رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والثلاثون
وكانت الصدمة اول من افترشت على ملامحها من رؤية سمر التي كانت تقف بجوار مالك ببرود متناهي! ورغبة جامحة تحوم بداخلها لضرب تلك التي تسمى سمر... كره ما تكنه لها؟، لا لا من المؤكد أنه اقوى من الكره بمراحل عديدة! لتقترب منهم وهي تشير لسمر من اعلاها الى امحص قدماها قائلة: اية دي؟! رفع مالك حاجبه الأيسر ليسألها ساخرًا: إية مش شايفه ولا إية سلامة النظر كزت على أسنانها بغيظ حقيقي فأردفت في محاولة للتماسك:.
لا بصراحة مابقتش أشوف المستوايات دي بالرغم من الفرحة التي أنعشت روحه المغتاظة من فعل اجباري يهدم اشياء عانى في بناؤوها.. إلا انه ليكمل ذاك الدور - اللعين - الذي يقوم به قال لشمس بخشونة: إية اللي إنتِ بتقوليه ده يا شمس، مينفعش كدة، إعتذري لها هزت رأسها نافية بشموخ يليق بها ثم أردفت: ابدًا، ده انا اموت قبل ما اعملها، وبعدين انا ماغلطتش عشان اعتذر.
وكادت ابتسامة سعيدة تشق وجهه، واخيرًا استطاعت غزالته الهشة الدفاع عن نفسها وإن كان ضده! مطت شمس شفتيها بملل وقالت ؛ عن اذنكم بقا اصل انا مش فاضية للكلام الفاضي واللقاء ده أوقفتها لكزة سمر لمالك وهي تحثه على النطق بما يعجز عن نطقه، بقولها الجاد: مالك مش هتقولها ولا إية؟ تنحنح مالك بخشونة مرددًا: شمس استني في حاجة لازم تعرفيها إلتفتت له تسأله بغيظ مكبوت: امممم خير حاجة إية؟ نظر للجهة الاخرى ليتابع بجمود:.
أنا وسمر اتخطبنا، عشان آآ.. وعجز عن نطق تلك الكلمة التي ستُحمله عبئ لا طاقة له به.. فاستطردت سمر عاقدة ذراعيها ببرود: هانتجوز قريب، جدًا إبتلعت شمس ريقها وحاولت التحلي ببعض الثبات الذي شعرت به هرب ادراج الرياح! فتنهدت بقوة تنهيدة تحمل الكثير والكثير ثم قالت ببرةد تصنعته: مبروووك اوعوا تنسوا تعزموني بقا وبهت وجه سمر من ذلك الرد الذي لم تتوقعه!
بينما مالك كان ينظر لها بضعف ولأول مرة، وقرأت بين سطور عيناه رجاءً لألتماس العذر له.. فاستدارت قائلة بخفوت: انجوووي بقا ثم غادرت وداخلها يحترق فعليًا، أي زواج هذا وخطبة!؟ خطبة، يعني أرتباط ابدي بمن عشقته مع تلك الخبيثة! عشقته؟! وهل اعترفت يومًا بذاك العشق! نعم الان كل جوارحها معترفة بذاك العشق الذي كاد يزهق روحها كليًا! ولن ولم تسمح له ان يبتعد الان ليعذبها!
بينما في الخارج جلس مالك على الأريكة بجوار سمر التي قالت بغيظ واضح: عشان تعرف بس انها مش فارق معاها انك تتجوز ولا غيره اومأ ببساطة مجيبًا: عارف، مش محتاجة توضحي بينما داخله يعترف وبجدارة أن ذاك لم يكن سوى قناع بارد تلبسته! لتتمسك بذراعه بقوة هامسة بحماس: هييييح مش مصدقة بجد يا مالك أنك وافقت علطول ولسة بتحبني زي ما انا بحبك اومأ بابتسامة ساخرة لم تراها:.
اه طبعاً، انا اكتشفت اني مش هينفع احب غيرك اصلًا يا حبيبتي نظرت له لتتلمس لحيته بهيام، ثم اقتربت منه اكثر حتى باتت ملاصقة له لتهمس بصوت مغوي: انت وحشتني اوي، وحشتني لمساتك، وحشتني النومة في حضنك، كل حاجة وحشتني ابعد يدها عنه وهو يقول بنزق: احنا لسة ماكتبناش الكتاب يا سمر اومأت متأففة: ماااشي وغير مالك مجرى الحديث ليقول بهدوء مزيف: تعبت النهاردة ومروان جاب لي الدكتور اومأت بخبث قائلة:.
سلامتك ألف سلامة يا حبيبي نهض وهو يمسك يدها ليتجهوا للخارج فسألته سمر بهدوء: هنروح فين؟ اجابها وهو يسير: هتعرفي لما نروح، يا حبيبتي!
وظلت تحاول ظبط انفاسها المضطربة من حكم ذاك العاشق الكاذب.. لتعقد ذراعيها في خصرها قبل أن تقول له وهي تتمايل بحنق: وأنت تحبسني بتاع إية انت، انت مجنون ولا اية؟ هز رأسه موافقًا ببرود: ايوة للأسف مجنون بيكِ ثم صمت برهه ليكمل بعدها بتصميم غريب: ومش ناوي اخف من الجنان ده ابدًا يعني سارت متجهة للباب وهي تقول ببعض الحدة: طب اوعى بقا يا مجنون عشان هامشي يعني هامشي وقف امامها يهز رأسه نافيًا ببرود:.
