logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 5 من 36 < 1 7 8 9 10 11 12 13 36 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 03:01 صباحاً   [28]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل الثامن

هتفت نعمة في سعادة وهى تسأل المعلم خميس ربما للمرة العاشرة على التوالي: - بس اتأكدت يا معلم انها وصلت لسى زكريا و انهم بخير..!؟..
هم المعلم خميس بالرد عليها الا ان الحاج وهيب قاطعه هاتفاً في فرحة: - ما قالك انها وصلت لجوزها و كله تمام..
وتوجه الحاج وهيب لخميس ممتنا: - مش عارفين نتشكر لك ازاى يا معلم..!؟.. اللى عملته ده جميل في رقبتى..

هتف خميس لائما: - العفو يا حاج.. ده انا برد شوية من جمايل زكريا عليا و على ناس كتير في الحارة.. ربنا يرده سالم باذن الله..
أمنت نعمة و الحاج وهيب على دعاءه و الذى هتف باسما: - بس فكرة ان نعمة تروح لاهلها طنطا و معاها بدور دى جاامدة قووى يا معلم خميس.. لولاها مكنتش بدور حصلت جوزها.. و فكرة انها تتوه من نعمة في مولد السيد البدوى و رجالتك يوصلوها لزكريا.. و الله عفارم عليك يا معلم.. ربنا يبارك لك..
تنهد خميس هاتفاً: - و الله يا حاج ربنا اللى ألهم بيها.. مكنش ينفع غير كده.. هو هناك و هى هنا من شهور و انا عارف انهم هايقووا بعض وخصوصى بعد الحكم ما صدرعلى زكريا..

و تنهد من جديد هامساً: - الراجل من غير ست بت حلال توقف في ضهره بتضيق بيه الدنيا..
نظر كل من الحاج وهيب و نعمة احدهما للاخر في تفهم.. فقدا أدركا ان المعلم خميس يقصد بكلماته الأخيرة زوجته الراحلة التي توفيت منذ فترة ليست بالطويلة.. قبل مجئ زكريا للحارة بأشهر تقريبا.. و ها هو الان وحيدا مع اطفاله الذين تتولى رعايتهم امه..

هتف الحاج وهيب ليخرج خميس من صمته و حزنه: - تعيش و تفتكر يا معلم.. ربنا يرحمها.. و يبعت لك بت الحلال اللى تريح بالك..
نهض المعلم خميس مبدلا نبرة صوته الحزينة باخرى يملؤها الفرح وهو يهتف استعداداً للرحيل: - المهم دلوقتى انهم مع بعض.. ربنا يهنيهم و يريح بالهم.. و عقبال ما يرجعوا الحارة رافعين راسهم باذن الله.. أقول انا سلام عليكم بقى.. و ادينى طمنتكم عليهم و اى حاجة تحبوا توصلوهالهم انا في الخدمة..

هتف الحاج وهيب ممتنا: - ربنا يبارك فيك يا معلم.. و الله لو اخ ما كان عمل اللى عملته مع زكريا.. ربنا يديك على قد نيتك الطيبة دى..
ربت المعلم خميس على كتف الحاج وهيب
في محبة: - تسلم و تعيش يا حاج..
و رحل بعد ان نشر الفرحة في بيت الحاج وهيب من جديد..

سارا على الرمال في سعادة تدفعها بدور بقدمها كطفلة صغيرة مشاغبة ويبتسم زكريا
لعبثها المحبب كما لو كانت ابنته..
كانت تتعلق بذراعه في محبة و فخر و هي تسير بجواره على الشاطئ يتسلل اليهما صوت ام كلثوم شادياً من احدى المقاهي القريبة.. " و ان مر يوم من غير رؤياك..

ميتحسبش من عمرى.."..
لتعيد بدور الكلمات منغمة بصوتها هامسة بها
و هي ترفع نظراتها لزكريا الذى ابتسم في سعادة وهو ينظر لكفيها المتعلقتين بعضده هاتفاً في مزاح: - ايه يا بدور.. متعلجة بيا ليه كِده.. مش ههرُب منيكِ..

هتفت في شك: - لااا يا سى زكريا.. انا خايفة عليك من البنات الحلوين دوول اللى كل ما ننزل نتمشى ألاقيهم.. خايفة واحدة فيهم تخطفك منى..
انفجر زكريا ضاحكاً: - انا محدش يجدر يخطفنى منك يا بدور.. و بعدين انا مالى و مال الحريم..كفاية انتِ معايا بكل حريم الدنيا
انتفخت أوداج بدور في سعادة منتشية لإطرائه هامسة: - صحيح يا سى زكريا.. !!؟..

هز رأسه مؤكدا وهاتفا في تساؤل: - هو انت لسه متعرفيش يا بدور انا بعزك كد ايه..!؟..
تعلقت بعضده اكثر وهى تهتف: - عارفة يا سى زكريا.. بس برضة خايفة..
و اقتربت لتقبل عضده في الخفاء و كأنها تخبئ رأسها فيه.. شعر زكريا بقبلتها الدافئة عبر قماش قميصه لينظر اليها من عليائه و ابتسامة مشاكسة تكلل شفتيه و همس: - بتعملى ايه يا بدور..!؟..

رفعت نظراتها العاشقة لتتلاقى بنظراته المتيمة بها و بأفعالها العفوية التي تدفعه ليعشقها فوق العشق: - ابدا يا سى زكريا.. بحبك بزيادة شوية بس من غير ما حد يدرى.

انفجر ضاحكاً لتعليقها و أخيرا همس مشاكساً أياها: - طب ايه رأيكِ نرچع البنسيون و تحبى فيا بزيادة زى ما انتِ عايزة..!؟..
احمرت وجنتاها خجلاً و سارا باتجاه البنسيون وهى تخبئ وجهها من جديد في عضده الذى تتعلق به و كأنه القشة التي يتعلق بها غريق في وسط موج عاتِ..

دخلت سهام للسراىّ فى سعادة و قد تركت باسل يلهو مع أبناء خاله مهران و سندس فى الحديقة بالخارج..
بحثت بناظريها عن أمها لتطالعها تجلس فى سكينة تتمتم ببعض الأذكار و التسبيح محركة احجار مسبحتها فى خشوع..
اقتربت منها تقبل هامتها هامسة: - كيفك ياما.

ابتسمت الحاجة فضيلة فى سعادة لمرأى ابنتها: - سهام !!.. كيفك يا بتى..زينة.!؟..
هتفت سهام: - الحمد لله.. كله تمام..
استشفت الحاجة فضيلة بفراستها محيا سهام السعيد فهتفت فى فضول: - بس جوليلى..!؟.. وعيالك مبسوطة الله اكبر.. خير..!؟..
ضحكت سهام: - وااه ياما.. مفيش حاچة تتخبى عَلَيْكِ.. صُح مبسوطة.. أصلك لسه چاية من عند الداكتورة و بشرتنى.. انا حامل ياما..
احتضنتها الحاجة فضيلة فى سعادة مكبرة..

لتدخل زهرة هاتفة بمرح: - لااا انا كده هغير بجد.. ايه الأحضان دى كلها..!؟..
هتفت الحاجة فضيلة بفرحة: - اصلك سهام حبلى..
هتفت زهرة و هى تنهض تحتضن سهام بدورها: - الف مبرروووك.. عقبال ما تقوميلنا بالسلامة...
هتفت سهام: - و انت يا زهرة مش هتحصلينى..!؟..

قهقهت زهرة هاتفة: - لااا.. اخوكِ عاصم مش بيفكر يكررها تانى.. اتعقد من بعد ما تعبت فى ولادة سندس و مهران..
هتفت الحاجة فضيلة: - عنديه حج يا بتى.. ما انت ولادتك كانت واعرة..الداكتور جال كنى اسمها ايه.!!؟..
ابتسمت زهرة مجيبة: - قيصرية يا خالتى.. اسمها قيصرية..
أكدت الحاجة فضيلة: - ايووه.. هى دى.. دِه احنا اترجفنا يوميها...

دخل عاصم فى تلك اللحظة لينضم لمجلسهن و ما ان جلس حتى أعلمته الحاجة فضيلة بنبأ حمل سهام ليهتف فى مرح: - ألف مبرووك.. و الله و التهامية هيزيدوا واحد..
انفجرت سهام ضاحكة فى سعادة هاتفة: - الله يبارك فيك ياخوى تسلم.. شدوا حيلكم و حصلونا..

قهقه عاصم لمزاح اخته التي انحنت على أمها تستشيرها فى بعض الأمور فمالت عليه زهرة مشاكسة فى همس: - و انت يا عاصم مش عايز تزود الهوارية واحد..!!؟؟..
استدار اليها مبتسما: - لااه.. كفاية الحمل اللى فات.. تسع شهور عذاب وولادة واعرة.. ربنا يخليلنا مهران و سندس..
همست تشاكسه من جديد: - معقووول.. الغول اللى بيتكلم ده..!؟..

همس فى عشق: - ااه.. هو يا زهرة.. بس ده من خوفه عَلَيْكِ.. على كد ما نفسى أجيب منيكِ عيال يسدوا عين الشمس.. على كد ما خوفى عليكى مخلينى أفكر ميت مرة جبل ما نفكروا نچيب عيال تانى..
تطلعت اليه فى عشق و قلبها يذوب لكلماته الدافئة و لولا وجود اخته و أمه.. لكانت ألقت بروحها بين ذراعيه و لكن عوضا عن ذلك همست فى وله: - بحبك..

تململ زكريا في منامه قلقا لا يطال النوم جفونه.. لم يكن بامكانه التقلب في ذاك الفراش الضيق حتى لا يوقظ بدور ظنا منه انها نائمة حتى اثبتت العكس هاتفة: - مالك يا سى زكريا.. فيكِ ايه..!؟..
همس زكريا متعجباً: - انتِ لساتك صاحية !؟.

أومأت برأيها إيجابا و هي تنهض مستندة على مرفقها موجهة نظراتها لوجهه المحبب الى روحها: - صاحية و حاسة بيك و انت قلقان مش عارفة ليه..!؟..أوعى يكون في حاجة حصلت مع نعمة و لا ابويا من ورا مجيتى هنا..!؟..
ربت على رأسها مطمئناً: - لااه متخافيش.. محصلش حاچة الحمد لله..

وجذب رأسها لتستقر على صدره فتتوسده وهى على يقين ان شيء ما يحزنه و لا يريد الإفصاح عنه او ربما لا يستطيع.. لكن هي التي لم تستطع ان تصمت و تتركه بهذه الحالة همست و هي تحيط جذعه بذراعها: - طب فيك ايه..!؟..
همس دون مواربة: - جلجان على امى يا بدور.. مش عارف ايه احوالها.. و لا عاملة ايه بعد ما عرفت اللى چرى معاي..!؟..

و لا حتى جادر اكلمها و اسمع صوتها و اخليها تطمن علىّ..شوفى بجالى كد ايه هنا من ساعة اللى حُصل لا كلمتها و لا طمنتها..
رفعت رأسها من على صدره و ربتت بكفها على جانب وجهه و تطلعت اليه بنظرات كلها عشق و مؤازرة.. تعلم بفطرتها ان إفصاحه لها عن مشاعره و مكنونات نفسه ليس بالأمر العسير على رجل مثله.. انحنت لتقبل جبينه
و أخيرا جذبت رأسه بين ذراعيها ليستكين في أحضانها متنهدا في راحة..

أخذت تهدهده كما تهدد طفلا في المهد حتى
علا غطيطه و راح في سبات عميق..
طوقته اليها اكثر و قبلت هامته و راحت هي الأخرى في دنيا الأحلام..

رِن جرس الهاتف فاندفعت كسبانة مدعية الفرحة هاتفة قبل ان تصل الى موضعه:-يمكن يكون سى زكريا..!!؟..
هتفت بخيتة مؤكدة: - لاااه مش زكريا..
نظرت اليها كسبانة بتعجب وهى ترد على الهاتف.. كانت زهرة تتصل للاطمئنان على أحوالهن.. وهل هناك ما يلزم ليقدمه عاصم!!؟.. و خاصة بعد ما كان من امر زكريا و خاصة مع عدم علم بخيتة بذلك او اعتقادهم انها لا تعلم من امر ولدها شيء..

أنهت كسبانة مكالمتها مع زهرة و اتجهت حيث تجلس بخيتة واجمة لتجلس بجوارها تطيب خاطرها فهى تعلم انها حزينة لأجل عدم اتصال زكريا منذ فترة طويلة.. ربتت على كتفها في شفقة هامسة:- اكيد يا خالتى حاجة مهمة هي اللى منعت سى زكريا من انه يتصل بيكِ..
هزت بخيتة رأسها موافقة كسبانة الرأي هاتفة في حسرة: - معلوم يا بتى.. وهو في اكتر من المصيبة اللى هو فيها تخليه ميكلمش امه!!؟...
هتفت كسبانة مدعية الدهشة: - مصيبة !!؟..

مصيبة ايه كفالله الشر.. ليه بتجولى كِده يا خالة..!؟..
ربتت بخيتة على فخذها مطمئنة: - انا عرفت كل حاچة يا بتى.. كله مجدر و مكتوب..
هتفت كسبانة بدهشة حقيقية هذه المرة: - كل حاچة..!؟.. كل حاچة ازاى..!!؟..

سردت لها بخيتة انها علمت بالأمر أولا عندما جاءت الشرطة لتفتيش البيت و حديث كسبانة مع عاصم و ثانيا عندما وجدت كسبانة تبكى خلسة عندما جاءها خبر الحكم على زكريا و استطاعت ان تستشف من حديثها مع زهرة في الهاتف ما أكد لها صدق حدسها..
بكت و بكت..ثم صلت و دعت بقلب ام مكلومة على فلذة كبدها فرقتهما الظروف عن بعضهما قديما.. و ها هي الظروف تفرقتهما من جديد.. اما من نهاية لهذا الفراق الاجبارى الاختياري..!!؟..

انتهت بخيتة من سردها لتشهق كسبانة باكية في لوعة: - بس سى زكريا برئ.. وربنا هينچيه باذن الله..
احتضنتها بخيتة في حنان امومى: - باذن الله يابتى.. باذن الله.. هجول ايه بس.. اللهم لا اعتراض.. كله بأمرك يا رب..
و بدأت في البكاء وهى تتمتم ببعض من الادعية ليحفظ لها الله ولدها.. و تقر برؤيته عيناها التي بدأ تذبل نورهما من كثرة بكائها عليه دون ان يدرى مخلوق..لكن يكفيها ادراك الخالق..

دخل زكريا البنسيون مجهدا بعد يوم شاق في العمل بالميناء و ما ان وضع قدمه على أولى درجات السلم المؤدية للطابق الثالث حيث بنسيون السعادة حيث يقطن حتى استقبلت انفه رائحة لا يخطئها..

لكنه كذب نفسه و أوزع ذلك لاشتهائه طعام امه و كل ما تصنعه امه انه يشتهى مرأى امه نفسها حتى ولو للحظات صعد يحاول الا يمنى نفسه بما لا يستطع ان يطاله.. و دخل البنسيون ملقياً التحية على الجالسين في تلك الردهة الواسعة في المدخل قبل ان يدلف الى الرواق الطويل حيث حجرته القابعة في اخره..

فتح الباب لتفاجئه بدور بوثبة شقية هاتفة في مرح من خلف الباب الذى أغلقه لتوه: - تعال بسرعة يا سى زكريا.. اتاخرت النهاردة و انا مستنياك من بدرى..
كان ينظر الان لصحون من الطعام موضوعة على الأرض مغطاه في انتظاره.. فجذبت هي كفه لتجلسه ارضا و تجلس جواره رافعة الغطاء عن الصحون ليهتف في فرحة طفل يجلس امام أصناف متعددة من الحلوى: - ايه ده يا بدور..!؟.. ويكة (بامية خضراء).. و فراخ..

جبتيهم منين دوول..!؟..
هتفت في فخر: - جبتهم ده ايه.!؟.. عملتهم..
و مدت كفها تنتزع قطعة من الخبز تضعها في البامية و ترفعها لفمه ليتذوقها في حبور و هو يهمهم في استمتاع جعلها تنفجر ضاحكة
لتهتف متسائلة: - عجبتك.. !!؟..
ليهتف في استحسان: - مفيش أحلى من كِده..

ثم هتف مازحاً و هو يراها ترفع لقمة أخرى لفمه: - بس عنك انتِ بجى.. سبينى اشوف شغلى..
قهقهت وهى تراه يلتهم الطبق ألتهاما و ما ان اشبع شوقه.. حتى رفع رأسه اليها فوجدها تتطلع اليه في محبة و ابتسامة دافئة تكلل شفتيها الشهيتين.. ليسأل مستفسراً: - بس عرفتى كيف تعملى الويكة..!!؟؟..

هتفت هي بلهجة كمن قام بمغامرة شيقة يحكى كل تفاصيلها: - سألت ست تهانى تعرف تعمل أكلات صعيدى.. قالت لى لا.. بس عرفتنى على جارة ليها هنا في العمارة جوزها صعيدى قالت لى دى اكتر اكله بيحبها الصعايدة و عرفتنى اعملها ازاى !؟.. مكدبتش خبر و نزلت عملتها لك..

نظر اليها في عشق ممزوج بامتنان لتهمس منكسة الرأس خجلى من نظراته العاشقة: - معلش هي يمكن مش زى بتاعت الحاجة بخيتة.. بس على قدى بقى..
همس وهو يجذب كفها ليقبل باطنه: - ما هي عشان على كدك يا بدور طلعت اجمل ويكة دجتها في حياتى.. انت غالية و جدرك عالى..

جذبت كفها من كفه بخجل هاتفة وهى تناوله قطعة من اللحم: - طب كل قبل الاكل ما يبرد.
اومأ برأسه موافقا و بدأ في تناول الطعام بشهية كبيرة و كأنما قد حُرم الطعام لسنوات
فهى لم تره ياكل بتلك الشهية منذ زواجهما و لكم كانت سعيدة بذلك فهى استطاعت الى حد كبير تهدئة حنينه القاتل لأمه و لدياره
فمنذ اخبرها بشوقه اليها منذ عدة أيام و هي تفكر في طريقة ما تجعله يشعر انه بجوارها.. قريب منها.. و هداها تفكيرها لهذه الطريقة..

تمدد بعد ان انهى طعامه و أدى صلاة المغرب.. لتتمدد جواره تحاول التأقلم على هذا الفراش الضيق الذى بالكاد يكفيهما حتى انها تندرت هاتفة ذات مرة بان قدمى زكريا دوما خارجه..لكنها لم تنتبه لضيق الفراش الفعلى فحاولت الاستدارة في أريحية لتشهق وهى في سبيلها للسقوط ليجذبها زكريا في اللحظة الأخيرة قبل ان تسقط على ظهرها
و هو يكتم ضحكاته فهتف هي مبررة
بغيظ: - بتضحك عليا يا سى زكريا.. طب ماهو السرير ضيق..

جذبها لاحضانه مشاكساً: - هو فى احلى من السرير الضيج..!؟.. يا غشيمة..
انفجرت ضاحكة على تلميحه الفاضح و هو يضمها اليه لتهتف ساخرة: - اللى يشوف سى زكريا اللى كان مبيرفعش عينه من الارض يجى يشوفه دلوقتى..
قهقه زكريا: - انكرى..
هتفت ضاحكة: - لا مبنكرش.. ده انا حتى بسأل نفسى.. ده مبصش عليكى و لا مرة يبجى خدك علي ايه.. عميانى..!؟..

انفجر زكريا ضاحكاً و هو يومئ برأسه: - مين جال كِده..!!؟.. لاه بصيت..
شهقت و ابتسامة تعلو شفتيها ليستكمل هو معترفا: - بصيت لما خلاص عرفت انك هتبجى حلالى..
همست فى دلال: - و لما بصيت بقى شوفت ايه.!؟
همس وهو يتطلع اليها في عشق: - شفت جدامى جمر الله اكبر..وجلت لنفسى وااه يا واد يا زكريا ده انت فايتك كتييييير جوووى..

