رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس والعشرون
كانت خلود تنظر له بعدم تصديق.. ولكن وكأن الرغبة التي تلمع بعيناه، والموجات التي تفيض عشقًا من عيناه اكدت لها ما قاله! شعور اجتاحها أن الهواء يُسحب منها تلقائيًا كلما شعرت بيده تبعث بملابسها! حاولت النطق وهي تمنعه: مراد ماينفعش نظر لها اخيرًا ومن ثم قال بأنفاس لاهثة: لية ماينفعش، ماينفعش ان جوازنا يبقى كامل حاولت ابعاده عنها وهي تهمس: مش هقدر.
مد يده يحسس على وجنتاها بحركة دائرية، حركة اذابت كل مقاومتها لتبتلع ريقها بازدراء محاولة الابتعاد... لمساته لها تأثير خاص عليها.. ليقول بعدها بهمس مماثل: مش هتقدري لية، انا بحبك ومتأكد إنك بتكني لي مشاعر ولو اعجاب هزت رأسها نافية لتقول ببعض الضيق: أنت مابتحبنيش، أنت بتحب ليلى فيا كز على أسنانه بغيظ.. غيظ حقيقي من استقبالها لمشاعره على وتيرة الكذب!
هو يشعر، شعوره معها مختلف عن شعوره ب ليلى، دقاته التي تتراقص على نغمة صوتها الرقيق لم تكذب! انفاسه التي تضطرب من اقترابها المشتاق لم تكذب! وقلبه الذي يضخ الان بعنف لا يكذب! اقترب منها مرة اخرى ليقول امام شفتاها بما جعل قلبها يهلل فرحًا: أنا بحبك أنتِ، أنتِ وبس، بحب عنادك واعتراضك، بحب جنونك، بحب حبك لأهلك، بحب كل حاجة فيكِ نظرت للجهه الاخرى لتردف متلعثمة: طيب ط طب خلاص نعمل اشهار، ونتجوز.
اومأ ليقول مسرعًا: صدقيني هنعمل اشهار وفرح وهنعرف الدنيا كلها إنك بقيتي ملكي أنا بس اقترب اكثر ليقبل رقبتها البيضاء، وكأنه يصك ملكيته المؤكدة لها.. لتغمض هي عينيها بارتعاشة لم تستطع اخفاؤوها.. فأمسك بيدها لينظر على عيناها مرددًا بحالمية: أفتحي عينك، بصي لي فتحت عيناها ببطئ لتطل عليها بنظراتها المتوترة، مقابلةً بنظراته التي غُلفت بالعشق الخالص فقالت بسرعة: طيب بعد الأشهار ظل يقبل كل إنش في وجهها وهو يهمس:.
أوعي تبعدي عني مهما حصل وبتلقائية.. تلقائية اكتسبتها مؤخرًا من لمساته وهمساته التي تثير فيها شعور لا تعرف له تفسير حاليًا! اجابته: مابقاش ينفع أبعد عنك وصل لشفتاها فلم يتمالك نفسه وقبلها قبلة اذابت ما تبقي من مقاومة لها.. وكانت كالتواصل الخفي بينهما، فرفعت يدها لتحيط رقبته وهي تبادله قبلته! فنظر لها مذهولاً للحظات.. قبل أن يقول بسعادة: أنا بعشقك مش بس بحبك!
واحتضنها مقبلاً عنقها بسرور لم يخفى من لمساته وكلماته العاشقة التي املاها عليها.. ليغرقا معًا في عالم اخر، عالم للعاشقين وإن كانا لم يعترفا حتى الان!
إنتهت شمس من اعداد ملابسها، تنهدت تنهيدة طويلة حارة.. تنهيدة تحمل الكثير في طياتها... هي لا ترغب في هذه التغييرات التي تحدث فجأةً ولكنها لا تستطيع تقبله هكذا بعد كل ما حدث! لا تستطيع التجاوز معه وبأرادتها ابدًا! جروحها وإهاناتها التي تفنن بها فيها ومن دون سبب واضح لم تشفى بعد.. عند اقترابه منها تحيط بها هالة من الاستسلام - اللعين - ولكن دائمًا عقلها يعذبها باللوم على ذاك الاستسلام القهري!
ويزيد عليها كل هذا، موت والدها الذي لا تنساه ابدًا.. تحاول اللهو بأي شيئ ولكن الالم بالتذكار لا يتركها ابدًا! بدلت ملابسها وانتهت لتخرج من الغرفة متجه له.. وظلت مترددة من تجاوز تلك الغرفة.. تلك الغرفة التي تتأكد هي إنها إن تجاوزاتها لن تخرج منها إلا بعدما يعذبها باستسلامها المخزي مرة اخرى! بينما هو كانت افكاره متلاطمة.. لأول مرة يشعر بهذا التخبط بين افكاره و، قلبه! قلبه الذي يشعر به عاد للحياة مرة اخرى!
وللحق هذا لا يعجبه، ابدًا! وسالت ذكرياته لتبرر له انجذابها لها ولو قليل... فلاش باك جلس في منزل مروان بجواره - صديقه - واخيه المعنوي الذي لا يخفي عنه شيئ.. مدد جسده على الأريكة ووضع يداه خلف رقبته ليظل محدقًا بالفراغ، ليسأل مروان مباشرةً: عملت أية في اللي قولتلك عليه يا مروان؟ سأله مروان بعدم فهم: اية هو؟ اجابه بنفاذ صبر متوجسًا: الصور اللي اديتهالك يا مروان تشوفها حقيقية ولا لا اية اللي حصل فيها؟
اومأ مروان ليقول بعدها بثقة: يابني عيب عليك، قولتلك الصور فيك تبقى فيك جحظت عيناه بصدمة! وجهر قلبه بانتصار فرح.. ليسأله بعدها مرة اخرى ببلاهة: يعني اية؟ اجابه وهو يرفع كتفيه مرددًا بهدوء: يعني الصور مش حقيقية، كلها فوتوشوب هز رأسه نافيًا ليردف بعدم تصديق: إزاي! نظر له بجدية ليتابع: زي السكر في الشاي، اللي عمل الصور دي خبير، مش اي حد يعرف انها فوتوشوب كز على أسنانه بغيظ ليهمس بعدها بغضب: يابن الكلب.
