رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي عشر
نظر له الأخر بعدم تصديق، سيجلب الفريسة له ويُقسمها مع غيره..! ومن قدم له هذه الفرصة من ذهب؟!، الأبله الذي يُدعي إبن خالتها.. نظر له بهدوء ثم قال بصوت أجش: لا يا عم مليش ف الحرام رفع الشبح حاجبه الأيسر وتابع متهكمًا: لا يا راجل، امال ليك ف أية؟ كيف له أن يُطبق شريعة على شخص حياته كالماء يطفو فيه، الحرام فقط! مصمص شفتيه وهو يقول بحنق: الحلال، الحلال بس يا صاحبي رمقه الأخر بريبة وهو يسأله:.
مصاحبنى لية وأنت عارف إن عيشتى كلها حرام! تنهد وهو يقول بهدوء حذر: المثل بيقولك أعرف صاحبك وعلم عليه زمجر فيه غاضبًا: أنت عايز يعنى أنت دلوقتِ؟ رفع كتفيه وهو يردف بلامبالاة: ولا حاجة، حبيت أنصحك، وبعدين أفرض البت دى متجوزة أو مخطوبة، تفتكر لو عرفوا إن حد فبرك صورها كدة هيسكت؟! لم يرد عليه وإنما نظر على الجهاز، وإن كان كلامه صحيح، ولكن السبيل الأصح بالنسبة له هو متعة نفسه فقط! نظر له مرة اخرى وهو يتشدق ب:.
مش مهم، مش هيقدروا يعملوا حاجة ثقته الزائده بنفسه هي من تقلقه، يختار الجزء الذي يرغبه فقط في حياته، ويُعتم الجزء الذي يخبره أنه بشر يتأثر كما يُؤثر، وبهدوء حذر قال الاخر: أنت حر، بس أنا برة اللعبة دى زم شفتيه متهكمًا: جبان مش جبان بس بخاف ربنا قالها وهو يتجه للخارج بهدوء، ليتابع هو بحنق: على الله بس محدش يعرف هاا نظر له من فوق كتفيه نظرة غامضة لم تريحه، ليهتف بجدية: سلام يا، يا غريب.
سيفسد كل شيئ وأنتهي الأمر، إن ناداه بأسمه الحقيقي فهذا يعد كتحذير لجدية الموقف، وسقطت كل محصناته أمام هجوم صديقه الوحيد، فهو مؤمن لحد كبير بهذه الجملة.. خاف من صديقك، ولا تخف من عدوك.
لكل فعل رد فعل، لكل تهديد ذعر وخوف ورهبة، كلماته لم يذهب مفعولها هباءً، وإنما عملتها مراحل الرعب مرحلة مرحلة، ولم يغلب هو في كشفه، فقد كان يلمع بوضوح في حدقتاها، وأين ذهبت شجاعتها تلك؟! مع أهداب الرياح، زجتها نحو حافة الدمار وتركتها وحيدة بين براثن شخص لا يرى سوى بريق، الأنتقام! كست نبراتها الذعر وهي تسأله: أنت عايز مني اية؟ تقوس فمه بابتسامة ساخرة ارادت اختلاعها من ثغره، ليقول بعبث:.
هكون عايز منك إية يعنى؟ وكأنه يعيد عليها نفس السؤال لتتخبط في حيرتها أكثر، وبأعين اُرهقت من كثرة الدموع التي باتت سخونيتها تقليدية عليها أردفت متوسلة: لو سمحت، كفاية أنا تعبت، أنا بتعاقب على حاجة ماعملتهاش، بشيل ذنب مليش يد فيه والله حرام! لمَ يلتمس الصدق في نبراتها؟!، لمَ يستشعر حزنها وآلامها كالمرأة المعكوسة أمامه؟! لمَ يجتاحه شعور بالشفقة نحوها! تغاضي عن كل هذا وهو يتابع ببرود:.
منا قولت لك قضاء وقدر لم ترد، نعم الصمت أفضل حل الأن، الصمت هو الذي لن يزيد الوضع سوءً..؟ أمرها بصوت جاد: قومي قالت متساءلة بتوجس: هنروح فين؟ جذبها من مرفقها بقوة وهو يستطرد بنزق: هتعرفي، بطلي أسئلة كتير! تأففت متابعة: أمال أمشي وراك زى الحمارة كدة!؟ هز رأسه نافيًا ثم أجابها بسماجة: تؤ تؤ، امشي ورايا زى أى زوجة مطيعة.
كان لكلماته أثر واضح عليها، ذكرتها لما هي فيه، بوضعها، واخيرًا، بأنها زوجته...! وآه من تلك الحروف التي قيدتها بحبال تخنقها مع الوقت! لم ترد فقال هو بغموض: هنروح شقتي، وإياكِ تعملى شوشرة وايضًا لم ترد، وكأنها تعاهدت أن تصمت، يكفيها إهانات وألم! إستقلا سيارته وعينيها تجوب المكان، وكأنها تسأله بحيرة أين أنا؟ ولكن الإجابة من مراد الذي إستشف حيرتها: مش هتعرفِ أحنا فين، ريحِ نفسك.
بعد فترة الاثنان فيها صامتان، نسمات الهواء المشحونة تعبر عن حالة التوتر فقط، وصلا امام منزله، منطقة هادئة بعض الشيئ، ليست بواسعة الثراء وليست بمنطقة للفقراء.. ترجلت من السيارة وهي تسير بجواره، لا تعرف الخوف أم التوتر يأكلها،! دلفا إلى البناية تحت أنظار حارس العمارة، الذي رحب بمراد مسرعًا: أهلاً أهلاً مراد باشا.
اومأ مراد بهدوء ثم أكمل سيره بجوار خلود حتى وصلا أمام المنزل، أخرج المفتاح من جيبه ثم فتح بهدوء، أشار للداخل قائلاً بسخرية: خشي برجلك اليمين يا عروسة! لم تعيره أدني أهتمام وهي تدلف بهدوء، أنتبهت لغلقه للباب فقال هو بحدة جدت عليها الأن: هتقعدى ف الأوضة دى قالها وهو يشير لأحدى الغرف الصغيرة، وفجأة أقترب منها، وقربه ما أسوءه، يجعل الدماء تفر هربًا منها وقلبها يعلن خضوعه بين جنباته مرتعدًا..!
فهتفت هي بقلق: لو سمحت أبعد كدة ظل ينظر لحلكتيها اللامعة، تجتاحه رغبة في الأقتراب منها لمجرد ذعرها فقط! وإن كانت رغبته غريبة بعض الشيئ، تنتشر بداخله أكثر مع كل دقيقة تمر! همس بقوة غريبة اجتاحته: مش هقرب لك دلوقتِ لإني مليش مزاج ليكِ دلوقتِ وبنظرة تمحصتها من رأسها لأمحص قدميها، ونظرة جعلتها تلعن إستسلامها لذاك القدر وقدومها معه قال متهكمًا: بس وقت ما أحب، هاخد حقوقي كزوج!
