logo




أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 7 من 17 < 1 10 11 12 13 14 15 16 17 > الأخيرة




look/images/icons/i1.gif رواية غزالة في صحراء الذئاب
  03-01-2022 01:26 مساءً   [49]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخمسون والأخير

يجهر ويجهر التعجب، عندما تفر السعادة هاربة أدراج الرياح، لتترك أسيرًا بين طيات الحزن المتردد!
ظل مالك للهاتف بتعجب ممزوج بالضيق الذي لاحظته شمس الساكنة بجواره، ينتظر لوهلة عله يخبره أنها مجرد خُدعة!
ولكن ما كان يتمناه صار وأنتهى الأمر..
أنتشلته شمس من بين موجاته التي كادت تسحقه بينها بصوتها العذب وهي تسأله:
-اية يا مالك في إية؟
وبماذا يجيب الان!

تحقق ما كنت أسعى له أم يبكِ وينوح متمثلاً للطبيعة الفطرية لأي شخص؟!
ولكن غالبًا سيطر شر شيطان الأنس أكثر من خيره، فأجابها بجمود:
-بابا...
صمت برهه يحاول الإكمال الذي عجز عنه، فسألته تحثه على النطق بما يجب:
-ماله؟ عمل إية تاني المرة دي!
بقيت نظراته متوجهه أمامه والشرود خير سكون فيها، وكأنه إنسان آلي يُردد ما يمليه عليه عقله فقط، قال:
-لأ، المرة دي أتعمل فيه، مش هو اللي عمل يا شمس.

إبتلعت ريقها بتوتر، قبل أن يصدح صوتها شبه مُهللاً:
-بجد؟ يعني أخد جزاؤوه؟
اومأ مؤكدًا، وعلى وتيرة نفس النبرة، إستطرد:
-مات يا شمس، مات وأنتهى
شهقت مصدومة، أعتقدت النهاية الحتمية بعيدة جدًا عنه، ولكنها باغتتها بقربها المؤكد!
أعتقدت ان الواقي بينه وبين الموت والدمار لن يزول، ولكن باغتها بأنسحاب مصيري على الفور!
مفاجأت ومفاجأت، ولكن دُست بينهم نصر ونشوة لم تزورها منذ زمن...

رمقت مالك بنظرة ذات مغزى، قبل أن تردف بصوتًا جاد:
-طبعاً زعلان، صح؟
نالت منه إلتفاته ترى فيها عيناه التي تموج بين الحزن والنصر، ليرد بصوت تقريبًا مهزوز:
-مش عارف، والله ما عارف، أزعل لإن أبويا مات، ولا أفرح لإن عدوي الوحيد أخذ جزاؤوه من الدنيا
ضيقت عيناها وهي تسأله بفضول متردد:
-هو آآ، هو مات إزاي يا مالك؟
وذاك السؤال تحديدًا غُرز في جرح الأبن المنكسر من بعد وفاة والده!

فأطرق رأسه أسفًا وهو يردد بخشونة متأسفة:
-أتخانق مع ناس في السجن ف ضربوه، وهو اساسًا مشلول فضلوا يضربوا فيه عدموه العافية وخلوه يمسح السجن كله بكرسيه المتحرك برضه، يعني أستلموه من ساعة ما دخل السجن، كأن ربنا مسلطهم، لحد ما هو شنق نفسه بحبل وطبعاً محدش فكر يمنعه حتى
جزاء قاسي...
كلمة ظلت تتردد بعقلها ألاف المرات! كلمة تمثلت حروفها الشنيعة أمام عينيها حرفًا حرفًا..

عضت على شفتها السفلية تحاول منع تجاوز الحروف الشاتمة من بين شفتيها، ولكنها همست:
-الجزاء من جنس العمل
اومأ متيقنًا من تلك الجملة، وشعور يلازمه بالحزن الحقيقي!
نظر لها ليقول بصوت مبحوح وكأن حروفه عزمت ألا تخرج في حالات الإنكسار:
-أعترف على بقيت الناس قبل ما يموت
وشعر بشيئً ما يلتف حول روحه يخنقها رويدًا رويدًا..
ربما ذكريات الطفل المشاغب والأب الحنون!

بالطبع قبل أن يدخل الطمع بين طياته فيُفسد ذاك الحنان الفطري محولاً إياه لجشع لا يرى علاقات أبوية بالعين المجردة!
ورغمًا عنه أكمل هامسًا:
-عمل حاجة واحدة صح في حياته قبل ما يموت
اومأت شمس موافقة وقد نالها الحزن على حال زوجها الذي لأول مرة ينضح حب والده بين جحوره..
ليتابع بعدها:
-ربنا يرحمه ويسامحه
رددت خلفه بنفس الهمس:
-يا رب
فيما وضع هو رأسه على قدميها، ويداه تقيد خصرها، لتهبط دموعه بصمت قاتل!
دموع؟!

وهل كان يتوقع أن تتسلل دموعه خلف قشرة جموده المزيفة حزنًا!
وليس الحزن على أي شخص، بل حزنًا على هزيمة أكبر عدو له...
إنقلب حاله وتغير المتوقع، ليبصم القدر بصمته الأخيرة في هذه العلاقة المأساوية..
مسحت على شعره بحنان وهي تزيد من ضمته، تعلم عن ظهر قلب أن حب الأبن لأبيه شيئ فطري إلهي!
لا يمحيه قسوة او حقد أو جشع..
ويتردد بداخلها صدى ألالامها على والدها الراحل!

ليتشاركا الألم معًا بين أحضان بعضهم، كلاً منهم يحاول إمتصاص حزن الأخر الذي يدمي قلبه...

سار سعد في مطار القاهرة الدولي، بخطوات أشبه للركض، يحاول الفرار من بين براثن القدر المحتوم له!
ولكنه بات ك وشمًا لن يُزال إلا بنيران الجزاء المؤلمة..
مثله مثل آمره الراحل...
يدًا لن يختلف جزاؤوه عن باقي الكمال!
وقلبه ساكنًا تمامًا وكأنه توقف عن العمل لحين غير معلوم..
بينما عقله الشيطاني يحثه ويحثه نحو الإسراع في الفرار،
ولكن أي فرار هذا؟!
لقد وُضعت الأقفاص من حوله، وبقى فقط نقطة الغلق الأبدية!

وبالفعل وجد الشرطة تحاصره من كل مكان، وعلى رأسهم الضابط الذي يعلم سعد عن ظهر قلب أنه لا يرى في حياته سوى انوار الحق..
وحُذفت الظلمات منذ زمن الجزاء الذي ناله!
نظر له سعد متوترًا، يحاول تلبس الثبات الذي فر هاربًا أدراج الرياح:
-خير يا حضرت الظابط في إية؟
رفع حاجبه الأيسر، وبتهكم صريح رد:
-لا والله! يعني حضرتك مُش عارف في إية بالظبط؟
اومأ سعد مؤكدًا، وقد زحف الخوف من ذاك المصير لملامحه بوضوح، فصار يغمغم:.

-لا، لا معرفش أي حاجة
أشار نحو عساكره، ليردد بصوت أجش مُنتصر بجدارة:
-طب أكيد أحنا هنعرفك كل حاجة في السجن
إنكشف الغموض، و زالت الأسترة المزيفة، فصار يصرخ بهلع:
-لا لا، مش من حقك تقبض عليا، أبعد كدة أنت وهو محدش يقرب مني
ولكن بالطبع لا حياة لمن تنادي..
لا إجابة لظالم كان يتغاضى عن مناداة البشر الذي يُدمرهم بلا رحمة!
ومع إستمرار هتافه العالي:.

-أبعد من وشي، أنا مسافر دلوقتي، أيوة ميعاد سفري أبعدوا خلوني أمشي
ف زجره الضابط بخشونة غاضبة:
-أمشي بهدوء كدة أحسن ما تمشي غصب عنك وتجيب الإهانة لنفسك
وبالفعل سار ك قطة مبللة عاشت طيلة حياتها تخدش في براءة البشر..
وعندما سقطت بين براثز قدرها المحتوم صار الخوف والهلع تعبيرها الوحيد!

