها .. اجرى..
جذب حمزة الهاتف و سار به فى اتجاه جدته و وضع سماعته فى كفها لتضعها هى فى لهفة على اذنها تطمئن على ولدها الغائب..
اندفع حمزة خارج الدار ليلعب فصادف يونس جالسا على درجات السلم المفضية لغرفته فهتف فى سعادة: - انى كلمت عمى زكريا فى التلفون و جالى انه هايجى جريب باْذن الله..

انتفض يونس متسائلا: - هو لسه بيتكلم.!؟..
أكد حمزة: - اه.. لسه بيتكلم مع ستى بخيتة
هتف يونس: - طيب اجرى.. جول لستك بخيتة متجفلش انا عاوزه ضرورى..
اندفع حمزة منفذا امر يونس الذى تبعه داخل الدار هاتفا بصوت عال: - يا رب يا سااتر.

و دخل منكس الرأس حتى وصل لموضع الحاجة بخيتة التى ردت على سلامه هاتفة: - ادخل يا بنى.. منتش غريب.. خد.. أهو زكريا كان لساته بيسأل عنيك..
ألتقط يونس سماعة الهاتف من بخيتة ليهتف فى لهفة: - زكريا..!؟.. كيفك يا صاحبى..!؟.. كِده تغيب و تجول عدولى..!؟..
هتف زكريا مبررا:- معلش.. الدنيا تلاهى يا يونس.. المهم إنكم كلكم بخير.. و انت ايه اخبارك.. عجبتك بلدنا..!؟..
هتف يونس: - كله تمام يا هوارى.. بس بجولك ايه!؟.. انا عايز اطلب منيك طلب..

هتف زكريا: - انت تأمر يا يونس.. انت عارف غلاوتك عِندى..
تلجلج يونس فى حروفه و تردد قليلا قبل ان يهتف بطلبه دفعة واحدة قبل ان يتراجع: - انى طالب يد الست كسبانة.. ايه جولك ؟..
صمت زكريا قليلا ثم هتف فى سعادة: - انى ملاجيش أحسن منيك يبجى بن اخويا فى طوعه بس هى الأساس.. كلم امى و خليها تاخد رأيها و لو كِده عاصم هيجوم بالازم.. على الأجل نجطع السكة على سليم فى انه يفكر يردها أو يضايجها تانى وهى فى عصمة راچل..

هتف يونس فى سعادة: - يعنى انت موافج يا زكريا..!؟..
أكد زكريا مقهقها: - ايووه.. انى موافج ياسيدي بس المهم هى توافج.. و بلاش الغنا الفجرى بتاعك
لحسن تطفشها..
قهقه يونس: - بجى كِده.. مااشى يا هوارى.. متشكرين..

قهقه زكريا و هو ينهى مكالمته مؤكدا ليونس على ضرورة موافقة كسبانة..و التى كانت فى احد الجوانب تقف تستمع للمكالمة فى وجل و ضربات قلبها تصم اذنيها لا تصدق انها تمر بتلك المشاعر المضطربة كمعظم الفتيات..

تلك المشاعر التى لم تنعم بها فى ظل ظروف زواجها القهرى من سليم و الذى كان اقرب لصفقة بيع و شراء منه زواج مبنى على المحبة كما تستشعر الان تجاه يونس الذى اندفع لبخيتة كما نصحه زكريا لتكون همزة الوصل بينهما.. فمنذ ذاك الإعلان عن رغبته فى الزواج منها داخل غرفته منذ ما يزيد عن الأسبوع و هى كانت حريصة حد الهوس فى الا تراه و لو مصادفة فما كان لها ان تواجهه بعد تصريحه ذاك.. حتى طعامه و دواءه كانت تضعهم على صينية تتسحب و تضعها امام بابه و تطرقه و تندفع مبتعدة..

انها تذوب خجلا و اضطرابا ما ان تتذكر همسه لها بطلب الزواج الغير متوقع..
تنبهت لابتسامة بخيتة و هى تتحسس موضع لكفها على كتف يونس رابتة عليه فى سعادة بأنها ستحاول معرفة رأيها فى اقرب فرصة اندفع يونس فى نشوة خارج الدار لتظهر هى من ركنها الساتر تقترب من بخيتة متصنعة اللامبالاة و عدم المعرفة بالأمر لتهتف بها بخيتة: - تعالى ي كسبانة.. كنت فين يا بتى؟..

هتفت كاذبة: - كنت على السُطح بنشر الغسيل.. خير يا خالتى..!؟..
ربتت بخيتة على ظهرها هاتفة فى سعادة: - يونس يا بتى.. طلب يدك من زكريا.. جلتى ايه.!؟
صمتت و لم تعقب.. تشعر بسعادة يفوق حد تصورها.. سعادة ألجمتها حتى عن النطق لتهتف بخيتة بابتسامة متخابثة: - طب على بركة الله.. هجول للچدع انك موافجة..

هتفت كسبانة منتفضة: - انا مجلتش انى موافجة يا خالتى..
هتفت بخيتة مقهقهة: - و مجلتيش انك رافضة يا عيون خالتك..
صمتت كسبانة فى احراج لتستطرد بخيتة ضاحكة:- يونس ميتعيبش.. بن حلال و رايدك و بيحب ولدك.. بالك لو سمعتيه و هو بيطلب يدك من زكريا كان ملهوف كيف..!؟.. و لا لما بيجولى اشوف رأيك... و الله شاريكِ عن چد..

هتفت كسبانة فى لهفة: - صُح يا خالتى.. عن چد رايدنى..!؟..
أكدت بخيتة: - عن چد يا روح خالتك.. رايدك كيف ما انت ريداه و اكتر كمان..
احمرت وجنتا كسبانة و رغم عدم رؤية بخيتة لذلك الا انها استشعرته كعادتها هامسة: - و الله رايدك يا بتى.. و عاشجك ووعيت لعشجه فى كل حرف فى كلامه كيف ما انى واعياه فى جلبك اللى بيتنفض فى صدرك دلوجت..

نهضت كسبانة تحتضن بخيتة فى سعادة مقبلة رأسها فى امتنان هامسة: - ربنا يخليكى ليا يا خالتى.. و الله ربنا عوضنى بيكِ عن امى اللى جاطعتنى من زمن..
ربتت بخيتة على ذراعها هاتفة: - الام متتعوضش يا بتى.. بالك هى لو سمعت بچوازك.. هتكون اول اللى يفرح لك.. هى الام هتعوز ايه غير فرحة عيالها..!!.. ربنا يتمم لك على خير يا بتى.. بس مجلتليش.. ابلغ يونس بموافجتك.. !؟..

همست كسبانة فى خجل: - بلغيه يا خالتى..
لتقهقه بخيتة فى سعادة...


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 03:06 صباحاً   [35]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل الخامس عشر

اصر الحاج مندور على التواجد لحظة تسلم زكريا للمبلغ المالى من شعلان نظير سكوته بالطبع كان يستطيع فضحه في الموقع عندما سمع ما دار بينه و بين زكريا لكن لطالما كان الحاج مندور يضع سمعته في كفة ميزان الذهب ولا يسمح بان تطالها اى شائبة او إشاعة مهما كان حجمها.. و ابلاغ الشرطة معناه تحقيقات و بلاغات و اشاعات لا تعد و لا تحصى..

