logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 2 من 17 < 1 2 3 4 5 6 7 8 17 > الأخيرة


03-01-2022 01:28 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10








t21997_7285
ولدت لتجد خيوط حديدية قاتلة منصبة لها في كل مكان من حولها، زجة واحدة من القدر جعلتها تلقاه، وكثرت الخيوط من حولها حتى كانت تكاد تخنقها، تحتاج يدا لتكن طوق النجاة، ولكن.. هل تجده أم تغرق في طوف العذاب لتصبح وكأنها غزالة في صحراء الذئاب.
اقتباس من الرواية

في غرفة متوسطة المعيشة، معظمها من اللون الاحمر، تطل على الشارع، وبها دولاب متوسط من اللون الأسود، ومكتبة معلقة على الحائط مرص بها العديد من الكتب، هبت جالسة على الفراش الصغير بشهقة عالية، تضع يدها على صدرها لتهدأ انفاسها اللاهثة، تضغط بقوة عليه وكأنها رسالة تخبره فيها ان يهدأ فهذه ليست المرة الأولي، وانما كل مرة يصبح الحلم اسوء وابشع، الدموع متحجرة في عينيها، لا ولن تسمح لها بالحرية ابدًا، اصدرت انينًا خافتًا متألمًا ليعبر عن مدى الحزن الذي يجيش بصدرها حتى كاد يقتلها مع الوقت، اطبقت على شفتيها الوردية بقوة تعتصرهم لتمنع دموعها من الهطول، فتحت والدتها الباب بسرعة دون ان تقرعه، واقتربت منها متساءلة بفزع بعدما رأت شحوب وجهها الأسمر وحالتهت المتجمدة تلك:
_ خلوود، مالك يا حبيبتي.

ظلت صامتة، ثانية.. اثنان.. ثلاثة، تزج الهدوء بداخلها لتخفي ذاك الحزن الذي كاد يفترش على قسمات وجهها، ثم قالت بصوت مغلف بالوهن الذي اكتسحها:
_ نفس الحلم بشخص تانى، انا زهقت
زمت شفتيها بعدم رضا، تعترض وبشدة على هذه الاحلام التي تقلق نومتها كل ليلة، تنهدت بعمق قبل ان تردف بهدوء:
_ معلش يا حبيبتي معلش، حاسه بيك.

كان هدوءها عبارة عن قشرة رقيقة، من مجرد لمسها ينزاح ليظهر مدى الألم والصراخ المكبوت بداخلها، صراخ لو خرج منها لأصاب اذن كل من سمعه من شدته، هزت رأسها نافية ولم تنظر لوالدتها، اكتفت بالهمس المسموع بصعوبة:
_ لا، محدش حاسس بيا يا امى حتى انتِ
عضت كريمة على شفتها السفلية بحزن، ابنتها وزهرتها المتفتحة تراها تذبل كل يومًا عن ذى قبل، إلى متي ستنتظر، حتى تراها ذبلت كليًا وتصبح جسد يزجه القدر بلا روح ولا هدف!!
فصول رواية غزالة في صحراء الذئاب

رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الأول


�لى صوت زقزقة العصافير، وطلوع الشمس لتسطع بنورها الذي ينير الاجواء، ليبث الطمأنينة في روح كل شخص وبالأسفل أصوات اناس هادئة تعم المنطقة، تحديدًا في منطقة المعادى، تنام على فراشها الوتير بشكل عشوائى، في غرفة صغيرة ضيقة متهالكة، جدرانها قديمة جدًا، تكاد تهدم، مكونة من فراش صغير، ومكتب صغير، شعرها الأسود الحريرى يتناثر على الوسادة بجوارها كأنها رسمة على ورق، ورموشها الكثيفة تغطي جفن عينيها الرمادية التي يملؤوها اليأس، وحاجبيها السوداودين يشكلان شكلاً رائعًا، ذات جسد ممشوق متوسط، ملامحها البريئة تجذب كل من يراها من اول وهلة، بشرتها بيضاء، ترتدى شورت قصير وتيشرت دون حملات، الاصوات المتداخلة العالية بعض الشيئ، افاقتها من سباتها العميق الذي تهرب فيه من ذاك العالم، فتحت عيونها بتثاقل، لتشرق عينيها الرمادية الجذابة، وتتململ في الفراش بكسل، أمسكت بهاتفها الصغير الموضوع على المكتب، لتنظر في الساعة تجدها الثانية عشر ظهرًا، تأففت بضيق ثم نهضت وهي تجوب الغرفة بعينيها، لتجدها فارغة، اتجهت للخارج بتنهيدة لتجد والدتها تجلس على الكرسي امام المنضدة لتحضر الطعام، نظرت لها والدتها كريمة ذات وجه بشوش، وجسد ممتلئ، ترتدى جلباب من اللون الأسود وطرحة صغيرة على شعرها القصير الاسود، تمتاز بالحنان، وحبها الأبدى لأبنتها الوحيدة وزوجها، ونظرت لها ثم هتفت بهدوء:.

انتِ صحيتي يا شمس، تعالي افطرى
إقتربت منها شمس ثم هزت رأسها نافية، ونظرت لها بحزن قبل ان تهمس بألم تجسد في نبرتها:
لا مش عايزة، انا هأروح ازور بابا، واخدله اكل معايا.

هوت كريمة على الكرسي الخشبي بثقل جسدها حتى اصدر صوتًا، نظراتها مثبتة على شمس، تقول الف كلمة واولهم إلى متي ستظهر القوة وبداخلها يتآكل كالصدئ في الحديد، إلى متي ستتحمل نظرات الجميع الموجهة نحوها بأتهام شنيع، وكأنها عليها وصمة عار ابدية، تشنج وجهها وهي تجيبها بخفوت:
ايوة تعالي وانا رايحة معاكِ بس بأخلص الأكل، انتِ عارفة اكل السجن ازاى.

اماءت بهدوء افتعلته بصعوبة لتسير متجهة للمرحاض قبل إنهيار حصونها الهادئة، قبل ان تمتزج بألم والدتها ويكونا إعصَار قوى يدمر كل من يقف امامهم، هي لا ترغب بذلك حتى لا تؤكد كلامهم..

دلفت إلى المرحاض الصغير الذي يكمن بجوار الصالة تمامًا، فتحت الباب الخشبي المتهالك بقبضة يدها الصغيرة، واغلقته خلفها، تتنهد بقوة، تمنع دموعها من الهطول بصعوبة، اغتسلت ثم توضأت بسرعة وخرجت، ارتدت ملابسها المكونة من بنطال اسود طويل واسع، وتيشرت اعلاه طويل إلى حدًا ما ذو اكمام، تخفي كل جزء من جسدها الابيض، ابتسمت بسخرية مريرة، فهذا كل ما تملكه، هذا يعد كل ممتلكاتها في هذه الحياه التي سلبت منها كل شيئ، ارتدت طرحتها الزرقاء، ثم بدأت تؤدى فريضتها بخشوع، وبالطبع لا تخلو من دعاءها لوالدها المسجون، تقريبًا منذ ان كانت في الرابعة عشر من عمرها، وهي الان في الثانية والعشرون من عمرها، اخر سنة بكلية الحقوق، خرجت لتجد والدتها قد ارتدت ملابسها ايضًا، نظرت لها بتفحص، ثم اقتربت منها وهي تقول متساءلة:.

خلصتى يا امى ولا لسة؟
اومأت كريمة لتؤكد انها مازالت محتفظة بهدوءها وصبرها، تقدمت شمس ثم حملت الطعام، واتجهت للخارج بجوار والدتها، ثم اخرجت المفتاح من حقيبتها، ألقت نظرة اخيرة على منزلها الضيق الصغير، وكأنها تبحث عن طيف سعادة كانت به يومًا، ولكن الان صار كالسجن يخنق كل من يدخله..

ساروا متجهين للخارج من العمارة الواسعة، والتي يقطنون بها في الدور الارضي، تشعر بالإنكسار يجتاحها كلما تذكرت جملة شخصًا ما عنه ده بيت البواب لا شك انها تفتخر بوالدها دائمًا، ولكن كم الضغوطات من حولها تفوق قدرة اى بشر، تنهدت بضيق استعدادًا وتهيئة نفسية لأذنيها للنصوص التوبيخية التي سترن على اذنيها كالطبول الصاعقة، بدأ ما توقعته بقول جارتهم التي ما إن رأتهم بسخريتها المعتادة:.

ياعيني هو لسة ماخرجش من السجن
جزت شمس على شفتيها بغبطة، في حين والدتها ضغطت على يدها بهدوء، تكتفها بضغطتها لتصمت كعادتها، تتحمل وتصبر، ولكن إلى متي؟!
اكملت الاخرى وقد كانت نبراتها تحمل الشماتة المكبوتة بداخلها:
واحد قتال قتلة، اكيد مش هيطلع منها.

آآه من كلماتهم التي كانت كالسهام السامة تنغرز في قلب كلاهما بلا رحمة، تتشنج جميع اجزاء جسدها بمجرد سماعها لكلماتهم اليومية، حاولت ان تعتادها، و دائمًا كان حبها لوالدها يصبح كالمطهر سرعان ما يمحى كل كلماتهم القاسية، ليطبع وشمًا ابديًا، وهو الصبر.

في غرفة متوسطة المعيشة، معظمها من اللون الاحمر، تطل على الشارع، وبها دولاب متوسط من اللون الأسود، ومكتبة معلقة على الحائط مرص بها العديد من الكتب، هبت جالسة على الفراش الصغير بشهقة عالية، تضع يدها على صدرها لتهدأ انفاسها اللاهثة، تضغط بقوة عليه وكأنها رسالة تخبره فيها ان يهدأ فهذه ليست المرة الأولي، وانما كل مرة يصبح الحلم اسوء وابشع، الدموع متحجرة في عينيها، لا ولن تسمح لها بالحرية ابدًا، اصدرت انينًا خافتًا متألمًا ليعبر عن مدى الحزن الذي يجيش بصدرها حتى كاد يقتلها مع الوقت، اطبقت على شفتيها الوردية بقوة تعتصرهم لتمنع دموعها من الهطول، فتحت والدتها الباب بسرعة دون ان تقرعه، واقتربت منها متساءلة بفزع بعدما رأت شحوب وجهها الأسمر وحالتهت المتجمدة تلك:.

خلوود، مالك يا حبيبتي
ظلت صامتة، ثانية، اثنان، ثلاثة، تزج الهدوء بداخلها لتخفي ذاك الحزن الذي كاد يفترش على قسمات وجهها، ثم قالت بصوت مغلف بالوهن الذي اكتسحها:
نفس الحلم بشخص تانى، انا زهقت
زمت شفتيها بعدم رضا، تعترض وبشدة على هذه الاحلام التي تقلق نومتها كل ليلة، تنهدت بعمق قبل ان تردف بهدوء:
معلش يا حبيبتي معلش، حاسه بيكِ.

كان هدوءها عبارة عن قشرة رقيقة، من مجرد لمسها ينزاح ليظهر مدى الألم والصراخ المكبوت بداخلها، صراخ لو خرج منها لأصاب اذن كل من سمعه من شدته، هزت رأسها نافية ولم تنظر لوالدتها، اكتفت بالهمس المسموع بصعوبة:
لا، محدش حاسس بيا يا امى حتى انتِ
عضت كريمة على شفتها السفلية بحزن، ابنتها وزهرتها المتفتحة تراها تذبل كل يومًا عن ذى قبل، إلى متي ستنتظر، حتى تراها ذبلت كليًا وتصبح جسد يزجه القدر بلا روح ولا هدف!