إتسعت حدقتا عينيها من إعترافه الصريح والوقح! لا يخجل، لا يتردد، يعلنها صريحة دون أن يغلفها ببعض الغموض حتى!، أصبحت وكأنها في حفرة عميقة تود إبتلاعها دون تردد.. لم ترد على تصريحه وأستطردت بتوجس: طب وآآ وأهلي؟ سألها دون تردد بجدية: مالهم أهلك نظرت له متابعة بحزن توغل نبرتها: أكيد هيستغربوا غيابي، ومش بعيد يبلغوا الشرطة قهقه بسخرية، كل محاولاتها للحماية منه لا تجدى نفعًا، تحتمي منه بشيئ يخترقه بسهولة!
أستغربت هي من ضحكه فسألته بضيق: بتضحك على أية؟ رفع كتفيه وهو يقول بلامبالاة: البوليس ميقدرش يعمل لى حاجة وقف أمامها تمامًا ليظهر فارق الطول بينهما، ثم همس بما أزهلها للحظات: مينفعش يروحوا يشتكوا من الشرطة للشرطة!
كانت كما هي، تنظر لهم بغيظ لم يشفي بعد، وبنظرات ملؤوها الكره ليحيى، يحيى الذي كاد يفقد عقله أمام هول كلماتها، يحيى الذي صدمه الواقع وحتم عليه خسارتها فجأةً وابدًا! عيناه مهددة بأندلاع ثورة حارقة ستحرق من أمامها حتمًا، ووالدتها... والدتها التي كانت تقف مذهولة للحظات، الذئاب تود الإنقضاض على فريستهم التي كانت تحتضنها هي لتحميها! واخيرًا هتف يحيى بغضب جامح: يعنى أية هتبقي ليه ومعاه!
رفعت كتفيها ببرود متعمده إحراقه أكثر: يعنى زى ما سمعت يا يحيى أقترب منها يصيح فيها بحدة إعتادتها منه: لأ ماسمعتش ومش هسمع، أنتِ هتبقي ليا أنا بس، سواء برضاكِ أو غصب عنك رفعت حاجبها الأيسر متهكمة: فعلاً؟ سينفجر بوجهها من يمنعه عنها حتمًا إن ظلت هكذا، زجرها بعنف قائلاً: بطلي برودك ده بقا زالت قناع البرود وظهر إحتقان وجهها وهي تبعد يده بقوة كالوباء وتردف:.
أوعي تفكر إني حباه هو كمان، لأ خالص أنا كرهاكم أنتم الاتنين، بس المضطر يركب الصعب زى ما بيقولوا، أنا بين نارين، إما النار دى او دى، وللأسف أنا هختار ناره هو ثم سألته بنبره أشبه للصراخ: عارف لية؟ لم يرد عليها بالطبع، أين لسانه ليرد عليها من الأساس! لقد لجمته الصدمة وقيدته من شراسة القطة التي كان يعتقدها ستظل خاضعة مهما حدث! تابعت هي والألم يزحف لنبرتها رويدًا رويدًا:.
لإني لسة مشوفتش منه حاجة وحشة، لكن للأسف انت شوفت منك كل الوحش هنا هتفت والدتها بعد طول صمت مسرعة: طب يلا نسافر عقدت شمس حاجبيها متساءلة ببلاهة: نسافر فين؟! قالت مسرعة: نسافر البلد، هناك محدش يعرفنا، ومش هيقدر يوصلنا الباشا ده او غيره هزت رأسها نافية وهي تغمغم بحزن: وبابا! أجابتها بهدوء حذر: أبوكِ اساسًا ف السجن ومش بنشوفه غير كل فين وفين، لكن أنتِ دلوقتِ مستقبلك أهم هزت رأسها نافية وهتفت بإصرار:.
لأ مستحيل أسافر وأسيب بابا هنا وهو ممكن يأذيه ثم أبتسمت بسخرية: وأنا اصلاً مستقبلي ضايع خلاص ماذا عساها أن تفعل؟!، طالما رأت تلك اللمعة اللعينة في عينيها فهي لن تفعل! وهنا نطق يحيى بجدية: انا اصلاً مستحيل أخليكم تمشوا، إما اسافر معاكم قالت شمس بضيق يشوبه السخرية: اهو شوفتي، قولت لك متعقدة من كل حته ومش هنعرف نهرب من الديابة دى رفعت إصبعها مشيرة في وجه يحيى:.
بس تاكد أنى عمرى ما هكون ليك، وهعافر بكل جهدى لإني مبقاش لغيرك بردو!، والبركة فيكم كرهتوني في صنف الرجالة كله زمجرت فيها والدتها بغضب: بس يا شمس أسكتِ، لو مش هنسافر يبقي هتتجوزى يحيى جحظت عيناها، وكأنها ما زالت لم تتخيل تصرفات والدتها التي تدفعها للجنون! ثم غمغمت: أنتِ بتسكتينى أنا يا امي، بدل ما تقوليله بنتي مش حته اوضة هتشوفوا مين اللي هياخدها.
صمت والدتها، والصمت يجعلها تثور وتثور، وإن كان الغضب له رائحة لكانوا اشتموا رائحة الحريق بداخلها! ضربت والدتها كف بكف وهي تلعن نفسها بضيق: ياريتني كنت قبلت عرضه وبعت له الشقة، ياريتنى سمعت كلامه نهرتها شمس بحنق: وأنا كنت مستحيل أخليكِ تعملى كدة تأفف يحيى قبل أن يحذرها بحدة: بلاش تلعبي معايا يا شمس عشان هتندمى عقدت ساعديها وقالت ببرود: انا بحب أندم ملكش دعوة هز رأسه وقال بتوعد شرس:.
ماشي يا شمس ماشي بس إفتكرى إني حذرتك اومأت بلامبالاة، لم تكن تعلم نوايا ذاك الشخص الذي سيوديها للجحيم حتمًا، في حين إنطلق هو للخارج والشياطين تتقافز أمامه..
يعني أية مخدتيش بالك يا زينة؟! قالها مالك الذي كان وجهه محتقن، وعيناه توحي بكم غضبه اللانهائى، وهو يدب على الحائط أمام الغرفة التي ترقد فيها والدته، وزينة لم تكف عن البكاء والنحيب، لا تعرف تبكِ حزنًا على والدتها أو حزنًا على السبب الذي جعلها تفعل ذلك في والدتها الحبيبة! وما اغضبه بحق وجعل الدماء تتصاعد في أوردته هو هذيانها وعدم إجابتها على اسئلته.. أقترب منها يسألها مرة اخرى بصياح:.
إنطقي قولى أية اللي حصل؟ أجابته من بين شهقاتها بنفس الأجابة التي تثير جنونه: قولتلك معرفش يا مالك معرفش جز على أسنانه بغيظ مكبوت ثم قال حادًا: يعنى متعرفيش وأية اللي عمل في الڤيلا كدة؟ يووه يا مالك أسكت بقا قالتها وهي تنظر للجهه الأخرى بقلق، إن علم مالك سينهدم كل شيئ فوق رأسها، ولكن الغاية تبرر الوسيلة.. ولكن غايتها في المخدرات لا تبرر إيذاؤوها لوالدتها هكذا!؟ نظر لها مالك بتوعد وهمس:.