مر الوقت بطيئًا بعض الشيئ على خلود التي كانت أكثر من متلهفة للقاء والدتها الحبيبة مرة أخرى..
متلهفة للرجاء الذي تتمنى أن يجدي نفعًا،
ومتلهفة لنورًا واحدًا من الرحمة تراه يشع بين بحر عيناها البنية على أمل أن تغفر لها والدتها!
متلهفة لحضنًا تراه من زاوية أفعالها بعيدًا جدًا عن أي معنى ينتمي للحنان..
تتمنى وتتلهف وتدعو وترجو، ولكن خط الواقع هو من سيحدد نهاية تلك الأماني الكثيرة!

إنتهت من إرتداء ملابسها، لتحمل حقيبتها وهاتفها الصغير الذي أشترته مؤخرًا...
خرجت لتجد ليلى تجلس على نفس حالتها، شعرت بنغزة من الغيرة بمنتصف قلبها العاشق لتركهم بمفردهم..
ولكن بغتةً تذكرت حرق ذكرياتهم نهائيًا، والتي كانت ك بابًا مفتوحًا للأرتياح ليغمرها..
فنظرت ل ليلى تبادر بالقول:
-أنا رايحة مشوار، وإن شاء الله مش هتأخر، لو عوزتي أي حاجة أعتبري البيت بيتك هه.

اومأت الأخرى بابتسامة بريئة إزدادت من إطمئنان خلود المتوجسة:
-إن شاء الله، شكرًا يا خلود
إبتسمت بهدوء، لتغادر متجهة لمنزل والدتها،
وبعد فترة ليست بطويلة كانت تترجل من سيارة الأجرة، لتدخل البناية التي تقطن بها والدتها وشقيقها - الخائن -
طرقت الباب بهدوء يناقض ثورتها النفسية الداخلية!
وبمجرد أن رأت والدتها، ونظرتها التي لم تعتقد أنها تغيرت، شعرت بأشواكًا تحط بحلقها ف تُعجزها عن الكلام!

أنتبهت لقول والدتها الجامد:
-خير إن شاء الله؟ شرفتينا تاني لية؟
وحاولت عنوة إخراج تلك الحروف التي كانت تجاهد في تعيينها لطلب السماح، فقالت بما يشبه الهمس:
-جاية أترجاكِ تسامحيني، ومش هيأس إنك هتسامحيني أكيد مهما طال الوقت
تقوس فاهها بسخرية مريرة، قبل أن يصدح صوتها كحكم الأعدام على تلك المسكينة:
-قولتلك قبل كدة من سابع المستحيلات اسامحك!

صمتت برهه تكبح الدموع التي كادت تنهال بسخونة مؤلمة على وجنتاها، لتتابع بعدها:
-إنتِ ماكسرتيش طبق صيني هزعل عليه شوية وهقولك خلاص يا حبيبتي فداكِ، إنتِ كسرتي ثقتي فيكِ، وماعتقدش إنها ترجع تاني
وأصبح صوت خلود متقطعًا وهي تترجاها بشهقات متتالية:
-أنا اسفة سامحيني، كنت غبية
لوهلة كادت تستجيب لنداء روحها وترضخ لحنانها الأمومي!
لوهلة كادت تدفنها بين أحضانها تشبع غريزتها الأموية من قربها الطفولي..

ولكنها باتت أحلام مُعلقة بين شباك الواقع المرير...
فنظرت للجهة المعاكسة تردف بصلابة تليق بموقفها:
-غبية!؟ يبقى إنتِ تتحملي نتيجة غبائك ده مُش أنا
تعالت شهقاتها، ولم تيأس وهي تترجاها:
-أرجوكِ يا امي سامحيني، أفتكريلي أي حاجة حلوة
كزت على أسنانها كاملة بقوة، ومن ثم بدأت تغلق الباب وهي تستطرد بصوت جاد وقوي ظاهريًا بالطبع:
-للأسف مش عارفة أفتكر، وياريت ماتتعبيش نفسك إنك تيجي تاني.

وأغلقت الباب، لتعطيه ظهرها وتهبط دموعها بغزارة..
دموع الأشتياق التي كانت تحاول كبتها وهي تنهش روحها طيلة حديثهم!
بينما ظلت خلود تطرق الباب وهي تنادي بحروف مُتقطعة خرجت بصورة منكسرة:
-امي لاا، سامحيني والنبي أنا تعبت، أبوس ايدك ارحميني بقا
ولكن بات بين كلامها وأذن والدتها عازل قوي، صُمم خصيصًا لفسد محاولاتها!

فظلت تبكِ أمام الباب جالسة على الأرض شاردة وحزينة شهقاتها تقطع نياط القلب، غير عابئة بأي شخص يراها...
سوى بتلك الأم التي صنعت قلبًا من جليد مؤخرًا!

إنتهى مالك من إرتداء ملابسه،
يشعر بروحه تحترق بنيران العذاب مع مرور اللحظات!
و بالرغم من محاولاته لتمرير الأمر والذي كان محتومًا منذ زمن، ولكن رد الفعل لم يكن محتومًا بهذا الشكل إطلاقًا!
وكانت شمس تقف خلفه بعدما انتهت من ارتداء ملابسها هي الأخرى، ف ربتت على كتفه الذي تشعر به يحمل ما لا طاقة له به، لتسأله بصوتًا هادئًا علها تخرجه من بين مستنقع الظلمات ذاك:
-حبيبي
رد بوجوم دون أن يلتفت لها:.

-إية يا شمس؟
تغاضت عن الصلابة التي تحتله، حتى عواطفه الجياشة لم تسلم من تلك الصلابة المتألمة!
فقالت برقة مناسبة:
-بعد ما تروح السجن وكدة، هاترجع هنا؟
هز رأسه نفيًا، وتابع بنفس النبرة التي دبت اليأس في قلب شمس:
-لأ، هروح البيت أشوف زينة وماما
عقدت ما بين حاجبيها في تعجب وسألته مرة اخرى:
-مش المفروض كنت تشوفها امبارح؟
تأفف وهو يرد هذه المرة:.

-لأ، زينة قالتلي إنها سافرت وإنها محتاجة تقولي على حاجات كتير، بس النهاردة
ثم إلتفت لها يطالعها بنظرات لم تعهدها منه يومًا، ولم تُصوب نحوها ابدًا، قبل أن يستطرد بعصبية خفيفة:
-ها في تحقيقات تانية ولا امشي؟
بالطبع لن تلومه، وكيف تلومه وهي تشعر بتلك الأشواك المؤلمة التي تحيط به فتمنعه من أن يكون على طبيعته!
فنظرت له بنظرة رأى فيها خيوط اللوم والعتاب التي تنسدل منها، لترد بهدوء ظلت متمسكة به:.

-لا مفيش، أنا أسفة بس مش قصدي
أستدار وكاد يغادر، إلا انها اوقفته بقولها الجاد:
-طيب أنا، هأروح ل ماما
أجابها بكلمة واحدة خرجت منه على هيئة نبرة منهية أي نقاش كان على وشك البدء:
-لأ
ركضت خلفه لتلحق به قبل أن يغادر، ثم سألته بصوت أجش:
-يعني إية لا؟! أنا عاوزة أروح أزور ماما، مُش هافضل بعيدة عنها اكتر من كدة واقول الظروف اللي مابتخلصش دي.

كز على أسنانه، والغيظ يمتلكه لأسباب لا يعرفها، ثم زجرها ببعضًا من الحدة:
-لأ يعني لأ، مش دلوقتي يا شمس
هدوء، وعناد، وحنق!
كانت في صراع داخلي بين تلك المشاعر المتضاربة، تحاول الزحف خلف الصواب، ولكن باتت طبيعة الأنثى هي من تُسيطر، فقالت بعناد وقوة مماثلة:
-لأ، أنا اتأخرت عنها كتير أوي، وأكيد مقهورة مني
زمجر بوجهها بحدة إتضحت ك عين الشمس لا تتوارى خلف شيئ:
-وإنتِ لسة فاكرة تروحيلها دلوقتي.

