رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع والعشرون
فتح الباب ليجد مروان صديقه، إنتعش قلبه وغمره الأرتياح قبل أن يبتسم بترحاب ليقول: مروان، حمدلله على السلامة بادله الابتسامة بهدوء: تسلم، قولت اجي اطمن عليكم واشوفكم لو محتاجين حاجة أشار له مالك للداخل وهو يتابع بجدية: طب أدخل مش هنفضل نتكلم على الباب غمز له مروان ليهمس بخبث: أوعى يكون حد خالع راسه ضحك مالك ومن ثم ضربه على مؤخرة رأسه برفق ليرد مشاكسًا: خش ده انا حاسس أنك درتها مش صاحبي.
كان مالك يبتسم من داخله فعليًا، قدوم مروان تمثل له في تنفس الصعداء بارتياح من قدوم لا يرغبه! وجلسوا ليسأله مالك بصوته الأجش: عملت أية في الموضوع اللي قولتلك عليه يا مروان عقد مروان حاجبيه ليسأله بعدم فهم مصطنع: مش فاكر يا ملوكة، موضوع أية؟ زجره مالك بعيناه ليسأله بخشونة: إنطق ياض، سمر قابلت أبويا صح اومأ مروان مؤكدًا ومن ثم اجاب: ايوة يا مالك، قابلته وقعدت معاه والحياة فلة معاهم.
كز مالك على أسنانه بغيظ ليردف حانقًا: أه طبعًا ما نفذوا اللي هما عاوزينه اومأ مراون ضاحكًا: ديل الكلب عمره ما يتعدل ومالك، الغيظ في هذه اللحظة جزءً لا يتجزء منه، هو يخبئ نفسه في جوف مظلم بعيدًا عنهم... ليفرضوا هم مقاليدهم الظالمة اكثر في النور بلا منازع! نظر امامه بشرود ليقول بتوعد: انا بقا هوريهم اللعب وهعرفهم إن الله حق لكزه مروان بخفة وقال:.
تصدق إن انت يوم ما قولتلي راقبها فكرتك صدقتها وعايز تحميها من جمال باشا رمقه مالك باستهانة واجاب بخبث: أنت لسة قايلها يابني، وبعدين لا يلدغ المؤمن من عقرب مرتين، أنا عارف إن صنف سمر ده عمره ما يتعدل، بس كان لازم اهاودها كدة اومأ مروان ليسأله بخبث مشيرًا للداخل: طب اية مش هتعرفنا على الموزة ولا إية؟ اقترب منه مالك فجأةً ليمسكه من ياقة قميصه وهو يزمجر فيه بغضب خفيف: أعدل كلامك ياض، دي مراتي هه.
ضحك مروان ليغمز له متابعًا: الله، شكلك وقعت يا ملوكة ومحدش سمى عليك توتر، توتر فعليًا! ونظر أمامه، قلبه قبل عقله يفكرفي تلك الجملة التي استحوذت على تفكيره!
هو لطالما كره السقوط، ومازال يكره ولكن ماذا إن كان هذا السقوط بيت قلبًا ناقيًا، هو من زرع فيه زهورًا طيبة من الحب؟! نظر لمروان ليردف بنبرة غلفها بالجمود: إنت عبيط يابني، لا طبعًا غمز له مروان بخبث: عليا أنا بردو، ده أنا مرووووان حبيبك حاول إصطناع الجدية الخشنة وهو يتابع بما يجب أن يدونه بين جنبات قلبه بحبرًا لا يزول:.
استحالة يا مروان، انا وشمس غير بعض خالص، هي ماشية يمين لكن انا شمال، اصلاً مينفعش نحب بعض حتى، هو انا هورط نفسي في حب وكلام فاضي، انا اتجوزتها لانها كانت عجباني ف كنت عايز امتلكها مش اكتر من كدة! لسانه ينطق بما يرغبه عقله.. وعيناه يوضح فيها ما يشعر به قلبه! رمقه مروان بنظرات ذات مغزى وقال: اممم ماشي بس ياريت ماترجعش تندم ضربه على كتفه برفق قائلاً: عيب عليك أنا عمري ما عرفت الندم.
اما شمس، كانت تقف بعيدًا عنهم بمسافة، ولكن كلامهم مسموع لها! كلامهم الذي كان كمطرقة قوية تسقط عليها لتُفيقها من حلمًا أعتقدته يمكن أن يصبح حقيقة ذات يومًا! والدموع كانت أول من يجري بين لؤلؤتيها الرمادية... دموع أشتياق لمن يحتويها فيخفف عنها! ودموع حرمان من سعادة كانت تتقافز امامه فعندما مدت يدها لها طارت في لمح البصر! ركضت للداخل بحزن ادمى قلبها.. وقد اتخذت قرارًا لا رجعة فيه!
بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في الخير.
جملة المأذون كانت أول من انتشل زينة من شرودها في الحياة القادمة! أنتهى الأمر، وربطتها هذه الجملة بسلاسل لا تُفك... ألا وهي الزواج ممن دمرها بمهارة! ستصبح تحت امرته في أي وقت وأي مكان؟! سيصبح حقه من كان يقتنصه منها بمقابل! ستُباح له كل الممنوعات لديها! أصدرت انينًا خافتًا متألمًا وهي تسمع جملة اصدقائه الهادئة: ألف مبروك اومأت بابتسامة صفراء: ميرسي، الله يبارك فيكم.
وبعد التحيات والتمنيات القصيرة والتي مرت على زينة كحلم مؤلم لا ترغبه وتريد الاستيقاظ منه في اسرع وقت.. اصبحا وحدهما، ينظر لخطوط وجهها التي اصبحت متعرجة من الحزن البادي على وجهها.. وتنظر هي له نظرة أنكسار وإنهزام لم تذقه إلا اليوم! اقترب منها بهدوء فعادت هي للخلف.. وكأنه تخبره أن كلما حاول التقرب ستبتعد هي قدر الإمكان! فهمس متنهدًا بجدية: زينة أقعدي لازم نتكلم.
اقتربت بتردد وهي تجلس بجواره لتسمعه يقول بهدوء: أنا عايزك تشيلي كل الوساويس اللي بتفكري فيها من دماغك، أنا عمري ما هجبرك على حاجة، ولا هنكد عليكِ، انا قولتلك سبب جوازنا فأكدت هي: اللي هينتهي في أقرب وقت اومأ موافقًا: هيحصل زي ما وعدتك، جوازنا هيفضل تصحيح غلطة بس اومأت هامسة: ماشي ثم نظرت له لتهتف بعزم متردد قليلاً: هقولهم أما أروح هز رأسه نافيًا: أستني شوية طيب سألته عاقدة حاجبيها:.