فغر مروان فاهه ليسأله مستفهمًا: هو مين ده؟ انتبه مالك له مصححًا: لا مفيش مش حد سأله مروان بتصميم: لا في ويلا احكي لي كل حاجة براحة بينما مالك كان في عالم اخر! عالم فيه الندم فقط وهو يتذكر كل ما فعله معها! هو تزوجها لأرضاء غروره وكبرياؤوه الذي تهاونت فيه هي، ومن اجل اذلالها! ولكن الان الان كل خلاياه تهلل داخليًا من السعادة، ولكن عقله منصدم بخزي من نفسه!
كل حروفه التي كانت تقطر سمًا وهو يلقيها بوجهها الان يشعر به تعود لحلقه مرة اخرى قاتلة اياه هو! ولكن، من الان وصاعدًا لن يبتعد عنها، ابدًا، والسبب مجهول! باك زفر بقوة ثم اذن لشمس التي طرقت الباب بالدخول: أدخلي دلفت شمس بتردد لتهمس ولم ترفع عيناها: انا خلصت اومأ وهو يشير لها أن تقترب: تعالي يا شمس ظلت تنظر له بتردد، شيئ ما لا تعرفه فين تلك العينان التي يغلفها العطف و، الحنان يجذبها كالمغناطيس له!
وذبذبات في عقلها تحذرها من ذاك الاقتراب! وفي النهاية استسلمت كالعادة معه واقتربت منه ببطئ.. ليبتعد قليلا يفسح لها طرف الفراش مشيرًا: ممكن تنامي في حضني الساعة دي، بأرادتك؟ حروفه ولأول مرة ليست كالنيران لتحرقها، وإنما يكسوها الحنان والهدوء الغير معتاد! وكلماته لمست قلبها الذي يرتجف حرفيًا! أسبلت اهدابها وهي تسأله ببلاهة: لية! واجابته ايضًا كانت تلقائية: عايزك.
ولكنها سقطت على اذنيها كصوت الرعد وفهمها كان كالبرق على عقلها في سماء حيرتها وخوفها الحالية! لتحدق به متحدية ولأول مرة منذ التقاءهم ليسارع مبررًا: قصدي عاوزك جمبي، أنا مش هاجي جمبك إلا بأرادتك ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تراه يقربها لتنام بجواره برفق بدءت تقلق منه! ليدفن رأسها في صدره العريض يستنشق رائحة شعرها الجذابة اسفل حجابها.. صوت دقات قلبه الحائرة اخترقت اذنيها!
وشعرت بقشعريرة تسري في جسدها وهو يبدء بخلع حجابها الصغير.. حاولت الاعتراض وهي تبعد يده: متخافيش كُتمت انفاسها وهي تحاول بث الطمأنينة في نفسها من كلماته.. وصدق عندما شعرت بيده تدلك منابت شعرها الاسود.. اغمضت عيناه لتشعر بالاسترخاء، لتسمع صوته الرخيم: تصدقيني لو قولتلك إني مش عارف أنا اتجوزتك لية! رفعت عيناها لتنظر له مباشرةً بعدم فهم ليتابع بابتسامة:.
تقريبًا إنتِ ادتيني السبب دلوقتِ، عنيكِ دي هي السبب اكيد ضحك قليلاً ثم صمت ليكمل بشرود: كنتِ عجباني وعرضت عليكِ، بس إنتِ رفضتي، الجزء المغرور جوايا سيطر عليا، إزاي حتت بت تقولي انا اللي البنات كلها تتمنى تبقي تحت رجلي لا!، عرفت إن يمكن الجواز هو اللي هيخليكِ راضية، واتجوزتك على الاساس ده، كان ممكن اخدك غصب عنك وإنتِ اللي تترجيني اتجوزك ليمسك يدها مشددًا على قبضته قليلاً وهو ينظر لها هامسًا:.
بس أنا مش وحش للدرجة يا شمس، أنا كنت عايزك راضية وموافقة وسؤال واحد كان يرتكز بعقلها الان لمَا يقص عليها الان؟! وكأنه قرأ افكارها فأجاب هادئًا: صدقيني انا مش عارف لية بقولك كدة، بس حسيت إن لازم اقولك كدة عقدت حاجبيها لتقول بتلقائية: احيانًا بحس إنك عندك شيزوفرينيا! قهقه بمرح قبل ان يشدد من احتضانها قائلاً بحزم: نامي يا شمس عشان نلحق نمشي قبل ما يجوا، هننام عشان هنسافر بالعربية عشان ماعملش حادثة وانا سايق.
لتبتسم نصف ابتسامة على جملته، وتضع رأسها على صدره بأريحية.. لتنام بجواره لأول مرة، بارتياح عارم!
كان تامر يجلس على احدى الكراسي الخشبية، تحديدًا في احدى الكافيهات المعروفة في منطقة ما.. ينظر ل صافي الجالسة امامه بهيئتها المعتادة! واخيرًا قطع الصمت بصوته الأجش وهو يقول: خايف اكون اللي عملته غلط يا صافي هزت رأسها نافية لتجيبه بخبث: لا معملتش حاجة غلط صدقني نظر للأرض بخزي وقد بدء شعور بالضيق والحزن يتدفق داخله ومن ثم همس: لما اخلي واحد يتجوز اختي عشان انتقم منها ابقى غلط صرخت فيه بحدة مغتاظة:.
لا مغلطتش، هي دي اللي فرقتنا وبعدتنا عن بعض وخلت بابا عاوز يجوزني لابن صاحبه وانا وانت مش عارفين نتجوز لحد دلوقتِ صمت برهه تسترجع هدوءها لتتابع: ثم إنك مغلطتش يا تامر، ده ظابط ومعروف انه ابن ناس، بعني انت ماجوزتهاش لقتال قتلة! نظر لها بهدوء زافرًا وهو يحاول اقناع نفسه بما حدث.. هي من جعلت حبيبته تبعد عنه طوال هذه السنوات! لتتحمل النتيجة اذًا! استفاق على صوتها المتساءل: لكن انت وصلت لمراد ازاي يا تامر؟
اجابها وهو يرفع كتفيه بلامبالاة: عادي ماتنسيش اني كنت مراقب خلود، وبما انه هو شاكك انها تبع عصابة، خليه يشك اكتر بقا ابتسمت بانتصار لتقول بفرح ؛ يلا اهو نفذنا اللي احنا عاوزينه وخلاص سألها بجدية مستفهمًا: هتعملي اية مع العريس بقا؟ بدء الارتباك يفترش على ملامحها، لتجيبه بعدها متلعثمة: سيبك من السيرة الفقر دي، المهم قولي ازاي امك سايبة خلود هز رأسه نافيًا قبل ان يشرح لها:.