إرتعشت من صوته العالي والذي كان له أثرًا واضحًا عليها...
ف تلقلقت الدموع في عينيها، وأسفًا تُيقن صحة كلامه!
ولكنها، تبتعد لتثبت لوالدتها أنها لم تكن سلعة تُشترى وتُباع يومًا، ليس لتعذيبها أطلاقًا!
فنظرت للأرضية، تهتف بصوت واهن ومبحوح:
-عندك حق، بس أديني أفتكرتها اهو، وبعدين أنت ف وسط كل اللي حصل اللي كنت بتقولي أستني الجو يهدى وهاوديكِ.

مسح على شعره عدة مرات، قبل أن يوليها ظهره مغادرًا دون أي كلمة اخرى!
فيما مسحت هي دموعها، قبل تمسك بالأموال وتغادر متجهه لمنزل والدتها!

وبعد إنتهاء مالك من دفن والده، وأتم جميع الاجراءات، كان يشعر أنه أنهى كل شيئ خاص بالماضي!
كل حزن وألم قهر، كل أنتقام اقسم على فعله...
ولكنه كان متمسك بالبرود الظاهري لأقصى حد، فكاد يواجه سهام التعجب والصدمة من الجميع حول ذاك البرود! وما كان منه إلا ان يواجهم بلامبالاة ظاهرية تحرقه هو قبل اي شيئ..
وصل الى القصر الذي كان يعيش فيه معهم مسبقًا..

يعيد ترتيب تلك الكلمات بعقله، يعيد تنظيم السوط الذي سيسقط على رأس تلك المسكينة زينة التي سيزيد من إنكسارها دون ان يدري!
جلسا سويًا والهدوء خير خلفية مزيفة، فقطعت زينة ذاك الصمت بقولها:
-عامل إية دلوقتي يا مالك
اومأ بهدوء مرددًا:
-الحمدلله، إنت كويسة؟ وفين ماما!
إبتلعت ريقها بازدراء، لترد بصوت يكاد يسمع:
-ماهو انا كنت عايزاك ضروري عشان كدة
وشعر بأخطار صدمة اخرى على أعتاب حياته،
فسألها بحذر:.

-خير يا زينة إية اللي حصل وماما مالها؟
إختنق صوتها وهي تخبره بأسف:
-ماما في مستشفى أمراض عقلية يا مالك
جُمدت أطرافه من الصدمة...
يوم عن يوم يتأكد ان الصدمات تزداد وليس العكس!
يوم عن يوم يتأكد أن الفجوة تكبر في حياته ولا تصغر!
نهض وهو يصيح في زينة منفعلاً:
-إزاي يعني؟ اية اللي حصل
أغمضت عيناها تكمل بأسفًا واضح خرج من بين أعماقها المتألمة:
- بابا
صمت برهه لتلقي في وجهه القنبلة التالية:.

-هو اللي خلاهم يجوا ياخدوها، وأنا معرفتش اخدوها فين حتى
زمجر فيها بعضب كعاصفة لن تهدئ بعد كم الصدمات هذا:
-وازاي ماتقوليليش يا زينة؟
سَارعت تبرر بجدية:
-ما انت دخلت السجن يا مالك، واهو لحتى عرفت اقولك عشان تتصرف وتلحقها
ظل يجول المكان ذهابًا وإيابًا يحاول التصرف بخيوط علاقاته وعلاقات والده ليعرف مكانها..
واخيرًا توصل لأسم المستشفى فأنطلق هو وزينة نحوها على الفور...

وبمجرد وصولهم كانت المفاجأة التالية في إنتظارهم، ف بعد طلب الطبيب الخاص بها، والذي أصر على مقابلتهم اولاً، تقدم منهم ثم جلس امامهم، فسارع مالك بسؤاله:
-امي مالها يا دكتور؟
اطرق الاخر رأسه بأسف، ثم قال:
-للأسف يا استاذ مالك والدتك...!
الفصل التالي
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الختامي الأول



look/images/icons/i1.gif رواية غزالة في صحراء الذئاب
  03-01-2022 01:27 مساءً   [50]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الختامي الأول

بدت له الصدمة التالية أقرب ما يمكن من تلك الزاوية، دقاته تترقب مفاجأة أخرى صادمة تجعلها تضطرب كعادته، وعقله يثبت خيوطًا من الثبات حول دورة تلك الدقات، فتثبتها ولو قليلاً..
و راح يحث الطبيب على الإسراع في النطق، فما عاد يتحمل ذاك التلاعب الذي مزق أوتار روحه حرفيًا:
-قول يا دكتور مالها أمي؟ حصل لها إية يا دكتور؟
تنهد الطبيب بقوة هادئة، قبل أن يُهدئه:
-أهدى يا أستاذ مالك عشان تفهمني.

هنا لم تتحمل زينة التي أكلها التوتر وأنتهى، ف صاحت فيه شبه منفعلة:
-لو سمحت يا دكتور تقولنا اللي حصل ومن غير مقدمات
إهتياج نفسي وتوتر، مقدمات تسد خانة الصدمة مؤقتًا، وتنسحب رويدًا رويدًا لتترك سيل الصدمات يخرج من بين شفتا هذا الطبيب على هيئة حروف مسمومة:.

-والدتك حالتها النفسية أزدادت سوءً من ساعة ما جت هنا، مابقتش بتتكلم مع حد، أو حتى بترد على حد، أحيانًا بس بتهذي في الكلام زي انت كداب، ربنا ينتقم منك، مش هتأذي ولادي وما شبه ذلك
صمت برهه يستشف الصدمة التي كانت مرسومة على وجه مالك!
اما زينة فكانت الصدمة تدغدغ أعماقها، ولكن ليس بنفس تأثيرها على مالك..
هي الصدمة أصبحت جزءً منها في أغلب الحالات!

حتى أصبحت اوتارها لا تجدي أنغامًا متوقعة عليها مرة اخرى، بل تصدر أصواتًا مكتومة!
أستفاقت من صدمتها على صوت مالك الواهن وهو يستأذن الطبيب:
-طب أنا ممكن أشوفها عادي، صح؟
اومأ الطبيب مؤكدًا في بعضًا من الحماس وهو يشرح له:
-أيوة، وكمان أنا متوقع إن ده هيجي بنتيجة إيجابية عليها جدًا
اومأت زينة مؤيدة:
-طيب كويس جدًا، يلا نشوفها بقا
نهضوا جميعًا متجهين لتلك الغرفة التي لطالما كانت سجنًا لتلك المسكينة...

حتى وصلوا ف دلف الطبيب اولاً، مشيرًا لهم أن ينتظروا قليلاً..
دلف ليجدها كعادتها تجلس أمام تلك الشرفة، عيناها السوداء تائهه بين ملكوت العالم الخارجي الأسود، تائهه بين شباك ظلماته التي زجتها نحو حبسًا إجباريًا كهذا!
وما يهون عليها هو تلك الذكريات القليلة التي تحوم بين طيات ذاكرتها،
ضجة وأصواتًا عالية تُعشش بين جحورها لتذكرها بما مضى...

الماضي الذي كلما تذكرته وبخاصةً الأيام التي كانت بينهم كنسمات الهواء الضائعة!
تجعل ضجيج الألم يعاود التشقق بين روحها المُنكسرة حرفيًا..
بقيت تنظر للطبيب باستخفاف وكأنها تخبره بنظراتها أن يتراحع عما أتى له، أن يُسلم لواقع أنها اصبحت مثلها مثل الجماد، ذات مشاعر محترقة!
تقدم اكثر منها ثم جلس لجوارها يُنظم تلك الكلمات التي من المفنرض ان تخترق عزلتها المميتة..
ليبدء كلماته بقوله الهادئ:.

-ازيك يا مدام رشا؟ عاملة اية دلوقتي؟
نال منها نظرة ساخطة، ألا يرى حالها؟! ألا يرى الإنكسار ينحدر على ملامحها التي كانت ذات يوم مشرقة..
ربما بل بالتأكيد يرى نتائج خطط شيطان الأنس الخبيثة على ذبلان روحها التي كانت ذات يوم مرحة!
بينما تابع هو حديثه الذي بدأ ينحدر نحو الجدية:
-أنا جاي اقول لحضرتك حاجة يمكن تفرحك، جدًا.