لا يا زوجتي العزيزة ولم تجد مفرًا سوى اتخاذ - الجنان - طريقًا فركضت نحو المطبخ مسرعة لتمسك بالسكين الحاد وهي تشير لزياد مرددة: ابعد وخليني امشي وإلا هاموت نفسي هنا رفع حاجبه الايسر باستهانة: لا والله!؟ اومأت وهي تقرب السكين منها اكثر: قسمًا بالله لو ما مشيت دلوقتي لهعمل في نفسي حاجة وانت عارفني مجنونة واعملها لم تجد ردًا فتابعت بغل: ولو انت مجنون انا اجن منك بقاا هز رأسه نافيًا: متقدريش.
كزت على اسنانها بغيظ لتضغط بالسكين على يدها حتى كادت تنجرح اما هو قد بدء الخطر يراوده بكثرة، بالفعل هي - مجنونة - وأن ارادت فعلتها! فأفسح لها الطريق ليقول بعدها متنهدًا بضعف: امشي يا زينة، بس اتأكدي اني مش هطلقك، ابدًا اومأت بعناد انثى شرقية معروف: هانبقى نشوف الكلام ده بعدين تنهد وهو يراها تغادر، ليهوي على الأريكة هامسًا بوعيد: اما نشوف اخرتها يا زينة.
بينما هي بمجرد نزولها تنفست الصعداء، شعرت انها استطاعت الهرب من بين براثن الذئاب! تذكرت ذلك - الفيلم - الذي اصطنعته في ثواني معدودة ولاح في سماء عقلها الشارد ذكرى طلب ذاك الذي يدعى يحيى زينة، طلبي الوحيد إننا نبقى اصدقاء بس، بس تدي لصداقتنا مساحة في حياتك، ماتطردنيش من حياتك بالزوق زي ما بتعملي اخرجت هاتفها مسرعة لتتصل بمالك الذي اجابها بعد ثواني قائلاً: ايووة يا زينة.
فقالت دون تردد باحتياج حقيقي ظهر في نبرتها المترجية لذاك الحنان الذي افتقدته كاملاً: مالك انا محتاجاك اووووي!
كان حمدي يلهث وهو يحاول إلتقاط انفاسه بصعوبة، اثار العنف تضح على ملامحه التي كادت تتشوه من كثرة الضرب الذي تلقاه من رجاله رئيسهم في ذاك العمل المشبوه! علامات تركت اثرًا واضحًا لتضحيته من اجل محبوبته الصغيرة - نوارة - او لنقل الان - ليلى - والتي كان يعشقها ويضحي من اجلها ويكذب عليها في آنٍ واحد!
وسمع صوته يسأله بغضب اعمى: بردو مش عايز تنطق يا حمدي؟ هز رأسه نافيًا بضعف: يا باشا انا نطقت بس انت اللي مش عايز تصدقني صرخ فيه بحدة مفرطة: مش عايز اصدق إية يا كداب اجابه بهمس يكاد يسمع: مش عايز تصدق إن انا ماهربتش نوارة، انا اصلًا مقدرش اعملها كز الاخر على اسنانه بغيظ ليهتف: تقدر، لانها متقدرش تهرب لوحدها اصلًا! هز حمدي رأسه نافيًا وعاد يحاول اقناعه بالكذب:.
يا باشا صدقني اكيد قدرت، دي بقالها معانا سنتين، وممكن يكون حد غيري ساعدها، لكن انا لا، ده انا ايدك اليمين ضيق الاخر عينيه بخبث شيطاني معروف عنه: وانا ايدي اليمين لما تخوني اقطعها يا حمدي صرخ حمدي بنفاذ صبر: يا باشا صدقني انا ماهربتهاااش، ومش هاقدر عمري اعملها بادله الاخر الصراخ الحاد وهو حرفيًا كاد يجن: كويس إنك عارف إن البت دي بالذات لو وصلت للبوليس كلنا هنروح في داهية.
لم يرد حمدي هذه المرة، لقد اكتفى بالمدافعات الكاذبة التي يبدو انها لن ولم تجدي نفعًا! بينما اشار الاخر لرجاله قائلًا بصوته الأجش: تعالووا يلا ابدءوا!
عايزك بقا تحكي لي كل حاجة حاجة يا ليلى.
سألها مراد وقد جلس وهو وخلود بجوار تلك التي كانت وكأنها تنتظر حكم القاضي عليها، لتتسع حدقة عيناها من تلك الكلمة التي سقطت على اذنيها كالرعد فسألته بصدمة: ليلى مين حضرتك؟ رفع كتفيه يجيب ببساطة: إنتِ ليلى اكيد! هزت رأسها نافية بسرعة وتعجب: لا انا اسمي نوارة مش ليلى ضيق ما بين حاجبيه ليسألها مفكرًا: مين اللي قالك كدة؟ إبتلعت ريقها وهي تجيبه بحرج: الناس سألها مرة اخرى متعجبًا هو هذه المرة: ناس مين دول؟
تنهدت قبل أن تردف: اللي المفروض اني اتربيت وسطهم اومأ مراد بتركيز شديد ليسألها متلهفًا لتلك الحقيقة التي كانت على حافة لسانها: لا براحة كدة احكيلي كل حاجة واحدة واحدة نظرت امامها بشرود، لتبدء بالسرد وهي تتذكر ما مرت به:.