لذا قرر التعامل مع اى مشكلة بمجهوده الشخصى وخبرته فقط كما تعامل مع حادثة زكريا و لم يبلغ الشرطة لان بها شبهه جنائية.. وهنا فيما يخص مشكلة شعلان.. قرر أيضا عدم ابلاغ الشرطة و الاكتفاء بالتصرف بما يراه مناسبا.. و على الرغم من عدم اتفاق زكريا معه في الرأي الا انه لم يستطع معارضته فهو قبل كل شيء صاحب المال و المتصرف الأوحد فيه.. ومن حكم في ماله ما ظلم..

ظهر زكريا على ذاك الجانب من الطريق الذى اتفق مع شعلان على التواجد فيه.. و لم تمر لحظات حتى ظهر شعلان بدوره..
اخرج ظرفا به بعض النقود سلمه لزكريا الذى ادعى اللهفة و هو يفتحه ليتأكد ان النقود كاملة فيه..
هنا ظهر الحاج مندور من احد الجوانب التي كان يختفى وراءها.. ليهتف في شعلان معاتباً: - كده برضة يا شعلان..!!..
بهت شعلان عندما رأى الحاج مندور أمامه يصيح في وجهه معاتباً بهذا الشكل.. و من وراءه ظهر عدد من الرجال يحيطون به..

نظر شعلان بصدمة للحاج مندور و زكريا و كل الرجال الذين يعج بهم المكان.. ليهتف الحاج مندور بصوت جهورى غاضب من جديد: - انا استأمنك على مالى و سمعتى و انت تخونى.. لا عاش و لا كان اللى يخون الحاج مندور الشامى..

و أشار لرجاله الذين توجهوا لشعلان الذى بدأ يستفيق من صدمته ليصرخ مستنجدا ليظهر مجموعة من الرجال كانوا على ما يبدو في انتظار إشارة منه..
و بدأ التلاحم بين المجموعتين ليندفع زكريا و كل همه الزود عن الحاج مندور و ابعاده عن خضم تلك المعركة الضروس التي يدور رحاها بين الفريقين.. و لكن كان زكريا نفسه مستهدفا..

فقد حاول الدفاع عن نفسه قدر استطاعته و خاصة بتلك الذراع المتألمة و التي لم تشفى بعد.. جاهد حتى يصل للحاج مندور الذى اشتبك بدوره في المعركة فلم يكن رجال شعلان بأقل من قوة او صلابة رجال الحاج مندور بل انهم فاقوهم عددا..

كاد زكريا يصل للحاج مندور و في سبيل ذلك تلقى العديد من الضربات و اللكمات التي اصابت ذراعه الذى وصل به الألم حد اللانهاية.. و ما ان هم بسحب الحاج مندور بعيدا حتى باغتتهما عصا ضخمة تسقط باتجاههما حاول زكريا تفاديها لكن الرامى كان اسرع لتسقط على رأس الحاج مندور و يسقط بين يدى زكريا مضرج في دمائه...

وقفوا جميعا زكريا و الطبيب و زينة امام ذاك الحائط الزجاجى لغرفة العناية المركزة و التي نقل اليها الحاج مندور بعد تلك الحادثة التي كادت تودى بحياته..
كانت زينة كعادتها صامتة، مصدومة من مظهر ابيها الشاحب و جسده المعلق بالعديد من الأنابيب الطبية، بكاءها كان حارا بدموع ملتهبة لكن بلا ادنى صوت يذكر..

وقف زكريا بذراعه المصابة و التي اصر الطبيب على وضعها في الجبس لسوء حالتها و لإرغامه على عدم تحريكها حتى تمام الشفاء لا يستطيع ان يبرر لها ما حدث و لا كيف لم يكن بمقدوره الدفاع عن ابيها..

كل ما قاله في محضر الشرطة ان هناك من هاجم سيارة الحاج مندور و هو معه و أرغمهما على الترجل منها بغرض سرقتهما وعندما اعترضا نالهما ما حدث بذراعه و لرأس الحاج مندور و لاز اللصوص بالفرار هذا ما قاله زكريا و كان على يقين ان الحاج مندور ما كان ليقل غير ذلك..

اقترب في إشفاق من تلك الباكية التي تلتصق بزجاج غرفة العناية متطلعة لابيها المسجى بلا حراك في إشفاق و لوعة و همس: - هايبجى بخير صدجينى..
انتفضت عندما سمعت صوته الرجولى ينفذ لمسامعها و بدأت تتوتر كعادتها.. و لكن العجيب انه عندما رفعت نظراتها الى وجهه تلاقت مع نظراته المتعاطفة مما هدأ من انفعالها قليلا و بدأ توترها في التراجع و أومأت برأسها موافقة..

قررت هي البقاء بجوار ابيها و فهم زكريا ذلك ضمنيا.. فقد شارفت الساعة على الواحدة بعد منتصف الليل و هي لم تتحرك للعودة للفيلا.. حمد الله انه استطاع مكالمة الست تهانى ليخبرها بما حدث و انه باق بجوار الحاج بدوره و أوصاها خيرا بحازم الذى كان قد نام بالفعل.
جلست على تلك المقاعد امام الغرفة لا قبل لها لتحيد بناظريها عن الزجاج.. عيونها تتعلق به كمن يتعلق بسماء مفتحة أبوابها لحظات استجابة..

نهض يحضر بعض من ماء و شراب ساخن لأجلها و لأجل ألم رأسه الذى يقهر احتماله و ما ان عاد بحمله حتى رأها قد راحت في نوم عميق..
وضع الأكواب جانبا و زفر في حنق و هو يرى ما ترتديه.. تلك الجونلة التي بالكاد تصل لركبتيها و سترتها الحريرية التي تظهر ذراعها بأكمله..

اندفع لتلك الممرضة التي ظهرت عند اخر الرواق ليضع بكفها ورقة مالية و يطلب منها احضار غطاء لاجلها.. استلمه من الممرضة و عاد به ليجدها تضم نفسها بذراعيها شاعرة بالبرودة جراء ما ترتديه..
وضع الغطاء عليها في هدوء لتتململ هي في وداعة و تتحرك رأسها عن حافة المقعد الذى كان ترتكن عليه لتسقط على كتفها تنبأ بقرب سقوطها او ربما اصطدام رأسها بحافة المقعد المجاور.. وقف حائر لا يعلم ما عليه فعله و أخيرا سحب عمامته من فوق هامته و انحنى يضم العمامة يدفعها كوسادة تحت خدها دون ان يمسها.. يدعو الله الا تستيقظ لكن ما حدث هو العكس..

فلقد استيقظت فاتحة جفونها في صدمة ناظرة لذاك المنحنى يضع شيء ما تحت رأسها.. تلاقت عيونهما و شعرت بشئ غريب يكتنفها.. شيء اكثر غرابة مما تستطيع وصفه او اسباغ مدلول ما على كنهه..
تنحنح هو في اضطراب و صرف بصره عنها في ثوان جاذباً عيناه عن مجال عينيها المغناطيسي بقوة إرادة لا يستهان بها..

و نهض مسرعا يبتعد جالسا على أبعد مقعد اما هي فانتفضت مندفعة باتجاه الحائط الزجاجى لحجرة ابيها ليسقط الغطاء عنها و تقع عمامته على الأرض جوارها بأهمال أورثه الحنق و جعله يجز على اسنانه ندما لانه وضع عمامته تحت تصرفها لتكون هذه نهايتها..

قرر النهوض في صمت لينتزع عمامته العزيزة من مكانها الملقاة فيه خلف مكان وقوفها خوفا من عودتها لتدهسها بإقدامها و ما ان هم بألتقاطها حتى عادت هي لمكانها بظهرها و فجأة.. حدثت الكارثة..