مين قالك إنها ساكتة اصلاً، دي راحت لها مرة وكانت هتجيبها بالعافية بس عرفت ان مراد هددها انه هيبلغ البوليس بما انه جوزها قانونيًا، وحاولت تروح تاني، وكل مرة انا بقنعها بالعافية انه ظابط يعتبر ولو راح يبلغ هيبقى هو المستفيد اكيد ابتسمت لتقول بهدوء شابه الخبث: تمام اوي!
وصلت زينة لمنزل زياد بأقل من ساعة، كانت تقود بسرعة فائقة... ولكن الان ما تسعى له اهم من حياتها نفسها! طرقت الباب بسرعة لتجده يفتح لها بهدوء ليصعق من هيئتها الغير مهندمة على غير عادتها! افسح لها الطريق ليقول بخشونة: خشي يا زينة دلفت وهي تدعك رأسها بطريقة مثيرة للشفقة ليمسك يدها مهدئًا ؛ زينة اهدي، إنتِ لازم تسيطري على نفسك هزت رأسها نافية لتقول بأرهاق: حاولت لكن مش قادرة حاسه إني هموت.
هز رأسه نافيًا ليقول بتصميم: لو مابطلتيش بمزاجك يبقى هتبطلي غصب عنك إتسعت حدقتا عيناها وهي تسأله بصدمة حقيقية: قصدك إية؟ رفع كتفيه ليقول بلامبالاة مصطنعة: زي ما سمعتي، يعني أنا مش هديكِ أي مخدرات، ومش هتاخدي أي حاجة حتى لو اضطريت احبسك والصدمة تتجسد امامها فعليًا! ألم يكن هو من فعل بها ذلك!؟ ألم يكن هو من يستخدم أفضل الطرق لينتقم منها! ماذا عساه يفعل! تبدل الأنتقام لشعور اخر يجتاحه بجوار، الندم؟
هزت رأسها لتقول بهيستريا وهي تضربه في صدره: أنت مالك، ملكش دعوة بيا، هات المخدرات بس أمسك بقبضتا يدها ومن ثم استطرد بنبرة تموج حزنًا وشفقة: لا يا زينة لا، خلاص الادمان ده كان صفحة واتقفلت في حياتك! قولتلك لاااا ملكش دعوة، هتنتهي بس بعد ما انت نفسك تنتهي صرخت به بعينان حمراء كاللون الدماء، قبل أن تشق ملابسها بعشوائية مرددة بعنف:.
أنت عايز كدة عشان تديني المخدرات خد اللي أنت عاوزه واديني المخدرات بقا أرجووك! وانخفض صوتها للهمس وهي ترجوه قبل أن تجلس على الأرض بينما هو يقف كالصنم امامها.. لم يكن يتخيل أن انتقامه قد يصل لأسوء مرحلة يتخيلها هكذا! صرخاتها كالسكاكين تنغرز بنصف قلبه بلا رحمة! هبط لمستواها ليحتضنها بحزن حقيقي هامسًا ؛ انا أسف يا زينتي سامحيني!
مضى الوقت ليستيقظ مالك مسرعًا، شعوره بالقلق او هجومهم المفاجئ على المنزل مرة اخرى لم يدعه ينام بسلام من الاساس! كان ينظر لها بابتسامة تزين ثغره.. ابتسامة لا يعرف سببها ولا يرغب في معرفته من الاساس! مد يدع يتحسس شعرها الحريري الذي لم تزول رغبته ابدًا في تحسسه.. بينما بدءت شمس تتململ في نومتها القصيرة واشرقت عيناها كالشمس في جوف مظلم لتجده يحدق بها.. فزعت في البداية وحاولت الابتعاد هامسة بجزع: اية ده.
شدد من احتضانها يحتويها وهو يبادلها الهمس الحنون: اهدي يا شمسي، متخافيش بدءت تهدأ تدريجيًا وكأنه قد علم كيف يروضها! بعد دقائق مرت بلا حديث نهض بخفة وهو يشير لها قائلاً بريبة: يلا قومي نمشي بسرعة لانهم اكيد زمانهم بعد ما دوروا هناك هيجوا على هنا اومأت بتهذيب: حاضر ومن ثم نهضت ليبدءا باعداد كل ما يخصهما في ذاك المنزل.. ليتجاها سويًا نحو الباب، وما إن فتح مالك الباب حتى صُدم من تواجد...!
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع والعشرون
صُدم مالك من تواجد سمر أمامه، بهيئة تثير الشفقة حرفيًا! شعرها مفكوك ووجهها يظهر علامات العنف الشديد بجوار هيئتها المرزية! وكان الذهول التعبير الوحيد المصاحب لوجه كلاً من مالك وشمس، وخاصةً مالك الذي سألها بصدمة: اية اللي حصلك؟ ومن دون مقدمات إرتمت بحضنه، لتبدء بشهقاتها التي زيفتها بمهارة! لم يعترض وهو يراها في هذه الحالة، ولكن لم يحتضنها برضا..
جهر قلبه باعتراض شديد من هذا القرب المقزز، تركها علها تخرج شحناتها السلبية التي اعتقدها حقيقية! بينما كانت شمس تقف لتشاهدهم بغيظ كأنها تشاهد احدى الأفلام الرومانسية، ولكن البطل زوجها! ياللسخرية، في قانون الفطري للأنثى - المصرية - اللي تقرب من جوزي تبقى لعبت في عداد عمرها! فماذا إن كانت قُيدت يدها ولم تقوى على فعل شيئ؟! واخيرًا أبعدها مالك عنه ليسألها بجدية مناسبة: اية اللي حصل يا سمر.
استمرت في البكاء وهي تجيبه بألم مصطنع: أنا اتبهدلت يا مالك، اتبهدلت للحظة تذكر كلماتها قبل أن تلقي بوجه الصدمة التالية التي تعد اعتداءهم عليها أنا اتدمرت يا مالك اتدمرت ارتجف قلبه من خبرًا قد يسبب حزن عميق يتوغل روحه شفقةً على من ساعدته.. وسألها بثبات مزيف: انطقي يا سمر حصل اية؟ وضعت يدها على وجهها لتتابع بحرقة مبالغة: أبوك بهدلني ضرب وإهانة وتعذيب عشان هربتكم وهربت منهم بالعافية جحظت عيناه بصدمة!