وأخيرًا تبدلت نظراتها للاهتمام ولو قليلاً، فتشجع هو وهو يشعر بها تفتح له باب مستنقعها المظلم بنظرتها تلك، وقال:
-ولاد حضرتك تقريبا اسمهم مالك و زينة، جايين عشان يشوفوكِ
بالرغم من تهلل أساريرها، بالرغم من إنفراج تلك القسمات المتقلصة، إلا أنها شعرت بغصة مؤلمة تخص كرامتها، الان فقط تذكروها؟!
الان شعروا بعامود منزلهم الذي كاد ينكسر تمامًا من كثرة تحمله!
وهمست بشرود لم تعي أنها تحدثت:.

-ياااه لسة فاكريني، كتر خيرهم والله
تغاضى عن اعتراضها، و راح يردف بنصر لاخراجها عن حالة الصمت تلك التي كادت تقتلها حية:
-على فكرة هما مشتاقين لك جدًا وكانوا عاوزين يدخلوا لك بس انا قولت لهم استنوا ادخل افاجئها بنفسي
بقيت صامتة تحت تأثير الصراع النفسي الذي تشعر به حاليًا، فراشات السعادة تُهلل داخلها للقاء ولديها الحبيبن، وذراعا شيطانها يجذبانها نحو حافة الغضب الحارق!
فنادى الطبيب بصوته العالي:.

-اتفضل خش يا استاذ مالك، أنسة زينة
ودلفوا سويًا بهدوء تام يقوده الاشتياق لها، وياللهول من صدمتهم التالية!
وما أصعب من أن يروا والدتهم الحبيبة ذبلت حرفيًا!
خطوط من الهالات السوداء تحيط بوجهها الذي كان مشرق - مسبقًا - خطوط لوهلة شعر مالك أنها تعترف على جمال بوضعه لها!

أقترب منها مسرعًا يحتضنها بكل ذرة حنان تجرعها مسبقًا فبعث بها لها عن طريق لمساته الرقيقة، وكادت دموعه تخون امره وتنجرف أسفل رمشيه فظل يهمس بخفوت مرددًا:
-وحشتيني اوي يا امي
ورغمًا عنها بكت! سمحت لتلك الدموع الملتهبة أثر البُعد أن تأخذ منحناها على تقاسيم وجهها الذابلة فتعطيها مظهر اكثر شفقة!
شدد من قبضتها على ظهره تخبره بصوت واهن بشدة:
-وأنت أكتر يا حبيب امك، وحشتني اووي يابني.

وابتعد مالك بعد دقائق لتحتضنها زينة على الفور بلهفة حقيقية، فيما ظلت الاخرى تردد:
-مش هاخليه يأذيكوا ابدا يا حبايبي
نظر مالك للطبيب يسأله بجدية مناسبة:
- هاخدها البيت عادي، صح يا دكتور؟
اومأ الطبيب ومن ثم اجابه:
-اه مفيش مشكلة بس روح لدكتور القلب اللي كان متابعها عشان حالة القلب كانت متدهورة اخر فترة
اومأ مالك بقلق يسأله:
-هو فين؟
اشار له وقال:
-هتلاقيه في الطرقة دي الاوضة اللي ع الشمال...

وبعد فترة انتهوا واستعدت رشا للرحيل بشعادة لم تفرض مقاليدها على حياتها البائسة منذ فترة، سار معهم مالك وهو يتذكر كلام ذاك الطبيب الاخر:
-قلب والدتك كان ضعيف من الاساس والضغط النفسي ده اضعفه بزيادة ولو الضغط زاد ممكن تتعرض لسكتة قلبية بعيد الشر، ف ياريت ماتتعرضش لأي ضغط ويستحسن لو اخدتوا الممرضة معاكم فترة لحد ما نطمن ع استقرار الحالة.

وتلقائيًا احتل الحنق اجزاءه من والده الراحل، واصبح فعليًا لا يدري أيدعو له ام عليه؟!

وصلت شمس الى منزلها السابق، وتتلاطم امواج الذكريات داخلها، بجوار تلك المشاعر المختلطة، الحزن الهدوء والقلق من رد فعل لا تتوقعه!
لكل فعل رد فعل وبالطبع لكل هجر وابتعاد غاضب، حنق لا يُوصف تجاهها!
طرقت باب المنزل بهدوء متردد، حتى تلك اللحظة تخشى فوران غضب والدتها فربما تحبسها معها!؟
ربما تظل تضربها حتى تتسبب بموت طفلها التي لم يرى الدنيا بعد!

وساويس ووساويس من ذاك الشيطان يدعوها للفرار، يدُس المخاوف بعقلها كدعوة صريحة للتقدم نحو الهرب مرة اخرى!
ولكنها تمسكت بكل طرفًا للثبات وهي تزيد طرقاتها وبعد ثواني فتحت لها كريمة بوجه واجم سرعان ما تبدل للسعادة المُهللة التي توزعت على ملامحها فور وقوع نظراتها على أبنتها المهاجرة!
ولم تترد وهي تقترب لتحتضنها بكل ما لها من قوة، تملأ رئتيها برائحتها الطيبة، وتهمس بصورة هيستيرية:.

-يااه يا شمس، هونت عليكِ يا بنت بطني هونت عليكِ تبعدي عني ده كله؟ هونت عليكِ متسأليش عني حتى!
رمقتها شمس بنظرة ذات معنى وهي تبادلها الهمس:
- وانا كنت هونت عليكِ يا امي تجوزيني ل واحد زي يحيى ومن غير تردد حتى؟! هونت عليكِ تقولي عني هايتجوزك يستر عليكِ؟! لية من امتى وانا جايبة لك العار؟!
بالطبع لم ترد كريمة بل اطرقت رأسها خزيًا من فعلتها الشنيعة وتصرفاتها الغسر مقبولة بالمرة في قاموس اي ام!

فقالت بصوت اجش تخبرها بما توقعته شمس الى حدًا ما:
- أنا عرفت غلطي يا بنتي، بُعدك عن حضني كواني وعرفني الغلط اللي كنت برتكبه في حق نفسي قبل حقك
ظهرت شبح ابتسامة على وجهها، لترد بنفس النبرة:
-وأنا عرفت قسوة رد فعلي يا امي
فاحتضنتها مرة اخرى وقد انهمرت دموعها كشلالات لن تهدئ!
ثم اشارت لها قائلة بفتور:
-طب خشي يلا، تعالي نفسي اتكلم معاكِ كتير اووي.

وبالفعل دلفت شمس بابتسامة لم تزول، سعادة حقيقية تتوغل خلاياها التي كانت بائسة مترددة قبل وصولها،
سألتها والدتها بحنان:
- عاملة اية يا قلبي؟ كنتِ عايشة ازاي؟
اجابتها شمس دون تردد:
- كنت عايشة مع جوزي يا ماما، مع مالك
سألتها ببعضًا من التعجب:
-انتِ كنتِ متجوزاه فعلًا؟
اومأت شمس مؤكدة، وعشق مالك الوردي يتردد بين طيات قلبها قبل عقلها، لتتابع بعدها:.

-اه، مالك شخصية جميلة اووي يا امي، انا متأكدة انك لما تقعدي معاه هاتحبيه زيي
لم تدري ما اعترفت به للتو، لم تدري أن قطرات عشقها الأبدي ظهرت بوضوح بين حروفها!
فسألتها والدتها بذهول:
-إنتِ حبتيه يا شمس؟ حبتيه بجد!
إبتلعت ريقها بتوتر، ثم بدأت تشرح لها بخفوت مُحرج:.

-الكمال لله وحده طبعا، بس مالك شخصية شبه متكاملة يا امي، حنين وراجل وبيحبني واتغير عشاني كمان، شال قسوته الخارجية وظهر معدنه الحقيقي، وكمان جه سبب تاني يخليني اتمسك بيه اكتر
سألتها هادئة:
-أنا آآ أنا، حامل
شهقت والدتها مصدومة! ولكن سرعان ما تحولت للفرح الفطري في موقف كهذا، إنفجرت ابتسامتها الهادئة لأخرى تعدت مراحل الفرح لسعادة غامرة!
فاحتضنتها بحنان مرددة بصوتها الهادئ:.