أنا، فقدت الذاكرة، لقتني مع حمدي اللي انت عارفه وناس كدة، قعدت اسألهم انا مين واصلي اية، قالولي إن انا متربية معاهم، وإن اهلي مش معروفين، فالبداية مصدقتهمش، فضلت مصدومة من الحقيقة دي، سألتهم يعني حتى انا مش متجوزة، قالولي لأ وطول عمري رافضة الجواز، مابقتش مصدقة ومنعزلة عن كل الناس، ومر تقريبًا سنتين ومحدش سأل عليا ولا حد وصلي، عرفت إن كلامهم صح مش كذب، وحمدي صديقي الصدوق وظل ينظر امامه بصدمة..
صدمة تجسدت في حديث عن تفكير شيطاني بالطبع! نعم فوالله لا يفعلها سوى خليفة - إبليس - من البشر! كيف اقنعوه انها ماتت، والان اقنعوها انها معهم!؟ ظل يمسح على شعره عدة مرات، يحاول تهدأة نفسه الثائرة.. فسمع نفس السؤال الذي كانت خلود تريد أن تسأله: هو في إية يا حضرت الظابط؟ زفر بقوة قبل أن يقول: مفيش، لازم تعرفي إن كل كلامهم كذب، إنتِ مش معاهم خالص يعني سألته بانتباه: وانت مين قالك يا حضرت الظابط؟
وجالت سحابة غامضة في عيناه قبل أن يقول بصوت منخفض الى حدًا ما: مش مهم، المهم انك تسمعي اللي هقوله كويس وتنعنشي ذاكرتك كدة نظرت له باهتمام مرددة: كلي اذان صاغية يا باشا؟ اقترب منها قليلًا ليسرد عليها ما اراده تحت انظار خلود الحارقة من ذاك القرب!
عاد مالك إلى المنزل وهو تقريبًا متوقع رد فعل شمس الحقيقي الذي توارى خلف ذلك القناع البارد.. وتنهد قبل أن يتجه لغرفتهم فلم يجدها، وقد وصله صوتها من المطبخ تدندن بأريحية وكأنها تثبت له انها بخير تمامًا! تحاول بث شعور اللامبالاة عن طريق الاغاني التي ترددها وهي تعد الطعام! وهو متأكد أن تلك اللامبالاة لم تكن سوى خلفية للكذبة الجديدة التي ستخبره به...
وجدها تتمايل برفق وهي تدندن، ولم ينكر ان مظهرها بذاك القميص اغواه بحق، اشعل شوقه المكبوت لعدة ايام لها! فاقترب منها يحيطها من الخلف ليقبل رقبتها الظاهرة بنعومة مرددًا: بتعملي اية يا شمسي ابتعدت عنه مسرعًا وهي تضع يدها على صدرها شاهقة: بطل تظهر فجأة كدة ضحك بخفوت وقال: بعد كدة هبقى ادي مقدمات قبل ما ادخل حاضر لوت شفتيها بتهكم: مطيع اوي الصراحة ثم ابتعدت عنه بمسافة لتقول بعدها بضيق واضح:.
روح للسنيورة بتاعتك إية اللي جابك ظهرت شبح ابتسامة على الغيرة التي تنضح من عيناها، ليشاكسها بخبث: لا أنا معنديش غير سنيورة واحدة وروحتلها اهوو نظرت له شرزًا هاتفة: بطل كذب هه، انت هاتتجوزها وجاي تقولي بكل برود ومن خوفه الذي سيطر على كيانه على طفله الذي لم يولد بعد من الحزن الذي قد يسيطر عليها فيفقدهم نبته حبهم الوحيدة! قال باستسلام: هحكيلك كل حاجة يا شمس.
ونظرت له باهتمام ليبدء سرد ما حدث بالتفصيل مما جعل حدقتاها تتسع بصدمة و...!
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس والثلاثون
ظلت شمس تنظر لهم بدهشة ممزوجة بالصدمة الحقيقية من أناس اعتقدت انهم ليس لهم وجود، فكانوا لها اكثر الناس قربًا منها! واستمر مالك يشرح لها بهدوء تام ما حدث:.
بصي يا شمس، يوم ما سمر جات لنا، انا كنت عارف انها ماتغيرتش وانها كل اللي قالته ده كان كذب في كذب، بس مشيت معاها عادي جدًا، وبالتالي لما اخدتك وجيت على الساحل هنا كنت متأكد انها اما هتبعت حد من الرجالة ورانا، او حتى هتيجي هي عشان نبقى تحت عينيها، وكنت متأكد انها مش هتخلي بابا يجي هنا عشان اثق فيها اكتر، وبعدها لما شافتنا ف البحر وشافت ان احنا مبسوطين، ده طبعاً عمره ما يعجبها خالص، كلمتني وقال اية هي شافتنا صدفة، وطبعاً قعدت تتمحلس ومش عارف اية فاضطريت ابين اني بعاملك وحش او ان علاقتنا متوترة وانك مش زوجة ومجرد واحدة كدة عابرة في حياتي، بدءت هي تتصل اكتر وتقرب اكتر بالكلام، وانا كنت محتاج ده عشان اقدر ادمرهم خالص بغباءها.
