logo



أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في Forum Mixixn، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 6 من 17 < 1 10 11 12 13 14 15 16 17 > الأخيرة



look/images/icons/i1.gif رواية غزالة في صحراء الذئاب
  03-01-2022 01:23 مساءً   [43]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع والأربعون

وعندما تعطيك الحياة ظهرًا للسعادة، تحلق في الأفق وترفرف مهللاً، غير حاسبًا لدخيل يعترض على رغبة قدر!

نهضت شمس تغتسل لتؤدي فريضتها وبداخلها كم طاقة هائلة، لا تشعر كيف أخترقتها ولا حتى متى اخترقتها، ولكنها تحثها على القدم في تلك الفرصة التي لن تعوض مرة اخرى!
أقتربت من مالك الذي كان ينام بقلق تخلله حتى وهو مغلق العينين، وكأن والده زرع له جواسيسًا في كل مكان فلم يعد يستطع الأرتياح...
بدءت تحسس على لحيته القصيرة بأصابعها الناعمة،.

إبتسمت بحنان لتدقيقها لتلك الملامح التي شعرت أنها محفورة بسحرًا من الحنان والجاذبية، يجذبك دون أرادة أو مجازفةً للشفاء منه!
أجفلت وهي تشعر بحركته، فاستعدت للنهوض، ولكن كالعادة يجذبها له لتصبح فوقه، حاسته العاشقة تنذره بمجرد قرب من معشوقته الفاتنة..
نظر لعيناها بهيام، ولسانه الذي يسقط اثيرًا لقلبه الذي لم يتركه فيه العشق خلجه إلا وتخللها، ردد:
- صباح الأناناس على أحلى واغلى الناس
ابتسمت برقة مغمغمة:.

- صباح النور يا ملوكي، كل ده نوم، قوم يلا هنتأخر
قطب جبينه بعدم فهم من طلبًا للأبتعاد مبهم بالنسبة له، وسألها:
- هنتأخر على أية؟
إتسعت ابتسامته التي اسرته بجمالها وهمست مقتربة منه غير عابئة بأي أنذارات:
-عشان نصلي يا روحي
ولأول مرة تمر عليه كلمة غزل من معشوقته دون الرد عليها بما يرضى شوقه لها!
نصلي!
كلمة صغيرة ولكنها فتحت بئرًا عميقًا، بئرًا لا ينتهي من المحرمات التي فعلها..

سجائر، مخدرات، سهر وخداع ونساء، ولكن يبقى الخط الأحمر الذي يفصله بين ذاك البئر من السحق لم يكن زاني يومًا
كانت مشاكسات سطحية، قبلة ومغازلة واستمتاع بالوقت لا اكثر!
وبحواس مخدرة همس وكأنه لا يستوعب الكلمة:
- نصلي! انا وإنتِ؟
شعرت بسؤاله أنه يتأكد ان يد النور الممدودة له لم تكن وهمية او مؤقتة، وإنما عازمة على إنتشاله من ظلمات روحه القهرية!
فأومأت مؤكدة بابتسامة بريئة:
- أيوة نصلي، وأنت الإمام.

إبتلع ريقه، يظهر لها ما يخفيه طيلة حياته بحرج تجلى في نبرته الرجولية:
- بس أنا آآ مُش بعرف أصلي
مسدت على يده كطفلاً يخجل من والدته، وهي لن تترك ذاك الدور، بل ستتقمصه وتظل مع طفلها حتى يكبر وينضج كاملاً من كل النواحي وبما فيهم الدينية...
ثم قالت بحزم لين:
عادي يا حبيبي، أنا هقولك أزاي، وأنت شاطر هتتعلم بسرعة أنا متأكدة
وهل يحق له غير أن يعشقها أكثر؟!

بالطبع لا، إن كان الشيطان يحاول جعل لذاك العشق مخرجًا، هي سدته بالكامل الان، بل ووصمت وصمة عشقها المُهللة!
فأحتضنها بصورة فاجئية، يشدد من قبضته التي لم ولن تلين من حولها ابدًا، يحمد الله على نعمة رُزق بها فجأة!
فأمسك وجهها بين يديه الخشنة برقة تناقض ملمس بشرته، ومن ثم بصوت عاشق تزداد درجات حنانه في كل ثانية، قال:
- أنا أسف يا شمسي
سألته ببراءة تليق بمعالم وجهها المشدوهه:
- لية يا حبيبي بتقول كدة!؟

وخرجت تنهيدة حارة تسبق الأعتذار الذي مس قلبها وبشدة:
- أسف على كل جملة ماعجبتكيش قولتها في حقك، أسف على صوتي اللي على عليكِ في يوم، أسف على عنف أستخدمته معاكِ
ثم ثبت نظراته المخترقة على نظراتها المستسلمة للأختراق، ليتابع هامسًا:
- بس مش أسف على إني أجبرتك إنك تكوني ملكي، ولا أسف إنك بقيتي مراتي بالمعنى الفعلي.

وأقترب اكثر حتى بات ملاصقًا كعادته في تلك الأوقات، شفتاه تتلهف لذاك الأقتراب، وأنفاسه اشتعلت بلهب الرغبة والشوق..
ليردف بنفس الهمس:
- لإني من اول ما عيني وقعت عليكِ وأنا هاموت عليكِ، مكنتش مصدق امتى تبقي ملكي
وشعرت من دوامة تكاد تفقدها وعيها من كلمات الغزل التي تزيد من أطنان خجلها الذي لم يزول منه!
وقطع شرودها تلك المرة دفئ شفتيه التي إلتهمت شفتاها دون القدرة على الثبات أكثر..

وبحركة تلقائية لفت يدها حول عنقه تبادله قبلته الناعمة، والتي سرعان ما تحولت لقبلات يوزعها على كل إنش بوجهها، وبالطبع نالت رقبتها وكل جزء ظاهر منها جرعته الرقيقة من القبلات، وشمس كدمية لم تعد لها القدرة على الرفض، ولكنها قالت بصعوبة متلعثمة:
- مالك
نظر لها مغمغمًا بأنفاس لاهثة:
-روح مالك
اجابته بصوتًا رقيقًا يناسب حمرة وجهها التي طُبعت على كل ملامحها:
- هنصلي الأول، لو سمحت.

ودون إرادة منه اومأ موافقًا بابتسامة هادئة، وخبيثة بعض الشيئ:
-هنصلي، بس بعدها مش هاسيبك
ضحكت بخفة لتبعده عنها ناهضة، تبعها هو للمرحاض لتتوضئ هي وهي تشرح له، وبكل حركة تبتسم له ببراءة كأنها تشرح لطفل صغير...
حتى انتهت وهو معها فسألته بخفوت:
-عرفت يا حبيبي
اومأ مؤكدًا:
-طبعاً يا قلب حبيبك
سحبته من يده للخارج بعدما انتهوا لتفرش المصلاة متمتمة بسعادة لعاشق بدء يحفو أولى خطوات السلام النفسي معها:.