لية بقا؟ من أولها كدة بترجع في كلامك سارع مبررًا: لا ابداً، بس ماتنسيش إنك لما تقولي لأهلك أكيد يعني لو اقتنعوا بجوازنا، لو يعني، هيقولولك فين أهله عشان نعلن الجواز، بيشتغل اية معاه اية!؟ ماهما مايعرفوش اللعبة بقا كلامه صحيح مائتان بالمائة! هي تصدر القرارات دون الرجوع لكنترول عقلها.. اما هو لا يصَدر إلا بعد الرجوع والتفكير الطويل! فزفرت بضيق حقيقي لتومئ بعدها: ماشي يا زياد اومأ ليقول بحزم:.
هتتعالجي ومفيش هيروين تاني جحظت عيناها بصدمة.. صدمة امتزجت من رغبته الخفية، ومنتقم يرغب في شفاء فريسته! وهمست بضعف لاحظه في نبرتها: مش هقدر سألها بأصرار: مش هتقدري لية؟! رفعت كتفيها دون أن تنظر له واستطردت: ماينفعش أحرمك من حاجة إنت هتموت لو ماخدتهاش وسألها بجدية: والناس اللي بتتعالج بتتعالج إزاي؟ ردت بهدوء مخزي: عندهم أرادة يخفوا، إنما انا لا أمسك بيدها ليضغط عليها وكأنه يبث فيها الأصرار..
ثم نظر في عيناها التي كانت ولأول مرة يلمح ذاك الطيف الضعيف بينهما فقال: عندك، لو مش عشان أي حد يبقى عشان زينة نفسها، عشان ماتبقيش محتاجة لحد هزت رأسها نافية وهي تبعد يدها: لأ، إنت ملكش دعوة بيا اصلاً رد دون تردد: ليا اكييييييد وليا كتير كمان لم ترد، فاقترب اكثر، رويدًا رويدًا حتى أصبح ملاصق لها تمامًا.. يستشف تلك الرعشة التي اصبحت تسير بجسدها كلما اقترب منها! ليمسك وجهها بين يداه قائلاً بتساؤل: مالك.
وهمست دون أن تنظر لعيناه: مفيش سيبني وجملتها عُكست له تمامًا! عندما تطلب البعد يُقن أنها اصبحت في مرحلة الضعف امامه، والتي تكرهها هي فتلامست شفتاهم لتغمض هي عيناها في محاولة لدفعه.. ولكن لا حياة لمن تنادي كانت كالتي تحاول هز جدار لا يهتز.. يلتهم شفتاها بشوق حارق لم يعرفه إلا معها! ويداه تحسس على جسدها بطريقة حميمية أرعبتها.. فحاولت دفعه بقوة: لا يا زياد.
واخيرًا ابتعد عنها لينظر في عيناها فيرى إنعكاس صورته التي لم يصلح انكسارها بعد وهمس بعبث: ماسألتيش نفسك أنا بعمل كدة لية؟ نظرت له متساءلة فأكمل: عشان إنتِ، بقيتِ زي حته مني مابقتش ينفع أأذيها قالها وهو يضع رأسه بين خصلاتها عند عنقها يتلمسه بشفتاه المشتاقة.. وهي شاردة في جملته التي لم تكن تصريحًا بصراحة.. ولم تكن اخفاءً لمشاعر مبكوته..
وعندما شعرت بتطور الأمر دفعته بكامل قواها وهي تنهض متجهة للداخل دون كلمة اخرى!
لم تتحَدث خلود مع مراد بعد ما حدث بينهما، وكأنها تؤكد له أن اصرارها بالعودة لأهلها لن يزول ابدًا! وجلست امام التلفاز، تتصنع عدم الاهتمام واللامبالاة معه! وهو كان بالداخل يكاد يفور من كثرة الغيظ.. يبعدها عن أهلها ليس حقدًا منه، ولكن خوفًا من إنتقام لا يعرف سببه حتى الان! فيحيطها في دائرة الأمان فلا تصبح عرضة للخطر من - أخيها - اخيها الذي إذا علم أنها سعيدة، هانئة، لن يهدئ بالطبع حتى ينفذ ما بدأه!
ولكن، لن يشرح لها هذا الصراع ابدًا هذا الصراع الذي إن علمته ستكون الصدمة شباكًا لا تتركها طوال حياتها! ونهض متجهًا لها.. فوجدها امام التلفاز شاردة والغيظ يتضح على ملامحها ونظراتها الموجهة نحو التلفاز والتي كانت من المفترض أن توجه نحوه هو.. فابتسم بهدوء نصف ابتسامة وهو يقترب ليحيطها من الخلف.. فشهقت هي متفاجئة: خضتني بجد غمز لها بعبث: سلامتك من الخضة يا حبيبتي.
أبعدت يده عنها وهي تنظر امامها مرة اخرى بجمود اصطنعته بمهارة.. فتنهد وهو يستدير ليجلس بجوارها بهدوء متساءلاً: إنتِ لسة زعلانة مش كدة رفعت كتفيها مجيبة بلامبالاة: معرفش إنت أدرى! اقترب منها رويدًا رويدًا ليهمس مشاكسًا: ولو صالحتك بطريقتي لم تنظر له وهي ترد: لأ وفجأة عض شحمة اذنها لتصرخ هي: مراد أنت مجنون ابعد ابتعد قليلاً ليضيق عيناه قائلاً: في واحدة كويسة تقول لجوزها إنت مجنون فأجابت بعند دون تردد:.
وهو في جوز كويس يمنع مراته تروح لأهلها تنهد وهو يقول: صدقيني أنا بعمل كدة عشانك قطبت جبينها متساءلة: عشاني إزاي يعني؟ نظر امامه متابعًا بغموض: هتعرفي في الوقت المناسب يا خلود هزت رأسها نافية بأصرار: لأ، اعرف دلوقتِ رمقها بنظرات حادة: قولت في الوقت المناسب يبقى في الوقت المناسب يا خلود نهضت لتقول بصلابة: يبقى لحد ما الوقت المناسب يجي أنسى إنك تقرب مني وجحظت عيناه بصدمة!
صدمة من عشقًا وشوقًا اعتقدته هي سلاحًا تضغط عليه به! فنهض ليصبح امامها في لمح البصر يقبض على ذراعها: أنا محدش بيلوي دراعي، ثم إنك مراتي يعني أنا لو عاوز اخد حقوقي غصب عنك هاخدها ومحدش هيمنعني يا خلود سااامعة هزت رأسها نافية: لا أنا همنعك، انا حره قيد خصرها بيداه ليجذبها نحوه.. وقيدًا أكد لها انه هو المتحكم وهو المقرر وليس هي! وقيدًا اشتد عليها قبل أن يقول:.