ألهذه الدرجة يكرهه! الان إن اثبتت كل الدلائل أنه ابنه فعليًا لن يصدقهم.. وراح يهزي بانفعال: لا لا مستحيل، مستحيل يعمل فيكِ كدة عشان ساعدتيني، اكيد ماصدق إني عرفت اهرب هزت رأسها نافية لتجيبه بعنف: لا ده ممكن يعمل أي حاجة عشان الفلوس وعند هذه النقطة لم تكن كاذبة ابدًا، نطقت بالصدق وسط عمقًا من الكذب! وتابع مالك بصوت مهزوز: هربتِ إزاي؟ رفعت كتفيها لتجيبه متلعثمة:.
ماصدقت مشيوا وآآ وضربت الراجل على دماغه وطلعت اجري لحد ما لاقيت واحد إبن حلال جابني لحد هنا همس مالك بشرود: ملعون أبو الفلوس اللي تخلي الأب يبهدل ابنه كدة اومأت لتقول بلهفة مصطنعة: اهرب يا مالك، الحقوا امشوا لانهم في الساعة خلصوا تدوير هناك وهيجوا على هنا يشوفوكوا سألها مرة اخرى بوجه واجم: إنتِ بتعملي كدة لية؟ اقتربت منه لتتلمس لحيته الخفيفة وهي تهمس امام شفتيه: عشان بحبك ومستعدة اضحي بحياتي عشانك.
نظر لها نظرة لم تفهم معناها.. جعلتها ترتد للخلف بقلق، بالفعل زرعت تلك النظرة الشكوك حول عدم ثقة مالك بها الى الان! أمسك بيد شمس ليسأل سمر بجمود: هتروحي فين؟ واجابتها كانت بحزن اتقنته: في واحدة قريبتي هروحلها وربنا يستر ميلاقونيش اومأ ليسير هو شمس للامام تاركًا اياها، ولكن إلتفت قبل أن يذهب ليقترب منها مقبلاً وجنتاها وهو يقول بهمس: خلي بالك من نفسك إنفرج ثغرها بابتسامة سعيدة لتسألها بخبث:.
طيب انتم رايحين فين؟ ابتعد وهو يجيبها بغموض: لسة مش عارف اومأت وهي تمسك يده بحميمية مرددة: ابقى طمني عليك يا مالك ابتسم ابتسامة صفراء ليستطرد بحروف لم تتخطى شفتيه: أكيد يا سمر مش عايزك تقلقي، لا يلدغ المؤمن من عقرب مرتين! وحروفه كانت مُلغمة بالخبث والغموض! وشعرت في هذه اللحظة أن تلك الجملة موجها لها تحديدًا وليس المقصود أبيه!؟، وبرغم ارتعاشة جسدها بخوف من رد فعل مالك الغير متوقع قالت: ماشي مع السلامة.
اغلق مالك الباب وسار هو وشمس التي كانت تردد بلا توقف مغمضة عينيها: اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين!
كان زياد يجلس بجوار زينة التي كانت مسطحة على فراشه فاقدةً الوعي.. ينظر لملامح وجهها التي كانت كالزهرة التي خرجت - خطأ - في فصل لا يناسبها فذبلت وانتهى الامر! وبالفعل أيقن زياد أن ذاك الأنتقام لم يكن من المفترض أن يوجه لزينة! كان مفترض أن يوجه لمن تسبب في موت شقيقته فقط؟! وماذا يفعل الان، لقد اُهلكت زهرته المتفتحة حرفيًا، فلا يعتقد أن تسامحه او تُأمن له مرة اخرى!
بدءت تفتح جفنيها بتثاقل لتبعدهم عن بعضهم فتظهر عيناها الحمراء المنتفخة من كثرة البكاء والنحيب.. لتشهق بمجرد ان رأت زياد مقترب منها فصاحت فيه: أنتَ عملت أية؟ هز رأسه نافيًا ليقول مهدئًا اياها: اهدي يا زينتي انا معملتش حاجة صرخت فيه منفعلة وهي تضع يدها على أذنيها: متقوليش زينتي انا مش بتاعت حد انا اسمي زينة وبس اومأ وهو يحتضن كف يدها بحنان: حاضر حاضر حقك عليا أرجوكِ بس تهدي كزت على أسنانها لتقول بعصبية:.
ملكش دعوة بيا أهدى ولا اغور في داهية أمسك وجهها بين كفيه ليقول بصوت هادئ ورقيق لا يناسب الموقف: ممكن افهم إنتِ لية لسة متعصبة اوي كدة؟ أبعدت يده عنها بسرعة كأنها وباء معدي، لتقول بعدها بحرقة لو كانت لها رائحة لفاحت منذ زمن:.
أقولك متعصبة لية ولا لية ولا لية، لإني بقيت مدمنة الحمدلله ومابشوفش ادامي لما الألم يسيطر عليا، ولا لإني بترجي واحد كل يوم والتاني عشان يديني المخدرات، ولا لإني بقيت مدام زينة العاهرة! اقولك متنرفزة لية تاني ولا كفاية كدة يا استاذ يا منتقم يا محترم، أقولك إني بشيل ذنب مليش فيه لمجرد أن اخويا مكنش حاطط في دماغه إن كما تدين تدان.
كان ينظر لها وقلبه يعتصر ألمًا على صغيرته التي تحملت ما يفوق طاقة أي بشر! اغمض عيناه بحزن حقيقي ليسمعها تتابع بنبرة على وشك الانهيار: بس تعرف، أنا مش زعلانة من مالك خالص ولا حتى كرهته، على الأقل مالك يادوب ماحبهاش وهي اللي قتلت نفسها ثم نظرت له بحقد لتضربه بقبضتها الصغيرة على صدره مرددة: لكن أنتَ، أنتَ قتلتني بنفسك همس بعدم تصديق: أنا قتلتك! اومأت وهي تردف ساخرة:.
اه، أنتَ موت روحي خلاص، دبحتها بسكينة باردة، ناقص بس انا اللي هخلص على جسمي عشان انا ميتة فعليًا! وضع يده على فاهها ليقول مسرعًا: لا بعيد الشر اوعي تقولي كدة تاني يا زينة عمري ما هسامح نفسي رفعت حاجبها الأيسر وقالت متهكمة: مش شايف إن الجملة دي جات متأخر شوية؟ اطرق رأسه للأسفل بخزي ليهمس بعدها بندم غُلفت به نبرته: عارف، سامحيني هنا إنهارت فعليًا! تسامحه؟ وهل مازالت روحها موجودة لتسامحه على خطأ ما!