سقطت هى متعثرة فيه وتألم هو صارخاً بسبب ذراعه و أنقلب الوضع ليصبح كلاهما ارضا.. هو يفترش الأرض و هي بلا حول و لا قوة تجد نفسها في احضانه جالسة على حجره..
ماذا يحدث..!؟.. و كيف حدث..!؟..
لا علم لأحدهما بما يجرى.. و لا كيف تم مثل ذلك الوضع الغريب.. !!؟..

وكما أصبحت عادة منذ تقابلا.. لحظات من صمت رهيييب يعقبها صدمة.. ثم إفاقة تااامة يخلفها رد فعل غير طبيعى.. و في المعتاد من قبلها.. لكن الغريب هذه المرة ان رد الفعل العجيب ذاك كان من جانب زكريا.. الذى شعر ان تلك المتعالية ذات النظرات العجيبة المتباينة و المتقلبة كموج البحر.. و التي ترتدى تلك الملابس المتحررة عما اعتاده و تجلس في حجره الان ما هي الا جمرات من لهب ألقيت عليه فجأة ليكون رده الطبيعى ان يقذفها بعيدا و هذا ما حدث بالضبط..

لا يعرف كيف تم له ذلك.. لكن كل ما أدركه انها ألقاها عنه مبتعداً كأن شياطين الجحيم كلها تلاحقه.. حتى انه نسى في غمرة الاحداث المتلاحقة ألتقاط عمامته التي ظلت على حالها ارضا.. حتى انتشلتها يد رقيقة بأصابع مرتجفة.. تضمها لتتوسدها و هي تشعر بإحساس عجيب و مفتقد منذ امد يغمر روحها و يهدهد ألمها.. رائحته الرجولية المنبعثة من تلك العمامة كانت بمثابة ترياق ما لجلب النوم الهانئ لجفونها التي ما كانت ترى الا كوابيس واقعها.. حتى بعد ما جرى منه.. و دفعه أياها بعيدا عنه بهذا الشكل.. الا انها لم تستطع ان تتخلى عن عمامته التي وجدت فيها بعض من شعور قديم مفتقد.. لا قبل لها على ضياعه من جديد...

وصل عاصم و رجاله لذاك المكان المتطرف في اعلى التبة الشرقية من النجع شاهرا سلاحه و اندفع لداخل احدى المغارات الصخرية هاتفا في حارسها الذى كان غافلا لحسن الحظ: - جوم.. نادم على سيدك سليم..
اندفع الحارس في ذعر هاتفا و هو يتوجه للداخل مناديا سليم الذى ما كادت تمر اللحظة حتى ظهر أمام عاصم مشهرا سلاحه بدوره هاتفا في دهشة لمرأى عاصم: - انتِ كيف وصلت لهنا يا عاصم..!؟.. و ايه اللى چابك ورايا من الأساس..!؟..

هتف عاصم بغضب هادر وهو يمسك بتلابيه بقوة: - يعنى منتش عارف..؟؟.. انى ايه اللى هيجيبنى وراك يعنى..!؟.. عاشچك و مش جادر على بُعدك!؟.. عمايك اللى منتش مبطلها.. و الظاهر كِده مش هتبطلها الا لما أنفذ اللى جلتلك عليه جبل سابج..
هتف سليم حانقا: - ايه..!؟.. عملِت ايه !؟.. ولدى و اتوحشته و رحت اشوفه.. مكفرناش يعنى..

زمجر عاصم هاتفا: - و احنا اخر مرة اتفجنا على ايه يا سليم..!؟.. مش جلتلك رچلك متعتبش النچع تانى..!؟.. مش كفاية انى ساكت على سمك للبهايم و حرجك للزرعة انتِ و رچالتك..بس شكلك كِده جبت اخرها يا واد عمى..
هتف سليم في ذعر وهو يزدرد ريقه: - ايه!؟.. ناوى على ايه يا عاصم..!؟.. ده انى واد عمك برضك..

هتف عاصم في نفاذ صبر بثورة: - انت مخلتليش حل تانى.. و دِه أخرى معاك يا سليم..
و اندفع عاصم من أمامه ليهتف سليم خلفه متسائلا: - هتبلغ عنى الحَكومة يا عاصم!؟... هتبلغ عن واد عمك.. !؟..

نظر عاصم و هو يمتطى جواده في ضيق: -معدش ينفع خلاص يا سليم..و انى ماشى من هنا.. و خلى حد من رچالتك يتعرض لى انا ورجالتى.. عشان اطربجها عليك جبل حتى الحَكومة ما توعى تشم خبر...
و اندفع عاصم و رجاله بالفعل مغادرين..
و لم يستطع اى من سليم و رجاله ان يحرك ساكنا ليوقف الغول عما عزم أمره عليه..

أفاق الحاج مندور أخيرا و للعجب اول من طلب رؤيته لم تكن ابنته كما كان يظن الطبيب بل زكريا.. و الذى سمح له الطبيب بالدخول للحظات لان الحالة مازالت غير مستقرة..

تنحنح زكريا و هو يتوجه لسرير الحاج مندور ليقف بالقرب منه.. ليشير اليه الحاج مندور بالاقتراب اكثر.. أطاع زكريا في هدوء و اقترب قدر الإمكان و انحنى حتى يستمع لما يريد الحاج مندور قوله دون ان يرهقه كما امر الطبيب..
همس الحاج مندور بصوت متحشرج: - زكريااا..

انتبه زكريا بكامل حواسه مشجعا الحاج على الاستمرار بأماءة من رأسه.. ليستطرد الحاج مندور بصوت متحشرج: - زينة أمانة في رقبتك يا زكريا.. هي ملهاش حد غيرى و قرايب من بعيد كل همهم هيورثونى امتى..
هتف زكريا متعجباً: - في رجبتى انا يا حاچ..!؟.. كيف..!؟..

اومأ الحاج مندور هامساً بوهن: - ايوه.. محدش غيرك هيعرف ياخد باله منها و يصبر عليها زيك.. و خصوصى في حالتها دى..
كانت الدهشة هي كل ما اعتلى ملامح زكريا و عقدت الصدمة لسانه عن اى رد مناسب.. لذا استمر الحاج مندور و هو يزدرد ريقه في صعوبة.. و يغمض جفونه فى محاولة منه ليستمد القوة اللازمة ليكمل ما بدأه: - انا عايزك تتجوز زينة..

كانت الصدمة الأكبر الان على ملامح زكريا الذى هتف بدهشة: - اتچوزها !؟.. اتچوزها كيف..!؟.. يا حاچ انت متعرفنيش.. و لا تعرف ايه اللى ورايا.. مش يمكن أكون مش زى ما انت واعى.. و مراعيهاش بما يرضى الله و ابجى كل اللى عايزه مالها و بس.. زى باجى جرايبها..!!؟

ابتسم الحاج مندور في ود لكلمات زكريا و التي تؤكد انه رجل اصيل ذو معدن طيب كما كان يعلم و كما أكدت له الظروف ذلك ليهمس: - يا زكريا يا بنى.. انا طول عمرى بخش في صفقات كسبانة.. و ربنا كان بيسلهالى لانه عارف انى ماشى في طوعه و عمرى ما عملت اللى يغضبه.. هاتيجى على جوازة بنتى الغلبانة اللى ملهاش حد و هخسر.. ربنا اكيد رايد لى الخير و رايدهولك.. و قبلنا كلنا رايده للغلبانة اللى بره دى..
انا لما سافرت من يومين رحت للحاج مرشدى الضبع..