بس قسمًا بالله لو عرفت إنك السبب ف اى حاجة يا زينة ما هسكت وهنسي إنك أختي نظر له بصدمة، وتناست تمامًا ما كانت تخشاه وهي تصيح فيه: ماتلومنيش اصلاً وانت السبب برقت عيناه وإحتدت وهو يسألها بتوجس: انا السبب لية؟ لم ترد فزمجر فيها عاليًا: انا السبب لية يا زينة انطقي؟ زفرت قبل أن تجيبه بصوت أعلى منه متناسيه كل شيئ، كل شيئ سيدمرها هي اولاً: ايوة انت السبب لأنه عايز ينتقم لأخته منك ف بيردهالك فيا انا!
سألها مرة اخرى بملامح واجمة: اخته مين ويردهالي ازاى! اجابته متهكمة: اخته إلى انت وهمتها بالحب وإنتحرت بسببك هز رأسه نافيًا بصدمة، غفلت عن عقله تلك التي تقول.. كما تدين تدان وكانه القاضي يسأل فقط فسألها بتوجس: عمل فيكِ حاجة يا زينة؟ لم ترد، صمتت ونظرت للأرضية بسكون غريب أثار جميع معانى الخوف في قلبه الجامد ولأول مرة..
في السجن كان صابر ممدًا على فراشه، ملامحه اصبحت واجمة وذابلة، وقد تكونت الهالات السوداء تحت عيناه، كان يتنفس بصعوبة شديدة، يضع يده على جسده الذي أصبح هزيل بسبب تضاعف المرض عليه وامامه احدى الرجال ينظر له بهدوء وهو يلتقط أنفاسه الأخيرة، حاول صابر الحديث بصعوبة وقال: حمدى اجابه المدعو بحمدى مسرعًا: اهدى يا عم صابر عشان ماتتعبش أكتر تنفس بصعوبة وهمس بوهن: انا خلاص شكلي هموت.
أمسك بيده وهز رأسه نافيًا بهدوء: لا متقولش كدة أنت هتبقي كويس هز صابر رأسه نافيًا وتابع بصوت جاهد في إخراجه: قول ق قول لشمس بنتى لو حصل حاجة إنى كاتبلها ورقة هتفهم منها كل حاجة اومأ الأخر وهو يحثه على الحديث: فين، فين يا عم صابر؟ في الخزانة اللي فيها هدومي قالها وهو يبتلع ريقه بإزدراء ثم استطرد: قولها تخلى بالها من نفسها، لان الناس دى بتدور على الفلاشة اللي ممكن تلف حبل المشنقة حوالين رقبتهم.
ثم صمت برهه وتابع توصياته: وأوعى يبيعوا البيت عشان لو باعوه آآ لم يكمل جملته وظل يلهث بشدة واخر جملة تردد بها صوته: قولها إنى بريئ وماقتلتش حد وهما اللي اتهمونى فيها وخرجت روحه لربها، تاركة ذاك الجسد الذي اُهلكت بداخله، بهذه الدنيا الذي ظلمته مرارًا وتكرارًا.. مسح حمدى على وجهه وقد ظهرت شبح ابتسامة شيطانية على ثغره وهمس: ربنا يرحمك يا عم صابر، للأسف كان معاك حق بس مين هيعرف بقاا!
كان مالك يسير متجهًا لداخل البناية، وعيناه تشع غضبًا جمًا، تتقافز دقاته ليهدء عليها قليلاً ولكنه غاضب، غاضب وغضبه لن يطفأه إلا شيئً واحدًا، زواجه من تلك الفتاة ليثبت لنفسه أنه يفعل ما اراده، أنه رياح شديدة غاضبة لا يتحداه اى شخص، يرغب في اى شيئ يهدء غروره، وفجأة وجد يحيى يقطع طريقه ببرود فصاح فيه غاضبًا: ابعد من وشي دلوقتِ أحسن لك هز رأسه نافيًا ببرود وقال: لا لا عيب عليك ده انا جاى لك ف خدمة.
سأله مالك بنفاذ صبر: خدمة اية؟ اخرج يحيى ظرف به صور لشمس من جيبه ثم مد له يده قائلاً بخبث: مش واجب بردو تسأل على اللي هتتجوزها يا برنس نظر له مالك بطرف عينيه ثم اخذ الظرف في لمح البصر يفتحه لتتسع حدقتا عيناه بصدمة بالغة و...
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني عشر
مشكلة خلف الأخرى تتراكم فوق بعضها وكأنها يتعاونوا على تلك المسكينة التي تركض إليها المصائب ركضًا وتستقبلهم هي بصبر وثبات لم يهتزوا شعره ودون خروج حاجز واحد للأعتراض.. وكان مالك لا يرى في هذه اللحظات سوى تلك الصور، تلك الصور التي وضعت غشاوة على عيناه لن تزول، تتجسد أمامه لتهد كل جدار من الأحترام صنعته شمس يومًا لها أمامه..!
بينما يحيي يقف والأبتسامة الخبيثة تعلو ثغره، أغرقهم الاثنان في طوفان من العذاب، والندم لن ينتهي، ليبتعد هو وكأن شيئً لم يكن! نظر له مالك نظرة من كثرة المشاعر التي تملؤوها عجز يحيي عن تفسيرها، لم يعرف أهي حزن، كسرة، غضب أم سعادة والمبررات تكثر! ثم قال مالك بصوت هادئ أشبه لهدوء ما قبل العاصفة: جبت الصور دى منين؟ مط يحيي شفتيه ثم رد عليه بما ليس له علاقة بسؤاله: مصدوم مش كدة؟
صرخ به مالك وشرارات غاضبة تتطاير من عينيه السوداء: بقول جبتهم منين أنطق أحسنلك رفع يحيي كتفيه ولم يتخلي عن بروده لحظة وأجابه: يهمك في أية؟ المهم إني أنقذتك من التدبيسة السودة دى بس جز مالك على أسنانه كاملة بغيظ وسأله مرة أخرى: يهمني كتير، جبتهم منين؟ تأفف يحيي ثم قال بنزق: يووه! كل اللي على لسانك جبتهم منين جبتهم منين، ده بدل ما تخش تديها قلمين وتقطع علاقتك بيها!
وبمهارة تحكم مالك في غضبه الجم وهو يردف بجدية: شيئ لا يعنيك يا أستاذ جحظت عينا يحيي بصدمة، لا لا لن تذهب خطته هباءً، وكيف الأن بعدما أعتقد أنه أجتاز أول مرحلة بنجاح؟! وكأن هذا المالك يملك الحاسة السابعة أو شيئً كهذا! دارت هذه الكلمات في خلد يحيي فابتسم مالك نصف أبتسامة صفراء: يلا بقا مع السلامة أنا مش فاضي لك واخيرًا خرج يحيي من صدمته ليقول مسرعًا:.