هي زُهقت روحها، لم تعد بها قدرة على التسامح حتى! ظلت تبكِ وتنحب، على حق أخذه هو ولم يكن من حقه وعلى كبرياء دمسه في الأرض بعنف! وعلى طلب جاء متأخر، جدًا! فأجابته من بين شهقاتها: انا حتى مبقتش قادرة أسامح! وسقطت على الفراش مرة اخرى فاقدةً الوعي، وجفنيها ينضما لبعضهما مرة اخرى، لتسمع صوته المتألم يقول: هنتجوز يا زينتي وهنعمل اشهار وهنصلح كل اللي خرب، وهتتعالجي!
سقطت اشعة الشمس على شعرها الذهبي، لتعطيه لمعان مميز، وازعجت نومتها القصيرة.. لتبدء خلود في فتح عيناها رويدًا رويدًا، ولكن شيئً ما يطبق على خصرها بقوة! فتحت عيناها لتنظر بجوارها لتجد مراد يده هي من تحيط خصرها بطريقة تملكية، وكأنه يخشى هربها اثناء نومه! نهضت بفزع وهي تبتعد عنه صارخة: أنت عملت فيا اييييية؟ نهض الاخر بهلع من صراخها بجوار اذنه ومازال النوم مسيطر عليه ليسألها مرتعدًا:.
مالك فيكِ اية حصلك ايية ضربته في صدره وهي تقول حانقة: أنت لية عملت كدة بدء يفهم كل شيئ الان.. ليمسك يداها وهو يقترب منها بغيظ: عملت اية إبتلعت ريقها وهي تقول متوترة: يعني كدة كز على أسنانه كاملة بغيظ ليقول بعدها متهكمًا: خلود يا حبيبتي ياريت لما تكوني لسة صاحية من النوم ماتفقديش الذاكرة خبطت جبينها بحرج لتهمس بعدها: سوري اصلي لسة صاحية ومش متعودة اصحى الاقيني في حضن واحد.
اقترب منها اكثر ليبادلها الهمس الناعم: وهو انا واحد! عضت على شفتاها السفلية بحرج قبل أن تجيبه وهي تفرك يدها من فرط التوتر: لأ سألها مداعبًا: طب انا مين؟ نظرت للأسفل بخجل لترد: أنت جوزي نظر على شفتاها التي تعضها ليستطرد بخبث دفين: طب اية، لو مش فاكرة انا ممكن افكرك رفعت رأسها لتقابل نظراته التي اخترقتها فقالت ببلاهة: تفكرني اية! شدها في لمح البصر لتصبح هي أسفله، يطل عليها بقامته العريضة..
فلم يعطيها فرصة الاعتراض وإلتهم شفتاها بنهم، قبلة أسكتتها وجعلتها تبتلع باقي حروفها المعترضة! تحولت قبلته لقبلات متتالية على كل جزء من جسدها تطوله شفتاه.. ليشعر بها تحاول التملص منه وهي تعترض بخجل: كفاية هز رأسه نافيًا ليجيبها مشاكسًا بخبث: تؤ تؤ، أنا عمري ما اكتفي منك إنتِ واستسلمت ليده التي كانت تغوص في ملابسها الخفيفة... واستسلمت لزوجها الغالي، الذي شعرت انها بدءت تكن له مشاعر بالفعل!
كانت كريمة تجلس بجوار يحيى في منزلها على الأريكة.. وجهها ممتعض ويظهر الغضب جلي على قسماتها! نظرت ليحيى الذي كان يجلس بهدوء تام، هدوء لا يعتريه إلا عندما يكن أتم نصب خيوطه الشيطانية وفي إنتظار سقوط فريسته! فقالت بحنق وهي تشير له: لا يا يحيى بردو مش قادرة افهم إزاي عايزني اصبر واسكت وانا سايبة بنتي مع واحد كدة اسمه جوزها مط شفتاه ليجيبها بملل: مش اسمه، ده جوزها فعلاً يا خالتي اشارت له مكملة بغضب:.
ما علينا وإن كان، اكيد اجبرها على الجواز تنهد يحيى قبل أن يتابع بضيق: ولية ماتكونش بنتك إتجوزته بأرادتها؟ هزت رأسها نافية بسرعة وتشدقت ب: لا طبعًا إزاي هتعمل كدة رفع كتفيه ليقول بلامبالاة خبيثة: زي ما إنتِ سيبتي بنتك في إيد نفس الواحد ده، وحتى قبل ماتعرفي إنه بقا جوزها لأول مرة تشعر بيحيى محق! كلماته تلك المرة لم تكن من شيطانه بل كانت من إنسان يفكر برزانة.
ولكن ماذا عساها تفعل، خوفها من سيطر عليها امام ذاك الغني! هو من جعلها تتخلى عن أبنتها ببساطة ولكن - مؤقتًا - لم تكن أمًا حقيقية لتترك ابنتها للأبد له بلا محاولات لرجوعها! نظرت ليحيى ثم قالت بأسف:.
أنا بعترف إني مش أم مثالية، انا ام جبانة خافت من واحد وخافت على السمعة اكتر ما خافت من بنتها، بس أنا كنت مرعوبة، ده واحد هددني صريحة وأنا مليش في الدنيا سند خلاص، مين هيوقفله! قولت مسيري هرجع بنتي بس بطرق تانية هز رأسه نافية ليستطرد بجدية: غلط، غلط جدًا مفيش اي ام ممكن تعمل كدة، ولا كان ينفع، بس خلاص إنتِ خيرتي بنتك وهي اختارته يبقى اكيد عايزاه، متجيش تغصبيها دلوقتِ بعد ما سبتيها جهرت باعتراض:.
مقدرش يا يحيى صدقني مقدرش اسيبها كدة إرتسمت ابتسامة خبيثة غير مطمئنة على ثغره ليهمس: مش هتسيبيها، هترجعيها بس بأرادتها مش غصب عنها، وبعدين هي اكيد مضايقة ومخنوقة منك عشان كدة بعدت عنك كام يوم بس رمقته بنظرات متأملة: تفتكر يا يحيى اومأ بنبرة تشبه فحيح الأفعى: اكيييد يا خالتي!
وصلا إلى منزل ما بالساحل الشمالي مسجل بأسم مالك يملكه منذ زمن ليقضي به وقته الممتع.. كانت شمس تسير معه كالعروس اللعبة يحركها اينما ووقتما شاء! لم تتحدث قط سوى عندما حاول أن يقربها منه وهما بالسيارة او يمسك يداها التي كانت ترتجف من لمسته وتحاول الاعتراض فيكتم اعتراضها بقبلة حاسمة تُسكتها على الفور من الخجل والتوتر معًا!