تنبه زكريا بكل حواسه و لم يعقب.. فاستطرد مندور: - جبت سيرتك في الكلام لقيت الراجل بيقول فيك و في أخلاقك شعر و حكى لى حكايتك كلها من طقطق لسلام عليكم.. و ازاى هو زعل انه خسر حد في امانتك بعد ما طلعت من السجن براءة و رجعت اشتغلت عنده.. و بعدها قررت تيجى على هنا..
تنهد مندور في محاولة لالتقاط أنفاسه مما دفع زكريا ليهمس: - طب ارتاح يا حاچ و نكمل بعدين..

هتف مندور في نزق: - مفيش بعدين..!؟..
لازم تعرف كل حاجة عن زينة بما يرضى الله.. وانا مش عايز حاجة الا انها تبقى في عصمة راجل يحميها من اللى ممكن يحصل بعد موتى و يصبر عليها عشان عارف حالتها ووضعها..
هتف زكريا: - حالة ايه يا حاچ بعد الشر.. ماهى زينة و زى الفل..!؟..
ابتسم مندور: - هي كِده معاك انت بس..

فغرزكريا فاه و لم ينطق.. و شرد قليلا فيما حدث منذ ساعات و كيف عندما هدأ و عاد لموضعه الأول امام الجدار الزجاجى وجدها نائمة تتدثر بالغطاء الذى احضره لها و تحتضن عمامته أسفل خدها في راحة.. ليستكمل مندور بنفس الابتسامة مخرجا أياه من شروده: - هي مكنتش قابلة تشوف او تسمع جنس راجل غيرى.. مكنتش بتطلع بره الفيلا الا معايا و لأماكن محددة و متطرفة بعيد عن الناس.. كل الخدم في الفيلا ستات و بس.. حتى البواب راجل عجوز و بيقعد دايما من بره.. فين و فين لما اتعودت على السواق و بقت تخرج معاه من غيرى..

هتف زكريا و هو يضيق ما بين حاجبيه في تعجب مستفسراً: - طب و ليه العجدة دى !!.
هتف مندور بنبرة منكسرة: - زينة من حوالى خمس سنين اتعرضت لحادثة...
و صمت الرجل منكس النظرات و لم يستطع ان يتفوه بكلمة..

حتى زكريا صمت بدوره و لم يكن يستطع ان يستنتج حتى نوع تلك الحادثة.. فلم يكن بمقدوره تخيل ان تلك الفتاة قد تعرضت لجريمة وحشية بهذا الشكل..
طال الصمت و قطعه مندور بعيون دامعة لم يكن من السهل ابدا ألتماعها في احداق ذاك الرجل الذى يرهبه السوق كله و يقيم له الجميع ألف حساب.. لكنه في الأخير أب..

همس مندور بصوت متحشرج: - ايوه يا بنى.. هو زى ما استنتجت كده.. حادثة اعتداء..و طبعا متمسكوش.. و انا قفلت الليلة عشان سمعة بنتى اللى مكنتش عارف يوميها هتقوم منها و لا لأ.. و أديك شايف حالتها.. بتتعالج لحد دلوقتى.. تفتكر دى ممكن اسيبها لمين..!!.. و لا مين ممكن يقدر يراعيها..!؟.. ارحم واحد فيهم هيجيب شهادة بحالتها النفسية و يرميها في مصحة عشان يحط ايده على مالها كله.. و يبقى عمل اللى عليه.. عرفت انا بقول ليه اتجوزها..!؟.. حتى ولو عايز تتجوز تانى ده حقك.. لكن متسيبهاش يا زكريا و خليها دايما تحت حمايتك..

هنا بكى الحاج مندور بالفعل و لم ينبس زكريا بحرف واحد و نظراته تتأرجح ما بين ذاك الباكى المسجى على فراشه و تلك التي تقف خلف الحائط الزجاجى تلصق وجهها به كالأطفال و تتابع بنظراتها العجيبة ما يحدث بالداخل بين زكريا و ابيها الذى هدأ قليلا ليهمس: - زكريا..

سلط زكريا نظراته من جديد على مندور الذى استطرد: - انا لما كلمت الدكتور مؤمن بعد الحادثة اللى حصلت معاكم يوم ما انا كنت غايب.. قالى ان اللى حصل ده خير و أكد لى ان وجودك انت بالذات و معاك حازم هيخليها تبتدى تتعامل بشكل طبيعى و خاصة انى لاحظت انها مش بتخاف منك زى باقى الرجالة..حسيت انها متقبلة وجودك معانا في الفيلا.. و كمان سامحتك على زعيقك فيها.. و ده مؤشر كويس على حسب كلام الدكتور و مما يكون عامل مساعد كويس في رجوع الكلام ليها..

انتفض هنا زكريا من على طرف فراش الحاج مندور هاتفاً في صدمة: - هي مبتتكلمش..!؟..
أكد مندور بتعجب: - ايوه يا بنى.. هى فقدت النطق نتيجة الصدمة بعد الحادثة.. انا كنت فاكرك عارف...
هتف زكريا بحنق:- اعرف منين..!؟.. انا كنت فاكر.. اجصد انها.. اصل يعنى احنا متكلمناش كتير.. فجلت..

ابتسم مندور لاضطراب زكريا: - انا افتكرتك عارف او الخدامة قالت لك او حد في الموقع قال لك.. او حتى حازم ابنك.. ما هو اكتر واحد كان بيقعد معاها و بيكلمها بإشارات ايده و كنت بسمعها بتضحك و هي قاعدة معاه..
كم شعر زكريا بذنب رهيييب يعتصر كل خلية من خلايا جسده.. رفع نظراته للزجاج ليطالع وجهها الندى و ملامحها الأكثر براءة من طفلة لم تتخطى العاشرة من عمرها..

و شعر بالمزيد و المزيد من الذنب الذى أورثه ندم قاااتل يجعله يود لو تعود به الساعات لعدة أيام مضت حتى لا يتفوه بمثل تلك الكلمات الجارحة الى ألقاها على مسامعها صارخاً بها في وجهها خوفا على ولده...
هتف مندور ساعلا: - روح يا زكريا هات المأذون.. اكتبوا الكتاب..زينة متخرجش من هنا الا وهى مراتك..

و بدأ يسعل من جديد ليندفع الأطباء للحجرة دافعين زكريا خارجها في توتر ليشرعوا في إنقاذ المريض..
وجد زكريا نفسه خارج الغرفة يقف امام الحاجز الزجاجى يتطلع لما يحدث خلفه و بجواره تقف هي في صدمة تتابع ما يحدث لابيها بالداخل.. و قد أشفق عليها من جراء ما تحمله الأيام لها..

تم عقد القران في المشفى بجوار فراش ابيها الذى استطاع الأطباء إنقاذه بأعجوبة وضع كفه في كف زكريا و بدأ المأذون بتلاوة الصيغة و من قبلها سؤال العروس بقبولها الزيجة ام رفضها و التي أومأت بالإيجاب من ذاك الركن حيث كانت تقف في احد جوانب الغرفة صامتة كعادتها لكن زكريا في تلك اللحظة قدر صمتها و بدأ يستوعبه... و انتهى عقد القران ليخرج الجميع من الغرفة مع استياء الأطباء بسبب سوء حالة المريض و إمكانية تأجيل اى مناسبات حتى يتعافى و يتم شفاءه او حتى على الأقل تسمح حالته الحرجة بذلك..