فسألته هي بهمس مصدوم ولوم في آنٍ واحد: طب ومقولتليش لية يا مالك؟ تنهد قبل أن يزيل ستار قوتها الزائفة بقوله الحنون: شمس يا حبيبتي دي شيطانة مش واحدة طبيعية، وانتِ بريئة جدًا جمبها، كنت خايف متقدريش، وكنت خايف يخدوكي نقطة ضعف ثم ضم يداها بين يداه الخشنة ليتابع وعيناه فاضت عشقًا واضحًا: وانا مش هستحمل اي ضرر فيكِ ضيقت عيناها وهي تتابع بحزن مصطنع: عشان كدة قولت انا بيئة ومش ناقصاني صح قهقه بمرح ليقول:.
ماعاش ولا كان اللي يقول كدة يا قمر، ده إنتِ في الحته الشمال لوت شفتيها بتهكم مغمغمة: بعد اية بقا ده انت حنضلتها إتسعت حدقتاه وهو يسألها بصدمة مصطنعة: حنضلتها! اية الالفاظ دي يابت بتجيبيها منين اولته ظهرها لتكمل ذاك الدور الذي اتقنته فقالت: روح بقا وسيبني احضر الاكل عشان ابنك جعان بصراحة ابتسم بخبث ليحاوطها من الخلف مرة اخرى قبل أن يبدء بتقبيلها بنهم مرددًا بنبرة تفهمها جيدًا:.
طب منا جعان، يعني هو ابني ياكل لوحده!؟ نظرت له من طرف عينيها لتردف بخبث مماثل: طب منا بحضر اكل اهوو يا روحي عَلت دقاته وهو يسألها بصدمة فرح: إنتِ قولتِ إية استدركت نفسها سريعًا لتهمس: كلمة طلعت مني تلقائية، ويلا امشي عشان احضرلك الاكل عشان انت جعان بردو هه وجعلها تستدير ليواجه عيناها التي كانت كسحر لا ينتهي مفعوله ابدًا! ينظر لهيئتها التي كانت كمغناطيس قوي يجذبه لها..
وهيئتها التي اول مرة تظهر عليها، مرحلة تعدتها في مراحل عشقهم المتين، الخجل! اقترب منها اكثر فأصبح لا يفصلهم شيئ، فحملها فجأة وشفتاه تحوم بشغف على وجهها، وقال: لا انا جعان حاجة تانية، انا جعان منك إنتِ يا شمسي...! حاولت الأفلات منه مزمجرة بغضب طفولي: لا لا لا، نزلني، خليك جعان وانا مالي ابعد بقا وصل لغرفتهم فوضعها على الفراش برفق وهو يستطرد حانقًا:.
لا هو الحمل ده هيجي على دماغي ولا إية، الله يرحم ما كنتِ قطة مطيعة هزت رأسها نافية وكادت تعترض: لا انا آآ.. وقاطعها بقبلة عميقة يلتهم فيها شفتاها بنهم وشوق اوضحه لها.. ليغرقا معًا في عالم من العشق لا ينتهي!
وكان الألم من نصيب يحيى هذه المرة، فلم يدري ما حدث له وهو يشعر بالألم يعصف برأسه.. وظل يحك رأسه بعصبية والألم يزداد! ظل يبحث عن دواء في ارجاء المنزل ولكن لم يجد فصرخ بنفاذ صبر: فيييين ام الدوااااء بقاا وبحث مستمر وهو يمسك رأسه على امل ان يهدئ الألم ولو قليلاً ولكن بلا جدوى! فشعر به يزداد ويزداد! شعر كما ان لو النهاية الحتمية قد اتت.. تقف على حافة حياته التي لم ينجح فيها سوى بالشر!
تذكر الألم النفسي الذي قد يكون سببه للأخرين... تذكر خالته التي لم يجعلها تذق طعم النوم براحة بسبب ابنتها التي ابتعدت بسببه! ودوامة من الذكريات السيئة جالت حول عقله المتألم فصرخ بجزع: آآآآآه.. والثانية التالية كان قد سقط فاقدًا الوعي من كثرة الألم الذي شعر انه لن يزول!
كانت ليلى تنظر لخلود التي لم تكن سوى مستمعة فقط، تدقق النظر لها وهي تطالب ذاكرتها بتذكر ذاك الوجه الذي طُبع في مخيلتها! واخيرًا بعد دقائق صاحت مهللة لتذكرها: ايوة افتكرت واخيرًا نظر لها كلاً من مراد وخلود عاقدين جبينهم بعدم فهم! فسألتها خلود بهدوء مستفسرة: افتكرتِ إية يا ليلى؟ تنحنحت بحرج، وقد شعرت انها في مأزق بين حرجًا خفيفًا وشديدًا، فاضطرت للتصريح وهي تتابع: افتكرت انا شوفتك فين يعني.
سألتها خلود باهتمام: شوفتيني فين؟ اجابتها هامسة وهي تنظر للأرض: افتكرت لما كنت بخطف بنت صغيرة، وإنتِ جيتِ لحقتيها، ساعتها انا شوفتك بس أنتِ ماشوفتنيش إتسعت حدقتا عينا خلود لتسألها بنزق: هو كنتِ إنتِ، يعني انتِ بالفعل اشتغلتي معاهم ف جرايمهم دي رفعت كتفيها مرددة بقلة حيلة وحسرة إرتسمت على ملامحها: المضطر يركب الصعب يا مدام وهنا سألتها خلود مستفسرة بتفكير: هو إنتِ بطلتِ تشتغلي يا ليلى؟ اقصد معاهم يعني.