- يلا بقا يا ملوكي، أنا شرحت لك، يلا صلي بقا واقرأ اي سورة صغيرة مع الفاتحة، مثلاً الأخلاص
ثم سألته بابتسامة خافتة:
- أكيد عارفها صح؟
اومأ بهدوء مرددًا وهو يتجه نحو اليسار، فهزت رأسها نافية وبلين يناسب شخصًا لا يدري أي مسار يتخذ نحو النور، قالت:
الإمام بيبقى على اليمين يا حبيبي
اومأ، ليبدءا بأول انارة للأيمان بحياتهم معًا، راحة وسكينة لم تغمره منذ أن كان طفلاً عادت مُحملة بأطياف عشق!

وبعدما أنتهوا، قبل حبينها بحنو مستطردًا بصوت عاذب:
- ربنا يحفظك ليا يارب
ابتسمت في حنو، همست بنفس الدعوة التي تصل بقلوبهم:
- ويحفظك ليا يارب.

وفي اللحظة التالية كان ينفذ كلمته لن يتركها، حملها بين ذراعيه المفتولتين ويداه تضغط على جسدها الذي ازداد اشتعاله، وضعت رأسها بجوار صدره الصلب، وبعد قليل شعرت به يضعها على فراشهم، ينزع عنها - إسدالها - ببطئ مثير ويتلمس جسدها عن عمد وهو ينزعه، حتى باتت بقميصًا قصيرًا جدًا للنوم، همست وهي تراه يقترب منها ليصبح فوقها:
- مالك، أبعد عني.

إتسعت حدقتاه من طلبًا لم يروق له ابدًا بل ولن ينفذه وخاصةً بعدما إشتعل لهيبه، فقال بنزق:
- نعم ياختي، ده لما تشوفي حلمة ودنك
هزت رأسها نافية، وبصوت طفولي أشبه للبكاء:
- ابعد عني، أنا مش عايزاك تقرب مني
عقد ما بين حاجبيه في إنزعاج واضح:
- في إية يا شمسي، مالك؟! أنا عملت لك حاجة!
وفجأة طوقته بذراعيها لتهمس بدلال مغوي:
- أنا بحبك أوي يا ملوكي
قهقه بعدم فهم، وقبل أن يقبلها قال مشاكسًا:.

- ربنا يصبرني عليكِ يا مجنونة يابنت المجانين إنتِ والعيل اللي هيقرفني قبل ما يجي ده
دفعته عنها مرددة بحنق جلي:
-أبعد بقا، دلوقتي أبنك بقا قرف صح، كرهته وكرهتني أنا عارفة
أسكتها بقبلة دامية يعتصر فيها شفتاها بحزم، وحنان، ورقة ونعومة معًا، يداه تتحسس منحيات جسدها بأشتياق، ليبتعد بعد دقائق معدودة مردفًا:
- ده انا بعشق أمك.

وابتسمت بتلقائية لتلف يداها حول رقبته، فما زادته تلك الحركة إلا إنقضاضًا عليه يلتهم كل تفصيلة فيها برغبة وعشق لا يزولا!

و زينة أمام النيل في سيارتها، تشكوا له بما يجيش في صدرها..
ترجوها أن يكن عاقلاً لدقائق فيديرها نحو الصواب!
والدموع فقط من كانت تصاحبها في تلك اللحظات، فقط الدموع من كانت تجري بين عينيها البنية تضامنًا مع ذاك الحزن الذي يغمر قلبها!
اصبحت مؤخرًا تجهل الأسباب الحقيقية التي تدفعها لبعض الأشياء!
مثلاً ذاك الصديق الذي اقتحم عالمها الحالك فجأة، ولا تدري لمَ سمحت له بذلك الاقتحام؟!

ولكن وكأن التشابه بينهما كان كوسيلة إجبارية لقبوله في قائمة المرحب بهم في تلك الحياة البائسة!
واهم ثاني عقبة في حياتها الان هو رد فعل مالك عندما تخبره...
مالك الذي لطالما كان متهاون، الان ستخرج هي الوحش الذي يكمن بداخله!
ووالدتها...
رباه من شعورًا يخنقها من مجرد التفكير فيما تعانيه والدتها المسكينة الان!

هبطت دمعة حارة مسحتها مسىرعة لتنهض وقد عقدت العزم على الذهاب لمن كان له الفضل في إفتعال اكبر جزء من الألم في حياتها!
وبالطبع لم يكن سوى زياد...

وأخيرًا استطاعت خلود إبعاد جفنيها عن بعضهما، لتبتعد تلك الغمامة السوداء التي أحاطت عينيها...
فحلت مكانها صورة مراد و والدتها واخيرًا شقيقها المكروه بالنسبة لها الان!
وبحور ساخنة غاصت وسط موجات من الحزن إحتلت عيناها..
نظرت لمراد فقابلت اللهفة الطبيعية على معشوقته، ثم لشقيقها، ندمًا يقطر بوضوح من نظراته وملامحه الخشنة، ثم والدتها التي قذفت بسهامها الجامدة بوجهها رغم كل ما سمعته!

فنظرت للأرض، الأرض فقط من ستستطيع أظهار ضعف نظراتها لها الان!
سمعت صوت مراد المتساءل بقلق واضح دُس وسط نبرته:
-خلود إنتِ كويسة يا حبيبتي؟
فلم يجد ردًا منها، فعاد يسألها بقلق ازدادت درجاته:
- خلود ردي عليا طب؟!
ولكن ايضًا ما من مجيب، وكأن حرفيًا أحبالها الصوتية توقفت عن العمل بأمر من العقل الذي لم يعد يستعب ما حدث!
فهزها مراد وهو يحثها على الحديث:.

- خلود طب اصرخي، زعقي، اعملي اي حاجة، مينفعش تفضلي ساكتة كدة
ولكن ايضًا ما من رد!
فنطق تامر بأسف شابه الحزن العميق ؛
- خلود أرجوكِ ردي، أنا اسف حقك عليا سامحيني يا اختي
ولم ينل منها سوى ابتسامة متهكمة دلت له بوضوح على مدى أستحالة ما يرجوه!
فقال مترجيًا اياها بحرارة:
- طب بلاش تردي عليا، ردي على جوزك اللي هيتجنن ده من ساعة ما اغمى عليكِ.

وايضًا لم ترد، فشعروا أنهم في بحرًا من صمت لن ينقذهم أي شيئ من بين غرقه ابدًا!
وفجأة نهضت خلود، فنظروا لها بقلق عادا والدتها التي كان البرود والجمود خلفية تخفي قلقها العارم على أبنتها الوحيدة...
فأبعدت مراد بحركة فجائية، ليمسك يدها قابضًا عليها بتساؤل جاد:
- خلود رايحة فين؟
سارت بخطى مترنجة نحو الخارج ممسكة برأسها الذي تحوم فيه مائات من الأفكار المتهالكة!