وقف زكريا و زينة للحظات خلف الجدار الزجاجى يتطلعا للحاج مندور الذى رفع غطاء الأكسجين عن وجهه لثوان.. همس لابنته بحروف كلمة "مبروك " لتبتسم في شجن و عيونها دامعة تتحسس الزجاج بأطراف اناملها كأنما تتحسس وجنة ابيها.. همس زكريا بعد لحظات بصوت متحشرج يتنحنح في احراج: - انى بجول نروح الفيلا..

انتفضت هي حتى قبل ان يكمل كلماته التي أيقن انها ما كانت الكلمات المناسبة في تلك اللحظة و ان تعبيره خانه و صاغ الكلمات بشكل خاطئ تماما ليتنبه مستدركا: - اجصد انى اروح اجيب حازم من البنسيون و أرجعه الفيلا تكونىِ ارتاحتى و نعاود تانى هنا عند الحاچ..

أومأت برأسها متفهمة و موافقة.. ليشير اليها بالمغادرة خلفه ليعود بها للفيلا وعند المدخل الذى فتحه البواب العجوز يتبعها حتى الداخل.. و ما ان اطمئن لدخولها حتى عاد بالسيارة للبنسيون لتقابله تهانى بفضولها المعتاد لكنها لا تستطيع صبر أغواره فقط أبلغها انه سينتقل للعيش بجوار رب عمله و ترك لها اجرة الشهر الباقى كاملا..شاكرا كل ما فعلته في سبيل حازم و لأجل صداقتها لامه رحمها الله..

دخل الغرفة ليجد حازم قد غفا منذ فترة قليلة بدأ يجمع في حاجياتهما و هو يتطلع لتلك الغرفة التي شهدت اجمل اللحظات بينه و بين بدور.. الان هو متزوج من امرأة أخرى.. امرأة مختلفة تماما عن بدور الطيبة حد السذاجة.. الحانية حد الثمالة الشفافة..النقية.. العاشقة حد الألم..

تطلع للمرة الأخيرة للبحر من هذه الزاوية و زفر في محاولة لوأد شعور جارف بالحنين لتلك الرائعة الراحلة..و التي طالما خالطت أنفاسه أنفاسها في محيط تلك الغرفة التي جعلتها عالم في حد ذاته..عالمهما..

ايقظ حازم في حنو.. و حمل الحقيبة بذراعه السليمة..و رحل مودعاً تهانى.. و جال ببصره حوله قبل ان يودع بنسيون السعادة..
فهل يا ترى ستقابله السعادة مرة أخرى في مكان اخر..!؟.. ام انها ضلت طريقها اليه بعد رحيل بدور عن عالمه..


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 03:06 صباحاً   [36]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل السادس عشر

خرج عاصم من غرفة مكتبه مندفعا ينادى سعيد الذى أتى على عجالة كعادته ليهتف أمرا: - أرمح اجمع الهوارية كلهم في المُندرة.. و جولهم محدش يتأخر..حالاااا..
اندفع سعيد ينفذ الامر و عاد عاصم ادراجه لداخل السراىّ لتتلقفه الحاجة فضيلة من موضعها هاتفة في قلق: - ايه في يا عاصم..!؟.. خير يا ولدى... چامع الهوارية كلهم ليه..!؟؟..

هتف عاصم في شرود: - مش خير يا حاچة.. مش خير أبدا..
انتفضت أمه هاتفة: - الستر من عِندك يا رب.. ايه في..!؟..
استطرد عاصم: - سليم يا حاچة.. سليم واد عمى.. اضرب بالنار النهاردة..
شهقت الحاجة فضيلة وهى تربت على صدرها في ذعر.. ليستطرد عاصم: - الحكومة عرفت مكانه و لما راحوا يجبضوا عليه حاول يُهرب..فضربوا عليه نار.. ووجع جتيل في ساعتها..

بكت الحاجة فضيلة رغما عنها هاتفة: - ليه كِده يا سليم يا ولدى.. يا خسارة شبابك..
تنهد عاصم مندفعا لاعلى الدرج هاتفا: - انا رايح أجابل الهوارية اعرفهم بالخبر.. عشان ألحج اجيب الچثمان و ندفنوه..
و صعد للأعلى تاركا للحاجة فضيلة محاولة مواساة سمية اخته.. و اخبار الحاجة بخيتة.. حتى يصل الامر لزكريا عند اتصاله.. فهو على ايه حال.. أخيه..

ظلا على حالهما لأسبوع كامل يعودا للفيلا حتى يطمئنا على حازم و يبدلان ملابسهما و يتناولا طعامهما و يعودا ادراجهما للمشفى من جديد..
حتى تحسنت صحة الحاج مندور بشكل ملحوظ فاق التوقعات لكن للأسف تلك الضربة القوية على رأسه جعلت من الصعب عليه السير على قدميه من جديد فقد اثرت بشكل كبير و خاصة في مثل سنه على أعصاب قدميه و التحكم فيهما..

و بالرغم من حزن الحاج مندور على حاله و ما آل اليه الا انه شكر الله كثيرا انه لايزل في عمره البقية حتى يسعد برؤية ابنته عروس سعيدة..
كان لابد من وضع بعض التغييرات في الفيلا من اجل استقبال الحاج مندور بحالته الجديدة فعمل زكريا على تجهيز غرفة له في الطابق السفلى لا يحتاج فيها لاستخدام الدرج و ملحق بها كل ما يحتاج اليه..

اما هو وحازم فكان بقائهما و بيات لياليهما في جناح الضيوف مثلما كانا من قبل.. لا شئ تغير.. حتى ان زكريا لم يخبر حازم حتى تلك اللحظة بخبر زواجه بزينة..
عاد الحاج مندور للفيلا مدفوعا على كرسى مدولب و مع ذلك ترتسم ابتسامة رضا على شفتيه مما دفع رزقة الخادمة لإطلاق زغرودة فرحة برجوع رب عملها و سيدها هتف الحاج مندور في سعادة برجوعه لبيته من جديد: - تسلمى يا رزقة.. بس حوشى زغاريدك دى ليوم فرح زكريا و زينة..

بهتت الخادمة التي بالطبع لم يكن لها علم بأمر كتب الكتاب و لا علم لحازم الذى لم يستوعب الامر جيدا نظرا لصغر سنه..
هتف الحاج مندور عندما وجد الصدمة مرسومة على الوجوه و خاصة من أصحاب الشأن.. زكريا و زينة و الذى أمتقع وجه كل منهما بلا سبب واضح..لذا هتف الحاج مندور متسائلاً: - هو محدش منكم جاب سيرة ان كتب كتابكم كان في المستشفى..!؟..

هتفت رزقة معاتبة:- و لا حصل يا حاج مندور..!؟..ثم استطردت عندما لاحظت نظرات زكريا الغاضبة: - بس تلاقيهم كانوا مستنيين خروجك بالسلامة عشان تبقى الفرحة فرحتين..
هتف زكريا: - اه.. صُح.. هو كِده يا حاچ.. المهم انت ترتاح دلوجت و متشغلش بالك بأى حاچة..

هتف الحاج مندور: - خلاص يا زكريا.. انا أصلا شلت ايدى من كل حاجة بعد اللى حصل لى.. البركة فيك انت يا بنى..
و ربت على ظاهر كف زكريا التي كانت ممسكة بمقبضى دفع المقعد المدولب..
هتف زكريا: - متجوليش كِده يا حاچ.. البركة كلها فيك..