اومأت ليلى بتنهيدة حارة و ردت بحبور: ايوة، بطلت بقالي فترة ثم سألتها بعدم فهم: لية يعني بتسألي مش فاهمة بصراحة؟ نظرت لمراد هامسة بحيرة: أصلي بقالي فترة كدة ما بحلمش بالناس وكدة يا مراد، فكنت بستفسر وشاكه في حاجة سألها هادئًا: شاكه في اية؟ هزت رأسها بلامبالاة شاردة: لا انسى، ده مجرد شك بس نظر مراد لليلى ثم تجلى صوته وهو يخبرها: عايزك تعرفي حاجة مهمة دلوقتي يا ليلى اومأت ناظرة له: اتفضل؟
واجابها بما زلزل كيانها فعليًا من حروفًا تشكلت على هيئة الصدمة الكبيرة في حياتها: إنتِ دلوقتي مراتي، أنا كنت مفكرك ميته! وأتسعت حدقتاها بهلع: نعم، لا لا استحالة! عقد حاجبيه ببعضًا من الضيق من معشوقة اصابها الفزع عند سيرة عشقهم وقال: في اية مالك، هو اية اللي مستحيل، وبعدين انا مش من مصلحتي اكذب عليكِ في حاجة زي دي، والايام هتثبت لك اني مش كداب ظلت ليلى تنظر له بذهول.. بينما شرد هو وهو يتابع بحزم يليق به:.
دلوقتي أنا لازم أروح للمعادي، لشقة الراجل اللي كان متهم، يمكن ألاقي الفلاشة اللي هتجننهم هناك!
وصلت زينة الى منزلها، سمعت اصوات تأتي من داخل المنزل، زفرت بضيق حقيقي قبل أن تسرع في خطواتها الى حدًا ما للداخل.. لم تدخل ذاك المنزل من يومان تقريبًا، ولم تتكلف والدتها او والدها العزيز بالسؤال عنها! ولمَ يسألوا من الأساس وعلاقتهم كأسرة تعاني من تفكك يتردد صداه حتى الان! سمعت صوت صراخ والدتها يأتي من الداخل فركضت مسرعة.. وجحظت عيناها بصدمة من هول ما رأت!
والدها ينهال بالضرب المبرح على والدتها الضعيفة التي لم تفعل سوى الصراخ! وبالطبع لن يمنعه شخصًا واحدًا من الخدم يستغنى عن حياته! فاقتربت منه مسرعة تحاول منعه وهي تصرخ بهلع وخوف على والدتها التي بدءت تنزف: بس يا بابا حرام عليك بس كفاية لم يبالي لها وهو يضرب والدتها بعنف اكثر مكملاً: مفكرة انك ممكن تفضحيني يا حيووووانة حاولت النطق بوهن قوي رغم ان قواها قد خارت: ايوى هفضحك، مش هاسيبك تأذي ابني الوحيد!
رمقتها زينة بنظرات مصدومة لتقف حائل بينهم، فصرخ والدها فيها بقوة: ابعدي من ادامي يا زينة هزت رأسها نافية: مش هابعد يا بابا حرام عليك بقاا كفاية نهضت الاخرى تستند على زينة بصعوبة مرددة: متقدرش تعملي حاجة، عمر الشقي بقي يا جمال بيه، وهافضحك وهادمرك قبل ما تدمر ولادي ونالت منه دفعها قوية، وجدًا اسقطتها بعنف على الارض ليزداد تدفق الدماء و...
كانت شمس تتسطح بجوار مالك، تحيط صدره العاري بذراعها الابيض، والابتسامة تزين ثغر كلاهما... ويشدد هو من ضمته لخصرها النحيف بتملك اتضح في لمساته! ورفع وجهها لينظر في انعكاس صورته في عيناها ليهمس: إنتِ حلوة كدة لية؟ زمت شفتيها بشكل طفولي ورددت: وانت رخم كدة لية! تصنع الصدمة وهو يسألها: انا رخم يا شمسي؟ اومأت مؤكدة بعند: ايوة، عشان انا كنت جعانة وأنت مخلتنيش أكل ضحك وهو يضمها لصدره اكثر وقال:.
فصلتيييني من اللحظة، انا بقولك انتِ حلوة وانتِ تجيبي سيرة الاكل؟! وجد ابتسامتها العنيدة فأردف وهو يقترب منها بخبثه الذي باتت تعتاده: ادبًا عليكِ مش هاتقومي من السرير النهاردة! شهقت بصدمة لتستطرد بعدها مداعبة: خلاص يا ملوكي متضايقش نفسك سألها باستمتاع: قولتِ اية؟ فتابعت وهي تعض على شفتاها بطريقة اثارته للحظة: ايوة، أنت ملوكي، ماي هيسبند وحبيبي.
جهر قلبه مهللاً من ذاك الاعتراف الذي رطب روحه الثائره فاقربت منه تداعب انفه بأنفه مكملة: اصلي اكتشفت اني بحبك يا ملوكي، ممكن تسيبني بقااا!