قهقهاتها صدحت كموسيقى تراقص عليها قلبه و ألقت برأسها على صدره ليستطرد هامساً: - جلت لنفسى الچمال ده كله هايبجى بتاعك.. و جلبى رفرف من طلتك بس اومال لو..
صمت فرفعت نظراتها متسائلة بفضول: - اومال لو ايه..!!؟..
همس مشاكساً: - جربى و انا اجولك..
لم تستطع الا الالتصاق بصدره وهى تقهقه هاتفة: - يا اسرارك يا سى زكريا.. !!..

دخل عاصم غرفته ليجد زهرة تعد حقيبة سفرها و اطفالها فبعد يومين بالضبط زفاف
نبيل و ندى اختها.. اقترب منها فى وجل
هامسا بالقرب من مسامعها: - خلاص
هتسافروا و تفتونى..
نظرت اليه زهرة هامسة: - ايه يا عاصم انت
مش جاى معانا و لا غيرت رأيك !!؟..

هتف مؤكدا: - لااه چاى.. بس هوصلك و
ارچع عشان أمى متجعدش لحالها ما انت عارفة سهام و چوزها رايحين الفرح و مش جاعدين عشان حتى اطمن ان سهام ممكن تجعد معاها..و هرد يوم الفرح احضر معاكِ و نرچعوا سوا
همست زهرة: - بس ده تعب عليك يا عاصم.هتف: - طب و أنا اعمل ايه..!؟.. هسيب امى لحالها و لا أسيبكم أنتم ترچعوا لحالكم !؟.

همست فى قلة حيلة: - عندك حق..أنا لو مش معايا الولاد كنت رجعت بالعربية و
مكنش فى لزوم تيجى تاخدني..
اقترب منها ضاما ظهرها لصدره هامسا: -كيف يعنى..!؟.. حتى ولو كنتِ لحالك كنت
هاجى اخدك برضك..انت الغالية يا زهرة و غلاوة العيال چاية من غلاوة أمهم..

استدارت لتصبح بين ذراعيه هامسة
بمشاكسة:- أنا بقول نفضى الشنط دى و بلاها سفر.. !!..
قهقه فى سعادة و هو يضمها اليه اكثر هاتفا: - يووه.. انت عايزة تعمليلنا موال مع الداكتور ناچى و مرته.. ده يمكن يفتكروا انى مانعك تروحى فرح اختك زى ما هى و أمها محضروش فرحنا..

هزت رأسها و هى تعلم انه قد اصاب لحد كبير فى ظنه خاصة فيما يخص منيرة أم ندى فبالتأكيد لن تسلم من لسانها..
اخرجها من شرودها ليهمس فى نبرة جزلة: - شفتى الفستان الچديد اللى جبتهولك عشان تحضرى بيه الفرح.. !!؟..
وفتح احدى ضلف خزانة الملابس ليطالعها فستان باللون الأزرق الغامق.. ضحكت فى بادئ الامر فماذا تتوقع ان يحضر عاصم غير ألوان غامقة جداا كالعادة وخاصة اذا ما كانت ستظهر بها امام الرجال.. اخرجت الفستان من غلافه البلاستيكي الشفاف و شهقت فى انبهار..

كان اكثر من رائع.. دوما ما كان ذوقه يلائم ذوقها و يلاقى استحسانها..
همست بسعادة: - ده حلو قوووى يا عاصم.. تسلم إيدك..
ابتسم فى حبور: - عچبك صُح.!؟... لو مش عچبك نغيروه..
رفضت مؤكدة: - بالعكس ده حلو قوى..ده انت وفرت عليا موضوع النزول عشان اجيب حاجة مناسبة لما أوصل القاهرة و خاصة انى هنشعل مع ندى و كمان الولاد.. تسلم لى مجيبك يا حبيبى..

همس مشاكسا: - كده.. شكر حاف..ده انتِ بجيتى بخيلة على فكرة..!؟..
اقتربت منه فى شقاوة لترتفع حتى تطال خده لتقبّله فشاكسها بدوره رافعا نفسه بعيدا عن قدرتها على الوصول اليه.. قهقهت فألتقطها بين ذراعيه يقتص من بخلها كيفما شاء..

اندفعت بدور باتجاه البحر ضاحكة كطفلة صغيرة يتبعها زكريا و نظراته مسلطة عليها تارة و تجول حوله تارة أخرى تتاكد من خلو المكان من الناس..
وقفت عندما لامست اطراف اقدامها الموج القادم نحوها لتتقهر الى الخلف لتصطدم بزكريا فتنتفض لحظيا ثم تهدأ و تبدأ ابتسامتها في الظهور على وجهها من جديد عندما ادركت ان من يكون خلفها هو زكريا..

همست برغبة طفلة: - والنبى يا سى زكريا نفسى انزل البحر.. عشان خاطرى..
هتف زكريا مزمجرا: - تنزلى البحر كيف يعنى..!؟.. هاتنزلى بعبايتك و ترجعى تطلعى والعباية ظاهرة جسمك جدام الناس..
صمتت عندما ادركت صحة ما يدعيه و لم تعقب لكنه هتف محاولا إخراجها من صمتها:- بس ممكن تنزلى رجلك عاادى يعنى..اهو تلعبى في المية.. يرضيكِ كِده!؟..

عادت ابتسامتها تقفز على شفتيها من جديد و هي تندفع باتجاه البحر تضع أقدامها في مياهه المالحة و تقفز بشقاوة كلما دفعها الموج الذى يأتي مندفعا ليعانق اقدامها..رفعت بعض من الماء تدفعه في وجه زكريا لينتفض جافلا للحظة ثم يبتسم لمزاحها الطفولى الذى لا يمله..
سألته بصوت مرتفع حتى يصل لمسامعه بين هدير الأمواج: - بتعرف تعوم يا سى زكريا..!؟..

أكد بإيماءة من رأسه و هتف مازحاً: - اه بعرف أعوم.. و بعرف اغرج الناس كمان.. تحبى تچربى.. !!؟..
هتفت في عشق: - اغرق اكتر من كده.. ده انا غرقانة لشوشتى يا سى زكريا.. و النعمة اكتر من كده يبقى افترى..
قهقه زكريا لتعليقها على وصف مشاعرها تجاهه.. ليتساءل في دهشة: - انت بتچيبى الكلام دِه منين يا بت الحاچ وهيب..!؟..
انفجرت بدور ضاحكة و هي تستعير كلمته المعهودة لمغازلتها: - قرب و انا اقولك..
ارتفعت قهقهات زكريا و هو يجذبها لتخرج من البحر ليسير بجوارها شابكا كفه بكفها..

اوصلها عاصم لباب بيت ابيها الدكتور ناجى و الذى هلل فرحا ما ان طالع محياهم على الباب فتلك هى المرة الاولى التى تزورهم فيها ابنته الكبرى منذ تزوجت فى النجع..
كانت سعادته ظاهرة جلية و هو يستقبل زهرة بين ذراعيه و يهيم عشقا بأطفالها مهران و سندس استأذن عاصم بعد الغذاء ليلحق بالطائرة العائدة..
خرجت معه تودعه حتى الباب ليهمس لها: - خلى بالك على حالك.. و انتبهى للعيال.. وأنا يوم الفرح هتلاجينى عِندَك..
اومأت برأسها ايجابا و هى تتمنى لو يبقى معها لكن ما باليد حيلة.. همست: - خلى بالك انت على نفسك و على خالتى.. و متتأخرش علينا..

ابتسم مؤكداً بأيماءة من رأسه ليخرج مودعا لتهتف فى وجل: - لا إله الا الله..
ليرد: - سيدنا محمد رسول الله..
و يرحل مسرعا فهى المرة الاولى التى يبتعد كل منهما عن الاخر اياما.. فمنذ تزوجها و ما عاد له القدرة على فراقها و ما عادت هى تفضل الابتعاد عنه..
عادت للمجلس فى غرفة الصالون حيث كانت ندى تحمل سندس و الدكتور ناجى يحمل مهران فى سعادة بالغة بينما مطت منيرة شفتيها فى ازدراء هاتفة: - الولاد الحمد لله طالعين شبهك يا زهرة.. مش طالعين لحد فيهم هتفت زهرة و لم يخفى عليها المعنى المبطن فى كلامها و امتعاضة وجه ابيها لكنها اثرت
السلامة و ردت فى محاولة لتخفيف حدة كلمات منيرة الجارحة هاتفة: - آه فعلا يا طنط..

سندس شبهى قوى.. لكن الصراحة مهران واخد من عاصم و عمى مهران الله يرحمه..هتفت منيرة من جديد بنفس الامتعاض: - بس دى اسامى يا زهرة..!؟.. ملقتوش اوحش من كده..!؟.. اسماء قديمة قووى.. مهران و سندس.. !!..صعب خالص على أطفال الصراحة..
ازدرد الدكتور ناجى ريقه فى محاولة منه لكبح جماح حنقه وخاصة بسبب مرض منيرة و قلبها العليل و ما قد يحدث اذا ما اغضبها فى ظل ظروف الزفاف..
لكن من هتف فى سعادة مجيبا كان ندى: - ليه يا ماما دى اسماء لذيذة قوووى.. كفاية انها هى و جوزها اختاروها و عجباهم.. طب ده أنا و نبيل مختارين اسماء.. مش هتشوفى وشنا تانى بسببها..

انفجر الجميع ضاحكين و لطفت دعابات ندى من كلمات و تلميحات منيرة الغير لائقة بالمرة
هتفت تهانى و هي تميل على اذن بدور: - يابت.. و النعمة انا قلبى اتفتح لك من يوم ما شفتك داخلة عليا تايهة كده و عينك بدور على سى زكريا وسط اللى كانوا قاعدين على الكراسى دى..
هتفت بدور بدورها: - و الله القلوب عند بعضها يا ست تهانى.. انا برضك ربنا عوضنى عن نعمة بيكِ..
استطردت تهانى هامسة: - ما هو عشان كده بكرر تانى اللى قلتهولك قبل كده.. يا بت جوزك صعيدى يعنى يحب العزوة و اللمة..
و انت بتقولى ملكيش في الخلفة.. لازم تعملى حاجة..

هتفت بدور بنبرة تدل على قلة حيلتها:- اعمل ايه يعنى.. يا ست تهانى ده امر الله و مليش يد فيه..
هتفت تهانى بإلحاح: - لا.. ليكِ.. لما تبقى قاعدة كِده و متشوفلكيش حل عند دكتور شاطر يعالجك يبقى ليكِ يد.. قاعدة تندبى حظك و بس.. و انا قلت لك اللى فيها.. في دكتور ايه بقى مقلكيش على شطارته و في العمارة اللى جنبنا على قمة الشارع يعنى مش هنروح بعيد..
هتفت بدور: - طب هقول لسى زكريا..

انتفضت تهانى: - مينفعش يا خايبة.. هتروحى تقوليله هروح لدكتور عشان انت لو مش واخد بالك من موضوع الخلفة ده انبهك ليه و أخلى عِندك امل فيه..
هتفت بدور في حيرة: - أُمال أعمل ايه طيب
اروح من غير ما أقوله.. ده كان يدبحنى و ملحقش أفكر حتى في العيال و مجايبهم..
تنهدت تهانى بتفاذ صبر: - يا بنتى و مين هيقوله.. احنا هنروح الصبح و نرجع قبل ما هو يرجع.. و لا من شاف و لا من درى..
و نشوف الدكتور بس هيقول ايه..

همست بدور ساهمة: - هيقول ايه يعنى..هيقول اللى ربنا كتبه عليا.. انا قعدت مع جوزى الأولانى خمس سنين و ربنا ما أردش
و اهو داخلة مع سى زكريا على السنتين وشوية جواز وربنا برضة ما أردش.. هعترض على حكمه.. الحمد لله على كل حال.. و فضيها سيرة يا ست تهانى..اللى رايده ربنا يكون..
زفرت تهانى و لم تعقب على ما قالته بدور تم عقد قران نبيل و ندى فى احد المساجد القريبة قبل الزفاف بيوم واحد كما اصرت منيرة.. و بدأت التحضيرات للزفاف..

سبق الجميع الى القاعة و انتظرت هى مجئ
عاصم.. ارتدت ذاك الفستان الذى أهداه إياها
كان تحفة فنية و كأنه صنع لأجلها خصيصا
اضافت هى بعض الحلى و حجاب فضى رقيق لتصبح فاتنة.. اكملت ارتداء ملابسها بعد ان
أنهكها كل من مهران و سندس فى ارتداء
ملابسهما.. حمدت الله إنهما خلدا للنوم قليلا
حتى تستطيع الاعتناء بنفسها..
اخيراً انجزت المهمة و ها هو عاصم يدق باب شقة ابيها.. فتحت الباب فى سعادة ليقف هو
مبهورا فى صدمة..

اندفع للداخل لتتراجع هى بشكل تلقائي للخلف مفسحة له الطريق..
نظر لها من قمة رأسها حتى اخمص قدميها
و هى كذلك كانت مبهورة.. فعاصم الذى تراه أمامها الان
ليس عاصم الهوارى.. الذى تكسوه الهيبة
بجلبابه و عباءته و عمامته.. بل انه رجل
اخر لا يقل عنه وسامة و لكن وسامة
عصرية متمثلة فى تلك الحلة باللون الأسود و رابطة عنق بلون قرمزي فوق قميص ابيض
ناصع يعاكس تماما سمرته المحببة..

هتف هو فى عدم تصديق: - هو دِه الفستان
اللى چبتهولك..!؟..
أكدت بكل ثقة: - ايوه يا عاصم.. هو نفس
الفستان..
أمسك كفها ليديرها فى دهشة ممزوجة
بإعجاب يطل من نظراته: - بس أنا چايبة
أوسع من مجاسك شوية.. ده كنه متفصل
عليكى..

ابتسمت و قد احمرت وجناتها خجلا هامسة فى دلال: - عاصم.. أنا زدت شوية بعد
الولادة يا حبيبى..
ابتسم عابثا وهو يقترب منها: - لسه جمر..
ابتسمت فى سعادة هاتفة: - عاصم هنتأخر كده.. مش ياللاه بينا..
هتف فى ضيق: - كيف هتخرجى بالفستان
دِه..!؟..مفيش غيره طيب..
عبست فى ضيق فهو يعلم تماما انها لا تملك
حاليا غير هذا الفستان الذى أهداه إياها..
و ليس من الجائز أو المفترض الا تحضر
زفاف اختها..

زفر فى ضيق هاتفا: - امرى لله.. بس بجولك أيه.. مفيش اى حاچة تحطيها على الفستان.. تداريه شوية..!؟..
تذكرت ان ندى تملك شالا فضيا يصلح ليُستخدم مع فستانها لتندفع للغرفة باحثة عنه تتمنى ان تكون ندى قد تركته ضمن ملابسها القديمة.. وجدته بالفعل لتتنفس الصعداء و تضعه و هى تخرج لعاصم الذى تنهد فى قلة حيلة هاتفا و هو يرى ذاك الشال يزيد الفستان و صاحبته فتنة: -اعملى حسابك مفيش جومة من چارى.. هتفضلى
جاعدة طول الفرح.. ماااشى..!؟..

همست فى عجالة: - حاضر يا عاصم..
مااشى.. بس ياللاه..
ابتسم فى مشاكسة و هو يحمل مهران
هامساً:- بعد كده مفيش فساتين هشتريها الا
معاكِ.. عشان تجسيها جدامى..
انفجرت ضاحكة على مشاكسته و غيرته
المفضوحة..

و كان عند كلمته فما جعلها تنهض من جواره قط
جمعتهما طاولة واحدة مع حسام و سهام و
الحاج قدرى.. فحمدت الله على ذلك فقد
كانت افعاله رهيبة دفعت الضحكات لشفتيها..فقد كان يقف على
الطاولة كحارسها الأمين.. ما ان اقترب
المصور بكاميراته حتى زجره ليبتعد.. ما ان يقترب
أى من الرجال ليلقى التحية حتى يزمجر فى
غضب و خاصة ذاك الذى هتف باسمها فى
سعادة: - زهرة..!؟.. مش معقول ازيك..!؟.. مد كفه ليلتقط كفها و هى غير مدركة ما
عليها فعله ليندفع عاصم واضعا كفه فى كف
ذاك السمج بدل من كف زوجته و التى كانت تمسك ضحكاتها بالكاد عندما طالعتها الصدمة على وجه رؤوف..

الذى نظر فى تعجب حوله ثم شعر ان هناك
تهديد ما و هو ينظر لملامح عاصم التي تخبره ما قد يحدث له اذا فكر فى الاقتراب مرة اخرى ففضل الابتعاد فى سلام..
تحدث عاصم جازا على اسنانه: - مين الأخ
البارد دِه..!؟..
ردت من بين ضحكاتها: - ده بن خالتى
هتف مزمجراً: - واد مين..!؟.. و انت ليكِ واد خالة غيرى..!؟..
شعرت بالتهديد فهمست توضح الامر: - ده
يعتبر بن خالتى.. ده بن أخت طنط منيرة..

همس فى حنق: - طب مااشى.. خلى واد
خالتك ده يجرب من هنا و يشوف هيحصل له
أيه.. جال واد خالتى جال..!؟.. ده شبه
زمبلك اللعبة الخربان..
انفجرت زهرة ضاحكة تحاول مداراة
ضحكاتها قدر استطاعتها عن اعين الناس.. و نظرت تتطلع حولها تطمئن ان رؤوف بعيدا بما يكفى عن عاصم حتى لا تُرتكب جريمة هاهنا..

اندفع غندور باتجاه المكان الذى يعمل به زكريا ليهتف ما طالعه: - كرم يا صعيدى.. تنبه زكريا لمن ينادى باسمه الجديد و الذى اصبح معروف به بين عمال الميناء..
انتفض زكريا قلقا فهى المرة الأولى التي يزوره فيها غندور في محل عمله..لابد ان هناك حدث جلل أتى به لهنا و خاصة ان هناك اتفاق ضمنى بينهما بعدم جواز الإشارة لمعرفة احداهما الاخر تحسبًا لأى ظروف..

وصل غندور حيث قابله زكريا متعجباً ليهتف في قلق: - خير يا غندور.. مش بعادة..!؟..
ألتقط غندور أنفاسه اللاهثة: - معلش يا صعيدى بس تهانى كلمتنى و قالت لى اجيبك من تحت الأرض.. اصل الست حرمكم..
هتف زكريا مزعورا على غير عادته ناطقا باسمها في لوعة: - ما لها بدور.!؟.. انطج..
لم ينتظر زكريا رد غندور بل ترك كل ما يحمل على عربته و اندفع خارج الميناء..
قابل غندور احد زملاء زكريا ليوصيه ببضاعته قبل ان يترك الميناء مغادراً خلف زكريا الذى سابق الريح مندفعا لبنسيون تهانى
حيث ترقد بدور التي لا يعرف حتى هذه اللحظة ما بها..

افتتح العروسان ندى و نبيل البوفيه و بدأ معازيم الفرح في الالتهاء بالطعام ليهتف نبيل في عبث لعروسه: - بقولك ايه.. ما تيجى نسيبلهم الفرح ده و نطلع اوضتنا.. و لا من شاف و لا من درى..!؟..
هتفت ندى مازحة: - يا سلااام..أكيد بتهزر صح..!؟..
جذبها من كفها هامساً: - لا.. مبهزرش.. تعالى.. الباب الخلفى للقاعة اهو.. نطلع و مع السلامة على كده..

انفجرت ندى ضاحكة على جنون زوجها هاتفة و هي تجذب كفها من يده: - كفاية جنان بقى يا نبيل..انت عايز الناس تقول علينا ايه.!؟..
هتف في نبرة صريحة: - و لا حاجة... محدش هياخد باله أصلا.. عم ملهيين في الأكل.. ياللاه بينا..
و جذب كفها من جديد لتهتف في توسل: - طب يزفونا لاوضتنا يا نبيل.. طب بلاش للاوضة لحد الاسانسير..!؟.. طب..
هنا قاطعتهما أمها منيرة هاتفة في استهجان:- في ايه يا نبيل.. رايحين فين..!؟..