ومراد خلفها تمامًا ينتظر حركتها بتوجس، ومن دون سابق إنذار ركضت للخارج بعدما إستعادة اتزانها من عقلها الذي ترحم بها قليلاً و...!

بدت الصدمة واضحة على وجه زياد الذي لم يعد يرى سوى وجه زينة من بين كل الواقع من حوله..
عيناه كانت مُثبتة عليها فقط بأمرًا من قلبًا كان الأشتياق حاكمة..
زينة التي فاقت كل توقعاته في أفعالها!
زينة التي كانت وستظل شخصًا غامضًا جامدًا رغم قوة ضربة الظروف!
زينة التي كانت أكبر مثالاً للأحتمال والكتمان!
زينة التي لو كشفوا عما يحوم بين جنبات صدرها لذُهلوا من كم الألم الذي يحتلها كليًا...

واخيرًا إستطاع تبديل الصدمة بهدوء ظاهري وهو يقول:
-أتفضلي يا زينة؟
هزت رأسها نافية بجمود:
-أنا مش جاية أتفضل يا زياد
سحبها للداخل بلين حاول زجه بين لمساته علها تكن ضمن أسباب الموافقة والرضا، ثم قال:
- طب تعالي نتكلم جوة مينفعش على الباب كدة، بغض النظر عن اللي جاية تتكلمي فيه
اومأت وهي تُيقن خيوط الصدق التي تنسدل من كلماته..
وما أن دلفوا وأغلق الباب حتى هتفت من بين أسنانها:
-أظن كدة نقدر نتكلم.

اومأ يحثها على الحديث في هدوء تام:
- أتفضلي يا زينة، قولي أوامرك
ضيقت ما بين حاجبيها في تعجب متساءل من كلمته:
- اوامري!؟
اومأ مجيبًا باستخفاف مرير إتضح لها كعين الشمس:
-أيوة، أصل إنتِ دايمًا بتيجي تديني أوامرك وتمشي
اومأت موافقة ببرود، لتسأله تمهيدًا لرغبتها الصادمة والقادمة:
- أنت قولتلي في التليفون إنك موافق صح؟
سألها بعدم فهم مصطنع:
- موافق على إية بالظبط يعني؟
ردت بجمود:
- على الطلاق يا زياد.

وبالتأكيد بعد ذاك البريق الذي ساع عيناها كاملة، زفر مغمغمًا باستسلام:
-ماشي يا زينة، براحتك، هطلقك حاضر
وظهر شبح ابتسامة منكسرة على وجهها، أي امرأة في نفس وضعها لكانت الان تحمل اكثر قدرًا من الحزن لتخزنه..
وبالفعل هي تحمله، ولكن هنا السبب يختلف!
هنا هي حزينة لأنها صورة أمام الناس الأنسة الغالية زينة، ولكن الصورة الأصلية والواقعية هي انها مدام زينة العاهرة!

حثته على الأسراع وكأنها ستحصل على جائزة غالية:
- طب يلا لو سمحت عشان عاوزة أمشي
اومأ متنهدًا، لسانه عاجزًا على فصل أخر رابط يجمعهم معًا!
عقل شُل عن الكلام المتوقع أن يصدر منه دفاعًا عن شخصيته الرجولية الشرقية..
وتحت تأثير نظراتها الشبه مترجية، نطقها عاجزًا عن فعل اي شيئ غيرها:
-إنتِ طاالق يا زينة، طالق، طالق!

خرج مالك من المرحاض عاري الصدر يجفف شعره الأسود الكثيف، ليقع نظره على شمس التي كانت تجلس تمشط خصلاتها الطويلة أمام المرآة..
اقترب منها يحتضنها من الخلف، لتبعد يده عنها بحركة تلقائية!
فعقد حاجبيه متعجبًا من تغير أصبح يتملكها دون سوابق!
ثم سألها:
- مالك يا شمس؟ أية تاني!
لوت فاهها مغمغمة بضيق:
- أه طبعًا زهقت مني، مابقتش مستحمل مني كلمة
هز رأسه نافيًا بملل من ذاك التغير:.

- لأ يا شمسي، أنا مابزهقش ومش هزهق منك ابدًا
مدت له الفرشاه مرددة بشبه ابتسامة تسللت لملامحها العابثة:
- طب خد
سألها فاغرًا شفتاه متعجبًا بحق:
- إية دا اعمل اية يعني؟
رفعت كتفيها، وبلامبالاة أجابته دون تردد ظاهر:
- سرح لي شعري يلا، أيدي وجعتني من كتر ما عمالة أسرح فيه
اومأ موافقًا على مضض:
- ماشي، خلي بس الواد ده يجي وانا هنفخ امك وامه
ضحكت برقة وهي تراه يتمتم، فسألته بحزم مصطنع:
- بتقول حاجة يا مالك؟

هز رأسه نافيًا بابتسامة رسمها على ثغره اجباريًا:
- لا يا حبيبتي مابقولش، مابقولش خالص
وأوقفتهم فجأة طرقات بطريقة مريبة على الباب وصراخ الخادمة:
- يا استاذ مالك، ألحق يا استاذ مالك
هرع يرتدي التيشرت الخاص به مسرعًا، ليفتح الباب هابطًا للأسفل بسرعة، فصُدم بالشرطة بالأسفل..
وسرعان ما سأله الضابط:
- أنت مالك جمال السُناري؟!
اومأ مالك مؤكدًا بتوجس:
- أيوة أنا خير؟
وبصوت قاتم رد الضابط بما زلزل كيانه:.

- مطلوب القبض عليك بتهمة قتل سمر الشهاوي!


look/images/icons/i1.gif رواية غزالة في صحراء الذئاب
  03-01-2022 01:24 مساءً   [44]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والأربعون

صمت، صدمة، نظرات تائهه متشابكة في سماء عدم التصديق!
تُرى هل يُفترض أن تكون السعادة تتوغله الان، السعادة التي تنتشر بين نسمات الهواء لهزيمة اكبر عدو الأبدية!
ولكن يبدو أنه من سيدفع ضريبة تلك الهزيمة المفحمة بالنصر!
مستنقع من الخداع يكبر في حياته يومًا بعد يوم..
وصوتًا داخله يصرخ بهلع لم أفعل...
ولكن بالطبع كلها خيالات بين جنبات صدمته الجامحة...
وسؤالاً هادئًا على عكس ثورته النفسية الداخلية للضابط:.