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل السابع والثلاثون
والذهول كان خير رسمة تسيطر على ملامحه الخشنة، ودقاته تحوم حول صدى جملته التي تركت اثرًا ناعمًا وواضحًا على روحه المتلهفة! ولم يدري بنفسه سوى انه يقربها منه بشدة حتى لم يعد بينهم مسافة، فشهقت وهي تضع يداها على صدره العاري مرددة بخفوت خجل: مالك وقرب وجهه منها اكثر حتى شعرت بأنفاسه تخترق مسامها لتخدر روحها وهمس بصوت لا يليق سوى بعاشق ولهان: عيون مالك إبتلعت ريقها بازدراء هي تحاول دفعه مغمغمة:.
أبعد بقا كفاية كدة هز رأسه نافيًا ويداه تحوم بحرية على جسدها وتابع همسه المشتاق: هو في حد بيكتفي من القمر، ويلا قولي إنتِ قولتي إية من شوية؟ ردت هامسة بعد صمت دام لثواني تسترجع كلمتها المعسولة: قولت آآ ثم خبطت جبينها برقة وأردفت بخبث: قولت إية؟ انا مقولتش شدد من قبضته على خصرها بامتلاك ليتابع بصوته الخشن: لأ قولتِ، قوليها تاني دلوقتي هزت رأسها نافية بدلع: تؤ تؤ، اما تسيبني اقوم هقولها.
وجالت شفتاه المتلهفة وجهها كله وسط همهماتها الخفيفة لتستقر على شفتاها تأكلها بشوق، ابتعد بعد ثواني وقال بخبث: لا يا حبيبتي، هتقوليها وحالًا اقتربت منه هي هذه المرة لتهمس بجوار اذنه بصوت اذاب الباقي من تمالكه لنفسه: قولت بحبك، بحبك وبموت فيك وبلمح البصر كانت هي أسفله وهو فوقها يشرف عليها بقامته العريضة.. وهبط بشفتاه ينهل منها الشهد، يقبل كل جزء ظاهر منها حتى اخر رقبتها، فابتعد لحاجته للهواء..
وانظاره مثبته على لمعة عيناها التي يعشقها وتابع: وعايزاني اسيبك، ده إنتِ بتحلمي، إنتِ مش هاتقومي من السرير ده لمدة شهر على الأقل شهقت بصدمة مرددة: لا طبعاً أنت مجنون يا مالك اومأ مؤكدًا برومانسية: أيوة مجنون يا قلب و روح مالك ابعدت شفتاه عنها في محاولة بطيئة، لتستطرد عاقدة حاجبيها: مالك كفاية بجد انا تعبت من الجوع، هموت من قلة الاكل اقترب منها اكثر ليرد بنفس النبرة: وانا تعبت من البعد.
ثم نظر لعيناها متابعًا بخبث: ثم اني عايز اجيب عيل تاني يا روحي أتسعت حدقتاها بصدمة طفولية لتدفعه قائلة: مش اما يجي الاول حتى نبقى نفكر في تاني، و ابعد بقا قهقه بمرح وقال: احنا لسة هنفكر، مفييش وقت يا شمسي، ويلا عشان هنسافر سألته بنبرة واهنة: لية؟ اجابها وهو يغرس رغبته بين رقبتها ويداه تنزع عنها المتبقي من ثيابها وهمس: هبقى اقولك بعدييييين ثم انقض عليها يشبع جوعه و شوقه الذي بدى انه لا ينتهي!
ووصل كلاً من زينة و جمال الذين جلبوا والدتها على الفور للمستشفى، كانت زينة تقريبًا في حالة هيستيرية لا تردد سوى كلمة مامااا قومي ووالدها بجوارها يسير معهم ببرود وكأنه امر طبيعي يتكرر دومًا! وزينة القلق لم يترك ذرة واحدة منها إلا واحتلها بمهارة... دلفت والدتها مع الطبيب الى حجرة الكشف فوقفت زينة امام والدها تسأله بجدية قوية: إية اللي حصل يا بابا سألها ببرود ثلجي: اية اللي حصل ازاي محصلش!
كزت على أسنانها بغيظ متابعة: إية اللي يخليك تعمل في ماما كدة يا بابا هه؟ رفع كتفيه وهو يرد بلامبالاة: محصلش يا زينة ماتدخليش نفسك أنتِ بس هزت رأسها نافية بأصرار شديد: لا طبعاً لازم اعرف، دي كانت هاتموت في ايدك يا بابا صرخ فيها بنفاذ صبر: يوووه إنتِ هتقرفيني بقا هيبقى أنتِ وامك كمان واصرت على سؤالها الحاد: حصل إية يا بابا؟ تأفف وهو ينظر للجهة المقابلة مجيبًا ببرود: خناقة عادية من خناقات امك المعتادة.
كزت على اسنانها بغيظ واندرج سؤالها التالي تحت جزءً اخر: واية علاقة مالك وانا بالموضوع ده؟ إبتلع ريقه بصعوبة، وقد بدء التوتر في مهمته الوحيدة وهي الوضوح على ملامحه فقال: لا كانت بتتكلم بشكل عام مش على مشكلة بذاتها يعني هزت رأسها موافقة بعدم اقتناع: اممممم، ماشي يا بابا اما ماما تخرج هنفهم كل حاجة إلتوى فمه بابتسامة ساخرة: مش لما تخرج الاول، يمكن ماتخرجش وتريحنا بقا سألته بصدمة حقيقية:.