نظرت لعينيها السوداء التي كستها الدموع حتى اعطتها لمعة ملتهبة زادت من سوادها المظلم كحلكة الليل، ثم استطردت بلوم:
ياما قولتلك نروح للشيخ حافظ يمكن يكون فيكِ حاجة وانتِ مش عايزة تسمعى كلامى ابدًا
كلماتها عادت تجرح فيها دون قصد من جديد، من كثرة النقاش في هذا الموضوع اصبحت تشعر ان قواها خارت، تكفيها للعيش فقط، أعلنت قسمات وجهها ما يدور بخواطرها، لتتابع والدتها بحنان:
ربنا يريح قلبك ويهديكِ يا حبيبتي.






لم ترفع ناظريها عن الأرضية وكأنها تبحث عن شيئً ما وردد لسانها تلقائيًا:
يااارب يا امي، انا محتاجة الدعوة دى اوى اوى
أقتربت منها تحتضنها بين ذراعيها، تطوقها بقوة، لتختبئ زهرتها في حصن منيع لحمايتها، تريد التقلص لتتوغل لداخلها وتمحو كل الأحلام هذه!
فجأة ابتعدت خلود وسرعان ما تبدلت نظراتها للهلع، ومن ثم قالت بقلق:
انا لازم اروح الحقه.






حالتها تلك ونظراتها تكفلت بإيصال مقصدها على الفور لوالدتها التي هبت واقفة وأجفلت وهي تهز رأسها بأعتراض شديد، ثم قالت بجدية:
مستحييل اسيبك تروحي.

نهضت متجهة لدولابها وبدأت تخرج ملابسها بسرعة، كالتي توقف عقلها عن التفكير في اى شيئ سوى انقاذ الضحية القادمة، وجهها واجم، تكاد تختلع الرف بيدها وهي تخرج منه الملابس بسرعة، تقلص شعورها بالخجل من والدتها، وبدأت تبدل ملابسها، انتهت ثم رمقت والدتها بجدية يشوبها الحدة بهدف تغيير موقف والدتها الصارم:
محدش هيمنعني يا أمي.

كانت والدتها تطالعها بذهول، وكأنها ليست ابنتها بتاتًا بل جزء منفصل عنها، جزء مختلف بكل جوانبه، عينيها السوداء توحي بأنذار الخطر الذي سيهب بوجه خلود حتمًا، أستدركت نفسها وعادت تنظر لها بحدة وقالت:
وانا مش هأنزلك غير على جثتي..!

كانت تقف امام الشرفة المطلة على الحديقة الخضراء، تتطلع على الاوراق اللامعة بفعل اشعة الشمس، يُوضح إنعكاس اشعتها في عينيها الزيتونية، عقصت خصلاتها خلف اذنها التي تطايرت مع نسمات الهواء الهادئة، تمتلىء ملابسها الضيقة بجسدها الثمين، تعطيه ظهرها بقامتها القصيرة، من يراها لا يصدق انها في الخمسون من عمرها، عادت تتأفف بملل وهي تستمع لمحاضرة زوجها التهذيبية اليومية، اعتادتها وملت منها، ألم يشعر ان مفعولها اصبح معدوم لديها؟!، ام انه يكابر بمحاولات عديدة علها يكن لها تأثير واضح في مرة من المرات من اجل الوصول لمسعاه، اولاده فقط، مالك، زينة، قرة عينه، قالت بضجر ولم تنظر له:.

يوووه، انا زهقت يا جمال، كل يوم محاضرة، انا ملييييت
بالفعل استنفذت كل الفرص لديه، خطواته شبه الراكضة نحوها عبرت عن غضبه الجامح الذي اجتاحه، شعرت كما لو انه ثور هائج يركض باتجاهها، قبضته القوية على ذراعها الأبيض جعلتها تتأوه بألم:
آآآه ايدى يا جمال سيبني.

لم يتركها وانما ظل يضغط اكثر، كلماتها التي من المفترض ان تهدأ من روعه تجعله يثور ويثور اكثر، إلى متي سيظل هكذا؟ إلى متي سيحاول ترميم علاقتها بولديها هكذا؟!
زمجر فيه بغضب وحدة رغم قوتهم إلا انهم لم يعبروا عن ولو ربع ما يجيش بصدره من عواصف:
هتفضلي كدة لحد امتي فهميني، انتِ استحالة تكونى ام استحالة
استطاعت بمهارة انتشال الألم من خلجات وجهها، لترسم السخرية التي باتت معتادة منها، وغمغمت بتهكم:.

اية ده بجد، وده اكتشفته امتي؟
سمعت فقط صوت انفاسه اللاهثة، تعلم بمقدار جهده للسيطرة على نفسه حتى لا يرتكب جريمة، ولكنها تستغل ذلك..
باتت الحدة تزداد جلية في نبرتها اللوامة:
قولتلك ماتجيش تلومني بعد كل السنين دى، انت اكتر واحد عارف انك السبب.

اصدر انينًا خافتًا، يعلم انه السبب الرئيسي في انقطاع حبال الأمومة والحنان بينها وبين ابناؤوه، ولكن كل متهم يُجازى بفترة ويعود للحرية، ولكنه من الواضح ان فترته كالسراب لا نهاية لها ابدًا!
قال بصوت اشبه للهمس:
ارحمينى بقا انا تعبت، لحد امتى هدفع التمن، طب بلاش عشانى عشان ولادنا، ذنبهم اية يدفعوا التمن
هي نفسها لا تعلم اجابة هذا السؤال، ولكن ما هي متيقنة منه بعض الشيئ انها تنتقم من نفسها قبل اى شخص..

بردو خناق! ربنا يجيرنا بصراحة
هتف بها شاب في العشرينات من عمره، قوامه العريض يعطيه مظهر رجولى جذاب، بجوار ملامحه التي باتت كالطريق المسحور تسحر كل من يسير ويدقق فيها، عيناه البنية تخفي وميض ألم يصعب على عالم في قراءة العيون معرفته، ينزل على درجات السلم بخطى متاهفته، بعينيه نظرات يفترض أن تؤلمهم، زفر جمال بقوة قبل ان يجيبه بأبتسامة صفراء امل ان تخفي الغضب:.

لا يا مالك يا حبيبي، احنا كنا بنتكلم عادى بنتناقش يعني.

زم شفتاه بسخرية، يرى بوضوح ما يحاولوا هم اخفاؤوه، تتكفل اصواتهم العالية بفهمه لكل شيئ، واحيانًا يفقدوا السيطرة على اعصابهم فيزول ذاك الغطاء الهادئ، ليحل محله شرارات غاضبة كارهة، بمجرد رؤيتهم يرى صمتهم، وكأنه اتفاق بينهم، ولكن، يرى تصرفات والدته التي باتت واضحة كعين الشمس، اقترب منهم اكثر حتى اصبح امامهم يطالعهم بهيئته الساخرة، ثم جلي الجمود في نبراته:.

انا رايح شقة المعادى، مابقتش قادر اقعد هنا اكتر
لمس ولده لهجة الامر في نبرته، وكأن الأدوار تبدلت ليفعل ما شاء ويخبرهم فقط، وهم يخشونه كطفل مرتعد من والده، ولكن يختتم تفكيره بالنهاية بأنه من فعل ذلك لا غيره، وبصرامة حاول جعلها تتوغل لهجته:
بس ياريت مايبقاش فيها صحابك الصيع دول وخمرة وبنات!

ضحك بسخرية، كلماته يلقيها بصرامة وكأنه يخشي سقوطه من حافة الهاوية، ولكن، يظل فاقد الشيئ لا يعطيه، كيف يريده ان يصبح هكذا وهو من الاساس لم يكن هكذا..!؟
اومأ ثم استدار وغادر على عقبيه تاركًا اياهم يعضوا على شفتيهم ندمًا.

تحت اضواء الشمس الحارقة، تقريبًا في الصحراء، منطقة مهجورة، اذا القيت بسن رفيع تسمع صوته، او نبيح الكلاب ولو صباحًا، امام سيارة سوداء كبيرة في اخر المنطقة، صدح صوته المتساءل بأختناق:
يعني ملاقتش غير المكان ده
سألها بنبرة ظهر فيها الجزع والملل، بجسد لم يعتاد على هذه الشمس فربما تأكل من كثرتها، وبدلته السوداء التي يرتديها تمتص الشمس وكأنها قاصدة تعذيبه ليس إلا!

نظر له الواقف بجواره امام السيارة وهو يرمقه بنظرات حانقة مستهانة، لم يستطع اخفاؤوها من عينيه السوداء ولو انه يعلم بمقدار خطورة ذلك، ثم قال بنزق:
ما انت إلى قولت لى مكان مقطوع يا ريس
اومأ الاخر، ثم ارتكز بيداه على السيارة، ولاحت بعيناه سحابة غامضة، قبل ان يستطرد بجدية معتادة منه:
انت عارف طبعًا انا جايبك هنا لية؟

اومأ بتأكيد، فقد أصبح هذا الموضوع محور حياتهم، مهما يتلفتوا يعودوا له من جديد، اصبح كالسلاسل الحديدة الخانقة تختنقهم كلما ارادوا الأرتياح..!
تنهد تنهيدة خرجت من اعماقه ثم تابع بهدوء حذر:
لسة معرفتوش مكانها؟
هز رأسه نافيًا، هزة جعلت الاخر يرغب في الاطاحة برأسه في نفس اللحظة من شدة غضبه، تطايرت شرارات سوداء غاضبة مشتعلة من عينيه وهمس بنبرة اشبه لفحيح الافعي:
لحد امتى!

عقد حاجبيه بعدم فهم ونظر له مستفهمًا، مما دفعه لإلقاء اوامره الحادة:
لحد امتى يا معتز، انت عارف دى مهمة لينا ازاى، دى إلى هتودينا حبل المشنقة او تبعدنا عنه، انت لازم تلاقيها
ابتعد عن السيارة يطالعه بغضب وحنق حقيقي اظهرته ملامحه التي اشتدت وتشنجت، ومن ثم صرخ فيه من دون وعى:
يعني اعمل اية ياريس، انا مابنامش الليل، لكن بردو مش لاقي حاجة
قال بتحذير ألقي الرعب في قلبه بلحظتها:.

في خلال يومين تكون لاقيتها احسنلك
صمت الاخر بعجز يتملكه، إن كان يبحث لمدة سنوات ولم يجدها وكأنها اختفت من الوجود، يبحث عنها كالقشة في كومة قمح، بينما اعطاه الاخر طفيف اخر امل بقوله الخبيث:
ولو ملاقتهاش يبقي مفيش غير حل واحد بس...!؟

كانت تجلس شمس على احدى المقاعد الخشبية الصغيرة، بجوار والدتها التي كانت تكبح دموعها بصعوبة تعلم هي وحدها مقدارها، تطالع زوجها الحبيب بهيئته المرزية تلك، ذقنه الطويلة وشعره الذي تختلط به بعض الشعيرات البيضاء، جسده النحيف يوحى بمدى ضعفه وألمه في هذا المكان القاتم، اما عنها هي فلا حاجة لسؤال تعلم اجابته بأتقان، توغلها الألم بكثرة حتى اعتادته، فما المانع ان ازداد قليلاً وهي ترى اعز شخص لديها هكذا!؟

ازيك يا ابو شمس عامل اية؟
سؤال احمق حقًا، يشوبه الاستنكار، أنفلت لسانها ليسأله دون الاذن منها، كيف تسأله حقًا وهي ترى الاجابة المريرة بعينيها!؟
ابتسامة تعتبر متهكمة ولكن راضية بعض الشيئ شقت وجهه، واجابها بخفوت:
الحمدلله
سرعان ما قالت شمس بأشتياق حقيقى:
وحشتنى اوى يا بابا، اوى اوى.