-ممكن أفهم أزاي ده حصل!
رفع الأخر حاجبه الأيسر، وبتهكم من متهم يرسم البراءة بمنتهى البراعة، قال:
-لا والله يعني حضرتك مش فاهم ولا عارف أنا بتكلم عن أية؟
وبدون تردد هز رأسه مؤكدًا في تعجب:
-أيوة، أنا حالاً عرفت منك أنها ماتت أصلاً
وبصوتًا جامدًا رد الأخر:
-حاجة ماتخصنيش، كل ده تقوله في القسم بقا
ومازال مالك يتمسك بكل قوته بأخر طرفًا للثبات يحفو من امامه مغادرًا وهو يردف:
-ممكن أعرف إية دليلك الأول؟

اومأ مجيبًا ببساطة لم يتكلفها:
-سلاح الجريمة بتاعك أصلاً يا أستاذ مالك، الظاهر إنك من لخمتك نسيته عند المجني عليها
ولم يدع نقطة للثبات بداخله إلا وقضى عليها بكلامه، فصرخ فيه مالك منفعلاً:
-لا طبعاً، دي واضحة زي عين الشمس إني مش أنا، لو انا يستحيل أسيب دليل مهم زي ده ورايا!
وبالرغم من عقلانية تصرخ بالتظاهر بين حروفه، إلا انه رد عليه بدبلوماسية:
-القانون مابيعترفش إلا بالدليل يا أستاذ.

ثم أشار - للعساكر - بحركة صغيرة ومباغته من يده، ولكنها قطعت أخر املاً لدى مالك،
وصرخت شمس بهلع:
-لا مستحيل، مستحيل أكيد كذب
هبطت من السلم بخطى شبه راكضة غير عابئة بأي شيئ سوى معشوق يسحبه الظلام له مرة اخرى!
اقتربت من مالك حتى أصبحت امامه، وبصوت غلفه الدموع القهرية همست:
-مالك أوعى تسيبني هنا لوحدي
مسح دموعها التي خانتها لتسقط على وجنتاها الساخنة، وبثبات هو يفقده، حاول التمسك به ولو لثواني وهو يخبرها:.

-حبيبتي متقلقيش، بأذن الله المحامي هيخرجني منها بسهولة لأن ربنا عارف إني مظلوم وأستحالة أقتل
اومأت بابتسامة منكسرة، وإن حاولت التحلي بالهدوء والصبر، يبقى ذكر أسم جمال المُزعزع الوحيد لهدوءها المزيف!
وسرعان ما قالت قبل أن يلتفت:
-طب هاجي معاك
وبرفض قاطع غير قابل للنقاش أجابها:
-لا طبعاً مينفعش، خليكِ في البيت وماتخلطتيش بحد، خليكِ في أوضتك بس يا شمس.

وبالطبع كان كلامه المُبهم بالنسبة للأخرون، عندها هي يتضح، وكأنه شفرة لا تُفك إلا معها..
وهي ستمتثل لأوامره، ولن تختلط بشيطان الأنس مادام هو لم يكن معها،
ولكن مهلاً، هل لها الشجاعة من الأساس لتختلط به؟!
بالتأكيد لا، هي أضعف من أن تزج نفسها في مواجهة ستخسر هي بها معه!
وتقريبًا، كان يودعها بابتسامة صفراء وهو يشير لطفلهم:
-خلي بالك من نفسك، وبلغي المحامي هتلاقي رقمه على موبايلي.

اومأت وهي تمنع نفسها بصعوبة من البكاء هامسة:
-حاضر يا مالك، متقلقش
وإلتقت نظراتهم في نظرة نبعت من أرواحًا وقعت مرة اخرى اسيرة تحت رغبة خفية للقدر!
نظرة كانت منكسرة من كلا الطرفين، كانت كمن يودع رفيقه بأجبار...
لتنقطع مع مغادرته مع رجال الشرطة، تاركًا خلفه تلك المسكينة تواجه ذئبًا لا يرغب سوى في إفتراسها!

وتقريبًا لم يمر الكثير من الوقت حتى وجدت شمس باب الغرفة يقرع بقوة، وكأن تلك الطرقات تمثلت لها في مقدمة للصدمات التي ستتلقاها على التوالي!
وبأقدام تجرها عنوة، اقتربت من الباب تهمس بحروف لم تتعدى شفتيها:
-مييين!؟
وكانت الأجابة حادة وغاضبة:
-إنتِ اللي مين؟

ولكن، عند ذكر الأنثى يُذكر اللين وكأن صوت الأنثى كان كفيلاً أن يبعد أي افكار لقدوم العداء عن عقلها - مؤقتًا - تنهدت بأرتياح فطري عند سماع صوت فتاة، فاستدرات ثم فتحت الباب ببطئ حتى إلتقت عيناها بنظرات زينة الحادة كسيفًا لا يتردد في قطع أي دخيل!
وسرعان ما جذبت شمس من ذراعها وهي تسألها بحدة مفرطة:
-إنتِ مين وإية اللي جابك هنا يابت إنتِ.

أبعدت شمس يدها عنها بهدوء، وبنفس الهدوء الذي جعل زينة تكاد تفقد عقلها، أجابت:
-أنا شمس
زفرت وهي تكمل اسئلتها كقاضي لا يملك وقتًا للتفاهم:
-أيوة يعني يا ست زفته، شمس مين وإية اللي جابك هنا؟!
لم تعطيها فرصة للرد فألقت باتهامتها التلقائية تجاه تلك البريئة القلقة:
-اه إنتِ اكيد واحدة من اياهم بابا هو اللي جابك صح؟!
وكأن عقرب لدغت شمس، فأصبحت تهز رأسها بسرعة نفيًا:
-لا ابداً، أنا مليش أي علاقة بوالدك.

مهلاً، لطالما لا توجد لها علاقة بوالدها، قد يُمكن أن تلهمها فرصة للدفاع عن نفسها!
تلك الفرصة التي لا تُعطى لمن يقرب شيطان الأنس ولو بعلاقة سطحية!
بينما شمس عَلى النفور والرفض أفق عقلها من مجرد ربط أسمها بذاك الشيطان الذي تهابه..
فأسرعت تسأل زينة بجدية مناسبة للموقف:
-إنتِ زينة صح؟
اومأت زينة موافقة، ثم سألتها في تعجب:
-أيوة بس عرفتي منين، وبردو ماقولتليش إنتِ مين؟
وبشيئ من التوتر لأحتمالية تكذيبها ردت:.

-أنا آآ أنا مرات أخوكِ
إتسعت حدقتا عينا زينة بحركة تلقائية!
وهل أستطاع اخيها المتهور، الطائش، الذي لا يهتم سوى برغباته أن يربط نفسه بفتاة كهذه!
وليس أي رباط، رابط متين أبدي إن لم يجدوا كاسر له!
إنتشلتها شمس من صدمتها تخبرها:
-أرجوكِ مش وقت صدمة، تعالي لازم تتصرفي معايا
سألتها زينة متوجسة:
-إية في اية؟
تنهدت شمس بقوة أقنعت نفسها بواجب التحلي بها:
-مالك، جم خدوه، البوليس.

شهقت زينة بقوة اثر الصدمة التي قذفتها بها، إنتشلتها من صدمة لتدفعها في دوامة من الصدمات وهي تسمعها تكمل ؛
-عشان، عشان آآ بيقولوا إنه قتل، سمر
ذُهلت سمر حرفيًا، لا تدري لمَ يعاندهم القدر هكذا!
يُعاقب البرئ ويُكافئ المتهم!
إنعكاس في الرغبات، يجعلها ودت لو صرخت بأنهيار...
وسألت شمس بصوت حانق وعاجز:
-أزاي، مالك مستحيل يعملها
اومأت شمس، وقد انخلطت الدموع على صوتها وهي تردف:.