هتف نبيل و هو ينظر لندى التي كانت تكتم ضحكاتها على منظره العابس: - أبدا يا طنط مفيش.. كنت بس عايز أكلم ندى في موضوع مهم..
كزت منيرة على أسنانها هاتفة بغيظ: - موضوع مهم..!؟.. طيب عدوا قدامى شوفوا الناس اللى خلصت أكل دى و بيسألوا العريس و العروسة راحوا فين..!؟.. بجد.. عيب قووى اللى بتعمله ده يا نبيل..

كظم نبيل غيظه و خاصة عندما لاحظ نظرات ندى المتوسلة فزفر في ضيق و هو يتبع منيرة
وندى متعلقة بذراعه..لتهمس هي بالقرب من
أذنيه بأمتنان:- متشكرة قووى يا نبيل انك مشدتش مع ماما..
و ابتسمت بشقاوة مستطردة: -على العموم
كله بحسابه..

هتف نبيل و هو ينظر اليها في مرح مناديا منيرة و التي لم تسمعه لحسن الحظ لتهتف ندى و هي غارقة في ضحكاتها: - بتعمل ايه يا مجنون.. بتنادى ماما ليه..!؟..
قهقه مشاكسا: - طالما كله بحسابه.. هنادي طنط عشان الحساب يتقل..
انفجرت ضاحكة غير قادرة على مجاراة جنونه...

دخل زكريا البنسيون و هو يلتقط أنفاسه حتى وصل لغرفته مدفوعا بقوة قلقه و توتره
وما ان هم بالاندفاع لداخل الغرفة المغلقة حتى فُتح بابها و خرجت الست تهانى يتبعها شخص ما يبدو من هيئته انه طبيب..
اضطربت نظراته و التي وقعت على عينىّ تهانى الباكية ليهم متسائلا عما يحدث لكن تهانى قاطعته هامسة بنبرة باكية: - ادخل لها يا سى زكريا..
دخل مندفعا لتغلق الباب خلفه و تصطحب الطبيب المغادر..

انتبه زكريا على تلك المسجاة على الفراش
يعلو جزعها قليلا لتستند بظهرها على وسادة صغيرة خلفها و عيونها مثبتة بنظرات مصدومة على الجدار المقابل حتى انها لم تنتبه لدخول زكريا المندفع..
تقدم اليها و مر من أمامها لعلها تنتبه لكن لا فائدة النظرات المسمرة لم تتغير.. اقترب و جلس بجوارها و رفع كفها بين كفيه هامساً باسمها.. تنهد في راحة عندما استجابت لندائه و توجهت أنظارها تجاهه.. و كيف لا تستجيب و هو ينطق اسمها بمثل هذا الخوف و القلق.. !؟؟..

جذبت كفها من بين كفيه و رفعت ذراعها مشيرة للباب حيث رحلت تهانى و الطبيب منذ لحظات و همست بصدمة: - شفت الراجل اللى كان هنا قال ايه يا سى زكريا..!؟..
ربت زكريا و قلقه يزداد هامساً: - ايه..!؟.. جال ايه..يا روح زكريا..!؟..
اشارت لنفسها هامسة بتردد:- انا..انا.. حامل..
و انفجرت بشكل مفاجئ في البكاء مرددة بشهقات متقطعة.. انا حامل يا سى زكريا.. تصدق..!؟..

كانت صدمته لا تقل عن صدمتها.. فقد تسمر مدهوشا بدوره ينظر اليها بعدم تصديق و اخيراً جذبها لاحضانه يعتصرها في محبة و يربت على شعرها و يقبل وجهها في سعادة كالمحموم..سكنت رأسها في صدره للحظات و هو يلتقط أنفاسه هامساً بالحمد و الشكر لله.. مرت عدة دقائق حتى هدأت نفسه و
رفع رأسها عن صدره و احتضن وجهها بين كفيه المرتعشة في عدم تصديق: - ايوه مصدج يا بدور.. مصدج.. هاتبجى ام.. ربنا لما راد محدش عطل مشيئته.. الحمد ليك و الشكر يا رب..

قبل جبينها في سعادة و عاد ليدفن وجهها المحبب لروحه بين احضانه من جديد و يأسر خصرها بذراعيه مهدهدا أياها في حنو حتى راحت في نوم عميق أتى سريعا بعد ذاك الكم من البكاء و النحيب..
ليدثرها زكريا جيدا و يخرج ليقابل تهانى التي كانت تجلس كعادتها خلف طاولة الاستقبال و ما ان لمحته قادما حتى هتفت في سعادة: - الف مبروك يا سى كرم يتربى في عزك ان شاء الله..

هتف زكريا شاردا: -الله يبارك فيكِ يا ست تهانى.. الداكتور جال ايه بالظبط..!؟؟..
هتفت تهانى بدهشة باسم بدور المتفق على استخدامه امام الناس: - هي رحاب مقلتلكش..!؟..
أكد زكريا: - لاااه.. جالت.. بس انا عايز اسمع منيكِ.. يمكن يكون جال حاجة معرفهاش..
قالت تهانى: - و الله يا سى كرم قال العادى تتغذى كويس و ترتاح و تبقى تروح لدكتور عشان تتابع معاه الحمل.. بس كده..

تنهد زكريا واقفا ليعود ادراجه للغرفة حيث ترقد بدور في وداعة على الفراش ليجلس بجوارها يتفرس في ملامحها الندية و دموعها الجافة على خديها.. انحنى ليقبل هامتها في حنو و ينهض متوجها للنافذة التي كانت دوما سلوته الوحيدة عندما كان حبيس تلك الغرفة عندما قدم للإسكندرية..

راحت نظراته تغرق في عمق البحر و هو يفكر هامساً لنفسه: - چه يا زكريا الخبر اللى كنت مستنية و نفسك فيه من يوم ما جابلتها.. و حتى بعد ما جالت لك انها ملهاش في الخلفة كان عشمك بربنا كبير و اهو ماخيبش ظنك يا هوارى.. بس چه الخبر و على كد فرحتى على كد خوفى.. اللى چاى ده كان واد و لا بت..

هاياجى باسم مين.. !؟.. شهادة ميلاده هاتنكتب باسم مين يا زكريا..!؟.. امه هتكون مين..!؟.. بدور وهيب و لا رحاب محروس.. و انت يا زكريا ابوه.. هايهون عليك تجيده باسم غير اسمك و تنسب ولدك لراجل غيرك حتى و لو بالاسم بس.. هاترضاها يا زكريا.. هتعيشه نفس عذابك الجديم.. عذابك و جهرتك اللى كانوا سبب في توهتك اللى ما عارف ليها نهاية.. وااه يا زكريا.. الحِمل تجل و انا مش جادر اجول اه..و استدار متطلعاً لبدور مستطرداً..بس لازماً تستحمل عشان خاطر الغلابنة دى اللى فاتت ناسها و أهلها حتى اسمها و چات تلاجى چارك الدنيا اللى بتحلم بيها..

ابتسم عندما سمع همهماتها الناعسة ليغلق ستارة النافذة و يتحرك في حذر حتى لا يوقظها و يدفع نفسه بجوارها داخل الفراش
في حرص.. التقط كفها و وضعها تحت خده و أغمض عينيه بعد ان نهل من ملامحها المستكينة ما يكفيه..ليسبح في دنيا الأحلام..

ضحكت بدور عندما ربت زكريا على بطنها المنتفخ في سعادة و أخيرا اخرج من خلف ظهره لفة صغيرة جعلت عيونها تبرق فرحا قبل حتى ان تفتحها فقد استنتجت ما تحوى و خاصة ان الحمل جعل حاسة الشم عندها في اعلى كفاءة لها.. وهتفت في سعادة: - بسبوسة..!؟..
اومأ زكريا براسه موافقا و هو يقول: - جلت أجيبها و امرى لله ما انا مش عارف لسه بتحبيها و لاه مش طيجاها..!!؟..

ابتسمت في امتنان: - لا..الا البسبوسة هفضل احبها على طوول..بس كنت بتكسف اطلبها منك يا سى زكريا.. اصل الحال مش ولابد يعنى..
اقترب منها ناظراً الى عمق عينيها الصافية و همس لها في عتاب: - ليه كِده يا بدور.. ليه يبجى نفسك في حاچة و متجوليش.. !؟..
طأطأت راسها في خجل و إحساس الذنب يكتسحها لانها أخبرته: - اصل يا سى زكريا.. يعنى.. كنت بخاف اتقل عليك..

ضمها اليه هامساً: - طب و هو انى كنت بشتغل ليه شغلنتين في اليوم..!؟..مش عشان اكفيكى و اكفى اللى چاى..
طأطأت هامتها و هي تضم شفتيها و شعورها بالذنب يغطيها من قمة راسها حتى اخمص قدميها.. و لم تعقب مما دفعه ليرفع ذقنها ليواجهه عينيها هامساً بلهجة مازحة: - و بعدين ايه اللى هايحصل بجى لو البسبوسة طلعت للواد.. هايبجى ايه الحال..!؟؟..

شهقت بصدمة مما دفعه للضحك هاتفاً مطمئناً لها: - روحى كلى البسبوسة ياللاه.. و متعمليش كِده تانى.. لما يكون نفسك في حاچة تجولى طوالى.. تمااام..
هتفت و هي تلتهم البسبوسة في شهية: - تمام يا سى زكريا..

اندفع غندور باتجاه مكان عمل زكريا في الميناء و ما ان رأه زكريا حتى انتفض فالمرة الماضية كانت بسبب تعب بدور ما الذى يمكن ان يكون قد حدث دفعه للمجئ..
وصل زكريا اليه مسرعا في قلق فطمأنه غندور هاتفاً:- متقلقش.. جواب من المعلم خميس زفر زكريا في راحة و اخذ الخطاب و ربت على كتف غندور شاكرا فتركه مستئذنا ورحل لينتحى زكريا جانبا و يفض الخطاب في لهفة تجرى عيناه على السطور لعله يستشف منها حال الحارة و ما يحدث في القاهرة و يمكن ان يساعده في حل لغز قضيته.. لكن جاءت السطور لتزيده حملا على حمله..

فها هو يتلقى نبأ وفاة الحاج وهيب ليتمزق قلبه حزنا و غضبا و قهرا و تفيض روحه اشفاقا على تلك التي تنتظره في غرفتهما لا تعلم من امر أهلها شيئا غير ما ينقله هو اليها..
لكن كيف يخبرها..!؟.. كيف يقول لها ان ابيها قد رحل دون ان تودعه..!؟.. دون ان تنعم بقربه تلك الشهور الأخيرة في حياته قبل رحيله الابدى..!؟..

كيف يمكن ان يكون رسول الحزن لقلبها و هي في تلك الحالة...!؟؟.. فحملها ضعيف و الطبيب أكد على الراحة و عدم الاتيان بمجهود و البعد عن كل الاخبار او الاحداث الحزينة و التي تمثل ضغطا على أعصابها..

أنجز عمله بسرعة شديدة يدفعه حزنه على الحاج وهيب لمزيد من العمل لعله يُطفئ ذاك الجمر المشتعل في أعماق قلبه..و يهدئ و لو قليلا من ثورته على تلك الأوضاع التي فرضت على بدور و عليه فراق الاحبة قسراً دخل حجرته في البنسيون ليجدها تتمدد على الفراش تملس على بطنها البارز قليلا في فخر
و سعادة و ما ان طالعته حتى نهضت في خفة تستقبله جاذبة أياه للطعام المعد سلفا في انتظاره كما تعود.. اومأ موافقا و لم ينبس بحرف و لكنه فجأة جذبها بين ذراعيه رابتاً على ظهرها و مقبلاً هامتها في محبة لتهمس هي بشقاوة: - الاكل هايبرد يا سى زكريا..

لم يعبء لاعتراضها و ضمها اليه اكثر كانما يشعر بذنب رهيب على كونه السبب في البعد عن ابيها و في أحضانه فقط يمكنه التكفير عن ذاك الذنب بأشعارها بالامان.. استسلمت هي لتموء كقطة بين ذراعيه..

و فجأة و كما هو الحال دائما تبدل الوضع ليصبح هو المتكوم بين ذراعيها يهرب من نفسه في أحضانها لتهمس هي تستشف ما به دون ان يتكلم: - مالك يا سى زكريا..!؟.. في حاجة مزعلاك..!؟؟.. طب قول لبدور.. هو احنا لينا مين غير بعض..
هاترمى زعلك و ضيقك فين ان مكنش في حضن بدر البدور..!!؟..

قبلت رأسه ليرفع نظراته اليها متصنع الجدية:- ابدا يا بدور.. شوية عوكسات في المينا و مشاكل في الشغل الچديد.. متجلجيش انتِ بس.. كله هايبجى تماام..
و حول نبرة صوته للمرح رغما عنه و هو يربت على بطنها في معزة: - ركزى انتِ بس مع الواد عتريس..
هتفت معترضة: - ايه.. عتريس..!؟...

هتف معترضاً بدوره: - اه.. مش عچبك و لا ايه..!؟.. خلاص.. سبع الليل.. حلو دِه!؟..
انفجرت ضاحكة: - سبع مين..؟!!.. لا يا سى زكريا انا مش عايزة ابنى يتعقد من أولها..انا هسميه اسم كده حلو و يبقى زى ابوه كده راجل و سيد الرجالة..
ابتسم زكريا لها هاتفاً: - هتسميه ايه يا بدر البدور..!؟؟..
همست في سعادة: - حازم.. هسميه حازم يا سى زكريا ايه رأيك..!!؟..

هتف زكريا متصنعاً الضيق: - و اشمعنى الاسم دِه يعنى..!؟..
هتفت مسرعة تبرر: - عشان امى الله يرحمها كان نفسها تسمينى حازم لما عرفت انها حامل فيا.. و لما جيت بت سمتنى بدور..
لانت اسارير زكريا و هتف في عبث وهو يقترب منها مشاغبا: - احلى بدور في الدنيا كلها.. جال حازم جال.. الچمال دِه كله و يبجى حازم..!!؟..
انفجرت بدور ضاحكة ليضمها اليه مشاكساً أياها هامساً: - بس ممكن يبجى ام حازم..

لتطرب هي للقب الجديد فتطوقه بذراعيها جذبته من ذراعه تمدده على الفراش مشفقة عليه من ثقل العمل في مكانين منفصلين من اجل توفير ما يلزمها و يلزم صغيرهما القادم مالت عليه لتمسد أكتافه المرهقة و التي تئن ألماً لتلك الأحمال التي يظل ينقلها طوال النهار و كذا ما بعد العصر في عمله الاخر..
هتف زكريا و هو يوليها ظهره الذى أخذت تضغط على فقراته في احتراف يزيل الوجع في لحظات: - انتِ مش المتابعة مع دكتورة المستشفى اللى جنبينا المفروض النهاردة يا بدور..!؟..

هتفت: - لا يا سى زكريا.. كمان يومين.. هي قالت لى كده في اخر زيارة.. انا دخلت التاسع و لازم اروح لها كل أسبوع..
قال مؤكدا: - طب ابجى فكرينى عشان اروح معاكِ يومها و اظبط مواعيد الشغل..
هتفت معترضة:- ما انا هروح مع ست تهانى و كفاياك انت تعب الشغل..

هتف معترضاً بدوره: - لااه.. هروح معاكِ.. المرتين اللى فاتوا راحت معاكِ الست تهانى كتر خيرها عشان كنت چديد في الشغلانة و محبتش اخد إچازات من أولها دِه انا ما صدجت ما لجيت شغلانة.. لكن دلوجت ممكن عاااادى.. صاحب المحل اطمن لى الحمد لله و بيسيب المحل كله تحت يدى..

هتفت بنبرة مرهقة: - و مين يعرفك و ميرتحش معاك يا سى زكريا و يسلم رقبته كلها ليك مش بس حتة محل...!؟..
استدار زكريا ليواجهها بعد كلماتها التي تقطر محبة ليجذبها بلطف لاحضانه.. لكنه يستشعر توجعها الذى تحاول إخفائه عنه.. رفع رأسها لينظر لملامحها المتألمة في صمت و أخيرا هتف في لوعة: - بدور.. انت شكلك تعبان جووى..!!..

انتفض يرتدى جلبابه على عجلة لتهتف هي جازة على أسنانها ألماً محاولة طمأنته: - متخفش يا سى زكريا.. دى مغصة كده و هتروح.. لسه بدرى..
هتف معترضاً و هو يتجه للباب مناديا تهانى:- لاااه ملساش.. انتِ في شهرك.. و شكلك ميطمنش.. نروحوا للداكتورة و هي تطمنا..
اندفعت أهة ألم غصب عنها رغم محاولتها كتمانها فاندفع مذعوراً باتجاهها.. لتهتف هي و الألم اصبح غير قابل للاحتمال: - ألحقنى يا سى زكريا.. ألحقنى..


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 03:02 صباحاً   [29]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل التاسع

انتفض زكريا على صوت باب غرفة العمليات يُفتح لتطل منه بدور على سرير مدولب مدفوعة خارج الغرفة و بيد احدى الممرضات لفافة صغيرة تحمل فيها طفلهما حازم.. دفعته الممرضة بين ذراعى زكريا منتظرة ما يجود به عليها فرحة بقدوم المولود لكنه كان في عالم اخر.. فعيونه تلحق بدور و الى أين تتجه..

حتى انه لم ينتبه لكلام الممرضة و لا حتى ألقى نظرة واحدة على ذاك الضيف الجديد الذى أتى للعالم بعد سنوات من الانتظار و الامل..
سار يتبع بدور و أوقف السرير ينظر اليها في اضطراب رغبة في التأكد انها بخير.. نادى باسمها.. لتفتح جفونها المذابلة في إرهاق تبتسم في إعياء هامسة: - انا كويسة يا سى زكريا.. انا تمام..

زفر في راحة و اندفع بها الممرضون لداخل القسم النسائى و الذى يمنع على الرجال التواجد بداخله.. فحملت تهانى حازم من بين يدىّ زكريا و توجهت بِه لداخل القسم مؤكدة لزكريا انها ستعتنى بهما: - انا هبيت معاها جوه و هخلى بالى من حازم متقلقش..
شكرها زكريا ممتناً هاتفاً: - تشكرى يا ست تهانى.. و انا هجعد هنا مش هتحرك.. لو عوزتوا حاچة انى موچود..

أومأت برأسها و دخلت القسم بجوار بدور و الذى كان عبارة عن عنبر ملئ بالآسرة البيضاء التي تكتظ بالمريضات و ذويهن من النساء أيضا..
هتفت زهرة متصنعة الحنق و هي تخلص ولدها مهران البالغ من العمر عامين من بين كفى باسل الذى يبلغ ضعف عمره تقريبا: - تعالى بقى يا سهام.. شوفى صرفة في ابنك ده..

قهقهت سهام ببطنها المنتفخ أمامها هاتفة: - ماله ولدى.. !!؟..راچل و سيد الرچالة..
هتفت زهرة من جديد و هي تحمل مهران الباكى بين ذراعيها: - يعنى مش شيفاه و شايفة عمايله.. ميحلالوش الضرب الا في مهران.. لكن سندس.. شغال لها حارس خصوصى.. ده حتى محرم مهران يقرب منها..

قهقهت سهام من جديد: - طب و اعمله ايه طييب.. ولدى بتاع حريم..بس يمكن ربنا يهديه بعد ما ياچيله اخ و لا أخت..اهو يدور الضرب فيه و يحل عن مهران...
قهقهت زهرة: - يا مسهل.. أو يمكن العكس.. اللى جاى يخلص حق مهران من ابنك..
اومأت سهام برأسها إيجابا هاتفة: - على جولك.. يوضع سره في اضعف خلجه..

هتفت زهرة و هي تعاود النظر لسندس و باسل و اللذان يلعبان بانسجام عجيب.. و باسل يتبعها في كل خطواتها حتى انها اندفعت خارج الحجرة التي كانوا يتجمعون بها في الأعلى امام التلفاز ليخرج وراءها تابعا لها كظلها..
على عكس المعتاد كانت تلك الشرفة البعيدة في اخر الرواق مفتوحة لتدخل بعض من نسمات الهواء في هذا الجو الشديد الحرارة كانت دوما ما تجذب هذه الشرفة فضول مهران و سندس لذا كانت زهرة حريصة على اغلاقها دوما..