قالتها بأشتياق لا تعلم تأثيره على والدها، الأشتياق انتقل اليه في صورة كسرة وألم، تعذبه بكلماتها كل مرة دون أن تشعر، قال بهدوء يعكس ما يكمن بداخله:
وانتِ اكتر يا حبيبة بابا
تنهدت كريمة بقوة قبل أن تسأله سؤال كل زيارة حمقاء:
بردو مش عايزنا نقول للمحامى يرفع النقد في الحكم؟

هز رأسه نافيًا ببساطة، بأبتسامة كاذبة لم يصعب عليهم تفسيرها، هو بعلم سوء حالتهم المادية، سيأتى بملأ ارادته ويزيد من مشكلاتهم وهو ليس معهم!؟
بابا ارجوك طب حتى قولنا اية إلى حصل، احكى لنا ماتسيبناش كدة
قالتها شمس برجاء حقيقي حار، ولكن اعماقها هي من تطلبته وبشدة، ترغب في المعرفة لتمدها بالطاقة اللازمة للمواجهة، ولكن بالطبع كالعادة لم تلقي سوى الرد بجدية:.

قولت لك يا شمس مش هأقول لحد حاجة، مش هاعرضكم للخطر بأيدى، لو ربنا كتب لى اخرج واتكلم ساعتها بس هتكلم وبقوة
تنهدت تنهيدة طويلة حارة تحمل بطياتها الكثير والكثير، كانت تعلم انه لن يخبرهم بأى شيئ كما قال، ولكنه شعورها انه يتحمل ذنب لم يرتكبه يخنقها كل فترة اكثر من ذى قبل، كلما تريد تفكك الخيوط لتبدأ بحلها تشعر بها تزداد تعقدًا اكثر وكأنها تعاندها..!
يلا الزيارة انتهت يا اساتذة.

جملة قالها العسكرى بجدية وبعض من الهدوء ولكنها كان لها اثر كبير في واقعهم الملموس، قطع اخر امل لهم في المعرفة من دون شعور بذلك..

بعد فترة كانت شمس تسير بمفردها تحمل الحقائب الثقيلة التي يملؤوها الطعام و التي تركت اثرًا واضحًا على اصابع يدها البيضاء، تناثرت خصلاتها السوداء من اسفل حجابها من دون ارادةً منها، كانت تسير بخطوات مسرعة قدر الإمكان، جبينها مصبب بالعرق، لا ترغب في سماع اى كلمة من اى شخص قد تجعله يندم لأنه قالها، بالرغم من انها قطة، ولكن قطة شرسة وجدًا، اسمها يتناقض تمامًا مع الشمس الحقيقية، كم تشعر انها تكره اسمها!

ربما لأن هذه الشمس لا ترغب ان تأتي في جوف حياتها وتنيره ولو لمدة قصيرة
دلفت إلى باب العمارة الكبيرة، وما إن خطت قدمها داخلها حتى وجدت يدًا قوية تطبق على خصرها بقوة جعلتها تصرخ من الألم قبل الفزع و...
تاااابع اسفل
 
 





look/images/icons/i1.gif رواية غزالة في صحراء الذئاب
  03-01-2022 01:31 صباحاً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني

صرخة مدوية أطلقتها من بين شفتيها المرتعشتين بهلع وألم من قبضته الحديدية حول خصرها، رائحته المقززة التي تكرهها تكفلت بمعرفتها من هو، إلتفتت بسرعة تجاهد في إبعاده عنها، وكأنها تجاهد للحصول على الحرية من قاضى فاسد، ظالم، متجبر، ظلت تلهث لدقيقتان تحاول السيطرة على حالة الهلع التى سيطرت عليها حتى لا تفتح له الطريق لما اراد، وصاحت فيه بجزع حقيقي:.

انت مجنون، كم مرة اقولك بطل حركاتك دى بقا انت مابتزهقش
كان يقف بهدوء مفتعل، وكل خلية من جسده ترتعش من إقترابه منها لهذا الحد، لا يدرى ماذا يجيش بصدره تحديدًا عندما يراها، ولكن ماهو متأكد منه ان قلبه يتقافز حماسًا للحصول عليها، ثبت ناظريه على عينيها الرمادية بنظرات ذائبة، ثم اجابها بمحاولة للهدوء:
مجنون بيكِ يا شمس، مش عارف امتى هتحسي بيا بقا.

حديثه يخنقها رويدًا رويدًا، يكبلها بعشق لم ترغب به يومًا، ظهرت اشباح التقزز على قسمَات وجهها الأبيض، ومن ثم غمغمت بضيق:
مش هحس ومش عايزة أحس، قولتلك ارحمنى بقا انت ابن خالتى وبس.

أختفي بريق عيناه اللامع المشتاق، ليجتاحها نظرات مشتعلة بفعل كلماتها الحادة، التي باتت تؤلمه وتنغزه في قلبه دون رحمة، ثم نظر في المرآة الموضوعة على الحائط الكبير، ينظر على جسده المتوسط، يطالع هيئته الرجولية بنظرات متحسرة، ينظر لملامحه الهادئة والحادة في آنٍ واحد وكأنه يسألها بجنون
لما لا تجذبيها انتِ لما!؟
الأجابة كانت من شمس، التي باتت تعيد له نفس الكلمة وكأن لسانها اصبح آلي يردد تلك الجملة:.

انا مش رفضاك لشكلك او مش هقبل بيك بردو لشكلك، بس انا عمرى ما هحبك، انت مجرد ابن خالتى بس
إلتفتت لها في لمح البصر يمسك بيدها التي ارتعشت من مسكته المقززة كالوباء، وراح يترجاها وهو محدق بها:
طب اديني فرصة وانا هتغير، هبطل اى حاجة بتضايقك، خمرة او بنات او اى حاجة، بس كونى ليا.

جهر القلب بأعتراض شديد، اعتراض على حاكم مستبد يرغب في افتراض نفسه جبرًا عليه، هزة نافية صارخة من رأسها جعلته يحدجها بقوة وكأنما لا يرى الرفض، فقالت بجدية:
صعب اوى يا يحيى إلى انت بتقوله ده، انا مش بأفكر في اى حاجة من دى دلوقتِ، ياريت نفضل ولاد خالة بس.

ولا يسمع ايضًا الرفض، أقترب منها متعمدًا اثارة توترها، يثيره هيئتها الحمراء من الخجل، وإنتفاضة جسدها كالثعبان الذي لدغها، ولما لا يذقيها من نفس الكأس ألا وهو التوتر قليلاً، ثم قال بهمسات حطمت جديتها لأشلاء صغيرة:
بس هتفكرى، اوعدك يا شمس هتفكرى وهتفكرى كتيير، وهتجيلي بأرادتك
اختفت الدماء هربًا بهلع من وجهها، وتمنت الهرب كحبات الدماء بسرعة، تحاملت على نفسها وهي تسأله بخوف:
قصدك اية يا يحيى؟

إبتعد عنها يحيى وقد أصاب سهمه ما اراد تمامًا، لينظر لهيئتها المبعثرة بأستمتاع يتشبعه بجدارة:
انتِ فاهمة قصدى كويس ولو مش فاهمة يبقي خليها مفاجأة
إبتلعت ريقها الذي جف، وحاولت جمع شتات شجعاتها التي بعثرت بفعل رياح تهديده وهي تقول:
انت متقدرش تعملى حاجة اصلاً
تقوس فمه بأبتسامة ساخرة مستفزة، تعبر لها عن مدى عراها امامه، ثم اومأ بتهكم:
هنشوف يا بنت خالتى.

ثم استدار وغادر على عقبيه، مهما تبنى جدار امام جدار، بثقب خبثه ولؤمه يراها على الفور، ليهد كل ما بنته في ثوانٍ معدودة..

يتجسد كل شخص امامها كحبة لؤلؤ رقيقة هادئة، لتقترب عاصفة قوية وتهدمها، لتصبح قطع صغيرة متناثرة، وتركض هي لمحاولة لعودتهم كما كانوا، ولكن من الممكن ان نقل للماضي، هيا عد؟!، ام انه لا يعود بأكمله بل شظايا مؤلمة منه فقط ليس إلا!

نظراتها وحدها لا تكفي للتعبير عن مدى عجزها، وحزنها، ليس كل من يراها يستطيع إبعاد ذاك الغلاف الهادئ عنها، أخفت دموعها بصعوبة، تكاد تشعر بنهر من الدموع الساخنة يتناثر على وجنتيها من شدته، وقالت بصوت مهزوز:
حرام عليكِ يا أمى، كان ممكن أنقذه
هزت رأسها بأعتراض شديد تلقائيًا، عاطفة الأمومة هي المسيطرة الان فقط، ثم اردفت بحزم:
مش هتروحى يا خلود، انا مش مستغنية عنك يا حبيبتي.

خارت قواها بأكملها وحان وقت الاستسلام، فتحت الابواب وأعلنت راية الأستسلام، لتقع امام عبير فتاة هزيلة اهلكها ماضي مؤلم، وصرخت فيها من دون وعى:
انا مش هنتحررر يا امى افهمى
من يغفر لها وكان مثل الجدار الذي يعزل نار غضبها عنها ما هو إلا معرفتها بحالتها النفسية، تجز على اسنانها بقوة لتكبح غضبها بداخلها، ثم تابعت بصوت آمر:
قولت مش هتنزلى، هي كلمة واحدة.

إبتلعت ريقها بإزدراء، وتابعت دموعها الهطول بغزارة، نظرت لها نظرة تفهم مقصدها جيدًا، نظرة دائمًا ما تلعب دورها بأتقان، ثم تابعت مترجية:
ارجوكِ يا امى سيبني اعمل حاجة واحدة أقف بيها في وش الناس واقول لهم ده مش ذنبي انهم بيموتوا..!
تأففت والدتها وابتعدت بعينيها عن مفعول عينيها السحرى الذي يخدرها في كل مرة، ثم قالت هادئة:
عشان تنقذيه أفرض بعيد الشر حصل لك انتِ حاجة، انا هعمل اية ساعتها؟!

اهتزت رأسها نافية تلقائيًا بأعتراض شديد، وراحت دموعها الساخنة تنهار من جوف خنقتها داخل عينيها البنية لتتحرر واخيرًا لتحاول التعبير عما يجيش بصدرها من معاناة بدت ابدية..!
ثم سقطت منهارة على الأرض، لتستطرد وسط شهقاتها المميتة لوالدتها:.