قسمًا بالله أنا لو عايز كنت خدتك ودخلت بيكِ الأوضة ووريني هتمنعيني إزاي، لكن انا هاسيبك عشان اعرف إن ده مش نقطة ضعف، ومش هاجي جمبك تاني اومأت ببعض الضيق: يبقى احسن بردو ابتعد عنها وهو يشير لها محذرًا: ماتختبريش صبري كتير أحسن لك لأن الله هو اعلم همسك اعصابي بعد كدة ولا لا رفعت كتفيها بلامبالاة: متقدرش تعملي حاجة نظراته التي تخترقها فكانت تقريبًا تحرقها!
وضغطت يده التي أكدت لها أنه يحاول تمسك نفسه ألا يؤذيها ثم استدار وغادر تاركًا المنزل بأكمله! فسمعت هي رنين هاتفه فاتجهت للداخل بضيقًا ظاهرًا.. لتجد المكالمة انتهت، تأففت وهي تقترب من الهاتف ممسكة به.. لتُصدم مما رأت...!
جلست نوارة في غرفتها الصغيرة التي تجلس بها دائمًا... بيدها كوبًا من الخمر! الخمر الذي لم تشربه بحياتها ابدًا! الان تشربه وهي تنظر له كأنها تترجاه أن ينجح في أن يُنسيها المستنقع الذي سقطت فيه! لتمنع هذا الحزن والألم من التوغل داخلها! كادت تشربه إلا انها فجأة وجدت حمدي يسحبه منها قائلاً بلوم: إية ده يا نوارة، من امتى وأنتِ بتشربي خمرة؟ هزت رأسها بلامبالاة: من النهاردة.
جلس بجوارها وقال بجدية لا نقاش فيها: بطلي عبط وسيبيه، مش هخليكِ تشربيه ابدًا وضعت يدها على وجهها وكادت تبكِ وهي تردف بصوت مختنق: انا تعبت اوي يا حمدي وزهقت، تعبت من الحياة دي تنهد وهو يسألها: مالك بس، انا عارف إنك مش على طبيعتك من ساعة ما بطلتِ تنزلي الشغل اومأت متابعة ؛ نفسي اعرف مين اهلي، لية سابوني، مين جابني هنا!؟ اشار لها من حوله قائلاً بتهكم:.
كل الناس اللي حواليكِ دي نفسهم يعرفوا بردو اجابة الاسئلة دي، لكن للأسف محدش بيعرف ولا هيعرف همست بصوت شبه باكِ: ليية، لييية اتحكم عليا اعيش وسط ناس زي دي ضيق عيناه بخبث مصطنع: كدة زعلانة، شكلك كرهتيني، ده انا صديقك الصدوق هزت رأسها نافية بشبح ابتسامة: يمكن أنت الحاجة النضيفة في حياتي ضرب على كتفها بمرح: اهوو ده الكلام فاجئته بقولها الجاد: بس انا قررت خلاص سألها مستفسرًا بتوجس: قررتي أية؟
نهضت وهي تنظر امامها، بأصرار لا رجعة فيه، وقرار كان يجب اتخاذه منذ زمن... ثم همست: ههرب من هنا يا حمدي مش هقعد هنا لحظة تاني!
وكانت شمس تبكِ وتنوح كلما تذكرت كلامه الذي كان كالسكاكين تُذبح فيها بلا ذرة رحمة! وتعد ملابسها التي جلبتها معها في حقيبة صغيرة.. ولم تندهش عندما وجدته مع صديقه كل هذا الوقت دون أن يسأل فيها! بالطبع يثبت لنفسه صحة كلامه المميت! وفجأة وجدته يفتح الباب ليدلف دون أن يطرقه.. فمسحت دموعها سريعًا لتنظر له قائلة بحدة حقيقية: مش في حاجة اسمها باب بتخبط عليه؟ نظر لعيناها الحمراء من البكاء ليسألها بتوجس:.
مالك يا شمس أولته ظهرها مجيبة بجمود: مليش اقترب منها ليرى الحقيبة وهي تغلقها! ظل ينظر لها ثم للحقيبة.. وقد تأكد مما ظن أنه حدث، فأمسك بيدها متساءلاً بخشونة: إية الشنطة دي بقا؟ اجابت وهي تنظر له بتحدي: فيها هدومي سأل مرة اخرى: وده لية إن شاء الله نظرت للجهة الاخرى هروبًا من حصار عينيه وقالت: لأني همشي من هنا جلس على الفراش وهو يجلسها بجواره، ثم وضع يده على كتفها ليسألها بهدوء:.
طب يلا زي الشاطرة قولي كنت بتعيطي لية واية التخاريف اللي بتقوليها دي؟! صرخت فيه بصوت اشبه للبكاء: ملكش دعوة بيا ثم نظرت له بقوة مرددة: طلقني لو سمحت انا مش عالة على حد ولم تجد ردًا سوى - حضن - يخبأها فيه بين ضلوعه من نفسه! ليهمس وهو يربت على شعرها بحنان: أنا اسف!
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الثلاثون
واعتذاره كان خفيفًا نسبةً لميزان أفعاله المهينة! ولكن وكأن احتضانه الحنون أستطاع سلب تلك الشحنان السالبة والغاضبة منها كنسمات الهواء فابتعدت بعد قليل وهي ترمقه بنظرات ذات مغزى قبل أن تسأله: أسف على إية، هو أنت عملت حاجة؟ ضيق عينيه وقد أدرك بسهولة تلك المراوغة، ولكن الأمر في حد ذاته يهلل أساريره، فغزالته الشرسة تشاكسه بل ويستطع التأثير على ثورتها فيخمدها بسلطان حنانه!
واقترب منها يداعب أنفها الصغيرة بأنفه ليرد مشاكسًا: لو إنتِ سمعتِ حاجة يبقى قولت، لو مسمعتيش يبقى مقولتش يا حبيبتي وظلت تنظر له بذهول من كلمة تلقائية نبعت من قلبه المتحكم، ولكنها تركت اثرًا واضحًا على قلبها المتلهف! فسألته ببلاهه: أنت قولت أية؟ أعاد نفس اجابته وهو يضحك: هرد عليكِ نفس الرد، لو سمعتيني وأنا بقول يبقى فعلاً، لو مسمعتنيش خلاص أبتسمت ابتسامة صغيرة على مداعبته التي أصبحت تُسكر روحها!