ما ان رأت سندس شرفتها التى يدفعها الفضول لدخولها مفتوحة حتى اندفعت اليها في سعادة.. كانت شرفة واسعة لا يوجد فيها اى نوع من المقاعد أو الطاولات نظرا لعدم استخدامها من الأساس و لكن كان السبب الأساسى لاغلاق زهرة لها هو ذاك الفراغ الواسع الموجود بين سُوَر الشرفة و قاعدته
كانت تلك الفجوة يمكن ان تمرر طفلا متوسط الحجم و كان المنظر مغريا من الأعلى لتندفع سندس في شغف لاستطلاعه من خلال تلك الفجوة.. مدت رأسها الصغير و بدأت في دفع جسدها من خلالها حتى اضحى جسدها كله تقريبا في الخارج و ما ان كانت على وشك السقوط حتى اندفع تجاهها باسل يمسك بطرف حذائها و يتشبث بقدمها الصغيرة بين كفيه الصغيرين محاولا جذبها للداخل مرة أخرى..

صرخ باسل باسمها عدة مرات.. و لكن للأسف لم تصل صرخاته لزهرة أو سهام اللتان اندمجتا في الحديث دون وعى بغياب سندس و باسل المريب بجانب صوت التلفاز المرتفع على اغان للأطفال حجبت عنهما نداءات باسل المفزوعة.. لكن من ادرك تلك الصرخات كان عاصم الذى كان يدخل من باب السراىّ متوجها لداخلها فألتقطت أذنه صراخ ابن اخته باسم ابنته بهذا الشكل المذعور ليلتفت حوله مستكشفا من أين تأتى تلك النداءات الملتاعة حتى تنبه اخيراً لمصدرها بالأعلى.. شهق في ذعر عندما رأى جسد ابنته متدل بهذا الشكل ليصرخ هاتفا مستدعيا سعيد الذى حضر شاهقا بدوره عندما لمح سندس على هذا الوضع.. صرخ فيه عاصم أمرا: - تعال اوجف مكانى عشان لو حصل حاچة لا قدر الله تستلجاها.. و انا هطلع ألحجها من فوج..

اندفع عاصم لداخل السراىّ في جنون ملقيا عصاه و عباءته خلفه و مندفعا للطابق الثانى حيث الشرفة والتي وصلها اخيراً وهو يندفع بطول الردهة مارا بالحجرة التي تجمع سهام و زهرة..و اللتان انتفضتا ما لمحا عاصم يندفع بهذا الشكل لوجهة غير معلومة بالنسبة لهما و خاصة مع ادراكهما المتأخر لغياب سندس و مهران..لحقتا به..

ليصل هو و يرى باسل يبكى ممسكا بقدم سندس و معظم جسدها متدلى من ذاك الفراغ و قد بدأت تشعر بالتهديد فأخذت بالبكاء هي الأخرى..
كادت زهرة تفقد وعيها ذعرا على طفلتها و كذلك سهام التي استندت على الحائط تستمد منه القوة حتى لا تسقط جراء فزعها بحملها الذى كانت تنوء بثقله قدميها خاصة في تلك اللحظة..

استطاع عاصم جذب جسد سندس ببطء و اخراجها من ذاك الفراغ في سُوَر الشرفة و اخيراً ضمها لصدره و هو يحاول ان يهدئ من روعها و خاصة مع ارتفاع وتيرة بكائها سقطت زهرة على ركبتيها في إعياء بعد ان تأكدت ان ابنتها بخير.. و التي تركت أحضان ابيها مندفعة لتلقى بنفسها بين ذراعى أمها تكمل بكاءها.. تلقتها زهرة بين ذراعيها تضمها بقوة لا تصدق ان ابنتها نجت من موت محقق..

نهض باسل و هو ينتحب مندفع لأمه متعلقا بعباءتها مداريا وجهه الباكى بين طياتها ليجذبه عاصم اليه رابتا على ظهره مقبلا إياه حتى كف عن البكاء و بدأ يستعيد هدوءه..
نهض عاصم في هدوء مخيف ينظر لزهرة و سهام بغضب مكبوت لو انفجر لأحرق الأخضر و اليابس و اخيراً تركهما و اندفع لحجرته و أغلق بابها خلفه في شكل عاصف .. تاركا كلتاهما تزدرد ريقها في صعوبة من جراء نظراته.. و تنتفض من جراء إغلاق الباب بهذا الشكل..

هتفت تهانى و هي تشير لزكريا ليأتى في سرعة.. اقترب زكريا بسرعة هاتفاً في قلق: - خير يا ست تهانى..!؟؟..
أكدت في همس: - تعال.. بدور عيزاك ضرورى..
هم بأن يسألها كيف يتسنى له الدخول.. فقاطعته هامسة: - متقلقش.. انا ظبطت الممرضة المسؤولة عن العنبر بقرشين..

خش بسرعة و أنجز.. هي في اخر سرير في الاوضة على الشمال.. و انا هقف هنا اتابع اللى جاى لحسن الدكتور يجى على فجأة..
أكد زكريا و اندفع مطأطأ الرأس.. يغض بصره حتى وصل لفراش بدور التي اندفع اليه في لهفة يطوق كفها الممدودة اليه بين كفيه..
هتف في لهفة مجيبا نداءها:- نعم يا بدور.. انت كويسة!؟؟..

أومأت مؤكدة في وهن: - الحمد لله يا سى زكريا..
و نظرت لولدها المسجى بجوارها على الفراش يغط في نوم عميق.. لتهمس بفرحة تحاول ان تدارى بها ذاك التعب الذى يعتريها:- شفت حازم يا سى زكريا.. نسخة منك..
ابتسم زكريا و القلق يتأكله على محياها الشاحب ليهمس ناهضاً:- انا هبعت لك الداكتور يشوفك..

تمسكت اكثر بكفه هاتفة: - لااا.. خليك معايا يا سى زكريا الشوية دوول.. متبعدش..
انحنى زكريا ملثما جبينها و هو يحاول السيطرة على بريق عينيه الذى يظهر تأثره بمرأها الشاحب..
لتستطرد هي في عفوية: - مش انا شفت ابويا يا سى زكريا..!؟؟..

انتفض زكريا في ذعر حقيقى عندما ذكرت بدور ابيها الحاج وهيب رحمة الله عليه و لجمت الصدمة لسانه لتكمل في تعب متنهدة تلتقط أنفاسها: - شفته و انا بولد.. رحت من التعب شوية كِده محستش بروحى.. لقيته جاى و نفسه يشوفنى.. و خدنى في حضنه..
نفسى اشوفه قووى يا سى زكريا.. وحشنى بجد..

هتف زكريا في عجالة: - و لا يتوحشك اليوم يا بدور..
هتفت فى عدم فهم لتلك الكلمة التي يقولها الصعايدة عادة عند ذكر وحشة الحى للمتوفى درأً للفأل السئ: - يعنى ايه..!؟..
هتف: - يعنى انت لازماً الداكتور يشوفك دلوجت.. و حالا عشان يطمنى عليكِ..
هتفت وهى تحسه على الاقتراب منها جالسا على حافة فراشها: - قرب يا سى زكريا..
و ابتسمت محاولة مشاكسته: - عايزة اقولك سر..

جلس على طرف الفراش مقربا رأسه من وجهها لتهمس في عشق: - انا بحبكِ قووى يا سى زكريا.. خدنى في حضنك و متفتنيش..
لم يستطع زكريا ان يرفض طلبها و هي على هذه الحالة ليرفع الجزء الأعلى من جسدها عن الفراش يضمها لصدره و هو يتنهد في
اضطراب و يلف ذراعيه حولها و كأنه يحاول ان يتشرب وهنها و وجعها بين أضلعه ليبعده عنها..

همست بالقرب من مسامعه: - هاتنسانى يا سى زكريا.. افتكرنى.. افتكر بدور..اللى محبتش حد في الدنيا قدك..
ارتجف زكريا لكلماتها يبعدها قليلا عن صدره ناظراً لعينيها ليرى نظرات زابلة لم يعهدها على محياها.. وضع كفه على الفراش يحاول إرجاعها لوضعها الأول و الإسراع بمناداة الطبيب لتنزلق كفه على لزوجة ما على الشرشيف ليرفع كفه فاغرا فاه لمرأى الدماء تغرقه ليتنبه لتلك البقعة الضخمة حول بدور..

و قد حجبها الغطاء عن ناظريه..انها تنزف و لا احد يدرى..
تركها مندفعا خارج العنبر كالمجنون ينادى على الأطباء ليأتى احدهم لانقاذها..
اضطرب المشفى لصرخاته.. و بالفعل جاء الطبيب ليؤكد ضرورة نقل بدور لغرفة العمليات من جديد لوقف ذاك النزيف الدامى.. خرجت على نفس السرير الذى دخلت عليه للعنبر منذ ساعات قليلة.. و هي في طريقها لغرفة العمليات هتفت بأقصى صوت استطاعت إخراجه تجاه زكريا الذى كان يجرى بجوار فراشها المدولب: - خلى بالك على حازم يا سى زكريا..

و انغلق الباب خلفها ليُترك وحيدا يموت الف مرة خوفا و هلعا عليها.. ليمر الوقت كحد سكين يقتطع من صبره و جلده.. و اخيراً خرج الطبيب من غرفة العمليات منكس الرأس هاتفاً في حزن: - البقاء لله.. حاولنا نعمل اللى علينا بس دى إرادة ربنا.. شدوا حيلكم..
انفجرت تهانى شاهقة في بكاء مرير و هي تحتضن حازم بين ذراعيها و بكى غندور بدموع صامتة.. اما هو زكريا..فلم يبكى.. كيف يبكى..!؟.. و يبكى من..!؟..

يبكيها ام يبكى حاله..!؟.. فهو قد مات معها.. فاضت روحه مع روحها.. الان هو يقف بلا روح.. تمثال شمعى لا حياة فيه.. تحرك بآلية باتجاه غرفة العمليات ينظر للجسد المسجى من خلف زجاج الحجرة ثم يدفع الباب ليدخل لا يعرف كيف طاوعته قدماه حتى وصل الى الفراش و رفع الشرشيف الأبيض الذى يغطى الوجه الطاهر الذى عشقه دوما.. ربت على خدها و هو يناديها.. لعلها تسمع.. لعلها تستجيب..

فهى ما تجاهلت نداءً له قط.. و دوما كانت ملبية قبل حتى ان يُكمل همسه بإسمها..
لم لا تطيع الان..!؟.. لما لا تلبى كما عودته دوما..!؟..
رفعها اليه يضمها و يعتصرها بين ذراعيه يتمنى لو يعطيها من روحه و يقتسم معها دقات قلبه..
دخل اليه غندور يحاول ان يهدئ من روعه هاتفاً في تجلد: - وحد الله يا سى كرم.. البقاء لله.. كلنا لها..
و ربت على كتف زكريا.. لكنه لم يستجيب..
هتف غندور باكيا: - اذكر الله..
كررها ثانية صارخاً: - اذكر الله يا سى زكريا.. اذكر الله..

تنبه زكريا فأعاد جسد بدور لموضعه الأول ممددا على الفراش يغطى وجهها ببطئ و هو يهتف بلسان متلجلج: - لا إله الا الله.. انا لله و انا اليه راچعون..انا لله و انا اليه راچعون..انا لله و انا اليه راچعون...
جذبه غندور بعيدا عن الجسد المسجى بضع خطوات لكن زكريا عاد اليها من جديد رافعا غطاء وجهها ليقبل جبينها القبلة الأخيرة..

و أعاد الغطاء على وجهها من جديد ليتبع غندور لكتابة اعلان الوفاة.. و تصريح الدفن..
و ما ان سأل الطبيب عن اسم المتوفية حتى قاطع زكريا غندور الذى هم بذكر اسمها المستعار الذى كانت معروفة به منذ أتت للإسكندرية متخفية و هتف بحزم: - اسمها.. بدور وهيب محمد..
ليفغر غندور فيه و ينظر الى زكريا في صدمة...

ثلاث ليال لم يخاطبها بحرف.. لم ينظر اليها حتى.. هذا كثير.. هي تعلم انها مخطئة و انها اهملت في رعاية سندس.. لكن هذا عقاب اكثر من موجع..و لم يسبق لها ان جربت مرارته.. فهما أبدا لم يفترقا عن بعضهما بهذا الشكل على الرغم انهما يعيشا في نفس المكان و يبيتا ليلتهما في نفس الغرفة لكنه لا ينطق بحرف و لا يوجه لها حديثا و لا حتى يرد على اى من استفساراتها التي تتحجج بمعرفة إجابتها فقط لتتجاذب معه أطراف الحديث ليعود لطبيعته من جديد..

لم يعد لديها القدرة لاحتمال هجره اكثر من هذا..و لا قبل لها لتحمل مثل هذا العذاب..
نهضت عندما شعرت به ينهض من جوارها متوجها للحمام.. اندفعت لمشغل الاغانى و ما ان شعرت بقرب خروجه حتى ضغطت على ذر التشغيل ليصدح صوت شادية متأسفا:-معلش النوبة دى عشان خاطري معلشى.. و سامحنى النوبة دى..عشان خاطري..
سامحنى...

لا ينكر انه تفاجأ بصوت الأغنية الصادحة من جهاز التسجيل عندما خرج متجهما من الحمام و على الرغم من انه بدأ يستشعر اللين تجاهها داخليا الا انه لم يظهر ذلك على قسمات وجهه التي ظلت على نفس حالتها من التجهم..

اندفع يلتقط جلبابه من المشجب لتسرع هي بإحضاره و مساعدته في ارتدائه و هي تنظر اليه في شوق كاد يدفعه ليأخذها بين ذراعيه و خاصة و الاغنية تشدو في عتاب: - من امتى بخاصمك من امتى ده الْيَوْمَ في خصامك بسنين..
ارتدى ملابسه و جلس يرتدى حذاءه و اخيراً توجه للمرآة يضع عمامته و عباءته و هو يراقبها محاولا وأد ابتسامة تحاول القفز على شفتيه و هو يراها تدور حوله في الغرفة محاولة استرضاءه قدر استطاعتها..

اقتربت منه لتضم ظهره اليها ليتصلب في محاولة للسيطرة على اختلاجة قلبه لقربها القاهر..
همست في شوق باسمه: - عاصم..
لتستطرد في نبرة معاتبة: - مش كفاية كده.!؟
استدار ليواجهها واضعا كفيه على عضديها هامسا بعتب مماثل: - أنتِ عارفة يا زهرة لولا ستر ربنا ووچود الواد باسل ماسك في رچل بتك كان ممكن ايه اللى يُحصل..!؟..كان..

انتفضت..ووضعت كفها على فمه تمنعه من الاسترسال.. شعر هو بارتجافة جسدها تحت كفيه و اخيراً.. اندفعت الدموع من عينيها هاتفة في ذعر: - متفكرنيش يا عاصم.. انا من ساعة اللى حصل و انا مش بنام كل ما اتخيل ايه اللى كان ممكن يحصل ساعتها..
و شهقت في لوعة فطوقها بذراعيه مشفقا عليها لائما نفسه لقسوته عليها الأيام الماضية و خاصة عندما ادرك قدر تعذيب الذات و لوم النفس الذى عاشته...

قبل جبينها في محبة هامسا: - الحمد لله.. حُصل خير..و العيال كبروا و بجت حركتهم كَتيرة و مش هاتجدرى عليهم لوحدك.. البت ابتهال أخت سعيد مش كانت بتاجى أوجات تساعدك .. انا هخليها تاجى كل يوم..
رفعت رأسها تطالع عينيه التي اشتاقت لنظراتهما هامسة: - يعنى خلاص مش زعلان منى..!؟..

همس لها مشاكسا و متغنيا بكلمات الاغنية: - من امتى بخاصمك من امتى..!؟.. ده الْيَوْمَ في خصامك بسنين..
ابتسمت في سعادة هاتفة: - لا ده انت كنت مركز بقى..!؟..
قهقه هاتفا: - فكرينى أزعل كَتير طالما في كل مرة هتصلحينى كِده..
انفجرت ضاحكة و هي تخبئ وجهها في احضانه منتشية...

لم يستطع احد ان يثنيه عن عزمه في اصطحاب جسد بدور الى مثواها الأخير و دفنها بجوار والدها الحاج وهيب.. فلم تفلح توسلات تهانى و لا تحذيرات غندور من عواقب تسرعه و دفعه لتعديل رأيه و ظهر تمسكه بكل ما أنتواه مدى صلابة رأسه الصعيدى..حتى انه كتب شهادة وفاتها باسمها الحقيقى لا بذاك الاسم المستعار الذى كانت معروفة به في الإسكندرية..

و أخيرا انصاع غندور لمشيئته فجهزسيارة لنقل زكريا و طفله و الجثمان للقاهرة حتى تُدفن بجوار ابيها.. فيما اعتبره زكريا وصيتها الأخيرة غير عابئ بالمخاطر التي تحيق به جراء قراره الصارم..
وصلت السيارة حيث المدافن و كان في استقبالها بعض من رجال و نساء الحارة منهم نعمة بعباءتها السوداء و دموعها الذابلة من البكاء كمدا على الاب و ابنته الشابة التي لحقت به و التي كانت تعتبرها اخت لها..

و المعلم خميس اللول الذى ما ان رأى السيارة تقترب حتى اندفع حيث توقفت يفتح الباب يتلقف الطفل من بين يدىّ زكريا دافعا به لنعمة التى تلقفته بدورها كقطعة غالية لا تقدر بثمن تدسه بين ذراعيها و تضمه لصدرها في لوعة و أخيرا جذب المعلم خميس زكريا من مقعده هاتفاً به ينبهه و يخرجه من صدمته التي لم يستفق منها بعد:- وحد الله يا زكريا..

اومأ زكريا براسه في تأكيد و هو يهمس بان لا اله الا الله.. و يخرج من السيارة محاولا التماسك قدر استطاعته وهو يتوجه لمكان الصندوق الخشبي الذى يحمل جثمانها الطاهر توجه عدد من الرجال من بينهم عم طايع بائع البطيخ و صبى المعلم خميس و غيرهم لحمل الجثمان و ما ان تقدموا عدة خطوات من بوابة المدفن حتى ظهرت سرينة سيارة الشرطة تنعق في رتابة..

خرج الضابط مسرعا من السيارة الميرى التي توقفت بالقرب من مكان وقفة الرجال حاملى النعش و الذى كان يتقدمهم زكريا واقفا في لامبالاة بوجه جليدي لا يحمل اى رد فعل يذكر و كأن الامر لا يعنيه..
اندفع المعلم خميس من موضعه أسفل النعش متوجها ناحية الضابط و همس بالقرب منه: - يا باشا الموت ليه حرمته.. و الراجل بيدفن مراته.. يعنى الرحمة حلوة..

هتف الضابط: - الله يرحمها..بس انا بنفذ الحكم الصادر ..
هتف المعلم خميس: - و احنا معترضناش يا باشا.. ده شغلك.. بس الراجل يدفن مراته و ياخد عزاها تحت عنيكم و يبقى تحت امركم بعد كده..
تنهد الضابط بعدم اقتناع لكن مع الجو العام الذى عمه الأنين الصادر من جهة النساء و الصمت المطبق من جهة الرجال وافق الضابط بإيماءة من راسه جعلت خميس يهتف له شاكرا و يعود لموضعه الأول حاملا النعش و الضابط يشير لرجاله يمنة و يسارا ليطوقوا المكان خشية هروب زكريا مرة أخرى..

تمت صلاة الجنازة على روحها و فُتح النعش الذى يحمل جثمانها.. صرخ زكريا في الرجال الذين تطوعوا لحملها لمثواها الأخير
اشفاقا عليه.. تراجع الجميع لصراخه فما كان له ان يدع رجلا يمس جسدها الطاهر او يحملها حتى ولو جثة بلا روح ..
رفع جثمانها و نزل به حيث مثواها الأخير في ثبات لا يصدق..