كل ما أروح احاول ألحق حد، يفتكر إنى انا إلى فيا حاجة، الناس بقت بتخاف تقرب منى لأصحى تانى يوم اقولهم انتم هيجرالكم حاجة، كل واحد بيرمى كلمة براحته ومش واخد باله إنى انسانة بتحس، انسانة اترمت وسط ذئاب بتنهش فيها وبس
أقتربت منها تحتضنها بحنان، تمنع دموعها من الهطول حتى لا تكسر ذاك الجزع الذي تستند عليه خلود، أطبقت عليها برفق وقالت بمرح:
يلا يا ستي الأستاذ اخوكِ عايز ياكل مش هيستنى كتير.

ابتسمت بخفة من بين دموعها ثم نهضت مبتعدة عن والدتها بهدوء، ليتجهوا سويًا للخارج، حيث وجدوا شاب في اوائل الثلاثينات من عمره، يضع يده اسفل خده، يجلس على الكرسي المواجه للسفرة وما إن رأهم حتى قال بملل وضيق مصطنع:
شكلنا مش هناكل النهاردة عشان ست خلود بقاا
ضحكت خلود ومن ثم إقتربت منها واجابته بهدوء:
هناكل يا طفس بس اهدى عشان حاسه إنك شوية وهتاكلنا احنا شخصيًا
غمغم بضيق مصطنع:
اما نشووف بقاا.

تنتقل حياتها دومًا كالأمواج، هادئة حزينة غاضبة، متقلبة غير مستقرة ابدًا، دائمًا ما تشعر انها ليست المتحكمة في حياتها، ولكن ما يرطب ويهدأ صفو حياتها ولو قليلاً هو اخاها الأكبر الوحيد ووالدتها من بعد والدها الراحل على..

كانت تتوسط أصدقائها السوء، الحلقة السوداء، في احدى الملاهى الليلية الشهيرة، تضع قدم فوق الأخرى، لتظهر نصف قدمها البيضاء أسفل الشورت القصير الذي ترتديه، وبالأعلي تيشرت احمر نصف كم، وبالطبع ملامحها الهادئة لا تخلو من بعض مساحيق التجميل، وتترك شعرها الأسود ينسدل على ظهرها، ومن حولها حلقة دائرية يشكلها بعض الشباب والبنات، كان الضجر يظهر على ملامحها ويتشبعها بقوة، اقترب منها احد الشباب، ذو جسد هزيل، وملابس لا تليق بشيئ للشباب، وشعره يصففه بشكل مضحك، وتنحنح قائلاً بهدوء:.

مالك يا زينة؟!
هزت رأسها نافية، مثبتة عينيها على اللاشيئ، ثم همست بصوت قاتم:
مفيش حاجة يا زياد
نظر لها بطرف عينيه، ثم أمسك يدها بقبضتَه السمراء، يعلم بكل ما يجيش بصدرها الان، يحفظ كل مراحلها، ولكن بكل مرحلة يخطط لأستغلالها اسوء استغلال، كل ما يريده هو أن يتوغل بداخلها بقوة، ليصبح كالدماء التي تسير في شرايينها..!
مط شفتيه وقال بضيق مصطنع:
كدة مش عايزة تحكى لزيزو صديقك؟

تأففت بملل، سماء ذهنها ممتلئة بما يكفيها، لا ينقصها ثرثرته هذه الان!
ثم أجابته بهدوء حذر بعكس ما بداخلها:
قرفانة من كل حاجة
قرب فمه من أذنيها، ليهمس بصوت أشبه لفحيح الأفعي:
طب والي يروقلك مزاجك ده
يروقه ازاى يعنى!؟
سألته مستفهمة بعد أن قطبت جبينها، ليجيبها بخبث:
استنى دقيقة.

نهض بخفة متجهًا لمكان ما، وبالطبع سمعت الهمهمات بسهولة، تعتقد أن كل من ينظر له نظرة ذات مغزى حقود وكاره، ولكن، لتكن نظرتها هي المغلفة بقناع الغرور ليس إلا..
تقدم زياد منها يحمل بيده سيجارة، ولكن ليست بسيجار عادى، وإنما من يجعلك تغيب بكامل عقلك عن هذه الدنيا..
مد يده لها بهدوء، لتعقد حاجبيها ثم تقول متساءلة بعدم فهم حقيقي:
اية ده بقا، انت عارف إنى بطلتها.

تنهد بقوة قبل أن يتابع بنبرة كساها الخبث والاغراء:
دى هتريحك من وجع دماغك وهتخليكِ تنسي أهلك شخصيًا
نظرت له بطرف عينيها، جزءً ما بداخلها يحذرها وجزءً يشجعها على اخذها، ولكن الحبال المتينة تزجها نحو السوء، لتمد يدها وتأخذ منه تلك السيجارة، ثم وضعتها بين شفتيها الحمراء واخذت نفسًا عميقًا غير مبالية بالغد ابدًا..

وصل مالك امام البناية الكبيرة بالمعادى التي بها منزله المتوسط، ترجل من سيارته السوداء الكبيرة، ثم أبعد النظارة عن عينيه البنية، لتظهر تلك الجوفتين العميقتين الغامضتين، تنظران نحو ملجأها الوحيد الذي لم تلمحه منذ فترة كبيرة، سار بخطوات واثقة حتى دلف من باب البناية، ثم إتجه نحو الحارس الذي يجلس على احدى الكراسي الخشبية وهب منتصبًا حين رأه، وقال بجدية وحذر:
اهلاً اهلاً يا مالك بيه.

عقد مالك حاجبيه السوداوين، ثم قال متساءلاً بحيرة:
اية ده امال فين عم صابر؟!
نظر الحارس للأسفل، ثم حك ذقنه بطرف يده، يفكر في حلاً ما لتلك الأجابة، نظر له مرة اخرى واجابه بهدوء حذر:
اصله ساب الشغل يا بيه
سأله مالك دون تردد:
لية ساب الشغل يعني؟!
توتر بشدة، يخشي سقوطه في حفرة ما عميقة تسلب منه كل شيئ، عمله، مكانته، ولربما أسرته الصغيرة، نظر له بهدوء مصطنع ومن ثم قال متلعثمًا:
اصل آآ اصله دخل السجن يا بيه.

حدق مالك به بصدمة، ثم اردف فاغرًا شفتيه:
ازاى يعني، ده راجل قمة
رفع كتفيه بمعنى لا اعلم، ثم غمغم بعدم معرفة مصطنعة:
منا كنت بقول كدة، بس الله هو اعلم بخلقه بقا يا ساعت البيه
اومأ مالك بلامبالاة، ثم استدار وغادر على عقبيه، توقف للحظة وإلتفت له يطالعه بنصف عين قائلاً:
ابقي ابعتلي اى حد ينضف الشقة يا عم محمد لو سمحت
اومأ موافقًا بسرعة، ليغادر مالك بهدوء، في حين تنهد هو بقوة وقال في خواطره بلوم لشخصه:.

ربنا يكون معاك يا صابر، ويسامحنى
أستدار هو الأخر وإتجه نحو الداخل بهو البناية الكبير، ليصل امام منزل شمس الصغير، ثم طرق الباب بهدوء، وبعد ثوانى فتحت والدة شمس وعلى رأسها حجابها الصغير، لتسأله في هدوء:
ايوة يا عم محمد خير؟
اجابها بهدوء مماثل بل زائد، مغلف ببعض الأسف:.

الاستاذ مالك صاحب الشقة إلى فوق عايز حد يطلع ينضف له الشقة، وزى ما انتِ عارفة يا ست كريمة، استاذ محمود صاحب العمارة قال واحدة منكم تبقي تطلع عشان الايجار وكدة
أطرقت رأسها بحزن، تشعر بقلبها يتمزق بمجرد ذكر انها او ابنتها سيعملوا ك خدم، تشعر انها بداخل غابة مليئة بالذئاب، وبمجرد ان ذهب راعيهم إلتفوا حولهم ليهاجموهم، حتى انحصروا في زاوية صغيرة، وما لبث أن مرت فترة وجيزة هاجموهم مرة اخرى!

تمتمت بنبرة حملت الحزن والأسف والألم معًا في طياتها:
حاضر، حاضر يا عم محمد
استدار ليغادر محمل شعوره بالأسف نحوها، أما كانت تلك السيدة الفاضلة التي يحترمها كل شخص، الان ستعمل وابنتها كخادمة فقط!، يا الهي كم تدور هذه الدنيا وتدور حتى تسقطك في نفس الحفرة التي تخشاها دومًا، الان نظراتها تجعلك تشعر بالشفقة، نظرة لو ظلت تنظرها لشخص ما يعذبها لأسقط من يده كل مقاليد تعذيبها ليتركها حرة!

دلفت لأبنتها الوحيدة، لتجدها تجلس على الكرسي الخشبي الصغير، تعد الطعام، نظرت لها دون ظهور اى تعابير، ثم هتفت بهدوء اصطنعته بمهارة:
شمس، انا طالعة انضف شقة الاستاذ إلى لسة جاى
رفعت شمس ناظريها لها تطالعها بدهشة، وسرعان ما قالت بجدية تلقائية:
لا طبعًا، انتِ عارفة إن انا إلى هأطلع مش انتِ يا أمي
تنهدت تنهيدة حارة تحمل الكثير والكثير، ثم اردفت بقلة حيلة:
لأ يا شمس مينفعش يا حبيبتي.

نهضت مسرعة، ظهر بريق لامع في عينيها الرمادية، بريق ما إن لمحته والدتها حتى علمت أن موجه العند لن تزول إلا أن تفعل ما ارادته، فاستطردت شمس بتصميم:
لأ انا طالعة، الشقة إلى ف اول دور مش كدة؟
اومأت والدتها مؤكدة، فتقدمت شمس وامسكت بحجابها الصغير ترتديه ومن ثم اتجهت للخارج، لتتجه لمنزل مالك بهدوء دون بت كلمة اخرى..

في السجن كان صابر يجلس على الفراش الصغير الحديدى الموضوع على الجانب، بجوار الحائط المتهالك بعض الشيئ، يمدد جسده الهزيل عليه وينظر للأعلي بشرود، نظرات لطالما حاول من حوله أن يفهموها ولكن فشلوا، منذ دخوله السجن وهو كذلك، لم يتفوه بما يجيش بصدره ولو للحظات، لدرجة أنه يشعر أن ذات يوم سينفجر من كثرة البراكين المشتعلة بصدره، وكثرة الألم الذي بات لا يشعر به، بمعنى اوضح قد اعتاده وانتهى الأمر، ولكن ليس بسلام اطلاقًا..

أقترب منه أحد الاشخاص، في منتصف عمره، ذو وجه هادئ ولكن عليه بعض الندبات، ينظر له بهدوء، ثم تنحنح قائلاً:
اية يا عم صابر عامل اية؟
لم ينظر له ثم اجابه بصوت أقرب للهمس:
الحمدلله رب العالمين
تنهد الرجل، ورمقه بنظرات يعرفها جيدًا دون أن يراها، يشعر بها تخترقه لتستكشفه بفضول قاتل، ولكنه يوقفها عن الحد المناسب دائمًا، ثم سأله الرجل بصوت أجش:
انت محكوم عليك كام سنة يا عم صابر
مؤبد.

كلمة نطق بها بسهولة، ولكن بعدها شعر أت لسانه شُل عن الحركة، كلمة كلما تذكرها كانت حروفها تقطعه ببرود، تعيد عليه ما مر منذ سنوات، تذكره بقيده الأبدى الذي قيد به من دون ذنب، الحديدى، القاتل الذي لن يتحرر منه ولا يريد أن يحاول التحرر منه، قيد علمه الأستسلام، والصبر..
بينما إتسعت حدقتا عينا الرجل، الذي قال بصدمة شابت بالتعجب:
مؤبد وقاعد كدة عادى يا عم صابر؟
تابع مبتسمًا ابتسامة منكسرة:.