أنت حر، أنا حبيت أوعيك بس للي الناس كلها عرفاه وأنت معمي عنه! نظر له مالك بطرف عينيه هادئًا وسأل: ناس مين وعارفين أية؟ تابع يحيي ببراءة مصطنعة: إن لما أبوها دخل السجن وأخد مؤبد، البت دارت على حل شعرها عشان تعرف تصرف على نفسها هي وأمها لا يعرف لمتي سيكبح غضبه ويرتدى ذاك القناع البارد، ولكن ما يعرفه جيدًا أنه ليس لأى شخص يستطع البوح بما يجيش بصدره وخاصةً هذا الشخص.. خرج صوته حادًا صارمًا:.
مايهمنيش كلام الناس، ومن هنا ورايح محدش هيقدر يجيب سيرة حرم مالك جمال السُنارى بكلمة! مط يحيى شفتيه وقال بلامبالاة اصطنعها رغمًا عنه: تمام براحتك أنا كدة عملت اللي عليا اومأ مالك ونظراته تقطر غيظًا مكتومًا لو أنفجر سيدمر ما أمامه حتمًا وقال: كتر خيرك متشكرين همس يحيى بغضب جم: ماشي اما نشوف اخرتها.
بينما ستدار متجهًا للأعلي بخطوات هادئة، خطوات أوهمت ذاك الثعبان أن خطته لم تجدى نفعًا، ولكن بالحقيقة هي حققت أعلي مراتب النجاح الخبيث!
للحظات أعتقدت أنه يمزح معها، أنه يجعل الضيق يعتريها ليشعر بالنشوة فقط، ولكن، تلك النظرات الواثقة والثبات القهرى و، ماذا ترغب أكثر لقد قرأتها بين سطور عيناه، خطط لكل شيئ قبل أن يقترب منها حتى، الان فقط تشعر بالغبَاء! أخرجها من صدمتها صوته الخشن وهو يقول: أية مالك مصدومة كدة لية؟ همست فاغرةً شفتيها: هآآه! رفع حاجبه الأيسر يسألها باستمتاع رهيب يجتاحه: هي الصدمة كبيرة للدرجة؟!
هَزت رأسها وهي تقول متساءلة ببلاهة: أنت فعلاً ظابط؟ تتأكد، تتأكد رغم كل الذي تراه، وكأنها ترغب في أن ينفي حالاً ما أستوعبته، ولكن ما المانع ليؤكد لها غباءها بقوله البارد: بُصي هو مش بالظبط كدة، لكن تقدرى تقولى شغال مع الشرطة، ومش لازم تعرفى تفاصيل بقا أسبلت أهدابها تتساءل مرة أخرى ببلاهة: طب أزاى! تأفف بضيق وصاح بنفاذ صبر: يووه، هي شغلانة بقا كل شوية لية وأزاى؟
ترقرت الدموع في عينيها السوداء، لا تعرف لها سبب معين، ولكن من الواضح أنه الألم بشكل عام مهما أختلفت أشكاله! غمغم هو بضيق حقيقي: بتعيطى لية دلوقتِ؟ هتفت بنعومة أكتسبتها من بكاءها المفاجئ: طب ومتعرفش بقا إن المتهم برئ حتى تثبت إدانته اومأ ولأول مرة يجيبها بهدوء، وكأنها أستخدمت السلاح الصحيح هذه المرة: أيوة، ولذلك أنا لسة ماعملتلكيش أى حاجة تهتهت هي متهكمة: لا والله!
اجابها بتهكم أكبر ولكن شابه بعض التوعد المخيف: اه والله، لتكونى مفكرة إن جوازى منك ده كدة عقاب؟ لم ترد فتابع وقد قرر العزف على ألحان قسوته المميتة: لأ لأ، ده لسة العقاب جاى بعدين لو عرفت إن ليكِ يد ف حاجة ملامحها باهتة، يكتسحها شيئ من الأستسلام الموجع لقدرها المؤلم أكثر، وغلفت نبرتها بالقوة وهي تسأله: يعنى أية اللي هيحصل بالنسبة لأهلى؟ مسح أرنبة أنفه بطرف إصبعه ثم قال:.
ولو إني أشك إنك تفرقي معاهم أوى، لكن هقولك الحل نظرت له بهدوء، ولم تستطع إخفاء بريق الأمل من جوف نظراتها، لتجده يحطمهم بل ويدمي قلبها بألم أبدى: أنتِ هتقوليلهم إن أنا وأنتِ بنحب بعض، وإننا اتجوزنا بموافقتك هزت رأسها نافية وهي تستطرد بجزع: مستحيييل شيئ متوقع رفضها، ولكن ما هو غير متوقع إحتقاره لها لهذه الدرجة، فتابع بقسوة إكتسبها من معاناة الأيام: خلاص براحتك بس أنا مش مسؤل عن اللي هيحصل لهم؟
سألته بقلق بطن لم تستطع مداراته: يعنى أية؟ رفع كتفيه مجيبًا ببساطة: زى ما سمعتى، اللهم بلغت اللهم فاشهد يذكر الله!، أيعلم من هو الله بالأسَاس، تصرفه معها يناقض كلامه وتصرفاته تمامًا، وكأن قسوته مسلطة عليها هي فقط! ماشي، موافقة همسة مستسلمة خرجت منها، جعلته يشعر بالنصر ولكن، بجوار الشفقة التي لم تزول، ويبدو أنها لن تزول إلا بعد أن تجعل ينحرف لسبيل لا يرغبه!
وصلت زينة أمام البناية التي يقطن بها زياد ثم ترجلت من سيارتها مسرعة، لا تدرى ماذا ولا ما ستفعله، إدمان يدفعها مرة تلو الأخرى نحو حافة الدمار، وهي تسير دون أن تحظي بتنبيه لخطورة ما تفعله ابدًا.. وصلت أمام منزله، فطرقت الباب مسرعة دون تردد، لتجده يفتح لها بعد ثوانى وهو يرتدى شورت أسود قصير فقط، وجسده الأسمر ظاهر امامها والابتسامة المستفزة تعلو ثغره والذي هتف بحبور قائلاً:.
زينة جاية بيتي مرة واحدة، لا حصلنا الشرف بصراحة تجتاحها رغبة جامحه في قتله، في الإنتقام منه لما فعله بها، ولكن مهلاً، في الوقت المناسب ستشبع رغبتها تلك حتمًا! رسمت الأبتسامة التي رفضت الظهور بصعوبة وقالت: أزيك يا زياد؟ اومأ زياد بتعجب: بخير، أزيك أنتِ؟ هزت رأسها وهي تشير للداخل ببرود ظاهرى: تمام، طب مش هتقولى أتفضلى ولا اية.
يزداد التعجب ويتكور بداخله اكبر مع كل ثانية من تبدل تلك المخلوقة التي لم يقرأ بين سطور عينيها سوى الغرور أو الكره، حتى عينيها يبدو أنها احكمت التحكم فيها جيدًا.. أشار للداخل ولم يستطع اخفاء الاستغراب: أتفضلى اكيد يا زينة ده أنتِ نورتي لا تهتم مجاملة أم صدق، فرصة له أم فرصة للقضاء عليه، ولكن ما يهم الان حقًا هو سبب تلك الزيارة!