حتى ان بعض الرجال بكوا لصلابته التي كانت مجرد صلابة خارجية.. فمن منهم لم يفقد عزيزا كانت صدمته الأولى لفقده جعلته في مثل حالة زكريا من الذهول و التيه..
حتى يستفيق على انهار من الدموع بعد بعض الوقت عندما يبدأ استشعار مرارة الفقد و ألمه هبط زكريا تلك السلالم التي توصله لغرف الدفن ليدخل احداها المخصصة للنساء و ينحنى واضعا أياها و ينهض ليغادر لكن قدماه لا تطاوعه و مرأى جسدها يخبره انها غادرت بغير رجعة.. غادرت و لن ينعم بقربها و حنانها مرة أخرى..

و أخيرا طفقت الدموع من عينيه بشهقات لا إرادية تجرح صدره وهى تصعد بلهيب حارق و لم ينتبه الا و صوت ينادى باسمه دافعا أياه لينهض في تثاقل صاعداً تاركا روحه و قد غادرته للأبد.. هامسا في لوعة: - مع السلامة يا روح زكريا..

وقف زكريا في مقدمة ذاك الصِوان الذى شغل عرض الحارة كله امام بيت الحاج وهيب رحمه الله يتلقى العزاء في زوجته الراحلة بيد تمتد بألية و عين تائهة النظرة و قلب فارغ و روح ما عادت تسكنه.. فقد تركها هناك حيث وارى جسدها الطاهر..

مرت ساعات وفى فيها ضابط تنفيذ الأحكام فيها بوعده و ها هو يتقلب في توتر على كرسيه و ينظر الى ساعته في ضيق..
و أخيرا و بعد ان فاض به الكيل نهض ليحيط بزكريا هو ورجاله ليعلو نحيب النسوة من الشرفات و النوافذ و هن يتابعن الحدث الجلل و تندفع نعمة هاتفة في زكريا قبل ان يغيب عن ناظريها: - سى زكريا.. !!؟؟..

ألتفت لها و قد تنبه لوجود ولده بين ذراعيها تقدم في بطء باتجاهه و أخذه بين ذراعيه فربما تكون المرة الأخيرة..يتلمس فيه رائحة امه الغالية و يستودعه الله و هو يضعه بين ذراعى نعمة من جديد هامساً: - اسمه حازم.. الغالية اختارتهوله.. خلى بالك منه يا ست نعمة و عزيه زى ما كنتِ بتعزى امه و چده.. هو أمانة في رجبتكِ لحد لما ربنا يأذن لى بالفرچ من عِنده..

هتفت بصوت متحشرج اجهده البكاء و النحيب: - في عينى يا سى زكريا.. ده من ريحة الغاليين.. متحملش هم و ربك هيهونها جذبه العساكر ليدفعوا به للصندوق الخلفى لسيارة الشرطة و المعلم خميس خلفه هاتفاً: - هاجيلك الصبح و معايا اكبر محامى..ربنا معاك..

اومأ زكريا و لم ينطق بحرف.. فماذا عليه ان يقول..!!؟.. و لمن..!؟.. فهو فوض أمره لله.. و من كانت يبثها نجواه و شكواه و تهون عليه ظلم العالم و سواده قد رحلت مخلفة وراءها جسد بلا روح يدعى زكريا الهوارى..

صرخت بخيتة في ذعر منتفضة من نومها: - ولدى.. زكريا ولدى..اطلجوه.. هملوه لحاله..
انتفضت كسبانة بدورها على تلك الصرخات التي وصل صداها لغرفتها هي وحمزة الملاصقة لغرفة بخيتة.. لتنهض مهرولة اليها هاتفة في لوعة: - خبر ايه يا خالتى..!!؟.. خير ان شاء الله..!؟..

مدت كسبانة كفها بكوب الماء من الطاولة القريبة باتجاه بخيتة لتشرب منه لعلها تهدأ من ذاك الكابوس الذى يلازمها من ليلتين تقريبا..
تنهدت بخيتة بعد عدة رشفات و هي تعتذر لكسبانة: - جلجتك يا بتى زى كل ليلة..
همست كسبانة: - و لا جلج و لا حاچة يا خالتى.. انا كنت فايجة مع حمزة.. مغلبنى و مرضيش ينام..

طل حمزة من خلف الباب الموارب قليلا برأسه مما دفع بخيتة للابتسام و هي تشير اليه بالاقتراب ليتقدم اليها مسرعا لتتلقفه كسبانة بين ذراعيها و تضعه في أحضان بخيتة..لعلها تلتهى به عن حلمها المتكرر عن زكريا.. لكن كسبانة نفسها يقتلها الفضول لتعلم ماهية ذاك الحلم..
فهتف: - ألا يا خالتى.. فيه ايه المنام اللى عتشوفيه بجالك ليلتين و يجومك من نومتك كِده..!؟..

تنهدت بخيتة في حزن: - زكريا يا بتى.. زكريا في ضيجة كبيرة.. انى حاسة..
تنهدت كسبانة: - سى زكريا بجاله اكتر من سنتين متصلش و لا سمعنا صوته يا خالتى..
دِه معناته انه بخير.. مش عاصم بيه جالنا كِده..!!؟.. حتى راح زار اهل بيته و جال لمرته تاجى تجعد معانا لحد ما ربنا يفرچها عليه.. و اهى من ساعتها لا سألت و لا جالت انتوا فيين..!؟..

تنهدت بخيتة: - كل واحد و عذره معاه يا بتى.. محدش عارف هي ايه حالها..ربنا يفرچها على الكل..
زفرت كسبانة بضيق و هتفت: - ياارب.. يسهلها على عبيده..
ثم نهضت حاملة حمزة من بين ذراعى بخيتة و قد راح في نوم عميق هاتفة محاولة إخراجها من حزنها: - انتِ بتعمليله إيه الواد دِه عشان ينام.. ده انا بجالى ساعتين بنيم فيه و مفيشى فايدة ياجى دجتين بين دراعاتك يا خالتى ينام.. و الله منتش هينة يا بخيتة..

ابتسمت بخيتة في شجن.. لتربت كسبانة على كتفها في مودة و تنحنى تقبل هامتها هامسة: -نامى يا خالتى.. و باذن الله هنسمع اخبار زينة عن سى زكريا..
تمددت بخيتة على فراشها و جذبت على نفسها الغطاء لترحل كسبانة بعد ان أطفأت نور الحجرة تاركة بخيتة تتذكر كيف رأت زكريا مقيدا بسلاسل من حديد من أطرافه يجتذبها أشخاص مجهولين لا تعرفهم و هو يحاول المقاومة و لم شتات نفسه لكن لا فائدة ترجى فتنهض هاتفة بإسمه مذعورة..

وصلت عربة الترحيلات امام السجن لينزل منها المرحلون و منهم زكريا الذى نظر لبوابة السجن الخشبية الضخمة و التي تنفرج للداخل عبر باب خشبى مستطيل الشكل بالكاد يُمكن شخص بالغ من المرور عبره و التي تعلوها عبارة.. السجن تهذيب و إصلاح.. هل هو فعلا يحتاج لذاك التهذيب و تحتاج نفسه لهذا الإصلاح.. !!؟..

دخل عبر تلك البوابة الصغيرة التي أنحنى قليلا بهامته ليعبرها.. سلم كل ما له علاقة بعالمه الخارجي و استلم بدلة السجن الزرقاء
مر بكم من الخطوات و الإجراءات كان يؤديها و هو أشبه بالغافل عما يجرى حوله..
كان ينفذ الأوامر الملقاة له بألية عجيبة حتى وجد نفسه ملقى في احد العنابر بصحبة الصول جابر كما سمعهم ينادونه.. أشار جابر على أحد الآسرة هاتفاً: - ده سريرك يا زكريا..

توجه اليه زكريا في صمت يضع عليه تلك البطانية الحقيرة التي سلموه أياها.. كان سريره هو السرير الأسفل من ضمن سرير بطابقين كما باقى آسرة العنبر..
حل الصمت على العنبر ككل حتى رحل الصول جابر.. و ما ان أُغلق الباب.. حتى سادت الهمهمات و الهمسات على ذلك الذى دخل بصحبة الصول جابر و لم ينبس بحرف واحد بل تمدد على فراشه مغمض العينين لا يبالى بما حوله او بمن حوله..

حتى انه نسى اهم القواعد الواجب اتباعها و هي التعريف عن نفسه و تقديم فروض الولاء و الطاعة لسيد العنبر و مساعديه..و الذى تقدم منه احدهم هاتفاً بصوت جهورى: - احنا هنعذرك عشان متعرفش الأصول.. بس لو متعرفهاش.. نعرفهالك..
فتح زكريا عينيه عندما تناهى لمسامعه ذاك الصوت القبيح متسائلا بتعجب: - انت بتكلمنى انى..!؟..
هتف صاحب الصوت الجهورى المدعو سلومة: - ايه ده..!؟.. الجدع طلع صعيدى..

طب ده المفروض بتفهم الأصول.. و عارف ان كل مكان و له ريسه و لا ايه..!؟..
هتف زكريا في ضيق: - يعنى عايز ايه من الاخر.. انا مطيجش روحى..!؟؟..
جذب سلومة زكريا من كتف قميصه هاتفاً: - لما تكلمنى تقوم تقف و تتكلم بأدب.. و لو متربتش و اتعلمت الادب احنا نعلمهولك..

دفع زكريا يد سلومة من على كتفه في حنق و لم يبادله أي رد بل تجاهله تماما و عاد من جديد ليتمدد على فراشه و الذى قبل ان يمسه كان سلومة دافعا أياه من فوقه ليقع زكريا من الجانب الاخر وسط الهرج و المرج الذى بدأ يسود داخل العنبر و ضحكات المساجين المتهكمة على سقوطه..

نهض زكريا في هدوء مخيف و استدار باتجاه سلومة و ما ان اقترب منه حتى همس و هو يجذب راس سلومة بكفه من خلف عنقه لينطح بها جبينه: - الادب.. ده اخر حاچة تعرفها يا خفيف عشان تعلمهالى..
صرخ سلومة متأوها و هي يضع كفيه على جبهته بعد ان نال صدمة قوية من تلك الراس الصعيدية اليابسة..

دفع زكريا بسلومة بعيدا عن فراشه و عاد ليتمدد عليه من جديد وسط تلك الصرخات المشجعة و التهليل طلبا للمزيد من الشجار لكن كل ذلك انتهى في لحظة ما ان أشار احد المساجين والذى ما كان الا الذراع الأخرى لكبير العنبر و من يأتمر بأمره الجميع والذى كان يتابع تلك المسرحية التي دفع سلومة لتمثيلها على زكريا كما يفعل مع كل مسجون جديد حتى يستشف مدى قوته و مدى إمكانية السيطرة عليه و تطويعه في خدمة طلباته..

هنا نهض المعلم سيد كبير العنبر متجها نحو سرير زكريا و الجميع صامتا في ترقب لما سيسفر عنه اللقاء..
هتف المعلم سيد وهو يقف في مواجهة سرير زكريا: - مرحب بيك يا زكريا في عنبر المعلم سيد..
فتح زكريا عينيه من جديد ليطالعه جسد ضخم و وجهه اسمر بشارب رفيع لا يتفق إطلاقا و ذاك الوجه او تلك البنية..

هتف حمادة الذراع اليمنى للمعلم سيد معرفا أياه لزكريا: - ده المعلم سيد.. كبير العنبر و اللى كلنا هنا تحت طوعه و عايشين من خيره..
نهض زكريا من فراشه هاتفاً: - اهلا يا معلم سيد..
سأل المعلم سيد في فضول: - هو انت هنا بتهمة ايه يا زكريا..!؟..
هتف زكريا في عجالة: - جتل يا معلم سيد..تأبيدة..
هتف المعلم سيد مهللاً: - الله اكبر.. تعجبنى يا صعيدى.. اكيد تار..
هتف زكريا نافيا: - لاااه يا معلم..

و نظر لسلومة الذى كان لايزل يتأوه متألماً و استطرد في ضيق: - ده واحد كان شايف حاله و حب يعلمنى الادب.. فجلنا نربوه..
قهقه المعلم سيد منتشياً و هو يربت على كتف زكريا: - عفارم عليك يا صعيدى.. دمك حامى صحيح.. تعجبنى..
و نهض هاتفاً في صبيانه: - العنبر غداه النهاردة على حسابى حلاوة تشريف زكريا..
ابتسم زكريا هاتفاً: - يا معلم هو الحلاوة دى بتبجى للدخول و لا للخروچ بالسلامة..!!؟..

انفجر المعلم سيد مقهقها وهاتفاً: - الاتنين يا صعيدى.. خلى المساجين تفرح..
ابتسم زكريا و هو يرى الجميع يحييه ويهلل في سعادة.. و لما لا..!؟.. فهو تميمة سعدهم و التي هبطت عليهم وجعلت المعلم سيد كبير عنبرهم يجود عليهم بخيراته..

تناول المساجين طعامهم في عنبر المعلم سيد حتى امتلأت بطونهم و حتى الصولات و الشاويشية طالهم من النعيم جانب.. فالمعلم سيد كعادته لا ينساهم فهو معروف بكرمه الواسع...و لما لا..!؟.. و هو يعد واحد من اكبر مستوردى اللحم المجمد و المُصنع..

كان في الأصل مجرد جزار.. لكن من جراء الصفقات المشبوهة اصبح من اكبر تجار اللحوم.. و ما أتى به الا احدى تلك الصفقات التي أحكمت الشرطة فيها الأدلة التي تدينه هذه المرة فلم يستطع الإفلات و دفع احد من رجاله لحمل القضية برمتها كعادته في كل قضية سابقة..
هتف المعلم سيد وهو يربت على كتف زكريا هاتفاً: - استنى بقى لما نتسلطن..

اخرج من جيبه علبة من السجائر دفع بإحداها لزكريا الذى فكر ان يرفض بأدب..لكنه تناول من العلبة سجارة متظاهرا بانه سيدخنها فيما بعد ووضعها في جيب سترته..
ليهتف المعلم سيد: - هو فين الواد سنجأ..!!..
هتف صوت جهورى لشاب في أواخر العشرينات تقريبا من احد الأركان رافعا كفه مؤكدا مكانه: - انى هنا يا معلم..

أمره المعلم سيد: - قوم يا واد سمعنا حاجة من اللى بتقرفنا بيهم.. نوُح يا خويا نوُح..
انفجر الجميع ضاحكين ليهتف سنجأ في ضيق و بلهجة صعيدية لا يخالجها الشك دفعت زكريا للانتباه للشاب الأسمر متوسط الطول الذى برز من بين المساجين: - بجى كِده يا معلم.. غنايا بجى نواح.. !!؟..
هتف المعلم سيد من بين قهقهاته: - خلاص ياخوى هاتعمل لنا فيها فنان.. غنى من سكات و حاجة فرايحى عشان الراجل اللى لسه مشرفنا جديد ده.. مش عايزين نسود عيشته من أولها..

هتف زكريا للشاب الواقف فى ضيق محاولا جبر خاطره: - غنى اللى انت عاوزه يا سنچأ.. انى راضى..
انفرجت اسارير سنجأ و بدأ يشدو في سعادة و بصوت ساحر:-
فى دايرة الرحلة طرج بينا تخلا
آه يا حبيب عمري وصحبتي وجمري
عيون مره تباعد..خطاوي مره تعاند
حنين چوانا يحكي..

وشوج چوانا يبكي
والدمع ساچية كبت
فى دايرة الرحلة طرق بينا تخلا
ليه يا سنين العمر ترضي لنا بالمر
ده لولا فينا صبر لهان علينا العمر
فى دايرة الرحلة ايامنا على المولى
رحلة يا رحلة ياصعبة يا سهلة
رحالة خطوتنا فى دايرة الرحلة
فى دايرة الرحلة طرج بينا تخلا.

المساجين بما فيهم المعلم سيد كانوا يضحكون على حركات سنجأ التي كان يقلد فيها ذاك المغنى الأسمر المشهور صاحب الاغنية و لم ينتبه احدهم ان تلك الكلمات التي يغنيها سنجأ بذاك الصوت الساحر تنكأ جراح لازالت حية بقلب زكريا وروحه..

ساد الصمت للحظات بعد ان انهى سنجأ شدوه و توجهت كل الوجوة باتجاه زكريا في انتظار تقييمه لصوت مطربهم.. تمالك زكريا شتات نفسه و دفن أحزانه كما اعتاد دوما في أعماق روحه و بصوت مصطنع يغلب عليه نبرة المزاح هتف في سنجأ: - و الله المعلم سيد عِنده حج.. جلبت علينا المواچع يا فجرى..
انفجر الجميع مقهقهين.. و انقلب المعلم سيد على ظهره من شدة قهقهاته و هو يرى زمجرة سنجأ المعترضة.. و يربت على كتف زكريا في حبور...

تسلل ذاك الظل القاتم لداخل الدار على الرغم من وجود الخفيرين اللذان وضعهما عاصم لحماية دار زكريا..
و تسحب حتى وصل لحجرة كسبانة في هدوء ليقترب من فراشها وهو يتطلع لجسدها المسجى على الفراش في رغبة هامسا في نفسه: - لساتها حلوة بت الكلاف..

اقترب من وجهها يتطلع لملامحها الناعسة التي بدأ يتذكرها بعد تلك السنوات لتنتفض هي عندما شعرت بأنفاسه الحارة تضرب عنقها هاتفة و هي تضم غطاء الفراش لجسدها في ذعر: - مين..!؟.. انت مين..!؟
همس و هو يقترب منها: - لحجتى تنسينى.. نسيتى أبو ولدك يا كسبانة..!؟..

هتفت في ذعر وهو يرفع اللثام عن وجهه لتظهر ملامحه التي تبغضها فتهتف شاهقة باسمه: - سليم..!!..
انكمشت من جديد لطرف الفراش غير مصدقة انه هنا بعد كل تلك السنوات.. بعد ان ظنت انها تخلصت منه و من كل ما يذكرها به.. لكن هاهو يظهر من جديد ليحيي كل تلك الكوابيس و العذابات التي رأتها بالقرب منه..

نظر اليها متفرسا فيها من رأسها حتى اخمص قدميها ليزداد أقترابا منها متمتما بصوت تملؤه الرغبة: - لساكِ زى ما انت.. متغيرتيش.. كنى فُتك عشية..
و دفع كفيه ليقبضا على كتفيها البضتين الا انها كانت الأسرع حيث اندفعت للجهة الأخرى من الفراش هاربة منه.. لكنه لحقها ليمسك بذراعها واضعا كفه على فمها كاتما صرخاتها التي ما همت باخراجها حتى كانت كفه هي الأسبق لإسكاتها..

جذبها من جديد دافعا إياها على الفراش في قسوة هامسا بصوت يشبه الفحيح: - انتِ لساتك مرتى.. و لا نسيتى.. يعنى حجى فيكِ هخده.. بخطرك أو بالغصب.. متفرجش معاى.. و انتِ خابرة كلامى زين.. و لا نسيتى..!؟..

تذكرت كيف كان يعاملها منذ اللحظة الأولى لزواجهما الذى قبلت به غصبا لتخلص نفسها و اَهلها من بطشه و جبروته..و تقطعت أنفاسها في ذعر وهى تتذكر كيف كانت تتوسل اليه الا يقربها الا ان تمنعها كان يشعل نار رغبته اكثر لينتهكها في وحشية ثم يلقى بها خارج فراشه كخرقة بالية..

بدأت ترتجف و هو ينحني على وجهها يقترب منها ليلثمها و اخيراً تأتى رحمة الله من السماء في صرخة عاصم الهادرة التي دفعت به بعيدا عنها لتجذب هي غطاء الفراش حول جسدها و تتراجع لأحد أركان الغرفة تنتفض غير مصدقة انها نجت من بين يديه يكاد دوار رأسها يفقدها وعيها و شعورها القاتل بالغثيان يسيطر عليها بشكل غير طبيعى..

اندفع عاصم لسليم الذى ارتجف من طلته فقد كان الغول على حق في تلك اللحظة و الذى قبض على مقدمة جلباب سليم في غضب صارخا فيه وهو يهزه أمرا:- طلجها.. أرمى اليمين عليها دلوجت..
لم يكن سليم بقادر حتى على الاعتراض امام مظهر عاصم و غضبه الهادر لذا هتف متوجها بانظاره نحو كسبانة التي لازالت على ارتجافاتها في ركن الغرفة: - انتِ طالج..