اديك جاوبت نفسك، يا عم صابر يعني انا صابر وراضى بقضاء ربنا
يتعجب اكثر واكثر، يتوغل بداخله شعور أنه شخص تافه، متعجرف، غير راضٍ بقضاء حكم عليه لشيئً فعله، بينما الأخر يرضي بحكم على شيئ من المفترض أنه لم يفعله اساسًا، اى بشر هذا؟!
عاد يسأله بصوت قاتم:
انت عملت اية اصلاً يا حاج؟
تنهد صابر بقوة، ثم نظر له بنصف عين، ثم قال مشاكسًا برغم كل ما بداخله من هموم:
انت هنا ف سجن اية؟
تنحنح بحرج واجابه بهدوء:
قتل.

رفع كتفيه بهدوء بمعنى هذا، حائط أمن بناه لحماية ابنته الوحيدة وزوجته ولن يهدمه مهما حدث، وإن حاول الجميع كسره سيقاوم كل عضو بداخله بقوة قبل ان يتحرك هو..
بينما استطرد الرجل قاطبًا جبينه:
طب ازاى قتلت يا عم صابر وانت راجل باينلك عارف ربنا
الزمن يابني.

قالها بلجهة امتلأت بالحزن والألم، تجسدوا في هاتان الكلمتان بكل معانيهم، وكأن هذا الزمن عدوًا له ليهلكه هكذا دون ذنب مفتعل!، بداخله يحترق بمجرد التذكرة فقط، لو كان الغضب والحزن لهم رائحة لكانت فاحت الرائحة منذ زمن..
راح يسأله الرجل كالقاضي مستفسرًا في قضية ما:
طب لية ما تدافعش عن نفسك وتعمل نقض وتحكى كل إلى حصل يا عم صابر
صمت برهه، وإنزلق لسانه بعفوية:.

اصل انا سمعت إنك ماقولتش حاجة غير انك ماقتلتش، لكن ما حكيتش اى تفاصيل، ومستغرب بما انك مفروض برئ يبقي ده عبط كدة
ابتسم بخفة على عفويته، ولكن سرعان ما تحطمت بقوله الغامض:
لو اتكلمت هأذيهم، وانا مليش غيرهم، يا إما اخرج انا واتكلم، يا إما اسكت، لكن مش هحاول أأذيهم عشان اطلع انا
عقد حاجبيه ثم اردف بتفكير:
يااه، هي مشكلة عويصة للدرجة!
اومأ صابر بهدوء، ثم نهض قائلاً بصوت هادئ:.

تعالي بقا نساعدهم عشان كدة مش هيأكلونا..

طرقت شمس الباب عدة مرات بهدوء، تفرك يدها بتوتر شديد لمعرفتها أنه شاب في اوائل عمره، عدلت من وضعية طرحتها الصغيرة لتخفي الشعيرات السوداء المتناثرة اسفل حجابها، مرت ثوانٍ وفتح مالك الباب، أُصيب بالدهشة قليلاً لمعرفته أن زوجة الحارس السابق هي من ستقوم بالتنظيف، وليست فتاة كهذه!؟، صمت برهه وظل هكذا يطالعها بأعين حادة كالصقر، إلتمعت بوميض غامض، ولكن سرعان ما تسللت الأبتسامة له، وانفرج ثغره ليصبح في شكل خطوط متعرجة حوله، وتحولت نظراته لنظرات لم تفهمها شمس بسبب نظرها للأرضية الرخامية، ليقول مالك بصوت هادئ ولكن يحمل الخبث في طياته:.

هو انتِ بقا إلى بعتك
اومأت شمس مسرعة دون تفكير بما ستجلبه لها هذه الهزة الصغيرة، لتنقلب حياتها رأسًا على عقب!
رفع الهاتف الذي كان في يده ليضعه على اذنه ليتابع بصوت رجولى خشن اثار الرجفة في انحاء جسدها المرهق:
خلاص يابنى اهى جات
...
اه مع انى مستغرب بس..
صمت برهه ينظر لشمس من اعلاها إلى امحص قدميها ولم يستطع إخفاء نظرات الاعجاب واللمعة تلك من عينيه ليستطرد بصوت قاتم:
بس اشطا، يلا سلام انت.

اغلق ينظر لها ثم تنحنح قائلاً بأبتسامة زادت من القلق الذي كان يتوغل بداخلها رويدًا رويدًا:
اتفضلي اتفضلي واقفة لية هنا
ما إن مدت شمس قدمها للداخل حتى وجدت من يضربها بقوة على رأسها، جعلتها تسقطت فاقدة الوعى من دون أن تصرخ حتى، بين ذراعى مالك الذي التقطها على الفور و...


look/images/icons/i1.gif رواية غزالة في صحراء الذئاب
  03-01-2022 01:59 صباحاً   [2]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث

حدق بالثلاث اشخاص الذين كانوا يقفون أمامه بهيئتهم الرجولية الضخمة بصدمة دامت لثوانى فقط، وسرعان ما ابعد شمس عنه لترتطم بالأرضية بقوة، لو كانت متيقظة لكانت صرخت من الألم، وفي لمح البصر كان يخطف العصا من يد احدهم ويلكمه بقوة، قبل أن يضربه هو على رأسه مثل شمس، ساعدته قواه الجسامنية بالطبع، ظل يتبادل اللكمات والضرب مع الرجلين، بينما الاخر فر هاربًا بسرعة لينجو بنفسه الأهم من اى شيئ الان، سقطت الاثنين على الأرضين متأوهين من الألم، هبط مالك لمستواهم وامسك برقبة احدهم، يرمقه بنظرات دبت الرعب في اوصاله ليرتعد من هيئته الغاضبة وعينيه الحمراوتين مثل وجهه من كثرة الإنفعال، ثم سأله بأنفاس لاهثة:.

انت ميييين
كاد يختنق، وحاول إبعاد يده عنه وهو يجيبه بتعب حقيقي:
ع عبد آآ عبدالحميد
حدقه بقوة وبرقت عيناه، وراح يسأله مرة اخرى وهو يهزه:
عايز منها اييية انطق انت تعرفها اصلاً
م معرفش معرفهاش معرفهاش
إلتفت للحظة للأخر الذي استغل الفرصة التي قُدمت له على طبق من ذهب وركض مسرعًا ليفر من امامهم، نهض مالك ليراه بغضب، في حين تحامل الأخر على نفسه ونهض مسرعًا قدر الامكان ثم دفع مالك بقوة وركض هو الاخر..

لم يبالي مالك واستدار لشمس التي مازالت فاقدة الوعى، هبط لمستواها ثم وضع يده أسفل ركبتيها والاخرى اسفل ظهرها، ثم إتجه لداخل المنزل واغلق الباب بقدمه، وضعها على الأريكة المتوسطة الموضوعة في الصالة، ثم نهض واتجه للمطبخ واخرج الماء من الثلاجة ثم عاد لها مرة اخرى، سكب بعض قطرات الماء على وجهها وظل يضربها برفق على وجنتها وهو يقول بصوت قلق بعض الشيئ:
يا انسة ولا يا مدام، فوقي يا انتِ.

بدأت شمس تفتح جفنيها بتثاقل لتشرق شمس عينيها الرمادية الجذابة، تشعر بثقل في انحاء جسدها الضعيف، بدأت الصورة توضح امامها الان، في منزل ما، وامامها شاب، وبمفردهم!

ما إن وصلتها تلك الكلمة حتى هبت منتصبة بفزع، اصبح جسدها يرتعش غير مبالية لألم رأسها الذي تشعر به، كل جزء فيها يرتعد لمجرد التفكير فيما قد حدث او يحدث، رأى الذعر في عينيها الساحرة بوضوح، كان ينظر لها بدهشة، هو لم يفعل شيئ لكل هذا الفزع، ولكن كيف تفزع اساسًا وهي..
قطعت شمس حبل تفكيره الشارد وهي تتأوه بألم لم تستطع اخفاؤوه اكثر:
آآآه انا فين!
رفع حاجبه الأيسر، ثم نظر لها بنصف عين، ونهض فجأة يقول بجدية:.

اية انتِ فقدتى الذاكرة ولا اية؟!
ظلت تعود للخلف شيئ فشيئ، تشربت ملامحهَا الخوف، والجزع، ظل يراقبها بهدوء مخيف كالفهد الذي يراقب فريسته، إبتلعت ريقها بإزدراء، ثم قالت متلعثمة:
آآ افت افتكرت، انا آآ انا..
توقف يسألها برزانة:
انتِ اية؟

كانت دقات قلبها تتسارع، الى متى ستظل هكذا ترتعد، من كثرة خوفها لا تتذكر انها كانت هادئة سعيدة يومًا، يجتاحها الان شعور بالرغبة في الغثيان، تشنجت قسمات وجهها قبل أن تجيبه بصوت هامس:
أنا شمس
ضحك على ارتباكها واجابتها، كانت ابتسامته جذابة ولكن، مخيفة، وكانت تسيطر عليه حالة تعجب لا نهائية، كيف تتلعثم وتخجل هكذا!؟
سألها بابتسامة لعوب:
مالك يا شمس فيكِ اية خايفة كدة لية، متخافيش بطلت أكل الناس.

نظراته الغامضة وكلماته اللعوبة نشرت الخوف اكثر بداخلها، وكأنها في بحر عميق من الخوف، تحتاج لنجدة ما، ولكنه بأفعاله يدفعها بداخله اكثر واكثر، استدارت بسرعة لتسير بخطوات سريعة، ثم قالت مصطنعة الهدوء:
انا ماشية، هبقي ابعت لحضرتك حد غيرى.

أمسكها من معصمها، ليشعر بالقشعريرة التي سارت في جسدها، تحت انظاره وجهها يشحب شيئً فشيئ، لمعة عيناها إنذار لأعلان بدأ اندلاع ثورة غاضبة وباكية، قربها منه قليلاً، ثم نظر في عينيها الرمادية، ذاك البحر العميق، الأزرق الرمادى، نظرات اذابت تماسكها المتبقي في لمح البصر، لتنغمس هي في عينيه السوداء، و قال بصوت رجولى هامس، ليلعب على اوتارها الحساسة:
بس انا عايزك انتِ مش عايز حد تانى.

أستفاقت على جملته تلك، جملته التي حملت الرغبة في طياتها، كرهت كلمة الرغبة بسبب ذاك، دموعها على وشك الانهمار، لن تتماسك بعد الان..!
نقطة ومن بداية السطر، مقاومة، كل خلية بداخلها نهرتها لتقاوم سريعًا، وجدت نفسها تدفعه بكامل قواها، شعرت بطاقة تخترقها لا اراديًا..