-مبروووك يا حبيبتي الف الف مبروك
بادلتها شمس الحضن والسعادة، ومر الوقت وهم يتحدثوا بشتى الأمور، كلاً منهم تطمأن على الاخرى بلهفة حقيقية وواضحة...
وبعد ما يقرب من الثلاث ساعات تنحنحت شمس تستأذن والدتها بجدية:
-بعد اذنك يا ماما انا هامشي
أمسكت والدتها يدها بحركة تلقائية تسألها متوجسة:
-عايزة تبعدي عني تاني يا شمش
هزت رأسها نفيًا:
-لا لا طبعا بس مالك زمانه رجع البيت وأنا جيت غصب عنه اصلًا.

ضيقت والدتها عينيها في بعضًا من الضيق:
-لية هو مش عايزك تشوفيني ولا اية؟
هزت رأسها نفيًا مسرعة وراحت تبرر لها:
-لا طبعا ياامي بس هو مش على طبيعته بسبب موت والده، وحاجات كتير حصلت معانا اكيد هاحكيهالك لما نيجي انا وهو بكرة عشان ميزعلش من تأخيري
اومأت والدتها مستسلمة:
-ماشي، ربنا ما يجيب بينكم زعل ابدا يا قلبي.

بادلتها شمس الابتسامة ثم نهضت لتغادر على عقبيها، استعدادًا لدائرة الشجار التي ستنشب بينها وبين مالك بعد قليل!.

وعندما يظل ما تريده يفر هاربًا منك، تظل أنت في نفس سبيبلك، منتظرًا منه ان ينتهي فيأتيك هو!
فتحت عبير الباب صدفةً لتقع عيناها على تلك خلود التي مازالت تجلس بنفس للمظهر الذي تركتها به، شهقت مصدومة ولم تتخيل أن اصرارها يصل لاعتباب الجنون هكذا!
بينما هبت خلود واقفة تستعيد رباطة جأشها قبل أن تهمس برقة منكسرة:
-ماما.

بينما الاخرى ومن دون تردد أحتضنتها على الفور، تحقق ما ظلت تتمناه بين قرارة نفسها، تحقق ما ظل مجؤد امنية عالقة بين شباك واقعها القاسى!
بينما الاخرى ظلت متشبثه بحنان الذي كان يزداد قطراته مع مرور ثواني اللين بينها وبين والدتها..
فظلت تهتف باكية برجاء حار:
-سامحيني يا امي سامحيني بالله عليكِ بقاا
اشتمت عبير ريحق شعرها الفواح، لتقول دون تردد بحنان:
-مسمحاكِ يا روحي مسمحاكِ.

عند تلك النقطة ازدادت شهقات خلود التي ظلت تشدد من احتضانها وهي تردد بهذيان:
-ربنا يخليكِ ليا وميحرمنيش منك ابدا ياااارب
أخذتها والدتها نحو الداخل بهدوء، جلستا سويًا ليخرج تامر الذي يبدو انه استيقظ لتوه من نومته القصيرة!
وسرعان ما همس ببلاهه:
-اية ده خلود هنا؟!
اومأت والدته باقتضاب، هي مازالت تضع خطوطًا سوداء بينها وبينه، خطوطًا صنعها غضبها الحارق من خطأ ابنها الشنيع..
بينما قال هو بشبه ابتسامة:.

-حمدلله على سلامتك يا خوخه
ردت عليه الاخرى بجدية:
-شكؤا الله يسلمك
اقترب منهم، ينظر لهم بخزي وحزن معًا، أصبح مُحرجًا منهم بدرجة كافبة أن تجعله لا يضع عيناه في مواجهة عيناهم ابدا!
فهتف بصوته الاجش مستسمحًا اياهم:
-ارجوكم بلاش النظرات دي انا والله العظيم استويت، سامحيني يا امي زي ما سامحتيها، وانتِ يا اختي انا اسف من هنا لبكرة سامحيني
عضت خلود على شفتها السفلية، وما حدث منذ قليل، جعلها ترد مجبرة بحبور:.

-مسمحاك يا تامر، مهما كان انت شقيقي
فيما تنهدت والدتهم بقوة، كلمة امي كسحرًا فطريًا تجبرها على مسامحتهم مهما كانت الاخطاء!
فأومأت بحنو مرددة:
-تعالي يا حبيبي
ثم اشارت لهم لاحتضانها، واحتضنت كلاهما بحنان وحب حقيقي، لن يقطعه سوى تعكير انسحب من حياتهم منذ زمن!

وصلت شمس الى منزلها، تأخذ نفسًا قويًا تختزنه داخلها، فلربما تنقطع أنفاسها حزنًا على ذاك الشيطان الذي دلف بين نسمات حياتهم السعيدة ليعكرها بخبثه!
طرقت الباب وهي متأكدة أن مالك بالداخل والفضب يتهافت امامه وبين ضلوعه مع قلبه المحترق اثر فراق والده المحتوم!
وبالفعل فتح لها والغضب فقط من كان بين سطور عيناه، جذبها من ذراعها يدخلها وهو يغلق الباب بقوة...
وسرعان ما انفجر بوجهها يهتف في حنق:.

-برضه عملتِ اللي ف دماغك وروحتي!؟
اومأت شمس تجيبه بجدية مناسبة:
-ايوة، انت عارف اني كان لازم اروح ل ماما
صرخ بوجهها بنفاذ صبر:
-قولت لك اصبري، قولت لك لا لكن كلامي كله في الارض وبرضه بتمشي ورة عنادك وبتعملي اللي على مزاجك
إبتلعت ريقها بازدراء، لتردف بصوت خافت:
-طب ممكن تهدى شوية عشان نعرف نتكلم
الهدوء!
وهل اصبح يعرف للهدوء معنًا بعد كل تلف الاعصاب هذا؟!

هل مازال يوجد ولو ظلاً واحدًا للهدوء في حياته التي اصبحت المشاكب تتوغل كل جزءً منها!؟
يشعر كما لو انه يتحمل كل ماكان من المفترض ٱني يتحمله من فترة فتراكم فوق كتفيه!
ولكنه لم يعد يحتمل فعليًا، انهارت سفينة ثباته المزيف التي حاول ان يبعثها ل روحه الثائرة...
ورغمًا عنه صرخ بوجهها منفعلاً بصوت عالي وحاد:
-متقوليليش اهدى، انا هادي، أنتِ اللي غبية وهاتفضلي طول عمرك كدا.

ابتلعت تلك الاهانة على مضض، وما يشفع له هي حالته المرزية تلك،
فكزت على اسنانها تستطرد بهدوء حذر:
مالك، آآ
ولكنه قاطعتها بزمجرته المزلزلة لكيانها:
-بلا مالك بلا زفت قرفتيني
هنا لم تعد تحتمل، صراخه وصل اعماقها المتحجرة لتُختم اهانته عليها كأنثى شرقية!
فبادلته ذاك الصراخ المجنون:
-لا بقا لهنا وكفاية، مش هاسكت لك ابدا
اقترب منها ببطئ مخيف، ليرد بعصبية محتقنة:
-مش هاتسكتِ هاتعملي اية يعني؟! هه هتعملي اييية!؟

رغمًا عنها ارتعشت اطرافها خوفًا، فهي مازالت تتذكر مالك القديم، مُعذبها القاسي متحجر القلب!
ولكنها قالت:
-هاعمل كتير، وابعد ماتقربش تاني
بالفعل كانت تتقزز من رائحته لسبب مجهول، ولكنه بالطبع طفلهم الذي لم يولد بعد، تقلصت امعائها بألم فدفعته بقوة، فيما دُهش هو وتطاير الغضب من بين جحوره...
شرارات من الغيظ علقت بلهيب ألمه!
فأردف كازًا على اسنانه بحنق:
-مش طايقة قربي، طب انا بقا هاوريكِ.