أنت بتقول إية يا بابا!؟ قطع حديثهم خروج الطبيب من الغرفة لتركض زينة باتجاهه متلهفة بتوجس: طمني يا دكتور ماما عاملة إية؟ سألها بجدية مناسبة: أنتٍ بنتها؟ اومأت مؤكدة فتابع بأسف جاد: بصراحة يؤسفني اللي هقولهولكوا سألته زينة بتوجس: قولي يا دكتور في إية لو سمحت؟ تنهد وهو يجيب بدبلوماسية: المدام عندها القلب! وإن كانت لديها رغبة واحدة لمجيئ مالك فالان ازدادت تلك الرغبة لأضعاف!
كانت خلود متسطحة بجوار مراد على الفراش، وليلى في الغرفة المجاورة لهم، كلاهم ينظر للأعلى بشرود تام.. هو تموج بداخله رغبة صغيرة - جدًا - للأقتراب من ليلى زوجته الحبيبة التي حُرم منها مسبقًا! رغبة قتلها برابط عشقه الحقيقي والمتين لخلود... خلود التي كانت اسمها يعبر عنها، هي خالدة بين جدران قلبه للأبد! نظرت هي له لتجده شارد فهمست برقة: مراد نظر له وهو يجيب بهدوء: إية يا حبيبتي؟
وضعت يداها على صدره ونظرت في عيناه مباشرةً لتستشف ما ارادته، ثم سألته: لسة بتحبني؟ نظر لها بذهول من ذاك السؤال الذي لم يتوقع أنحرافه على لسانها! فاقترب منها حد الالتصاق متساءلاً: وإية اللي يثبت لك؟ إتسعت ابتسامتها مرددة بمرح: حضن وبالطبع اغتنم فرصة المزاح ليحتضنها بقوة متشبثًا بها كطفل صغير يخشى البعد، يشدد من احتضانه لها ليهمس بجوار اذنها: أنا مش بحبك إتسعت حدقتاها بصدمة حقيقية فتابع بهيام:.
انا بموووت فيكِ ابتسمت بهدوء بينما هو انظاره كانت مثبتة على شفتاها التي كانت وكأنها تحمل دعوة صريحة للتقبيل فاستجاب الدعوة وإلتهم شفتاها في قبلة دامية، وبعد ثواني ابعدته عنها برقة هامسة: مراد عاوزة أتكلم معاك همس وهو يقبل كل جزءً منها: بعدين بعدين هزت رأسها نافية بهدوء: لا لازم دلوقتي يا مراد إحتقن وجهه بغيظ وقال: إنتِ ما بيحلاش ليكِ الكلام غير في الأوقات دي!
ضحكت برقة ودلال أذابت المتبقي من تماسكه فألصقها به يشعرها بسخونة جسده الذي كاد يشتعل من قربها.. فاستطردت هي بجدية هادئة: لا بجد عاوزة اكلمك في حاجة تنهد بحنق وهو يسألها: اممم احكِ خير اللهم اجعله خير تنهدت قبل أن تقول بعزم حقيقي وقوي: عاوزة أروح لأهلي ابتعد عنها قليلاً مرددًا بنزق: يوووه تاني يا خلود، هو اللي هنعيده هنزيده ولا إية!؟ هزت رأسها نافية بأصرار:.
لا بس مش معنى إني بسكت شوية ابقى نسيتهم، أنا لسة مُصره إني اروحلهم تنهد تنهيدة عميقة وطويلة تحمل في طياتها الكثير والكثير.. وأولهم واجب المواجهه! نعم إن منعها من تلك المواجهه بقناع قلقه الان يجب ازالته.. لابد من ترميم ما هدمه عدوها الشقيق! ملأ رئتيه بالهواء عله ينعش خلاياه ومن ثم أردف بصوت جاد: ماشي يا خلود حاضر هللت بفرح وهي تصفق بيدها: بجد يعني أنت موافق؟ اومأ مؤكدًا بشبح ابتسامة: اه موافق.
احتضنته بفرحة حقيقية: ربنا يخليك ليا ياااااارب يا حبيبي ابتسم بهدوء على تلك الطفلة التي يُسعدها أي شيئ بسيط.. ليسمعها تغمغم بصوت خافت: هو ينفع طلب كمان؟ اومأ موافقًا بضيق مصطنع: قولي قولي ما احنا مش هنخلص النهاردة ابتسمت بخفوت قائلة: عاوزة أكلم شمس صاحبتي من تليفونك عقد ما بين حاجبيه بتعجب قليل: هو أنتِ ليكِ صاحبه؟ اومأت مؤكدة باندفاع قوي: ايوة هو حرام ولا إية يكون ليا صاحبه.
هز رأسه نافيًا وراح يبرر لها بهدوء: لا ابدًا بس من ساعة ما اتجوزنا عمري ما شوفتك بتكلميها يعني تنهدت وهي ترد بحزن نادم: ماهو موبايلي مش معايا من ساعة ما انتم خطفتوني، واكيد هي مش عارفة توصلي وزعلانة مني عشان مش بكلمها اومأ بهدوء متساءلاً: إنتِ حافظة رقمها؟ اومأت بتأكيد: اه طبعاً عاد يقترب منها مرة اخرى وهو يقول بشقاوة: تمام عشان تبقي تكلميها بعدين بقاا شهقت وهي تحاول دفعه: مراد لا اكلمها الاول.