بينما جز هو على اسنانه بغيظ، تحاول الفرار من الامتزاج بتلك الامواج وهي منها اساسًا، تحولت نظرات الهائمة لنظرات جعلتها تشعر انها ستفقد وعيها الان!
أمسكها من معصمها بقوة، ولم يبالي بأعتراضها، ثم زمجر فيها بحدة:
فيه اية، انتِ مش جاية هنا عشان شغلك، ماتشتغلي بقا يلا
تنسات خوفها، وتلاشي مع الرياح، ليتجسد امامها معاناة والدتها، لتقف امامه وكأنها بلا روح، إما الغرق، او التمزق لأشلاء يصعب اعادتها!؟

قالت بصوت مهزوز لم يراعيه ابدًا:
ماشي، عن اذنك
استدارت لتتجه للداخل ولكن وجدت ايدى من حديد قاتل امسكت بيدها البيضاء الصغيرة ليمتزج لونهما سويًا، أجفلت وهي تغمغم بتوتر:
لو سمحت سيب ايدى، هأدخل اشوف شغلى
عقد حاجبيه متساءلاً، ثم بدأ الانذار مرة اخرى بأقترابه، ليستطرد بخبث ظهر بوضوح في نبراته:
ماهو انا شغلك، صح.

هزت رأسها نافية بسرعة ثم استدارت وفي لمح البصر كانت تركض للخارج بخطوات متلعثمة، بقلب ظنته يدق بصوت عالٍ مسموع، بأعين تعاهدت ألا تسمح للانهار بالانهمار على تلك الوجنتين الساخنتين..
بينما وقف هو مدهوشًا لما يحدث، رعشتها، خوفها، توترها وتلعثمها، اشياء توحى وتدفعه للظن انها لا تفهم او انه ليس كذلك، هناك حلقة مفقودة!

قال ذلك لنفسه قبل أن يستدير ويمسك بهاتفه من جيبه ثم اتصل بشخص ما وما ان اتاه صوته الرجولى حتى قال جادًا:
انت فين؟
ف الكافيه إلى بنقعد عليه دايمًا
معاك حد؟
لا لوحدى
طب انا جايلك مسافة السكة
في حاجة ولا اية
اما اجي لك هتفهم
ماشي مستنيك
سلام
سلام
اغلق الهاتف ووضعه في جيبه مرة اخرى، لم يتركه التفكير، والشك ولو للحظة، يداهمه بقوة جعلته يضع يداه على رأسها ويضغط بقوة عله يستطيع ايقاف سيل التفكير ليهدأ قليلاً..

هروب، كلمة من اربع حروف كلما تذكرتها يجتاحها شعور بالضعف والخزى من نفسها، نعم، تهرب وتخشي المواجهة، تخشي الظهور امام اى شخص يخترقها بنظراته فتنهار، كالزهرة التي ان خرجت للشمس الحارة ستذبل، وتموت!
اغلقت اهدابها الكثيفة السوداء، تهدأ نفسها من كم المشاعر التي اجتاحتها وتجتاحها يوميًا بلا رحمة للراحة!

ثم نهضت ووقفت امام الدولاب لتختار ما سترتديه، اخرجت بنطال جينز واسع إلى حدًا ما وتيشرت كم أصفر، وطرحة صغيرة من اللون الاصفر والبرتقالي المشجّر..
ارتدت ملابسها على عجلة، واستعدت للذهاب لعملها، حيث تعمل كمهندسة ديكور في احدى الشركات الخاصة، انتهت ثم خرجت متجهة للبَاب، لتقابل والدتها التي خرجت من المطبخ لتوها، وما إن رأتها حتى قالت بريبة:
رايحة فين يا حبيبتي.

تنهدت خلود بقوة، ثم نظرت لها بهدوء، ومن ثم اجابته بنبرة تحمل بعض التهكم:
رايحة شغلى يا ماما، ولا انا خلاص هأقعد في البيت
هز رأسها نافية بسرعة، هي تخشي عليها من اى شخص قد يجعلها تموت بالبطيئ بفعل كلماته المميتة، ثم هتفت مبررة:
لا ابدًا يا حبيبتي، انا بس آآ.

تقوس فمها بأبتسامة ساخرة، قد فهمت كل شيئ من نظراتها، توّد حبسها خلف جدار عازل لتمنع تلك الهتافات السوداء من إطالتها، ولكنها قد قررت التصدى لها ومواجتها، وإن كانت ستجرحها بأشواكها، قاطعتها قائلة بحزم:
انا هنزل يا امى وهعيش حياتى عادى
ارتسم ثغرها بأبتسامة باهتة تعبر عن كم المخاوف التي تساورها، ثم تمتمت بخفوت:
ربنا يحفظك يا حبيبتي
بادلتها الابتسامة الهادئة مرددة:
يارب.

استدارت واتجهت للخارج، ثم استقلت احدى سيارات الاجرة متجهة للشركة، أفكَارها متخبطة بالكثير وسماء ذهنها ممتلئة بشكل متعب، تحاول إعداد وجمع شتات نفسها لتقبل اى كلمة ستسمعها بعد قليل..
وصلت الشركة، كبيرة فاهرة، الحارس امام الباب، ذات طابع جديد ثرى، اخذت نفسًا عميقًا ثم دلفت متجهة لمكتبها، ما إن دلفت إلى الحجرة الكبيرة الموضوع بها اكثر من مكتب للموظفين حتى بدأت الهمهات تعلو رويدًا رويدًا..

لم تعطيها اى اهتمام، بل اقتربت وجلست على كرسيها الجلدى الكبير لتملأ نصفه بكتفيها الصغيرين، سمعت احدى الكلمات من شخص تعرفه جيدًا تقصدها هي:
رجعت تانى، احنا شكلنا مش هانخلص من اللعنة دى خالص
لتتابعها الاخرى متهكمة:
اه، ربنا يستر بقا مايجراش لنا حاجة
عادت ترمقها بنظرات كارهه وبخوف مصطنع:
اه ياختى احسن تيجى بكرة تقول لى انتِ هيحصلك حاجة وفعلاً يحصل لى، انا مُش ناقصة بصراحة.

ظنت انها ستنهض وتكيل لهم الكلمات اطنانًا، ولكنها صمتت، جزت على اسنانها بغيظ تكبح دموعها بصعوبة، تغلق ابوابها وتمنع الرد من الطلوع، ولكن، السبب مجهول..
بعد ثوان اتي لها المنقذ في صورة زميل لها، يطالعها بنظرات تود إختلاعها من عيناه السوداء، الشفقة، تكرهها وبشدة، نظراته تنغر في جرحها بقوة، تشعر بالألم يتراكم ويتراكم حتى اصبح صعب عليها تجاوزه، بينما قال هو هادئ:
مستر درويش عايزك يا انسة خلود.

صدرت منها ايماءة صغيرة اكدت له انها مازالت على قيد الحياة، لتنهض بخطوات متعثرة، تخشي السقوط امامهم فيتأكدوا من سقوطها الابدى في الحياة..
وصلت امام مكتب المدير اخذت نفسًا عميقًا تملأ رئتيها بالهواء النقي، ثم طرقت الباب ودلفت بهدوء، لتراه يوليها ظهره، بهيئته السمينة، وبدلته المهندمة، تعبر عن الوقار والهيبة، تنحنحت قائلة بهدوء حذر:
احم، مستر درويش حضرتك طلبتنى؟

اومأ دون أن ينظر لها، ثم بعد ثوان استدار لها عاقدًا ساعديه امام صدره العريض، ينظر لها نظرات منعكسة على مرآتها المكسورة بالجمود، والشفقة، ثم تفوه بجملة واحدة كان لها اثرًا واضحًا على تلك المسكينة:
الناس اشتكت منك، إما تروحى للدكتور النفسي الخاص بالشركة، إما تعتبرى نفسك مرفودة يا استاذة!

كان يقفوا أمامه في شارع خالٍ من السكان كبير، جسدهم يرتعش ببعض الخوف من حكم ذاك القاضي المتجبر، يطرقوا رأسهم في الأرض بخزى، بينما هو صدره يعلو ويهبط من فرط إنفعاله، يحدق بهم بشرارات غاضبة حارقة تجتاح عينيه السواوتين، هيئته العريضة تجعل من يراه يخشاه دون سبب محدد، في الثلاثون من عمره، ملابسه انيقة مهندمة، رفع يده السمراء الخشنة عاليًا لتسقط على جسد احدهم الذي صرخ متأوهًا من الألم، نظر له بشماته وقال بحدة:.

اية يا بهايم حتت واد يعمل فيكوا كدة!
غمغم بضيق واضح ولم ينظر له:
ده مش اى واد يا باشا
زاد احمرار وجهه غضبًا، شعر ان خلاياه ستنفجر من الغضب، لا يقبل التحدى من اى شخص، ما ان كان تحداه وتخطاه وفاز عليه بكل سهولة، ليس على شخصًا مثل القبول والصمت هكذا، بل سيدلف حرب بملئ ارادته، وحربه الفوز فقط هو المباح فيها وليس غيره!
زجره بعيناه وتابع بسخرية:
وانتم تلاتة وماقدرتوش عليه، جاتكم نيلة يا بهايم.

تهدجت انفاسه المتلاحقة، واجابه لاهثًا وهو يتحسس انفه التي تنزف:
ده انا كنت هموت ف ايده يا باشا، ده شكله بيلعب مصارعة
لم يرد عليه وانما اتاه صوته متساءلاً بخشونة:
اية إلى ودااا البت عنده اصلاً؟
رفع كتفه كعلامة معبرة عن جهله، ليصدح صوته محذرًا:
ف خلال 24 ساعة عايز اعرف كل حاجة عن الواد ده واية علاقته بالبت، والا نهايتكوا هتكون على ايدى
صمت لبرهه يتفرس ملامحهم المذعورة، ليتشدق بما اثار الرجفة في اوصالهم:.

وانتم عارفين، انا ماعنديش ياما ارحمينى!
اومأوا مسرعين، ليتابع قوله الامر:
عايز البت بأى طريقة، بس ابقوا خدوا رجالة بجد معاكم
حاضر، حاضر يا طه بيه بس اهدى انت
قالها احدهم محاولاً تهدأته، بينما افترش الشر على ملامحه الصارمة، ثم قال بتوعد شرس لنفسه:
هوصل للى انا عاوزه، مش على اخر الزمن حتت واد زى ده هيقف ف وشي.

أشار لهم ان يذهبوا، لينطلقوا من امامه مسرعين يتنفسوا الصعداء حمدًا لله انهم مازالوا بخير، بينما انطلق هو الاخر كالسهم من احدى الأقواس متجهًا لمنزله لسببًا ما..

في احدى الكافيهات الكبيرة, والمشهورة، جلس هو على احدى المنضدات، وعلى احدى الكراسي البلاستيكية، يملأه بمنكبيه العريضين، ينعش نفسه بالهواء الطلق الذي يشعر انه يجتاحها لينظفه داخليًا ويذكره بما مضي، تحديدًا تحت اضواء القمر المبهجة، تتعالي الهمهمات العشوائية، يجلس هو على الكرسي، شارد الذهن، وجه واجم وملامحه هادئة بشكل غريب يصعب فهمه، كان يضع يده أسفل ذقنه وينظر للاشيئ بسرحان، حتى قطع خلوته بنفسه صوت صديقه المرح وهو يقترب منه:.

اية يا ملوكه طلبتنى ليية؟
جز على أسنانه بغيظ، ثم نظر له محذرًا:
قولت لك ماسميش خرة، اسمى مالك، مالك مش ملوكة!
أوقف ابتسامته من التسلل لثغره بصعوبة، وسأله بجدية مصطنعة:
خلاص خلاص، قولى بقا في اية يستاهل انك تقطع قعدتى الجميلة
تقوس فمه بأبتسامة ساخرة وقال متهكمًا:
لية ان شاء الله، كنت بتختم القرءان!؟
هز رأسه نافيًا، دائمًا ما يخسر هو في نهاية الجدال، فاليصمت من البداية افضل من ينفجر بوجهه ذات مرة!