هتف عاصم دون ان يستدير لكسبانة: - سبينا دلوجت لحالنا يا أم حمزة و روحى لولدك..
اندفعت كسبانة لخارج الغرفة مسرعة في اتجاه غرفة بخيتة و التي لحسن الحظ أصرت الليلة الماضية على نوم حمزة بجوارها..
ما ان خرجت كسبانة و أغلقت الباب خلفها حتى بدأ عاصم في جذب مقدمة جلباب سليم في غضب بركان هادر عاود إطلاق حممه هاتفا: -اسوى ايه فيك اكتر من رميك بره النچع كيف الكلب الأچرب..!؟.. اجتلك و اخلص منيك و أتعير بيك العمر كله و انت متستاهلش..!؟.. اسوى فيك ايه..!؟.. جولى...

دفع عاصم سليم ليرتطم ظهره بالحائط خلفه ليتأوه في ألم و عاصم يزفر في ضيق..
و اخيراً ما ان هدأت نفسه حتى عاود النظر لسليم في اشمئزاز من جديد:- بص.. هي نوبة تانى زى دى تكسر فيها كلمتى.. و اقسم بالله.. ما ليك عِندى لا حج جرابة ولا دم.. و انى بنفسى اللى هبلغ الحَكومة عنيك..

انا سايبك بخطرى هربان منيهم بس لو ليا غرض هچيبك تحت رچلى في دجيجة..و أسلمك ليهم.. و انت تعرف انى أجدر و هعملها عن جريب لو كسرت كلمتى و نزلت النچع من تانى.. و صرخ اخيراً هاتفا بصوت أشبه بهدير الرعد جعل سليم ينتفض فزعا.. ساااااامع.. !!!!...

ليومئ سليم برأسه مؤكدا في عجالة ليهمس عاصم بالقرب منه: - يبجى تنفذ..
ليندفع سليم خارج الحجرة و منها لخارج الدار في عجالة.. و كأن شياطين الجحيم تتعقبه...
تنحنح عاصم وهو يخرج من الحجرة ليقابل كسبانة التي تسترت بعباءتها و غطاء رأسها
و بجوارها تجلس بخيتة تحمل حمزة الذى ازدادت وتيرة بكاءه بسبب صوت الشجار..

هتف عاصم غاضا بصره: - مبروك على الطلاج يا أم حمزة.. خلاص.. انسيه الموضوع دِه.. و سليم عمره ما هيجرب
هنا تانى.. بس اللى حُصل ده نخليه بناتنا
تمام..!؟..
هتفت كسبانة مؤكدة: - تمام يا عاصم بيه..
ربنا يبارك لك و يخليك لينا..

هتف عاصم: - الشكر لله.. و لخالة بخيتة لولا هي اللى سمعته و شيعتلى واحد من الغفيرين اللى زى جلتهم بره دوول.. محدش عارف سليم بجنانه كان ممكن
يسوى ايه !؟.
استأذن عاصم مغادرا لتندفع كسبانة تحتمى بذراعى بخيتة تشهق باكية بعد كل تلك الأحداث التي مرت بها الليلة..لتربت بخيتة على رأسها تطيب خاطرها هاتفة: - أحمدى ربك يا بتى.. لولا ولدك بكى و جمت اجيب له يشرب مكنتش سمعت سليم وهو عِندك..

الحمد لله..
جذبت كسبانة طفلها لاحضانها من بين ذراعى بخيتة تضمه في امتنان و هي لا تصدق انها تخلصت من الكابوس المسمى سليم.. و أصبحت اخيراً حرة..

كانت فترة الراحة فخرج الجميع الى فناء السجن مدفوعا برغبة في الحصول على بعض الهواء النقى و الشمس الدافئة بعيد عن جو العنبر الخانق..
سار زكريا وحيدا مبتعداً عن تجمعات المساجين المعتادة او حتى جلسات المعلم سيد في مكانه المعتاد و التي غادرها متسللا راغبا في الوحدة و الاختلاء بنفسه قليلا..

مر أكثر من شهر على مجيئه الى هنا و لا يعلم متى سيخرج.. شعر بوحشة عجيبة..
فقد مر ذاك الشهر وهو لم يرى ملامحها و لا عادت جواره.. شعر بنفس المشاعر الخانقة التي كانت تعتريه في الإسكندرية قبل قدومها اليه.. لكن الان.. هو يعلم انها لن تأتى.. يعلم انه حتى ولو خرج من هنا..

لن يجدها بانتظاره.. لن يستمع الى صوتها
يداعب أذنيه عند الاستيقاظ و لا همهماتها باحضانه في ذاك الفراش الضيق الذى كان يجمعهما متلاحمين.. انه يفتقدها حد الوجع..
لو يعلم ان سجنه كل تلك المدة كفيل باعادتها
لحياته من جديد لهانت عليه أعوام السجن و لياليه الطويلة ثمنا لمطلب غال كذلك..
لكن هي رحلت.. غادرت بلا عودة..

تذكر كلماتها الأخيرة و التي همست بها قبل ان تختفى خلف باب غرفة العمليات توصيه فيها بابنهما حازم..
دمعت عيناه عندما تذكر ولده الذى لم يتذكر حتى ملامحه.. فما كان هناك وقت ساعتها ليتملى في وجهه الصغير ليحفظ تلك الملامح
و لا ينساها..
ربت سنجأ على كتف زكريا مخرجا أياه من شروده و أفكاره ليهمس متعاطفا: - كله هيهون يا زكريا.. سلمها للمولى..
همس زكريا بصوت متحشرج: - و نعم بالله..

هتف زكريا محاولا الخروج من حزنه: - مجلتليش يا سنجأ انت منين في الصعيد..!؟.
هتف سنجأ بلامبالاة: - من كل البلاد يا هوارى..
ابتسم زكريا متسائلا: - كيف يعنى..!؟..

ابتسم سنجأ ابتسامة محرجة هاتفاً: - واحد واد حرام.. ميعرفش ابوه..و امه كانت غازية في الموالد..هيبجى منين يعنى..!؟..
البلد اللى فيها رزجك او حبيبك.. هي بلدك يا هوارى..

ربت زكريا على كتفه و هو يشعر بألم سنجأ و يستشعر بعضه.. فقد عاش زمن طويل من عمره لا يعرف له أبا و حتى عندما علم لم يجرؤ على البوح باسمه او حتى وضع اسمه العريق خلف اسمه المتواضع فهو بن بخيتة تلك الفتاة الفقيرة ابنة مراكبى المعدية
كيف يمكن ان يقترن اسم ولدها باسم سليل اكبر العائلات..

هتف زكريا باسماً: - بس انت حسك (صوتك ) حلو جووى.. و لا عبدالحليم في زمانه..
انفجر سنجأ مهللا في فرحة: - واااه يا واد عمى.. العندليب نوبة واحدة.. !!؟.. ربنا يچبر بخاطرك يا زكريا.. ليستطرد مغيرا الموضوع هاتفاً: - بس معجول يا زكريا تهمتك الجتل.. انا مصدجش.. يعنى انى اعملها لكن انت لاااه..
ابتسم زكريا متسائلا: - يعنى انت على كِده جتلت..!؟..

أكد سنجأ بنبرة معتزة:- أيووه.. جتلت چوز أمى المفترى.. جتلت و انا بدافع عنى و عنيها و هو اللى بداها.. روحت جايب رجبته.. و لا كنت ههمله لما يجتلنا وهو كان شارب و شادد حيله علينا.. و اهاا.. خدت فيه سبع سنين اللى ما يسوى دِه عدى منيهم أربع سنين تجريبا..
و ربنا يسهل علينا الباجى..
ربت زكريا على كتفه في تعاطف هامساً بنبرة متضرعة: - يااارب..

سافر عاصم للقاهرة مدفوعا باتصال المعلم خميس و الذى اخبره بكل ما حدث مع زكريا
من وفاة زوجته و ظهوره لدفنها و قبض الشرطة عليه لينفذ الحكم الذى صدر ضده غيابيا.. أكد عاصم رغبته في زيارة بن عمه و اصطحاب ولده حازم معه للبلد ليكون تحت رعاية ام زكريا..

لم يستطع المعلم خميس إثناءه عن القدوم و ها هو يهل بطلته المميزة يقترب من مقهى المعلم خميس و الذى رحب به هاتفاً: - مرحب بابن عم الغالى.. ازيك يا عاصم بيه..!؟..
هتف عاصم وهو يجلس على احد المقاعد يلتقط أنفاسه متعجلا المعلم خميس:- الحمد لله يا معلم خميس.. بخير بس هم يا معلم.. عايز اروح أزور زكريا.. و تعالى معايا عشان اخد ولده.. احنا أولى بيه و بربايته..

هتف خميس و هو يشير لصبيه بجلب الشاي:- اهدى بس و خد نفسك يا عاصم بيه
.. انا المحامى جالى من كام يوم و هو اللى جاب لى الجواب ده من زكريا و طلب فيه ابلغك بكل اللى حصل.. بس هو ليه عندك طلبين
هتف عاصم مقاطعا: - طب ما انا واخد اذن بالزيارة و هشوفه و يجولى اللى هو رايده لو كان لبن العصفور هچبهوله..
هتف المعلم خميس محرجا: - ما هو ده طلبه الأول..!؟..
تعجب عاصم مستفسرًا:- طلب ايه..!؟..

تنحنح خميس محرجا: - الزيارة.. مش عايزك تزوره.. صعبان عليه نفسه و حاله.. و مش عايزك تشوفه في الموقف ده..
صمت عاصم للحظات و لم يعقب ليستطرد المعلم خميس: - و الطلب التانى.. حازم ولده.. مش عايز يتربى في البلد.. عايزه يفضل هنا..
هنا هتف عاصم حانقاً: - كيف يعنى..!؟.. يعنى نسيب ولدنا يتربى على يد الأغراب و احنا اهله و عزوته ملناش صالح و لا عازة!؟؟...

هتف المعلم خميس مهدئا عاصم: - محناش اغراب قووى يا عاصم بيه.. احنا برضة اهل زكريا و ناسه يوم ما كان عايش وسطينا هنا..
تحرج عاصم هاتفا:- انا مجصدش يا معلم انتوا على عينا و راسنا.. بس برضك.. دِه ولدنا..
هتف المعلم خميس وهو يستحث عاصم على ارتشاف الشاي: - يا عاصم بيه.. هو مش عايز حازم يتربى في البلد و يتعير هناك بأبوه اللى خرج من البلد حالف يرجع لها رافع راسه و في الاخر اتهموه بجريمة معملهاش و يشيله العار..

زكريا قالى بالحرف.. قول لعاصم واد عمى لما يجيك ان زكريا مش عايز ولده يدوق نفس المرار اللى هو داقه بسبب اسم ابوه..
تنهد عاصم في ضيق ليستطرد خميس: - معلش يا عاصم بيه.. ما على الرسول الا البلاغ.. و دى طلباته..و انت ادرى بزكريا و نشفيه دماغه..
هز عاصم رأسه موافقا خميس و أشار على المعلم خميس ليصطحبه حتى نعمة التي أصبحت تقطن بيت الحاج وهيب وحيدة مع حازم الذى ملأ حياتها بعد ان ظنت انها أصبحت خاوية لا قيمة لها..

ليرى عاصم بن زكريا و يترك له ما يكفى ويفيض من نقود تكفل ليُقدم للطفل افضل رعاية معتصرا قلبه حتى يستطيع ان يتركه و لا يصطحبه معه للنجع تماشيا مع رغبة زكريا مؤكدا على المعلم خميس الاتصال به اذا ما جدت اى اخبار بخصوص زكريا..مع الحرص على إرسال مبلغ مالى كل شهر من اجل رعاية حازم..


look/images/icons/i1.gif رواية ميراث العشق والدموع موال التوهة والوجع رباب النوح والبوح زاد العمر وزواده
  09-01-2022 03:03 صباحاً   [30]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل العاشر

انقلب السجن رأسا على عقب و زادت الهمسات و الهمهمات و ساد جو متلبد بغيوم قاتمة من الصرامة و الشدة على غير المعتاد
فهمس زكريا للمعلم سيد متسائلا: - هو في ايه يا معلم..!؟..
لكز المعلم زكريا كى يصمت هامساً بحذر:- هقولك بعدين.. اصبر..
دخل الضابط المسؤول عن السجن و خلفه المأمور الجديد الذى جاء للسجن منقولا من حوالى أسبوع..
بدأت عملية التفتيش عن اى مخالفات و ممنوعات داخل العنبر..

حمل الشاوشية و الصولات ما وجدوه داخل العنبر من أمور و أدوات لا تقر لائحة السجن بوجودها داخل العنابر و تحت يد المساجين.. و خرجوا..
تنفس الجميع الصعداء ليهتف المعلم سيد لزكريا: - انت عارف يا سيدى.. الغربال الجديد له شدة.. و ده المأمور الجديد.. العميد مختار السداوى.. هيقعد كده يقرفنا تفتيش و يعمل حبة انضباط لحد ما يفك و ياخد على الجو.. و يرتاح و نرتاح احنا كمان..

اومأ زكريا برأسه متفهما و قال: - بس المأمور دِه مش زى اللى جبليه على فكرة..
هتف المعلم سيد: - و حياتك كلهم بيبقوا كده في الأول.. و بعدين خلاص..
اخرج المعلم سيد من جيبه سيجارة دفع بها لزكريا هاتفاً: - امسك.. عفر(دخن) خلينا نعدل الدماغ اللى قلبها بسلامته..

تناول زكريا السيجارة و نهض مغادراً لفراشه ووضعها جانبا حتى يجود بها على سنجأ الذى يدخن بشراهة و يعتبر السيجارة هي الهدية الأغلى و الأقرب لقلبه..

اصر مهران وبكى..ليكون له السبق في رؤية السنة الأولى التي تظهر لتسنيم.. فلطالما دفع به باسل بعيدا عن اخته الوليدة التي كانت توليها أمه الكثير من العناية و الاهتمام..و شعر معها بشعور الأخ الأكبر الذى يجب عليه حماية اخته الصغرى..

تحايلت سهام على الامر و أرسلت باسل ليحضر لها بعض الأغراض من الداخل لتسمح لمهران برؤية أسنان الصغيرة النامية
و كم اندهش و صفق بكفيه في سعادة و هو يراها تقترب من وجهه تلامسه بكلتا يديها
منغمة هتافها بحروف غير مفهومة في سعادة جعلته ينفجر ضاحكا
لتبادله الضحكات في براءة..

و لكن تظهر سندس في الأفق تحاول الاستحواذ على الصغيرة بعيدا عن مهران..
لكن لا يفلح احدهما في جذب انتباهها فقد حاول باسل حملها فصرخت طالبة البقاء أرضا ليضعها بعد ان سأم من صرخاتها و زجرته أمه.. و كذلك سأمت سندس من صراخ الصغيرة فانصرفت عنها تلهو بعدد من الأساور البلاستيكية المتعددة الألوان..التي احضرها لها ابوها..

زحفت الصغيرة حتى مهران الذى كان يجلس في نهاية الرواق يلعب ببعض قطع مكعبة الشكل يحاول ان يبنى بها بيتا.. أتت اليه فجلست بجانبه و هي تحاول هدم ما يبنيه و ما ان تفعل حتى تضحك مقهقهة تنير الضحكات وجهها البض و خاصةعندما يحاول نهرها و الحفاظ على بيته الوهمي..

اندفع زكريا كالعادة للوضوء و صلاة العصر و التي تتزامن مع وقت الراحة لكن سنجأ الذى اصبح لا يفارقه تقريبا أمهله هاتفاً: - زكريا.. على فين..!؟..
أجاب زكريا: - على الچامع ألحج صلاة العصر..
همس سنجأ بتوجس: - بلاش يا زكريا..
هتف زكريا متعجباً: - بلاش ايه يا مخبل.. بلاش نصلوا.. !!؟..

هتف سنجأ: - لااه.. مش الجصد.. بس بلاش دلوجت.. يعنى اتأخر شوية كِده.. لحد ما العيال أمات دجون دوول (المتطرفين) يخلصوا و بعدين صلى براحتك
تعجب زكريا: - ليه..!؟.. مالنا بيهم..!!؟.. هم في حالهم و احنا ف حالنا..
أكد سنجأ: - ايووه ما انى عارف.. بس المرة اللى فاتت و انا مستنيك تخلص صلاة
لجيتهم بيتودودوا (يتهامسوا) وهم بيشاورا عليك.. مخبيش عليك خفت.. جلت ابعدك عنيهم..

ابتسم زكريا و هو يربت على كتف سنجأ ممتناً: - تسلم يا صاحبى.. متجلجش..هم ايه عازتهم لواحد زى حالاتى..
وهم زكريا بالتوجه للمسجد غير عابئ بتحذيرات سنجأ الذى هتف رغما عنه: - طب متروحش و لو على صلاة الچماعة..
صمت لثوان ثم استطرد متعجلا مخافة ان يعود في كلمته: - انى هصلى معاك..
نظر اليه زكريا في فرحة هاتفاً: - صُح..!؟. هتصلى معاي..!؟..

أومأ سنجأ مؤكدا دون ان يتفوه بحرف مما دفع زكريا للربت على كتفه في سعادة و هو يقول: - طب خلاص.. هستنى و نصلوا سوا..
تهلل وجه سنجأ بالبشر عندما استطاع إقناع زكريا بتأجيل الصلاة قليلا حتى خروج أصحاب الفكر المتطرف خارج المسجد
و الذى خاف ان يحتك بهم زكريا فيسببوا له المتاعب..

ارتجف جسد سنجأ في رهبة و هو يدخل المسجد ربما للمرة الأولى في حياته مصليا لا من اجل غاية أخرى كالنوم او استخدام الحمام..
جذبه زكريا من يده كطفلا مشاكساً يتمنع و لولا وعده لزكريا ما فكر في الإقدام على تلك الخطوة..
هتف سنجأ في وجل و بصوت متقطع: - انى.. انى مش طاهر يا زكريا..
هتف زكريا: - و لا انى.. تعالى نتوضوا..

تمنع سنجأ من جديد: - مبعرفش.. و الله يا زكريا ما أعرف.. و لا اعرف كيف اركعها حتى..!؟..
و دمعت عيناه..هامساً: - واد الغازية مين هيربيه غير ولاد الليل و الهچامين و جطاعين الطرج..
و رفع رأسه باتجاه زكريا هامساً: - مين من دوول يا زكريا كان ممكن يعرفنى ربنا.!؟...

ربت زكريا على كتفه مواسيا و همس قائلا:- و ربنا بعت لك الفرصة اهااا نسبوها و لا نمسك فيها بيدنا و سنانا..
ثم غير زكريا نبرة صوته لنبرة مازحة هاتفاً و هو يدفع رأس سنجأ عاتبا: - و بعدين هو مين اللى هيعلمك دلوجت.. ده انى الشيخ زكريا الهوارى بجلالة جدره.. شيخ بتأبيدة..عايز ايه تانى يا واد..!!؟..

انفجر سنجأ ضاحكاً و هو يهتف مازحاً مدعيا الانحناء لتقبيل ظاهر كف زكريا كما يُفعل عادة مع زوى المقام العالى من المشايخ: - العفو يا سيدنا.. و احنا كنا نطول و اندفع كلاهما لمكان الوضوء ليتلقى سنجأ درسه الأول..

على الرغم من احتياطات زكريا و سنجأ للابتعاد عن أصحاب الفكر المتطرف الا ان الامر لم يكن بهذه السهولة فمن الواضح انهم عزموا امرهم و استشاروا أميرهم ليندفعوا في خطتهم لاجتذاب زكريا لصفوفهم.. تارة بدعوته للصلاة التي لاحظوا غيابه عنها و أداءها متأخر بعض الشئ مع سنجأ حتى يتجنبهم..

او حتى في أوقات الراحة العادية و التي لا يختلطوا فيها مع احد من خارج جماعتهم.. كانوا يحاولوا فيها بشتى الطرق استمالة زكريا بطيب الكلام و حلو المعاشرة لكن زكريا كان دوما لهم بالمرصاد.. لا يريد معاداتهم و لا يريد الانضمام اليهم..