أمسك بيدها وهما يدلفان إلى المنزل الصغير وقبل أن يخطو خطوة اخرى كان يحملها بين يداه الصلبة لتشهق هي من الصدمة بتوتر: أنت بتعمل اية اجابها بلامبالاة خبيثة: بشيلك زي اى واحد مابيشيل واحدة سألته ببلاهة: لية انا بعرف امشي هز رأسه نافيًا ليغمز لها بعيناه مرددًا بخبث: أصل ماينفعش تدخلي مشي، ده الليلة ليلتك يا عروسة!
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والعشرون
شهقت شمس من حمله المفاجئ لها، واغمضت عيناها بتوتر ملحوظ، وبالطبع لم تتركها تلك الحمرة لتزحف لوجنتاها وما زاد من توترها هو دقات قلب مالك المضطربة والتي لم تغفل عنها شمس.. تخشى وبشدة ما سيحدث بعد ذلك فحاولت الاعتراض بهمس: لا سيبني بينما هو كان في ملكوت اخر، شعور أنها بين ذراعيه هادئة وساكنة، خجولة يجعله يرفرف بأجنحة سعادته التي يخفيها بمهارة خلف قناع البرود والجدية المفرطة!
واخيرًا خرج صوته متحشرجًا وهو ينزلها: مالك في أية؟! نظرت له ببلاهة! ألم يكن هو من يحملها رغمًا عنها، ألم يكن هو من تسبب باضطراب انفاسها من ذاك القرب الذي يثير فيها شعور لا تفهمه! واجابت ببلاهة: نعم! لا مليش ظهرت شبه ابتسامة جذابة على ثغره ليقول بعدها بمشاكسة: تؤ تؤ حالك مش عاجبني يا شمسي، كل شوية تتكسفِ كدة وبحركة مباغته مد يده يمسك وجنتاها ليتابع:.
وخدودك تحمر زي الطماطم، المفروض مني كراجل ممكن يستجيب للاغراء ده اعمل اية يعني زادت دقاتها حد الانهيار.. لم تعتاده يمزح ويغازل هكذا ابدًا! كيف يستطع التغير بدقائق وكأنه فعليًا يرغب في ارباكها! فهمست متلعثمة: لا أنا بس آآ يعني قصدي هما آآ قاطعها وهو يضحك على ارتباكها، يسعد بذلك الارتباك الذي يؤكد له انها لم تكن يومًا كما ظن!
هي كقطعة قطنية بيضاء لم يلوثها شخصًا، وهو من سيشكلها حسب رغبته، ولكن ماذا إن انعكست الأية؟! عاد من شروده ليمسك يدها وهي يقول مهدئًا بابتسامة: اهدي كدة وخليكِ ثابتة، مش اي حاجة تهزك انهى جملته مع غمزة بطرف عيناه، لتبتسم هي ابتسامة هادئة وسط خجلها وارتباكها اللانهائي.. وما إن دلفا أغلق مالك الباب، وكأنه يعلن حبس فريسته الانفرادي، معه!
ظل يقترب منها وهي تعود للخلف، كل خطوة تعودها يتقدم هو مثلها الضعف، وكأنه أقسم على حرق تلك المسافة التي تكمن بينهم حتى الان! إلتصقت بالحائط فلم تجد مهرب سوى غلق عيناها لتمنع عنها ذاك البريق الذي يلمع في عيناه.. بينما أمسك هو يدها ليرفعها لشفتاه يقبلها وهو يقول بحنية: مش عايزك تخافي ولا تتوتري خالص طول ما إنتِ معايا لم تتحرك فتابع بجدية: إفتحي عينك يا شمس.
استجابت هذه المرة فأشرقت عيناها الرمادية لتجده يحدق بها، يخترقها بنظراته التي اصبحت تتعجبها! اكمل بهمس: مرتبكة كدة عشان قولتلك خدودك بتحمر، أمال هتعملي اية بقا لو قولتلك إن إنتِ زي القمر واوقات مابقدرش اشيل عيني من عليكِ وإن عنيكِ دي هتجنني، كل شوية تتغير للون اما رمادي او رمادي في عسلي، وإن انا لحد دلوقتِ لسة مش مصدق أني متجوزك وإنتِ لسة معايا!
كان صدرها يعلو ويهبط، من فرط التوتر من كلماته التي تقطر إعجابًا صريحًا منه! واخيرًا قالت بصوت مبحوح: بس إتسعت ابتسامته ليتابع بخبث: لا بس اية هو احنا لسة قولنا ولا عملنا حاجة ثم صمت برهه ليقول بعدها بغمزة من عيناه: وبعدين هي في واحدة متجوزة بقالها اهو شهر هتفضل مكسوفة طول الوقت كدة ظلت تنظر له بصمت، تحاول أن تجد خيوطًا صلبة للصدق في عيناه..
بينما هو كان تائه بين عيناها، عيناها التي اصبح يعشقها دون أن يدري! ظل يقترب منها شيئً فشيئ، حتى اختلطت انفاسهم... وعرفت شفتاه الطريق لعينيها ليقبل جفنيها، شعر بحركتها الخفيفة، ولكن بالطبع كتم اعتراضها بشفتيه التي اقتنصت قبلة عميقة من شفتاها التي كادت ترتعش.. حاولت دفعه ولكنها كانت كالتي تحاول هز جدار صلب! ظل يقبل كل جزء في وجهها، حتى هبط لرقبتها البيضاء، قبلها بعمق وكأنه يصك ملكيته عليها للأبد!
وقبلاته تتوزع في كل جزء تطوله شفتاه ولكن زادت عن ما يجب.. فاتجهت يداه لأزرار ملابسها، شهقت وهي تحاول التحدث: مالك! عيونه قالها قبل أن يقبل شفتاها بنهم، وفجأة حملها مرة اخرى بين ذراعيه.. لم تعد لها قدرة على الاعتراض او كبت تلك المشاعر المرهفة! فوضعت رأسها بجوار قلبه الذي يدق بصخب، ويداها تلتف تلقائيًا حول رقبته ليتجه بها نحو غرفة ما!