جلسا على الأريكة بهدوء، هدوء يعكس الأمواج المتلاطمة داخل كلاً منهما، وهي، لم تخجل من مظهره، لم تترد، لم تطلب منه إرتداء تيشرت! وكيف ستخجل إن كانت غشاوة الأدمان على عينيها تمنع تأثير اى شيئ عليها! أنهكته محاول كتم تعجبه فقال بهدوء حذر: ها قوليلي بقا تشربي أية؟ قهوة مظبوطة.
قالتها بصوت قاتم، هادئ دون النظر له، فأومأ هو بدوره وأتجه للداخل بهدوء، فيما تفحصت هي المنزل بعينيها، تبحث عن اى أثر للمخدرات التي يخبأها ولكن للأسف، لم تصل عينيها لأى شيئ. دقائق مرت أستنفذت فيهم كل قواها لتحمل الألم الذي بدء يداهمها من جديد.. أتفضلي قهوتك قالها وهو يتقدم منها حاملاً الأكواب بيده، وكأنه يضبط نفسه ليراها وهو في قمة ضعفها فقط!
اومأت وهي تلتقط كوب القهوة بين أصابعها المرتجفة، بدءت تشربها تحت نظراته المتفحصة التي اخترقتها، فقال هو متساءلاً: بردو مفهمتش سبب الزيارة تركت الكوب لتقول دون تردد بنبرة حملت الرجاء في طياتها: زياد أنا بموت فعليًا، مش عارفة أعيش حياتى طبيعية، مش عارفة أعمل أى حاجة، أربعة وعشرين ساعة بدور على المخدرات بس، المخدرات اللي أنت مش عاوز تديهاني، أرحمنى بقا هتف هو بتشفي: وهو ده اللي أنا عاوزه.
اومأت وقد اغرورقت عينيها بالدموع: أنتقامك أتنفذ، اديني المخدرات بقا وسيبنى ارجوك! لم يتأثر، لم يهتز، كان يطالعها بجمود استغربت هي قوته، استغربت جبروته لهذه الدرجة! ولكن كيف لك أن تلوم قلب سقط تحت تأثير الأنتقام ممن تسبب بفقدان أعز ما يملك؟! تنهد قبل أن يقول بخبث تزحزح لنبرته: انا انتقمت خلاص، بس بردو مفيش حاجة من غير مقابل عقدت مابين حاجبيها لتسأله بعدم فهم حقيقي: مش فاهمة! عايز اية يعنى.
حك ذقنه بطرف إصبعه يصتنع التفكير، ثم خرج صوته جادًا وقاتلاً لها: عايزك، في مقابل الهيروين!
واحيانًا عندما ترى المصيبة تركض نحو شخصًا ما وأنت بيدك الحاجز لمتنعها عنه، لا تتردد في إنقاذه مهما كان الثمن، واحيانًا اخرى تفكر بالموانع من إنقاذه، مثل وفاءه لصديقه! نقل عنوان شمس بسرعة من مذكرات غريب أو كما يطلق عليه الشبح، لا يهمه كيف حصل صديقه على ذاك العنوان، مؤكد أنه من ذاك الأبله يحيى ولكن ما يهمه الان بحق، هو أن ينقذ تلك المسكينة من براثن ذئاب تحركهم مشاعر هوجاء!
حصل على نسخة من الصور التي نفذها غريب لتكن الدليل القاطع لما سيقصه على شمس.. وصل أمام العمارة التي وُصفت في العنوان، ثم أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يتقدم من حارس العمارة الذي هب واقفًا يسأله: خير يا حضرت؟ مين أنت؟ تنحنح بسام بهدوء وقال: أنا عايز الأنسة شمس، هي ساكنة في العمارة دى غمغم الرجل بتفحص: اممم طب اتفضل سأله بسام مسرعًا: انهو دور لو سمحت؟ اجابه باقتضاب: الأرضي ده.
اومأ بسام ممتنًا، وغادر مسرعًا باتجاه منزل شمس، طرق الباب عدة مرات حتى فتحت له شمس منزعجة من طرقه المستمر: أية في أية الدنيا خربت؟! كان مذبهل بطلتها المشرقة، عيناها تجذبانك وكأنهما مغناطيس! ولكن مغناطيس قاتل، بالفعل وكأنها رسمة على ورق دونها فنان محترف! حتى الصور التي كانت معهم لم تعطيها حقها الصحيح في وصف جمالها، من يراها لا يقدر سوى أن يحملق بها، وكأنها ربطته وأثرت عليه بمهارة!
تنحنحت وقد زحفت الحمرة لوجنتاها عند تحليقه بها فقالت متلعثمة: آآ انت آآآ أنت عايز مين؟ عايزك! همسه خارجت من باطن الجزء الراغب بداخله، ثارت القشعريرة المعتادة بجسدها الفظ عندما تلحظ نظرات مثل نظراته فصرخت بجزع: نعمممم! هزت رأسه نافيًا وسارع يبرر: لا والله مش قصدى كدة، أنا قصدى يعنى عايزك ف موضوع مهم هدأت ثورتها قليلاً لتسأله باستفهام: موضوع أية؟ نظر حوله وهو يقول بجدية: مش هينفع عالباب كدة!
عقدت ساعديها وهي تقول ببرود: أسفة مفيش حد صاحى او موجود عشان اقولك اتفضل، انا يعتبر قاعدة لوحدى اومأ هو متفهمًا، ومن دون قصد منها اعطته دفعة ايجابية ليكمل ما جاء إليه.. أخرج الصور من جيب بنطاله ومد يده لها قائلاً بهدوء حذر: دى صور ليكِ سألته بتوجس وهي تفتح الظرف: صور ليا أنا، ومعاك انت ازاى! تنهد وقال جادًا: أفتحي الأول الصور بس.
فتحتهم بهدوء لتتسع حدقتا عيناها لترى ما لا تتوقعه ابدًا، هربت الدماء من بين خلاياها وأحمر وجهها كحبه الطماطم من الخجل، حلقت فوق سماء طاغية مؤلمة، للحظات فكرت بالركض من امامه، أصبحت تشعر انها الان مُعراه أمامه، وان كانت ترتدى ملابسها الان! فيما قال هو ليدارى حرجها: واحد صاحبي هو اللي أشتغل على الصور، بس أنا قولت أجى احذرك لان أكيد في نسخ تانية للصور دى.
ويا لها من صفعة مؤلمة من يحيى نعم يحيى لقد أتم تهديده، أتم تهديده وفعل ما يجعل رأسها بالأرض دومًا، هدم كل الجدران التي بنتها هي لبناء حياتها القادمة..! غمغمت بصوت يكاد يسمع: أزاى، مين عمل كدة! أجابها بفتور مهدئًا اياها من حالة الصدمة المسيطرة عليها: يحيى، أنا معرفش يقرب لك أية، لكن هو بعت الصور دى لصاحبي ده عشان يفبركها والسبب أنا اجهله.
هو يجهله لكن هي تعلمه حد التأكيد، لا بل سبقت لها معرفته ولكن لم تبالي! هل يجوز قتل يحيى الان؟! مؤكد نعم، تود الإطاحة به بقدر الغليان الذي تشعر به الان، وذاك الشعور المؤلم، شعور النفور منها هي، من شمس بذاتها! سألته مرة اخرى دون أن تنظر له: طيب متقدرش تجيب لي باقي الصور دى لو سمحت؟ هز رأسه نافيًا بأسف:.