فحاولت أن تدفعه وهي تقول بنبرة ينسدل منها اللوم: روح لصاحبك اللي كنت قاعد معاه كل ده وسايبني عادي ضحك قبل أن يرد بخفوت غامزًا لها بطرف عيناه: معلش بقا، كنت بحاول أثبت لنفسي حاجة بس مانفعش عقدت ما بين حاجبيها وهي تسأله: حاجة إية؟ أقترب منها ببطئ حتى كانت أنفاسه كطلقات هائمة تُصيبها فتربكها حد الجنون! وقيد خصرها بذراعيه وشفتاه امام شفتاها تمامًا، ليقول بعبث: تعالي هقولك جوة حاجة أية هزت رأسها نافية بسرعة:.
لا لا، خلاص مش عاوزة أعرف، أنت مابتعرفش تمر ساعتين غير لما تقول كدة سألها بخبث دفين: كدة إية؟ ابتسمت قبل أن تنهض بأحراج مرددة: خلاص خلاص بس قهقه مالك على خجلها الذي اصبح طبقة لا تُفرق منها.. عقدت ذراعيها، ونطقت بما ليس لها طاقة به: بس أنا مصممة على قراري، طلقني، أنت عندك شيزوفرينيا وأنا مش حملك كز على أسنانه بغيظ قبل أن يقول: لأ، طلاق مابطلقش.
وبالرغم من طفيف سعادة طافت روحها، تتشبعها بجدارة بفضل شعورًا ملئ غريزتها الأنثوية بتمسكه بها! ضيقت عيناها وهي تستطرد: خلاص، ههرب وهرفع قضية خلع جحظت عيناه، وهو يتساءل بهلع، هل نفذ خزان الصبر والتحمل لديها فأنتج أفواجًا محملة بالعصيان والتمرد!؟ فهمس بجزع: لأ، مش هاتعمليها، لإني متأكد أنك عايزاني زي ما أنا عاوزك بالظبط وأبتلعت ريقها من صراحته التي كانت كالسهم تخترقها لتصل لمقرها بجدارة!
لتسأله بشجاعة مزيفة: وأنت مين قالك، بتخمن حضرتك؟ هز رأسه نافيًا، وشفتاه التي قبضت على شفتاها بجوع مشتاق كانت خير دليل على أنجذابها بل وعشقها - الخفي - نحوه! لتدفعه بخجل وحرج مرددة ؛ بطل الحركات دي بقا غمز لها بطرف عيناه ثم قال بعبث: لأ انا بعرفك انا بخمن ولا لا ومد يَده لها وهو يردف ببعضًا من الحدية الحانية: تعالي معايا فمدت يدها هي تمسك يده بعفوية وهي تهتف كطفلة صغيرة: فييين؟ أبتسم بهدوء ليرد:.
يلا يا شمسي وهاتشوفي ثم سحب يدها متجهين نحو الخارج، بسعادة ظنوا أنها لن تفارقهم، سعادة كانت كالحُلم هناك من يرغب في أقلابه لكابوس يفزعوا من مجرد مروءه على ذاكرتهم!
وعندما تحاول التسلل لخلايا شخصًا ما، وهي بالأساس تمتلئ بالكره الحقيقي نحوك، فتكون النتيجة الحتمية، الفشل! وقفت زينة عاقدة ذراعيها، والتصميم ينضح من بين جحور عيناها، لتنظر لزياد الذي يقف امام، بتصميم قد يكون أقل، لتصيح فيه بغضب خفيف: أنا هامشي يعني هامشي يا زياد محدش هيمنعني هز رأسه نافيًا ورد: لا أنا همنعك كزت على أسنانها كاملة حتى كادت تنكسر وهي تقول: أنت عايز مني إية، ما تسيبني أغور.
نظر في عيناها تمامًا، يُسلط أشعته - المعجبة والقوية - عليها ليستطرد: مش هاجي جمبك صدقيني بس خليكِ شوية، كل اللي طالبه إنك تقعدي شوية معايا، ده كتير عليا؟ اومأت مجيبة ببرود أثلج صدره: اه كتير، كتير لأن أنت مش متخيل أنا بكرهك ازاي اومأ زياد بضيق تعمق نبرته: عارف يا زينة وعندما أيقن أن تصميمه على القرب لن يجدي أمام أطنان تصميها على البعد، فافتح لها الطريق وهو يردف بخفوت: أمشي يا زينة.
ومن دون تردد اتجهت نحو الباب وكأنها استطاعت الفرار من براثن الذئاب! سارت هائمة وشاردة، مفكرة في فتح ذاك الموضوع الذي سيكون كفتح سلاسل الجحيم عليها! وفجأة وجدت امامها يحيى، بابتسامته السمجة يحدق بها بنظرات ذات مغزى، فهمست ببلاهه: إية؟ غمز لها بطرف عيناه وهو يبادلها الهمس: إية، عاملة إية؟ ومن دون تعبير واضح أجابت: كويسة، خير هو أنت هتنط لي كل شوية كدة؟ رفع كتفيه وقال ببرود: دي صدفة.
رفعت حاجبها الأيسر وهي تتيقن من تلك الصدفة - المقصودة - من ذاك الخبيث وتابعت بهدوء حاد: طب يلا عن اذنك بقا أنا مش فاضية وقد بدء يداهمها الألم فأمسكت برأسها وهي تسير مسرعة، فوجدته يمسك يدها مردفًا بخفوت: طب لو سمحتِ تعالي نقعد في أي كافية عايز أتكلم معاكِ في حاجة هزت رأسها نافية: لأ ثم سارت مسرعة لتجده يقف امامها ليعترض طريقها وهو يستمر برجاء حار: لو سمحتِ، نص ساعة وأمشي، نص ساعة بس ده الكافيه قريب.
ولا طاقة لها الان برجاء قد يقحمها في مواقف لا ترغبها، وفي آن واحد لا طاقة لها بالرفض المستمر هكذا! فأومأت بجدية: ماشي، ربع ساعة وهقوم اومأ مسرعًا وهو يمسك يدها: طب كويس اوووي واتجهوا لذلك - الكافية - بهدوء تام، الألم يأكل في رأسها كالصدئ في الحديد لم تعرف من أين أتت لها تلك القدرة التي اخترقتها لتحتمل ولو قليلاً قبل أن تبدء بالصراخ... أمسكها يحيى بهلع وهو يسألها: مالك يا زينة؟ اجابته وهي تكاد تبكِ:.
دماغي وجعاني اوي أمسك بيدها ليقفوا في احدى الجوانب الفارغة من السكان، ليسألها مستفسرًا: صداع يعني فجأة!؟ بدء صراخها يعلو شيئ فشيئ، صراخ نبع من روحًا اُرهقت من كثرة الاحتمال في الألم.. وفجأة سقطت مغشية عليها بين يديه من كثرة الالم الذي عصف برأسها! ليحملها هو مسرعًا وهو يوقف احدى سيارات الاجرة، يحمل بزجاحة الماء من الرجل ليقطر على وجهها، ولكن دون جدوى!