ونظرته كانت لا توحي بالخير ابدا، وازداد شبح الخوف تكبرًا داخلها وهي تراه يخلع التيشرت الخاص به ونظرة تعرفها جيدا تُدس بألم بين طيات قلبها و...!
الفصل التالي
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الختامي الثاني



look/images/icons/i1.gif رواية غزالة في صحراء الذئاب
  03-01-2022 01:27 مساءً   [51]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الختامي الثاني

كانت ترتجف امامه، يظهر وحش الماضي مرة اخرى امامها على هيئة ذاك الحبيب، وكأنه يخبرها أنه مثل ظلها تمامًا! وسيظل هكذا دومًا..
أختناق، شعور تمثل لها على هيئة وشاحًا أسمه لعبة القدر يُطبق على صدرها بقوة فيمنع تلك الدقات التي ما زالت تهفو بأسمه من الصعود!
بينما هو، الغضب كان ستارًا من صنع ذاك الشيطان الأهوج..
يعميه عن عشقه، عن روحه، عن من تربعت على عرش قلبه!

أقترب منها مرة أخرى، ولأول مرة يصبح أقترابه مؤلم، حار، به شيئً من الحساسية بينهم!
عازل نفسي يقف بينهم عازمًا عدم التصدع إلا تحت خضوع سيطرة النظرات!
إلتصق بها تمامًا، لم يكن يقربها ليُعذبها، بل كان هو اكثر من يحتاج القرب، هو من يحتاج الأحتواء وخاصةً في هذه اللحظات...
تلك اللحظات التي مرت عليه ولم يكاد يفقد محبوبته فقط، بل بالفعل فقد نفسه المتحكمة، وقلبه العاشق!

بدأت دموعها في الإنهمار، تبكِ بحرقة، بين علاقتهم والدمار نقطة فقط..
نقطة صغيرة تكاد تكون معدومة إن تخطاها فقد تخطى كل شيئ حلو!
وكان وجهه أمام وجهها تمامًا، لا يرى دموع ولا يرى همسات، ولا يرى حتى رجائها، كل ما كان يعلق بعقله الصلب هي تلك الهموم المميتة...
واخيرًا إستطاعت هي تحريك شفتيها التي كادت تتجمد أثر هجومه، وبارتعاشه همست:
-مالك، وحياة أبننا ماتعملش كدة، مش بالغصب، بالله عليك مش بالغصب.

جملتها تلك كانت ك صفعة بالنسبة له، صفعة أفاقته وإنتشلته من حالة اللاوعي التي كانت تتلبسه!
ظل يحدجها بنظرات مصدومة، مذبهلة، أهو من كان سيفعل ذلك بمحبوبته؟!
هو سمح للخوف أن يتوغلها بعدما كان وعده لها بالأمان يرتكز في مقدمة علاقتهم...
وبدلاً من أن يهجم عليها كما توقعت، أحتضنها، أحتضنها بقوة وكأنه يُذكرها بحنان الذي كاد يذهب أدراج الرياح!
ورغم ذلك تشبثت هي به وراحت تبكِ بحرقة..

وما أصعب بكاؤوها الذي كان يُمزقه حرفيًا، ظل يربت على ظهرها بنعومة تناقض حالة الهياج التي كانت تحتل أطرافه، ويردد بإنفعال حاني:
-أنا أسف، أسف يا شمسي، أسف سامحيني
ظلت عالقة بين شباك أحضانه التي إرتخت، وبعد ثواني عاد لها ذاك التقزز المرير، فأبعدته برفق وامعائها تزداد في التقلص، فيما رمقها هو بنظرات ذات مغزى، ثم اردف:
-تاني؟!
هزت رأسها نفيًا، وبررت مسرعة:.

-والله غصب عني، معدتي وجعاني اوي وخصوصا لما تقرب مني
شيئً ما من الألم شق منتصف صدره من ذاك الأعتراف المُهين له..
ذاك الأعتراف الذي لم تكلف نفسها بأن تزين حروفه ولو قليلاً!
فكاد يبتعد، ولكن تحمالت على نفسها وهي تقترب منه مرة أخرى، تقلصت أبتسامتها المصطنعة وهي تخبره:
-صدقني مش بمزاجي، أكيد أبنك هو السبب
بادلها الابتسامة الحنونة، وآآهٍ من ذلك الحنان الذي يتدفق منها دون إنتهاء!
مازالت تخشى حزنه؟!

مازالت تخشى عبسه البسيط وهي مُرغمة!
وهو، هو جعلها تعيش لحظات تُعد تحت خانة - أسوء اللحظات -
لحظات مسروقة من النكد الذي أفتقدوه منذ فترة ليست بقصيرة..
أحتضنها مرة أخرى، وكأنه يثبت لشيطانه أنها معه وله، للأبد،
وظل يهمس تلقائيًا والآمر قلبه هذه المرة:
-أسف يا شمسي، إنسي، وسامحي زي ما بتعملي دايماً
اومأت دون تردد، ثم قالت:
-يمكن اللي خلاني أسامح المرة دي هي الظروف اللي أنا متأكدة إنها هي اللي خلتك تعمل كدة.

مد يده يتحسس وجنتاها بعشق خالص، وكأنه يسأل يده الخشنة التي تناقض بشرتها الرقيقة الناعمة، من أي شيئ خُلقت تلك؟!
ف والله لولا خشيته من الله، لكان زعم بأنها ملاكًا على الأرض!
إستفاق على صوتها المُحرج نوعًا ما:
-طيب إلبس التيشرت يلا
أنتقل ل خبثه مرة اخرى ولو لدقائق، دقائق ينتشلها من بين طيات تلك الهموم التي لم ولن تتركه..
فأصبح يستطرد بخبث تعرفه هي جيدًا:.

-وألبسه لية لما أنا ممكن أقلعه تاني؟ هو انا فاضي ولا إية!؟
ضحكت بنعومة أذابته حرفيًا، هي تعشقه، تعشق خبثه ذاك، تعشق عبوسه، حتى غضبه الأهوج تعشقه..
كل ذرة بها تتهاتف بأسمه، مالك، وبالفعل هو مالك، مالك قلبها الذي لم ولن يدخله غيره، ابدًا!
فبادلها الابتسامة قبل أن يهتف:
-تؤ تؤ، إنتِ كدة هاتزيدي من تهوري على فكرة، والله على ما اقول شهيد.

إزدادت ضحكاتها الرنانة التي صدحت بين أرجاء المنزل، فأستندت على كتفه تهمس بهيام:
-ربنا يخليك ليا يا حبيبي
وبغتةً، فاجئها بحمله لها، ظلت تهز قدماها في الهواء وهي تعترض بخفوت مُدلل:
-لا لا لا ماتفقناش على كدة، سيبني يا مالك صدقني هارجع من البرفان ده
هز رأسه نافيًا والأصرار حليفه:
-مليش دعوة، أنا حذرتك وإنتِ ماسمعتيش الكلام، وقد اعذر من ذرذر.

فتحت فاهها وكادت تعترض ولكنه وبحركة مباغتة إبتلع حروفها بين شفتيه، يلتهم شفتاها باحتياج..
وبعد ثواني كان يضعها على الفراش برقة معهودة منه، نظر لوجهها الخجول يملي عينيه منه، ويحفظ قسماته المرسومة بأبداع، فرفع ذقنها بيده يقول:
-اللي هايمنعني عنك بس الواد ده
ثم هبط لبطنها يخبط عليها برقة وهو يستطرد بسخطف:
-يلا يا حبيب بابا ماتطولش جوة عايزين نفكر في اللي بعدك أحنا ماعندناش وقت.

فأنطلقت ضحكات شمس على عبثه الذي أصبح يُحلى حياتها، وأصبحت هي تتمنى ألا ينتهي بمرور الأيام بموجاتها المتقلبة، ابدًا...