للأسف لأ، اولاً عشان هو مايشكش فيا ولو شك انا مش ضامن رد فعله، غير كدة لو جبتلك المطبوعين، اكيد هو شايلهم ف حته على الجهاز وممكن يعمل غيرهم! وكأن القدر يقدم لها مبرراته لدفعها في طريق ذاك الذي يدعى مالك والزواج منه، الاثنان حفرتان، لكن هو جوفه المظلم أفضل من جوف يحيى المضيئ ولكن المهلك!
ولم يعد امامها خيار اخر، الشيئ الوحيد الذي سيحفظها ويضمن لها عدم ايذاء والدها والحفاظ على سمعتها كأنثي هو زواجها من مالك...!
كانت تجلس بهدوء على الأريكة، تستعيد ذكريات ما مر معها منذ دلوف ذاك الدخيل إلى حياتها، لم تجد سوى القهر والخوف والقلق فقط! فجأة وجدت طرقات سريعة وقوية بعض الشيئ على الباب، نهضت مسرعة تعدل من وضعية حجابها ثم اتجه للباب لتفتح، لتُصق ب مالك امامها، لم يعطيها فرصة حيث فاجئها بمسكة يده بمعصمها جيدًا وهو يقول بجدية: يلا مفيش وقت هاتى بطاقتك حالاً فغرت فاهها مستنكرة: لية فيه اية؟ زمجر فيها غاضبًا:.
قولت هاتى بطاقتك استدارت وفي لمح البصر كانت قد جلبت بطاقتها، وكأن الخوف هو فقط من يحركها ويتحكم بها الان.. سألته مرة اخرى بتوجس: فيه اية ارجوك فهمنى؟ تأفف وهو يجيبها بخبث: مفيش وقت المأذون مش هيستنى كتير مأذون! اى مأذون هذا؟! مؤكد أنه المأذون الذي سيخط شهادة وفاتها! نعم فهي تعد شهادة وفاتها وليس زواجها، واى زواج هذا الذي يبني على جدران مهشمة! مأذون اية؟
سألته وكأنها تسأل لتؤكد لنفسها تلك الأجابة المأسوية التي تدمر خلايا حرفيًا دون رحمة! فأجاب وهو يجز على اسنانه بغيظ: المأذون اللي هيكتب كتابنا يا حبيبتى حاولت نزع يدها من قبضته وهي تصيح فيه وكأنها ادركت للتو ما يحدث: انت مجنون، انا مش هتجوز وصلا امام باب المنزل فنظر هو في عينيها مباشرة ليقول حادًا: مابقاش في وقت للرفض دلوقتِ، خشي بهدوء وأتقي شر الحليم إذا غضب.
وها هو تهديد اخر صريح، وكأنما اعتادت على التهديدات فقط منهم! سيبني بقا ارجوك لو سمحت همست بها وتكاد تستسلم بيأس، ليقول هو بتصميم وقد لمع في عيناه بريق غريب: ابدًا، من بعد النهاردة اسمك هيبقي جمب اسمى دايمًا! دلفا إلى المأذون الذي ينتظرهم، ومروان صديقه واخر كشهود، جسدها تبلد من كثرة الصدمات، وشحب وجهها كشحوب الموتي..
جلسا بهدوء وبدء الشيخ بكتابة قسمية بداية تعذيبها، الشيئ الذي سيسمح له بالتحكم في مقاليد حياتها شتى! لم تشعر سوى بسؤال الشيخ وايماءه بسيطة منها و... بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في الخير تدمر كل شيئ وانتهي الأمر، انتهي نفورها ورفضها، انتهت موجات عدم استسلامها لذاك القدر لتتهشم بصرخة ارادته ورغبته، لتبدء اندلاع ثورة حارقة، بدايتها كلماته وهو يقول بخبث دفين شابه التوعد:.
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث عشر
ذهب الجميع ولم يتبقي إلا هو وهي فقط!، وبمجرد أن أستوعبت تلك الجملة شُلت جميع اعضاءها عن الحركة وتسمرت مكانها، بينما أكمل هو بخبث: أية يا عروستي وقفتي لية؟ لم تجيد الرد ولم يخرج صوتها من كثرة إرتعادها، إندهمت القوة وسقطت الحصون لتظهر القطة الخائفة امامه فقط! حاولت إخراج الكلمات بصعوبة وكأنها تجذبها عنوة: م ممكن تسيبني أمشي!
قهقه بسخرية واضحة، تطلب الفرار بكل بلاهة! سخرية قد تكون معتادة في موقف كهذا، ولكن من ثم اختفت عندما لمعت عينيه السوداء ببريق لامع خبيث وقال: أسيبك تمشي فين، هو أنتِ مش عارفة إن النهاردة الدُخلة ولا أية يا شموستى شعرت أنها ستبكِ حتمًا، لن تحتمل أكثر، فقدت كل طاقتها! ولم يعد مجرد شعور فقد ترقرت الدموع في عينيها الرمادية وهي تسأله بهدوء حذر: أنت لية بتعمل معايا كدة، حرام عليك!
أعين لامعة تشابكت نظراتها، ورجاء اخترقه ليحاول هزه، ولكن، قابله بسد متين قوى وازداد قوة من جروحه وألامه، فرد عليها ببرود ثلجي: أنتِ مابتزهقيش من السؤال ده، قولت لك أنتِ عجبانى، ثم إنك تحمدى ربنا إني اتجوزتك اصلاً صرخت فيه بنفاذ صبر: لأ لأ، هحمد ربنا على نقمة ازاى! جن جنونه هنا، هي المذنبة وهي التي تتجبر، تتقمص الدورين بمهارة! ولكن لا، لن يسمح لها أن تحلق فوق سماؤوه بكل غرور!
وأقترب منها حد الخطورة، الخطورة التي تشعر بها من اقترابه، والتي تسبب الفرار للدماء من وجهها الأبيض، وتهديد ضربات قلبها بالتوقف! فغمغمت متلعثمة: أبع أبعد شوية هز رأسه نافيًا ليتردد صوتها شبه الباكِ: حرام عليك، أنا هتدمر بسببك لم يعيرها أدني اهتمام وهو يقترب منها حد الإلتصاق وهمس: هشششش اسكتِ أنت ظالم، ظالم وهتندم صدقنى قالتها ببكاء ودموع أبت الحبسة في جوفيها ليتابع هو بخشونة وحدة:.
مش ظالم، أنتِ اللي كدابة وممثلة بارعة نظرت له بهدوء لتقَول بجمود: هتندم فرد ببرود مقابل: بحب الندم جداً يا حبيبتى ولم يجد سوى صمت، صمت إكتسبته من وقحاته، وعجزها أمامه! فقال هو بخبث: ايوة كدة اسكتِ، شوفتى السكوت حلو ازاى، خلى الكلام لشوية كدة، هعوز اسمع صوتك جداً بالرغم من خوفها وإرتعادها، زحفت الحمرة تلقائيًا لوجنتاها!