بدءت زينة تستعيد وعيها رويدًا رويدًا، ولكن كأنها لم تعد لها رغبة في استعادة وعيها! لا ترغب في عالم ستموت فيه قهرًا ذات يوم! وجدت زياد يجلس بجوارها على الفراش ممسك بيدها بقوة وكانه يخشى هربها! سحبت يدها في لمح البصر، لمساته لم تكن سوى عقاب يزداد عليها يوميًا! نهضت تنظر حولها لتجد نفسها في غرفته! رنت تلك الكلمة في عقلها لتهب منتصبة وهي تصيح فيه حادة: إية اللي جابني الاوضة دي؟
رفع كتفيه ليجيبها بهدوء مشبع ببعضًا من البرود: هيكون مين يعني أكيد أنا! إحتدت عيناها وهي تبتعد لتحاول دفعه صارخة بوجهه: طب أبعد من ادامي كدة عايزة امشي من الزفتة دي هز رأسه نافيًا ليردف بصوته الأجش قبل ان يجلسها على الفراش مرة اخرى: لا مش هينفع تمشي سألته بنفاذ صبر يشوبه التهكم: لية إن شاء الله، لتكون هتحبسني!؟ إبتسم ببرود ليتابع مستفزًا اياها: اممم ممكن لية لأ.
حاولت السير للأمام باتجاه الباب، إلا انه امسكها من يدها وجذبها نحوه في نفس اللحظة ليلصقها بصدره، شهقت من المفاجأة، واضطربت وهي تهتف: أنت آآ أنت مجنون اومأ قبل أن يهمس: ايوة مجنون ومن بدري كمان مش دلوقتِ بس واقترب اكثر، والاقتراب نسبةً لها تحت خانة الخطر، والحظر فقط! عيناها تحدق به بتوجس، ولمساته يعلن لها القلب النفور الشديد!
بينما هو امسك بخصلاتها ليعيدها خلف اذنها ثم فاجئها بقبلة دامية يلتهم فيها شفتاها المزمومة! لتدفعه بكامل قواها وهي تزمجر فيه غاضبة: إبعد عني أنت اية مابتحسش امسكها من ذراعها بقوة ليصيح بجدية: إهدي بقا، هفهمك وبعدها تطلعي واخرجت زافرة قوية تحاول فيها إخراج كل اعتراضها الحاد - مؤقتًا - ليتنحنح هادئًا: بصي يا زينة، من الأخر كدة المأذون برة عشان يجوزنا.
إتسعت حدقتا عيناها بصدمة جلية على محياها قبل أن تهمس ببلاهة: نعم! اشار لها وهو يكمل بخشونة: اسمعيني للأخر صرخت فيه بحدة مناسبة: أسمع إية إنتَ مجنون! عايزني أتجوزك أنتَ، ده أنت لو جتلي راكع من هنا لعشر سنين ادام عمري ما هرضى ابدًا، ولا لتكون مفكرني زي مابنشوف ف الروايات والأفلام، يعمل عملته ويعتذرلها شوية وخلاص عينهم تطلع قلوب! لا انسى انسى يا زياد إني ارضى بيك بكامل قوايا العقلية.
والعقل يتقين من صحة الكلام، والقلب يجهر بأسفًا لن يجدي نفعًا! وما بين ذلك وذاك يظل هو خائبًا بانتقام لم يستفاد منه قط! نظر لها ليتنهد قبل أن يقول بيأس: صدقيني يا زينة انا عارف كدة كويس، أنا بقولك نتجوز لمصلحتك إنتِ، أنا لو عليا زي ما إنتِ بتقولي ف انا خلاص نفذت إنتقامي، لكن عشانك إنتِ، عشان محدش في يوم يقولك إنتِ آآ ولم يستطع نطق تلك الكلمة التي كانت فعليًا عار هو من اوصمه عليها!
بينما نطقتها هي ساخرة بألم: عاهرة قلبها يأن من ذاك الحال المخزي، ونظراتها كانت كالمرآة تعكس له ما تشعر به، فتابع برجاء حار: إسمحي لي أعمل حاجة صح معاكِ يا زينة مرة أغمضت عيناها، تحاول كبح دموعها التي تهز عرشه جبروته! لتفتحهم مرة اخرى بعد دقيقة تقريبًا وهي تقول بجمود: مش هيستمر اومأ مؤكدًا: هعمل لك كل اللي إنتِ عايزاه صدقيني سألته وهي تتنهد بغموض: طب لية ماتطلبنيش من بابا! وبردو مش هيستمر اجابه بهدوء ورزانة:.
إزاي، أبوكِ جمال السُناري بجلالة قدره هيرضى يجوز بنته لعبد على قد حاله زيي! اكيد لا عمره ما هيوافق تقوس فمها بابتسامة ساخرة وهي تهتف: مش أحسن ما أروح أقوله هاي يا بابي على فكرة i m married متزوجة هز رأسه نافيًا وقال:.
زينة كمان ماتنسيش إن اخوكِ عارف اختي، عارف اختي يعني عارف اسمها كامل، عند كتب الكتاب مش ممكن يعرف اني اخوها وبانتقم؟، اهلك كلهم مش هيوافقوا، ومسيرك هيجي لك عريس ويقولولك يلا اتجوزي، يبقى تقوليلهم أنا اتجوزت من وراكم، ولا انا بقيت زي بنات الليل؟، انهي الافضل وهمست بيأس وحزن توغل نبرتها: عذر أقبح من ذنب ليرد عليها بنفس الحزن: المضطر يركب الذنب يا زينة نظرت للجهه الاخرى لتقول بجمود اتضح في نبرتها:.
ماشي، موافقة!
بدءت خلود تتململ في نومتها، وعلى العكس تمامًا لم تكن ترغب بترك تلك الأحلام الواقعية التي عاشتها مع زوجها مراد، ذاك العالم الذي رفرفت هي به كفراشة تحلق في أفق السعادة، والهواء مصاحبه الفرح! فتحت عيناها لتنظر بجوارها فوجدت مراد على نفس حالته، يحيط خصرها بذراعيه المفتولتين، ابتسمت بتلقائية، لتمد يدها تحسس على ذقنه الخفيفة ومن ثم همست مداعبةً: زي القمر حتى وأنت نايم.
ابعدت يده برفق لتحاول النهوض بعد أن طبعت قبلة عميقة على وجنته السمراء، دلفت إلى المرحاض لتغتسل وتتوضئ لتؤدي فرضها.. وبعد قليل انتهت وادت فرضها بخشوع، تدعو ربها ان يوفقها لما به الخير لهما.. اتجهت للمطبخ بهدوء، وبدءت بأعداد الافطار ولأول مرة.. الأبتسامة لم تزول من ثغرها، ولكن يعكرها طيفًا خفيفًا من الحزن! نعم الحزن وفي تلك الليلة..