هتف مندور مغيرا الحديث: - طب بصى يا زينة.. و انت يا زكريا.. حددوا ميعاد الفرح.. و انا اعمل احلى فرح في اسكندرية كلها..
هتف زكريا مبهوتا وهو ينظر لزينة التي تلبكت و توترت مكانها: -.. فرح..!؟..
هتف مندور: - اه.. اكيد فرح.. هو انا هفرح ببنتى الوحيدة و أشوفها بفستانها الأبيض كام مرة..!؟..

كانت تقف زينة متسمرة في مكانها لا تحرك ساكنا.. و لكن قرأ زكريا اضطراب عيونها مع كلمات ابيها الاندفاعية و فرحته بعودته لبيته.. لكن مع كلماته الأخيرة بخصوص الفرح و الثوب الأبيض كان احتمالها قد نفذ بالفعل لتشهق بقوة هاربة للأعلى تحتمى بجدران غرفتها..
هتف مندور مبهوتا يهمس لزكريا: - هو انا قلت حاجة غلط..!؟..ده انا عايز افرحها ذى كل البنات..

همس زكريا رابتاً على كتفه مطمئناً أياه: -عارف يا حاچ.. بس معلوم هي اكيد بتضايچ من السيرة دى.. و فاكرة ان جوازنا غصب..
همس مندور متعجباً: - قدرت تفهم سكوتها و تفسره بسرعة كده و صح قووى كده يا زكريا..!؟؟..
همس زكريا بشجن: - اللى جعد سنين مينطجش خوف.. هايفهم اللى مش جادر ينطج خوف برضك يا حاچ مندور..
استفسر مندور في دهشة: - مش فاهم قصدك ايه يا زكريا..!؟..

ابتسم زكريا و هو يدفع كرسى مندور المدولب أمامه حتى غرفته المعدة خصيصا لاجله: - دِه موال طووويل يا حاچ ..المهم دلوجت تستريح.. عشان دى أوامر الداكتور..و هانعمل الفرح اللى انت عاوزه كمان.. ايه رايك..!؟..
هلل مندور في فرحة: - تسلم يا زكريا..

وصمت فجأة..ليستفسر رافعا كفه لاعلى: - طب و اللى فوق دى يا زكريا.. مش عايزاضايقها.. بس دى من ضمن تعليمات الدكتور..و انا عايز اصالحها بس مبقتش اقدر اطلع لها زى الأول..
هتف زكريا بلهجة مرحة: - طالما الداكتور جال يبجى لازماً ننفذ.. سيب دى عليا انى متجلجش يا حاچ..

خرج زكريا من عند الحاج مندور من يراه يعتقد انه يخطط لكل شيء و يعرف كيف يسير الأمور لكن الحقيقة انه ما قال ذلك الا لبث الطمأنينة في قلب الرجل المريض..
و هاهو يقف مكتوف الايدى ليس في جعبته اى أفكار لتلك القابعة بالأعلى و التي تحتاج لمعاملة خاصة..لا يعلم من أين يأتي بها !!.

صعد للأعلى حيث غرفتها و طرق بابها و لازال رأسه خاوية من الأفكار.. فتحت الباب بعد الطرقة الثانية و عيونها تغطيها الدموع.. يعرف انها تعشق ابيها لذا شعر ان هذا هو المدخل..

تنحنح في توتر هامساً و هو يحاول ان يرفع نظراته في وجهها حتى تتمكن من قراءة شفتيه: - انا عايز اجولك حاچة مهمة.. الحاچ مندور نفسه يفرح بيكِ و بعد تعبه بالخصوص.. انا عارف انك مش عاوزة فرح ولا فستان.. انت مش محتاچة الحاچات دى عشان تفرحى.. بس هو محتاچهم.. هاتبخلى على ابوكِ بيهم..

هزت رأسها نافية في سرعة..ابتسم في راحة عندما علم انه أصاب الهدف فاستكمل في هدوء يعاكس تماما تلك العاصفة المضطربة التي تمور بداخله من جراء نظراتها البريئة تلك و الموجهة لشفتيه بغرض التركيز اكثر على كلماته: - يبجى ننزل نختار فستان.. و نحاول نريحه على الاخر.. صُح..!؟...
اومأت موافقة من جديد.. ليهمس هو في سعادة لإقناعها للمرة الثانية: - زينة..!!..

انتبهت بكل حواسها عند نطق اسمها بهذا الشكل.. هو نفسه كان الاسم له وقع خاص على مسامعه و هو ينطقه مجردا..
استكمل متحاشيا تلك الأفكار الحميمة هامساً:- انى عمرى ما هفرض روحى عليكِ و لما جبلت بچوازنا كان برضك عشان الحاچ مندور.. متجلجيش منى.. انى بس كل اللى عاوز اجوله ان انى و انتِ هدفنا دلوجت الحاچ مندور و راحته و بس..

و اذا كانت فرحته هتكون في وچودنا سوا نبجوا سوا و نبين له اننا مبسوطين كمان..
صُح.. و لا انتِ ليكِ رأى تانى..!!؟..
هزت رأسها نفيا.. و اشارت انها ستفعل المستحيل من اجل إسعاد ابيها..

ابتسم زكريا و قد فهمها بسهولة ليهتف في سعادة: -يبجى اتفجنا..حددى ميعاد الفرح و شرا الفستان.. و أوعدك هيكون فرح هنا ع الضيج اذا كان دِه اللى هيريحكِ..!!
ابتسمت للمرة الأولى في وجهه و هي تؤمى مؤكدة له فرحتها لاقتراحه الأخير..
ابتسم بدوره ابتسامة لاأرادية قفذت لشفتيه و ملأت تفاصيل وجهه الأسمر ليتنبه انه يبتسم في بلاهة ردا على ابتسامتها الصافية..
فاستأذن في عجالة و غادر...

لم يكن من اللائق بالطبع عقد قران يونس و كسبانة في ظل تلك الأجواء التي تخيم على النجع...بالتأكيد لم يكن سليم محبوبا و لكنه كان فردا من الهوارية و التي يُعمل لافراحها كما لأتراحها الف حساب و حساب..

بكت كسبانة وحيدة.. فقد ابتعد ميعاد لم شملها على ذاك الذى حاولت صد باب قلبها بوجهه لكنه ابى الا ان يُفتح.. حتى دخل و تربع على عرشه و استحوذ على مجامع عقلها و قلبها معا.. اصبح صوته العذب و شدوه الصافى هو زاد يومها الذى يحييها..
همست رغما عنها لشدة حزنها: - في حياتك و موتك يا سليم مش سايبنى في حالى..
اجول ايه غير ربنا يرحمك..

وصلتها الان همهمات شدوه من نافذة المطبخ.. كانت تتجنبه كل تلك الفترة الماضية و ما كانت تخرج لملاقاته أو حتى اعطاءه صينية الطعام كما اعتادت..
مسحت دمعها و أرهفت السمع لذاك الصوت المحبب لروحها..ليتناهى اليها كلماته التي يشدو بها في صوت يقطر حسرة: -

ولا هد قلبي العليل غيرك
يا وچع البعاد
ولا شالوا م الأرض شيل
غير فرحته بحب عاد
اه يا وچع البعاد
انا چمل صلب لكن علتي الچمال
شيلني احمال ان شالها الچبل جام مال
طعمني علجم وخد من كدي منچم مال
ورماني وسط الرمال
منكاد كسير الفؤاد
اه يا وچع البعاد
يا دنيا ليه فوق كتوفنا زيدتي احمالنا
وبدل م نبني ونجني خيرنا راح مالنا
وزمنا جاحد مفيش في ظلامه رحمة لنا
مالك يا دنيا ومالنا ؟!
جطعتي حبل الوداد
اه اه يا وچع البعاد

بكت و بكت بقهر على كلماته التي اصابت قلبها في الصميم.. و هو لا يدرى ان كلماته تلك تنكئ جرحها النازف لبعاده بالمثل..