انفاسهم اللاهثة دوى صوتها بوضوح، لفحت أنفاسه بشرتها البيضاء، ليرتعش جسدها برعب، لم تهتز له شعرة لحالتها المرتعدة، لجسدها الذي ينتفض من قربه، بل اقترب اكثر حتى حاوطها وإلتصقت هي بالحائط، تحاول جمع شتات انفاسها المبعثرة بسبب هجومه المفاجئ، وجهها أصفر من كثرة هروب الدماء من وجهها هلعًا، فتعمدت الحروف تحديها ولم تخرج من بين شفتاها المنتكزتين، ليخرج صوته متجبرًا جامدًا: عايزة تروحى منى فين يا شمس.
نظرت للأرض، تجز على أسنانها لتمنع دموعها من الهطول بصعوبة، همست بصوت يكاد يسمع: ارجوك سيبنى امشي، ارجوك يا استاذ مالك ما يزيده رجفة صوتها إلا نشوة، همس هادئًا بالرغم من امواجه المتقلبة بداخله: لأ، مش هاتمشي غير بمزاجى صمت برهه ليتابع بتهديد مزقها من الداخل بقسوة: أو لما اخد منك إلى انا عايزه.
دفعته بقبضتها الصغيرة، لم يهتز للحظة، بل هي من إرتعشت كالكهرباء التي سارت في جسدها، فجأة إحتقن وجهه كجمرة من النار، وامسكها يهزها ويصيح فيها هادرًا: عملتى معاهم كلهم كدة، اشمعنا انا!؟
لم تجيبه وإنما كان صمتها وسكونها إجابة كافية لتثير جنونه اكثر، اجابة اكدت دون قصد كل ما علم به، وحطمت بريق الأمل المتبقي، لم يلحظ الدموع الساكنة في لؤلؤتيها، ابتعد عنها مسافة قليلة، وفك أزرار قميصه وهو ينظر لها نظرة دبت جميع معانى الرعب في اوصالها، لتشعر وكأنها حقًا الان ما هي إلا غزالة في صحراء الذئاب..
وما بين التوتر والقلق والحزن، والغضب، كانت تبحث بين أرجاء المنزل عن شمس التي أختفت فجأة! يأست من تواجدها فصرخت بحدة: شمس! تأففت وهي تمسح على شعرها الأسود بقوة متابعة: هتكون راحت فين بس ياربي؟ ظلت تبحث هنا وهناك وهي تتابع مزمجرة: يووه، إما وريتك لما تجيلي مابقاش انا.
وجلست على الأريكة بهمدان منتظرة قدومها الذي يبدو انه سيطول ويطول كثيراً... فجأة صدح صوت هاتفها معلنًا عن إتصال، نهضت هي بخفة متجهة له، ثم التقطته واجابت بهدوء: الووو السلام عليكم وعليكم السلام، مدام كريمة زوجة الاستاذ صابر معايا؟ ايوة اتفضل مين حضرتك احنا من السجن وكنت حابب أبلغك بشيئ اتمنى تتقبليه بهدوء اتفضل يا حضرت قلقتنى زوج حضرتك توفي أمبارح!
سقط الهاتف وصرخة مدوية خرجت منها يتبعها ركضها لترتدى ملابسها متجهة للسجن ودموعها لم تتوقف عن الهطول!
كان يجلس على الأريكة الوتيرة من أسفله، يدب بقدمه على الأرضية بقوة، لا ينظر لوالدته التي تشع نظراتها غضبًا جمًا، او لوم لتفريطه بشقيقته الوحيدة! لا يهمه، كل ما يهمه أنه لا يبالي لهذه الشقيقة ابدًا! وكأن ذاكرته قد ذكرته بما مضي لتعطيه المبرر لما يفعله بشقيقته.. فلاش باك.
كان يجلس في أحدى الكافيهات الراقية، ملابسه مهندمة وملامحه مضطربة بعض الشيئ، يجلس على الكرسي الخشبي وينظر بالساعة كل ثانية ليرى لماذا تأخرت؟! وظهرت امامه بعد دقائق، بهيئتها الخليعة التي كان يحاول هو تغييرها، مساحيق تجميلها المبالغ فيها! وملابسة الضيقة!؟ اشياء حاول التغاضي عنها، ووضع غشاوة امام عينه، الحب! جلست على الكرسي المقابل له بغرورها المعتاد، ليسارع هو بسؤالها متلهفًا: اتأخرتِ كدة لية يا حبيبتى؟
تأففت قبل أن تجيبه ببسمه يملؤوها الحب الزائف: يادوب عرفت أخلع من بابا بصعوبة ضيق ما بين حاجبيه وهو يسألهت بضيق يعتريه: هو انتِ محتاجة صعوبة عشان تشوفِ خطيبك؟ وببراعة تمثلت في تكوين بعض الدموع الزائفة، نظرت له وزجت الحزن في نظراتها والذي يقع هو أثيره، لتقول بصوت متهدج: انا جاية النهاردة عشان أقولك حاجة مهمة وامشي سألها مستفسراً بنفاذ صبر: حاجة أية دى يا صافي؟
وامتثال لأوامرها افترش الألم على قسماتها وهي تخبره بنبرة متهدجة وتمثيل تفوقت فيه: أحنا مش هينفع نكمل مع بعض يا مازن صرخ فيها دون تردد: أنتِ مجنونة! لم تجيبه وامتثلت الصمت الذي هو السلاح الاقوى لتثير جنونه، فعاد يسألها بحدة وهو يهزها: يعنى أية مش هينفع نكمل مع بعض، انتِ عارفة إن فرحنا بعد 4 أيام؟! هزت رأسها موافقة وهي تقول بصوت أشبه للبكاء: عارفة والله عارفة، بس غصب عنى صرخ فيها بجدية حادة:.
هو أية ده اللي غصب عنك رفعت كتفيها تقول ببرود داخلى: يعنى أنا بأعمل كدة مش بمزاجى، أنا مجبرة نظر لها بتدقيق وقال متساءلاً: مين اللي أجبرك؟ صمتت فصرخ فيها مرة اخرى: ردى عليا مين اللي أجبرك؟ هزت رأسها نافية لتردف: مش هقدر أصدمك ف اقرب الناس ليك ازداد صراخه وإلتفتت الناس له وهو يقول: انطقي ميييين؟ ردت عليه بصراخ مماثل امتزج بالخبث الذي لم يلحظه: اختك، اختك خلود سألها بسكون غريب: ازاى اختى؟
اجابت مغمغمة بضيق وحزن مصطنع: اختك هددتني، لو مابعدتش عنك هتدخل بابا السجن! سألها دون تعبير: لية أختى تهددك؟ لأنها مش بتحبنى وبتكرهنى جداً لسبب أنا مش عرفاه! نهوض يتبعه خطوات سريعة جدًا باتجاه الخارج تصحبه مناداتها له، ولكن لم تجد جواباً فارتسمت الابتسامة الخبيثة على ثغرها اللعين وهي تيقن نتيجة ما فعلته وخططت له!