ولكن لا حياة لمن تنادي كاد يلتهمها بشفتاه المتلهفة المشتاقة لعبيرها الخلاب... وبين طيات شوقه همسه يارب تستحملي الصدمة يا خلود!
كان يحيى على فراش المستشفى، لجوار غريب الذي جلبه للمشتشفى بعد أن رآه بهذه الحالة عن طريق - الصدفة في زيارته له -.. شعر يحيى أنه على فراش الموت! يشعر الموت تمثل له في هيئة ذاك الألم اللعين، وبعقله خاصةً ليدس تلك الذكريات وافعاله الشنيعة امام عينيه! وغريب، غريب الذي أذاه هو، الان هو من ساعده! وللقدر حكمة لا تختفي... نظر لغريب وهو يقول بصوت واهن: أية اللي حصل يا غريب؟ اجابه الاخر بهدوء: ولا حاجة يا يحيى.
وسأله مرة اخرى بصوته المُرهق: أنت اللي جبتني هنا؟ اومأ غريب مؤكدًا: أيوة انا واستمر في سؤاله المتوجس: الدكتور قالك إية؟ رفع كتفيه وهو يرد بجدية: لسة ماقالش يا يحيى، إن شاء الله خير اما هو فلا يعتقد - الخير - مكافأة على ما فعله طيلة حياته! ودلف الطبيب بعد أن طرق الباب بهدوء، ليسأل يحيى بابتسامة هادئة وجادة: اية الاخبار حاسس بأية دلوقتي؟ هز رأسه وهو يجيب بوهن: احسن شوية بس حاسس الألم لسة ماراحش.
تبرم وجه الطبيب وهو يهتف: ماهو للأسف مش هيروح بسهولة سأله يحيى بهلع: يعني إية يا دكتور؟ اجابه بجدية أسفة: يعني للأسف عرفنا إن عندك ورم في المخ، لازم تعمل عملية إبتلع ريقه بمرارة وكأنه كان متوقع ذاك الرد القاسي من الله ثم القدر على ما بدر منه! ليسأله هامسًا: وإن ماعملتهاش؟ رفع كتفيه مرددًا بشفقة على ذاك الشاب الذي بدى من مظهره مسكين: كنت أتمنى لكن في خطر على حياتك مع استمرار وجود الورم.
سأله بتنهيدة حارة خرجت من اعماقه المتألمة: ونسبة نجاحها كام يا دكتور؟ اجابه بهدوء: للأسف الشديد نجاحها مش مضمون يعني 40٪ بس!
جلست شمس على الأريكة امام التلفاز تأكل بجوع بادي في طريقتها المتلهفة، وكأنها لم تصدق ان خرجت من أسر ذراعيه! تقدم مالك منها ليضحك على هيئتها تلك، سمعته فاستدارت لتلاقي صدره العاري وعضلات صدره البارزة.. فشهقت بخفوت وهي تهمس ببعضًا من الخجل: اية ده يا مالك، روح إلبس التيشرت هز رأسه نافيًا وهو يجلس بجوارها، بل ملتصق بها وكأنها مغناطيس تأثيره لا ينتهي! وقال بخبث دفين: لأ انا مرتاح كدة، مرتاح جدًا كمان.
إبتلعت ريقها وقد تكفلت نظراته بإيصال رغبته التي لا تنتهي منها، بإتصالهم الحالم.. فابتلعت هي ريقها وهي تأكل الطعام بسرعة محدودة! قهقه بمرح مرددًا متعمد اغاظتها: كفاية يا شمس بطلي طفاسة بقا هاتخربي بيتي شهقت وهي تضع يدها على فاهها، لترد بعدها بحنق: ما أنت السبب أنت وأبنك رفع حاجبه الأيسر يسألها بابتسامة لعوب: انا وابني، لية عملنالك اية يا مفترية؟ تنهدت بغيظ مكملة:.
أنت منعتني اكل لحد ما جوعت كدة، وهو السبب اصلًا في جوعي ده غمز لها بطرف عينيه قائلاً بمكر: طب بمناسبة الجوع، أنا لسة... قاطعت اقترابه البطيئ منها بشهقة وهي تبتعد للخلف مردفة بخجل: بس اسكت خالص انت ما بتزهقش ولا بتكتفي اقترب اكثر يهمس امام شفتاها التي كانت تعض عليها: تؤ تؤ، قولتلك مابكتفيش منك، ابدًا.
عضت على شفتاها السفلية اكثر وهي تعمض عيناها، ومنع اقترابه هذه المرة صوت هاتفه الذي صدح معلنًا عن وصول إتصال قد يكون مزعج.. فانهض متأففًا يجيب ببرود: الووو وسرعان ما تجهم وجهه وشرد، لينطق بكلمة واحدة وجادة: انا جاي ثم اغلق وهو يتناول التيشرت الخاص به ليرتديه، فسألته شمس متوجسة: خير يا مالك في إية؟ اتجه للخارج وهو يقول بجدية زائدة: مش وقته ثم خرج دون كلمة اخرى تاركًا اياها تتخبط في حيرتها من تغيره المفاجئ!