-عارفة، والله عارفة، أنا أتصلت بالمحامي زي ما قالي، وزمانه على وصول
فيما هتفت زينة بلمعان في جوفيها غريب:
-أنا متأكدة إن بابا هو اللي عمل كدة
اومأت شمس متأسفة على فتاة أعتقدت أن الصدمة لن تنحاز عنها عند معرفتها، ولكن وكأنها مُهيئة بحاجز قوي من شيطان الأنس!
لتصرخ زينة فجأة:
-احنا لازم نتصل ب مروان، أيوة مروان هو الوحيد اللي هيقدر يتصرف كويس.

وبالطبع لم تغفو شمس عن تذكر مروان، مروان والذي صدقت زينة في قولها عنه
هو من سينجد مالك بل وربما، هو من سيُعدل إنقلاب ما يحدث!

وأخيرًا أستطاع مراد الأمساك ب خلود التي لم تتوقف عن الركض لحظة..
كانت وكأنها تركض من مستنقع من الكسرة والصدمات!
ولكنه بات كالوحل يجذبه لها مرة اخرى كلما أبتعدت!
وكأن الألم أقسم ألا يتركها إلا وهي مُدمرة كليًا..
ولكن لمَ لا يتركها الان!
هي بالفعل دُمرت وبجدارة، ولكنه، وفي، نعم نعم، وفي لا يترك صديقه بتلك السهولة بالطبع!
ظل يحاول إستعادة رباطة جأشه قبل أن يصيج فيها منفعلاً:
-إنتِ مجنونة!

اومأت ببرود، قبل أن يخرج صوتها متلبسًا حالة اللامبالاة:
-أيوة مجنونة، أنا فعلاً فاضلي تكه وأدخل مستشفى المجانين
تنهد بقوة يغرز أصابعه في شعره بقوة وكأنه يسلب منها شحناته الغاضبة، واخيرًا إستطاع التحلي بالهدوء وهو يخبرها:
-طب ممكن تيجي نروح بيتنا ونتكلم بالهداوة كدة
هزت رأسها نفيًا مُصرًا:
-لأ، أنا عاوزة أتكلم مع شمس
حاول معها بخفوت لتغيير قرارها الغير صائب وهي في هذه الحالة:.

-حبيبتي مش هينفع، لازم تهدي الأول وتعرفي راسك من رجليكِ
-لأ، هروح لشمس ودلوقتي
قالتها والعند هو من اخرج حروفها تلك، فتنهد وهو يقول بصوت جاد:
-خلود مش هينفع، الأول لازم تروحي وتهدي وتتكلمي مع مامتك تطمنيها عليكِ بقا
هزت رأسها نافية، وكأن الضوضاء التي تزداد بداخلها مع كل ثانية لن تهدئها إلا شمس فقط!
فاستسلم وهو يومئ:
-ماشي يا خلود، هوديكِ لشمس
اومأت في حبور:
-متشكرة
سألها بصوته الأجش مستفسرًا:.

-عارفة عنوانها؟
اومأت مؤكدة:
-ايوة في المعادي
أمسك يدها برقة، ليشير لأحدى سيارات الأجرة ليستقلاها معًا بعدما اخبرت السائق بالعنوان...
فيما كانت هي على نفس شرودها، هي من تتمسك بالشرود تلك المرة، هي من تغوص فيه وكأن غيره لن يجدي نفعًا!
وتلقائيًا وجدت نفسها تميل برأسها لتضعها على كتفه..
فيما ملس هو على منابت شعرها بحنان، بجوار همسه الهادئ:
-أنا حاسس بيكِ صدقيني
لم تنظر له وإنما اجابت بنفس همسه الناعم:.

-انا تعبانة أوي يا مراد، حاسه إن كل حاجة جاية عليا، أمي كنت بقول لنفسي معاها حق، إنما اخويا هبررله أزاي، أنت بعد ما خبيت عني هبررلك ازاي
زفر بقوة مخجرًا تلك الشحنات من بين جوفيه، ليتابع:
-انا كنت خايف عليكِ يا خلود، كنت بحاول أأجل الصدمة دي قدر الإمكان خوفًا عليكِ مش رغبة في اني اخبي عنك
قطع حديثهم صوت هاتفه الذي بدء يرن، فأخرجه بهدوء ليجيب:
-الووووو
-...
-إية ازاي!
-...
-خلاص خلاص سلام أنا هتصرف أنا
-...

أغلق ليمسك يد خلود مرتبًا عليها بجدية تناسب همسه الحازم:
-هوديكِ عند صاحبتك، وهروج مشوار ضروري جدًا نص ساعة وهرجع أخدك
اومأت خلود موافقة بلامبالاة تعمدت إظهارها له...
ليصلوا بعد قليل الى المنزل الذي من المفترض أن تقطن به شمش...
ففغر مراد فاهه وهو يهمس مصدومًا ونظره موجه امامه:
-اية ده، ازااااااي!؟

-إلحقنا يا بااااشا، يا جمال بيه إلحقنا.

صرخ بها أحدهم وهو يقترب من جمال الذي كان يدخن بشراهه جالسًا في الهواء الطلق الهادئ والذي لا يناسب حالة ضيقه وقلقه العارم!
ينصب وينصب الكثير مت الخيوط الشيطانية الخبيثة دون كلل او ملل من الفشل!
لينظر للرجل متأففًا قبل أن يسأله:
-في إية يا زفت أنت
إبتلع ريقه بتوجس، يخشى من إنفجار قنبلته بوجهه هو، فتلعثم قائلاً:
-الاول ممكن تهدى يا باشا
صاح فيه جمال مزمجرًا بحنق:.

-ما تنجر هو اختبار، أنا حر ابقى هادي ولا مش هادي أنت مش هتقولي أعمل اية!
هز رأسه نافيًا بهدوء متوتر بوضوح:
-لا بس الموضوع ده اللي هقوله لجنابك يعني مُش سهل، فعشان كدة عايزك تهدى الاول
كز على أسنانه بغيظ مغمغمًا:
-ما تنطق يااض، إية اللي حصل اخلص؟
أغمض عيناه بخوف قبل أن يقول:
-ابنك مالك سلم كل الورق للبوليس النهاردة والبوليس ابتدى يدور عليك
بدء تنفسه يأخذ منحدر اخر في الاضطراب، وبالرغم من ذلك قال:.

-بردو قولهم ينفذوا، وفي اسرع وقت!

وصلت شمس الى المنزل مرة اخرى بدون زينة، تشعر أنها تحمل هموم الكون كله فوق كتفيها!
تشعر أن روحها تكاد تُمزق من كثرة المشاكل التي تعصف بها دون توقف لتمهل روحها واجب الصمود..!
دلفت إلى المنزل ثم اتجهت الى غرفتها على الفور ملتزمة بكلام مالك...
وآآهٍ من مالك وأبتعاده المفاجئ بعد كل القرب الذي عاشوه،
وكأن جرعات البُعد الذي كان من المفترض أن يأخذوها فأبعدوها، الان يأخذوها مع بعضها بصدمات!