باك مسح على رأسه بقوة حتى كاد يختلع جذوره، كل قسمه وتوعده لها يتردد بأذنه يوميًا، سينتقم، سينتقم ممن فرقت بينع وبين حبيبته! أو سينتقم وفقًا للصورة التي رسمتها تلك الحيه بمهارة.. تقدمت منه والدته وهي تقول بسخط أمومي: لا أنا مش هستنى اكتر من كدة، يلا نبلغ تانى الاربعة وعشرين ساعة مروا خلاص هز رأسه نافيًا وهو يخبرها للمرة التي لا يتذكر عددها:.
يا أمي هي هترجع لوحدها صدقينى وكدة هيبقي اسمنا قدمنا بلاغ كاذب! زمجرت فيه غاضبة: أنت مجنون، بنتى مختفية بقالها يوم كامل وعايزنى أقعد زيك كدة!؟ لم يستطع الرد عليها حيث دوى صوت الهاتف فهرعت إليه مسرعة ترد بلهفة: الووو اتاها صوت خلود المرهق: ماما أنا خلود خلود حبيبتى يا بنتى انتِ كويسة؟ انا كويسة انتِ فين يا حبيبة ماما انا عايزة اقولكم ماتبلغوش بوليس، انا كويسة ومع جوزى نعمممم، جوزك مين يابنتى انتِ اتجننتى.
انا اتجوزت واحد زميلى بحبه يا ماما أنتِ مجنووونة صح مع السلامة يا امى واغلقت الهاتف تحت أنظار أخيها المهللة صوب والدته، ونظرات مراد المنتظرة صوت خلود التي صرخت فيه بجزع: إرتحت كدة؟ اومأ مجيبًا ببساطة غير لائقة: طبعًا يا خوخه كادت تبكِ وهي تقول بنبرات متشنجة: حرام عليك أنت مش بنى ادم اكيد هز رأسه نافيًا يقول بصوت قاتم: هتعرفى بعدين إني بنى ادم، وبنى ادم جدًا كمان.
لم تفهم مغزى عبارته الغير مباشر، لم تكن فوضوغ يسمح لها بالسؤال من الأساس، فقد تشوشت الصورة امامها، وترنجت قبل أن تسقط مغشيةً عليها بين يديه الصلبتين التي استقبلتها بسرعة، ظل يتمعن قسماتها بنظرات يصعب تفسيرها، ليمسح على شعرها الناعم وهو يقول بخفوت: أنا أسف يا حبيبتى.
ولو كان الإدمان شخصًا لقتلته بالطبع، وعبارته يتردد صداها في خلدها، ولكن ألمها يحثها على الموافقة السريعة، غير عابئة بما ستجنيه لاحقًا! نظرت له تحاول إستيعاب ما تفوه به للتو وسألته: أنت مجنون!؟ ضحك باستخفاف ورد له نفس السؤال: أنتِ اللى مجنونة؟ نظرت له باستفهام فتابع بحدة تجلت في نبراته: أيوة تبقي انتِ اللي مجنونة لما تفكرى إنى ممكن أسيب حق أختى سألته مرة اخرى والألم يزاد سيطرة عليهت رويدًا رويدًا:.
طب وأنا مالى؟ مط شفتيه ليقول بنبرة متشفية: للأسف أنتِ أخته، ومش هعرف أنتقم منه غير عن طريقك هدرت فيه بغضب تراكم لديها: أختك هي اللى مجنونة لما تنتحر عشان واحد ايً كان هو مين؟! كاد يهوى بكفه على وجنتاها بغضب، ولكنه تمالك نفسه وهو يزمجرها حادًا: أخرسي، هي أمنت لواحد خسيس واطى فكرت أنه بيحبها أمسكت رأسها بقوة وهي تترجاه مرة اخرى بألم حقيقي: طب أرجوك أدينى اى حاجة دلوقتِ ونبقي نتكلم بعدين.
هز رأسه نافيًا يتابع ببرود: تؤ تؤ، أنا عرضت عليكِ عرض والظاهر إنك بترفضيه همست مرة اخرى بنفاذ صبر: انا مش قادرة! اجابها بهمس مماثل جاف: أقبلى عرضي هزت رأسها نافية واستطردت: مقدرش اجابها بنفس الرد وهو يرفع كتفيه: وأنا كمان ماقدرش ولم تعد ترى امامها سوى الألم والادمام يجذابها نحو حافة الدمار..! وتنجذب هي بلا إرادة، لتصرخ فيه بحدة: موافقة موافقة هات تقوس فمه بشبح ابتسامة هاتفًا بخبث: كدة تعجبينى يا حلوة!
واحيانًا كثير يتعجب الشخص من نفسه حد الاندهاش عندما يجد نفسه يسير بمسار غير طبيعى نسبةً له، عندما يجد أن الفعل مناسب ولكن رد الفعل ما هو غير مناسب تمامًا!
هب منتصبًا من الفراش يرتدى بنطاله وهو ينظر له بحدقتين متسعتين، تشعان نظرات غير مصدقة ترجو التكذيب منها، بينما هي تعد في عالم أخر، عالم تحلق هي فين بحريتها تنعم بهدوء من نوع اخر لم تحظى به منذ دلوفه لحياتها، نظراتها مصوبة نحو اللاشيئ، ووجهها شاحب شحوب الموتى، وكأنه اخذ روحها وليس عذريتها فقط! أقترب منها صارخًا فيها بجنون: ازااااى طب ازااااى؟
نظرت له نظرة لم يستطع تفسيرها، نظرة مغلفة بالألاف من الأغلفة واولهم التماسك، ليسألها بأكثر توضيح مشيرًا للبقعة الحمراء اعلى الفراش: أزاى كنتِ آآ، كنتِ عذراء لم ترد عليه وإنما ظلت كما هي على وضعها، وكأنها أقسمت ألا يخرج صوتها امامه ثانيةً إلا في حالة واحدة! متلمسنييييش صرخت بها عندما أقترب منها يحاول أن يديرها لتنظر نحوه، ولكن فوجئ ببرودة جسدها حد الخطورة، فهمس لها مهدئًا: اهدى، اهدى.
وبصوت مهزوز تابعت دون أن تنظر له: قولتلك سيبنى، قولتلك هتدمرنى هز رأسه وهو يزمجر فيها غاضبًا: طب ازاى و انتِ آآ قاطعته بسخرية مريرة: اية، انا بنت ليل صح أفكار متلاطمة تضاربه، تارة تجعله يشعر بالندم، وتارة لا تصدقها وتمقتها اكثر!؟ فقال لها بقسوة: أيوة، ف ازاى تبقي عذراء ازاااى ظل يمسح على شعره وهو يردد تلقائيًا: يعنى انا اول واحد ألمسك ازاااااااى ازااااى حد يفهمنى.
بينما هي، كل ما يتردد بخلدها الان شيئ واحد فقط، استسلامها المخجل للمساته الحميمية، وبدءت تتذكر ما حدث.. ولكن اوقفت افكارها بصعوبة وهي تضغط على رأسها صارخة فيه بهيستريا: طلقنى، طلقنى كفااااية!