على الرغم من معرفة زكريا لخبر وفاة أخيه سليم الا انه اثرها في نفسه و لم يخبر احد لا الحاج مندور و لا زينة..ظل يتجرع الحزن على أخيه وحيدا على الرغم من انه يعد ظالمه الثانى بعد أبيهما غسان.. أبوهما الذى ظلمهما معا حين فرق كل منهما عن الاخر فشبا غريبان اقتتلا على اسمه و ميراثه.. لكن رغم ذلك كله يظل سليم أخيه و لقد حزن عليه بالفعل.. لكن دفن ذاك الحزن في قلبه كما تعود بل اصبح خبيرا في ذلك.. و تطلع الى حياته التي تأخذ مسارا جديدا بعد معرفته بالحاج مندور و ابنته..

و الذى اصر على إقامة فرح لابنته الوحيدة مما دفع زكريا لكتمان خبر الوفاة حتى لا يعكر صفو تلك الفرحة البادية على الأب المقعد...
كان الفرح الذى أقيم في حديقة الفيلا الواسعة لا يقل فخامة عن اى فرح كان يمكن ان يقام خارجها فلقد اشرف الحاج مندور على اعداد و تجهيز الفرح على كرسيه المدولب في نشاط منقطع النظير.. و اهتم بتفاصيل الحفل حتى أصغرها ليخرج الزفاف بهذا الشكل الرائع و خاصة في وجود زمرة كبيرة من اكبر رجالات التجارة في الإسكندرية و الذى كان الزفاف فرصة مميزة لمقابلتهم زكريا و تعريف الجميع علي زوج ابنته الوحيدة و الذى سيتولى معه الإدارة لشركته منصافة..

كان زكريا يقف الان في انتظار نزول العروس و هو يرتدى تلك البدلة التي اصروا عليه ليرتديها.. ما بالهم الجلباب و العباءة و العمامة..!!؟.. فها هو حماه الحاج مندور يرتديهم.. و هي لبسه المعتاد و اليومى..

لما طلب الحاج مندور ذلك.. على الرغم انه اشترى العديد من الجلابيب الجديدة غالية الثمن و عباءات مختلفة الألوان و الخامات..فهو يكاد يختنق في تلك البدلة.. انها ليست المرة الأولى التي يرتدى فيها قميصا و بنطالا.. بل انه يتذكر عندما جاء للإسكندرية بعد اتهامه بمقتل سمرى نصحه غندور بتغيير طريقة لبسه التي تشير لموطنه الاصلى فيسهل التعرف عليه..

انطلقت الزغاريد عندما بدأت تخطو العروس باتجاه سلم الفيلا الداخلى لتهبط متوجهة اليهم.. كانت ترتجف.. شعر بها و تمنى لو ترفع نظراتها اليه حتى يستطيع ان يطمئنها..و كأنها سمعته يناديها لترفع وجهها و تتلاقى نظراتهما ففعلت..

ابتسم عندما لاحظ صدمتها من مرأة ببدلته السوداء الداكنة و التي زادته وسامة لم تكن تتخيلها..شعرت بالدفء في نظراته و شعور عجيب فصلها عن كل هذا الصخب الدائر حولها و الذى يثير توترها حتى انها عندما وضعت كفها في أحضان كفه الممدودة الان عند وصلها اليه.. ألقتها في بساطة و تلقائية و لم تهتز للحظة او تتردد كما كان في السابق..

جذبها برفق حتى جلسا سويا و بدأ الحفل الذى استمر لساعة متأخرة.. حتى ان حازم الذى كان يرتدى بدلة رائعة مثل ابيه لم يستطع ان يقاوم النعاس لتأخذه رزقه تضعه في فراش الحاج مندور كما امرها.. لا في جناح الضيوف كما كان الوضع..

انتهى الحفل على خير ما يرام.. حتى عدم رغبة زينة في تقديم كفها لالقاء التحية على الرجال كان مبرره هو غيرة زوجها ذو الطبع الصعيدى.. تفهم الجميع الامر و لم يعلق احدهم..
صعد العروسان لجناحهما شكليا..
توترت عندما أغلق خلفهما الباب فهتف مطمئنا إياها: - اول ما اخر ضيف يمشى.. هنزل على الچناح..

اتخذت هي مجلسا متطرفا من الغرفة و انكمشت فيه تحاول على قدر استطاعتها مداراة حزنها و تلك الدموع التي تترقرق في مأقيها..
و بالفعل ما ان هدأت الأمور و تأكد زكريا من مغادرة اخر ضيف حتى تسلل ليعود لجناحه لكن الحاج مندور و لحظ زكريا العسر خرج من غرفته في نفس ذات اللحظة التي كان يمر بها زكريا في قلب البهو متجها للخارج حيث مدخل جناح الضيوف الذى يعتقد ان ابنه حازم ينام هناك..
هتف الحاج مندور مندهشا:- على فين يا زكريا.!؟.

تنحنح زكريا: - على الچناح بجى يا حاچ.. انام چار ولدى..
ابتسم مندور: - ولدك هينام جنبى.. لحد لما نجهز له أوضة و انت مكانك فوق مع مراتك في جناحكم..
هتف زكريا معترضاً: - بس يا حاچ انا مش عايز اضايجها او تحس انى..
هتف مندور بكلمته السحرية: - دى أوامر الدكتور.... لازم تفضل معاها و تتعود عليك و على وجودك قريب منها..انت سبتها دلوقتى عارف هاتفتكر ايه..!؟.. هاتفتكر انك مش شايفها ست كاملة و تستحق تبقى عروسة بسبب الحكاية أياها..

حاول زكريا ان يضبط أفكاره التي بدأت تدور في فلك واحد.. كيف له ان يبقى معها في غرفة واحدة.. !؟.. لا قبل له و لا لأعصابه على ذلك.. هي زوجته.. لكن ليس برضاها.. و هو زوجها لكن لا يشعر ان من الصواب البقاء معها و بقربها.. فهذا عذاب من نوع مختلف.. عذاب ذو شعر كستنائى و نظرات بريئة و ملابس متحررة و اُسلوب خاص في المعاملة..

و هو لا قبل له على مواجهة كل هذا الخليط في امرأة واحدة.. فمنذ رحلت بدور و قد عدم النساء في حياته و نسى او تناسى انه رجل و له متطلبات حتى رأها..و شعر انه سقط في مجال مغناطيسي.. و انحرفت كل بوصلات ثباته.. و ضاع استقراره النفسى بلا رجعة..
اخرجه الحاج مندور من شروده هاتفاً: - روحت فين يا عريس.. ياللاه على فوق..و انسى بقى الجناح ده باللى فيه..ده كان جناح الضيوف و انتوا دلوقتى أصحاب بيت..

اومأ زكريا للحاج مندور برأسه إيجابا و هو يصعد السلم من جديد في سبيله لجناح الزوجية..
كيف يفسر لها و هو يطرق على بابها ان رغبة ابيها ونصيحة الطبيب هي القرب منكِ و تعودكِ وجودى.. فهل من المنطقى وضع النار جنب مادة حارقة.. !!؟..