وشعرت بمن يسير خلفها، ولكن الأكيد ليست بزينة..
زينة التي اخبرتها أنها ترغب في الانفراد بنفسها قليلاً بعد تيقنهم أن مالك لن يخرج من السجن إلا بعد الاثبات القوي!
والخوف بدء ينهش في التماسك المتبقي داخلها...
فالتفتت بارتعاد تهمس:
-مين هنا!؟
ولكن ما من مجيب بالطبع، فنظرت امامها مرة اخرى وكادت تركض لغرفتها تحتمي بها..

ولكن كيف الركض الان وهي شعرت بمن يكممها فجأة من الخلف، فمن من دون سابق إنذار سقطت فاقدة الوعي بين ذراعيه!


look/images/icons/i1.gif رواية غزالة في صحراء الذئاب
  03-01-2022 01:24 مساءً   [45]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس والأربعون

لحظات مرت عليه كمُهلة من الزمن، يستعب فيها ما حدث...
كيف ومتى!
لا يدري أهي نعمة من القدر أم نقمة تهدم فوقه كل ما كان يسعى له!
أنتشلته كلمات خلود المتساءلة بتعجب بطن من موجات تفكيره العارمة:
-مراد مالك في إية!؟
واجابته تبدلت بسؤال دون تردد:
-إنتِ متأكدة إن البيت ده بيت صاحبتك شمس دي؟!
اومأت مؤكدة على شيئ تحفظه عن ظهر قلب:
-ايوة هو، أنا جيت أكتر من مرة.

ظل يمسح على شعره عدة مرات، وسؤالاً واحدًا يتردد بين صدى حيرته
ماذا يفعل وبأي صفة يواجههم!؟
واستسلم لقرار اتخذته نفسه المتسرعة وهو يقول بجدية:
-طب يلا انزلي
وبدت لها حالته تلك خلفية لسرًا ما مازال يخفيه عنها حتى الان..
فسألته متوجسة من صدمات اخرى لم تصنع لها ولو درعًا من الصمود:
-في إية يا مراد؟
هز رأسه نفيًا، وبلامبالاة اصطنعها بقوة قال:
-لا مفيش، أنا بس فكرت إن ده بيت واحد اعرفه
سألته والفضول زعيمها:.

-مين ده؟!
-واحد مات، أسمه صابر
قالها وهو ينظر أمامه بأسف، وكأنه يوضح لها مدى إنحدار درجة معنوياته لأنتصار كان كاد ينسجم بين ظلال روحه ولكن فجأةً، إنسحب ودون سابق عذر!
ليترك فجوات واسعة بين روحه يبدو انها لن تزول!
بينما هتفت هي بتعجب:
-امممم ربنا يرحمه
وسرعان ما عادت تقول بفتور:
-والد شمس اسمه صابر، بس عايش ربنا يديه طولة العمر ويفك أسره
سألها باهتمام لطرفًا صغيرًا ظهر من الخيط:
-لية هو ماله يعني؟

تقوس فاهها بشفقة مرددة:
-مسجون ظلم، مؤبد
واسفًا تأكدت شكوكه، وترابطت نقاط كلامها مع شكوكه الفطنة بعقله!
إنسجمت الأفكار لتتكون هالة واسعة من الحزن والضيق والألم معًا..
ليتشاركوا الشفقة على من ظُلم وبجدارة!
فأمسك يدها عازمًا على التأكد وبنفسه:
-طب تعالي يلا ندخل
اومأت موافقة باستسلام:
-طيب
ترجلا من السيارة وكان مراد الأسراع،
وكأنه متأكد أنه يحفو نحو الحقيقة!

بينما هي شعور بأنها مُصيرة لا مُخيرة يتملكها، يتملكها ويزداد مع ريبة مرتعشة من أسرار مراد المكبوته بين حلقه حتى الان!
بدأ مراد يطرق الباب بينما هي سرعان ما تبدل شعورها للحماس للقاء الذي سيُلحم روحها المتفرقة...
ولكن كان التعجب أول من إفترش على ملامحها وهي ترى والدة شمس المُهلكة حرفيًا:
-إية ده! في إية يا طنط مالك؟!

رمقتها بنظرة استهانة لأجابة تتمثل فعليًا على تلك الملامح المُشققة من صدى الألم والعذاب الذي تعاني منه..
ثم قالت متهكمة:
-مالي! لا ابداً مفيش أنا كويسة اوي
أصرت وكأنها لا ترى الاجابة:
-مالك يا طنط؟ وفين شمس مش باينة ولا بتتصل بيا
وكأن بكلامها زادت الطين بلاً فظهر القهر جليًا على كريمة التي أصبحت تنوح في شيئ من الأنفعال:
-وهي شمس بتتصل بحد، شمس متعرفش حد دلوقتي.

عقدت ما بين حاجبيها، والتوجس إحتل كيانها كرد فعل طبيعي وهي تسألها:
-لية يا طنط مالها شمس؟!
ظلت تضرب على فخذيها بحركة مباغتة، ودموعها تسبق صوتها في الشكوى والصراخ وكأنها ستجدي نفعًا:
-آآه يابنتي، أنا اللي ضيعتها بغبائي، أنا اللي اديت الفرصة عشان تعاقبني بالبُعد ده
إحتدت في سؤالها هذه المرة:
-أرجوكِ كفاية لعب على أعصابي أنا مُش ناقصة، مالها شمس في إية وهي فين!؟
لوت شفتيها بشيئ من التهكم القهري وهمست:.

-مشيت، مع جوزها
شهقت خلود وهي تضع يدها على فاهها، بينما مراد ساكنًا تمامًا وكأنه شفافًا للتسجيل فقط!
وسرعان ما سألت كريمة بحنق جلي في نبرتها:
-هي شمس اتجوزت! للدرجة دي أنا وهي الظروف بعدتنا
وكان الغيظ هو بلا منازع من يحرق روح كريمة في هذه اللحظات..
كزت على أسنانها لجوار ضغطها لذاك الدفتر بين يديها، وكأنها حركة تستدعي بها المتبقي من الهدوء الساكن بين جنبات روحها!
ثم قالت بنفس السخرية المريرة:.

-إنتِ اتصدمتي كدة، امال انا امها اللي عرفت بعد ما اتجوزت خلاص اعمل اية
توالت الصدمات على تلك المسكينة، فأمسكت يد كريمة تحثها للدخول مرددة بثبات قد تدعيه مؤقتًا:
-إنتِ لازم تحكِ لي كل حاجة يا طنط
هزت رأسها نافية، لترد بعدها بأصرار غريب:
-لا، مش وقته، لازم اخرج دلوقتي
واخيرًا خرج صوت مراد الذي سنحت له الفرصة للتدخل متنحنحًا:
-ممكن أعرف حضرتك رايحة فين طيب؟
تخصرت بضيق قبل أن تبادله السؤال:.