فهو كل ما كان يرجوه.. ان يُظهر الله براءته ليخرج لابنه و يربيه كما يجب..
لكن يبدو انهم لهم رأيا اخر..
ففي الصباح سمع الجميع صرخاتهم وهتافهم من خلف أبواب عنابرهم التي خُصصت لهم دون غيرهم..كانوا يكبرون و يهللون في فرحة.. حتى ان جميع المساجين اندفعوا متزاحمين على أبواب عنابرهم فضولا لمعرفة سر الهتاف والتهليل..

لحظات و اندفع الصول جابر للعنبرليسأله المعلم سيد في فضول: - هو في ايه يا حضرة الصول.. العيال دى بتهلل كده ليه!؟..
هتف الصول جابر في ضيق: - هيكون ليه يا معلم سيد..!!. مجموعة من زمايلهم بره السجن قتلوا اتنين ظباط النهاردة..
هم المعلم سيد بالتعليق الا ان اندفاع الضابط و من خلفه المأمور العميد مختار جعلت الصول جابر ينتفض لأداء التحية العسكرية لتبدأ حملة تفتيشية جديدة..

انقلب العنبر كالعادة في كل حملة تفتيش رأسا على عقب.. و لم تسفر الحملة الا على سيجارة حشيش وجدها احد العساكر بين طيات فراش زكريا مخبأة بمهارة..
ليهتف المأمور: - هاتوه..

ليغيب زكريا بعدها عدة أيام خلف قضبان الحبس الانفرادي للتأديب ليصله رسالة من خلف بابه مفادها.."ان لم تكن معنا..فأنت علينا.. و اتعظ بما يحدث لك الان..هذه قرصة اُذن بسيطة...

خرج زكريا من حبسه التأديبي ليهلل كل أصحابه في عنبر المعلم سيد.. و يحتفل كالعادة.. الى ان استدعاه المأمور من جديد ليتوجس الجميع منتظرين في قلق عودة زكريا..

دخل زكريا الى مكتب المأمور مصحوبا بأحد الشاوشية الذى أدى التحية العسكرية و تركه و انصرف.. كان المأمور متشاغل ببعض الأوراق الهامة أمامه فلم يرفع راسه حتى يستطلع وجود زكريا الذى ظل واقفا في انتظار معرفة سبب الاستدعاء..
طال الصمت ليقطعه المأمور مختار هاتفاً: - انت ايه علاقتك بالعيال بتوع الجماعات دوول..!؟..

أكد زكريا: - مليش أي صالح بيهم يا بيه !؟
سأل المأمور متخابثاً: - و لا هم حاولوا يضموك ليهم..!؟..
صمت زكريا و لم يعقب.. ليستطرد المأمور: - واضح انهم حاولوا فعلا.. و احنا بقى اللى عايزين يبقى بينك و بينهم علاقة و تنضم ليهم كمان..
هتف زكريا و هو يحاول ان يكذب ما جال بخاطره: - حضرتك جصدك يا بيه.. انى..

أكد المأمور للأسف ما جال بذهن زكريا و الذى هتف مستنكرا: - يا باشا انا لا عايز اعرفهم و لا يعرفونى.. و لا يبجى بينى وبينهم اى حاچة و لا حتى انى أكون عين حضرتك وسطيهم.. لااه.. معملهاش..
صمت المأمور للحظات ليهمس حانقاً من بين اسنانه: - مش بمزاجك.. انت تنفذ و بس..

هتف زكريا: - يا باشا انا راچل مليش في المشاكل ووچع الراس دِه.. انا عندى عيل يتيم عايز أربيه.. ايه اللى يدخلنى انى في المواويل دى..!؟؟..
انفجر المأمور ضاحكاً ضحكة خشنة ساخرة:- انت عارف محكوم عليك بأيه..!؟

تأبيدة.. خمسة و عشرين سنة هنا مرمى.. ملكش فايدة و لا دية.. و تقولى عيل أربيه.. لهو انت فاكر انك خارج بكرة..!؟.. انا لما بعرض عليك انك تنضم لهم انا كده بعرض عليك فرصة عمرك هنا في السجن..تبقى المخبر بتاعنا وسطيهم و يبقى ليك حصانة و حماية مزدوجة منا عشان تفضل تنقل لنا اخبارهم و منهم طبعا لانك هاتبقى واحد منهم.. يعنى هتعيش هنا في السجن ملك..و الكل يعملك ألف حساب..

هتف زكريا رافضا: - يا بيه اعفينى انا من الحكاية دى.. و أوعدك لو عرفت حاچة تضر بالسچن و اللى فيه هاچى ابلغ چنابك بس مش عشان اكسب مُصلحة.. لاااه.. عشان دِه الصح يا باشا..

طرق المأمور على سطح مكتبه في حنق بعد ان أيقن ان زكريا غير قابل للإقناع و هتف صارخاً ينادى احد الشاوشية ليصطحب زكريا: - خد الحيوان ده أرميه في الزنزانة الانفرادي أسبوع.. يمكن يغير رأيه..
همس زكريا متمتما: - لله الامر من قبل و من بعد..

قضى زكريا الأسبوع الانفرادى في الزنزانة وحيدا.. كان المأمور يعتقد انه يعاقب زكريا بذاك الحبس الذى يُدفع فيه وحيدا بالايام و لم يكن يدرك ان الوحدة بعد وفاة بدور هي مطلبه الوحيد.. فقد كان يزوره طيفها دوما يحدثه و يستمد منها القوة ليستمر..
كان يؤدى فروضه و ينتظرها.. كان طيفها هو سلواه في عتمة الزنزانة الضيقة..

خرج أخيرا بعد انقضاء الأسبوع متوقعا ان المأمور قد اخرجه من حساباته هو وتلك الجماعة التي تهدده..
لكن هيهات.. فما ان خرج و ألتف حوله زملاؤه حتى جاءته الأوامر يوميا بأداء المزيد من الاعمال الشاقة ما بين تنظيف الحمامات تارة.. و المساعدة في اعمال المطبخ تارة.. ظنا من المأمور ان تلك الاعمال المرهقة و المقززة قد تدفع زكريا ليغير رأيه و يأتيه زاحفا طالبا بنفسه أداء المهمة التي كلفه بها و دون امتيازات حتى فقط إعفاءه من تلك المهام..

لكن ما حدث كان العكس تماما.. فكان زكريا يؤدى الاعمال طائعا لا يتزمر و لا يشكو.. وهو يؤكد لنفسه انها اهون كثيرا من الأزعان لمطالب المأمور..
جاءه سنجأ في وسط احدى تلك المهام التي يكلف بها زيادة عن كل المساجين ليقف مترددا فيلاحظه زكريا و الذى استطاع استقراء القلق البادى على محياه: - خير يا سنجأ..!؟.. جول وراك ايه..!؟..

همس سنجأ بالقرب من مسامع زكريا: - ورايا مصيبة كَبِيرَة..
ترك زكريا تلك الفرشة التي كان يدعك بها أرضية الحمام ليقف منتفضاً: - خير.. مصيبة ايه اللى عمِلتها..!؟..
همس سنجأ متلفتا حوله: - وطى صوتك يا زكريا.. و بعدين المصيبة لسه متعملتش.. المصيبة لسه هاتوجع و ربنا يسترها..
كز زكريا على اسنانه هامساً في حنق: - يا واد ما تنطج.. ايه في..!؟..
همس سنجأ: - الجماعة أياها مش ناوية تچيبها البر..
استفسر زكريا: - كيف يعنى..!؟..

همس سنجأ و هو يجذب زكريا خارج الحمامات ما ان دخل بعض المساجين: - تعالى بره و انا اجولك سمعتهم بيجولوا ايه..
هتف زكريا صارخاً في سنجأ: - يا دى المصيبة.. و مسمعتهمش بيجولوا هايعملوا الوجعة السودة دى ميتا.. !!؟..
أكد سنجأ بإيماءة سريعة من راسه: - اااه.. جالوا في حصة الراحة..

هتف زكريا صارخاً: -يا مخبل.. و احنا في حصة ايه دلوجت.!؟...ما الراحة بدأت من ساعة ما دخلت عليا تبلغنى يا فجرى..
و اندفع زكريا راكضا باتجاه الفناء الذى يملؤه المساجين و استطاع ان يميز بينهم بسهولة أعضاء الجماعة بزيهم الأبيض..
و استطاع أيضا ان تلتقط عيناه مكان المأمور الذى خرج للمرور و التفتيش كالعادة..

لمع شيء ما في عيون زكريا عندما اندفع محاولا اجتياز تلك الحلقة التي كونها أعضاء الجماعة بالاتفاق بينهم في سرعة خاطفة خلف المأمور الذى سبقه ضابط السجن لأداء بعض المهام التي كلفه بها و لم يعد يحيطه اى غطاء امنى..

تم الامر كله في لحظة ليسمع دوى طلقات و صفير العساكر و الشاوشية و تنقلب حصة الراحة الى هرج و مرج بين صفوف المساجين.. و كل ما استطاع المساجين تمييزه هو دفع العساكر بهم لداخل العنابر للسيطرة على الموقف مع سقوط زكريا بين يدى المأمور مضرج بدمائه بعد ان تلقى عنه تلك الطعنة النافذة من سلاح ابيض حمله احد أعضاء الجماعة محاولا اغتيال المأمور الوحيد من بين المساجين الذى استطاع الوصول لزكريا لانه كان في اثره من الأساس هو سنجأ الذى هتف به زكريا بوهن: - ولدى..رچعوه النچع امى تربيه..
و اسودت الدنيا امام عينىّ زكريا ولم يسمع صرخات سنجأ الذى كان ينادى بإسمه في لوعة..

نظر زكريا حوله في ذاك الظلام الدامس الذى بدأت تعتاده عيناه فلم يجد حوله ما يستدل به أين يمكن ان يكون.. لكن فجأة ظهرت أمامه.. انها هي.. بدور..
تقف على الجانب الاخر في اشراقة بددت تلك الظلمة الحالكة التي تحيط به كما هي عادتها دوما...
هتف زكريا في شوق عندما طالعه محياها:- بدورر.. اتوحشتك جووى..

هتفت بدورها و ابتسامة تكسو وجهها الصبوح: - و انت كمان.. وحشتنى قووى يا سى زكريا..
اقترب في لهفة ليضمها بين ذراعيه و يُطفئ شوق شهور مضت غابت فيها عنه روحه بغيابها.. لكنها هتفت تستمهله: - خليك عندك يا سى زكريا..
توقف بغتة متعجباً: - ليه يا بدور..!؟..
قال بلهجة معاتبة: - ايه يا سى زكريا.. انت نسيت وعدك ليا.. نسيت وصيتى ليك..!!؟.

شمله الصمت للحظات و لم ينطق لتستطرد:- حازم يا سى زكريا.. هتفوته لمين..!؟.. مش وعدتنى تخلى بالك منه.!؟.
ارجع له يا سى زكريا.. ارجع له لو لسه بتعز بدور.. خليك معاه و خليه راجل قد الدنيا ميتخيرش عن ابوه..
و لوحت بكفها و غابت فجأة مرة أخرى في طيات ذاك الظلام الذى كان يحيطهما ليصرخ هو مناديا باسمها في ترديد محموم لعلها تستجيب و تعود مرة أخرى.. و فجأة بدأت الظلمة تنقشع رويدا رويدا..

و يفتح زكريا عيونه في وهن متطلعاً حوله في تيه و لم يتناهى لمسامعه الا صوت رجولى لشخص يرتدى الأبيض.. يهتف باسمه...و أخيرا اتضحت الصورة كاملة عندما ظهر العميد مختار في مجال رؤية زكريا هاتفاً باسمه هو الاخر..
ليستفيق زكريا نوبة واحدة و يتذكر كل ما حدث...حاول ان ينهض في تثاقل الا ان الطبيب حذره: - لااا.. أوعى تتحرك ده احنا ما صدقنا انك فوقت.. ايه ده..انت كنت فين يا بنى..!؟؟..

ابتسم العميد مختار و كانت المرة الأولى التي يراه فيها زكريا يبتسم و هتف مازحاً: - يعنى يا دكتور معرفتش كان فين بعد ده كله.. !!؟...كان مع بدور.. اللى بقاله تلت أيام مبينطقش الا اسمها..
قهقه طبيب السجن بدوره.. و لم يلتفت زكريا لمزاحهم بقدر ما لفت انتباهه الفترة التي غاب فيها عن الوعى هاتفاً بصوت متحشرج واهن: - انا بجالى تلت أيام غااايب..!؟..

هز كلاهما رأسه مؤكدا.. و حاول ان يتحرك زكريا من جديد لكن ألم كتفه اليمنى الذى استشعره عند التحرك جعله يعدل عن المحاولة..
سأل زكريا موجها حديثه للعميد مختار:- هو ايه اللى حُصل يا باشا..!؟؟..
هتف مختار شارحاً: - العيال بتوع الجماعات كانوا عايزين يقتلونى و لولا تدخلك يا زكريا كنت رحت فيها فعلا..
همس زكريا: - العفو يا باشا.. لولا ربنا.. احنا مچرد أسباب..

ابتسم مختار من جديد ليهتف متسائلا: - انت بقى اللى قولى.. انت عرفت ازاى اللى كانوا ناوينه مع انك رفضت أصلا تنضم ليهم او توصلنا اخبارهم..!!؟..
قال زكريا: - الحجيجة يا باشا.. الواد سنچأ زميلى في العنبر هو اللى سمعهم و اول ما بلغنى محستش بروحى الا و انا بچرى انبهك.. و حُصل اللى حُصل..
ربت العميد مختار على كتف زكريا ممتنا و ساد الصمت لحظات ليسأل مختار متعجباً: - انت مين بالظبط يا زكريا..!؟؟..انا بقالى في الداخلية عمر بحاله.. لا قابلت و لا شفت زيك..!؟..

ابتسم زكريا للمرة الأولى هاتفاً: - ليه يا باشا..!؟؟..عااادى يعنى..
هتف مختار متعجباً: - ايه هو اللى عادى!؟.. واحد مكانك بعد اللى كنت بعمله فيه.. و القرف اللى قرفتهوله من ساعة ما وصلت و مسكت السجن.. كان اول حاجة قالها لما سمع اللى سمعته من سنجأ.. احسن.. خليهم يقتلوه و يغور..
صمت زكريا و لم يعقب..

ليهتف مختار في فضول: - انت ايه حكايتك بالظبط يا زكريا..!؟..
تنهد زكريا هاتفاً: - حكاية طوويلة جووى يا باشا.. و اكيد منتش ناجص جلبان راس..

نهض مختار يستعد للرحيل هاتفاً: - طب انا ماشى.. مش عشان قلبان الراس.. لكن عشان انت ترتاح و بكرة باذن الله هكون عندك.. انا موصى الدكتور عليك.. ولو عوزت اى حاجة اطلبها..سلام عليكم..
و اختفى العميد مختار المأمور سريعا خلف باب قريب ليترك زكريا وحيدا محاولا استعادة حواره مع بدور.. و الذى لم يتذكر منه الا وجهها الصبوح و اسم.. هو ما اصبح يربطهما الان.. حازم..

توطدت العلاقة بين العميد مختار مأمور السجن و زكريا بسرعة كبيرة.. فبعد ان سمع المأمور قصة زكريا و إنقاذه لحياته من موت محقق اصبح على يقين مطلق ببراءة زكريا من تهمة قتل السمرى..
لكن ما الذى يمكن فعله لزكريا وخاصة بعد تأكيد الحكم بالمؤبد في النقض و الاستئناف
وها هو زكريا اصبح مسجون بشكل مؤكد و رسمي .. اصبح تحت وصايته و لا يمكن ان يقدم له الا حسن المعاملة..
دخل زكريا مكتب المأمور بعد استدعاءه أياه ليدخل زكريا و يشير عليه مختار بالجلوس هاتفاً في تعجل: - بقولك ايه يا زكريا.. انت واخد شهادات ايه..!؟..

ابتسم زكريا مازحاً: - الشهادات دى اخر حاچة ممكن تكون معايا يا باشا..!!؟.. ده انى شهادة ميلادى مكنتش شفتها حتى..
ثم سخر هاتفاً: - يا باشا واحد مكنش يجدر يجول على اسم ابوه.. كان هايعرف يدخل مدارس و لا يعتبها حتى برچليه..!!؟..
هتف المأمور متعجباً: - بس انت بتعرف تقرا و تكتب يا زكريا...!؟..

أكد زكريا: - صُح ياباشا.. اهى دى واحدة من الحسنات اللى عملتها فيا امى.. لما كنت هربان مع امى وچدى بره النچع.. دخلتنى الكُتاب.. و جعدت فيه لحد ما رجعت بن اتناشر سنة لأهل ابويا بعد موت چدى أبو امى.. حفظت فيه قرآن.. و اتعلمت الجراية و الكتابة..

لكن شهادات.. مكنش ينفع.. ده انى مكنش ليا بطاچة شخصية الا لما واد عمى ربنا يمسيه بالخير هو اللى عملهالى بعد ما اعترفوا بيا..
تنهد مختار هاتفاً: - ده انت حكايتك حكاية.. بس بقولك ايه.. انت لازم يكون معاك شهادة..
قهقه زكريا: - اعمل بيها ايه يا باشا..!؟.
هو انا ضامن اخرچ من هنا من الأساس..
أكد زكريا: - هاتخرج يا زكريا..خبر ايه !؟

ده انت اللى قايل لى بعضمة لسانك انك متأكد من كرم ربنا و انك هاتخرج عشان انت برئ و عشان ابنك اللى مستنيك تربيه.. صح و لا ايه..!؟..
همس زكريا متنهدا: - و نعم بالله يا باشا..
هتف مختار في حماسة: - بص بقى..انا هقدم لك على محو الأمية عشان تاخد شهادتها و تعرف تكمل و اجيب لك الكتب
و هعرفك على كذا مسجون كده هيفيدوك جامد في المذاكرة.. و الباقى بقى عليك..
هااا.. قلت ايه..!؟..

ابتسم زكريا في سعادة: - جلت لا اله الا الله..موافج طبعا حد يرفض طلب العلم..
هتف مختار منتشياً: - اتفقنا يا صعيدى.؟؟.
و انفجر ضاحكاً و هو يمازح زكريا هاتفاً: - و الله لأفضل وراك يا زكريا لحد ما تبقى دكتور..
هتف زكريا مازحاً و هو يغادر في سعادة: - اتفقنا يا باشا.. هو انا اجدر اكسر أوامر الحَكومة.. و الله و هاتبجى داكتور يا زكريا
..ليعاود العميد مختار قهقهاته..

هتف عاصم و هو يهبط الدرج: - يا ام سعيد !؟.. ظهرت المرأة في ثوان ملبية: - نعم يا عاصم بيه..!؟..
سال عاصم: - حضرتوا الزيارة اللى بنبعتوها لزكريا كل أسبوع..!؟..
أكدت المرأة: - أُمال ايه يا عاصم بيه.. اساسى.. ده انى ونچاة مرت ولدى واجفين نحضروها من الفچر..
ابتسم عاصم: - تسلمى يا ام سعيد..

وصل عند مجلس الحاجة فضيلة و التي كانت تتناول فنجان قهوتها في استمتاع لينحنى يقبل جبينها هاتفاً في محبة: -صباح الخير يا حاچة.. برضك بتشربى جهوة و الداكتور محرچ عليكى عشان ضغطك ميعلاشى..

ابتسمت الحاجة فضيلة: - صباح السعادة يا نور عينىّ..جولى بجى مين بياخد على كلام الدكاترة.. !!.. متكليشى.. متشربيشى..
يعنى كلنا و شربنا طول عمرنا هايجوا يحرموا الاكل و الشرب دلوجت و احنا خلاص بناخد نفسنا من الدنيا..
هتف عاصم بضيق: - وااه يا حاچة.. ليه السيرة دى ع الصبح.. ربنا يبارك لنا ف عمرك..
ابتسمت فضيلة لخوف ولدها عليها و هتفت متسائلة: - هي زهرة لساتها نايمة..!؟؟..