طرق زكريا باب جناحهما المزعوم ربما للمرة الثالثة و هو يتمنى الا تسمعه و لا تفتح لكن للأسف فتحت و العجيب انه وجدها تبكى.. مسحت دموعها بظاهر كفها و أفسحت له الطريق للداخل متباعدة و نظراتها تحمل الكثير من التساؤلات و التفسيرات.. هتف زكريا يريحها مفسرا:- لجيت الحاچ مندور تحت لما شفنى جولته نسيت حاچة و راچع اچبها من چناح الضيوف.. و رچعت تانى.. بس انت لو..

قاطعته باشارة من كفها..و جلست على طرف الفراش بفستانها الأبيض الرائع..
ليجلس هو بدوره على تلك الأريكة الوثيرة في احد أركان الغرفة ليهتف مؤكدا: - بصى.. انا بس مستنى الحاچ يخش اوضته و هرچع تانى چناح الضيوف و مش هضايجك..

اومأت برأسها موافقة بلامبالاة تدعيها لكن نظراتها تشى بالعكس تماما.. نظراتها كلها طلب و رغبة في بقائه بقربها و في نفس الوقت لا قبل لها لتفرض نفسها عليه و تجعله يبقى مع امرأة لم يرغبها يوما و كان زواجهما مجرد حل من قبل والدها لينقذ أموالها و يضع حياتها بين كفيه في امان لكن هي ترتاح للبقاء معه منذ اللحظة الأولى التي رأته فيها على شاطئ البحر و انقذها من تطفل هؤلاء الشباب..

كل يوم تمر من هناك فقط لتراه.. لتشاهد جلسته على تلك الرمال و تطلعه للبحر.. كان صوته ساعتها يحمل حنان و دفء لم تعهدهما.. و نظراته كانت آسرة.. تحيط القلب ببلسم شاف.. يهدهد الألم الذى ادمن المكوث فيه منذ سنوات.. لما هو..!؟.. هي لا تعلم..كل ما تعلمه انها تعلقت به دون ان تدرى.. حتى انها يوم ان اكتشفت انه ما عاد يجلس في بقعته المفضلة و ظلت تتردد لايام بل لأسابيع على مكانه حتى يأست من عودته عندها فقط بكت.. بكت بجنون حد الضياع..

هو لا يعلم هذا..!؟.. و لا تظن انه سيعلمه يوما..!؟.. لن تفرض قلبها على رجل لا يشعر بما تعانى..ستفعل كل ما يمليه عليها من اجل صالح والدها و صحته.. ستفعل اى شيء اى كان لاسعاد ابيها.. اما زكريا..

فيكفيها انها بقربه.. هي لن تستطيع ان تهبه المزيد لانها بكل بساطة لا تملكه.. هي نصف امرأة.. فقط نصف امرأة فقدت احساسها و أحلامها و أمانيها و قلبها و روحها يوم ان ذبحها الاوغاد و تَرَكُوا لها مجرد جسد ملطخ بالعار و اسم ليس على ما يسمى..زينة..
ماذا يمكن ان تهبه..!؟.. لا شيء..

عليها ان تقنع بما هو متاح.. لان لا قبل لها لخوض المعارك للحصول على مزيد هى لا تملك ما تقايضه به.. انها ترتعش مجرد تذكرها انه يمكن ان يمسها.. لازالت لمسات و فحيح هؤلاء القتلة في آذانها تذكرها انها بقايا أنثى.. ما الذى يمكنها ان تهديه..!؟..
لا قلب.. لا روح.. لا جسد.. فقط حطام امرأة.. و بقايا أنثى.. و جسد يرتجف حتى من لمسات حانية لا يستطيع ان يتقبلها..
او ربما يعتقد انه لا يستحقها..

دقات على باب الحجرة أيقظت زكريا ليدرك انه نام ببدلته على الأريكة مثلما فعلت هي على اطراف الفراش و نامت بفستان زفافها.. تعالت الدقات مرة أخرى جعلته ينهض مقتربا منها ينحنى ليربت بهدوء على كتفها مناديا باسمها في خفوت: - زينة.. زينة..
انتفضت هي كعادتها و انكمشت كالمذعورة تجمع شتات نفسها و ردائها في صدمة حتى انتبهت لزكريا فخفت حدة توترها قليلا و هو يشير للطرق على باب الغرفة..

هتف في نبرة ناعسة من خلف الباب: - ميين!؟..
لم يجب احدهم.. فتح الباب في حرص ليجد صينية الطعام موضوعة امام عتبته.. سحبها سريعا و أغلق الباب.. ترك الصينية على الأرض في منتصف الغرفة تقريبا و خلع سترة بدلته و حذائه و اندفع جالسا يشعر بجوع قاتل حد المجاعة..

رأها تنظر اليه في استمتاع و ابتسامة تبرق على شفتيها فتشجع هاتفاً: - مش هاتفطرى!؟.. تعالى..
و أشار اليها للنزول ارضا لتشاركه الطعام.
نهضت من مكانها و جلست أمامه بفستانها الضخم ذاك بطبقات التل و الاورجانزا و ما ان جلست حتى غطى الفستان على صينية الطعام المغطاة..

نظر زكريا و هتف مازحاً و قد اختفى الطعام تماما تحت طيات ردائها: - طب لو انتِ چعانة كِده جولى.. لكن تخدى الصينية كلها لحالك..!؟...
انفجرت ضاحكة.. و كانت المرة الأولى الذى يسمع فيها رنين ضحكاتها.. تحرك شيء ما بالقرب من معدته أرجعه للجوع..

لكن ماذا عن ملامحها التي تغيرت تماما و أصبحت اجمل بمراحل عندما أشرقت تلك الابتسامة و علت الضحكة من حنجرتها و كأنها ألف ناى يعزف لحنا شجيا.. و كم كان خبير بالناى و نغماته..!!!..

شعرت بالخجل عندما لاحظت تفرَّس زكريا بوجهها.. فنكست رأسها الصغير ليصنع شعرها الكستنائى ستارا يخفى ملامحها خلفه تنبه لغيبته في التطلع اليها.. فتنحنح و هو يحاول إظهار صينية الطعام من جديد من تحت طيات الفستان..

ضم لقيمة صغيرة و رفعها لاأراديا لفمها و فجأة غامت عيناه و تذكر بدور..
شعر باحتقان عجيب للدمع في حلقه و حتى هي ترددت في قبول يده الممدودة خجلاً..
كان على وشك إزاحة كفه الا انها اقتربت بوجهها في بطء و فغرت فاها و هي ترفع نظراتها اليه في خجل.. ابتسم و غصة الحزن لازالت تتملكه و مد أصابعه
لفمها بلقيمتها الأولى..

تناولتها في سعادة بدت ظاهرة على محياها ليعيد الكرة و يرفع لقيمة أخرى فتشير انه دوره و هو من كان جائعا من الأساس..
ابتسم لها و وضع اللقمة في فمه و بدأ كلاهما في تناول الطعام...فى شبه سعادة...

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 5 من 36 < 1 9 10 11 12 13 14 15 36 > الأخيرة





الكلمات الدلالية
رواية ، ميراث ، العشق ، والدموع ، موال ، التوهة ، والوجع ، رباب ، النوح ، والبوح ، العمر ، وزواده ،











الساعة الآن 08:47 PM