واتجه بها لأقرب مستشفى، وهو قلق من اذى قد يصيبها وهي معه هو! فينكشف كل شيئ بالتاكيد! وكلاً حدث بسرعة، لحظات لم يدري ماذا يفعل بها تحديدًا ولكنه وكأنه عاد لوعيه والطبيب يقف امامه ليسأله هو مسرعًا: مالها يا دكتور؟ اجابه بجدية: حتى الان انا شاكك في حاجة، هتأكد منك وهاقولك سأله مستفسرًا بهدوء: شاكك في إية يا دكتور؟! واجابه بجدية مناسبة بما وقع عليها كحجرًا صلب كاد يفقده الوعي:.
أنا شاكك أنها مدمنة مخدرات، والألم ده بسبب كدة!
عاد مراد إلى المنزل بعدما - تقريبًا - فرغ شحنات غضبه امام النيل، ليجد خلود قد تلبسها ذاك الغضب بلا منازع وهي ترتدي ملابسها وتجلس في الصالون وبالتأكيد تنتظره.. تنهد وهو يسألها: مالك يا خلود قاعدة كدة لية؟ نظرت له نظرة قاتلة وهي تسأله بجدية زائدة: اتأخرت كدة لية يا مراد؟ عقد حاجبيه وهو يرد بهدوء طبيعي: كنت بشم هواء بس، إنتِ اللي فيه أية؟ نهضت ممسكة بهاتفه في يدها، لتشير له وهي تسأله بخشونة:.
تعرف أخويا تامر منين يا مراد؟ وقد حدث ما توقعه! وقعت امام شباكه التي يحاول رصدها لحمايتها فهُيئت لها أنها عليها وليست لها؟! رفع كتفيه ليرد ببرود أتقنه إلى حدًا ما: أنا معرفش أخوكِ، مشوفتش غير مامتك لما جات هنا ضغطت على الهاتف وهي تصيح فيه ببعض الحدة: أمال أزاي بيتصل بيك لما أنت متعرفهوش استدار يجلس على الأريكة عله يتجنب تأثير نظراتها ليهتف: يمكن غلطة، هو إية مفيش حاجة اسمها صدفة؟
وقد قرر نقل سهام اللوم لها قليلاً، فنظر لملابسها قبل ان يسألها بفتور: وإنتِ لابسة ورايحة فين؟ اجابته دون تردد: رايحة لأهلي نهض وهو يشير لها قائلاً بغضب: احنا اتكلمنا في الموضوع ده أظن، فياريت ماتفتحيهوش تاني هزت رأسها نافية وهي تزمجر فيه: لا هروح وهفتحه، أنت مش من حقك تمنعني من أهلي كز على أسنانه بغيظ قبل أن يقول: لا من حقي، وماتنسيش إنك رفضتي ترجعي مع مامتك لما جاتلك يعني مش هتتقبلك بسهولة ثم صرخ فيها:.
مسألتيش نفسك هي عرفت مكانك منين اصلاً؟ مستغربتيش أنها وصلت لك بعد ما كانت مش عارفة اثر ليكِ ونظرت له والصدمة كانت المسيطرة الوحيدة! هي فعليًا لم تنتبه لتلك النقطة! من زواية إنهيارها وعصبيتها من موقفها امام والدتها وجدت التفكير في تلك النقطة بعيد، جدًا! كيف لم تلحظ والتدقيق دومًا كان مصاحبها؟! وسألته بسذاجة فطنة: أزاي عرفت؟ غرز يده بخصلات شعره بغيظ ليرد بغموض:.
معرفش، لما يحين الوقت المناسب إنك تعرفي هتعرفي أكيد هزت رأسها نافية بأصرار: لا عايزة اعرف دلوقتِ، وإلا قسمًا بالله هنزل وهعرف من ماما ومحدش هيمنعني وقال بغضب: ماتحلفيش عليا، وحلفان على حلفانك يا خلود مافيش نزول واعترضت وهي تتجه للباب بعند معروف عنها: لا هروح يا مراد لتجده فجأة سحبها من يدها بقوة كادت تسقطها، ليزجها في غرفتها القديمة بقوة حتى سقطت على الأرض متأوهه وهي تقول بصوت أشبه للبكاء: أنت مجنون.
ولكنه لم يبالي وهو يخرج ليغلق الباب خلفه بمفتاح الغرفة غير عابئًا بصراخها المستمر!
كان حمدي يتلفت يمينًا ويسارًا ونواره تسير خلفه على أطراف اصابعها خشيةً أن يشعر بهما شخصًا فتنجرف في تيار الدمار بالتأكيد! حتى خرجوا بسلام فأشار لها حمدي مسرعًا وهو يهتف: يلا، الفلوس معاكِ، أطلعي وأركبي اي مواصلة ثم اخرج من جيبه ورقةً ما ليعطيها لها وهو يتابع بجدية متلهفة وقلقة: اول ما تبعدي شوية اقفي في اي حته واتصلي بالراجل ده سألته بسرعة وهي عاقدة حاجبيها: ده مين ده يا حمدي؟
رد وهو ينظر خلفه بسرعة: ده ظابط، اتصلي بيه وعرفيه إنك تبعي، وهو هيدبرلك مكان تقعدي فيه لحد الوقت المناسب وانا اجيلك وكاد صوتها يعلو وهو تهمس بصدمة: أنت كنت شغال مع البوليس يا حمدي وضع يده على فاهها وهو يهمس بغيظ: الله يخربيتك هتوديني في داهية مش وقت صدمة دلوقتِ لو عايزة تهربي اومأت مسرعة وهي تسأله متوجسة: أنت واثق في الراجل ده اومأ مؤكدًا: اكتر من نفسي، ألحقي امشي قبل ما يحسوا بغيابك.
اومأت وهي تنظر له بحزن: هتجيلي يا حمدي مش هتسيبني أنا مليش غيرك اومَأ بابتسامة مشتاقة وهو يتلمس وجنتها بحنان: أكيد، خلي بالك من نفسك اومأت وقد تلقلقت الدموع في عيناها، وفجأة وجدته يحتضنها وهو يتأوه بخفوت وحزن قبل أن يهمس بجوار اذنها: عايزك تسامحيني على أي غلطة غلطتها في حقك اومأت بصدمة وحزن معًا ليبتعد عنها وهو يشير لها: يلا امشي.