أكد عاصم: - اه.. العيال طلعوا عينها عشية..و راس كل واحد فيهم انشف من الحچر و مرضيش ينام..
انفجرت الحاجة فضيلة ضاحكة: - مش جيبينه من بره.. عنلوم عليهم ليه..!؟..
شاركها عاصم قهقهاتها و استرعى انتباهه زهرة التي تهم بنزول الدرج و هي تحمل اطفالها.. اندفع يصعد الدرج ليقابلها في منتصف المسافة حاملا عنها سندس هامساً في مشاكسة: - اتوحشتك..

نظرت اليه نظرة معاتبة و هي تهمس: - اه صحيح.. بأماره ما قلت لك هنيم الولاد و أجيلك.. طلعت عينى معاهم و في الاخر ادخل الاقيك بتشخر و في سابع نومة..
امسك ضحكاته و هو على وشك الوصول لمجلس امه هامساً: - هعوضك..
هتفت زهرة تتصنع انها لم تسمع وعده عندما وصلت لمجلس خالتها: - صباح الخير يا خالتى..
هتفت فضيلة: - صباح الخير يا عيون خالتك.. ايه..!؟.. عذبوكِ العيال دوول.. عاصم جالى..!؟..

تنهدت زهرة: - اه و الله.. دماغهم مصفحة و مفيش نوم خاالص..
انفجرت فضيلة ضاحكة: - دماغهم مصفحة زى ابوهم..
همست زهرة بنبرة ساخرة بجوار اذن عاصم: - يا ريتهم زى ابوهم.. كانوا ناموا و سابونى.. زى كل مرة اروح انيمهم فيها..
امسك ضحكاته و هو يقذف سندس للهواء متلاعبا بها و معها.. و نظر الى زهرة نظرة جانبية فهو يعلم انها على حق.. فمنذ ولادة توأمهما و هي تنشغل معهما و هو مع ازدياد الأشغال هنا وهناك يصل للسرايّ و هو في قمة الإرهاق غير قادر على البقاء معها كما السابق و التمتع بصحبتها..

ترك سندس من يديه ارضا و التي تزمرت بدورها لان ابيها كف عن لهوه معها حمل مهران مداعبا لينال نصيبه من مداعبات ابيه.. دقائق و اندفع ناهضاً في تعجل: - انا جايم اتسبح و اروح اشوف حالى..
هتفت امه: - ايه.. مش هاتفطر..!؟؟..

رد عاصم: - حضروا الفَطور على بال ما انزل..ثم هتف وقد وصل لاعلى الدرج: - زهرررة.. تعالى اكويلى چلبيتى اللى هرخچ بيها..
هتفت فضيلة: -جومى يا بتى ورا چوزك..و العيال معايا متجلجيش عليهم..
أومأت موافقة و صعدت الدرج خلف عاصم و ما ان همت بفتح الباب حتى فُتح فجأة لتجذبها كفه للداخل ويغلق الباب خلفها..
اخذها بين ذراعيه هامساً بمشاكسة: - مش جلت هعوضك.. و انا بحب اخلص ديونى اول بأول و ميبجاش ليا دين على حد..
انفجرت ضاحكة: - يا أبو مهران يا حقانى..
شاركها ضحكاتها و هو يأسرها بين ذراعيه..

صرخ سنجأ مهللاً و هو يحتضن زكريا في سعادة: - الف مبرووك يا هوارى.. و الله و خدت محو الأمية و بجيت من بتوع الشهادات..
انفجر زكريا مقهقها: - وااه.. شهادات مرة واحدة.. دى محو الأمية يا فجرى اومال لو خدت اللى بيجولوا عليها دى..ال.. داكتوراه عاتعمل ايه..!؟..
قهقه سنجأ: - المهم انك نجحت ولازماً نهيص النهاردة.. و المعلم سيد ما هيصدچ
هتف زكريا: - خليها على المرة دى.. انا جيالى الزيارة اللى بتاجينى من البلد كل سبوع..

هتف سنجأ مهللاً من جديد: - الله اكبر.. يبجى ظفر(لحوم ) للصبح يا هوارى..
قهقه زكريا و هو يربت على كتفه دافعا أياه في محبة: - ايوه يا فچعان.. روح چمع الناس عجبال ما اروح استلم الزيارة و اجيكم
خلى الناس تاكل و تفرح..
اندفع سنجأ كالريح هاتفاً: - هوا.. ده الكل هياكل و يدعيلك..

ابتسم زكريا في أعقاب سنجأ وهو يتوجه لمكتب المأمور محييا ليستلم تلك الزيارة الغذائية التي تأتيه كل أسبوع من النجع..
تنهد في شوق الى امه و طعام امه و شكر سرا في امتنان عاصم بن عمه الذى ما نسيه في مرة قط منذ دخل السجن منذ اكثر من عامين و لم يخلف موعد إرساله الزيارة في اى وقت و مهما كانت الظروف..

صرخات رجت أركان الحارة و هرج و مرج.. هتفت نعمة متوجسة و هي تندفع للشرفة تستطلع الامر: - سترك يا رب..
أوقفت نعمة احدى السيدات القادمة من أتجاه الصرخات تضرب كف بكف متحسرة لتسألها في فضول: - ايه اللى جرى يا خالة..!؟.. مين اللى بيصرخ كِده..!؟..
هتفت السيدة المسنة في حزن: - دى البت صباح بت مرعى.. الواد حينش جوزها رمى عليها مية نار و جرى..
هتفت نعمة متعجبة: - هم مش كانوا بيقولوا أطلقت منه..!؟.. عايز منها ايه بقى..!؟..

هتفت السيدة: - لا مطلقهاش.. و الظاهر لما عرف ان مفيش فايدة و هي مش عايزة ترجع له.. راح قال يا تبقى ليا يا متبقاش لغيرى.. حرق وشها منه لله البعيد..
همت نعمة بالرد لكنها لمحت المعلم خميس يقترب من منزلهما لتشكر السيدة و تدخل لتستقبله على الباب..
لحظات و ظهر امام عتبته لتبتسم له في سعادة و هو يدخل متمدداً على الأريكة هاتفاً:- ازيك يا نعمة.. حضرتى الغدا يا قمر..

أكدت باسمة: - اه يا معلم هو انا اقدر أتأخر.. عارفة انك راجع تاكل و تأيل(تنام) شوية قبل ما ترجع القهوة تانى..ألا قولى يا معلم..ايه اللى هببه حينش ده.. صحيح رمى مية نار على البت صباح..!؟..

هتف مؤكدا: - يووه.. دى الدنيا كانت والعة قدام بيت مرعى.. البت كانت خارجة من بيت ابوها راح ده مستنيها و عمل عملته و طلع يجرى.. والبت اهى ربنا ينجيها بقى.!؟..
تحسرت نعمة: - ياما حذرناها من الواد حينش ده.. و ابوها مكنش راضى بيه قبل ما يقول عليها السمرى..و برضة رجعت له تانى..ربنا يسترها على ولاياه...
ساد الصمت للحظات قبل ان ينهض خميس ليبدل ملابسه ليتوقف أمامها مستفسراً:- امى غدتيها..!؟..و الواد حازم..!؟..

أكدت من جديد: - اُمال يا معلم.. دى اول واحدة بحط لها تاكل و بأكلها بايدى كمان..
انا عارفة ان صحتها على قدها و عشان تاخد دواها ربنا يشفيها..وحازم نايم..يصحى و أكله..
اقترب منها خميس هامساً: - و الله انت نعمة يا نعمة..
توردت خجلاً هامسة: - تسلملى يا معلم ربنا يخليك ليا..

و دفعت به لحجرتهما هامسة من جديد عندما بدأ في مغازلتها: - معلم.. العيال هنا.. ادخل بقى غير هدومك على بال ما احط الاكل..
جذبها اليه هامساً من جديد في نبرة مشاغبة قاصدا تقبيلها:- طب شفطة عناب صغيرة..!؟..
قهقهت هاتفة: - هو في حد بيحلى قبل الاكل يا معلم.. !!!...
شاركها قهقهاتها و هو يندفع لغرفته لتبديل ملابسه..

دخل عاصم غرفته ليجدها مظلمة مما يعنى ان زهرة قد غطت فى النوم منذ فترة.. ليس من عاداتها ان تنام قبل رجوعه للسراىّ لكن احيانا يغلبها النوم بسبب صراعها اليومي مع سندس و مهران و قد اضحى كلاهما فى الرابعة من عمره تقريبا..
تنبه لجسدها الممدد على جانب الفراش الخاص بها دخل الحمام يلقى تعب يومه تحت رذاذ المياه ليخرج ليتمدد على طرفه من الفراش فى هدوء كى لا يوقظها..

لحظات مرت و اخيراً سمع صوتها هامسا: - عاصم.. انت صاحى..!؟..
انتبه لهمسها ليقترب من جانبها محيطا إياها بذراعه هاتفا فى شوق: - كنت فاكرك نايمة
همست نافية ؛- لا مكنتش نايمة.. بس كنت بفكر..
كانت لاتزل توليه ظهرها فاستدارت بجذعها و نظرت اليه هامسة: - كنت بفكر فيك..
همس بدوره فى سعادة و هو يضمها اليه اكثر: - كيف يعنى بتفكرى فيا..!؟..

نظرت الى عمق عينيه هامسة: - كنت بفكر فى رد فعلك.. يا ترى هاتعمل ايه..!؟..
نظر اليها متحيرا: - هعمل ايه فى ايه !؟..
همست بصوت متردد النبرات: - لما تعرف ان الهوارية هيزيدوا واحد..
هتف فى سعادة مصححا: - لاااه.. جصدك التهامية.. ما امى جالتلى على حمل سهام.. ربنا يجومها بالسلامة..
هتفت و قد استدارت بكليتها تجاهه و أمسكت بكفه تضعها على بطنها: - لااا.. الهوارية يا عاصم.. انا كمان حامل..

و ابتسمت محاولة تلطيف الأجواء بعد تصريحها الذى على ما يبدو لم يستوعبه عاصم بعد لانه لم يأتِ بأى رد فعل و هتفت: - و يمكن يكون أتنين.. الله اعلم..
لازال الصمت هو رد الفعل الوحيد من جانب عاصم و هو يضع يده على بطن زهرة و ينظر اليها شاردا
ليهمس اخيراً فى هدوء: - أنتِ متأكدة.. !؟
اومأت برأسها ايجابا لتؤكد انها بالفعل حامل و قد تأكدت من ذلك..
همس فى شرود مجددا: - مبرووك..

و طبع قبلة باهتة على جبينها قبل ان يستدير موليا ظهره لها متصنعا النعاس..
ظلت هى على حالها للحظات متعجبة من ردة فعله لا تعرف ما يجب عليها صنعه فى تلك الحالة.. فدوما كان رد فعل عاصم صريح وواضح.. اما الرفض التام و توضيح ذلك أو القبول بالأمر فى سعادة و رضا.. اما رد الفعل المتأرجح هذا ما بين الرفض و القبول لا تعرف كيف يمكنها التصرف حياله..

تمددت بدورها مولية ظهرها تفكر.. و اخيراً انار عقلها خاطر ما قد يكون هو السبب فى رد فعله العجيب .. و تساءلت.. هل يمكنه ان يكون معتقدا فى تعمدها الحمل دون ان تستشيره..!!..
لما لا..!؟.. و قد يكون هذا السبب هو ما جعله يستقبل الخبر بهذا البرود الذى لم تعهده من قبله..

استدارت فى هدوء و هى على يقين انه لم ينم بعد لتقترب من ظهره هامسة بالقرب من أذنه مؤكدة: - على فكرة يا عاصم.. الحمل حصل من غير تعمد منى.. انا مكنتش ممكن اقرر حاجة زى دى من وراك.. و من غير علمك أو مشورتك.. دى هدية من ربنا.. تصبح على خير..
و ابتعدت مرة اخرى لجانبها من الفراش ليتنهد هو فى محاولة للراحة و السكينة..

بالفعل هذا ما جال بخاطره.. هى لم تستشره فى امر كهذا.. كيف لها ذلك..!؟.. لقد اعتقد انها ربما شعرت بالغيرة من سهام..كمعظم النساء.. و انها ما ان سمعت بنبأ حملها الثالث حتى أسرعت تقلدها رغبة فى الإنجاب الذى كان يعلم تطلعها اليه فى شوق مرة اخرى.. و تعلم أيضا ممانعته خوفا و رعبا عليها..
الان.. هو لا يستطيع الاقتراب منها ليطيب خاطرها لردة فعله الباردة لانه سيؤكد لها صحة معتقدها الذى همست به فى أذنه منذ دقائق و فى نفس اللحظة لا يستطيع ان يتركها تنام هكذا و هى تشعر بالحزن و القهر..

زفر من جديد و اخيراً نهض من الفراش ينفض جلبابه فى ضيق تاركا الغرفة بأكملها ظلت تتقلب الليل بطوله على جمر حتى عاد قبيل الفجر فتصنعت النوم عندما شعرت بدخوله الغرفة اقترب منها فى هدوء و انحنى يقبل جبينها و يملس على بطنها برفق حتى لا يوقظها.. و اخيراً أستدار ليتمدد بجوارها و يغط فى نوم عميق لتبتسم هى و تتبعه لدنيا الأحلام..

لتنهض على جلبة قادمة من الناحية الخلفية للسراىّ و صوت زغاريد ترتفع هنا و هناك..أستبشرت خيرا و تجهزت لتندفع فى سرعة لترى ما يحدث بالأسفل..
ما ان طالعتها خالتها حتى هتفت فى سعادة: - الله اكبر.. ربنا يحرسك يا بتى..
ابتسمت زهرة و هى تقبل رأسها: - ربنا يخليكى يا خالتى.. بس خير ايه الدوشة دى و الزغاريد دى كلها على الصبح..!؟.

ابتسمت الحاجة فضيلة فى سعادة: - يعنى منتيش عارفة عاصم.. اول ما عرف بحملك جام من الفچر و چهز الدبايح.. جال لله.. عشان الغلابة تاكل..فرحان بحملك..عجبال ما تجوميلنا انت و سهام بالسلامة..
همست فى سعادة: - صحيح..!؟..
اكدت الحاجة فضيلة مقهقهة: - ايووه.. امال دى كله ليه..!؟.. عشانى..!؟.. عجبال ما تچيبوا دستة...

ابتسمت زهرة هاتفة: - بس هو يرضى.. و يدينى فرصتى..
قهقهت فضيلة هاتفة: - خايف عليكى يا حبيبتى.. اصلك أنتِ حملك واعر..و ولادتك أوعر.. دِه يوم مهران و سندس و الله كان هيمسك السما بيده من جلجه عَلَيْكِ ابتسمت زهرة فى سعادة و لم تعقب ليدخل عاصم منتشيا ينظر اليها فى فرحة و قد ايقنت من نظراته انه يطيب بخاطرها بعد ما فعله بالامس..
اتسعت ابتسامتها و هى تتطلع اليه مؤكدة انها قبلت منه اعتذاره العملى كالعادة..

دخلت نعمة تحمل حازم البالغ من العمر ثلاث سنوات تقريبا الى حجرة المشفى القابعة بها صباح بعد ان نجت من فعلة حينش الحقيرة.. ابتسمت عندما طالعها مرأى نعمة وحازم على ذراعها هاتفة في سعادة: - اهلا يا نعمة.. و الله فيكِ الخير و جاية تطلى عليا..

هتفت نعمة و هي تجلس على الكرسى الملاصق للفراش و تضع حازم على فخذها:- الله..هو مش احنا جيران وولاد حتة واحدة و لا ايه..!؟.. ربنا يشفيكِ و يجازى اللى كان السبب..

بكت صباح في لوعة و هي تحكم غطاء رأسها حول رقبتها و جانب وجهها المصاب حتى لا يظهر ذاك الجزء المشوه من رقبتها و اعلى صدغها فعلى الرغم من انها استطاعت ان تضع حقيبتها في مقابل وجهها تتفادى ما ألقاه حينش من مادة حارقة باتجاهها الا انها وصلت لما أسفل اذنها اليمنى وجانب وجهها و اعلى الرقبة..

لحظات مضت من الصمت حتى تمالكت صباح نفسها و نظرت الى حازم هاتفة بصوت متأثر: - هو ده بن بدور..!؟.. الله أكبر عليه يشبها كتير..
ابتسمت نعمة و هي تقبل رأس حازم القابعة في وداعة بأحضانها: - اه.. هو يا حبة عينىّ.. بن زكريا و بدور الله يرحمها..

انفجرت صباح باكية بشكل مباغت جفل منه حازم و تعجبت له نعمة التي همست بتعاطف: - خلاص بقى يا صباح.. سلمى امرك لله.. ده ربك قدر و ستر..
هتفت صباح في لوعة و بنبرة تحمل الكثير من الشعور بالذنب: - انا السبب ده ذنب ربنا بيعاقبنى باللى حصل لى ده.. انا عارفة..
هتفت نعمة مستفسرة:- ذنب ايه بعد الشر !؟.
استهدى بالله كده..

استطردت صباح كأنها لم تسمع نعمة و كانها تلقى بحمل ظل لسنين جاثم على صدرها: - حينش هو السبب.. منه لله..
بعد كتب كتابى على السمرى بليلتين..يوم ما حصلت الحريقة في قهوة المعلم خميس و لقوا زكريا سايح في دمه.. لقيت حينش جايلى بيت ابويا و بيدينى كيس سلمهولى بسرعة و قالى ده أمانة عندك لحد ما اطلبه..طبعا كنت خايفة حد يشوفنا خدت منه الكيس و وانا بخبيته زى ما قالى فتحت الكيس اشوف فيه ايه اتسرعت و قفلته بسرعة.. لقيت سكينة عم طايع بتاع البطيخ..

شهقت نعمة و قد استنتجت الباقى و لكنها لم تقاطع صباح التي أكملت مأخوذة بالراحة التي غمرتها جراء اعترافها: - قبل ما يتقتل السمرى بكام ساعة.. عدا عليا حينش و خد الكيس.. خفت و قلت له هاتعمل بيها ايه السكينة دى..!!؟.. قالى انت مش هتكونى لغيرى و لو حصل ايه..!؟.. و خد الكيس و اختفى.. و صحينا على الصريخ و خبر موت السمرى مقتول في شقة الانس بتاعته..

بعد فترة كده و لما اطمن حينش ان زكريا لبس القضية و هرب كمان..ظهر و أتقدم لى.. و اتجوزنا.. و كانوا اسود سنتين في حياتى كلها..و أدى اخرتها..منه لله..
مش هرتاح الا لما اشوفه متعلق في حبل المشنقة..
بكت نعمة بفرحة غير مصدقة هاتفة: - انت لازماً تشهدى بالكلام ده عشان زكريا يخرج منها.. عشان خاطر ابنه و تكفرى عن اللى عملتيه فيهم..
ترددت صباح: - بس انا خايفة يا نعمة.. دوول حتى لسه ممسكهوش حنيش..

هتفت نعمة مشجعة: - خايفة من ايه..!؟.. محدش هيعرف الكلام اللى انتِ قولتيهولى ده..و متعرفيش حد بيه الا لما يمسكوه.. ساعتها تبقى اطمنتى انه ميتعرضلكيش تانى و تبقى انتقمتى منه على اللى عمله فيكِ و رجعتى لابن بدور حقه بخروج ابوه بالسلامة..

هتفت صباح: - طب خلاص.. على قولك استنى لما يتمسك عشان اضمن انه ميخرجش منها الا على المشنقة.. بس انت أوعى تجيبى سيرة و الكلام يتنطور..
أكدت نعمة بثقة: - و لا هفتح بقى لمخلوق.. كلتاهما كانت تعتقد ان كلامهما لا يسمعه احد غيرهما و لم تكن تعى اى منهما ان هناك من كان يسترق السمع على عتبة باب حجرة صباح دون ان يلحظه احد..

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 5 من 36 < 1 7 8 9 10 11 12 13 36 > الأخيرة





الكلمات الدلالية
رواية ، ميراث ، العشق ، والدموع ، موال ، التوهة ، والوجع ، رباب ، النوح ، والبوح ، العمر ، وزواده ،











الساعة الآن 06:19 PM