هتف بنفاذ صبر:
لا ياعم كنت بأشوف الاجنبى اية اخباره
لم يستطع منع الضحك، يحب مرحه وعفويته بشدة، توقف فمه كما هو بصدمه عندما طرقت جملة صعبة التصديق على اذنيه:
ولا انت عشان البت ماجتلكش والليلة اتضربت يعنى تتعبنى انا!
حملق به متسع الحدقتين، ليعقد مروان حاجبيه متعجبًا:
اية يابنى في اية مالك
اخيرًا استطاع إخراج الكلمات بصعوبة من بين شفتيه الثابتتين بصدمة:
يعني اية البت ماجتليش؟
رفع كتفيه وقال بلامبالاة:.

يعنى انا عرفت عشان البت اتصلت بيا وقالت لى انها مش هتقدر تيجي، ف قولت زمانك بتدعى عليا
هز رأسه غير مصدقًا، إن لم تكن هي الفتاة التي ارسلها صديقه، اذًا من تكون، من التي اثار الرعب في قلبها وفرشه براحته دون ادني شفقة!
ملابسها وحجابها الصغير، و ملامحها البريئة الجذابة لا توحى انها كذلك اطلاقًا بل هو من وضع غشاوة رغبته امام عينيه ليمنعها من التدقيق وامر العقل بالتفكير!
فغر فاهه مندهشًا:.

يعنى البت كانت عشان تنضف مش بت من اياهم!
مروان بعدم فهم:
لا ده انت تشرح لى واحدة واحدة كدة، بت مين واية إلى حصل
تنهد مالك تنهيدة تحمل الكثير، ثم بدأ يقص عليه ما حدث بهدوء شديد، يستقبل مروان الكلام بدهشة اكبر، ما إن انتهي مالك من حديثه حتى صاح فيه مروان بجدية:
الله يخربيتك يا مالك
زم مالك شفتيه بعدم رضا، ثم قال ساخرًا:
يخربيت لسانك السكر
زفر مروان بقوة، ثم تابع بلوم:.

حرام عليك يا مالك، انت ماتعرفش البت اية إلى جرالها وهي مين اصلاً
ثم تجلى صوته واردف بجدية:
لازم تعتذرلها ع طول
هز مالك رأسه نافيًا، وافترش الخبث على ملامحه بأريحية، ليركض القلق لمروان من الابتسامة التي تسللت لثغر صديقه واحتلته بلا منازع..
نظر له يحاول فهم ما يدور برأسه ثم سأله بتوجس:
انت ناوى ع اية يا مالك؟
همس بشرود وصوته يكاد يسمع:
هتشوف..

تجلس على الأريكة بالخارج، تضع يدها أسفل ذقنها وتنظر على الشارع الخارجى بشرود إرتسم على ملامحها، ذاك العالم الذي لم ولن يرحمهم ابدًا، عالم تعلمت فيه أن تتناسي ألمها حتى اصبحت تشعر انها بلا احساس!

كانت والدتها تقف خلفها، منذ ان وصلت وهي تسألها عما حدث جعلها هكذا، إنتفض جسدها بقلق من شحوب وجهها الأبيض وكأنها خرجت من معركة ما خاسرة، ولما لا، بالفعل لم تنتصر وتواجهه، بل ارتعدت، كانت الدموع متحجرة في لؤلؤتيها الرماديتين، تكبحهم بصعوبة شديدة، ويظهر جهادها في ذلك عن طريق تنفسها الغير منتظم، وسؤال والدتها يضعف من مقاومتها الشنيعة للبكاء الحاد!

يابنتى ما تريحيني وتقولى لى مالك، اية الى حصل فوق خلاكِ كدة!؟
سألتها والدتها كريمة بنبرة ظهر فيها نفاذ الصبر، لتغمغم شمس بتشنج:
مفيش يا ماما محصلش
اقتربت منها تنتزعها من جوار الشباك، لتنظر لعينيها وتشير اليها بأصبعها، وهي تصيح فيها ببعض الحدة:
امال اية الدموع الى ف عينيكِ دى!
حاولت شمس الابتعاد عن نظراتها خوفًا من افتضاح الأمر، فهى كالمرآة بالنسبة لوالدتها، أمر سهل كشفه بالطبع..

هزت رأسها نافية، واستطردت بهدوء مفتعل:
لأ متهيألك، انا متضايقة شوية بس
سألتها مستفهمة، وراحت تعيد نفس الجملة:
متضايقة من اية، حصل اية انطقي
نظرت للأرضية بأسف حقيقى، ثم تمتمت بكسرة ألمت كريمة بشدة:
بابا وحشنى اوى بس، احنا من غيره مانسواش حاجة
احتضنتها في ثوانٍ، بالرغم من صدق عبارتها إلا انها لن تستسلم وتسقط معها، ستقاوم وتقاوم حتى، الموت!
قالت بصوت ينزف ألمًا:
ان شاء الله هيرجع لنا قريب
رددت خلفها بفتور.

ان شاء الله، ياارب
إبتعدت والدتها قليلاً، واخذت نفسًا طويلًا تستعد للقادم، تحصن نفسها من التهاون امام ابنتها الوحيدة، تنحنحت قائلة وهي تنظر للجهة المعاكسة:
شمس انا عايزة أقولك على حاجة
قطبت جبينها ثم قالت متساءلة:
خير يا ماما حاجة اية؟
اجابتها بصوت قاتم هز كيانها:
يحيى ابن خالتك اتقدم لك وانا موافقة وهيجوا زيارة نتفق ع كل حاجة!


look/images/icons/i1.gif رواية غزالة في صحراء الذئاب
  03-01-2022 02:00 صباحاً   [3]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع

جحظت عيناها بصدمة جلية على ملامحها وجسدها الذي تبلد من الصدمة، لم تعى أهى بحلم ام علم!؟
ولكن ماهى متأكدة منه أنها لن ولم تصبح زوجته ابدًا، كان قلبها يدق بصخب، يود الخروج ونهر والدتها بشدة، دقائق مرت عليها كالدهر وهي محملقة بوالدتها، وأعجزتها الصدمة عن الرد، عليها أن تعيد بناء كل شيئ رويدًا رويدًا، وأولهم حياتها والأستقلال فيها!.

اخيرًا استطاعت تحريك لسانها الذي قُيد بسلاسل الصدمة منذ قليل قائلة:
مستحيييل
حاولت بث جميع مخاوفها ورفضها التام في هذه الكلمة، ولكن يبدو أنها لم تؤثر بوالدتها الصامدة ولو لثوانى لتعيد التفكير حيث سألتها بجدية بالغة:
مستحيل لية ان شاء الله، ماله يحيى؟
هزت رأسها نافية وسارعت مبررة:
ملهوش بس مش هو الشاب الى بأحلم بيه طول عمرى
رفعت والدتها حاجبها مستنكرة ثم قالت بسخرية واضحة:.

لا والله، وحضرتك عايزة واحد ازاى
اجابتها بصوت سُلب منه جميع المشاعر:
مش عايزة، لكن يحيى لا
سألتها كريمة مرة اخرى متأففة:
لييييية قولى اسباب حتى اعرف اقنعه بيها او اقنعك انتِ؟
هدوء غريب سكنها فجأة، لتجوب بعينيها في ارجاء المكان، ثم صرحت بقوة:.

يحيى مابيصليش، مابيدخلش الجامع غير ف المناسبات، احتمال مايعرفش المصحف كام جزء اصلاً، عايز الحاجة إلى تعجبه تبقي ليه على طول ومستعد يعمل اى حاجة عشان يوصلها، يحيى مابيحبنيش، يحيى عايز يمتلكنى بس!
مصمصت شفتاها بغلب، تبحث وتبحث بين جنبات عقلها عن إجابة مقنعة ولكن، أين تجد؟! فهي محقة بكل حرف قالته، وكأنها كانت ترمم هذه الاجابة سابقًا حتى تكون غير قابلة للنقاش!
إستطاعت القول لتقطع الصمت بتفكير:.

الصلاة وهنخليه يلتزم بيها، ويعرف ربنا وان شاء المولى يهديه، اما انه عايز يمتلكك ف ده اكيد عشان بيحبك يا هبلة
تنهدت تنهيدة طويلة، الملل يجتاحها رويدًا رويدًا كلما شعرت بقبضة عشقه المزيف تزداد ضغطًا عليها يوم بعد يوم، نظرت لها نظرات اربكتها قليلاً ثم اردفت متساءلة بهدوء حذر:
انتِ عايزة اية بالظبط يا أمي
إبتعدت عن حرب عينيها، عن ذاك السحر، لتتهته متلعثمة:
عايزة مصلحتك اكيد
هزت رأسها نافية، ثم قالت هادئة:.

ولو قولت انى مش عايزاه، هتجبرينى؟
سؤال يجيب على نفسه، تتحدث معها بكل هدوء وتطرح الاسئلة بينما بداخلها بركان ثائر يحثها على النهوض والركض أبعد ما يمكن عن مجرد هذه الفكرة الجوفاء التي تشعرها بالتقزز من نفسها مستقبلاً..
تنهدت والدتها تنهيدة حملت الحيرة في طياتها، ولكن تخطتها بمهارة وهي تصطنع الحدة:
ايوة هجبرك لأنى مش شايفة فيه عيب
هدرت فيه غاضبة:
لكن انا شايفاه كله عيوب!

زفير عالى سمعته لتسكن منتظرة حكم القاضي عليها، ولكنها تفاجئت بجلاد قاسى يهبط بسوطه عليها دون رحمة:
انتِ عارفة كويس إن ممكن محدش يتقدم لك عشان موضوع ابوكِ
آآه من الكلمات المميتة تلك، شعرت بأمعائها تتقلص من الجزع والحزن، وإنخرط قلبها قبل عينيها في البكاء الحاد الذي كان سبيله الوحيد للتهوين عن نفسه، ثم همست بصوت امتلأ بالرهبة:
يعنى ايييية، بردو مش هاتجوز يحيى.

إستدارت رافعة كتفيها ببرود ومن ثم استطردت بلامبالاة:
أنا قولت الى عندى وخلاص
ثم اتجهت لغرفتها الصغيرة غير مبالية بأبنتها الوحيدة الذي تنقسم لأشلاء متباعدة كل البعد عن بعضهم، كل جزء يرغب في ماسة مختلفة وكل ماسة ترغب بجزء اخر، عقلها مشتت بكيفية جمع الاثنان، رغبتها و، والدتها!

كانت تقف مدهوشة، تبلد جسدها بثبات ولمعت عينيها ببريق مهدد بالأنفجار، أقل ما يُقال عنها في هذه اللحظة أنها صنم حجرى ثابت، حاولت تحريك شفتيها المزمومتين ببلاهة لتطلق سهمًا ما ترده له ليشعر بما تعانيه، ولكن لم تنطق، ثُبتت قدماها بالأرض وكأنهما قُيدا بقيود معتادة ولكن من الواضح أنها اشتدت مع مرور الوقت، شعر بما تعانيه لوهلة، اخبرته عيناه التي لمحت أطياف الحزن بعيناها ولكنه لم يبالى و قال بكل برود كأنه يخبرها عن طلب بسيط:.