وصلت خلود إلى منزلها مرة اخرى، لأول مرة بدأت تشعر أن ذلك الجبل فوق كاهليها إنزاح، إنزاح وقد عفى عنها!
تشعر أنها حُرة غير مُقيدة بذاك القيد الذي يُدعى الأختناق!
نعم الأختناق بالبُعد ولو كان إجباري..
إتجهت الى غرفتهم على الفور، لا ينقصها لقاء ولا شعور بالغيرة..
هي ترغب في الشعور بالكمال ولو لمرة في حياتها، مرة واحدة تتمتع براحة البال التي كانت دومًا بالنسبة لها طيفًا لا تستطيع مسه!

وجدت مراد مازال يغفو بارتياح، قسمات وجهه رائقة ليست مُعكرة..
ملامحه أصبحت تنم عن الصفاء النفسي، عن الأشواك التي كانت تغوص روحه فلملمها على الفور واخيرًا..
أقتربت منه تمسد على شعره بحنان لم تتكلفه، وتزين وجهها أبتسامة صافية حانية لا تُقدر مقدار حبها له ولو لدرجة!
شعرت به يتململ في نومته، فكادت تبتعد إلا أنه أمسك ذراعها يسحبها له برقة...
ليهمس أمام شفتيها بحالمية:
-هتهربي فين بعد ما عملتِ جريمتك.

شهقت مصدومة وقد إتسعت حدقتاها باصطناع بارع، ولكنها قررت مجاراته وهي ترد بدلال يُذيبه دون جهدًا منها:
-إية ده جريمة أية؟ أنا مأعرفش حاجة عن الجريمة دي يا باشا
ضيق عينيه السوداء وهو يخبرها:
-إنتِ ازاي تتأمليني وأنا نايم كدة؟ مراتي لو شافتك هتقطعك
إنطلقت ضحكاتها الرنانة في مرح، فيما تابع هو بتحذير خبيث:
-قومي يابت احنا كدة هنتمسك اداب يخربيتك.

ثم سرعان ما قيد خصرها النحيف بذراعيه المفتولتين، كانا قيد حبه وإفتتانه بها!
ليستطرد بعدها بنبرة مشاغبة لم تهطل على أذنيها منذ فترة:
-وانا بصراحة معنديش مانع
أبتعدت عنه و تلك الابتسامة وكأنها حُفرت على ثغرها بثمار عشقهم الأبدي، ثم رمقته بنظرة ذات مغزى بجوار قولها الهادئ:
-تؤ تؤ، الأول هتعمل اللي مفروض يتعمل
نالت منه أبتسامة مؤيدة على ما قالته، ثم نهض مغمغمًا بتأكيد:.

-شور يا بيبي، بس بعدها مش هتفلتي مني، العمر بيجري وعايز أفرح بعيل ليا
رغمًا عنها شعرت بالجفاف في حلقها عند تلك السيرة..
تعلم أنها لم تتزوج منذ فترة كبيرة، وتعلم أن الصبر مفتاح الفرج..
ولكن ما ذنبها إن كان قلبها يتوق لتلك الكلمة - أمي - التي تُشبع غزيرتها الحنونة!
ما ذنبها إن كان القلق دائمًا يكن في ذيل حروف ذاك الموضوع تحديدًا..
إنتشلها من شرودها صوت مراد وهو يقول بخشونة:.

-روحي قولي ل ليلى تجهز نفسها، هنطلع على المأذون الأول
اومأت موافقة ومازال الشرود يفرد أزداله على عقلها، فنهضت متجهة للخارج تاركة اياه يغتسل ليبدل ملابسه سريعاً..
فيما تنحنحت هي قبل أن تبدأ حديثها مع ليلى التي كانت تجلس بشرود كعادتها، فهتفت بهدوء:
-ليلى، بتعملي إية؟
أجابتها بأبتسامة صفراء:
-ولا حاجة، قاعدة زي كل يوم
ضيقت خلود عينيها في خبث، ثم سألتها بنبرة ماكرة خالت على ليلى:
-اممم، بتتأملي صورة، آآ.

و حكت رأسها بطرف إصبعها كعلامة على التفكير الوهمي، ثم أكملت:
-أسمه حمدي تقريبًا مش كدة؟
زحفت الحمرة كشبحًا يتلبس وجهها الأبيض، فنظرت أرضًا تردد متلعثمة بحرج:
-آآ هو آآ يعني ع عشان صديق، صديقي الوحيد وآآ وقريب مني بس
إتسعت إبتسامة خلود وفي قرارة نفسها أيقنت أن ليلى تعشق حمدي ليس تحبه فقط..
العشق والخجل شعوران مترافقان، إينما وُجد واحدًا منه وُجد الاخر مرافقًا له رحلة العشق تلك!

عادت للواقع تردف بصوت جاد دال على جدية الأمر:
-طب قومي إلبسي بقا عشان هنروح مشوار كدة
سألتها دون تردد:
-مشوار إية؟
تأففت بملل مصطنع، و راحت تهتف مداعبة:
-مفاااجأة ياستي، قومي يلا مفيش وقت، وأنا هدخل برضه ألبس
اومأت ليلى موافقة على مضض..
لتنهض كلاً منهم لترتدي ملابسها، إستعدادًا للقادم!

-نورتي المكان يا ست البنات
قالها يحيى ل زينة التي إقتربت منه تجلس على الكرسي أمامه تفصلهم منضدة صغيرة وقد إنفرجت ابتسامته وبدأت دقاته تعاود ذاك الاضطراب مرة اخرى...
يشعر بكيانه البارد يُزلزل بمجرد رؤيتها، يشعر بالشوق المُميت يُجمد أطرافه مطالبًا إياه بالاقتراب...
صارخًا فيه لم أعد أحتمل، يأكله كالصدئ في الحديد، يؤلمه دليلاً على عدم تواجد ما يتأكل فيه..

إسترد صحته ولكنه يشعر بمرض يُدعى الحب يُطرق بابه..
لا يعلم كيف ولا متى حدث، وحتى لا يرغب في أن يعلم، كل ما يهمه هو أن وصل بداية أدرابه فقط!
فيما أبتسمت زينة بهدوء، لم تكن كالبقية صافية وسعادة، بل مازالت بعض الشوائب تُعيق سعادتها!
مازالت تشعر بالرعب كلما تذكرت أنها لم تخبر أخيها، لم تطلب منه السماح..

هي تحبس نفسها بغرفتها بمجرد أن تشعر بذاك الألم يعاودها، تدخل في صراع معه بين الانصياع له او التمرد عليه...
أحيانًا تفوز واحيانًا ينتهي الأمر بفقدان وعيها لتستيقظ تجده قد ذهب ادراج الرياح وكأن مهمته إنتهت!
تعلم أنها ستعاني قليلاً، لا بل كثيرًا حتى تسلخه نهائيًا من حياتها، ولكن ها هو المفترض..
إستفاقت من شرودها على صوت يحيى يقول مشاكسًا:
-سرحانة في إية يا قمري؟
ظهرت ابتسامة صفراء على ثغرها قبل أن تنفي:.

-لا ولا حاجة
لفت نظره تلك الورقة التي تكورها بين أصابعها، فلم يتردد وهو يسألها فضوليًا:
-إية الورقة اللي هتقطعيها دي؟
إبتلعت ريقها بازدراء، قد حان الوقت، دقت ساعة الصراحة وإقتربت النهاية!
نظرت له بثبات ظاهري تلجأ له في تلك الحالات، ثم تشدقت ب:
-هو ده اللي كنت هأقولك عليه لما أنت إتصلت بيا وطلبت تشوفني عشان تعترف لي باللي انا وانت عرفينه
عقد ما بين حاجبيه في تساؤل متوجس:
-ده إية قلقتيني؟ في إية يا زينة؟

تنهدت تنهيدة طويلة وقوية تحمل بين طياتها الكثير والكثير، ثم مدت له الورقة يتلقى هو تلك الصدمة بنفسه..
وبالفعل تجمدت ملامحه وهو يقرأ تلك الورقة، يدقق بتلك الحروف علها تُظهر مبطنها الحقيقي، ولكن بلا فائدة!
نظر له مبهوتًا في قوله:
-إية ده يا زينة؟ معناه إية ده؟
أجابته بكلمة واحدة ولكنها كانت كسيفًا قطع كل احلامه الوردية:
-مُطلقة، أنا مُطلقة يا يحيى.