-أنت مين أنت اصلاً
تقدمت بخطوات شبه مترنجة، وكأنها تعتمد على مدى احتمال الألم فأصبحت مترنجة من الطاقة الفارغة!
لتصيح بصوتًا عالي:
-محدش له دعوة بيا، أمشي يا خلود وخدي ده معاكِ، شمس لا هاتشوفك ولا عايزة تشوف حد
وما زاد ذلك إلا اصرار على المعرفة، فكررت سؤالها:
-طب حضرتك رايحة فين، هعرف بس ومش هامنعك
تنهدت بقوة، قبل أن تهتف بصوت كاد يسمع، نبرة غلب عليها الحسرة والاستسلام:
-رايحة أرمي دول في أقرب زبالة!

قالتها وهي تشير لهم بذاك الدفتر الصغير والعنف يتشبع ملامحها بجدارة!

كان مالك يتخذ وضع الجنين في جلسته، يضم ركبته إلى صدره الذي أصبح مأوى ضيق للهواء فاتخذ الاختناق سبيلاً!
عيناه مُثبته على الأرضية امامه، تائهه وشاردة، حزينة، منكسرة ومُطمئنة بعض الشيئ،
نعم مُطمئنة، بالرغم من كم الخوف الذي كان كالأشواك يحيط روحه...
اطمئنان بنهكة القلق الذي لن ولم يزول لطالما كان - شيطان الأنس - على قيد الحياة!
تُرى هل يمكن أن يكون أبيه فعليًا!

بغض النظر عن تلك الورقة التي تربط اسمه به،
وبعد توجيه الضوء نحو تصرفاته وألاعيبه الشيطانية، بالطبع لا!
لا وألف لا، أي أب هذا بحق الله
إن أطلقنا عليه شيطان فظلمنا الشيطان!
الشيطان لا يُسلط ناره على أبنه ابدًا؟!
وتنهيدة عميقة وطويلة حارة خرجت بصعوبة ساخنة من بين رئتيه يتبعها همسه الشارد:
-هاتودينا على فين تاني يا زمن!
وإبتسامة ساخرة حلقت على أفق ثغره الملتوي قبل أن يتابع:
-كل ما أقول يمين تيجي شمال.

ضرب الأرض بقبضته الخشنة ليلتفت الباقيين له:
-بردو مش هاخليك تأذيهاااااا
أقترب منه شابًا ما، أملاه بنظرات متفحصة قبل أن يصدح صوته الأجش:
-مالك يا أخ؟! عمال تزعق لية كدة
وظل ينظر امامه بسخرية، وعلى حافة لسانه جملة واحدة
هو البعيد أعمى ولا اية!
رمقه بنظرة ساخطة توازي قوله الحاد:
-لا ابدًا، أصلي مش لاقي المشروب اللي بحبه في السجن ده.

جلس الاخر لجواره وهو يضحك، للحظة تمنى مالك أن يُبرد تلك الدماء المشتعلة بين أوردته فيصبح مثله!
فسمع الرجل يستطرد بخشونة خبيثة:
-لو محتاج أي حاجة قولي ماتتكسفش يعني
نظر له مالك نظرة ذات معنى، ثم سأله بريبة:
-اي حاجة اي حاجة؟
اومأ الأخر مؤكدًا بفخر لفجوة واسعة من الخطأ يُظهرها:
-أي حاجة، العبدلله ليه في كل حاجة وأي حاجة
أنهى جملته بغمزة خبيثة من طرف عيناه، بينما مالك أفكاره مُعلقه بين حروفه...

إن كانت الثقة في مكانها الأساسي خطأ، فليجربها في تلك الوضعية مرة!
ونال الرجل إلتفاته منه كدليل على جدية الموقف، قبل أن يقول مالك:
-امممم، يعني هاتقدر على اللي هقولهولك؟
اومأ الاخر مؤكدًا دون تردد:
-اه طبعاً، بس كل حاجة بتمنها أكيد
اومأ مالك بشبح ابتسامة تترقب النصر:
-أكيد، مفيش حاجة من غير مقابل يا...
ثم ربت على كتفه متساءلاً بدهاء:
-أسم الكريم إية؟
اجابه بابتسامة واسعة شقت تفاخره:
-عبربوو يا باشا.

عقد حاجبيه في تعجب، ليهمس بتساؤل:
-أية!
تنحنح بجدية هاتفًا:
-عبد ربه يا باشا، بس أنا بحب الأختصار
إبتلع مالك ريقه، بغض النظر عن المعاناة التي ظهرت له في بداية طريق تعامله مع ذاك الشخص..
إلا انه يثق تمام الثقة أن المضطر يركب الصعب!
أعاد تركيزه نحوه مرددًا بصوت يكاد يسمع:
-عايز تليفون يا عبدربه، تقدر تجيبه؟
فغر الاخر فاهه بصدمة!

صدمة من سيره نحو طريقًا لينًا جدًا بالنسبة له، فيما كان يظن هو أنه سينحرف معه نحو اليسار...
أستفاق من تعجبه على صوت مالك الهادئ الذي شابته بعض التهكم:
-متقدرش صح!؟ كنت عارف أنه لا
سارع الاخر مبررًا:
-لا طبعاً، أنا بس استغربت إنك عاوز موبايل بس!
ثم رفع كتفيه بلامبالاة:
-ده معايا أصلاً يا باشا
واللهفة كانت أسرع ما يمكن في الظهور بين بحر عيناه...
فأردف ممسكًا اياه بسرعة:
-طب هاته بسرعة مستني إية.

نهض مغمغمًا بتعجب:
-طيب طيب، ولسة ياما هنشووف
وبعد دقيقتان تقريبًا كان مالك يلتقط الهاتف من بين اصابع الاخر ليكتب الرقم ثم زر إتصال، فأتاه صوت الاخر مرددًا بنبرة عادية:
-ايوة مين
-أنا مالك يابني
-أية ده جبت الموبايل منين يا مالك؟
-مش وقته، ركز معايا بس
-ايوة معاك قول؟
-عملت اللي قولت لك عليه ولا لا؟
-أكيد يعني
-تمام ماشي، زي ما اتفقنا
-أكيد يا ريس، المهم انت كويس
-بخير، يلا سلام مش هاينفع أطول.

-ماشي مع السلامة
أغلق الهاتف وهو يتنهد ببعضًا من الأرتياح الذي أشفق عليه فجرعه جرعة صغيرة منه...
ليقول في قرارة نفسه بتوهان:
-كدة أحسن حل!