وسارت مسرعة دون تردد وقد اعطاها القدر اخيرًا الفرصة للفرار من ذاك المستنقع القذر.. ليهمس حمدي لنفسه بود ملتاع: هتوحشيني أوي!
وكانت الشمس تكاد تغيب بالكامل، وقف كلاً من شمس و مالك امام البحر في ذاك الوقت، لتشهق شمس من روعة المنظر، ذاك المنظر الذي كان كأنه كالسحر يجذبك له دون إرادتك! وبالطبع لم تزول الابتسامة من وجهها وهم يجلسا سويًا على الرمال والسعادة تتشابك بين قلب كلاً منهما! ونظر لها مالك وهو يسألها بخفوت حنون: مبسوطة؟ نظرت للشمس وعيناها الرمادية تلمع ببريق لطالما عشقه، لترد دون تردد: جدًا جدًا جدًا.
وإتسعت ابتسامته على تلك الطفلة التي يسعدها مجرد مظهر جذاب، ليسمع صوتها تقول بود: بحب منظر الغروب ده أوي، وخصوصًا لو كدة على البحر، بيبقى جميل أوي وهمس هو بخبث: يا بخته نظرت له قبل أن تسأله ببلاهه: هو إية ده؟ اجابها ببراءة مصطنعة: المنظر ثم غمز لها بطرف عيناه متابعًا بعبث: أصلك بتحبيه، أوي! وخجلت قليلاً، وهي تنظر في عيناه بنظرة لن ينساها طوال حياته! نظرت عُلقت بين حبال شوقه المتين لها وقالت ببراءة حقيقية:.
على فكرة أنت مش قاسي زي ما كنت مفكرة أبتسم قليلاً وهو يسألها: وعرفتي أزاي بقا؟ اجابته بعفوية أحبها: أنت الأول كنت بتعاملني وحش لأنك متغاظ مني، لكن حتى الان معرفش لية وغامت سحابة حزن وهو يتذكر، ليبعدها مسرعًا بامطار عبثه: طب كويس إني نولت الرضا يا قمر وترددت قبل أن تسأله بحبور: ممكن أسألك سؤال اومأ مؤكدًا: اكيد اتفضلي وسألته:.
هو انت لية ولا مرة شوفتك بتكلم مامتك او باباك؟ او حتى بتتكلم عنهم، انت تقريبًا مابتتعاملش مع حد غير صاحبك مروان ده تنهد قبل أن يجيب بنبرة صعب عليها فهمها: أحنا عيلة مفككة يا شمس، كل واحد عايش لوحده مابيربطناش غير الأسم، مروان ده صاحبي الوحيد والاقرب ليا ثم همس وهو يقترب منها: بس نسيتي حد كمان بتعامل معاه كتيير سألته ببلاهه لم تزول: مين ده! اقترب اكثر حتى تلاحمت انفاسهم ليهمس بعشق تدفق من نبرته:.
إنتِ يا شمس وإبتلعت ريقها وهي تنظر له بتوتر، لتسمعه يتابع وعيناه كانت تموج عشقًا كالأمواج المتلاطمة امامهم، يمسك يدها ليهمس بصوت خافت: إنتِ قلبي، إنتِ نوري، وإنتِ شمسي في عز ضلمتي ونظراتها كانت مصحوبة بالصدمة من عشقًا مسته فقط فانفجر شلالات تغدقها، لتهمس: بجد، قصدك آآ قاطعها بعبث عاشق: قصدي إني بعشقك يا غزالتي!
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والثلاثون
ثواني من الزمن مرت مشفقة عليها من صدمة كانت منتظرة ولكنها عندما أتت كانت كأعصار هب بشكل مفاجئ! دقات قلبها تتراقص على تلك الكلمة التي راق لها لحنها وبشدة.. وشفتان فاغرتان ببلاهه معهودة منها كدعوة لإلتهامهم! بينما عيناه - مرصادًا - لرد فعل يتوق له جدًا، يترقبها ويترقب ضغطها بأسنانها على شفتيها الوردية.. وهمست هي وكأنها ترغب في التأكد أن ما تعيشه لم يكن حلم وردي ليس إلا: أنت، أنت بجد قولت آآ.
قاطعها بنفس الابتسامة العابثة التي حملت الكثير والكثير ليرد: قولت إني بعشقك، بموت فيكِ، ماقدرش أعيش من غيرك وماذا تفعل الان، أين رد الفعل المناسب؟! أين الكلمة التي كانت على حافة لسانها! أختفت، أدراج الرياح، وما أصعبه صمت وهي ترى تلهفه تلك الكلمة التي ستهدئ من اهتياج روحه! فنهضت مسرعة وهي تقول دون أن تنظر له: يلا نرجع نهض ليقابلها وهو يسألها عاقدًا حاجبيه: نرجع! ده اللي عاوزة تقوليه؟ اومأت مسرعة:.
اه يلا الشمس بتختفي سألها مرة اخرى مضيقًا عيناه: متأكدة يا شمس؟ اومأت ببلاهه غير واعية لما فعلته بفتيلاً تكوم بداخله من شدة غضبه من حماقتها، ليحملها دون مقدمات غير مباليًا بصراخها: اية ده لا لا سيبني نزلني هز رأسه بنفس السرعة التي تحدثت بها: لا وكلما اقتربوا من البحر كلما زاد هلعها وهي تشدد من احتضانه، تخبئ نفسها بجوار قلبه الذي اعتصرته بقبضتها المميتة الغير مبالية! لتلف يدها حول عنقه وهي تترجاه بخوف:.
مالك عشان خاطري نزلني، والله مش بعرف أعوم جوة كدة وتزين ثغره بابتسامة مشاكسة مستمتعة بذاك القرب الذي روى عطش روحه لعبيرها: تؤ تؤ، أنا سألتك وإنتِ مصممة، أنا بقا هخليكِ تعترفي بطريقتي وختم جملته بغمزة خبيثة بطرف عيناه، والختام خير بداية لأنتقام عاشق ولهان...! فتشبثت به اكثر وهي تردد بلا وعي: مالك لا لا والنبي والله هغرق، لو ليا غلاوة عندك فعلاً نزلني هز رأسه نافيًا والبرود خير خلفية لملامحه:.
لا لا خلاص، بما إنك احرجتيني ومش عايزة تقولي حاجة هزت رأسها بسرعة: هقول لو نزلتني وقيد خصرها بيداه لينزلها، لتصل الماء عند رقبتها، فإتسعت حدقتاها وهي تصرخ فيه بجزع: لا لا طلعني برة شوية انا مليش طول هنا مط شفتاه مجيبًا: لا مش ذنبي يا أوزعة تشبثت بذراعه اكثر لتهمس وهي ملتصقة به تمامًا: مالك والله حرام عليك يلا بقا وثبت نظراته على عيناها التي إلتمعت كعادتها، ونظراتها التي ادركت رغبته فرمفته بنظرات قلقة!