بقي هادئًا تمامًا بعكس ما توقعت، يفكر ويفكر وهو يطرد التسرع من بين أعماقه، لأول مرة يحاول التقمص في شخصية العاقل الرزين المتحكم في أعصابه التي كادت تتلف...
وبعد دقائق من الصمت قال بجدية:
-ممكن أفهم إزاي؟
اومأت موافقة بنفس الجدية ثم بدأت تشرح له كل شيئ من البداية المُنهية، حتى إنتهو فمسحت تلك الدمعة التي فرت هاربة من بين جفونها، ثم غمغمت بصوت يكاد يسمع:.

-دلوقتي القرار ليك، تعترف أو ماتعترفش، وأنا راضية بأي حاجة
أغمض عينيه وراح يقول في خفوت:
-زي ما إنتِ اعترفتي لي بالحقيقة، أنا كمان لازم اعترفلك بحاجة، وساعتها هنبقى متساويين
صمت برهه ثم بدأ يقص عليها كل شيئ، علاقته ب شمس، وحبه الوهمي لها، إمتلاكه المكروه لها!
واخيرًا محاولة الإنتقام منها،
ضغط على جرحها الذي لم يُشفى بعد من دون قصد، فلولا وقفة القدر هذه المرة لكانت تحملت نتيجة أختيار اخيها مرة اخرى!

انتهى لينظر لها مثبتًا نظراته على عينيها في شيئ من الهُيام، ليردد بثبات جعل قلبها يُرفرف بأجنحة سعادته:
-وبرضه عايز أقولك إني بحبك، بحبك وموافق بكل حاجة، وعايز أقابل أخوكِ واشكره لانه كان السبب اني اعرفك!

كانت ليلى تسير بجوار مراد وخلود شاردة سعيدة ومُهللة، انتهى كل شيئ وثبتت انها مازالت على قيد الحياة..
الحرية!
كلمة قد ظنتها بعيدة جدًا عن مستوى الواقع، ولكنها بيوم وليلة أصبحت هي الواقع في حد ذاته..
لقد نالت حريتها اخيرًا، أصبحت حُرة غير مُقيدة برابط الزواج من شخصًا لا ترغبه؟!
ذاك الرابط الذي كان يخنقها أكثر يومًا بعد يوم..

كانت تسير ك عصفورًا حرروا أجنحته لتوه! الابتسامة لم تزول من ثغرها ابدًا، بينما مراد و خلود يراقبانها بنفس الابتسامة الهادئة...
وبعد قليل وصلوا الى المكان المقصود، دقوا الباب ليفتح لهم، حمدي!
العاشق الولهان الذي ابتعد عن معشوقته بما فيه الكفاية..
ومن دون مقدمات احتضن ليلى بسعادة غطت على كلاهما..
ف تنحنح مراد بجدية مصطنعة يقول:
-احم احم نحن هنا.

ضحكت خلود، فيما ابتعدت ليلى مسرعة وقد طغت الحمرة الخجولة على وجهها، فأشار حمدي لهم أن يدلفوا..
جلسوا جميعهم، فسارعت ليلى تسألهم:
-ازاي؟ هربت منهم؟
رد مراد بصوته الأجش شارحًا وهو ينظر لخلود:.

-في اليوم اللي كنت مع خلود فيه، كان حمدي هو اللي اتصل، بقولي انه هرب وحتى قبل ما الناس دي يتقبض عليهم، ف أنا وصلته للشقة دي بتاعت واحد معرفة، وفضل قاعد هنا مستخبي لحد ما عرفته انه اتقبض عليهم، ف بقى عايش حياته طبيعي وبيشتغل كمان ف مشروع كدة هنعمله انا وهو، اصلي قررت اني مش هرجع للشرطة تاني ابدا، لان البلد دي مش عايزة حد نضيف يبقى سلطة فيها.

عم الهدوء بين الجميع، هدوء تاام يتنفسه الجميع بين نسمات الهواء كلاً منهم يُسعد بحياته التي اصبحت مُهندمة اخيرًا!
قطع ذاك الصمت صوت حمدي الذي قال بامتنان ل مراد:
-أنا مش عارف أقولك اية؟ بس ربنا يديك على قد نيتك على كل اللي عملته معايا
ابتسم مراد، ومن دون مقدمات بدأ يقص عليه علاقته السابقة ب ليلى منذ ان عرفها...
فختم الحديث بقوله الهادئ:
-ده قدر، وانا مأقدرش اعترض على رغبة ربنا!

تم الحكم على سعد وكل معاونيه بالمؤبد مع العمل الشاق..
لقد كان الحكم هين جدًا نسبة لقائمة اعمالهم الشيطانية!
ولكنه حكمًا كان تقريبًا ك فرصة لهم من الله ثم القدر ليحاولوا التمسك بأطراف التوبة ولو قليلاً...
...
اما زياد، لقد أطل الظلام بحلكته المميتة على حياته التي اصبحت بائسة من دون زينة، مرت تلك الفترة قبل أن بطلقها رسميًا والأمل ينبت بداخله يومًا بعد يوم يزداد أن تعود له زينة وتسامحه..

ولكن الوقت أثبت له العكس تمامًا!
فاستسلم لرغبة قدرًا لا تقبل المعارضة وطلقها رسميًا...
بعدما عزم ان يكرث حياته للعمل، ول زياد نفسه فقط، لا حب ولا عالم وردي سينال منه نظرة او إلتفاته مرة اخرى!

وبعد مرور ثماني شهور...
-يارب ياااا ربنا تكبر وتبقى قدنا، وتيجي تعيش وسطنا، وسط الحبايب، تكبر وتروح المدرسة، وتصاحب شلة كويسة، وتشوف عيون أمك وأبوك، فرحااانة بيك...
صدح صوت الأغنية المصرية التي تصدح في سبوع المولود تملئ الاجواء بالسعادة والفرح، معلنة عن مرور أسبوع على ولادة نبتة العشق مليكة مالك السُناري
ابنتهم الاولى وبالطبع ليست الاخرى إن شاء الله، والسعادة خير ختام...

الابتسامة التعبير الوحيد الذي يتلبسه الجميع..
شمس تحمل مولودتها الحبيبة بجوار مالك الذي لم يغيرهم الزمن او يزيدهم سوى عشقًا وخاصةً بعد أن زادت مليكة عشقهم متانة!
ودائرة من حولها تُشكل ثنائيات من تعرفهم...

زينة و يحيى الذين أتوا من شهر العسل لتوهم، واخيرًا عرفت زينة معنًا حقيقيًا للسعادة، لازالت تشعر بالغصة المؤلمة في روحها كلما تذكرت موقف مالك منها عندما علم، ضربها، سبها، ولكنه ختم ذلك باحتضانها، وبالطبع السبب معلوم
هو من كان سببًا بذلك، بل هم جميعًا!، تفكك أسرتهم من كان السبب الأساسي
ولكن تختم فكرها بمقولة حازمة
ولكنها راضية...

وعلى الجهة الاخرى خلود و مراد متشابكين الأيادي ينتظرا مولودهم الذي أتم شهره الثاني لتوه...
وقد أيقن كلاً من مراد و مالك أن كلاً منهم أنتقم من نفس الشخص على طريقته بعد معرفتهم بالحقيقة!
...
بجوارهم ليلى و حمدي عصافير الحب الصغيرة الذين يستعدا للحبس في قفص الزواج الأبدي...
والسعادة خير ختام، السعادة التي كانت خير خلفية لنهاية حتمية!
تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 7 من 17 < 1 10 11 12 13 14 15 16 17 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
ارتفاع أعداد المصابين في فرح «غزالة» لـ39 شخصاً.. والداخلية تكشف التفاصيل بعد القبض على «أبو العروسة» Moha
0 282 Moha
ﻗﺼﺔ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝﷺ dody
0 269 dody

الكلمات الدلالية
رواية ، غزالة ، صحراء ، الذئاب ،











الساعة الآن 06:58 PM