وبالطبع السبب واضح وجدًا، إبتعادها عن والدتها الحبيبة التي ابتعدت عنها جبرًا! ولكن الان، قد تشعر بالامتنان لذاك البُعد الحنون! وفجأة شعرت بمن يحيط بها من الخلف، شهقت وكادت تسقط ما بيدها ألا انه بدء يحسس على ذراعها الأبيض ليهمس بجوار اذنها: في أية، ده أنا ابتسمت بارتباك ليسألها هو: ماصحتنيش معاكِ لية؟ رفعت كتفيها لتجيبه بهدوء: عادي يعني قولت احضر لك الفطار الأول ابتسم ليتابع مشاكسًا:.
المفروض أنا اللي اصحى قبلك وتسأليني بتعمل اية اقولك بتأملك وإنتِ نايمة يا حبيبتي، مش كدة؟ ضحكت بنعومة على مزاحه، لتجيبه بنفس المشاكسة: لا مش لازم، احنا في عهد جديد، عهدي انا قبل رقبتها الظاهرة ليقول مداعبًا: واحلى عهد والله قشعر بدنها للمسته تلك، وما إن كادت تلتفت له وهي تقول: إحنا في المطبح! احتضنها اكثر وهو يمطرها بقبلاته الناعمة قبل أن يغمز لها بخبث قائلاً: ده احلى مكان المطبخ.
عضت على شفتاها السفلية بخجل حقيقي، ظل يقبلها بدءً من رقبتها حتى شفتاها التي ما إن وصل لها ألتهمها بنهم! دفعته بعد قليل لتقول بأنفاس لاهثة: مراد عايزة اتكلم معاك في حاجة بجد اقترب منها مرة اخرى ليهمس: بعدين بعدين هزت رأسها نافية بأصرار وهي تضع يداها على صدره: لا دلوقتِ فسألها بغيظ مكبوت: حاجة إية يا مانعة اللاذات؟ ابتسمت قبل أن تقول ببعضًا من التوتر: عايزة أروح لماما ظل ينظر لها مدققًا بوجهها للحظات..
لحظات اعتقدت هي فيها انه يفكر وبالفعل كان يفكر، ولكن ليس كما يحلو لها، تفكيرًا لن يحلو لها بالمرة! وابتعد وبرد قاطع قال: لأ! ثم استدار ليغادر تاركًا اياها تتخبط في صدمتها من رده!
في مكان ما، شبه مهجور من السكان العاديين، ما به سوى أناس مخالفون للقانون، تحديدًا امام منضدة عليها مجموعة من زجاجات الخمر.. جلست نوارة بجوار صديقها الوحيد، تنظر امامها بشرود.. كانت تتنهد بين كل حينٍ واخر! كرهت العيش هكذا، سأمت من حياة تفعل الخطأ وتركض لتختبئ وسط الظلمات! هتف الاخر ليقطع صمتها الشارد: مالك يا نوارة مش على طبيعتك بقالك كام يوم كدة؟ رفعت كتفيها لتقول بلامبالاة:.
مالي يعني ما انا كويسة اهو ولكن عيناها البنية التي تعكس الحقيقة المُرة التي تخبئها منعًا للمشاكل التي لا تليق بها! سألها مرة اخرى بأصرار: لا مش كويسة، خبي على اي حد إلا انا ده انا اخوكِ يابت زفرت وهي ترد بنفاذ صبر: مفيش صدقني عادي يعني لكزها في كتفها مرة اخرى ليقول متساءلاً بعدها: امال مابتنزليش الشغل بقالك يومين لية؟ اجابته صارخة بنفاذ صبر:.
زهقت من كتر الخطف يا حمدي، حاسه ان كل الضيق اللي انا فيه ده بسبب دعوة ام الاطفال اللي انا بخطفهم دول سألها مرة اخرى ببرود: واية الجديد امسكت بملابسها لتصيح: زهقت واتخنقت، وغير ده كله بقا نظر لها باهتمام لتتابع: حاسه باحساس غريب اوي سألها: احساس اية اجابت بتنهيدة حارة: مش عارفة اوصفه، بس قلقانة جدًا وكأني مضايقة لحد تاني مش عشاني انا!
استيقظت شمس من نومتها الهانئة ولاول مرة، فتحت جفنيها لتلاقي عيناه المبتسمة! نعم المبتسمة فعيناه فعليًا كان يشع منها شعاع سعيد، فرح، هانئ مرتاح واخيرًا! همس وهو يقترب منهت ليداعب أنفها بانفه: صباحية مباركة يا عروووسة إبتلعت ريقها بصعوبة، وقد عكر صفوها الرائق ذكرى اول ليلة لهما معًا! لم تكن حنونة كهذه، لم تكن سعيدة، بل كانت مستسلمة بخزي! وكم تمنت لو تطبق تلك الكلمة عليها نسيان، وابدي!
تحسس وجنتاها بهدوء ليسألها: مالك يا شمسي؟ هزت رأسهت بابتسامة صفراء: مفيش اصر على الاعتراف بسؤاله: لا في، اعترفي كنتِ بتفكري في اية؟ اجابت بتوتر يشوبه الحزن: لا ابدًا افتكرت بابا بس وبالفعل لم تكن كاذبة، ذكرى والدها معلقة بخلدها دومًا لا تتركها لحظة.. تطوف بين جنبات عقلها وكأنها تذكرها بها! ابتسم بحبور ليقول: ربنا يرحمه يارب اومأت مرددة خلفه: امييين يارب حاولت النهوض فتذكرت انها لا ترتدي سوى قميص صغير!
تلونت وجنتاها بحمرة الخجل قبل أن تقول: طيب قوم يلا سألها بخبث: لية اشمعنا؟ اجابت متلعثمة: ق قوم بقا يا مالك لو سمحت ضحك بهدوء وهو يشاكسها: طب ماتقومي وانا ماسكك كادت تعترض وهي تزم شفتاها كالأطفال، إلا انهم سمعوا صوت الباب يدق.. ودقت دقاتهم القلقة معه! فنهض مالك مسرعًا يرتدي ملابسه وهو يشير لشمس بجدية: خليكِ هنا اومأت مؤكدة: حاضر حاضر استدار وخرج متجهًا لذاك الباب الذي اصبح لا يجلب له الخير ابدًا وفتحه ليجد...