ويداه تشدد من اعتقال خصرها ليقول بعدها مشددًا على كل حرف: مش عايز أشوف الخوف في عينيكِ طول منا معاكِ ظلت محدقة به بشرود، شيئ ما بداخلها يؤمن بمحو تلك القسوة التي كانت يتصنعها، يوازيه شعور متوجس يطرحه العقل خوفًا من تغيره الاصطناعي! مسح على طرف انفها مداعبًا: سرحتِ فين يا شمسي؟ هزت رأسها نافية بتوتر: مش في حاجة وطلعني بقا عشان تعبت بجد وثبت رقبتها بيداه، والاخرى عند خصرها ليقترب منها اكثر وهو يهمس:.
سلامتك من التعب يا قلبي ابتعدت قليلاً وهي تزجره: مالك ردد خلفها مشاكسًا: قلب مالك تركته وحاولت السير ولكن لم تستطع فصرخا مستنجدة به: لا تعالى طلعني لو سمحت اومأ وهو يقترب ليمسك بها بجدية، ليعلق يداها على رقبته وهي خلفه... فخرجوا بعد دقائق لتتنهد هي بارتياح، فيما ألقى هو نظرة سريعة عليها قبل أن يستدير ويتجه عودة للمنزل دون كلمة اخرى!
كانت زينة مستلقية على الفراش في المستشفى، ملامحها تمامًا كلوحة فنية باهرة بهتت ألوانها بمرور الوقت والأناس عليها! ويحيى جالس بجوارها ينظر لها بشرود، مظهرها وهي مستيقظة لا يناسب مظهرها وهي نائمة ابدًا! يتذكر كلام الطبيب، لا يدري يشفق عليها ام يسعد ليستطع الانتقام!؟ وفي الحالتين الشفقة هي النتيجة الحتمية! بدءت تتململ في نومتها القصيرة، تتأوه من الألم الذي لم يزول بالكامل..
وفتحت عيناها ببطئ لتجد يحيى امامها فسرعان ما سألته: انا فين!؟ اجابها بهدوء شارد مستكين ؛ إنتِ في المستشفى لأن اغم عليكِ ابتلعت ريقها من حقيقة قد تكون إنسحبت دون ارادتها فسألته متوجسة: وإية اللي حصل لما جينا رفع كتفيه يجيب ببراءة مصطنعة: إية اللي حصل يعني الدكتور كشف عليكِ وبس إتسعت حدقتا عيناها قبل أن تقول متساءلة بهلع: وقال إية!؟ سألها دون تعبير واضح: تتوقعي يكون قال اية؟ رفعت كتفيها قبل ان تردف:.
معرفش انا بسألك ظل ينظر لها لثواني صامتًا، قبل أن يتنهد مجيبًا ببرود: قال إنه شاكك إنك مدمنة مخدرات وشعرت كأنها بعاصفة مدورة تلوح بها في أفق الأنتقام والضعف! لتنظر له مترجية ومستعطفة، قبل أن تهمس بصوت حاولت إخراجه ثابتًا: لأ، أكيد في غلط رفع حاجبه الأيسر متهكمًا: فعلاً؟ اومأت مؤكدة بكذب: ايوة، مستحيل أكون كدة تنهد قبل أن يسألها بخبث: إنتِ طبعًا مش عاوزة أي حد يعرف يا زينة صح؟
هزت رأسها وهي تقول بعدم فهم مصطنع: يعرف إية ده كذب اصلاً! كز على أسنانه قبل أن يردف بخشونة: زينة، أنا وإنتِ عارفين انه مش كذب، كل حاجة تدل على انه فعلاً ألم المخدرات ونظرت له بضعف قبل أن تهمس له متساءلة: أنت عايز اية؟ صفق بيده برفق قبل ان يبتسم مرددًا: بالظبط، هو ده الكلام السليم، أنا عاوز اية اعتدل في جلسته قبل أن يستطرد: هو طلب صغنن خالص نظرت له متساءلة: إية هو؟
واقترب قليلاً منها ليغتنم فرصته وهو يطلب طلبه والابتسامة المنتصرة لا تفارق وجهه الأسمر!
ظلت خلود على نفس حالتها تبكِ بحزن وهي تنظر للباب المغلق كل حينٍ ومين، تنوح وهي لا تتخيل ذلك الرفض الذي نتج عنه قسوة غير معهودة منه! ولكنه كجرحًا ليداويك فيما بعد؟! وسمعت صوت باب المنزل يُفتح، فتنهدت وهي تتيقن أن سيأتي لها حتمًا بعد ذلك الحبس الإنفرادي! مسحت دموعها مسرعًا قبل أن تنهض لتقف امام الباب مباشرةً إن كانت الدموع رمز للضعف، ستوشم هي رمزًا اخر يليق بعناد الأنثى الشرسة بداخلها!
وبالفعل فتح باب غرفتها ليدلف وهو يرمقها بنظرات نادمة نوعًا ما فبادلته هي الندم، ولكن السبب يختلف، ندمها على ثقة شعرت انها منحتها للشخث الخاطئ! وهو ندمه على طريقة سلكها بشكل خاطئ.. اقترب منها بهدوء هامسًا: خلود عقدت ذراعيها وهي تتمتم بسخرية: اممم نعم في حاجة، ناسي حاجة هنا ولا اية؟ اقترب اكثر وهو يبحث عن حجة مقنعة بين تلابيب عقله: أنا آآ يعني قاطعته وهي تشير له بيدها و تصيح فيه بقوة: ماتقربش مني، ابعد.
وبالطبع كانت رد فعل متوقع من شخص ك خلود يُثار غضبه بسهولة.. فعاد خطوة للخلف وهو يتنهد متابعًا: أنا اسف واقتربت هي هذه المرة وهي تزمجر فيه بغضب عارم: اسف على اية، على إنك مرضتش تخليني أروح لأهلي، ولا إنك رمتني في الاوضة زي الكلبة ومشيت مسح على شعره بضيق قبل أن يرد: على كل حاجة، إنتِ نرفزتيني مع أن آآ قاطعته مشيرة بحدة مفرطة:.
مع أنك بتعمل كدة عشاني صح، لا انا مش عايزاك تعملي حاجة، سيبني اتحمل نتيجة قراراتي وملكش دعوة زفر بقوة يحاول استعادة رباطة جأشه قبل يتنحتح مستطردًا: طيب هنتكلم بعدين، دلوقتِ في واحدة برة وهتقعد معانا إتسعت حدقتا عيناها قبل أن تسأله بنزق ؛ واحدة! واحدة مين دي أن شاء الله؟! والتوتر كان أكبر دليل على حيرة تتسع داخله رويدًا رويدًا!