وصلت زينة إلى المنزل، ولكنها تختلف عن الباقين، فهي أعتادت أن تتقاسم همومها بين الأختفاء بين خبايا روحها أو الظهور والأنهيار في العلن..
وعلى أي حال، الطرب الجديد من الألم لن يتغير عن ذي قبل كثيرًا
فأصبحت هي متهاونة، متلبسة قناع التماسك المزيف الذي كقشرة رقيقة من صدمة اخرى سيسقط حتمًا!
ظلت تبحث بعينيها عن تلك التي أعطت امرًا لعقلها أنها اصبحت زوجة أخيها
فخرج صوتها بدوره مناديًا:
-شمس، شمس.

ولكن ما من مجيب، ظلت تنادي بصوتًا عالي:
-درية، يا درية، حسني، أنتوا فين
واخيرًا وجدت تلك دُرية تركض نحوها بخفة مرددة:
-أيوة يا هانم خير؟
سألتها زينة دون تردد بصوتًا قد يكون صدح هادئًا:
-فين شمس يا دُرية؟
نظرت للأرضية أسفلها تفرك أصابعها، وبشيئ من الأرتباك، ردت:
-شمس مين يا ست زينة؟!
إحتدت نبرة زينة وهي تكرر سؤالها:
-فين شمس اللي كانت معايا من فترة يا درية، راحت فين؟
رفعت كتفيها بحركة مباغته تبرر:.

-معرفشي والله يا ست زينة، أنا كنت نايمة أنا وجوزي بردو ومعرفشي عنها حاجة
صرخت فيها زينة بنفاذ صبر:
-يعني اية متعرفيش، امال مين اللي يعرف، هاروح أسأل الجيران مثلاً!
هزت الأخرى رأسها نفيًا صادقًا، وراحت تفسر لها مقصدها بنفس التوتر الذي كان كالقشة تُحرك زينة:
-لا لسمح الله، أنا بس بقول لحضرتك إننا نمنا، فمشوفناش مين جه ومين راح، لا انا ولا جوزي الغلبان اللي قاعد بره.

كزت زينة على أسنانها بغيظ، لا تدري لمَ ذهب ثباتها أدراج الرياح الان..
ولكن مؤكدًا لا مكان له بعد تلك المصائب التي بدت كالسيول لا تنتهي!
فقالت بجمود:
-أقلبوا عليها الڤيلا، عايزاها تظهر من تحت الأرض
اومأت الاخرى مسرعة بقلق:
-حاضر حاضر، إنتِ بس اهدي
سارت للأمام وهي تزمجر فيها غاضبة:
-ملكيش فيه، غوري في داهية، أنزل الاقيكم لقيتوها
اومأت الاخرى بلهفة لمغادرة ذاك الاعصار الغاضب:
-حاضر حاضر.

غادرت زينة، فيما ظلت درية تضرب على وجنتاها بهلع هامسة:
-يالهووي يالهووي، عملت كدة من مجرد اختفاء البت، امال لو عرفت اللي احنا عملناه هتعمل اية!

-أزاي يعني الكلام ده يا بهيييم!؟

صرخ بها جمال الذي كان يقف في نفس مكانه الذي كما شهد على مخططاته الدنيئة شهد على عقابه الحتمي والذي يقترب منه كل يوم عن ذي قبل!
بينما كان الأخر يرتجف بقلق من ذاك الشيطان الذي إن لم يتم كلامه على أكمل وجه، فابالتأكيد ستكون سهامه السامة منغرزة بصدره فورًا..
فابتعد قليلاً يسارع مبررًا بتوجس:
-أنا مليش ذنب يا بيه، أنا قولت لحضرتك ملقتهاش
ضغط الاخر بكف يده، ليصرخ بعدها بعلو صوتي:.

-ازاي يعني، أنت عارف إنك لازم تلاقيها يا حمار، اتصررررف
هز الأخر رأسه مردفًا بتلعثم:
-هحاول يا باشا، أوعدك هحاول حاضر
صدح صوت تنفسه المضطرب، والذي كان دليلاً قوي لأظهار مدى إنفعاله، ليتابع بصوت صلب برغم درجات الأختناق التي تسربت لتبدأ السيطرة عليه:
-انا عارف إني مش هاينفع اعتمد على حد
ثم نظر له بقوة قائلاً:
-أنا هانفذ بنفسي
سارع الأخر ينفي بجدية:.

-مينفعش يا باشا، ماتنساش إن البوليس موزع كل قواته في البلد كلها بيدور عليك، انت الادلة اللي اتقدمت ضدك كافية انها توصلك لحبل المشنقة
وكلما أستشف النهاية الحتمية فقط من خلال حروفهم المتوجسة...
كلما شعر أن الاختناق يتوغله اكثر فأكثر، أن ارواح من ظلمهم تقبض على عنقه لتميته!
أن اخر هذا الطريق سدًا منيعًا سيحمل جثمانه هامدًا!
صرخ بهيستريا مزمجرًا:
-انا عمري ما اتحبست، ومحدش يقدر يحبسني ابدًا.

وفعليًا العند يولد الكفر برغم مما حدث، إلا انك لن ترى شيطانًا يعترف بخيطئته!
وفجأة سقط واضعًا يده على قلبه بصراخ متألم دوى صوته بين ارجاء المكان و...!

وأخيرًا تمسكت شمس بخيطًا رفيعًا جدًا للنور كاد يفر من أمامها ليتركها بين الظلمات مرة اخرى!
أخيرًا استطاعت إستعادة وعيها،
ولكن - أسفًا - هي لم تتمنى أن تستعيد وعيها..
هي لا ترغب بذاك العالم الذي يفقد أهم حجرًا فيه مالك
الغائب الذي أنتشل منها روحها العاشقة معه، ليتركها بقايا أنثى تبكي على الأطلال!
وبالطبع لم تغادر الدموع لؤلؤتيها، ويبدو أنها لن تغادر ألا بعد مغادرة أهم عدو بأرض قلبها الألم...

إنتبهت لصوت الأقدام التي تقترب منها، فسألت بخوف حقيقي:
-مين أنت!
وعندما لم تجد ردًا تابعت والخوف لم يقل بل ظهر وكأنه يتكاثر داخلها:
-أنت خطفتني لية وعايز مني إية!
ولكن وهلة، هي تتعجب من ذاك الذي يختطفهت ليتركها حرة غير مُقيدة!
يغلق عيناها ليترك يداها وقدماها حرة!
ماذا عساه يرغب في أن يفعل؟!
وبمجرد التفكير فيما يمكن أن يكون، شُلت جميع أطرافها
وتحديدًا وهي تشعر بيداه تزيل تلك العصبة عن عينيها الرمادية...

وبمجرد أن رأته شهقت بصدمة تهمس:
-أنت!

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 6 من 17 < 1 10 11 12 13 14 15 16 17 > الأخيرة




المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
ارتفاع أعداد المصابين في فرح «غزالة» لـ39 شخصاً.. والداخلية تكشف التفاصيل بعد القبض على «أبو العروسة» Moha
0 284 Moha
ﻗﺼﺔ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝﷺ dody
0 271 dody

الكلمات الدلالية
رواية ، غزالة ، صحراء ، الذئاب ،










الساعة الآن 07:34 AM