ها هتسيبي الشغل ولا تروحى للدكتور؟
همست ببلاهة فاغرةً شفتيها:
هآآه!
هآآه اية انجزى انا مش فاضي لك
صرخته الرجولية الحادة أرعشت جسدها وكأنها رسالة للعقل بالتحرك والتفكير على الفور، لتسأله ببلاهة:
طب لية؟
اجابها بنفاذ صبر:
يووه، هو احنا إلى هنعيده هنزيده!
خرجت منها همسة منكسرة:
معلهش!
أعاد قوله عليها بملل:
الناس بدأت تشتكي منك، وزمايلك بقوا خايفين منك جدًا!

حدقت به غير مصدقة، ما الذنب التي ارتكتبه؟!، تُعاقب وتُدس وسط خيارين من أشواك مؤلمةً تجرحها دون رحمة او مُهلة، على شيئً لم يكن بأرادتها يومًا، أسبلت اهدابها وهي تغمغم بألم:
بس انا ما اذيتش حد
تحولت عيناه لجمرتين من النار في ثوانى معدودة، ليتابع مفتعلاً:
قصدك إن انا بكذب ولا اية؟
سارعت مبررة بهزة من رأسها مستنكرة:
لأ انا ماقولتش كدة، لكن آآ
قاطعها بصوت سَاخط خالٍ من اى شفقة:.

مليش فيه، يظهر انك قررتى تسيبي الشغل؟
لم تهز رأسها نافية، لم تنهره على اتخاذ قرارات بدلاً منها، لم تصيح فيه بحدة أنا لستُ مجنونة!، بل صمتت، وما اصعب ذاك الصمت الذي يلجمها، الحزن يدميها منذ أن اصبحت تحلم بتلك الأحلام، حتى كادت تشعر انها تستشعر الثقل في نطق تلك الكلمة مرة اخرى!

بينما ظل هو يراقبها بأعين متلهفة، فهو من الأساس لم يتقبلها يومًا، وليكن كلام اصدقائها ما هو سوى عصا يزجها بها دون أن يلومه اى شخص..
عاد يقول بتهكم وكأنه منتظر اجابتها من الأصل:
اممم، شايفك ساكتة، القطة أكلت لسانك ولا اية؟!
خرجت همسة هادئة بعكس ما يجيش بصدرها من اهتياج حاد:
إلى اشوفه حضرتك يا فندم
سألها بلهفة:
يعني اية هتعملي اية؟!
نظرت له بقوة ثم قالت بثبات زائف:
يعنى هأسيب الشغل!

انفجر ثغره بأبتسامة مشعة وكأنه حصل على ترقية ما، حاولت إخفاؤوها وهو يستطرد بأسف مصطنع:
لية كدة ده انا كان نفسي تكملى معانا
النصيب بقا يا فندم
هتفت بها وهي تستدير متجهة للخارج بأقدام هائمة ودموع مهددة بالأنفجار!

تجلس في سيارتها السوداء الفارهة، عيناها التي لطالما طُبع عنهم مظهر الجمال والجاذبية الان تذبل لتصبح مصدر للشفقة، لم تضع اى مساحيق تجميل، كانت ترتدى بنطال جينز من اللون الأسود وتيشترت نصف كم احمر، خصلاتها الناعمة تتناثر بشكل عشوائى لتعطيها مظهر جذاب بعض الشيئ، اصبح وجهها شاحب كأنسحاب القمر من الكرة الأرضية ليعلن عن إنطفاء نوره، تكونت الهالات تحت عينيها بكثرة، اصبحت كالعجوز في سن الشباب!

يدها تدب على السيارة تلقائيًا من فرط التوتر، لم تكن تلك زينة الجميلة يومًا!
واخيرًا جاء ما كانت تنتظره ليفتح الباب ويستقل زياد السيارة بجوارها ببرود متعمد، ما إن التفت لها حتى سارعت بقولها متلهفة:
كل ده تأخير يا زياد؟!
رفَع كتفيه ثم زم شفتيه قائلاً ببرود:
سورى يا بيبي الطريق كان زحمة
جزت على اسنانها ساخرة:
والله!
اه وحياتك.

اجابها بسخرية اكثر، شعرت بنفسها تحلق في سماء ممتلئة بالأوهام والكأبة والحزن، كان الجميع ينتظر منها نظرة ليروى عطشه منها، ولكنها الان هي من تتلهف لرؤيته، هي من تركض له، وبالطبع هو يستمتع بذلك ببرود، يتردد بعقلها سؤال واحد لم يحدث معى كل هذا؟!.
لم تهتم لكل تلك الأفكار التي تداهمها وسألته مسرعة:
جبت لى الحاجة ولا لا؟
تنهد ببطئ، ثم سألها متفهمًا بعدم فهم مصطنع:
حاجات اية؟

جاهدت للتحكم في اعصابها واخراج صوتها هادئًا:
يعنى انت مش عارف، المخدرات يا زياد
أطلق صفيرًا بصوت عالى، يشعر بكبرياؤوه يتغذى ويتشبع عندما يستمع لتوسلاتها عبر الهاتف حتى يلقاها ويجلب لها الهيروين، تزين ثغره بأبتسامة ساخرة واردف بلوم مفتعل:
تؤ تؤ، كدة جاية تشوفينى عشان كدة بس يا زينة؟

لم تعد تحتمل، تشعر برأسها تكاد تنفجر، ستصرخ من شدة الألم، وضعت يدها تضغط على رأسها بقوة علها تهدأ، ولكن من دون جدوى، صرخت فيه من دون وعى لصوتها العالى:
قولت لك هات يا زياد خلصنى
تنحنح ببرود وهو يقول:
هاتى الفلوس الأول
مدت يدها ممسكة بحقيبتها بسرعة ثم اخرجت الأموال منها وألقتها له ليمسكها يتفحصها ويعّدها، ثم نظر لها شزرًا وقال ببجاحة:
اية الهلاهيل دول!
حدقت به بغيظ، ثم هتفت متساءلة بتهكم:.

دول 10 الاف، هلاهيل، امال حضرتك عايز كام؟
قولت لك 15 الف مش اقل ابدًا
اجابها وهو يعود برأسه للخلف، بينما رمقته هي بنظرة كارهه حانقة، لو كان يشعر بها لكانت قتلته توًا، اللمعة البارقة تزيد عينيها شراسة وخطورة، كادت تمزق الحقيبة وهي تمسكها بقوة لتخرج منها باقى الأموال، ثم ألقتها في حجره وقالت آمرة:
انجز بقا وخلصني يلا!

أخرج كيس المخدرات من جيب بنطاله بهدوء مستفز، وما إن اخرجه حتى اختطفته بسرعة، ثم فتحته وبدأت تشمه وهي مغلقة العينين والراحة تجتاحها رويدًا رويدًا، تتابعها أعين زياد المتشفية.

كانت شمس بغرفتها، متسطحة على فراشها الصغير كالحضن الممتلئ بالحنان، تحتضن وسادتها الصغيرة ودموعها تهطل بصمت، عينيها لم تستطع التعبير عن كم المشاعر المختلطة التي تجيش بصدرها، ضلوعها تكاد تختلع من كثرة عدم احتمالها، المشاعر والمشاعر، الحزن والألم، ألم يكفي كل هذا ليأتى هذا ال يحيى ويزيد همها، أم هذه دعوة صريحة من القدر أنه لن يتركها تحظى بهدنة صغيرة؟!، يدميها الحزن ويحتل قلبها بجدارة ولا منازع كالسعادة، سوط أمام سوط بخيروها بأى واحد ستُجلد؟!

..
بينما في الخارج والدتها كانت قد خرجت من المرحاض بعدما توضأت لتؤدى فريضتها اليومية، بوجه هادئ لا يحمل في طياته اى شيئ، وكأنه لغز صعب الفك، حتى سمعت طرقات هادئة على الباب، عدلت من وضعية حجابها ثم اتجهت لتفتحه، لتجد امامها مالك!
عقدت حاجبيها بتعجب، ثم سألته مستفهمة:
مين حضرتك؟
اجابها بأبتسامة هادئة:
أنا مالك جمال
هزت رأسها وعادت تسأله مرة اخرى:
ايوة يعنى حضرتك عاوز اية؟
تنهد قبل أن يستطرد بحرج:.

طب مش ممكن نتكلم جوة؟
شحب وجهها من الحرج، ابتعدت مسرعة وهي تشير له للداخل قائلة:
معلش، أتفضل
حضرتك استاذ مالك الى سكنت جديد صح؟
سألته وهي تدقق النظر له لتتذكر أين رأته، ولكن اجابها بهدوء حذر:
ايوة مظبوط
اومأت بصمت بعدما لاحظت نظراته المتفحصة للمنزل، لم تشعر بالخزى ابدًا من منزلها الحبيب، بل اجابته بفخر يشوبه الحزن:
معلش بقا يا بيه البيت مش قد المقام
سارع يرد مبررًا:
لأ ابدًا والله مش قصدى.

حمد الله انها لم تلحظ علاما كانت تبحث نظراته، علاما يعبر بريقه اللامع، وإن كانت فهمت نظراته شفقة وكبرياء افضل من ان تفهم سبيل عيناه وهو البحث عن شمس!
تنحنح بهدوء:
انا عايز اتكلم مع حضرتك ف حاجة وياريت ماتفهميهاش غلط وتكونى متفهمة موقفي
شعرت بريبة تحتل قلبها، ولكن غمغمت هادئة:
أتفضل يابنى
جلس على الأريكة الصغيرة، وحاول اعتدال وضعيته وهو يبدأ السرد عن سبب زيارته الغير مفهومة لوالدة شمس..

خرجت من الشركة، بخطوات زاحفة وليست بطيئة فقط، قدم لم تعد قادرة على السير بسبب توقف العقل عن العمل مؤقتًا، كيف يعمل وهو يتلقي كل هذا ويداهمه كل هذه الأفكار فجأةً، وقلب يلومها وبشدة على صمتها، يزمجر فيها أن تعود وتلقنهن جميعًا درسًا لن ينسوه، وأعين لطالما اعتادت على البكاء بحدة، تكاد لا ترى من الغمامة التي تحيط عينيها، تتذكر كل الهمهمات المهينة التي سمعتها بمجرد علمهم أنها ستترك العمل بلا عودة،.

يووه اخيرًا، اوف ده هم وانزاح، اخيرًا حسيتى على دمك واتطردتى..
روحى اتعالجي يا ملبوسة
بسحابات عميقة, منكسرة وحزينة سألت نفسها بألم:
امتى هرتاح بقاا ياااااارب
لم تستطع الاجابة حيث وقعت عيناها على شيئً ما جعلها تركض مسرعة بأتجاه شابًا ما كان يركض متلفتًا خلفه كل ثانية، ثم فجأة احتضنته وهي تزجه سيرًا ليقعوا سويًا عند شارع ما ضيق وخالى من السكان...!

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 17 < 1 2 3 4 5 6 7 8 17 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
ارتفاع أعداد المصابين في فرح «غزالة» لـ39 شخصاً.. والداخلية تكشف التفاصيل بعد القبض على «أبو العروسة» Moha
0 283 Moha
ﻗﺼﺔ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝﷺ dody
0 271 dody

الكلمات الدلالية
رواية ، غزالة ، صحراء ، الذئاب ،










الساعة الآن 09:18 AM