ولكنه قطع الشك باليقين وهو يجيبها بصوته الأجش بما سقط على اذنيها كسوطًا حدته من الصدمة: دي مراتي! ثم اشار لها لتدلف بهدوء تام تحت انظارهم في ذلك الجو الذي كان فيه التوتر والصدمة مرافقين لنسمات الهواء!
هاستنى إية تاني اكتر من كدة!
قالها احدهم لمعتز الذي كان يقف امامه، في بهو منزل واسع يكاد يكون فارغ، يقف وهو يشعر بالدنيا تموج غيظًا من حوله.. فنظر له معتز ليجيبه بهدوء: يا ريس أنا مش عارف أنت لية عامل كدة، خلاص دلوقتِ الراجل مات يبقى اكيد الفلاشة كمان راحت وخلاص.
هز الاخر رأسه نافيًا بسرعة ليسأله: وأنت أيش ضمنك مايكونش حد اخد الفلاشة منه قبل ما يموت في السجن اجابه معتز ببساطة: لانه لو حد اخد الفلاشة وشاف اللي عليها كان طبيعي هيبلغ البوليس نظر له وهو يتابع مفكرًا: يمكن مستني الفرصة المناسبة، ويمكن بنته هي اللي معاها الفلاشة ضيق معتز عيناه مردفًا بسخط:.
يا باشا، يا باشا ده احنا كنا مراقبين البت 24 ساعة وتقريبًا ما بتخرجش من بيتهم، انا متأكد إن الفلاشة مش مع حد من عيلته خالص كز على أسنانه بغيظ قبل أن يصيح فيه: ما أنت اللي مانعني، لو تسيبني اجيب البت وأأررها على كل حاجة هز رأسه نافيًا بسرعة: عشان نضطر اما نقتلها او ندخل السجن صح سأله بفزع: بعيد الشر لييية يعني قال وهو يعقد ذراعيه ببرود ظاهري:.
لو البت جبناها وطلعت ممعهاش فلاشة فعلاً هنسيبها ولما نسيبها اكيد مش هتسكت وهتبلغ البوليس، اما الحل التاني اننا نقتلها عشان ماتبلغش! صرخ فيه الاخر: خلاص اسكت، فكر معايا في طريقة ندخل بيها السجن نشوف الراجل ساب حاجة ولا لا عقد ما بين حاجبيه وهو يهمس: مش الواد قالك انه ملاقاش حاجة في هدوم الراجل؟ اومأ مؤكدًا: ايوة بس أنا متأكد أننا هنلاقي حاجة لو دورنا وسألنا كويس في السجن!
كانت شمس تسير خلف مالك الذي لم يعطيها أدنى اهتمام وهو يسير امامها..
بينما هي تسرع خطواتها خلفه قد المستطاع وهي تناديه بصوت خافت: مالك استنى، رجلي وجعتني من كتر المشي السريع ده حرام عليك.
قد تعلم مدى ضيقه من اعترافًا لطالما كان يراه يضخ من عيناها والان بلمح البصر اختفى ليحل محله القلق! ولكن ما هو اكيد أنه ليس بإرادتها.. قد يكون القلب رضخ تحت حكم الحب، والحواس وخلاياها استسلمت للمساته التي لم تعهدها يومًا! ولكن يبقى عقلها هو المعترض الوحيد على مبدئ من العشق لا يتوافق معه!
ونادته مرة اخرى بضيق: مالك أقف بقااا الله وبالطبع لم يرد ايضًا هذه المرة، فابتسمت بهدوء قبل أن تردد بمرح: باشا، يا باشا، باشا، يا باشا، باشا، يا باشا، باشا، يا باشا إلتفت لها اخيرًا وهو يواجهها بغضب مصطنع ازعجها: يووه، ماتمشي ساكتة بقا شوية وتبطلي رغي ثم اشار للمنزل متابعًا: احنا خلاص وصلنا اصلاً ثم أمسك بيدها دون ان ينظر لها ساحبًا اياها للداخل بخطى مسرعة إلى حدًا ما، فوجدت نفسها تهمس بتلقائية:.
طب بصلي ولم يستوعب تلك الكلمة القصيرة في البداية، والتي تردد صداها بداخله مهللاً من معشوقته التي تطلب نظرته بإرادتها! فرمقها بنظرات خصها بها، نظرات لو تذيب فعليًا لكانت سقطت على الفور من اثرها! لانت قبضته قليلاً وهم يدلفوا ليغلق الباب خلفه، ولم تمر ثانية وهو يحاصرها بين ذراعيه كعادته عند الانفراد بها، لتصيح فيه بقلق: إية؟ ضحك وهو يبادلها الكلمة مصحوبة بغمزة خبيثة تعرفها جيدًا:.
إية إنتِ، مش قولتي بصلي، أديني ببص لك اهوو هزت رأسها نافية ببلاهه: طب لا خلاص بص الناحية التانية هز رأسه نافيًا ببطئ وهو يقترب من وجهها، ليهمس بصوت متهدج: لا، انا حبيت الناحية دي، وجمال الناحية دي ثم تحسس عيناها بشفتاه قبل أن يتابع همسه: وعيونها ثم نظر على شفتاها بعبث مردفًا: وشفايفها وقبلة رقيقة حنونه عصفها بها كزلزالاً هز مشاعرها المكبوته نحوه.. شفتاه تقبض على شفتاها بشوق حقيقي بثه لها!
لتنتقل تلقائيًا لوجنتاها ببطئ ثم رقبتها التي ظهرت لتوها، ثم كل جزء تطوله شفتاه بلا منازع... وقطع لحظاتهم الحالمة صوت هاتفه الذي صدح لتدفعه شمس مغمغمة بصوت مبحوح: التليفون تأفف وهو يبتعد ليخرجه من جيبه مجيبًا بصوت لاهث: الووو نعم وثواني نظر فيها لشمس التي كانت تحاول تنظيم ضربات قلبها السريعة، ليستدير متجهًا للخارج وهو يستمع للمتحدث بصمت! عقدت شمس حاجبيها بضيق من عدم حديثه امامها..
ومرت دقائق ولم يأتي فاتجهت للخارج خلفه لتراه.. ويا ليتها لم تخرج، فسمعت جملته التي صلبتها مكانها ؛ لا بلا شمس بلا نيلة هي ناقصة ناس بيئة، ده أنتِ اللي في القلب يا قلبي، اكيد هاجيلك بس اكون قضيت المصلحة اللي هنا!